فصل: الفصل الرابع في العلم المدون

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أبجد العلوم **


 الفصل الثالث في تقسيم العلم قالوا للعلم تقسيمات

الأول‏:‏ إلى الحصولي والحضوري‏.‏

فالحصولي‏:‏ هو بحصول صورة الشيء عن المدرك، ويسمى بالعلم الانطباعي أيضاً، لأن حصول هذا العلم بالشيء إنما يتحقق بعد انتقاش صورة ذلك الشيء في الذهن لا بمجرد حضور ذلك الشيء عند العالم‏.‏

والحضوري‏:‏ هو بحضور الأشياء أنفسها عند العالم كعلمنا بذواتنا والأمور القائمة بها، ومن هذا القبيل علمه تعالى بذاته، وبسائر المعلومات‏.‏

ومنهم من أنكر العلم الحضوري وقال‏:‏ إن العلم بأنفسنا وصفاتنا النفسانية أيضاً حصولي، وكذلك علم الواجب تعالى، وقيل‏:‏

علمه تعالى بحصول الصورة في المجردات فإن جعل التعريف للمعنى الأعم الشامل للحضوري والحصولي بأنواعه الأربعة من الإحساس وغيره وبما يكون نفس المدرك وغيره فالمراد بالعقل الذات المجردة، ومطلق المدرك، وبالصورة ما يعم الخارجية والذهنية أي ما يتميز به الشيء مطلقاً، ‏(‏1/ 37‏)‏ وبالحصول الثبوت، والحضور سواء كان بنفسه أو بمثاله وبالمغايرة المستفادة من الظرفية أعم من الذاتية والاعتبارية، وبقي معنى عندكما اختاره المحقق الدواني ولا يخفى ما فيه من التكلفات البعيدة عن الفهم، وإن جعل التعريف للحصولي كان التعريف على ظاهره‏.‏

والمراد بالعقل قوة للنفس تدرك الغائبات بنفسها، والمحسوسات بالوسائط‏.‏ وبصورة الشيء ما يكون آلة لامتيازه، سواء كان نفس ماهية الشيء أو شبحاً له، والظرفية على الحقيقة‏.‏

اعلم أن القائلين بأن العلم هو الصورة فرقتان‏:‏

فرقة تدعي وتزعم أن الصور العقلية مثل وأشباح للأمور المعلومة بها مخافة لها بالماهية‏.‏ وعلى قول هؤلاء لا يكون للأشياء وجود ذهني بحسب الحقيقة بل بحسب المجاز‏.‏ كأن يقال مثلاً النار موجودة في الذهن، ويراد به يوجد فيه شبح له نسبة مخصوصة إلى ماهية النار، بسببها كان ذلك الشبح علما بالنار لا بغيرها من الماهيات، ويكون العلم من مقولة الكيف ويصير العلم والمعلوم متغايرين ذاتاً واعتباراً‏.‏

وفرقة تدعي أن تلك الصورة مساوية في الماهية للأمور المعلومة بها بل الصور هي ماهيات المعلومات من حيث إنها حاصلة في النفس، فيكون العلم والمعلوم متحدين بالذات مختلفين بالاعتبار‏.‏ وعلى قول هؤلاء يكون للأشياء وجودان خارجي وذهني بحسب الحقيقة، والتعريف ‏(‏1/ 38‏)‏ الثاني للعلم مبني على هذا المذهب‏.‏ وعلى هذا قال الشيخ‏:‏ الإدراك الحقيقة المتمثلة عند المدرك‏.‏

الثاني‏:‏ إلى أن العلم الحادث إما تصور أو تصديق

والعلم القديم‏:‏ لا يكون تصوراً ولا تصديقاً‏.‏

الثالث‏:‏ إلى أن الأشياء المدركة، أي المعلومة تنقسم إلى ما لا يكون خارجاً عن ذات المدرك أي العالم، وإلى ما يكون

أما في الأول‏:‏ فالحقيقة الحاصلة عند المدرك هي نفس حقيقتها‏.‏

وأما في الثاني‏:‏ فهي تكون غير الحقيقة الموجودة في الخارج، بل هي إما صورة منتزعة من الخارج إن كان الإدراك مستفاداً من خارج كما في العلم الانفعالي، أو صورة حصلت عند المدرك ابتداء سواء كانت الخارجية مستفادة منها، كما في العلم الفعلي أو لم تكن‏.‏

وعلى التقديرين فإدراك الحقيقة الخارجية بحصول تلك الصورة الذهنية عند المدرك والاحتياج إلى الانتزاع إنما هو في المدرك المادي لا غير، كذا في ‏(‏شرح الإشارات‏)‏ وفي ‏(‏شرح الطوالع‏)‏‏:‏ الشيء المدرك إما نفس المدرك أو غيره‏.‏ وغيره إما خارج عنه أو غير خارج عنه‏.‏ والخارج عنه إما مادي أو غير مادي‏.‏

فهذه أربعة أقسام، الأول‏:‏ ما هو نفس المدرك‏.‏

والثاني‏:‏ ما هو غيره لكنه غير خارج عنه‏.‏

والثالث‏:‏ ما هو خارج عنه لكنه مادي‏.‏

والرابع‏:‏ ما هو خارج عنه لكنه غير مادي‏.‏ والأولان منها إدراكهما بحصول نفس الحقيقة عند المدرك فيكون إدراكهما حضورياً، والأول بدون الحلول، والثاني بالحلول، والآخران لا يكون إدراكهما بحصول نفس الحقيقة الخارجية، بل بحصول مثال الحقيقة سواء كان الإدراك مستفاداً من الخارجية أو الخارجية ‏(‏1/ 39‏)‏ مستفادة من الإدراك‏.‏ والثالث إدراكه بحصول صورة منتزعة عن المادة مجردة عنها‏.‏ والرابع لم يفتقر إلى الانتزاع‏.‏

الرابع‏:‏

إلى واجب أي ممتنع الانفكاك عن العالم كعلمه بذاته، وممكن كسائر العلوم‏.‏

الخامس‏:‏

إلى فعلي ويسمى كلياً قبل الكثرة، وهو ما يكون سبباً لوجود المعلوم في الخارج كما نتصور السرير مثلاً ثم نوجده‏.‏ وانفعالي ويسمى كلياً بعد الكثرة، وهو ما يكون مسبباً عن وجود العالم، بأن يكون مستفاداً من الوجود الخارجي، كما نجد أمراً في الخارج، كالسماء والأرض ثم نتصوره، فالفعلي ثابت قبل الكثرة، والانفعالي بعدها‏.‏ فالعلم الفعلي كلي يتفرع عليه الكثرة وهي الأفراد الخارجية‏.‏ والعلم الانفعالي كلي يتفرع على الكثرة‏.‏ وقد يقال إن لنا كلياً مع الكثرة لكنه من قبيل العلم ومبني على وجود الطبائع الكلية في ضمن الجزئيات الخارجية‏.‏

قال الحكماء‏:‏ علم الله سبحانه بمصنوعاته فعلي لأنه السبب لوجود الممكنات في الخارج، لكن كون علمه تعالى سبباً لوجودها لا يتوقف على الآلات، بخلاف علمنا بأفعالنا، ولذلك يتخلف صدور معلومنا عن علمنا‏.‏ وقالوا‏:‏ إن علمه تعالى بأحوال الممكنات على أبلغ النظام وأحسن الوجوه بالقياس إلى الكل، من حيث هو كل هو الذي استند عليه وجودها على هذا الوجه دون سائر الوجوه الممكنة، وهذا العلم يسمى عندهم بالعناية الأزلية‏.‏

وأما علمه تعالى بذاته فليس فعلياً ولا انفعالياً أيضاً، بل هو عين ذاته بالذات وإن كان مغايراً له بالاعتبار‏.‏

السادس‏:‏ إلى ما يعلم بالفعل، وهو ظاهر وما يعلم بالقوة‏.‏

كما إذا في يد زيد اثنان فسئلنا أزوج هو أم فرد‏؟‏ قلنا‏:‏ نعلم إن كل اثنين زوج، وهذا اثنان فنعلم أنه زوج، علماً بالقوة القريبة من الفعل، وإن لم نكن نعلم أنه بعينه زوج‏.‏ وكذلك جميع الجزئيات المندرجة تحت الكليات فإنها معلومة بالقوة قبل أن يتنبه للاندراج‏.‏ فالنتيجة حاصلة في كبرى القياس، هكذا قال بعض المتكلمين‏.‏

السابع‏:‏ إلى تفصيلي وإجمالي

والتفصيلي كمن ينظر إلى أجزاء المعلوم ومراتبه بحسب أجزائه بأن يلاحظها واحداً بعد واحد، والإجمالي كمن يعلم مسألة فيسأل عنها فإنه يحضر الجواب الذي هو تلك المسألة بأسرها في ذهنه دفعة واحدة، وهو ـ أي ذلك الشخص المسئول ـ متصور للجواب لأنه عالم بأنه قادر عليه، ثم يأخذ في تقرير الجواب، فيلاحظ تفصيله، ففي ذهنه أمر بسيط هو مبدأ التفاصيل والتفرقة بين الحالة الحاصلة دفعة عقيب السؤال وبين حالة الجهل الثابتة قبل السؤال‏.‏

