فصل: باب صفة الصلاة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


استقبال القبلة

‏(‏قوله‏:‏ واستقبال القبلة‏)‏ يعني من شروطها استقبال القبلة عند القدرة وهو استفعال من قبلت الماشية الوادي بمعنى قابلته وليس السين فيه للطلب؛ لأن طلب المقابلة ليس هو الشرط بل الشرط المقصود بالذات المقابلة فهو بمعنى فعل كاستمر واستقر والقبلة في الأصل الحالة التي يقابل الشيء عليها غيره كالجلسة للحالة التي يجلس عليها والآن، وقد صارت كالعلم للجهة التي تستقبل في الصلاة وسميت بذلك لأن الناس يقابلونها في صلاتهم وتقابلهم وهو شرط بالكتاب لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره‏}‏ واختلف في المراد بالمسجد هنا فقيل المسجد الكبير الذي فيه الكعبة؛ لأن عين الكعبة يصعب استقبالها لصغرها وقيل الحرم كله؛ لأنه قد يطلق ويراد به الحرم كما في قوله‏:‏ ‏{‏من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى‏}‏ والصحيح كما ذكره الإمام نجم الدين في تفسيره والنووي في شرح المهذب أن المراد به الكعبة فهي القبلة كما يدل عليه عامة الأحاديث ومنها ما في صحيح مسلم عن البراء «صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا ثم صرفنا نحو الكعبة» والنكتة في ذكر المسجد الحرام وإرادة الكعبة كما في الكشاف وحواشيه الدلالة على أن الواجب في حق الغائب هو الجهة، وبالسنة كثير منها قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «للمسيء صلاته إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة وكبر» رواه مسلم وانعقد الإجماع عليه وفي عدة الفتاوى الكعبة إذا رفعت عن مكانها لزيارة أصحاب الكرامة ففي تلك الحالة جازت صلاة المتوجهين إلى أرضها‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فللمكي فرضه إصابة عينها‏)‏ أي عين القبلة بمعنى الكعبة للقدرة على اليقين أطلق في المكي فشمل من كان بمعاينتها ومن لم يكن حتى لو صلى مكي في بيته ينبغي أن يصلي بحيث لو أزيلت الجدران يقع استقباله على شطر الكعبة بخلاف الآفاقي فإنه لو أزيلت الموانع لا يشترط أن يقع استقباله على عين الكعبة لا محالة، كذا في الكافي وهو ضعيف قال في الدراية من كان بينه وبين الكعبة حائل الأصح أنه كالغائب ولو كان الحائل أصليا كالجبل كان له أن يجتهد والأولى أن يصعده ليصل إلى اليقين، وفي التجنيس من كان بمعاينة الكعبة فالشرط إصابة عينها ومن لم يكن بمعاينتها فالشرط إصابة جهتها وهو المختار وفي فتح القدير وعندي في جواز التحري مع إمكان صعوده إشكال؛ لأن المصير إلى الدليل الظني وترك القاطع مع إمكانه لا يجوز وما أقرب قوله في الكتاب والاستخبار فوق التحري فإذا امتنع المصير إلى الظني لإمكان ظني أقوى منه فكيف يترك اليقين مع إمكانه للظن‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولغيره إصابة جهتها‏)‏ أي لغير المكي فرضه إصابة جهتها وهو الجانب الذي إذا توجه إليه الشخص يكون مسامتا للكعبة أو لهوائها إما تحقيقا بمعنى أنه لو فرض خطا من تلقاء وجهه على زاوية قائمة إلى الأفق يكون مارا على الكعبة أو هوائها وإما تقريبا بمعنى أن يكون ذلك منحرفا عن الكعبة أو هوائها انحرافا لا تزول به المقابلة بالكلية بأن بقي شيء من سطح الوجه مسامتا لها؛ لأن المقابلة إذا وقعت في مسافة بعده لا تزول بما تزول به من الانحراف لو كانت في مسافة قريبة ويتفاوت ذلك بحسب تفاوت البعد وتبقى المسامتة مع انتقال مناسب لذلك البعد فلو فرض مثلا خطا من تلقاء وجه المستقبل للكعبة على التحقيق في بعض البلاد وخط آخر يقطعه على زاويتين قائمتين من جانب يمين المستقبل وشماله لا تزول تلك المقابلة بالانتقال إلى اليمين والشمال على ذلك الخط بفراسخ كثيرة ولهذا وضع العلماء قبلة بلد وبلدين وبلاد على سمت واحد وفي فتاوى قاضي خان وجهة الكعبة تعرف بالدليل والدليل في الأمصار والقرى المحاريب التي نصبها الصحابة والتابعون رضي الله عنهم أجمعين فعلينا اتباعهم في استقبال المحاريب المنصوبة، فإن لم يكن فالسؤال من الأهل، أما البحار والمفاوز فدليل القبلة النجوم إلى آخره وفي المبتغى في معرفة الجهة أربعة أوجه‏:‏ أحدها - في أقصر يوم من السنة وقت طلوع الشمس فاجعل عين الشمس عند مطلعها على رأس أذنك اليسرى فإنك تدركها‏.‏ وثانيها - فاجعل عين الشمس على مؤخر عينك اليسرى عند الزوال فإنك تصيبها‏.‏ وثالثها - فاجعل الشمس على مقدم عينك اليمنى مما يلي الأنف عند صيرورة ظل كل شيء مثليه بعد زوالها فإنك تدركها ورابعها فاجعل عين الشمس على مؤخر عينك اليمنى عند غروب الشمس فإنك تدركها، ووجه آخر أنه إذا كان قبل المهرجان بشهر فاستقبل العقرب وقت صلاة العشاء الأخيرة فإنك تدركها وإذا جعلت بنات نعش الصغرى على أذنك اليمنى وانحرفت قليلا إلى شمالك فإنك تدركها وذكر بعضهم أن أقوى الأدلة القطب وهو نجم صغير في بنات نعش الصغرى بين الفرقدين والجدي إذا جعله الواقف خلف أذنه اليمنى كان مستقبلا القبلة إن كان بناحية الكوفة وبغداد وهمدان وقزوين وطبرستان وجرجان وما والاها إلى نهر الشاش ويجعله من بمصر على عاتقه الأيسر ومن بالعراق على عاتقه الأيمن فيكون مستقبلا باب الكعبة وباليمن قبالة المستقبل مما يلي جانبه الأيسر وبالشام وراءه وفي معرفة الجهة أقوال أخرى مذكورة في الخانية وغيرها أطلق في الاكتفاء بالجهة فأفاد أنه لا يشترط نية الكعبة وشرطها الجرجاني بناء على أن الفرض إصابة العين للقريب والبعيد ولا يمكن إصابة العين للبعيد إلا من حيث النية فانتقل ذلك إليها وذهب العامة إلى عدم اشتراط إصابة العين فلا يشترط نيتها لعدم الحاجة إلى ذلك فإن إصابة الجهة تحصل من غير نية العين، فالحاصل أن نية استقبال القبلة ليست بشرط على الصحيح من المذهب سواء كان الفرض إصابة العين في حق المكي أو إصابة الجهة في حق غيره كما صححه في التحفة والتجنيس والخلاصة وغيرها حتى قال في البدائع الأفضل أن لا ينوي الكعبة لاحتمال أن لا تحاذي هذه الجهة الكعبة فلا تجوز صلاته وإنما كان هذا هو الصحيح؛ لأن استقبالها شرط من الشرائط فلا يشترط فيه النية كالوضوء وغيره وعلى هذا فقولهم لو نوى بناء الكعبة لا يجوز؛ لأن المراد بالكعبة العرصة لا البناء إلا أن يريد بالبناء جهة الكعبة فيجوز ذكره في المحيط وغيره، وقولهم ولو نوى أن قبلته محراب مسجده لا يجوز؛ لأنه علامة وليس بقبلة كما في الخانية وقولهم‏:‏ لو نوى مقام إبراهيم ولم ينو الكعبة قيل‏:‏ لا يجوز إلا أن ينوي الجهة وقيل‏:‏ إن لم يكن الرجل أتى مكة أجزأه وإلا لا يجوز واختاره في الخانية و البدائع والمحيط مبني على الضعيف الشارط للنية، أما على الصحيح فيجوز كما ذكره ابن أمير حاج وذكر عن بعضهم أن ثمرة الخلاف عند أصحابنا تظهر أيضا في الانحراف قليلا فمن قال الفرض التوجه إلى العين لم تصح صلاته ومن قال الجهة صححها وسيأتي في باب الصلاة في الكعبة أن الصواب أن يقال القبلة هي العرصة لا الكعبة؛ لأنها البناء وفي الفتاوى الانحراف المفسد أن يجاوز المشارق إلى المغارب وفي التجنيس وإذا حول وجهه لا تفسد صلاته وتفسد بصدره قيل هذا أليق بقولهما، أما عنده فلا تفسد في الوجهين بناء على أن الاستدبار إذا لم يكن على قصد الرفض لا تفسد ما دام في المسجد عنده خلافا لهما حتى لو انصرف عن القبلة على ظن الإتمام فتبين عدمه بنى ما دام في المسجد عنده خلافا لهما‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي فتح القدير ولقائل أن يفرق بينهما بعذره هناك وتمرده هنا والحاصل أن المذهب أنه إذا حول صدره فسدت وإن كان في المسجد إذا كان من غير عذر كما عليه عامة الكتب وفي الظهيرية ومن صلى إلى غير جهة الكعبة متعمدا لا يكفر هو الصحيح؛ لأن ترك جهة الكعبة جائز في الجملة بخلاف الصلاة بغير طهارة لعدم الجواز بغير طهارة بحال واختاره الصدر الشهيد‏.