فصل: آداب الصلاة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


آداب الصلاة

‏(‏قوله‏:‏ وآدابها نظره إلى موضع سجوده‏)‏ أي في حال القيام، وأما في حالة الركوع فإلى ظهر قدميه، وفي سجوده إلى أرنبته، وفي قعوده إلى حجره وعند التسليمة الأولى إلى منكبه الأيمن وعند الثانية إلى منكبه الأيسر؛ لأن المقصود الخشوع‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وكظم فمه عند التثاؤب‏)‏ أي إمساك فمه، والمراد به سده لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «التثاؤب في الصلاة من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع»، وفي الظهيرية، فإن لم يقدر غطاه بيده أو كمه للحديث‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإخراج كفيه من كميه عند التكبير‏)‏؛ لأنه أقرب إلى التواضع وأبعد من التشبه بالجبابرة وأمكن من نشر الأصابع إلا لضرورة برد ونحوه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ودفع السعال ما استطاع‏)‏؛ لأنه ليس من أفعال الصلاة، ولهذا لو كان بغير عذر تفسد صلاته فيجتنبه ما أمكن‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والقيام حين قيل حي على الفلاح‏)‏؛ لأنه أمر به فيستحب المسارعة إليه، أطلقه، فشمل الإمام والمأموم إن كان الإمام بقرب المحراب وإلا فيقوم كل صف ينتهي إليه الإمام، وهو الأظهر، وإن دخل من قدام وقفوا حين يقع بصرهم عليه، وهذا كله إذا كان المؤذن غير الإمام، فإن كان واحدا أو أقام في المسجد فالقوم لا يقومون حتى يفرغ من إقامته كذا في الظهيرية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وشروع الإمام مذ قيل قد قامت الصلاة‏)‏ عند أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف يشرع إذا فرغ من الإقامة محافظة على فضيلة متابعة المؤذن وإعانة للمؤذن على الشروع معه، ولهما‏:‏ أن المؤذن أمين، وقد أخبر بقيام الصلاة فيشرع عنده صونا لكلامه عن الكذب، وفيه مسارعة إلى المناجاة، وقد تابع المؤذن في الأكثر فيقوم مقام الكل على أنهم قالوا‏:‏ المتابعة في الأذان دون الإقامة‏.‏ كذا ذكره الشارح، وفيه نظر لما نقلناه في باب الأذان أن إجابة الإقامة مستحبة، وفي الظهيرية، ولو أخر حتى يفرغ المؤذن من الإقامة لا بأس به في قولهم جميعا والله أعلم‏.‏

فصل ‏[‏في اللغة والاصطلاح‏]‏

هو في اللغة فرق ما بين الشيئين، وفي الاصطلاح طائفة من المسائل الفقهية تغيرت أحكامها بالنسبة إلى ما قبلها غير مترجمة بالكتاب والباب‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإذا أراد الدخول في الصلاة كبر‏)‏ أي تكبيرة الافتتاح قائما كما قدمناه وتقدم أنه يكون شارعا بالنية عند التكبير لا به، وأن العاجز عن النطق لا يلزمه تحريك اللسان على الصحيح ومن سنن التكبير حذفه كما في البدائع والمحيط‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ورفع يديه حذاء أذنيه‏)‏ لما رويناه ولما رواه الحاكم وصححه عن أنس قال‏:‏ «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم كبر فحاذى بإبهاميه أذنيه» وما ورد في حديث ابن عمر «أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إلى منكبيه» فمحمول على حالة العذر حين كانت عليهم الأكسية والبرانس في زمن الشتاء كما أخبر به وائل بن حجر رضي الله عنه على ما رواه الطحاوي عنه أو المراد بما رويناه‏:‏ رءوس الأصابع وبالثاني الأكف والأرساغ عملا بالدلائل بالقدر الممكن كما في البدائع واعتمده في فتح القدير، أطلقه فشمل الرجل والمرأة، قالوا‏:‏ لم يذكر حكم رفعها في ظاهر الرواية وروى الحسن عن أبي حنيفة أنها كالرجل فيه؛ لأن كفيها ليستا بعورة وروى ابن مقاتل أنها ترفع حذاء منكبيها؛ لأنه أستر لها وصححه في الهداية ولا فرق بين الحرة والأمة على الروايتين، والمراد بالمحاذاة أن يمس بإبهاميه شحمتي أذنيه ليتيقن بمحاذاة يديه بأذنيه كما ذكره في النقاية ولم يبين المصنف وقت الرفع؛ لأنه عبر بالواو وهي لمطلق الجمع، وفيه ثلاثة أقوال‏:‏ القول الأول أنه يرفع مقارنا للتكبير، وهو المروي عن أبي يوسف قولا والمحكي عن الطحاوي فعلا واختاره شيخ الإسلام وقاضي خان وصاحب الخلاصة والتحفة والبدائع والمحيط حتى قال البقالي هذا قول أصحابنا جميعا ويشهد له المروي عنه عليه الصلاة والسلام‏:‏ «أنه كان يكبر عند كل خفض ورفع» وما رواه أبو داود‏:‏ «أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه مع التكبير» وفسر قاضي خان المقارنة بأن تكون بداءته عند بداءته وختمه عند ختمه‏.