وملاحظة التفصيل ضرورية وحدانية، إذ في حالة الجهل المسماة عقلاً بالفعل ليس إدراك الجواب حاصلاً بالفعل بل النفس في تلك الحالة تقوى على استحضاره بلا تجشم كسب جديد فهناك قوة محضة‏.‏

وفي الحالة الحاصلة عقيب السؤال قد حصل بالفعل شعور وعلم ما بالجواب، لم يكن حاصلاً قبله‏.‏ وفي الحالة التفصيلية صارت الأجزاء ملحوظة قصداً‏.‏ ولم يكن حاصلاً في شيء من الحالتين السابقتين، وشبه ذلك بمن يرى نعماً كثيرة تارة دفعة، فإنه يرى في هذه الحالة جميع أجزائه ضرورة، وتارة بأن يحدق البصر نحو واحد فيفصل أجزاءه‏.‏ فالرؤية الأولى إجمالية الثانية تفصيلية‏.‏

وأنكر الإمام الرازي العلم الإجمالي، والعلم ‏(‏1/ 41‏)‏ الإجمالي على تقدير جواز ثبوته في نفسه هل يثبت لله تعالى أو لا‏؟‏ جوزه القاضي والمعتزلة ومنعه كثير من أصحابنا وأبو الهاشم‏.‏ والحق أنه إن اشترط في الإجمالي الجهل بالتفصيل امتنع عليه تعالى وإلا فلا‏.‏

الثامن‏:‏

إلى التعقل، والتوهم، والتخيل، والإحساس‏.‏

التاسع‏:‏ إلى الضروري، والنظري

وعلم الله تعالى عند المتكلمين لا يوصف بضرورة ولا كسب، فهو واسطة بينهما‏.‏ وأما المنطقيين فداخل في الضروري‏.‏

والفرق بين العلم بالوجه، وبين العلم بالشيء من وجه، أن معنى الأول حصول الوجه عند العقل‏.‏ ومعنى الثاني أن لاشيء حاصل عند العقل لكن لا حصولاً تاماً فإن التصور قابل للقوة والضعف، كما إذا تراءى لك شبح من بعيد فتصورته تصوراً ما، ثم يزداد انكشافا عندك بحسب تقاربك إليه إلى أن يحصل في عقلك كمال حقيقته‏.‏

ولو كان العلم بالوجه هو العلم بالشيء من ذلك الوجه ما على ظنه من لا تحقيق له لزم أن يكون جميع الأشياء معلومة لنا مع عدم توجه عقولنا إليها، وذلك ظاهر الاستحالة‏.‏ كذا في ‏(‏شرح المطالع‏)‏ في بحث الموضوع‏.‏ وقال عبد الحكيم ‏(‏في حاشية شرح المواقف‏)‏ في المقصد الرابع من مقاصد العلم في الموقف الأول‏:‏ ‏(‏‏(‏إنهم اختلفوا في علم الشيء بوجه وعلم وجه الشيء، فقال من لا تحقيق له‏:‏ إنه لا تغاير بينهما أصلاً وقال المتقدمون بالتغاير بالذات، إذ في الأول الحاصل في الذهن نفس الوجه وهو آلة ‏(‏1/ 42‏)‏ لملاحظة الشيء والشيء معلوم بالذات‏.‏ وفي الثاني الحاصل في الذهن صورة الوجه وهو المعلوم بالذات، من غير التفات إلى الشيء ذي الوجه‏.‏

وقال المتقدمون بالتغاير بالاعتبار‏:‏ إذ لا شك في أنه لا يمكن أن يشاهد بالضاحك أمر سواه‏.‏ إلا أنه إذا اعتبر صدقه على أمر واتحاده معه، كما في موضوع القضية المحصورة، كان علم الشيء بالوجه‏.‏ وإذا اعتبر مع قطع النظر عن ذلك كان علم الوجه، كما في موضوع القضية الطبيعية‏)‏‏)‏ انتهى‏.‏

وأثبت أبو هاشم علماً لا معلوم له، كالعلم بالمستحيل فإنه ليس بشيء والمعلوم شيء‏.‏ وهذا أمر اصطلاحي محض لا فائدة فيه والله أعلم‏.‏

 

الفصل الرابع في العلم المدون

وموضوعه، ومباديه، ومسائله، وغايته

اعلم أن لفظ العلم كما يطلق على ما يرادفه، وهو أسماء العلوم المدونة كالنحو والفقه، فيطلق كأسماء العلوم تارة على المسائل المخصوصة، كما يقال‏:‏ فلان يعلم النحو‏.‏ وتارة على التصديقات بتلك المسائل عن دليلها‏.‏ وتارة على الملكة الحاصلة من تكرر تلك التصديقات أي ملكة استحضارها‏.‏

وقد يطلق الملكة على التهيؤ التام، وهو أن يكون عنده ما يكفيه لاستعلام ما يراد‏.‏ والتحقيق أن المعنى الحقيقي للفظ العلم هو الإدراك، ولهذا المعنى متعلق هو المعلوم‏.‏ وله تابع في الحصول يكون وسيلة إليه في البقاء وهو الملكة‏.‏ فإطلاق لفظ العلم على كل منها، إما حقيقة عرفية، أو اصطلاحية، أو مجاز مشهور‏.‏ وقد يطلق على مجموع المسائل والمبادئ التصورية والمبادئ التصديقية والموضوعات، ومن ذلك يقولون‏:‏ أجزاء العلوم ثلاثة‏.‏ وقد تطلق أسماء العلوم على مفهوم كلي إجمالي يفصل في تعريفه، فإن فصل نفسه كان حداً اسمياً، وإن بين لازمه كان رسماً اسمياً‏.‏ وأما حده الحقيقي فإنما هو بتصور مسائله أو بتصور التصديقات المتعلقة بها، فإن حقيقة كل علم مسائل ذلك العلم أو التصديقات بها‏.‏

وأما المبادئ وآنية الموضوعات ‏(‏1/ 44‏)‏ فإنما عدت جزءاً منها لشدة احتياجها إليها، وفي تحقيق ما ذكرنا بيانات ثلاثة‏:‏

البيان الأول‏:‏ في بحث الموضوع

اعلم أن السعادة الإنسانية لما كانت منوطة بمعرفة حقائق الأشياء وأحوالها بقدر الطاقة البشرية، وكانت الحقائق وأحوالها متكثرة متنوعة تصدى الأوائل لضبطها وتسهيل تعليمها، فأفردوا الأحوال الذاتية المتعلقة بشيء واحد، أو بأشياء متناسبة ودونوها على حدة وعدوها علماً واحداً وسموا ذلك الشيء أو الأشياء موضوعا لذلك العلم، لأن موضوعات مسائله راجعة إليه‏.‏

فموضوع العلم ما تنحل إليه موضوعات مسائله وهو المراد بقولهم في تعريفه بما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية‏.‏ فصار كل طائفة من الأحوال، بسبب تشاركها في الموضوع علما منفرداً ممتازاً بنفسه عن طائفة متشاركة في موضوع آخر‏.‏

فتمايزت العلوم في أنفسها بموضوعاتها، وهو تمايز اعتبروه مع جواز الامتياز شيء آخر كالغاية والمحمول‏.‏ وسلكت الأواخر أيضا هذه الطريقة الثانية في علومهم، وذلك أمر استحسنوه في التعليم والتعلم‏.‏ وإلا فلا مانع عقلاً من أن يعد كل مسألة علما برأسه ويفرد بالتعليم والتدوين، ولا من أن يعد مسائل متكثرة غير متشاركة في الموضوع علماً واحداً يفرد بالتدوين وإن تشاركت من وجه آخر ككونها متشاركة في أنها أحكام بأمور على أخرى‏.‏

فعلم أن حقيقة كل علم مدون المسائل المتشاركة في موضعها واحد، وأن لكل علم موضوعا وغاية‏.‏ وكل علم له جهة وحدة تضبط تلك المسائل المتكثرة، وتعد باعتبارها علماً واحداً‏.‏ إلا أن الأولى جهة وحدة ذاتية، والثانية جهة وحدة عرضية‏.‏ ولذلك تعرف العلوم تارة ‏(‏1/ 45‏)‏ باعتبار الموضوع، فيقال في تعريف المنطق مثلا‏:‏ علم يبحث فيه عن أحوال المعلومات، وتارة باعتبار الغاية فيقال في تعريفه‏:‏ آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر‏.‏

ثم إن الأحوال المتعلقة بشيء موحد أو أشياء مناسبة تناسباً معتداً به إما في أمر ذاتي كالخط والسطح والجسم التعليمي، المتشاركة في مطلق المقدار الذي هو ذاتي لها كعلم الهندسة، أو في أمر عرضي كالكتاب والسنة والإجماع والقياس المتشاركة في كونها موصلة إلى الأحكام الشرعية كعلم أصول الفقه، فنكون تلك الأحوال من الأعراض الذاتية التي تلحق الماهية من حيث هي لا بواسطة أمر أجنبي‏.‏