‏ والحاصل أن حكم الفرض لزوم الكفر بجحده لا بتركه، وإنما قال أبو حنيفة بالكفر في هذه المسائل بمجرد الترك عمدا للزوم الاستهزاء به والاستخفاف وهو يقتضي أنه لا فرق في المسائل إذ لا أثر لعدم الجواز في شيء من الأحوال بل الموجب للإكفار هو الاستهانة وهو ثابت في الكل وإلا فهو منتف في الكل وألحق في فتح القدير الصلاة في الثوب النجس كالصلاة بغير طهارة وهو مشكل فإن بعض أئمة المالكية يقول بأن إزالتها سنة لا فرض ولا يكفر بجحد المختلف فيه فكيف يتركه من غير جحد كما أشار إليه قاضي خان في فتاويه وحكي في الذخيرة الاختلاف فيما إذا صلى بغير طهارة، ثم قال ولو ابتلي إنسان بذلك لضرورة بأن كان مع قوم فأحدث واستحيا أن يظهر فكتم ذلك وصلى هكذا أو كان بقرب العدو فقام يصلي وهو غير طاهر قال بعض مشايخنا لا يكون كافرا لأنه غير مستهزئ ومن ابتلي بذلك لضرورة أو لحياء ينبغي أن لا يقصد بالقيام قيام الصلاة ولا يقرأ شيئا وإذا حنى ظهره لا يقصد الركوع ولا يسبح حتى لا يصير كافرا بالإجماع‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والخائف يصلي إلى أي جهة قدر‏)‏ لأن استقبال القبلة شرط زائد يسقط عند العجز والفقه فيه أن المصلي في خدمة الله تعالى ولا بد من الإقبال عليه، والله سبحانه منزه عن الجهة فابتلاه بالتوجه إلى الكعبة؛ لأن العبادة ليست لها ولهذا لو سجد للكعبة نفسها كفر فلما اعتراه الخوف تحقق العذر فأشبه حالة الاشتباه في تحقق العذر فيتوجه إلى أي جهة قدر؛ لأن الكعبة لم تعتبر لعينها بل للابتلاء وهو حاصل بذلك أطلقه فشمل الخوف من عدو أو سبع أو لص وسواء خاف على نفسه أو على دابته وأراد بالخائف من له عذر فيشمل المريض إذا كان لا يقدر على التوجه وليس عنده من يحوله إليها أو كان التحويل يضره والتقييد بعدم وجود من يحوله جرى على قولهما، أما عنده فالقادر بقدرة غيره ليس بقادر كما عرف في التيمم ويشمل ما إذا كان على لوح في السفينة يخاف الغرق إذا انحرف إليها وما إذا كان في طين وردغة لا يجد على الأرض مكانا يابسا أو كانت الدابة جموحا لو نزل لا يمكنه الركوب إلا بمعين أو كان شيخا كبيرا لا يمكنه أن يركب إلا بمعين ولا يجده فكما تجوز له الصلاة على الدابة ولو كانت فرضا وتسقط عنه الأركان كذلك يسقط عنه التوجه إلى القبلة إذا لم يمكنه ولا إعادة عليه إذا قدر، فالحاصل أن الطاعة بحسب الطاقة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومن اشتبهت عليه القبلة تحرى‏)‏ أي إذا عجز عن تعرف القبلة بغير التحري لزمه التحري وهو بذل المجهود لنيل المقصود؛ لأن الصحابة تحروا وصلوا وقيل في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فأينما تولوا فثم وجه الله‏}‏ أي قبلته أنها نزلت في الصلاة حالة الاشتباه قيدنا بالعجز عن التعرف إلا به؛ لأنه لو قدر على تعرف القبلة بالسؤال من أهل ذلك الموضع ممن هو عالم بالقبلة فلا يجوز له التحري؛ لأن الاستخبار فوقه لكون الخبر ملزما له ولغيره والتحري ملزم له دون غيره فلا يصار إلى الأدنى مع إمكان الأعلى بخلاف ما إذا لم يكن من أهله فإنه لا يقلده؛ لأن كحاله، فإن لم يخبره المستخبرين سأله فصلى بالتحري، ثم أخبره لا يعيد ولو كان مخطئا وبناء على هذا ما ذكر في التجنيس تحرى فأخطأ فدخل في الصلاة وهو لا يعلم، ثم علم وحول وجهه إلى القبلة فدخل رجل في صلاته، وقد علم حالته الأولى لا تجوز صلاة الداخل لعلمه أن الإمام كان على الخطأ في أول الصلاة‏.‏ ا هـ‏.‏ وكذا إذا كان في المفازة والسماء مصحية وله علم بالاستدلال بالنجوم على القبلة لا يجوز له التحري؛ لأن ذلك فوقه وفي الظهيرية رجل صلى بالتحري إلى الجهة في المفازة والسماء مصحية لكنه لا يعرف النجوم فتبين أنه أخطأ القبلة هل يجوز قال رضي الله عنه قال أستاذنا ظهير الدين المرغيناني يجوز وقال غيره لا يجوز؛ لأنه لا عذر لأحد في الجهل بالأدلة الظاهرة المعتادة نحو الشمس والقمر وغير ذلك، أما دقائق علم الهيئة وصور النجوم الثوابت فهو معذور في الجهل بها‏.‏ ا هـ‏.‏ فالحاصل أن محل التحري أن يعجز عن الاستقبال بانطماس الأعلام وتراكم الظلام وتضام الغمام كما ذكره المصنف في كافيه وهو يرجح ما في الظهيرية من أن السماء إذا كانت مصحية لا يجوز التحري ولا يعذر بالجهل وذكر الشارح أنه لا يجوز التحري مع المحاريب وفي الظهيرية رجل اشتبهت عليه القبلة في المسجد ولم يكن أحد يعرفه القبلة قال في الأصول يجوز له التحري؛ لأنه عجز عمن يسأله فصار كالمفازة وقال أئمة بلخ منهم الفقيه أبو جعفر لا تجوز له الصلاة بالتحري وعلل فقال‏:‏ إن هذه نائبة العقبى فتعتبر بنائبة الدنيا ولو حدثت به نائبة الدنيا فإنه يستغيث بجيران المسجد كذلك هاهنا يجب أن يستغيث بهم وإن كان في مسجد نفسه قال بعضهم هو كالبيت لا يجوز له التحري وقال بعضهم مسجده ومسجد غيره سواء وروى أبو جعفر عن سلام بن حكيم أنه قال محاريب خراسان كلها منصوبة إلى الحجر الأسود والحجر الأسود إلى ميسرة الكعبة ومن توجه إلى الكعبة ومال بوجهه إلى ميسرة الكعبة وقع وجهه إلى جبل أبي قبيس ومن مال بوجهه إلى يمينها وقع وجهه إلى الكعبة ولهذا قيل‏:‏ يجب أن يميل إلى يمينها قال ومحاريب الدنيا كلها نصبت بالتحري حتى منى ولم يزد عليه شيئا وهذا خلاف ما نقل عن أبي بكر الرازي في محراب المدينة أنه مقطوع به فإنه إنما نصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوحي بخلاف سائر البقاع حتى قيل‏:‏ إن محراب منى نصب بالتحري والعلامات وهو أقرب المواضع إلى مكة‏.‏ ا هـ‏.‏ وبهذا تبين أن قولهم لغير المكي إصابة جهتها ليس على إطلاقه بل في غير المدني فإن المدني كالمكي يفترض عليه إصابة عينها كما صرح به في السراج الوهاج أيضا وأطلق في الاشتباه فشمل ما إذا كان بمكة أو بالمدينة بأن كان محبوسا ولم يكن بحضرته من يسأله فصلى بالتحري، ثم تبين أنه أخطأ روي عن محمد أنه لا إعادة عليه وكان الرازي يقول تلزمه الإعادة؛ لأنه تيقن بالخطأ إذا كان بمكة أو بالمدينة والأول أحسن، كذا في الظهيرية وفي فتاوى قاضي خان رجل صلى في المسجد في ليلة مظلمة بالتحري فتبين أنه صلى إلى غير القبلة جازت صلاته؛ لأنه ليس له أن يقرع أبواب الناس للسؤال عن القبلة ولا يعرف القبلة بمس الجدران والحيطان؛ لأن الحائط لو كانت منقوشة لا يمكنه تمييز المحراب من غيره وعسى يكون ثم هامة مؤذية فجاز له التحري ا هـ‏.‏ وقيد بالاشتباه؛ لأنه لو صلى في الصحراء إلى جهة من غير شك ولا تحر إن تبين أنه أصاب أو كان أكبر رأيه أو لم يظهر من حاله شيء حتى ذهب عن الموضع فصلاته جائزة وإن تبين أنه أخطأ أو كان أكبر رأيه فعليه الإعادة وقيد بالتحري؛ لأن من صلى ممن اشتبهت عليه بلا تحر فعليه الإعادة إلا إن علم بعد الفراغ أنه أصاب؛ لأن ما افترض لغيره يشترط حصوله لا تحصيله وإن علم في الصلاة أنه أصاب يستقبل خلافا لأبي يوسف لما ذكرنا قلنا حالته قويت بالعلم وبناء القوي على الضعيف لا يجوز، أما لو تحرى وصلى إلى غير جهة التحري ففي الخلاصة والخانية عن أبي حنيفة أنه يخشى عليه الكفر لإعراضه عن القبلة وفي الذخيرة اختلف المشايخ في كفره؛ لأنه صارت قبلة في حقه وفي الظهيرية وظن بعض أصحابنا أن الجهة التي أدى إليها التحري قبلة على الحقيقة وعندنا وهذا غير مرضي ففيه قول بأن كل مجتهد يصيب الحق لا محالة ولا نقول به لكن المجتهد يخطئ مرة ويصيب أخرى‏.‏ ا هـ‏.‏ وأما صلاته فلا تجزئه وإن أصاب مطلقا خلافا لأبي يوسف وفي فتح القدير هي مشكلة على قولهما؛ لأن تعليلهما في هذه وهو أن القبلة في حقه جهة التحري، وقد تركها يقتضي الفساد مطلقا في صورة ترك التحري؛ لأن ترك جهة التحري تصدق مع ترك التحري وتعليلهما في تلك بأن ما فرض لغيره يشترط مجرد حصوله كالسعي يقتضي الصحة في هذه وعلى هذا لو صلى في ثوب وعنده أنه نجس، ثم ظهر أنه طاهر أو صلى وعنده أنه محدث فظهر أنه متوضئ أو صلى الفرض وعنده أن الوقت لم يدخل فظهر أنه كان قد دخل لا يجزئه؛ لأنه لما حكم بفساد صلاته بناء على دليل شرعي وهو تحريه فلا ينقلب جائزا إذا ظهر خلافه وهذا التعليل يجري في مسألة العدول عن جهة التحري إذا ظهر صوابه وبه يندفع الإشكال الذي أوردناه؛ لأن دليل الشرع على الفساد هو التحري أو اعتقاد الفساد عن التحري فإذا حكم بالفساد دليل شرعي لزم وذلك منتف في صورة ترك التحري فكان ثبوت الفساد فيها قبل ظهور الصواب إنما هو لمجرد اعتقاده الفساد فيؤاخذ باعتقاده الذي ليس بدليل إذا لم يكن عن تحر وفي فتاوى العتابي تحرى فلم يقع تحريه على شيء قيل يؤخر وقيل يصلي إلى أربع جهات وقيل يخير وفي الظهيرية ولو تحرى رجل واستوى الحالان عنده ولم يتيقن بشيء ولكن صلى إلى جهة إن ظهر أنه أصاب القبلة جاز وإن ظهر أنه أخطأ فكذلك وإن لم يظهر له شيء جازت صلاته وفي الخلاصة وعن محمد لو صلى أربع ركعات إلى أربع جهات جاز، ثم اختلف المتأخرون فيما إذا تحول رأيه إلى الجهة الأولى بالتحري فمنهم من قال يتم الصلاة ومنهم من قال يستقبل‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي البغية لو صلى إلى جهة بتحر، ثم تحول رأيه في الركعة الثانية إلى جهة أخرى فتحول وتذكر أنه ترك سجدة من الركعة الأولى فسدت صلاته وفي الظهيرية ويجوز التحري لسجدة التلاوة كما يجوز للصلاة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن أخطأ لم يعد‏)‏؛ لأنه أتى بالواجب في حقه وهو الصلاة إلى جهة تحريه بخلاف من توضأ بماء أو صلى في ثوب على ظن أنه طاهر، ثم تبين أنه نجس حيث يعيد الصلاة لأنه ترك ما أمر به وهو الصلاة في ثوب طاهر