‏ القول الثاني‏:‏ وقته قبل التكبير، ونسبه في المجمع إلى أبي حنيفة ومحمد، وفي غاية البيان إلى عامة علمائنا، وفي المبسوط إلى أكثر مشايخنا وصححه في الهداية ويشهد له ما في الصحيحين عن ابن عمر قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه، ثم كبر»‏.‏ القول الثالث‏:‏ وقته بعد التكبير فيكبر أولا، ثم يرفع يديه ويشهد له ما في الصحيح لمسلم‏:‏ «أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى كبر ثم رفع يديه» ورجح في الهداية ما صححه بأن فعله نفى الكبرياء عن غيره تعالى والنفي مقدم على الإيجاب ككلمة الشهادة وأورد عليه أن ذلك في اللفظ فلا يلزم في غيره، ورد بأنه لم يدع لزومه في غيره، وإنما الكلام في الأولوية، ففي الأقوال الثلاثة رواية عنه عليه السلام فيؤنس بأنه صلى الله عليه وسلم فعل كل ذلك ويترجح من بين أفعاله هذه تقديم الرفع بالمعنى المذكور وتحمل ثم في قوله ‏(‏ثم رفع‏)‏ على الواو ‏(‏ومع‏)‏ على معنى قبل ؛ لأن الظروف ينوب بعضها عن بعض، وقد يقال‏:‏ إن تقديم النفي في كلمة الشهادة ضرورة؛ لأنه لا يمكن التكلم بالنفي والإثبات معا بخلاف ما نحن فيه‏:‏ ورواية أنه كان يرفع مع التكبير نص محكم في المقارنة، ورواية أنه كان يرفع ثم يكبر وعكسه يجوز أن تكون فيه ثم بمعنى الواو، وهو يصدق على القرآن كالترتيب فيحمل على القرآن جمعا بين الروايات، وإنما لم يعكس؛ لأن المحكم راجح على المحتمل كذا في شرح المنية، وفيه بحث؛ لأن كلمة، ‏(‏ثم‏)‏ موضوعة للترتيب مع التراخي واستعمالها بمعنى الواو مجاز فهي ظاهرة في معناها كما أن ‏(‏مع‏)‏ ظاهرة في القرآن وتكون بمعنى بعد مجازا كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن مع العسر يسرا‏}‏ وكما في قوله‏:‏ أنت طالق ثنتين مع عتق مولاك كما ذكره في باب الطلاق فليست محكمة كما توهمه فالمعارضة بين الروايات ثابتة فالترجيح بالمعنى المذكور لا بما ذكره، وأما التشبيه بكلمة الشهادة فهي من باب التمثيل لا القياس المصطلح عليه، ولو كبر ولم يرفع يديه حتى فرغ من التكبير لم يأت به لفوات محله وينبغي أن يأتي به على القول الثالث كما لا يخفى، وإن ذكره في أثناء التكبير رفع؛ لأنه لم يفت محله، وإن لم يمكنه إلى الموضع المسنون رفعهما قدر ما يمكن، وإن أمكنه رفع أحدهما دون الأخرى رفعها، وإن لم يمكنه الرفع إلا بالزيادة على المسنون رفعهما كذا ذكره الشارح رحمه الله تعالى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو شرع بالتسبيح أو بالتهليل أو بالفارسية صح‏)‏ شروع في المراد بتكبيرة الافتتاح فأفاد أن المراد بها كل لفظ هو ثناء خالص دال على التعظيم، وقال أبو يوسف لا يصير شارعا إلا بألفاظ مشتقة من التكبير وهي خمسة ألفاظ‏:‏ الله أكبر الله الأكبر الله الكبير الله كبير الله الكبار كما في الخلاصة إلا إذا كان لا يحسن التكبير أو لا يعلم أن الشروع في الصلاة يكون به للحديث‏:‏ «وتحريمها التكبير» وهو حاصل بهذه الألفاظ؛ لأن أفعل وفعيلا في صفاته تعالى سواء، ولهما أن التكبير لغة‏:‏ التعظيم وهذه الألفاظ موضوعة له خصوصا الله أعظم فكانت تكبيرا، وإن لم تكن بلفظ التكبير المعروف، وفي البدائع والدليل على أن قول الله أكبر، والرحمن أكبر سواء قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى‏}‏، ولهذا يجوز الذبح باسم الرحمن أو باسم الرحيم فكذا هذا، ثم غاية ما هنا أن الثابت بالنص ذكر