وأما التي جميع مباحث العلم راجعة إليها فهي إما راجعة إلى نفس الأمر الذي هو الواسطة، كما يقال في الحساب‏:‏ العدد إما زوج أو فرد، أو إلى جزئي تحته كقولنا‏:‏ الثلاثة فرد، وكقولنا في الطبيعي‏:‏ الصورة تفسد وتخلف به لا عنه، أو إلى عرض ذاتي له كقولنا‏:‏ المفرد إما أول أو مركب‏.‏

وأما العرض الغريب، وهو ما يلحق الماهية بواسطة أمر عجيب، إما خارج عنها أعم منها أو أخص فالعلوم لا تبحث عنه، فلا ينظر المهندس في أن الخط المستدير أحسن أو المستقيم، ولا في أن الدائرة نظير الخط المستقيم أو ضده، لأن الحسن والتضاد غريب عن موضوع علمه، وهو المقدار، فإنهما يلحقان المقدار لا لأنه مقدار بل لوصف أعم منه كوجوده أو كعدم وجوده‏.‏

وكذا الطبيب لا ينظر في أن الجرح مستدير أم غير مستدير لأن الاستدارة لا تلحق الجسم من حيث هو جريح، بل لأمر أعم منه كما مر، وإذا قال الطبيب هذه الجراحة مستديرة والدوائر أوسع الأشكال فيكون بطيء البرء، لم يكن ما ذكره من علمه‏.‏

ثم اعلم أن موضوع علم يجوز أن يكون موضوع علم آخر، وأن يكون أخص منه أو أعم، وأن يكون مباينا عنه، لكن يندرجان ‏(‏1/ 46‏)‏ تحت أمر ثالث، وأن يكون مباينا له غير مندرجين تحت ثالث، لكن يشتركان بوجه دون وجه، ويجوز أن يكونا متباينين مطلقا، فهذه ستة أقسام‏:‏

الأول‏:‏ أن يكون موضوع علم عين موضوع علم آخر

فيشترط أن يكون كل منهما مقيداً بقيد غير قيد الآخر، وذلك كأجرام العالم فإنها من حيث الشكل موضوع الهيئة، ومن حيث الطبيعة موضوع لعلم السماء، والعالم من الطبيعي فافترقا بالحيثيتين‏.‏

ثم إن اتفق أبحاث بعض المسائل فيها بالموضوع والمحمول فلا بأس إذ يختلف بالبراهين، كقولهم بأن الأرض مستديرة وهي وسط السماء في الصور والمعاني، لكن البرهان عليهما من حيث الهيئة غير البرهان من جهة الطبيعي‏.‏

الثاني والثالث‏:‏ أن يكون موضوع علم أخص من علم آخر، أو أعم منه

فالعموم والخصوص بينهما إما على وجه التحقيق، بأن يكون العموم والخصوص بأمر ذاتي له مثل كون العام جنسا للخاص، أو بأمر عرضي‏.‏ فالأول كالمقدار والجسم التعليمي، فإن الجسم التعليمي أخص، والمقدار جنس له وهو موضوع الهندسة، والجسم التعليمي موضوع المجسمات‏.‏

وكموضوع الطب وهو بدن الإنسان فإنه نوع من موضوع العلم الطبيعي وهو الجسم المطلق، والثاني كالموجود والمقدار، فإن الموجود موضوع العلم الإلهي، والمقدار موضوع الهندسة، وهو أخص من الموجود، لا لأنه جنسه بل لكونه عرضا عاما له‏.‏

الرابع‏:‏ أن يكون الموضعان متباينين

لكن يندرجان تحت أمر ثالث، كموضوع الهندسة والحساب فإنهما داخلان تحت الكم فيسميان متساويين‏.‏

الخامس‏:‏ أن يكونا مشتركين بوجه دون وجه

مثل موضوعي الطب والأخلاق، فإن لموضوعيهما اشتراكا في القوى الإنسانية‏.‏ السادس‏:‏ أن يكون بينهما تباين، كموضوع الحساب والطب، فليس بين العدد وبدن الإنسان اشتراك ولا مساواة‏.‏

تنبيه‏:‏ اعلم أن الموضوع في علم لا يطلب بالبرهان، لأن المطلوب في كل علم هي الأعراض الذاتية الموضوعة، والشيء لا يكون عرضيا ذاتيا لنفسه، بل يكون إما بينا بنفسه أو مبرهنا عليه في علم آخر فوقه، بحيث يكون موضوع هذا العلم عرضا ذاتيا لموضوعه إلى أن ينتهي إلى العلم الأعلى الذي موضوعه الموجود، لكن يجب تصور الموضوع في ذلك العلم والتصديق بهيئته بوجه ما‏.‏ فكون علم فوق علم أو تحته مرجعه إلى ما ذكرنا فافهم‏.‏

البيان الثاني‏:‏ في المبادئ‏:‏

وهي المعلومات المستعملة في العلوم لبناء مطالبها المكتسبة عليها‏.‏ وهي إما تصورية بحدود موضوعه وحدود أجزائه وجزئياته ومحمولاته، إذ لا بد من تصور هذه الأمور بالحد المشهور‏.‏ وإما تصديقية وهي القضايا المتألفة عنها قياساتها وهي على قسمين‏:‏

الأول‏:‏ أن تكون بينة بنفسها، وتسمى المتعارفة

وهي إما مبادئ لكل علم كقولنا‏:‏ النفي والإثبات لا يجتمعان ولا يرتفعان، أو لبعض العلوم كقول إقليدس‏:‏ إذا أخذ من المتساويين قدران متساويان بقي الباقيان متساويين‏.‏

الثاني‏:‏ أن تكون غير بينة بنفسها، لكن يجب تسليمها

ومن شأنها أن تبين في علم آخر، وهي مسائل بالنسبة إلى ذلك العلم الآخر‏.‏

والتسليم إن كان على سبيل حسن الظن بالعلم تسمى أصولا موضوعة، كقول الفقيه‏:‏ هذا حرام بالإجماع‏.‏ فكون الإجماع حجة من الأمور المسلمة في الفقه، لأنها من مسائل الأصول‏.‏ وإن كان على استنكار تسمى مصادرات كقوله‏:‏ هذا الحكم ثبت بالاستحسان‏.‏ فتسليم كونه حجة عند القوم من المصادرات‏.‏ ويجوز أن تكون المقدمة الواحدة عند شخص من المصادرات وعند آخر من الأصول الموضوعة‏.‏

وقد تسمى الحدود والمقدمات المسلمة أوضاعا، وكل واحد منهما يكون مسائل في علم آخر فوقه إلى الأعلى، لكن يجوز أن يكون بعض مسائل العلم السافل موضوعاً وأصولاً للعلم العالي، بشرط أن لا تكون مبينة في العلم السافل بالأصول التي بنيت على تلك المسائل، بل مقدمات بينة بنفسها أو بغيرها من الأصول وإلا يلزم الدور‏.‏

وأيضا لا يجوز أن يثبت شيء من المقدمات الغير البينة من الأصول الموضوعة والمصادرات بالدليل إن توقف عليها جميع مقاصد العلوم للدور، وإن توقف عليها بعض مقاصدها فيمكن بيانها في ذلك العلم‏.‏والأول‏:‏ يسمى المبادئ العامة، كون النظر مفيدا للعين‏.‏ والثاني‏:‏ المبادئ الخاصة، كإبطال الحسن والقبح العقليين‏.‏

البيان الثالث‏:‏ في مسائل العلوم

وهي القضايا التي تطلب في كل علم نسبة محمولاتها بالدليل إلى موضوعاتها‏.‏

وكل علم مدون المسائل المتشاركة في موضوع واحد كما مر، فتكون المسائل موضوع العلم أعني هيئته البسيطة، وهي إنيتها‏.‏

وموضوع المسألة قد يكون بنفسه موضوعاً لذلك العلم، كقول النحوي‏:‏ كل كلام مركب من اسمين أو كقول النحوي‏:‏ كل كلام مركب من اسمين أو اسم وفعل فإن الكلام هو موضوع النحو أيضاً‏.‏

وقد يكون موضوع المسألة موضوع ذلك العلم مع عرض ذاتي له،

كقولنا في الهندسة‏:‏ المقدار المباين لشيء مباين لكل مقدار يشاركه‏.‏ فالموضوع في المسألة المقدار المباين، والمباين عرض ذاتي له‏.‏ وقد يكون موضوع المسألة نوع موضوع العلم، كقولنا في الصرف‏:‏ الاسم إما ثلاثي وإما زائد على الثلاثي‏.‏ فإن موضوع العلم الكلمة، والاسم نوعها‏.‏

وقد يكون موضوع المسألة نوع موضوع مع عرض ذاتي له، كقولنا في الهندسة‏:‏ كل خط مستقيم وقع على مستقيم فالزاويتان الحادثتان إما قائمتان أو معادلتان لهما‏.‏ فالخط نوع للمقدار، والمستقيم عرض ذاتي له، وقد يكون موضوع المسألة عرضا ذاتيا لموضوع العلم، كقولنا في الهندسة كل مثلث زواياه مساوية لقائمتين‏.‏ فالمثلث من الأعراض الذاتية للمقدار‏.‏