وعلى طهارة وهو قد أتى بما أمر به وهو التحري وفي الكافي ما يدل على جواز التحري في الأواني والثياب وفيه تفصيل مذكور في الظهيرية قال ويجوز التحري في الثوب الواحد حالة الضرورة والثوبين والثياب وإن كان النجس غالبا وفي الإناءين لا يجوز إلا رواية عن أبي يوسف لكنه إذا توضأ بهما واحدا بعد واحد وصلى ينظر إن توضأ بالأول وصلى جاز؛ لأن وضوءه من الأول تحر منه أنه طاهر كما لو قال لامرأتيه إحداكما طالق، ثم وطئ إحداهما تعينت الأخرى للطلاق فلو توضأ بالثاني، ثم صلى ينبغي أن لا تجوز صلاته؛ لأنه توضأ بماء نجس وإن لم يحدث ولم يصل بعدما توضأ من الأول حتى توضأ بالثاني قال عامتهم لا يجوز؛ لأن أعضاءه صارت نجسة وقال بعضهم يجوز وهو الصحيح؛ لأنه لما لم يجز التحري عندنا لغلبة النجاسة أو لاستواء الطاهر بالنجس يهريق المياه كلها ويتيمم ويصلي أو يخلط المياه كلها حتى تصير المياه كلها نجسة، ثم يتيمم احترازا عن إضاعة الماء ولو لم يهرقها جاز له التيمم قالوا هذا قول أبي حنيفة وقالا‏:‏ لا يجوز تيممه إلا بعد الإراقة وقال ابن زيادة يخلطها، ثم يتيمم وإن كان عند ثلاثة ثلاث أو أن أحدها نجس ووقع تحري كل واحد منهم على إناء جازت صلاتهم فرادى ولو كان أحدهما سؤر حمار والآخر طاهرا يتوضأ بهما ولا يتيمم ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن علم به في صلاته استدار‏)‏ أي إن علم بالخطأ؛ لأن تبدل الاجتهاد بمنزلة تبدل النسخ، وقد روي أن قوما من الأنصار كانوا يصلون بمسجد قباء إلى بيت المقدس فأخبروا بتحول القبلة فاستداروا كهيئتهم وفيه دليل على جواز نسخ الكتاب السنة إذ لا نص على بيت المقدس في القرآن فعلم أنه كان ثابتا بالسنة، ثم نسخ بالكتاب وعلى أن حكم النسخ لا يثبت حتى يبلغ المكلف وعلى أن خبر الواحد يوجب العمل، كذا ذكر الشارح وفي كون بيت المقدس ثبت التوجه إليه بالسنة فقط بحث بل في القرآن العظيم ما يدل عليه فإنه قال تعالى‏:‏ ‏{‏سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها‏}‏ قال المفسرون هي بيت المقدس، ثم مسائل حسن التحري في القبلة على عشرين وجها؛ لأنه لا يخلو إما أن لم يشك ولم يتحر أو شك وتحرى أو شك ولم يتحر أو تحرى ولم يشك وكل وجه على خمسة؛ لأنه إما أن يظهر أنه أصاب في الصلاة أو بعد الفراغ أو أخطأ في الصلاة أو بعدها أو لم يظهر شيء، أما الأول، فإن ظهر أنه أخطأ لزمه الاستقبال سواء كان في الصلاة أو بعد الفراغ منها وإن ظهر أنه أصاب قبل الفراغ ففيه اختلاف فذهب الإمام محمد بن الفضل إلى أنه يلزمه الاستقبال؛ لأن افتتاحه كان ضعيفا، وقد قوي حاله بظهور الصواب ولا يبني القوي على الضعيف والصحيح كما في المبسوط والخانية أنه لا يلزمه الاستقبال؛ لأن صلاته كانت جائزة ما لم يظهر الخطأ فإذا تبين أنه أصاب لا يتغير حاله وإن تبين بعد الفراغ أنه أصاب بيقين أو بأكبر رأيه أو لم يظهر من حاله شيء حتى غاب عن ذلك الموضع فصلاته جائزة؛ لأن الأصل الجواز ولم يوجد ما يرفعه، وأما الثاني وهو ما إذا شك وتحرى فحكمه ما ذكر في الكتاب وهو الصحة في الوجوه الخمس وأما الثالث وهو ما إذا شك ولم يتحر فهي فاسدة في الوجوه كلها إلا إذا تبين له بعد الفراغ أنه أصاب القبلة بيقين، فإن كان أكبر رأيه أنه أصابها قال قاضي خان اختلفوا فيه قال شمس الأئمة السرخسي الصحيح أنه لا تجوز صلاته، وأما الرابع فهو فاسد الوضع؛ لأن التحري إنما يكون عند الشك فإذا لم يشك لم يتحر فلذا لم يذكروه وفي الظهيرية ولو صلى بالتحري وخلفه نائم ومسبوق فبعد فراغ الإمام تحول رأيهما إلى جهة أخرى فالمسبوق يتحول إلى الجهة التي وقع تحريه إليها واللاحق تفسد صلاته قيد بتحويل الرأي في أمر القبلة؛ لأنه لو تحرى في الثوبين فصلى في أحدهما بالتحري، ثم تحول تحريه إلى ثوب آخر فكل صلاة صلاها في الثوب الأول جازت دون الثاني، كذا في الظهيرية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو تحرى قوم جهات وجهلوا حال إمامهم يجزئهم‏)‏؛ لأن القبلة في حقهم جهة التحري وهذه المخالفة غير مانعة لصحة الاقتداء كما في جوف الكعبة فإنه لو جعل بعض القوم ظهره إلى ظهر الإمام صح قيد بجهلهم إذ لو علم واحد منهم حال إمامه حالة الأداء وخالف جهته لم تجز صلاته؛ لأنه اعتقد إمامه على الخطأ بخلاف جوف الكعبة؛ لأنه ما اعتقد إمامه مخطئا إذ الكل قبله ولم يقيد المصنف بعدم تقدم أحد على الإمام؛ لأن من المعلوم أن من تقدم على إمامه فسدت صلاته كما في جوف الكعبة لتركه فرض المقام وهذه المسألة من مسائل الجامع الصغير وهي في كتاب الأصل أتم فإنه قال لو أن جماعة صلوا في المفازة عند اشتباه القبلة بالتحري وتبين أنهم صلوا إلى جهات مختلفة قال من تيقن مخالفة إمامه في الجهة حالة الأداء لم تجز صلاته ومن لم يعلم عند الأداء أنه يخالف إمامه في الجهة فصلاته صحيحة فشرط أن يكون في المفازة وهو يدل على أن التحري لا يجوز في القرية والمصر من غير سؤال، وقد أسلفناه وأفاد أن علمه بالمخالفة بعد الأداء لا يضر والله أعلم‏.‏

باب صفة الصلاة

شروع في المقصود بعد الفراغ من مقدماته‏.‏ قيل‏:‏ الصفة والوصف في اللغة واحد وفي عرف المتكلمين بخلافه، والتحرير أن الوصف لغة ذكر ما في الموصوف من الصفة، والصفة هي ما فيه ولا ينكر أنه يطلق الوصف ويراد الصفة وبهذا لا يلزم الاتحاد لغة إذ لا شك في أن الوصف مصدر وصفه إذا ذكر ما فيه، ثم المراد هنا بصفة الصلاة الأوصاف النفسية لها وهي الأجزاء العقلية الصادقة على الخارجية التي هي أجزاء الهوية من القيام الجزئي والركوع والسجود كذا في فتح القدير، وليس هذا من باب قيام العرض بالعرض؛ لأن الأحكام الشرعية لها حكم الجواهر، ولهذا توصف بالصحة والفساد والبطلان والفسخ كذا في غاية البيان وفي السراج الوهاج، ثم اعلم أنه يشترط لثبوت الشيء ستة أشياء‏:‏ العين وهي ماهية الشيء والركن وهو جزء الماهية والحكم وهو الأثر الثابت بالشيء ومحل ذلك الشيء وشرطه وسببه فلا يكون الشيء ثابتا إلا بوجود هذه الأشياء الستة، فالعين هنا الصلاة، والركن القيام والقراءة والركوع والسجود، والمحل للشيء هو الآدمي المكلف، والشرط هو ما تقدم من الطهارة وغيرها، والحكم جواز الشيء وفساده وثوابه، والسبب الأوقات، ومعنى صفة الصلاة أي ماهية الصلاة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فرضها التحريمة‏)‏ أي ما لا بد منه فيها فإن الفرض شرعا ما لزم فعله بدليل قطعي أعم من أن يكون شرطا أو ركنا والتحريم جعل الشيء محرما وخصت التكبيرة الأولى بها؛ لأنها تحرم الأشياء المباحة قبل الشروع بخلاف سائر التكبيرات والدليل على فرضيتها قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وربك فكبر‏}‏ جاء في التفسير أن المراد به تكبيرة الافتتاح ولأن الأمر للإيجاب وما وراءها ليس بفرض فتعين أن تكون مرادة لئلا يؤدي إلى تعطيل النص، وما رواه أبو داود وغيره عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم»، ثم اختلفوا هل هي شرط أو ركن‏؟‏ ففي الحاوي هي شرط في أصح الروايتين وجعله في البدائع قول المحققين من مشايخنا، وفي غاية البيان قول عامة المشايخ وهو الأصح واختار بعض مشايخنا منهم عصام بن يوسف والطحاوي أنها ركن وبه قال الشافعي؛ لأنها ذكر مفروض في القيام فكان ركنا كالقراءة، ولهذا شرط لها ما شرط لسائر الأركان من الطهارة وستر العورة واستقبال القبلة، ووجه الأصح وهو المذهب عطف الصلاة عليها في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وذكر اسم ربه فصلى‏}‏ ومقتضى العطف المغايرة والمغايرة وإن كانت ثابتة على القول بركنيتها أيضا؛ لأنه حينئذ يكون من باب عطف الكل على الجزء وهو نظير عطف العام على الخاص لكن جوازه لنكتة بلاغية، وهي غير ظاهرة هنا فيلزم أن لا يكون التكبير منها فهو شرط وهو المطلوب ومراعاة الشرائط المذكورة ليس لها بل للقيام المتصل بها وهو ركن إن سلمنا مراعاتها وإلا فهو ممنوع فتقديم المنع على التسليم أولى كذا في التلويح فالأولى أن يقال لا نسلم مراعاتها فإنه لو أحرم إلى آخره ولئن سلمنا فهي ليس لها بل إلى آخره فإنه لو أحرم حاملا للنجاسة فألقاه عند فراغه منها أو منحرفا عن القبلة فاستقبلها عند الفراغ منها أو مكشوف العورة فسترها عند فراغه من التكبير بعمل يسير أو شرع في التكبير قبل ظهور الزوال، ثم ظهر عند فراغه منها جاز، وفي الحاوي والذي يؤيد أنها شرط انعقاد الجمعة مع عدم مشاركة القوم الإمام فيها‏.