الله تعالى على سبيل التعظيم ولفظ التكبير ثبت بالخبر فيجب العمل به حتى يكره افتتاح الصلاة بغيره لمن يحسنه كما قلنا في قراءة القرآن مع الفاتحة، وفي الركوع والسجود مع التعديل ذكره في الكافي وهذا يفيد الوجوب، وهو الأشبه للمواظبة التي لم تقترن بترك، فعلى هذا ما ذكره في التحفة والذخيرة و النهاية من أن الأصح أنه يكره الافتتاح بغير الله أكبر عند أبي حنيفة فالمراد كراهة التحريم؛ لأنها في رتبة الواجب من جهة الترك فعلى هذا يضعف ما صححه السرخسي من أن الأصح أنه لا يكره مستدلا بما روي عن مجاهد قال‏:‏ كان الأنبياء يفتتحون الصلاة بلا إله إلا الله، ونبينا من جملتهم وهذا على تقدير صحته فالمراد غير نبينا صلى الله عليه وسلم بدليل نقل المواظبة عنه على لفظ التكبير ويضعف أيضا ما ذكره المصنف في المستصفى من أن مراعاة لفظ التكبير في الافتتاح واجبة في صلاة العيد بخلاف سائر الصلوات لما علمت أنها واجبة في الكل والظاهر أنه مبني على تصحيح السرخسي بدليل ما ذكره هو في الكافي وأراد المصنف بالتسبيح والتهليل ما ذكرنا من اللفظ الدال على التعظيم لا خصوص سبحان الله والحمد لله فأفاد بإطلاقه أنه لا فرق بين الأسماء الخاصة أو المشتركة حتى يصير شارعا ب ‏"‏ الرحيم أكبر ‏"‏ أو ‏"‏ أجل ‏"‏ كما نص عليه في المحيط والبدائع والخلاصة وصرح في المجتبى بأنه الأصح وأفتى به المرغيناني فما في الذخيرة عن فتاوى الفضلي أنه لا يصير شارعا بالرحيم ضعيف وقيده في شرح المنية بأن لا يقترن به ما يفسد الصلاة أما إذا قرن به ما كان كذلك فلا يصير شارعا اتفاقا كقوله العالم بالمعدوم والموجود أو بأحوال الخلق كما أن القول بأنه لا يجوز بكل اسم مشترك مقيد بما إذا لم يقترن بما يزيل اشتراكه‏.‏ أما إذا قرن بما يزيله لا يفسد الصلاة كقوله القادر على كل شيء والرحيم بعباده وعالم الغيب والشهادة، فينبغي أن يصير شارعا باتفاقهم على قولهم ا هـ‏.‏ وأشار بذكر التسبيح والتهليل إلى أنه لا يصير شارعا إلا بجملة تامة فلا يصير شارعا بالمبتدأ وحده كالله أو أكبر، وهو ظاهر الرواية كما نقله في التجريد وعلل له بأن التعظيم الذي هو معنى التكبير حكم على المعظم فلا بد من الخبر ومنهم من قال‏:‏ يصير شارعا بكل اسم مفرد أو خبر لا فرق بين الجلالة وغيرها، وهو رواية الحسن وفرق قاضي خان في فتاويه بين الألفاظ، فقال‏:‏ لو قال الله أو الرب ولم يزد يصير شارعا، ولو قال التكبير أو الأكبر أو قال أكبر لا يصير شارعا قال في فتح القدير كان الفرق الاختصاص في الإطلاق وعدمه، وفائدة الاختلاف تظهر في مسائل، منها‏:‏ أن الحائض إذا طهرت على عشر، وفي الوقت ما يسع الاسم الشريف فقط لا تجب تلك الصلاة عليها على ظاهر الرواية وتجب على تلك الرواية، ومنها‏:‏ أنه ينبغي فيما إذا أدرك الإمام في الركوع فقال‏:‏ الله أكبر إلا أن قول الله كان في قيامه، وقوله أكبر كان في ركوعه أنه يكون شارعا على رواية الحسن لا على الظاهر لكن الذي في الخانية والخلاصة أنه لا يكون شارعا ولم يحكيا غيره فكأنهما بنياه على القول المختار ومنها‏:‏ ما لو وقع الله مع الإمام وأكبر قبله لا يكون شارعا على الظاهر، وأما إذا شرع بالفارسية فإنما يصح لما بيناه من أن التكبير هو التعظيم، وهو حاصل بأي لسان ولأن الأصل في النصوص التعليل فلا يعدل عنه إلا بدليل فهو كالإيمان فإنه لو آمن بغير العربية جاز إجماعا لحصول المقصود، وكذا التلبية في الحج والسلام والتسمية عند الذبح بها يجوز كما سيأتي ومحمد مع أبي حنيفة في العربية حتى يصير شارعا بغير لفظ التكبير من العربية حيث دل على التعظيم ومع أبي يوسف في الفارسية حتى لا يكون شارعا في الصلاة بها حيث كان يحسن العربية وعلى هذا الخلاف الخطبة والقنوت والتشهد، وفي الأذان يعتبر التعارف‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ كما لو قرأ بها عاجزا‏)‏ أي لو قرأ بالفارسية حالة العجز عن العربية فإنه يصح وهذا بالاتفاق قيد بالعجز؛ لأنه لو كان قادرا فإنه لا يصح