خاتمة الفصل‏:‏ في غاية العلوم

اعلم أنه إذا ترتب على فعل أثر فذلك الأثر من حيث إنه نتيجة لذلك الفعل وثمرته يسمى فائدة، ومن حيث إنه على طرف الفعل ونهايته يسمى غاية‏.‏ ففائدة الفعل وغايته متحدان بالذات ومختلفان بالاعتبار‏.‏

ثم ذلك الأثر المسمى بهذين الأمرين إن كان سببا لإقدام الفاعل على ذلك الفعل يسمى بالقياس إلى الفاعل غرضا ومقصودا، ويسمى بالقياس إلى فعله علة غائية‏.‏ والغرض والعلة الغائية متحدان بالذات ومختلفان بالاعتبار‏.‏ وإن لم يكن سببا للإقدام كان فائدة وغاية فقط، فالغاية أعم من العلة الغائية، كذا أفاده العلامة الشريف فظهر أن غاية العلم ما يطلب ذلك العلم لأجله‏.‏

ثم إن غاية العلو الغير الآلية حصولها أنفسها لأنها في حد ذاتها مقصودة بذواتها، وإن أمكن أن يترتب عليها منافع أخر، والتغاير الاعتباري كاف فيه‏.‏ فاللازم من كون الشيء غاية لنفسه أن يكون وجوده الذهني علة لوجوده الخارجي ولا محذور فيه‏.‏

وأما غاية العلوم الآلية فهو حصول غيرها لأنها متعلقة بكيفية العمل، فالمقصود منها حصول العمل، سواء كان ذلك العمل مقصودا بالذات أو لأمر آخر يكون غاية أخيرة لتلك العلوم‏.‏

 

الفصل الخامس في بيان تقسم العلوم المدونة وما يتعلق بها

العلوم المدونة وهي التي دونت في الكتب، كعلم الصرف والنحو والمنطق والحكمة ونحوها‏.‏

اعلم أن العلماء اختلفوا، فقيل‏:‏ لا يشترط في كون الشخص عالماً بعلم أن يعلمه بالدليل‏.‏ وقيل‏:‏ يشترط ذلك حتى لو علمه بلا أخذ دليل يسمى حاكياً لا عالماً، وإليه يشير كلام المحقق عبد الحكيم في ‏(‏حاشية الفوائد الضيائية‏)‏ حيث قال‏:‏ ‏(‏‏(‏من قال‏:‏ العلم عبارة عن العلم بالمسائل المبرهنة، جعل العلم بالمسائل المجردة حكاية لمسائل العلوم‏.‏ ومن‏:‏ قال إنه عبارة عن المسائل جعله علماً‏)‏‏)‏ انتهى‏.‏

وبالنظر إلى المذهب الأول، ذكر المحقق المذكور في ‏(‏حواشي الخيالي‏)‏ من ‏(‏‏(‏أن العلم قد يطلق على التصديق بالمسائل، وقد يطلق على نفس المسائل، وقد يطلق على الملكة الحاصلة منها‏.‏ وأيضاً مما يقال‏:‏ كتبت علم فلان أو سمعته، أو يحصر في ثمانية أبواب مثلاً، هو المعنى الثاني ويمكن حمله على المعنى الأول أيضاً بلا بعد، لأن تدوين العلوم ‏(‏1/ 52‏)‏ بعد تدوين العلم عرفاً‏.‏ وأما تدوين الملكة فمما يأباه الذوق السليم‏)‏‏)‏ انتهى‏.‏

وما يقال‏:‏ فلان يعلم النحو، مثلاً لا يراد به أن جميع مسائله حاضرة في ذهنه، بل يراد به أن له حالة بسيطة إجمالية هي مبدأ لتفاصيل مسائله بها يتمكن من استحضارها‏.‏ فالمراد بالعلم المتعلق بالنحو ههنا هو الملكة وإن كان النحو عبارة عن المسائل، هكذا يستفاد من ‏(‏المطول‏)‏ و ‏(‏حواشيه‏)‏‏.‏

وبالنظر إلى المذهب الثاني قال صاحب ‏(‏الأطول‏)‏ في تعريف علم المعاني، أسماء العلوم المدونة، نحو علم المعاني تطلق على إدراك القواعد عن دليل، حتى لو أدركها أحد تقليدا، لا يقال له عالم بل حاك‏)‏‏)‏ ذكره السيد السند في ‏(‏شرح المفتاح‏)‏‏.‏

وقد تطلق على معلوماتها التي هي القواعد، لكن إذا علمت عن دليل وإن أطلقوا، وعلى الملكة الحاصلة من إدراك القواعد مرة بعد أخرى أعني ملكة استحضارها متى أريد‏.‏ لكن إذا كانت ملكة إدراك عن دليل وإن أطلقوا كما يقتضيه تخصيص الاسم بالإدراك عن دليل كما لا يخفى‏.‏ وكذلك لفظ العلم يطلق على المعاني الثلاثة، لكن حقق السيد السند أنه في الإدراك حقيقة، وفي الملكة التي هي تابعة للإدراك في الحصول ووسيلة إليه، في البقاء وفي متعلق الإدراك الذي هو المسائل إما حقيقة عرفية أو اصطلاحية أو مجاز مشهور‏.‏

وفي كونه حقيقة الإدراك نظر لأن المراد به الإدراك عن دليل لا الإدراك مطلقاً حتى يكون حقيقة انتهى‏.‏

وقال أبو القاسم في ‏(‏حاشية المطول‏)‏‏:‏ إن جعل أسماء العلوم المدونة مطلقة على الأصول والقواعد وإدراكها والملكة الحاصلة على سواء وكذا لفظ العلم، صح‏.‏ ثم إنهم ذكروا أن المناسب أن يراد بالملكة ههنا كيفية للنفس بها يتمكن من معرفة جميع المسائل، يستحضر بها ما كان معلوماً مخزوناً منها، ويستحصل ما كان مجهولاً لا ملكة الاستحضار فقط المسماة بالعقل بالفعل‏.‏

إذ الظاهر أن من تمكن من معرفة جميع مسائل علم، بأن يكون عنده ما يكفيه في تحصيلها، يعد عالماً بذلك العلم من غير اشتراط العلم بجميعها فضلاً عن صيرورتها مخزونة‏.‏ ولا ملكة الاستحصال فقط المسماة بالعقل بالملكة لأنه يلزم أن يعد عالماً من له تلك الملكة مع عدم حصول شيء من المسائل‏.‏ فالمراد بالملكة أعم من ملكة الاستحضار والاستحصال‏.‏

قال في ‏(‏الأطول‏)‏‏:‏ المراد ملكة الاستحضار لا الملكة المطلقة، وعدم حصول العلم المدون لأحد وهو يتزايد يوماً فيوماً ليس بممتنع ولا بمستبعد، فإن استحالة معرفة الجميع لا ينافي كون العلم سبباً لها‏.‏ وتسمية البعض فقيهاً أو نحوياً أو حكيماً كناية عن علو شأنه في ذلك العلم بحيث كأنه حصل له الكل‏.‏

وبالجملة‏:‏ فملكة الاستحصال ليست علماً وإنما الكلام في أن ملكة استحضار أكثر المسائل مع ملكة استحصال الباقي هل هو العلم أم لا‏؟‏ فمن أراد أن يكون إطلاق الفقيه على الأئمة حقيقة مع عجزهم عن جواب بعض الفتاوى التزم ذلك وأما على ما سلكنا من أن الإطلاق مجازي فلا يلزم‏.‏

ثم اعلم أن العلم وإن كان معنى واحداً وحقيقة واحدة، إلا إنه ينقسم إلى أقسام كثيرة من جهات مختلفة‏.‏ فينقسم من جهة إلى قديم ومحدث، ومن جهة متعلقه إلى تصور وتصديق، ومن جهة طرقه إلى ثلاثة أقسام‏:‏ قسم يثبت في النفس، وقسم يدرك بالحس، وقسم يعلم بالقياس‏.‏ وينقسم من جهة اختلاف موضوعاته إلى أقسام كثيرة يسمى بعضها علوماً وبعضها صنائع‏.‏ وقد أوردنا ما ذكره أصحاب الموضوعات في حصر أقسامها‏:‏

التقسيم الأول‏:‏

ما ذكره صاحب ‏(‏كشاف اصطلاحات الفنون‏)‏‏:‏ ‏(‏‏(‏اعلم أن ههنا - أي في مقام تقسيم العلوم المدونة التي هي إما المسائل أو التصدق بها - تقسيمات على ما في بعض حواشي ‏(‏شرح المطالع‏)‏ وقال السيد السند‏:‏ إنها بمعنى ملكة الإدراك تناول العلوم النظرية‏.‏

الأول‏:‏ العلوم إما نظرية أي‏:‏ غير متعلقة بكيفية عمل، وإما عملية أي‏:‏ متعلقة بها