‏ وثمرة الاختلاف تظهر في بناء النفل على تحريمة الفرض فيجوز عند القائلين بالشرطية ولا يجوز عند القائلين بالركنية، وقول الشارح إنه يجوز بالإجماع بين أصحابنا، فيه نظر، فإن القائلين بالركنية من أصحابنا لا يجوزونه، وأما بناء الفرض على الفرض أو على النفل فهو جائز عند صدر الإسلام لما علمت أنها شرط كالطهارة ولا يجوز على الظاهر من المذهب كالنية ليست من الأركان ومع هذا لا يجوز أداء صلاة بنية صلاة أخرى إجماعا، وأما أداء النفل بتحريمة النفل فلا شك في صحته اتفاقا لما أن الكل صلاة واحدة بدليل أن القعود لا يفترض إلا في آخرها على الصحيح، وقولهم‏:‏ إن كل ركعتين من النفل صلاة، لا يعارضه؛ لأنه في أحكام دون أخرى، وفي المحيط الأخرس والأمي افتتحا بالنية أجزأهما؛ لأنهما أتيا بأقصى ما في وسعهما، وفي شرح منية المصلي ولا يجب عليهما تحريك اللسان عندنا وهو الصحيح، ولو قال المصنف فرضها التحريمة قائما لكان أولى؛ لأن الافتتاح لا يصح إلا في حالة القيام حتى لو كبر قاعدا، ثم قام لا يصير شارعا؛ لأن القيام فرض حال الافتتاح كما بعده، ولو جاء إلى الإمام وهو راكع فحنى ظهره، ثم كبر إن كان إلى القيام أقرب يصح، وإن كان إلى الركوع أقرب لا يصح، ولو أدرك الإمام راكعا فكبر قائما وهو يريد تكبيرة الركوع جازت صلاته؛ لأن نيته لغت فبقي التكبير حالة القيام، ولو كبر قبل إمامه لا تجوز صلاته ما لم يجدد؛ لأنه اقتدى بمن ليس في الصلاة فلا يدخل في صلاته ولا في صلاة نفسه على الصحيح؛ لأنه قصد المشاركة وهي غير صلاة الانفراد ولو افتتح ب ‏"‏ الله ‏"‏ قبل إمامه لم يصر شارعا في صلاته؛ لأنه صار شارعا في صلاة نفسه قبل شروع الإمام، ولو مد الإمام التكبير وحذف رجل خلفه ففرغ قبل فراغ الإمام أجزأه على قياس قولهما وعلى قول أبي يوسف لا يجزئه، ولو كبر المؤتم ولم يعلم أنه كبر قبل الإمام أو بعده فإن كان أكبر رأيه أنه كبر قبله لا يجزئه وإلا أجزأه؛ لأن أمره محمول على الصلاح حتى يتبين الخطأ بيقين أو بغالب الظن، كذا في المحيط، والمراد بقولهما‏:‏ أن الشروع يصح ب ‏"‏ الله ‏"‏ بدون ‏"‏ أكبر ‏"‏، وقال أبو يوسف لا يصح إلا بهما كما صرح به في التجنيس هنا‏.‏ بهذا علم أن ما في فتح القدير من قوله ففرغ الإمام قبله، سبق قلم والصواب ففرغ المقتدي قبله أي قبل تكبير الإمام، كما في التجنيس والمحيط، وقوله‏:‏ أو كبر قبله غير عالم بذلك، سهو؛ لأن المقتدي إذا كبر قبل الإمام لا يقال فيه جاز في قياس قولهما لا قول أبي يوسف، وإنما حكمه ما ذكرناه عن المحيط، وكذا في التجنيس مسألة ما إذا مد الإمام التكبير ولم يضم إليه مسألة ما إذا كبر قبله وذكر الشارح في باب الإحرام أن الشروع في الصلاة بالنية عند التكبير لا بالتكبير‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والقيام‏)‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وقوموا لله قانتين‏}‏ أي مطيعين، والمراد به القيام في الصلاة بإجماع المفسرين، وهو فرض في الصلاة للقادر عليه في الفرض وما هو ملحق به، واتفقوا على ركنيته وحد القيام أن يكون بحيث إذا مد يديه لا تنال ركبتيه كذا في السراج الوهاج، ثم اعلم، أن قولهم‏:‏ أن القيام فرض في الفرض للقادر عليه، ليس على عمومه بل يخرج منه مسألة يستوي فيها القيام والقعود للقادر على القيام، ومسائل يتعين فيها ترك القيام، أما الأولى‏:‏ فما صرحوا به في باب صلاة المريض أن المريض لو قدر على القيام دون الركوع والسجود فإنه يخير بين القيام والقعود، وإن كان القعود أفضل فقد سقط عنه القيام مع قدرته عليه، وأما الثانية‏:‏ فمنها ما في الذخيرة والمحيط في رجل إن صام رمضان يضعفه ويصلي قاعدا، وإن أفطر يصلي قائما فإنه يصوم ويصلي قاعدا، ومنها ما في منية المصلي شيخ كبير إذا قام سلس بوله أو به جراحة تسيل، وإن جلس لا تسيل يصلي جالسا، قال شارحها‏:‏ حتى لو صلى قائما لا يجوز، ومنها ما فيها أيضا‏:‏ لو كان الشيخ بحال لو صلى قائما ضعف عن القراءة يصلي قاعدا بقراءة، ومنها ما في الخلاصة وغيرها‏:‏ لو كان بحال لو صلى منفردا يقدر على القيام، ولو صلى مع الإمام لا يقدر فإنه يخرج إلى الجماعة ويصلي قاعدا، وهو الأصح كما في المجتبى؛ لأنه عاجز عن القيام حالة الأداء وهي المعتبرة وصحح في الخلاصة أنه يصلي في بيته قائما‏.‏ قال وبه يفتى واختار في منية المصلي القول الثالث، وهو أنه يشرع قائما، ثم يقعد فإذا جاء وقت الركوع يقوم ويركع والأشبه ما صححه في الخلاصة؛ لأن القيام فرض فلا يجوز تركه لأجل الجماعة التي هي سنة بل يعد هذا عذرا في تركها وقد علم مما ذكرنا أن ركنية القراءة أقوى من الركنية للقيام وسيأتي ما فيه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والقراءة‏)‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فاقرءوا ما تيسر من القرآن‏}‏ وحكى الشارح الإجماع على فرضيتها وهكذا في غاية البيان حتى ادعى أن أبا بكر الأصم القائل بالسنية خرق الإجماع، وهو دليل على انعقاد الإجماع قبله، واختلف في كونها ركنا فذهب الغزنوي صاحب الحاوي القدسي إلى أنها ليست بركن والجمهور إلى أنها ركن غير أنهم قسموا الركن إلى أصلي، وهو ما لا يسقط إلا لضرورة، وزائد، وهو ما يسقط في بعض الصور من غير تحقق ضرورة، وجعلوا القراءة من هذا القسم فإنها تسقط عن المقتدي بالاقتداء عندنا وعن المدرك في الركوع بالإجماع وقد تعقب كون الركن يكون زائدا فإن الركن ما كان داخل الماهية فكيف يوصف بالزيادة وأجاب الأكمل في شرح البزدوي بأنهما باعتبارين فتسميته ركنا باعتبار قيام ذلك الشيء به في حالة بحيث يستلزم انتفاؤه انتفاءه، وتسميته زائدا فلقيامه بدونه في حالة أخرى بحيث لا يستلزم انتفاؤه انتفاءه والمنافاة بينهما إنما هي باعتبار واحد وهذا لأنها ماهية اعتبارية فيجوز أن يعتبرها الشارع تارة بأركان وأخرى بأقل منها، فإن قيل‏:‏ فيلزمهم على هذا تسمية غسل الرجل ركنا زائدا في الوضوء فالجواب‏:‏ أن الزائد هو ما إذا سقط لا يخلفه بدل والمسح بدل الغسل فليس بزائد ا هـ‏.‏ وبهذا خرج الجواب عن بقية أركان الصلاة فإنها تسقط مع أنها ليست بزوائد لوجود الخلف لها، وذكر في التلويح أن معنى الركن الزائد هو الجزء الذي إذا انتفى كان حكم المركب باقيا بحسب اعتبار الشرع وهذا قد يكون باعتبار الكمية كالإقرار في الإيمان أو باعتبار الكمية كالأقل في المركب منه ومن الأكثر حيث يقال‏:‏ للأكثر حكم الكل ا هـ وقد علم مما ذكرناه أن القيام ركن أصلي والقراءة ركن زائد مع أن القراءة أقوى منه بدليل الفرع الذي ذكرناه عنهم في بحث القيام، وقد يقال‏:‏ إنما أوجبوا عليه القعود مع القراءة؛ لأن القيام له بدل، وهو القعود، والقراءة لا بدل لها، وقد خالف ابن الملك في شرح المجمع الجم الغفير وجعل القراءة ركنا أصليا، وحد القراءة تصحيح الحروف بلسانه بحيث يسمع نفسه على الصحيح وسيأتي بيان الخلاف فيه وقدر الفرض في الفرض، وفي النفل في فصل القراءة إن شاء الله تعالى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والركوع والسجود‏)‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏اركعوا واسجدوا‏}‏ وللإجماع على فرضيتهما وركنيتهما واختلفوا في حد الركوع ففي البدائع وأكثر الكتب‏:‏ القدر المفروض من الركوع أصل الانحناء والميل، وفي الحاوي‏:‏ فرض الركوع انحناء الظهر، وفي منية المصلي‏:‏ الركوع طأطأة الرأس، ومقتضى الأول لو طأطأ رأسه ولم يحن ظهره أصلا مع قدرته عليه لا يخرج عن عهدة فرض الركوع، وهو حسن، كذا في شرح منية المصلي، وفيها‏:‏ الأحدب إذا بلغت حدوبته إلى الركوع يخفض رأسه في الركوع فإنه القدر الممكن في حقه، وحقيقة السجود وضع بعض الوجه على الأرض مما لا سخرية فيه فدخل الأنف وخرج الخد والذقن وما إذا رفع قدميه في السجود فإن السجود مع رفع القدمين بالتلاعب أشبه منه بالتعظيم والإجلال وسيأتي أنه يكفيه وضع أصبع واحدة، وأنه يصح الاقتصار على الجبهة وعلى الأنف وحده وبيان الخلاف في ذلك، وبما قررناه علم أن تعريف بعضهم السجود بوضع الجبهة ليس بصحيح؛ لأن وضعها ليس بركن؛ لأنه يجوز الاقتصار على الأنف من غير عذر عند أبي حنيفة، وإن كان الفتوى على قولهما، والمراد من السجود‏:‏ السجدتان فأصله ثابت بالكتاب والسنة والإجماع وكونه مثنى في كل ركعة بالسنة والإجماع، وهو أمر تعبدي لم يعقل له معنى على قول أكثر مشايخنا تحقيقا للابتداء‏:‏ ومن مشايخنا من يذكر له حكمة‏:‏ فقيل‏:‏ إنما كان مثنى ترغيما للشيطان حيث لم يسجد فإنه أمر بسجدة فلم يفعل فنحن نسجد مرتين ترغيما له، وقيل الأولى لامتثال الأمر والثانية ترغيما له حيث لم يسجد استكبارا، وقيل‏:‏ الأولى لشكر الإيمان والثانية لبقائه، وقيل‏:‏ في الأولى إشارة إلى أنه خلق من الأرض، وفي الثانية إلى أنه يعاد إليها، وقيل‏:‏ لما أخذ الميثاق على ذرية آدم أمرهم بالسجود تصديقا لما قالوا فسجد المسلمون كلهم وبقي الكفار فلما رفع المسلمون رءوسهم رأوا الكفار لم يسجدوا فسجدوا ثانيا شكرا للتوفيق كما ذكره شيخ الإسلام‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والقعود الأخير قدر التشهد‏)‏ وهي فرض بإجماع العلماء، وقد روى الشيخان وغيرهما من طرق عديدة عن الصحابة رضي الله عنهم «أن النبي صلى الله عليه وسلم حين علم الأعرابي المسيء صلاته أركان الصلاة إلى أن قال فإذا رفعت رأسك من آخر سجدة وقعدت قدر التشهد فقد تمت صلاتك» قال الشيخ قاسم في شرح الدرر قد وردت أدلة كثيرة بلغت مبلغ التواتر على أن القعدة الأخيرة فرض، وفي فتح القدير أن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وربك فكبر‏}‏ وكذا ‏:‏ ‏{‏وقوموا لله‏}‏ ‏:‏ ‏{‏فاقرءوا‏}‏ ‏:‏ ‏{‏واركعوا‏}‏ ‏:‏ ‏{‏واسجدوا‏}‏ أوامر والمستفاد منها وجوب المذكورات في الصلاة وهي لا تنفي إجمال الصلاة إذ الحاصل حينئذ أن الصلاة فعل يشتمل على هذه‏.