اتفاقا على الصحيح وكان أبو حنيفة أولا يقول بالصحة نظرا إلى عدم أخذ العربية في مفهوم القرآن ولذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولو جعلناه قرآنا أعجميا‏}‏ فإنه يستلزم تسميته قرآنا أيضا لو كان أعجميا، ثم رجع عن هذا القول ووافقهما في عدم الجواز، وهو الحق؛ لأن المفهوم من القرآن باللازم إنما هو العربي في عرف الشرع، وهو المطلوب من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فاقرءوا ما تيسر من القرآن‏}‏ وأما قرآن المنكر فلم يعهد فيه نقل عن المفهوم اللغوي فيتناول كل مقروء وما قيل‏:‏ النظم مقصود للإعجاز وحالة الصلاة المقصود من القرآن فيها المناجاة لا الإعجاز فلا يكون النظم لازما فيها فمردود؛ لأنه معارضة للنص بالمعنى فإن النص طلب بالعربي وهذا التعليل يجيزه بغيرها والكلام في هذه المسألة كثير أصولا وفروعا والتقييد بالفارسية ليس للاحتراز عن غيرها فإن الصحيح أن الفارسية وغيرها سواء فحينئذ كان مراده من الفارسية غير العربية، ولا يجوز بالتفسير إجماعا؛ لأنه كلام الناس، وفي الهداية والخلاف في الجواز إذا اكتفى به ولا خلاف في عدم الفساد حتى إذا قرأ معه بالعربية قدر ما تجوز به الصلاة جازت صلاته، وفي فتاوى قاضي خان أنها تفسد عندهما والتوفيق بينهما بحمل ما في الهداية على ما إذا كان ذكرا أو تنزيها ويحمل ما في الفتاوى على ما إذا كان المقروء من مكان القصص والأمر والنهي كالقراءة الشاذة فإنهم صرحوا في الفروع أنه لا يكتفى بها ولا تفسد وفي أصول شمس الأئمة أن الصلاة تفسد بها فيحمل الأول على ما إذا كان ذكرا والثاني على ما إذا كان غير ذكر كما بيناه في كتابنا المسمى بلب الأصول‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ أو ذبح وسمى بها‏)‏ يعني يصح اتفاقا؛ لأن الشرط فيه الذكر، وهو حاصل بأي لسان كان‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ لا باللهم اغفر لي‏)‏ أي لا يكون شارعا في الصلاة ولا مسميا على الذبيحة بقوله‏:‏ اللهم اغفر لي؛ لأنه ليس بثناء خالص بل مشوب بحاجته، قيد به؛ لأنه قال اللهم، اختلفوا فيه والصحيح الجواز كذا في المحيط والخلاف مبني على معناه فعند سيبويه والبصريين معناه‏:‏ يا الله، وضمة الهاء فيه هي الضمة التي بني عليها المنادى والميم المشددة في آخره عوض عن حرف النداء المحذوف، ولا يجمع بينه وبين حرف النداء لئلا يلزم الجمع بين العوض والمعوض، ويصح الشروع بيا ألله كما في منية المصلي ولم يحك فيه خلافا فكذا ما كان بمعناه وعند الكوفيين معناه‏:‏ يا ألله أمنا بخير أي اقصدنا به فحذف حرف النداء والجملة اختصارا لكثرة الاستعمال فأبقيت ضمة الهاء على ما كانت عليه وعوضت بالميم المشددة عن الجملة ويجوز الجمع بين حرف النداء والميم؛ لأنها ليست بعوض عنه، وقد رد هذا القول بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر‏}‏ الآية؛ لأنه لا يسوغ أن يقال‏:‏ يا ألله أمنا بخير إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر‏.‏ الآية‏.‏ فلا جرم إن صحح المشايخ القول بالصحة وذكر في شرح الجامع الصغير لفخر الإسلام أن فيه قولا ثالثا‏:‏ وهو أن الميم المشددة كناية عن أسماء الله تعالى قال فهذا يوجب أن يصح الشروع به أيضا ا هـ‏.‏ ويشهد له قول النضر بن شميل من قال‏:‏ اللهم فقد دعا بجميع أسمائه، ولهذا قيل إنه الاسم الأعظم وأشار إلى أنه لو قال اللهم‏:‏ ارزقني أو قال أستغفر الله أو أعوذ بالله أو لا حول ولا قوة إلا بالله أو ما شاء الله فإنه لا يصير شارعا كما في المنية، ولو قال‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم ففي المبتغى والمجتبى يجوز، وفي الذخيرة لا يجوز معللا بأن التسمية للتبرك فكأنه قال بارك لي في هذا الأمر وظاهر كلام الشارح ترجيحه في شرح المنية أنه الأشبه وينبغي ترجيح الجواز؛ لأنه ذكر خالص بدليل التسمية على الذبيحة مع اشتراط الذكر الخالص فيها لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فاذكروا