فالمنطق، والحكمة العملية، والطب العملي، وعلم الخياطة كلها داخلة في العملي، لأنها بأسرها متعلقة بكيفية عمل إما ذهني كالمنطق، أو خارجي كالطب مثلا توضيحه أن العملي والنظري يستعملان لمعانٍ‏:‏

أحدها‏:‏ في تقسيم العلوم

مطلقاً كما عرفته‏.‏

وثانيها‏:‏ في تقسيم الحكمة

فإن العملي هناك علم بما يكون وجوده بقدرتنا واختيارنا‏.‏ والنظري علم بما لا يكون وجوده بقدرتنا واختيارنا‏.‏ ‏(‏1/ 55‏)‏

وثالثها‏:‏ما ذكر في تقسيم الصناعات

من أنها عملية أي يتوقف حصولها على ممارسة العمل، أو نظرية لا يتوقف حصولها على ممارسة العمل، بل يتوقف على النظر فقط‏.‏ وعلى هذا فعلم الفقه والنحو والمنطق والحكمة العملية والطب العلمي خارجة عن العملي، إذ لا حاجة في حصولها إلى مزاولة الأعمال بخلاف علوم الخياطة والحياكة والحجامة لتوقفها على الممارسة والمزاولة‏.‏

والعملي بالمعنى الأول أعم من العملي المذكور في تقسيم الحكمة لأنه يتناول ما يتعلق بكيفية عمل ذهني كالمنطق، ولا يتناوله العملي المذكور في تقسيم الحكمة لأنه هو الباحث عن أحوال ما لاختيارنا مدخل في وجوده مطلقا‏.‏ أو الخارجي‏.‏ وموضوع المنطق معقولات ثانية لا يحاذي بها أمر في الخارج، ووجودها الذهني لا يكون مقدورا لنا، فلا يكون داخلا في العملي بهذا المعنى‏.‏

وأما العملي المذكور في تقسيم الصناعة فهو أخص من العملي بكلا المعنيين، لأنه قسم من الصناعة المفسرة بالعلم بالمتعلق بكيفية العمل سواء حصل بمزاولة العمل أو لا‏.‏ فالعملي بالمعنى الأول نفس الصناعة، وبالمعنى الثاني أخص من الأول لكنه أعم من هذا المعنى الثالث لعدم المزاولة ثمة بخلافها هاهنا‏.‏

الثاني‏:‏ العلوم إما آلية، أو غير آلية

لأنها إما أن لا تكون في نفسها آلة لتحصيل شيء آخر بل كانت مقصودة بذواتها، أو تكون آلة له غير مقصودة في أنفسها، الثانية تسمى آلية، والأولى تسمى غير آلية‏.‏ ‏(‏1/ 56‏)‏

ثم إنه ليس المراد بكون العلم في نفسه آلة إذ الآلية ذاتية، لأن الآلية للشيء تعرض له بالقياس إلى غيره، وما هو كذلك وليس ذاتيا بل المراد أنه في حد ذاته بحيث إذا قيس إلى ما هو آلة تعرض له الآلية ولا يحتاج في عروضها له إلى غيره‏.‏ كما أن الإمكان الذاتي لا يعرض للشيء إلا بالقياس إلى وجوده‏.‏ والتسمية بالآلية بناء على اشتمالها على الآلة، فإن للعلم الآلي مسائل كل منها ما يتوصل له إلى ما هو آلة له، وهو الأظهر إذ لا يتوصل لجميع علم إلى علم‏.‏

ثم اعلم أن مؤدى التقسيمين واحد إذ التقسيمان متلازمان، فإن ما يكون في حد ذاته آلة لتحصيل غيره لا بد أن يكون متعلقا بكيفية تحصيله‏.‏ فهو متعلق بكيفية عمل، وما يتعلق بكيفية عمل لا بد أن يكون في نفسه آلة لتحصيل غيره فقد رجع معنى الآلي إلى معنى العملي‏.‏ وكذا ما لا يكون آلة له، كذلك لم يكن متعلقا بكيفية عمل وما لم يتعلق بكيفية عمل لم يكن في نفسه آلة لغيره، فقد رجع معنى النظري وغير الآلي إلى شيء واحد‏.‏

ثم اعلم أن غاية العلوم الآلية أي العلة الغائية لها حصول غيرها، وذلك لأنها متعلقة بكيفية عمل ومبينة لها‏.‏

فالمقصود منها حصول العمل سواء كان ذلك العمل مقصودا بالذات أو مقصودا لأمر آخر يكون هو غاية أخيرة لتلك العلوم وغاية العلوم الغير الآلية حصولها أنفسها، وذلك لأنها في حد أنفسها مقصودة بذواتها‏.‏ وإن أمكن أن يترتب عليها منافع أخرى فإن إمكان الترتيب الاتفاقي بل وقوعه لا ينافي كون المرتب عليه مقصودا بالذات، إنما المنافي له قصد الترتب‏.‏

والحاصل أن المراد بالغاية هي الغاية الذاتية التي قصدها المخترع الواضع، لا الغاية التي كانت حاملة ‏(‏1/ 57‏)‏ للشارع على الشروع‏.‏ فإن الباعث للشارع على الشروع في العلوم الآلية يجوز أن يكون حصولها أنفسها، وفي العلوم الغير الآلية يجوز أن يكون زائدا على أنفسها‏.‏ فإن قيل‏:‏ غاية الشيء علة له، ولا يتصور كون الشيء علة لنفسه فكيف يتصور كون غاية العلوم الغير الآلية حصولها أنفسها‏؟‏

قيل‏:‏ الغاية تستعمل على وجهين، أحدهما‏:‏ أن يكون مضافا إلى الفعل وهو الأكثر، يقال‏:‏ غاية هذا الفعل كذا تكون الغاية مترتبة على نفس ذي الغاية وتكون علة لها‏.‏ الثاني‏:‏ أن يكون مضافاً إلى المفعول، يقال‏:‏ غاية ما فعل كذا تكون الغاية مترتبة على فعله وعلة له لا لذي الغاية، أعني ما أضيف إليه الغاية والغاية فيما نحن فيه من القسم الثاني، لأن المضاف إليه للغاية ههنا المفعول وهو المحصل، أعني العلوم دون الفعل الذي هو التحصيل‏.‏ فالمراد بغايتها ما يترتب على تحصيلها ويكون علة له لا لها‏.‏ هذا كله خلاصة ما في ‏(‏شرح المطالع‏)‏ وحواشيه‏.‏

الثالث‏:‏ إلى عربية وغير عربية‏.‏

الرابع‏:‏ إلى شرعية وغير شرعية‏.‏

الخامس‏:‏ إلى حقيقية وغير حقيقية‏.‏

السادس‏:‏ إلى عقلية ونقلية

فالعقلية مالا يحتاج فيه إلى النقل، والنقلية بخلاف ذلك ‏(‏1/ 58‏)‏‏.‏

السابع‏:‏ إلى العلوم الجزئية وغير الجزئية

فالعلوم التي موضوعاتها أخص من موضوع علم آخر تسمى علوماً جزئية، كعلم الطب فإن موضوعه وهو الإنسان أخص من موضوع الطبيعي‏.‏ والتي موضوعاتها أعم تسمى بالعلم الأقدم، لأن الأعم أقدم للعقل من الأخص، فإن إدراك الأعم قبل إدراك الأخص كذا في ‏(‏بحر الجواهر‏)‏‏.‏

التقسيم الثاني‏:‏

للعلامة الحفيد، وهو ‏(‏‏(‏إن العلوم المدونة على نوعين‏:‏

الأول‏:‏ ما دونه المتشرعة

لبيان ألفاظ القرآن، أو السنة النبوية لفظاً وإسناداً، أو لإظهار ما قصد بالقرآن من التفسير والتأويل، أو لإثبات ما يستفاد منهما أعني الأحكام الأصلية الاعتقادية، أو الأحكام الفرعية العملية، أو تعيين ما يتوصل به من الأصول في استنباط تلك الفروع، أو ما دون لمدخليته في استخراج تلك المعاني من الكتاب والسنة، أعني الفنون الأدبية‏.‏

النوع الثاني‏:‏ ما دونه الفلاسفة

لتحقيق الأشياء كما هي، وكيفية العمل على وفق عقولهم‏)‏‏)‏ انتهى‏.‏

وذكر في علوم المتشرعة‏:‏ علم القراءة، وعلم الحديث، وعلم ‏(‏1/ 59‏)‏ أصوله، وعلم التفسير، وعلم الكلام، وعلم الفقه، وعلم أصوله، وعلم الأدب‏.‏

وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏هذا هو المشهور عند الجمهور، ولكن للخواص من الصوفية علم يسمى بعلم التصوف‏.‏ بقي علم المناظرة علم الخلاف والجدل لم يظهر إدراجهما في علوم المتشرعة ولا في علوم الفلاسفة، لا يقال الظاهر أن الخلاف والجدل باب من أبواب المناظرة سمي باسم، كالفرائض بالنسبة إلى الفقه، لأنا نقول الغرض في المناظرة إظهار الصواب، والغرض من الجدل والخلاف الإلزام‏.‏