‏ بقي كيفية ترتيبها في الأداء وهل الصلاة هذه فقط أو مع أمور أخر‏؟‏ وقع البيان في ذلك كله بفعله صلى الله عليه وسلم وقوله، وهو لم يفعلها قط بدون القعدة الأخيرة والمواظبة من غير ترك مرة دليل الوجوب فإذا وقعت بيانا للفرض أعني الصلاة المجمل كان متعلقها فرضا بالضرورة، ولو لم يقم الدليل في غيرها من الأفعال على سنيته لكان فرضا، ولو لم يلزم تقييد مطلق الكتاب بخبر الواحد في الفاتحة والطمأنينة، وهو نسخ للقاطع بالظني لكانا فرضين، ولولا أنه عليه الصلاة والسلام لم يعد إلى القعدة الأولى لما تركها ساهيا ثم علم لكانت فرضا فقد عرفت أن بعض الصلاة عرف بتلك النصوص ولا إجمال فيها وأنه لا ينفي الإجمال في الصلاة من وجه آخر فما تعلق بالأفعال نفسها لا يكون بيانا، فإن كان ناسخا للإطلاق وهو قطعي نسخ للعلم بأنه صلى الله عليه وسلم قاله، وهو أدرى بالمراد، وإن لم يكن قطعيا لم يصلح لذلك وإلا لزم تقديم الظني عند معارضة القطعي، وهو لا يجوز في قضية العقل وعما ذكرنا كان تقديم القيام على الركوع، والركوع على السجود فرضا؛ لأنه بينها كذلك ا هـ‏.‏ وقوله ‏(‏قدر التشهد‏)‏ بيان لقدر الفرض منها، وهو الأصح للعلم بأن شرعيتها لقراءته، وأقل ما ينصرف إليه اسم التشهد عند الإطلاق ذلك وعلى هذا ينشأ إشكال، وهو أن يكون ما شرع لغيره بمعنى أن المقصود من شرعيته غيره يكون آكد من ذلك الغير مما لم يعهد بل وخلاف المعقول، فإذا كان شرعية القعدة للذكر أو السلام كانت دونهما فالأولى أن يعين سبب شرعيتها الخروج كذا في فتح القدير وذكر الولوالجي في آخر فتاواه من مسائل متفرقة رجل صلى أربع ركعات وجلس جلسة خفيفة فظن أن ذلك ثالثة فقام، ثم تذكر فجلس وقرأ بعض التشهد وتكلم إن كان كلا الجلستين مقدار التشهد جازت صلاته، وإن كانت أقل فسدت ا هـ‏.‏ وبهذا علم أن القعود قدر التشهد لا يشترط فيه الموالاة وعدم الفاصل، ثم بعد الاتفاق على فرضيتها اختلفوا في ركنيتها، فقال‏:‏ بعضهم هي ركن من الأركان الأصلية، قال في البدائع وإليه مال عصام بن يوسف والصحيح أنها ليست بركن أصلي لعدم توقف الماهية عليها شرعا؛ لأن من حلف لا يصلي يحنث بالرفع من السجود دون توقف على القعدة فعلم أنها شرعت للخروج وهذا لأن الصلاة أفعال وضعت للتعظيم وهي بنفسها غير صالحة للخدمة؛ لأنها من باب الاستراحة فتمكن الخلل في كونها ركنا أصليا ولم أر من تعرض لثمرة هذا الاختلاف ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والخروج بصنعه‏)‏ أي الخروج من الصلاة قصدا من المصلي بقول أو عمل ينافي الصلاة بعد تمامها فرض، سواء كان ذلك قوله السلام عليكم ورحمة الله كما تعينه لذلك هو الواجب، أو كان فعلا مكروها كراهة تحريم ككلام الناس أو أكل أو شرب أو مشي، وإنما كان مكروها كراهة تحريم لكونه مفوتا للواجب، وهو السلام، وهذا الفرض مختلف فيه فما ذكره المصنف إنما هو على تخريج أبي سعيد البردعي فإنه فهم من قول أبي حنيفة بالفساد في المسائل الاثنى عشرية أن الخروج منها بفعله فرض وعلل له بأن إتمامها فرض بالإجماع وإتمامها بإنهائها، وإنهاؤها لا يكون إلا بمنافيها؛ لأن ما كان منها لا ينهيها وتحصيل المنافي صنع المصلي فيكون فرضا وفهم من قولهما بعدم الفساد فيها بأنه ليس بفرض وعلل له بأن الخروج بصنعه لو كان فرضا لتعين بما هو قربة كسائر فرائض الصلاة وذلك منتف؛ لأنه قد يكون بما هو معصية كالقهقهة والحدث والكلام العمد فلا يجوز وصفه بالفرض، وذهب الكرخي إلى أنه لا خلاف بينهم في أن الخروج بفعل المصلي ليس بفرض ولم يرو عن أبي حنيفة بل هو حمل من أبي سعيد كما ذكرناه، وهو غلط؛ لأنه لو كان فرضا لاختص بما هو قربة وسيأتي وجه الفساد عنده في المسائل المذكورة في محله إن شاء الله تعالى وصحح الشارح وغيره قول الكرخي، وفائدة الخلاف على رأي البردعي تظهر فيما إذا سبقه الحدث بعدما قعد قدر التشهد في القعدة الأخيرة فإن صلاته تامة فرضا عندهما وعند أبي حنيفة لم تتم صلاته فرضا فيتوضأ ويخرج منها بفعل مناف لها فلو لم يتوضأ ولم يأت بالسلام حتى أتى بمناف فسدت عنده لا عندهما واتفقوا على الوضوء والسلام كذا في منية المصلي وشرحها، وفيه نظر سنذكره إن شاء الله تعالى ثم اعلم أن هذه الفرائض المذكورة إذا أتى بها نائما فإنها لا تحتسب بل يعيدها كما إذ قرأ نائما أو ركع نائما وهذه المسألة يكثر وقوعها لا سيما في التراويح كذا في منية المصلي‏.‏ والحاصل أنهم اختلفوا في أن قراءة النائم في صلاته هل يعتد بها‏؟‏ فقيل نعم واختاره الفقيه أبو الليث؛ لأن الشرع جعل النائم كالمستيقظ في الصلاة تعظيما لأمر المصلي واختار فخر الإسلام وصاحب الهداية وغيرهما أنها لا تجوز ونص في المحيط والمبتغى على أنه الأصح؛ لأن الاختيار شرط لأداء العبادة ولم يوجد حالة النوم قال في فتح القدير والأوجه اختيار الفقيه والاختيار المشروط قد وجد في ابتداء الصلاة، وهو كاف ألا يرى أنه لو ركع وسجد ذاهلا عن فعله كل الذهول أنه يجزئه ا هـ وهذا يفيد أنه لو ركع وسجد حالة النوم يجزئه‏.‏ وقد نصوا على أنه لا يجزئه‏.‏ قال في المبتغى ركع وهو نائم لا يجوز إجماعا ا هـ‏.‏ وفرقهم بين القراءة والركوع والسجود بأن كلا من الركوع والسجود ركن أصلي بخلاف القراءة لا يجدي نفعا وعرف من هذا أيضا جواز القيام حالة النوم أيضا، وإن نص بعضهم على عدم جوازه، وأما القعدة الأخيرة نائما ففي منية المصلي إذا نام في القعدة الأخيرة كلها فلما انتبه عليه أن يقعد قدر التشهد، وإن لم يقعد فسدت صلاته، ويخالفه ما في جامع الفتاوى أنه لو قعد قدر التشهد نائما يعتد بها، وعلل له في التحقيق للشيخ عبد العزيز البخاري بأنها ليست بركن ومبناها على الاستراحة فيلائمها النوم فيجوز أن تحتسب من الفرض بخلاف سائر الأفعال فإن مبناها على المشقة فلا تتأدى في حالة النوم، ويترجح أيضا بما رجحه المحقق في فتح القدير فيما لو قرأ نائما في قولهم لو ركع نائما إشارة إلى أنه لو ركع فنام في ركوعه أنه يجزئه، وهو كذلك بل في المبتغى جاز إجماعا، وفي المحيط لو نام في ركوعه وسجوده لا يعيد شيئا؛ لأن الرفع والوضع حصل بالاختيار، ثم اعلم، أنه يتفرغ على اشتراط الاختيار في أداء هذه الأفعال المفروضة أن النائم في الصلاة لو أتى بركعة تامة تفسد صلاته؛ لأنه زاد ركعة لا يعتد بها والمسألة في المحيط أيضا والله سبحانه أعلم‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وواجبها قراءة الفاتحة‏)‏ وقالت الأئمة الثلاثة إنها فرض لما في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» ولنا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فاقرءوا ما تيسر من القرآن‏}‏ وما في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن» فقد أمر الله ورسوله بقراءة القرآن مطلقا ووافق نص الكتاب القطعي نص السنة فلا يجوز تقييد نص الكتاب القطعي بما رواه من السنة مع ما فيه من كونه ظني الثبوت والدلالة أو ظني الثبوت فقط بناء على أن النفي متسلط على الصحة؛ لأن تقييد إطلاق نص الكتاب بخبر الواحد نسخ له وخبر الواحد لا يصلح ناسخا للقطعي بل يوجب العمل به، وأيضا ثبت عنه المواظبة على قراءة الفاتحة فيها، ولم يقم دليل على تعيينها للفرضية، والمواظبة وحدها كذلك من غير ترك ظاهرا تفيد الوجوب فلا تفسد الصلاة بتركها عامدا أو ساهيا بل يجب عليه سجود السهو جبرا للنقصان الحاصل بتركها سهوا، والإعادة في العمد والسهو إذا لم يسجد لتكون مؤداة على وجه لا نقص فيه فإذا لم يعدها كانت مؤداة أداء مكروها كراهة تحريم، وهذا هو الحكم في كل واجب تركه عامدا أو ساهيا، وبهذا ظهر ضعف ما في المجتبى من قوله‏:‏ قال أصحابنا إذا ترك الفاتحة في الصلاة يؤمر بإعادة الصلاة، ولو ترك قراءة السورة لا يؤمر بالإعادة ا هـ‏.