اسم الله عليها صواف‏}‏ أي خالصا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ووضع يمينه على يساره تحت سرته‏)‏ كما قدمناه ولم يذكر كيفية الوضع؛ لأنها لم تذكر في ظاهر الرواية واختلف فيها والمختار أنه يأخذ رسغها بالخنصر والإبهام؛ لأنه يلزم من الأخذ الوضع ولا ينعكس وهذا لأن الأخبار اختلفت ذكر في بعضها الوضع، وفي بعضها الأخذ فكان الجمع بينهما عملا بالدليلين أولى ولم يذكر المصنف أيضا وقت الوضع ففي ظاهر الرواية وقته كلما فرغ من التكبير فهو سنة قيام له قرار فيه ذكر مسنون فيضع حالة الثناء، وفي القنوت وتكبيرات الجنازة، وقيل سنة القراءة فقط فلا يضع في هذه المواضع وأجمعوا أنه لا يسن الوضع في القيام المتخلل بين الركوع والسجود؛ لأنه قرار له ولا قراءة فيه وبهذا اندفع ما في فتح القدير من أن الإرسال في القومة بناء على الضابط المذكور يقتضي أن ليس فيها ذكر مسنون، وإنما يتم إذا قيل بأن التحميد والتسميع ليس سنة فيها بل في نفس الانتقال إليها لكنه خلاف ظاهر النصوص، والواقع أنه قل ما يقع التسميع إلا في القيام حالة الجمع بينهما ا هـ‏.‏ لما علمت أن كلامهم إنما هو في قيام له قرار، وفي القنية، ولو ترك التسميع حتى استوى قائما لا يأتي كما لو لم يكبر حالة الانحطاط حتى ركع أو سجد تركه ويجب أن يحفظ هذا ويراعي كل شيء في محله‏.‏ ا هـ‏.‏ وهو صريح في أن القومة ليس فيها ذكر مسنون وذكر في شرح منية المصلي أن شيخ الإسلام ذكر في شرح كتاب الصلاة أنه يرسل في القومة التي تكون بين الركوع والسجود على قولهما كما هو قول محمد وذكر في موضع آخر أن على قولهما يعتمد فإن في هذا القيام ذكرا مسنونا، وهو التسميع أو التحميد وعلى هذا مشى صاحب الملتقط‏.‏ ا هـ‏.‏ وهو مساعد لما بحثه المحقق آنفا وعلى هذا فالمراد من الإجماع المتقدم اتفاق أبي حنيفة وصاحبيه على الصحيح وصحح في البدائع جواب ظاهر الرواية مستدلا بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة» من غير فصل بين حال وحال فهو على العموم إلا ما خص بدليل وذكر الشارح أنه لا يصح في تكبيرات العيد وعند بعضهم أنه سنة القيام مطلقا حتى يضع في الكل وحكي في البدائع اختلاف المشايخ في الوضع فيما بين التكبيرات‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ مستفتحا‏)‏ هو حال من الوضع أي يضع قائلا‏:‏ سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، وقد تقدم أنه سنة لرواية الجماعة أنه كان صلى الله عليه وسلم يقوله إذا افتتح الصلاة، أطلقه فأفاد أنه يأتي به كل مصل إماما كان أو مأموما أو منفردا لكن قالوا المسبوق لا يأتي به إذا كان الإمام يجهر بالقراءة للاستماع، وصححه في الذخيرة، ثم ‏"‏ سبحان ‏"‏ في الأصل مصدر كغفران، وهو لا يكاد يستعمل إلا مضافا منصوبا بإضمار فعله وجوبا فمعنى سبحانك أسبحك تسبيحا أي أنزهك تنزيها، وقيل أعتقد نزاهتك عن كل صفة لا تليق بك ‏"‏ وبحمدك ‏"‏ أي نحمدك بحمدك فهو في المعنى عطف الجملة على الجملة فحذفت الثانية كالأولى وأبقى حرف العطف داخلا على متعلقها مرادا به الدلالة على الحالية من الفاعل فهو في موضع نصب على الحال منه، فكأنه إنما أبقى ليشعر بأنه قد كان هنا جملة طوي ذكرها إيجازا على أنه لو قيل بحمدك بلا حرف العطف كان جائزا صوابا كما روي عن أبي حنيفة؛ لأنه لا يخل بالمعنى المقصود‏.‏ والحاصل أنه نفى بقوله ‏"‏ سبحانك ‏"‏ صفات النقص وأثبت بقوله ‏"‏ بحمدك ‏"‏ صفات الكمال؛ لأن الحمد إظهار الصفات الكمالية، ومن هنا يظهر وجه تقديم التسبيح على التحميد ‏"‏ وتبارك ‏"‏ لا يتصرف فيه ولا يستعمل إلا لله تعالى ذكره القاضي البيضاوي ولعل المعنى والله أعلم‏:‏ تكاثر خيور أسمائك الحسنى وزادت على خيور سائر الأسماء لدلالتها على الذات السبوحية القدوسية العظمى، والأفعال الجامعة لكل معنى أسنى ‏"‏ وتعالى جدك ‏"‏ أي ارتفع عظمتك أو سلطانك أو غناك عما سواك ‏"‏ ولا إله غيرك ‏"‏ في الوجود فأنت المعبود بحق فبدأ بالتنزيه الذي يرجع إلى التوحيد، ثم ختم بالتوحيد ترقيا في الثناء على الله عز وجل من ذكر النعوت السلبية والصفات الثبوتية إلى غاية الكمال في الجلال والجمال وسائر الأفعال، وهو الانفراد بالألوهية وما يختص به من الأحدية والصمدية فهو الأول والآخر والظاهر والباطن، وهو بكل شيء عليم، وأشار‏.