ثم إن المتشرعة صنفوا في الخلاف، وبنوا عليه مسائل الفقه ولم يعلم تدوين الحكماء فيه، فالمناسب عدة من الشرعيات والحكماء بنوا مباحثهم على المناظرة لكن لم يدونوا علم المناظرة فيما بينهم‏)‏‏)‏ انتهى‏.‏

التقسيم الثالث‏:‏

ما ذكره في ‏(‏الفوائد الخاقانية‏)‏‏:‏ ‏(‏‏(‏اعلم أن ههنا تقسيمين مشهورين‏:‏

أحدهما‏:‏

أن العلوم إما نظرية، أي‏:‏ غير متعلقة بكيفية عمل‏.‏ وإما عملية أي‏:‏ متعلقة بها‏.‏

وثانيهما‏:‏

أن العلوم إما أن لا تكون في نفسها آلة لتحصيل شيء آخر بل كانت مقصودة بذواتها وتسمى غير آلية‏.‏ وإما أن تكون آلة له غير مقصودة في نفسها وتسمى آلية، ومؤداهما واحد‏.‏ فأما ما يكون في حد ذاته آلة لتحصيل غيره لا بد أن يكون متعلقاً بكيفية عمل، وما يتعلق بكيفية عمل لا بد أن يكون في نفسه آلة لتحصيل غيره‏.‏

فقد رجع معنى الآلي إلى معنى العملي‏.‏ وكذا ما لا يكون آلة له كذلك لم يكن متعلقاً بكيفية عمل، وما لم يتعلق بكيفية عمل لم يكن في نفسه آلة لغيره، فقد رجع معنى النظري وغير الآلي إلى شيء واحد‏.‏

ثم إن النظري والعملي يستعملان في معان ثلاثة‏:‏

أحدها‏:‏ في تقسيم مطلق العلوم كما ذكرنا، فالمنطق والحكمة العملية والطب العملي وعلم الخياطة كلها داخلة في العملي المذكور، لأنها بأسرها متعلقة بكيفية عمل إما ذهني كالمنطق أو خارجي كالطب مثلاً‏.‏

وثانيها‏:‏ في تقسيم الحكمة، فإنهم بعد ما عرفوا الحكمة بأنه علم بأحوال أعيان الموجودات على ما هي عليه في نفس الأمر بقدر الطاقة البشرية، قالوا‏:‏ تلك الأعيان‏.‏ أما الأفعال والأعمال التي وجودها بقدرتنا واختيارنا أولا، فالعلم بأحوال الأول من حيث يؤدي إلى صلاح المعاش والمعاد يسمى حكمة عملية، والعلم بأحوال الثاني يسمى حكمة نظرية‏.‏

وثالثها‏:‏ ما ذكر في تقسيم الصناعة، أي العلم المتعلق بكيفية العمل من أنها إما عملية أي يتوقف حصولها على ممارسة العمل، أو نظرية لا يتوقف حصولها عليها‏.‏ فالفقه والنحو والمنطق والحكمة العملية والطب العلمي خارجة عن العملية بهذا المعنى، إذ لا حاجة في حصولها إلى مزاولة الأعمال بخلاف علم الخياطة والحياكة والحجامة لتوقفها على الممارسة والمزاولة‏.‏

التقسيم الرابع‏:‏

وهو مذكور فيه أيضا، اعلم أن العلم ينقسم إلى حكمي وغير حكمي‏.‏ والأخير ينقسم إلى ديني وغير ديني‏.‏ والديني إلى محمود ومذموم ومباح‏.‏ ووجه الضبط أنه إما أن لا يتغير بتغير الأمكنة ‏(‏1/ 61‏)‏ والأزمان ولا يتبدل بتبدل الدول والأديان كالعلم بهيئة الأفلاك أولا‏.‏

فالأول‏:‏ العلوم الحكمية، ويقال لها‏:‏ العلوم الحقيقية أيضا أي الثابتة على الدهور والأعوام‏.‏

والثاني‏:‏إما أن يكون منتميا إلى الوحي ومستفادا من الأنبياء عليهم السلام، من غير أن يتوقف على تجربة وسماع وغيرهما أولا‏.‏

فالأول‏:‏ العلوم الدينية ويقال لها الشرعية أيضا‏.‏

والثاني العلوم الغير الدينية كالطب لكونه ضروريا في بقاء الأبدان، والحساب لكونه ضروريا في المعاملات وقسمة الوصايا والمواريث وغيرها فمحمودة، وإلا فإن لم يكن له عاقبة حميدة فمذموم، كعلم السحر والطلسمات والشعبذة والتلبيسات، وإلا فمباح كعلم الأشعار التي لا سخف فيها، وكتواريخ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وما يجري مجراها‏.‏ وهذا التفاوت بالنسبة إلى الغايات، وإلا فالعلم من حيث إنه علم فضيلة لا تنكر ولا تذم‏.‏ فالعلم بكل شيء أولى من جهله، فإياك أن تكون من الجاهلين‏.‏

التقسيم الخامس‏:‏

ما ذكره صاحب ‏(‏شفاء المتألم‏)‏ وهو‏:‏ أن كل علم إما أن يكون مقصودا لذاته أولا‏.‏

والأول‏:‏ العلوم الحكمية، وهي إما أن تكون مما يعلم لتعتقد فالحكمة النظرية، أو مما يعلم ليعمل بها‏.‏ فالحكمة العملية‏.‏

والأول‏:‏ ينقسم إلى أعلى وهو العلم الإلهي، وأدنى وهو الطبيعي، وأوسط وهو الرياضي‏.‏ لأن النظر إما في أمور مجردة عن المادة، أو في أمور مادية في الذهن والخارج فهو الطبيعي، أو في أمور يصح تجردها عن المواد في الذهن فقط فهو الرياضي، وهو أربعة أقسام، لأن نظر الرياضي إما أن يكون فيما يمكن أن يفرض فيه أجزاء تتلاقى على حد مشترك بينهما أولا‏.‏ وكل منهما إما قار الذات أولا‏.‏ والأول الهندسة، والثاني‏:‏ الهيئة، والثالث‏:‏ العدد، والرابع‏:‏ الموسيقات‏.‏

والحكمة العملية قسمان‏:‏ علم السياسة، وعلم الأخلاق‏.‏ لأن النظر إما مختص بحال الإنسان أولا‏.‏ الثاني‏:‏هو الأول وأيضاً النظر فيه إما في إصلاح كافة الخلق في أمور المعاش والمعاد فذلك يرجع إلى علم الشريعة وعلومها معلومة‏.‏ وإما من حيث اجتماع الكلمة الاجتماعية وقيام أمر الخلق فهو الأحكام السلطانية أي السياسة فإن اختص بجماعة معينة فهو تدبير المنزل‏.‏

والثاني‏:‏ وهو مالا يكون مقصودا لذاته، بل آلة يطلب بها العصمة من الخطأ في غيرها‏.‏ فهو إما ما يطلب العصمة عن الخطأ فيه من المعاني، أو ما يتوصل به إلى إدراكها من لفظ أو كتابة‏.‏ والأول‏:‏ علم المنطق‏.‏ والثاني‏:‏ علم الأدب‏.‏ وما يبحث فيه عن الدلالات اللسانية أو الدلالات البيانية‏.‏

فالثاني‏:‏ علم الخط‏.‏ والأول‏:‏ يختص بالدلالات الإفرادية أو التركيبية أو يكون مشتركا بينهما‏.‏ والأول‏:‏ إن كان البحث فيه عن المفردات فهو علم اللغة‏.‏ وإن كان البحث فيه عنها من صيغها فعلم الصرف‏.‏ والثاني‏:‏ إما أن يختص بالموزون أولا‏.‏ الأول‏:‏ إن اختص بمقاطع الأبيات فعلم القافية وإلا فعلم العروض‏.‏ والثاني‏:‏ إن كانت العصمة به عن الخطأ في تأدية أصل المعنى فهو النحو وإلا فهو علم البلاغة‏.‏ والثالث‏:‏ علم الفصاحة، ثم علم البلاغة إن كان ما يطلب به العصمة عن الخطأ في تطبيق الكلام لمقتضى الحال فعلم المعاني‏.‏ وإن كان في أنواع الدلالة ومعرفة كونها خفية أو جلية فعلم البيان‏.‏ وأما علم الفصاحة فإن اختص بالعصمة عن الخطأ في تركيب المفردات من حيث التحسين فعلم البديع‏.‏

التقسيم السادس‏:‏

ما ذكره صاحب ‏(‏المفتاح‏)‏ وهو أحسن من الجميع حيث قال‏:‏ ‏(‏‏(‏علم أن للأشياء وجودا في أربع مراتب‏:‏في الكتابة، والعبارة، والأذهان، والأعيان‏.‏ وكل سابق منها وسيلة إلى اللاحق، لأن الخط دال على الألفاظ، وهذه على ما في الأذهان، وهذا على ما في الأعيان‏.‏ والوجود العيني هو الوجود الحقيقي الأصيل، وفي الوجود الذهني خلاف في أنه حقيقي أو مجازي، وأما الأولان فمجازيان قطعا‏.‏