‏ إذ لا فرق بين واجب وواجب إلا أن يقال إنه ترك السورة وقرأ ثلاث آيات، وهو بعيد جدا، ثم اعلم، أنهم قالوا في باب سجود السهو إنه لو ترك أكثر الفاتحة يجب عليه سجود السهو، ولو ترك أقلها لا يجب، وظاهره أن الفاتحة بتمامها ليست بواجبة، وإنما الواجب أكثرها ولا يعرى عن تأمل، وفي القنية يخاف المصلي فوت الوقت إن قرأ الفاتحة والسورة يجوز أن يقرأ في كل ركعة بآية في جميع الصلوات إن خاف فوت الوقت بالزيادة ا هـ‏.‏ ثم الفاتحة واجبة في الأوليين من الفرض، وفي جميع ركعات النفل، وفي الوتر والعيدين، وأما في الأخريين من الفرض فسنة كما سيأتي‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وضم سورة‏)‏ وعند الأئمة الثلاثة سنة، ولنا رواية الترمذي مرفوعا‏:‏ «لا صلاة لمن لم يقرأ بالحمد وسورة في فريضة أو غيرها» أطلق السورة وأراد بها ثلاث آيات؛ لأن أقل سورة في كتاب الله تعالى ثلاث آيات قصار كسورة ‏:‏ ‏{‏إنا أعطيناك الكوثر‏}‏ ولم يرد السورة بتمامها بدليل ما سيأتي صريحا في كلامه وهذا الضم واجب في الأوليين من الفرض، وفي جميع ركعات النفل والوتر كالفاتحة، وأما في الأخريين من الفرض فليس بواجب ولا سنة بل هو مشروع فلو ضم السورة إلى الفاتحة في الأخريين لا يكون مكروها كما نقله في غاية البيان عن فخر الإسلام وسيأتي بأوضح من هذا إن شاء الله تعالى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وتعيين القراءة في الأوليين‏)‏ أي وتعيين الأوليين من الثلاثية والرباعية المكتوبتين للقراءة المفروضة حتى لو قرأ في الأخريين من الرباعية دون الأوليين أو في إحدى الأوليين وإحدى الأخريين ساهيا وجب عليه سجود السهو بناء على أن محل القراءة المفروضة الأوليان عينا، وهو الصحيح كما سيأتي بيانه في باب الوتر والنوافل، وعلى القول بعدم التعين لا فرضا ولا واجبا لا يجب سجود السهو وسيأتي تضعيفه، ثم اعلم أن في مسألة القراءة الواجبة واجبين آخرين لم يذكرهما المصنف صريحا‏:‏ أحدهما‏:‏ وجوب تقديم الفاتحة على السورة لثبوت المواظبة منه صلى الله عليه وسلم كذلك حتى قالوا لو قرأ حرفا من السورة قبل الفاتحة ساهيا، ثم تذكر يقرأ الفاتحة، ثم السورة ويلزمه سجود السهو، وفي كلام المصنف ما يشير إلى ذلك حيث قال‏:‏ وضم سورة؛ لأنه يفيد تقديم الفاتحة؛ لأن المضموم إليه شيء يقتضي تأخره عنه‏.‏ ثانيهما‏:‏ الاقتصار في الأوليين على قراءة الفاتحة مرة واحدة في كل ركعة حتى إذا قرأها في ركعة منهما مرتين وجب عليه سجود السهو، كذا في الذخيرة وغيرها لكن في فتاوى قاضي خان تفصيل، وهو أنه إذا قرأها مرتين على الولاء وجب السجود، وإن فصل بينهما بالسورة لا يجب واختاره في المحيط والظهيرية والخلاصة وصححه الزاهدي لما أشار إليه في الذخيرة من لزوم تأخير الواجب، وهو السورة على التقدير الأول دون الثاني فإن الركوع ليس واجبا بأثر السورة فإنه لو جمع بين سور بعد الفاتحة لم يجب عليه شيء‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ورعاية الترتيب في فعل مكرر‏)‏ أطلقه هنا وقيده في الكافي بالمتكرر في كل ركعة كالسجدة حتى لو ترك السجدة الثانية وقام إلى الركعة الثانية لا تفسد صلاته وزاد عليه الشارح أو يكون متكررا في جميع الصلاة كعدد الركعات فإن ما يقضيه المسبوق بعد فراغ الإمام أول صلاته عندنا، ولو كان الترتيب فرضا لكان آخرا ا هـ‏.‏ وهو مردود فإن ما يقضيه المسبوق أول صلاته حكما لا حقيقة وأيضا ليس هو أول صلاته مطلقا بل أولها في حق القراءة وآخرها في حق التشهد على ما سيأتي ولا يصح أن يدخل تحت الترتيب الواجب إذ لا شيء على المسبوق ولا نقص في صلاته أصلا فلذا اقتصر المصنف على المتكرر في كل ركعة، وإنما كان واجبا لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على مراعاة الترتيب فيه وقيام الدليل على عدم فرضيته، وهو ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من قوله‏:‏ «ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا»، ثم قال المصنف في الكافي أما ترتيب القيام على الركوع وترتيب الركوع على السجود ففرض؛ لأن الصلاة لا توجد إلا بذلك وهكذا ذكر الشارح وشراح الهداية وعللوا له بأن ما اتحدت شرعيته يراعى وجوده صورة ومعنى في محله؛ لأنه كذلك شرع فإذا غيره فقد قلب الفعل وعكسه، وقلب المشروع باطل، ولا كذلك ما تعددت شرعيته، وقال المصنف في كافيه من باب سجود السهو إن سجود السهو يجب بأشياء، منها‏:‏ تقديم ركن بأن ركع قبل أن يقرأ أو سجد قبل أن يركع، ثم قال أما التقديم والتأخير فلأن مراعاة الترتيب واجبة عندنا خلافا لزفر فإذا ترك الترتيب فقد ترك الواجب، وهو ظاهر في التناقض على ما قيل وقد وقع نظيره في الذخيرة حتى استدل به صدر الشريعة في شرح الوقاية على أن الترتيب بين القراءة والركوع واجب بدليل وجوب سجود السهو بتركه حتى قال وليس فيما تكرر قيدا يوجب نفي الحكم عما عداه فإن مراعاة الترتيب في الأركان التي لا تكرر في كل ركعة واحدة أيضا واجب؛ لأنهم قالوا يجب سجود السهو بتقديم ركن وأوردوا لنظيره الركوع قبل القراءة، وسجدة السهو لا تجب إلا لترك الواجب فعلم أن الترتيب بين الركوع والقراءة واجب مع أنهما غير مكررين في ركعة واحدة فعلم أن مراعاة الترتيب واجبة مطلقا، ويخطر ببالي أن المراد بما تكرر‏:‏ ما تكرر في الصلاة احترازا عما لا يتكرر فيها على سبيل الفرضية، وهو تكبيرة الافتتاح والقعدة الأخيرة فإن مراعاة الترتيب في ذلك فرض ا هـ‏.‏ وليس كما ظن وليس بين الكلامين تناقض؛ لأن قولهم هنا بأن هذا الترتيب شرط معناه أن الركن الذي هو فيه يفسد بتركه حتى إذا ركع بعد السجود لا يقع معتدا به بالإجماع كما صرح به في النهاية فيلزمه إعادة السجود، وقولهم في سجود السهو بأن هذا الترتيب واجب معناه أن الصلاة لا تفسد بترك الترتيب إذا أعاد الركن الذي أتى به فإذا أعاده فقد ترك الترتيب صورة فيجب عليه سجود السهو، فالحاصل أن المشروع فرضا في الصلاة أربعة أنواع‏:‏ ما يتحد في كل الصلاة كالقعدة أو في كل ركعة كالقيام والركوع، وما يتعدد في كلها كالركعات أو في كل ركعة كالسجود فالترتيب شرط بين المتحد في كل الصلاة وجميع ما سواه مما يتعدد في كلها كالركعات أو في كل ركعة وما يتحد في كل ركعة حتى لو تذكر بعد القعدة قبل السلام أو بعده قبل أن يأتي بمفسد ركعة أو سجدة صلبية أو للتلاوة فعلها وأعاد القعدة وسجد للسهو، ولو تذكر ركوعا قضاه وقضى ما بعده من السجود أو قياما أو قراءة صلى ركعة تامة، وكذا يشترط الترتيب بين ما يتحد في كل ركعة كالقيام والركوع، ولذا قلنا آنفا في ترك القيام والركوع إنه يصلي ركعة تامة وإذا عرف هذا فقوله في النهاية‏:‏ الترتيب ليس بشرط بين ما يتعدد في كل الصلاة يعني الركعات أو يتحد في كل ركعة وبين ما يتعدد في كل ركعة ليس على إطلاقه، بل بين السجود والمتحد في كل ركعة تفصيل‏:‏ إن كان سجود ذلك الركوع بأن يكون ركوعا وسجودا من ركعة واحدة فالترتيب شرط، وإن كان ركوعا من ركعة وسجودا من أخرى بأن تذكر في سجدة ركوع ركعة قبل ركوع هذه السجدة قضى الركوع وسجدتيه وإن تذكر على القلب بإن تذكر في ركوع أنه لم يسجد في الركعة قبلها سجدها وهل يعيد الركوع والسجود المتذكر فيه‏؟‏ ففي الهداية أنه لا تجب الإعادة بل تستحب معللا بأن الترتيب ليس بفرض بين ما يتكرر من الأفعال، والذي في فتاوى قاضي خان وغيره أنه يعيد معللا بأنه ارتفض بالعود إلى ما قبله من الأركان؛ لأنه قبل الرفع منه يقبل الرفض، ولهذا ذكر هو فيما لو تذكر سجدة بعدما رفع من الركوع أنه يقضيها ولا يعيد الركوع؛ لأنه بعد ما تم بالرفع لا يقبل الرفض، فعلم أن الاختلاف في الإعادة ليس بناء على اشتراط الترتيب وعدمه بل على أن الركن المتذكر فيه هل يرتفض بالعود إلى ما قبله من الأركان أو لا، وفي الكافي للحاكم رجل افتتح الصلاة وقرأ وركع ولم يسجد، ثم قام فقرأ وسجد ولم يركع فهذا قد صلى ركعة، وكذلك إن ركع أولا، ثم قرأ وركع وسجد فإنما صلى ركعة واحدة، وكذلك إن سجد أولا سجدتين، ثم قام فقرأ في الثانية وركع ولم يسجد، ثم قام فقرأ وسجد في الثالثة ولم يركع فإنما صلى ركعة واحدة، وكذلك إن ركع في الأولى ولم يسجد وركع في الثانية ولم يسجد، ثم سجد في الثالثة ولم يركع فإنما صلى واحدة ا هـ‏.‏ كذا في فتح القدير ثم اعلم، أن في كل موضع يشترط فيه الترتيب، وقلنا‏:‏ يفسد بتركه الركن الذي هو فيه كما قدمنا، هل تفسد الصلاة بالكلية‏؟‏ ينظر إن كانت الزيادة ركعة تامة تفسد لما أن الركعة لا تقبل الرفض حتى يراعى الترتيب المشروط برفضها، وأما إن كانت الزيادة ما دون الركعة فلا تفسد‏.