‏ المصنف إلى أنه لا يزيد على الاستفتاح فلا يأتي بدعاء التوجه، وهو وجهت وجهي لا قبل الشروع ولا بعده هو الصحيح المعتمد ونص في البدائع على أن عن أبي يوسف روايتين‏:‏ في رواية يقدم التسبيح على التوجه وصححه الزاهدي، وفي رواية‏:‏ إن شاء قدمه، وإن شاء أخره، وقد روى البيهقي عن جابر مرفوعا أنه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «كان يجمع بينهما»، وهو محمول على النافلة؛ لأن مبناها على التوسع ويدفعه ما رواه ابن حبان في صحيحه‏:‏ «كان إذا قام للصلاة المكتوبة يجمع بينهما» ومنهم من أجاب بأن ذلك كان في أول الأمر، ويدل عليه أن عمر رضي الله عنه جهر بالتسبيح فقط لتقتدي الناس به ويتعلموه فهو ظاهر في أنه وحده هو الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم آخر الأمر في الفرائض، وفي منية المصلي وإذا زاد ‏"‏ وجل ثناؤك ‏"‏ لا يمنع، وإن سكت لا يؤمر به، وفي الكافي أنه لم ينقل في المشاهير، وفي البدائع أن ظاهر الرواية الاقتصار على المشهود فالحاصل أن الأولى تركه في كل صلاة نظرا إلى المحافظة على المروي من غير زيادة عليه في خصوص هذا المحل، وإن كان ثناء على الله تعالى، ثم اعلم، أنه يقول في دعاء التوجه‏:‏ ‏"‏ وأنا من المسلمين ‏"‏، ولو قال ‏"‏ وأنا أول المسلمين ‏"‏ اختلف المشايخ في فساد صلاته والأصح عدم الفساد وينبغي أن لا يكون فيه خلاف لما ثبت في صحيح مسلم من الروايتين بكل منهما وتعليل الفساد بأنه كذب مردود بأنه إنما يكون كذبا إذا كان مخبرا عن نفسه لا تاليا وإذا كان مخبرا فالفساد عند الكل‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وتعوذ سرا‏)‏ أي قال المصلي‏:‏ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وهو اختيار أبي عمرو وعاصم وابن كثير، وهو المختار عندنا، وهو قول الأكثر من أصحابنا؛ لأنه المنقول من استعاذته صلى الله عليه وسلم وبهذا يضعف ما اختاره في الهداية من أن الأولى أن يقول‏:‏ أستعيذ بالله ليوافق القرآن يعني؛ لأن المذكور فيه ‏:‏ ‏{‏فاستعذ‏}‏ بصيغة الأمر من الاستعاذة وأستعيذ مضارعها فيتوافقان بخلاف أعوذ فإنه من العوذ لا من الاستعاذة وجوابه كما في فتح القدير أن لفظ استعذ طلب العوذ، وقوله أعوذ مثال مطابق لمقتضاه أما قربه من لفظه فمهدر، وفي البدائع ولا ينبغي أن يزيد عليه أن الله هو السميع العليم يعني كما هو اختيار نافع وابن عامر والكسائي؛ لأن هذه الزيادة من باب الثناء وما بعد التعوذ محل القراءة لا محل الثناء، وقد قدم المصنف أنه سنة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم‏}‏ أي إذا أردت قراءة القرآن، فأطلق المسبب على السبب، وإنما لم يكن واجبا لظاهر الأمر؛ لأن السلف أجمعوا على سنيته كما نقله المصنف في الكافي ولم يعين سند الإجماع الذي هو الصارف للأمر عن ظاهره وعلى القول بأنه لا يحتاج إلى سند بل يجوز أن يخلق الله لهم علما ضروريا يستفيدون به الحكم فلا إشكال وروى ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي عن ابن مسعود أربع يخفيهن الإمام التعوذ والتسمية وآمين وربنا لك الحمد فقوله سرا عائد إلى الاستفتاح والتعوذ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ للقراءة فيأتي به المسبوق لا المقتدي ويؤخر عن تكبيرات العيدين‏)‏ يعني أن التعوذ سنة القراءة فيأتي به كل قارئ للقرآن؛ لأنه شرع لها صيانة عن وساوس الشيطان فكان تبعا لها، وهو قول أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف هو تبع للثناء وفائدة الخلاف في ثلاث مسائل‏:‏ إحداها‏:‏ أنه لا يأتي به المقتدي عندهما؛ لأنه لا قراءة عليه ويأتي به عنده؛ لأنه