ثم العلم المتعلق بالثلاث الأول آلي البتة‏.‏ وأما العلم المتعلق بالأعيان فإما عملي لا يقصد به حصول نفسه بل غيره، أو نظري يقصد به حصول نفسه‏.‏ ثم إن كلا منهما إما أن يبحث فيه من حيث إنه مأخوذ من الشرع فهو العلم الشرعي، أو من حيث إنه مقتضى العقل فقط فهو العلم الحكمي‏.‏ فهذه هي الأصول السبعة، ولكل منها أنواع، ولأنواعها فروع يبلغ الكل على ما اجتهدنا في الفحص والتنقير عنه بحسب موضوعاته وأساميه وتتبع ما فيه من المصنفات إلى مائة وخمسين نوعا، ولعلي سأزيد بعد هذا‏)‏‏)‏انتهى‏.‏

فرتب كتابه على سبع دوحات، لكل أصل دوحة‏.‏ وجعل لكل دوحة شعبا لبيان الفروع‏.‏

فما أورده في الأولى‏:‏ من العلوم الخطيةعلم أدوات الخط‏.‏ علم قوانين الكتابة‏.‏ علم تحسين الحروف‏.‏ علم كيفية تولد الخطوط عن أصولها‏.‏ علم ترتيب حروف التهجي‏.‏ علم تركيب أشكال بسائط الحروف‏.‏ علم إملاء الخط العربي‏.‏ علم خط المصحف‏.‏ علم خط العروض‏.‏

وذكر في الثانية‏:‏ العلوم المتعلقة بالألفاظ

وهي‏:‏ علم مخارج الحروف‏.‏ علم اللغة‏.‏ علم الوضع‏.‏ علم الاشتقاق‏.‏ علم التصريف‏.‏ علم النحو‏.‏ علم المعاني‏.‏ علم البيان‏.‏ علم البديع‏.‏ علم العروض‏.‏ علم القوافي‏.‏ علم قرض الشعر‏.‏ علم مبادئ الشعر‏.‏ علم الإنشاء‏.‏ علم مبادئ الإنشاء وأدواته‏.‏ علم المحاضرة‏.‏ علم الدواوين‏.‏ علم التواريخ‏.‏

وجعل من فروع العلوم العربية‏:‏ علم الأمثال‏.‏ علم وقائع الأمم ورسومهم‏.‏ علم استعمالات الألفاظ‏.‏ علم الترسل‏.‏ علم الشروط والسجلات‏.‏ علم الأحاجي والأغلوطات‏.‏ علم الألغاز‏.‏ علم المعمى‏.‏ علم التصحيف‏.‏ علم المقلوب‏.‏ علم الجناس‏.‏ علم مسامرة الملوك‏.‏ علم حكايات الصالحين‏.‏ علم أخبار الأنبياء عليهم السلام‏.‏ علم المغازي والسير‏.‏ علم تاريخ الخلفاء‏.‏ علم طبقات القراء‏.‏ علم طبقات المفسرين‏.‏ علم طبقات المحدثين‏.‏ علم سير الصحابة‏.‏ علم طبقات الشافعية‏.‏ علم طبقات الحنفية‏.‏ علم طبقات المالكية‏.‏ علم طبقات الحنابلة‏.‏ علم طبقات النحاة‏.‏ علم طبقات الأطباء‏.‏

وذكر في الثالثة‏:‏ العلوم الباحثة عما في الأذهان من المعقولات الثانية

وهي علم المنطق، علم آداب الدرس‏.‏ علم النظر‏.‏ علم الجدل‏.‏ علم الخلاف‏.‏

وذكر في الرابعة‏:‏ العلوم المتعلقة بالأعيان

وهي العلم الإلهي‏.‏ والعلم الطبيعي‏.‏ والعلوم الرياضية وهي أربعة‏:‏ علم العدد‏.‏ علم الهندسة‏.‏ علم الهيئة‏.‏ علم الموسيقى‏.‏

وجعل من فروع العلم الإلهي علم معرفة النفس الإنسانية‏.‏ علم معرفة النفس الملكية‏.‏ علم معرفة المعاد‏.‏ علم أمارات النبوة‏.‏ علم مقالات الفرق‏.‏

وجعل من فروع العلم الطبيعي علم الطب‏.‏ علم البيطرة‏.‏ علم البيزرة‏.‏ علم النبات‏.‏ علم الحيوان‏.‏ علم الفلاحة‏.‏ علم المعادن‏.‏ علم الجواهر‏.‏ علم الكون والفساد‏.‏ علم قوس قزح‏.‏ علم الفراسة‏.‏ علم تعبير الرؤيا‏.‏ علم أحكام النجوم‏.‏ علم السحر‏.‏ علم الطلسمات‏.‏ علم السيميا‏.‏ علم الكيمياء‏.‏

وجعل من فروع الطب علم التشريح‏.‏ علم الكحالة‏.‏ علم الأطعمة‏.‏ علم الصيدلة‏.‏ علم طبخ الأشربة والمعاجين‏.‏ علم قلع الآثار من الثياب‏.‏ علم تركيب أنواع المداد‏.‏ علم الجراحة‏.‏ علم الفصد‏.‏ علم الحجامة‏.‏ علم المقادير والأوزان‏.‏ علم الباه‏.‏

وجعل من فروع علم الفراسة علم الشامات والخيلان‏.‏ علم الأسارير‏.‏ علم الأكتاف‏.‏ علم عيافة الأثر‏.‏ علم قيافة البشر‏.‏ علم الاهتداء بالبراري والأقفار‏.‏ علم الريافة‏.‏ علم الاستنباط‏.‏ علم نزول الغيث‏.‏ علم العرافة‏.‏ علم الاختلاج‏.‏

وجعل من فروع علم أحكام النجوم‏.‏ علم الاختيارات‏.‏ علم الرمل‏.‏ علم القرعة‏.‏ علم الطيرة‏.‏

وجعل من فروع السحر علم الكهانة‏.‏ علم النيرنجات‏.‏ علم الخواص‏.‏ علم الرقى‏.‏ علم العزائم‏.‏ علم الاستحضار‏.‏ علم دعوة الكواكب‏.‏ علم القلفطيرات‏.‏ علم الخفاء‏.‏ علم الحيل الساسانية‏.‏ علم كشف الدك‏.‏ علم الشعبذة‏.‏ علم تعلق القلب‏.‏ علم الاستعانة بخواص الأدوية‏.‏

وجعل من فروع الهندسة علم عقود الأبنية‏.‏ علم المناظرة‏.‏ علم المرايا المحرقة‏.‏ علم مراكز الأثقال‏.‏ علم جر الأثقال‏.‏ علم المساحة‏.‏ علم استنباط المياه‏.‏ علم الآلات الحربية‏.‏ علم الرمي‏.‏ علم التعديل‏.‏ علم البنكامات‏.‏ علم الملاحة‏.‏ علم السباحة‏.‏ علم الأوزان والموازين‏.‏ علم الآلات المبنية على ضرورة عدم الخلاء‏.‏

وجعل من فروع الهيئة‏:‏ علم الزيجات والتقويم‏.‏ علم حساب النجوم‏.‏ علم كتابة التقاويم‏.‏ علم كيفية الأرصاد‏.‏ علم الآلات الرصدية‏.‏ علم المواقيت‏.‏ علم الآلات الظلية‏.‏ علم الأكر‏.‏ علم الأكر المتحركة‏.‏ علم تسطيح الكرة‏.‏ علم صور الكواكب‏.‏ علم مقادير العلويات‏.‏ علم منازل القمر‏.‏ علم جغرافيا‏.‏ علم مسالك البلدان‏.‏ علم البرد ومسافاتها‏.‏ علم خواص الأقاليم‏.‏ علم الأدوار والأكوار‏.‏ علم القرانات‏.‏ علم الملاحم‏.‏ علم المواسم‏.‏ علم مواقيت الصلاة‏.‏ علم وضع الإسطرلاب‏.‏ علم عمل الإسطرلاب‏.‏ علم وضع الربع المجيب والمقنطرات‏.‏ علم عمل ربع الدائرة‏.‏ علم آلات الساعة‏.‏‏.‏

وجعل من فروع علم العدد‏:‏ علم حساب التخت والميل‏.‏ علم الجبر والمقابلة‏.‏ علم حساب الخطائين‏.‏ علم حساب الدور والوصايا‏.‏ علم حساب الدراهم والدنانير‏.‏ علم حساب الفرائض‏.‏ علم حساب الهواء‏.‏ علم حساب العقود بالأصابع‏.‏ علم أعداد الوفق‏.‏ علم خواص الأعداد‏.‏ علم التعابي العددية‏.‏