‏ إليه أشار في النهاية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وتعديل الأركان‏)‏، وهو تسكين الجوارح في الركوع والسجود حتى تطمئن مفاصله وأدناه مقدار تسبيحة، وهو واجب على تخريج الكرخي، وهو الصحيح كما في شرح المنية وسنة على تخريج الجرجاني وفرض على ما نقله الطحاوي عن الثلاثة، والذي نقله الجم الغفير أنه واجب عند أبي حنيفة ومحمد، فرض عند أبي يوسف مستدلين له ولمن وافقه بحديث المسيء صلاته حيث قال‏:‏ «ارجع فصل فأنك لم تصل ثلاث مرات» وأمره له بالطمأنينة فالأمر بالإعادة لا يجب إلا عند فساد الصلاة ومطلق الأمر يفيد الافتراض وبما أخرجه أصحاب السنن الأربعة مرفوعا‏:‏ «لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود» ولهما قوله تعالى‏:‏ ‏{‏اركعوا واسجدوا‏}‏ واللفظان خاصان معلوم معناهما فلا تجوز الزيادة عليهما بخبر الواحد؛ لأنه لا يصلح ناسخا للكتاب ويصلح مكملا فيحمل أمره بالإعادة والطمأنينة على الوجوب ونفيه للصلاة على نفي كمالها كنفي الإجزاء في الحديث الثاني على نفي الإجزاء الكامل، ويدل عليه آخر حديث المسيء صلاته فإنه قال فيه «فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك، وإن انتقصت منه شيئا انتقصت من صلاتك» فقد سماها صلاة والباطلة ليست صلاة ولأنه تركه عليه السلام بعد أول ركعة حتى أتم، ولو كان عدمها مفسدا لفسدت بأول ركعة وبعد فساد لا يحل المضي في الصلاة وتقريره عليه السلام من الأدلة الشرعية ويدل على وجوبها المواظبة عليها وبهذا يضعف قول الجرجاني، ولهذا سئل محمد عن تركها فقال‏:‏ إني أخاف أن لا تجوز، وعن السرخسي من ترك الاعتدال تلزمه الإعادة ومن المشايخ من قال تلزمه ويكون الفرض هو الثاني، ولا إشكال في وجوب الإعادة إذ هو الحكم في كل صلاة أديت مع كراهة التحريم ويكون جابرا للأول؛ لأن الفرض لا يتكرر، وجعله الثاني يقتضي عدم سقوطه بالأول، وهو لازم ترك الركن لا الواجب إلا أن يقال المراد أن ذلك امتنان من الله تعالى إذ يحتسب الكامل، وإن تأخر عن الفرض لما علم سبحانه أنه سيوقعه، كذا في فتح القدير، وقد يقال إن قول أبي يوسف بالفرضية مشكل؛ لأنه وافقهما في الأصول أن الزيادة على الخاص بخبر الواحد لا تجوز فكيف استقام له القول بالجواز هنا ولهذا والله أعلم قال المحقق ابن الهمام‏:‏ ويحمل قول أبي يوسف بالفرضية على الفرض العملي، وهو الواجب فيرتفع الخلاف ا هـ‏.‏ ويؤيده أن هذا الخلاف لم يذكر في ظاهر الرواية على ما قالوا كما في شرح منية المصلي، ولهذا لم يذكر صاحب الأسرار خلاف أبي يوسف، وإنما قال‏:‏ قال علماؤنا‏:‏ الطمأنينة في الركوع والسجود وفي الانتقال من ركن إلى ركن ليس بركن، وكذلك الاستواء بين السجدتين وبين الركوع والسجود ا هـ‏.‏ وينبغي أن يحمل ما ذهب إليه الطحاوي من الافتراض على الفرض العملي كما قررناه ليوافق أصول أهل المذهب وإلا فالإشكال أشد‏.‏ قيد بالطمأنينة في الأركان أي الركوع والسجود؛ لأن الطمأنينة في القومة والجلسة سنة عند أبي حنيفة ومحمد بالاتفاق وعند أبي يوسف فرض كما تقدم وفي شرح الزاهدي ما يدل على وجوبها عندهما كوجوبها في الأركان فإنه قال وذكر صدر القضاة‏:‏ وإتمام الركوع وإكمال كل ركن واجب عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف والشافعي فرض، وكذا رفع الرأس من الركوع والانتصاب والقيام والطمأنينة فيه فيجب أن يكمل الركوع حتى يطمئن كل عضو منه ويرفع رأسه من الركوع حتى ينتصب قائما ويطمئن كل عضو منه، وكذا في السجود، ولو ترك شيئا من ذلك ناسيا يلزمه سجدتا السهو ولو تركها عمدا يكره أشد الكراهة ويلزمه أن يعيد الصلاة‏.‏ ا هـ‏.‏ وهو يدل على وجوب القومة والجلسة وسيأتي التصريح بسنيتهما ومقتضى الدليل وجوب الطمأنينة في الأربعة ووجوب نفس الرفع من الركوع والجلوس بين السجدتين للمواظبة على ذلك كله وللأمر في حديث المسيء صلاته، وفي فتاوى قاضي خان في فصل ما يوجب السهو قال‏:‏ المصلي إذا ركع ولم يرفع رأسه من الركوع حتى خر ساجدا ساهيا تجوز صلاته في قول أبي حنيفة ومحمد وعليه السهو‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي المحيط لو ترك تعديل الأركان أو القومة التي بين الركوع والسجود ساهيا لزمه سجود السهو ا هـ‏.‏ فيكون حكم الجلسة بين السجدتين كذلك؛ لأن الكلام فيهما واحد والقول بوجوب الكل هو مختار المحقق ابن الهمام وتلميذه ابن أمير حاج حتى قال إنه الصواب والله الموفق للصواب‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والقعود الأول‏)‏ لأن النبي صلى الله عليه وسلم واظب عليه في جميع العمر وذا يدل على الوجوب إذا قام دليل عدم الفرضية، وقد قام هنا؛ لأنه روي أن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ «قام إلى الثالثة فسبح له فلم يرجع» صححه الترمذي، ولو كان فرضا لرجع وما في الكتاب من الوجوب قول الجمهور، وهو الصحيح وعند الطحاوي والكرخي هي سنة، وفي البدائع وأكثر مشايخنا يطلقون عليها اسم السنة إما لأن وجوبها عرف بالسنة فعلا أو لأن السنة المؤكدة في معنى الواجب وهذه القعدة للفصل بين الشفعين وأراد بالأول غير الآخر لا الفرض السابق إذ لو أريد به السابق لم يفهم حكم القعدة الثانية التي ليست أخيرة؛ لأن القعدة في الصلاة قد تكون أكثر من اثنتين فإن المسبوق بثلاث في الرباعية يقعد ثلاث قعدات كل من الأولى والثانية واجب والثالثة هي الأخيرة وهي فرض كما سيأتي بيانه في مسائل المسبوق إن شاء الله تعالى ولم أر من نبه على هذا وسيأتي إن شاء الله تعالى عن خزانة الفقه أن القعود في الصلاة يتكرر عشر مرات‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والتشهد‏)‏ أي الأول والثاني، وفي بعض نسخ النقاية‏:‏ والتشهدان، بلفظ التثنية للمواظبة الدالة على الوجوب «ولقوله صلى الله عليه وسلم لابن مسعود قل‏:‏ التحيات» من غير تفرقة بين الأول والثاني واختار جماعة سنية التشهد في القعدة الأولى للفرق بين القعدتين؛ لأن الأخيرة لما كانت فرضا كان تشهدها واجبا والأولى لما كانت واجبة كان تشهدها سنة، وأجيب بمنع الملازمة فإن التشهد إنما هو ذكر مشروع في حالة مخصوصة واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم في القعدتين فلذا كان الوجوب فيهما ظاهر الرواية، وهو الأصح كما في المحيط والذخيرة وصرح به في الهداية في باب سجود السهو، وإن كان سكت عنه في باب صفة الصلاة فقول صدر الشريعة إن صاحب الهداية جعله سنة غير صحيح وغفلة عن تصريحه به في ذلك الباب ولعل صاحب الكتاب إنما لم يأت بالتثنية للإشارة إلى أن كل تشهد يكون في الصلاة فهو واجب سواء كان اثنين أو أكثر كما علمته في القعود‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولفظ السلام‏)‏ للمواظبة عليه وذهب الأئمة الثلاثة إلى افتراضه حتى قال النووي لو أخل بحرف من حروف ‏"‏ السلام عليكم ‏"‏ لم تصح كما قال‏:‏ ‏"‏ السلام عليك ‏"‏ أو ‏"‏ سلامي عليكم ‏"‏ لما أخرجه أبو داود وغيره عن علي مرفوعا‏:‏ «مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم» ولنا ما في حديث ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له بعد أن علمه التشهد‏:‏ «ذا قلت‏:‏ هذا أو فعلت هذا فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد» رواه أبو داود وأطلق بعض المشايخ اسم السنة عليه، وهو لا ينافي الوجوب، والخروج من الصلاة يحصل عندنا بمجرد لفظ السلام ولا يتوقف على قوله‏:‏ عليكم، وفي قوله لفظ السلام إشارة إلى أن الالتفات به يمينا ويسارا ليس بواجب، وإنما هو سنة على ما سيأتي وإلى أن الواجب السلام فقط دون عليكم وإلى أن لفظا آخر لا يقوم مقامه، ولو كان بمعناه حيث كان قادرا عليه بخلاف التشهد في الصلاة حيث لا يختص بلفظ العربي بل يجوز بأي لسان كان مع قدرته على العربي ولذا لم يقل‏:‏ ولفظ التشهد، وقال‏:‏ ولفظ السلام، وقال غيره‏:‏ وإصابة لفظ السلام‏.‏ لكن هذه الإشارة يخالفها صريح المنقول فإنه سيأتي أن الشارح نقل الإجماع أن السلام لا يختص بلفظ العربي‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وقنوت الوتر‏)‏ أي قراءة القنوت في الوتر واجبة وهذا عند أبي حنيفة، وأما عندهما فهو سنة كنفس صلاة الوتر واستدل لوجوبه بأنه يضاف إلى الصلاة فيقال قنوت الوتر فدل أنه من خصائصه، وهو إما بالوجوب أو بالفرض وانتفى الثاني فتعين الأول، ولا يخفى ما فيه فإن هذه الإضافة لم تسمع من الشارع حتى تفيد الاختصاص، واستدل بعضهم بما رواه أصحاب السنن الأربعة عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» فإنه صريح في المواظبة على هذا القول وأنت خبير بأنه لا يدل على المطلوب وسيأتي شيء منه في بابه وأن المراد بالقنوت الدعاء ولا يختص بلفظ حتى قال بعضهم‏:‏ الأفضل أن لا يؤقت دعاء ومنهم من قال به إلا الدعاء المعروف اللهم إنا نستعينك إلى آخره واتفقوا على أنه لو دعا بغيره جاز ولهذا‏:‏ قالوا من لا يحسن القنوت المعروف يقول اللهم اغفر لي‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وتكبيرات العيدين‏)‏ أي والتكبيرات الزوائد في صلاتي العيدين وهي ثلاث في كل ركعة واستدل للوجوب بالإضافة المتقدمة، وفيه من البحث ما قدمناه وذكر في الفتح القدير‏:‏ أن الأولى أن يستدل على وجوب الأذكار المذكورة بالمواظبة المقرونة بالترك في التشهد للنسيان فلا يلحق بالمبين أعني الصلاة ليكون فرضا، أما في قنوت الوتر وتكبيرات العيدين فلأن أصلهما بظني فلا تكون المواظبة فيهما محتاجة إلى الاقتران بالترك ليثبت به الوجوب، والمواظبة في السلام معارضة بحديث ابن مسعود فلم يتحقق بيانا لما تقرر جزءا للصلاة ا هـ‏.