يأتي بالثناء، ثانيها‏:‏ أن الإمام يأتي بالتعوذ بعد تكبيرات الزوائد في الركعة الأولى عندهما ويأتي به الإمام والمقتدي بعد الثناء قبل التكبيرات عنده، ثالثها‏:‏ أن المسبوق لا يأتي به للحال ويأتي به إذا قام إلى القضاء عندهما وعنده يأتي به مرتين عند الدخول بعد الثناء وعند القراءة، وقد ذكر صاحب الهداية وجماعة الخلاف بين الصاحبين وأبي يوسف، وفي عامة النسخ كالمبسوط والمنظومة وشروحها بين أبي يوسف ومحمد ولم يذكر قول أبي حنيفة بل وذكر أبو اليسر رواية عن محمد كما عن أبي يوسف فلذا والله أعلم صحح صاحب الخلاصة قول أبي يوسف أنه تبع للثناء وأشار المصنف إلى أن محل التعوذ بعد الثناء ومقتضاه أنه لو تعوذ قبل الثناء أعاده بعده لعدم وقوعه في محله وإلى أنه لو نسي التعوذ فقرأ الفاتحة لا يتعوذ لفوات المحل وقيدنا بقراءة القرآن للإشارة إلى أن التلميذ لا يتعوذ إذا قرأ على أستاذه كما نقله في الذخيرة وظاهره‏:‏ أن الاستعاذة لم تشرع إلا عند قراءة القرآن أو في الصلاة، وفيه نظر ظاهر، وقد قدمناه أن المسبوق يأتي بالثناء إلا إذا كان إمامه يجهر بالقراءة ويأتي به أيضا إذا قام إلى قضاء ما سبق به وإذا أدرك الإمام في الركوع يتحرى إن كان أكبر رأيه أنه لو أتى به أدرك الإمام في شيء من الركوع يأتي به قائما وإلا يتابع الإمام ولا يأتي بالثناء في الركوع لفوات محله فإنه محل التسبيحات، وإنما يأتي بتكبيرات العيد فيه دون تسبيحاته؛ لأنها واجبة دونها، وكذا لو أدرك المسبوق الإمام في السجدة فهو كالركوع وإذا لم يدرك الإمام في الركوع والسجود لا يأتي بهما؛ لأنه انفرد عن الإمام بعد الاقتداء بزيادة لم يعتد بها، وإن كانت غير مفسدة، لما أن زيادة ما دون الركعة غير مفسد، وإن أدرك إمامه في القعدة فإنه لا يأتي بالثناء بل يكبر للافتتاح، ثم للانحطاط، ثم يقعد، وقيل يأتي بالثناء وينبغي أن يفصل كما في الركوع والسجود وأن لا فرق بين القعدة الأولى والثانية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وسمى سرا في كل ركعة‏)‏ أي، ثم يسمي المصلي بأن يقول‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم، هذا هو المراد بالتسمية هنا، وأما في الوضوء والذبيحة فالمراد منها ذكر الله تعالى، والمراد بالمصلي هنا الإمام أو المنفرد أما المقتدي فلا دخل له فيها فإنه لا يقرأ بدليل أنه قدم أنه لا يتعوذ، وقد عدها المصنف فيما سبق من السنن، وهو المشهور عن أهل المذهب، وقد صحح الزاهدي في شرحه، وفي القنية وجوبها في كل ركعة وصرح في باب سجود السهو بأنه يلزمه السهو بتركها وتبعه على ذلك ابن وهبان في منظومته قال وإن الوجوب قول الأكثر والشارح الزيلعي في باب سجود السهو وعلل في البدائع بما يفيده، فإنه قال روى المعلى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة أنه يأتي بها في ركعة، هو قول أبي يوسف ومحمد؛ لأن التسمية إن لم تجعل من الفاتحة قطعا لخبر الواحد لكن خبر الواحد يوجب العمل فصارت من الفاتحة عملا فمتى لزمه قراءة الفاتحة يلزمه قراءة التسمية احتياطا ا هـ‏.‏ وهذا كله ضعيف والمواظبة لم تثبت لما في صحيح مسلم عن أنس صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، وإن كان قد أجاب عنه أئمتنا بأنه لم يرد نفي القراءة بل السماع للإخفاء بدليل ما رواه أحمد عنه فكانوا لا يجهرون ب بسم الله الرحمن الرحيم، وهو دليلنا على الإخفاء بها، ولولا التصريح بلزوم السهو بتركها لقلت‏:‏ إن الوجوب في كلامهم بمعنى الثبوت، أطلق فشمل الصلاة الجهرية والسرية فما في منية المصلي من أن الإمام إذا جهر لا يأتي بها وإذا خافت يأتي بها غلط فاحش مخالف لكل الروايات، وقوله في كل ركعة أي في ابتداء كل ركعة فلا تسن التسمية بين الفاتحة والسورة مطلقا عندهما، وقال محمد تسن إذا خافت لا إن جهر وصحح في البدائع قولهما، والخلاف في الاستنان أما عدم الكراهة فمتفق عليه، ولهذا صرح في الذخيرة والمجتبى بأنه إن سمى بين الفاتحة والسورة كان حسنا عند أبي