وجعل من فروع الموسيقى‏:‏علم الآلات العجيبة‏.‏ علم الرقص‏.‏ علم الغنج‏.‏

وذكر في الخامسة‏:‏ العلوم الحكمية العملية

وهي‏:‏ علم الأخلاق‏.‏ علم تدبير المنزل‏.‏ علم السياسة‏.‏

وجعل من فروع الحكمة العملية‏:‏علم آداب الملوك‏.‏ علم آداب الوزارة‏.‏ علم الاحتساب‏.‏ علم قود العساكر والجيوش‏.‏وذكر في السادسة‏:‏ العلوم الشرعية

وهي‏:‏ علم القراءة‏.‏ علم تفسير القرآن‏.‏ علم رواية الحديث‏.‏ علم دراية الحديث‏.‏ علم أصول الدين المسمى بالكلام‏.‏ علم أصول الفقه‏.‏ علم الفقه‏.‏

وجعل من فروع القراءة‏:‏ علم الشواذ‏.‏ علم مخارج الحروف‏.‏ علم مخارج الألفاظ‏.‏ علم الوقوف‏.‏ علم علل القرآن‏.‏ علم رسم كتابة القرآن‏.‏ علم آداب كتابة المصحف‏.‏

وجعل من فروع الحديث‏:‏ علم شرح الحديث‏.‏ علم أسباب ورود الحديث وأزمنته‏.‏ علم ناسخ الحديث ومنسوخه‏.‏ علم تأويل أقوال النبي عليه الصلاة والسلام‏.‏ علم رموز الحديث وإشاراته‏.‏ علم غرائب لغات الحديث‏.‏ علم دفع الطعن عن الحديث‏.‏ علم تلفيق الأحاديث‏.‏ علم أحوال رواة الأحاديث‏.‏ علم طب النبي عليه الصلاة والسلام‏.‏

وجعل من فروع علم التفسير‏:‏ علم المكي والمدني‏.‏ علم الحضري والسفري‏.‏ علم النهاري والليلي‏.‏ علم الصيفي والشتائي‏.‏ علم الفراشي والنومي‏.‏ علم الأرضي والسماوي‏.‏ علم أول ما نزل وآخر ما نزل‏.‏ علم سبب النزول‏.‏ علم ما نزل على لسان بعض الصحابة -رضي الله عنهم -علم ما تكرر نزوله‏.‏ علم ما تأخر حكمه عن نزوله وما تأخر نزوله عن حكمه‏.‏ علم ما نزل مفرقا وما نزل جمعا‏.‏ علم ما نزل مشيعا وما نزل مفردا‏.‏ علم ما أنزل منه على بعض الأنبياء وما لم ينزل‏.‏ علم كيفية إنزال القرآن‏.‏ علم أسماء القرآن، وأسماء سوره‏.‏ علم جمعه وترتيبه‏.‏ علم عدد سوره وآياته وكلماته وحروفه‏.‏ علم حفاظه ورواته‏.‏ علم العالي والنازل من أسانيده‏.‏ علم المتواتر والمشهور‏.‏ علم بيان الموصول لفظا والمفصول معنى‏.‏ علم الإمالة والفتح‏.‏ علم الإدغام والإظهار والإخفاء والإقلاب‏.‏ علم المد والقصر‏.‏ علم تخفيف الهمزة‏.‏ علم كيفية تحمل القرآن‏.‏ علم آداب تلاوته وتاليه‏.‏ علم جواز الاقتباس‏.‏ علم ما وقع فيه‏.‏ بغير لغة الحجاز‏.‏ علم ما وقع فيه من غير لغة العرب‏.‏

علم غريب القرآن‏.‏ علم الوجوه والنظائر‏.‏ علم معاني الأدوات التي يحتاج إليها المفسر‏.‏ علم المحكم والمتشابه‏.‏ علم مقدم القرآن ومؤخره‏.‏ علم عام القرآن وخاصه‏.‏ علم ناسخ القرآن ومنسوخه‏.‏ علم مشكل القرآن‏.‏ علم مطلق القرآن ومقيده‏.‏ علم منطوق القرآن ومفهومه‏.‏ علم وجوه مخاطباته‏.‏ علم حقيقة ألفاظ القرآن ومجازها‏.‏

علم تشبيه القرآن واستعاراته‏.‏ علم كنايات القرآن وتعريضاته‏.‏ علم الحصر والاختصاص‏.‏ علم الإيجاز والإطناب‏.‏ علم الخبر والإنشاء‏.‏ علم بدائع القرآن‏.‏ علم فواصل الآي‏.‏ علم خواتم السور‏.‏ علم مناسبة الآيات والسور‏.‏ علم الآيات المتشابهات‏.‏

علم إعجاز القرآن‏.‏ علم العلوم المستنبطة من القرآن‏.‏ علم أقسام القرآن‏.‏ علم جدل القرآن‏.‏ علم ما وقع في القرآن من الأسماء والكنى والألقاب‏.‏ علم مبهمات القرآن‏.‏ علم فضائل القرآن‏.‏ علم أفضل القرآن وفاضله‏.‏ علم مفردات القرآن‏.‏ علم خواص القرآن‏.‏ علم مرسوم الخط وآداب كتابته‏.‏ علم تفسيره وتأويله وبيان شرفه‏.‏ علم شروط المفسر وآدابه‏.‏

علم غرائب التفسير‏.‏ علم طبقات المفسرين‏.‏ علم خواص الحروف‏.‏ علم الخواص الروحانية من الأوفاق‏.‏ علم التصريف بالحروف والأسماء‏.‏ علم الحروف النورانية والظلمانية‏.‏ علم التصريف بالاسم الأعظم‏.‏ علم الكسر والبسط‏.‏ علم الزايرجة‏.‏ علم الجفر والجامعة‏.‏ علم دفع مطاعن القرآن‏.‏

وجعل من فروع الحديث‏:‏ علم المواعظ‏.‏ علم الأدعية‏.‏ علم الآثار‏.‏ علم الزهد والورع‏.‏ علم صلاة الحاجات‏.‏ علم المغازي‏.‏

وجعل من فروع أصول الفقه‏:‏ علم النظر‏.‏ علم المناظرة‏.‏ علم الجدل‏.‏

وجعل من فروع الفقه‏:‏ علم الفرائض‏.‏ علم الشروط والسجلات‏.‏ علم القضاء‏.‏ علم حكم التشريع‏.‏ علم الفتاوى‏.‏

فيكون جميع ما ذكره من العلوم المتعلقة بطريق النظر ثلاثمائة وخمسة علوم‏.‏

ثم إنه جعل الطرف الثاني من كتابه في بيان العلوم المتعلقة بالتصفية التي هي ثمرة العمل بالعلم، فلخص فيه كتاب ‏(‏الإحياء‏)‏ للإمام الغزالي، ولم يذكر علم التصوف‏.‏ فلله دره في الغوص على بحار العلوم وأبرز دررها‏.‏

فإن قيل‏:‏ إنه قصد تكثير أنواع العلوم فأورد في فروعها ما أورد كذكره في فروع علم التفسير ما ذكره السيوطي في ‏(‏الإتقان‏)‏ من الأنواع، وهلا يرد عليه أنه إن أراد بالفروع المقاصد للعلم، فعلم الطب مثلا يصل إلى ألوف من العلوم‏.‏ وإن أراد ما أفرد بالتدوين فلم يستوعب الأقسام في كثير من المباحث التي أفردت بالتدوين وقد أخل بذكرها، على أنه أدخل في فروع علم ما ليس منه، قلت‏:‏نعم يرد، لكن الجواد قد يكبو والفتى قد يصبو، أو لا تعد إلا هفوات العارف ويدخل الزيوف على أعلى الصيارف‏.‏

التقسيم السابع‏:‏

لصاحب ‏(‏مدينة العلوم‏)‏ ويأتي في أول القسم الثاني من هذا الكتاب وما أوفقه بهذا التقسيم كأنه هو‏.‏

قف‏:‏ ولا يخفى عليك أن التعقب على الكتب سيما الطويلة سهل ‏(‏1/ 71‏)‏ بالنسبة إلى تأليفها ووضعها وترصيفها كما يشاهد في الأبنية العظيمة والهياكل القديمة حيث يعترض على بانيها من عري في فنه عن القوى والقدر، بحيث لا يقدر على وضع حجر على حجر‏.‏هذا جوابي عما يرد على كتابي أيضا‏.‏ وقد كتب أستاذ العلماء البلغاء القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني إلى العماد الأصفهاني معتذرا عن كلام استدركه عليه ‏(‏‏(‏إنه قد وقع لي شيء وما أدري أوقع لك أم لا، وها أنا أخبرك به، وذلك أني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتابا في يومه إلا قال في غده‏:‏لو غير هذا لكان أحسن، ولو زيد لكان يستحسن، ولو قدم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل‏.‏ وهذا من أعظم العبر وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر‏)‏‏)‏ انتهى‏.‏

هذا اعتذار قليل المقدار عن جميع الإيرادات والأنظار إجمالا، وأما التفصيل فسيأتي في موضع كل علم مع توجيهه بإنصاف وحلم، وربما زيد على ما ذكره من العلوم على طريق الاستدراك بتمكين مانح القريحة والذهن الدراك‏.‏