حنيفة سواء كانت تلك السورة مقروءة سرا أو جهرا ورجحه المحقق ابن الهمام وتلميذه الحلبي لشبهة الاختلاف في كونها آية من كل سورة، وإن كانت الشبهة في ذلك دون الشبهة الناشئة من الاختلاف في كونها آية من الفاتحة، وما في القنية من أنه يلزمه سجود السهو بتركها بين الفاتحة والسورة فبعيد جدا، كما أن قول من قال لا يسمي إلا في الركعة الأولى قول غير صحيح بل قال الزاهدي إنه غلط على أصحابنا غلطا فاحشا، وفي ذكر التسمية بعد التعوذ إشارة إلى محلها فلو سمى قبل التعوذ أعادها بعده لعدم وقوعها في محلها، لو نسيها حتى فرغ من الفاتحة لا يسمي لأجل فوات محلها‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ هي آية من القرآن أنزلت للفصل بين السور ليست من الفاتحة ولا من كل سورة‏)‏ بيان للأصح من الأقوال كما في المحيط وغيره ورد للقولين الآخرين‏:‏ أحدهما‏:‏ أنها ليست قرآنا، وهو قول بعض مشايخنا لاختلاف العلماء والأخبار فيها فأورث شبهة، ثانيهما‏:‏ أنها من الفاتحة ومن كل سورة ونسب إلى الشافعي، ووجه الأصح إجماعهم على كتابتها مع الأمر بتجريد المصحف، وقد تواترت فيه، وهو دليل تواتر كونها قرآنا وبه اندفعت الشبهة للاختلاف، وإنما لم يحكم بكفر منكرها؛ لأن إنكار القطعي لا يوجب الكفر إلا إذا لم يثبت فيه شبهة قوية، فإن ثبتت فلا، كما في البسملة فالموجب لتكفير من أنكر القرآن إنكار ما تواتر كونه قرآنا، وأما البسملة فبما تواترت في المصحف ثبتت قرآنيتها وبتواتر كونها قرآنا في الأوائل لم يكفر جاحدها، فالتواتر المعتبر في القرآن تواتره في محله والمعتبر في التكفير تواتر كونه قرآنا، وبهذا اندفع ما قيل من الإشكال في التسمية، وهو أنها إن كانت متواترة لزم تكفير منكرها ولم يتكافروا فيها، وإن لم تكن متواترة فليست قرآنا، وأشار بقوله‏:‏ ‏(‏آية‏)‏ إلى أنها في القرآن آية واحدة يفتح بها كل سورة وعند الشافعي آيات في السورة والخلاف في غير البسملة التي في سورة النمل أما هي فبعض آية اتفاقا ومما استدل به لمذهبنا حديث‏:‏ «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي فإذا قال الحمد لله» إلى آخره فإنه لم يذكر البسملة فدل أنها ليست من الفاتحة وحديث عد سورة الملك ثلاثين آية وهي ثلاثون دونها والكلام في البسملة طويل بين الأئمة، واستفيد من كلام المصنف أنه يحرم قراءتها على الجنب والحائض وقيده في المحيط وغيره بأن يقرأ على قصد القرآن، ومقتضى كونها قرآنا أن تحرم على الجنب إلا إذا قصد الذكر أو التيمن، وفي المجتبى الأصح أنها آية في حق حرمتها على الجنب لا في حق جواز الصلاة بها فإن فرض القراءة ثابت بيقين فلا يسقط بما فيه شبهة، وكذا في المحيط‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وقرأ الفاتحة وسورة أو ثلاث آيات‏)‏ أي قرأ المصلي إذا كان إماما أو منفردا على وجه الوجوب ما ذكر وهما واجبتان للمواظبة، لكن الفاتحة أوجب حتى يؤمر بالإعادة بتركها دون السورة كذا ذكره الشارح، وقد تبع فيه الفقيه، وفيه نظر ظاهر؛ لأن كلا منهما واجب اتفاقا وبترك الواجب تثبت كراهة التحريم، وقد قالوا كل صلاة أديت مع كراهة التحريم يجب إعادتها فتعين القول بوجوب الإعادة عند ترك السورة وما يقوم مقامها كترك الفاتحة، نعم الفاتحة آكد في الوجوب من السورة للاختلاف في ركنيتها دون السورة والآكدية لا تظهر فيما ذكره؛ لأن وجوب الإعادة حكم ترك الواجب مطلقا إلا الواجب المتأكد، وإنما يظهر في الإثم؛ لأنه مقول بالتشكيك كما قدمناه والثلاث آيات القصار تقوم مقام السورة في الإعجاز فكذا هنا، وكذا الآية الطويلة تقوم مقامها فإذا نقص عن ثلاث قصار أو آية طويلة فقد ارتكب كراهة التحريم لتركه الواجب وإذا أتى بها خرج عن كراهة التحريم، فإن قرأ القدر المسنون كما سيأتي فقد خرج عن كراهة التنزيه أيضا وإلا فقد ارتكبها كما صرح به في شرح منية المصلي فمن قال‏:‏ خرج عن الكراهة إذا قرأ الواجب، أراد التحريمية، ومن قال‏:‏ لا يخرج عنها، أراد التنزيهية‏.‏