‏ وظاهرة ثبوت المواظبة على القنوت وتكبيرات الزوائد من غير ترك حتى أثبت بها الوجوب، وقد نازع هو في ذلك في باب صلاة الوتر بأن الوارد مطلق المواظبة أعم من المقرونة بالترك أحيانا وغير المقرونة، ولا دلالة للأعم على الأخص وإلا لوجب الكلمات الواردة عينا أو كانت أولى من غيرها وذكر في المستصفى أن من الواجبات رعاية لفظ التكبير في تكبيرة الافتتاح في صلاة العيدين حتى يجب عليه سجود السهو إذا قال‏:‏ الله أجل أو أعظم يعني ساهيا بخلاف سائر الصلوات‏.‏ ا هـ‏.‏ وسيأتي بيان الخلاف في مراعاة لفظ التكبير للافتتاح في سائر الصلوات وأن الراجح وجوبها فحينئذ لا فرق بين العيد وغيرها، ومن الواجبات تكبيرة القنوت وتكبيرة الركوع في الركعة الثانية من صلاتي العيدين ذكرهما الشارح في باب سجود السهو‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والجهر والإسرار فيما يجهر ويسر‏)‏ للمواظبة على ذلك أطلقه اعتمادا على ما يبينه في محله من أن المنفرد مخير فيما يجهر فالحاصل أن الإخفاء في صلاة المخافتة واجب على المصلي إماما كان أو منفردا وهي صلاة الظهر والعصر والركعة الثالثة من المغرب والأخريان من صلاة العشاء وصلاة الكسوف والاستسقاء، وهو واجب على الإمام اتفاقا وعلى منفرد على الأصح، وأما الجهر في الصلاة الجهرية فواجب على الإمام فقط، وهو أفضل في حق المنفرد وهي صلاة الصبح والركعتان الأوليان من المغرب والعشاء وصلاة العيدين والتراويح والوتر في رمضان‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وسننها رفع اليدين للتحريمة‏)‏ للمواظبة وهي وإن كانت من غير ترك تفيد الوجوب لكن إذا لم يكن ما يفيد أنها ليست لحامل الوجوب، وقد وجد، وهو تعليمه الأعرابي من غير ذكر تأويل، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، على أنه حكي في الخلاصة خلافا في تركه‏:‏ قيل يأثم، وقيل لا، قال والمختار إن اعتاده أثم لا إن كان أحيانا‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي فتح القدير وينبغي أن يجعل شقي هذا القول محمل القولين فلا اختلاف حينئذ ولا إثم لنفس الترك بل لأن اعتياده للاستخفاف وإلا فمشكل أو يكون واجبا‏.‏ ا هـ‏.‏ والذي يظهر من كلام أهل المذهب أن الأثم منوط بترك الواجب أو السنة المؤكدة على الصحيح لتصريحهم بأن من ترك سنن الصلوات الخمس قيل لا يأثم والصحيح أنه يأثم ذكره في فتح القدير وتصريحهم بالإثم لمن ترك الجماعة مع أنها سنة مؤكدة على الصحيح، وكذا في نظائره لمن تتبع كلامهم ولا شك أن الأثم مقول بالتشكيك بعضه أشد من بعض فالإثم لتارك السنة المؤكدة أخف من الإثم لتارك الواجب، ولهذا قيل في شرح منية المصلي في هذه المسألة‏:‏ ثم المراد بالإثم على هذا إثم يسير كما هو حكم هذه السنة المواظب صلى الله عليه وسلم عليها على ما ذكره صدر الإسلام البزدوي ا هـ‏.‏ فالحاصل أن القائل بالإثم في ترك الرفع بناه على أنه من سنن الهدى فهو سنة مؤكدة والقائل بعدمه بناه على أنه من سنن الزوائد بمنزلة المستحب، وقد قال في الذخيرة، وقد روي عن أبي حنيفة ما يدل على عدم الإثم فإنه قال‏:‏ إن ترك رفع اليدين جاز، وإن رفع فهو أفضل ا هـ‏.‏ وبهذا اندفع ما في فتح القدير كما لا يخفى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ونشر أصابعه‏)‏ وكيفيته أن لا يضم كل الضم ولا يفرج كل التفريج بل يتركها على حالها منشورة كذا ذكره الشارح والظاهر أن المراد بالنشر عدم الطي بمعنى أنه يسن أن يرفعهما منصوبتين لا مضمومتين حتى تكون الأصابع مع الكف مستقبلة للقبلة ومن السنن أن لا يطأطئ رأسه عند التكبير كما في المبسوط، وهو بدعة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وجهر الإمام بالتكبير‏)‏ لحاجته إلى الإعلام بالدخول والانتقال‏.‏ قيد بالإمام لأن المأموم والمنفرد لا يسن لهما الجهر به؛ لأن الأصل في الذكر الإخفاء ولا حاجة لهما إلى الجهر‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والثناء والتعوذ والتسمية والتأمين سرا‏)‏ للنقل المستفيض على ما يأتي بيانه، وقوله سرا راجع إلى الأربعة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ووضع يمينه على يساره تحت سرته‏)‏ لما في صحيح مسلم عن وائل بن حجر أنه قال‏:‏ «ثم وضع النبي صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على اليسرى» فانتفى به قول مالك بالإرسال وعند الشافعي محله ما فوق السرة تحت الصدر واستدل له النووي بما في صحيح ابن خزيمة عن وائل بن حجر «قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره» ولا يخفى أنه لا يطابق المدعى، واستدل مشايخنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ «ثلاث من سنن المرسلين وذكر من جملتها وضع اليمين على الشمال تحت السرة» لكن المخرجين لم يعرفوا فيه مرفوعا وموقوفا تحت السرة ويمكن أن يقال في توجيه المذهب‏:‏ أن الثابت من السنة وضع اليمين على الشمال ولم يثبت حديث يوجب تعيين المحل الذي يكون فيه الوضع من البدن إلا حديث وائل المذكور، وهو مع كونه واقعة حال لا عموم لها يحتمل أن يكون لبيان الجواز فيحال في ذلك كما قاله في فتح القدير على المعهود من وضعها حال قصد التعظيم في القيام، والمعهود في الشاهد منه أن يكون ذلك تحت السرة فقلنا به في هذه الحالة في حق الرجل بخلاف المرأة فإنها تضع على صدرها؛ لأنه أستر لها فيكون في حقها أولى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وتكبير الركوع‏)‏ لما روي‏:‏ «أنه عليه الصلاة والسلام كان يكبر عند كل رفع وخفض» ‏(‏وقوله والرفع منه‏)‏ أي من الركوع، وهو بالرفع عطفا على التكبيرة ولا يجوز جره؛ لأنه لا يكبر عند الرفع من الركوع، وإنما يأتي بالتسميع، وقد قدمنا أن مقتضى الدليل الوجوب لا السنية، وهو رواية عن أبي حنيفة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وتسبيحه ثلاثا‏)‏ أي تسبيح الركوع‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وأخذ ركبتيه بيديه وتفريج أصابعه‏)‏ لحديث أنس‏:‏ «إذا ركعت فضع يديك على ركبتيك وفرج بين أصابعك»‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وتكبير السجود‏)‏ لما روينا قال الشارح، ولو قال‏:‏ وتكبير السجود والرفع منه كان أولى؛ لأن التكبير عند الرفع منه سنة، وكذا الرفع نفسه سنة ا هـ‏.‏ لكن استفادة الحكمين من قوله والرفع منه محل نظر؛ لأنه إن قرئ بالرفع أفاد سنية أصل الرفع، وإن قرئ بالجر أفاد سنية التكبير عند الرفع، وأما استفادتهما منه فلا، وروي عن أبي حنيفة أن الرفع منه فرض، وجه الظاهر‏:‏ أن المقصود الانتقال، وهو يتحقق بدونه بأن يسجد على وسادة، ثم تنزع ويسجد على الأرض ثانيا قال الشارح ولكن لا يتصور هذا إلا على قول من لا يشترط الرفع حتى يكون أقرب إلى الجلوس‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وتسبيحه ثلاثا‏)‏ لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «إذا سجد أحدكم فليقل سبحان ربي الأعلى ثلاثا»‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ووضع يديه وركبتيه‏)‏ يعني حالة السجود وسيأتي الكلام عليه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وافتراش رجله اليسرى ونصب اليمنى والقومة والجلسة‏)‏ تقدم أن مقتضى الدليل وجوبهما، وفي قوله القومة نوع إشكال فإنه قد ذكر فيما تقدم من قريب أن الرفع من الركوع سنة، وهو القومة فيكون تكرارا كذا ذكره الشارح، وقد يقال إنه أراد بالقومة القومة من السجود فلا تكرار والقومة خلاف الجلسة كما لا يخفى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أو هو قول عامة السلف والخلف، وقال الشافعي إنها فرض تبطل الصلاة بتركها، وقد نسب قوم من الأعيان الإمام الشافعي في هذا إلى الشذوذ ومخالفة الإجماع منهم أبو جعفر الطحاوي وأبو بكر الرازي وأبو بكر بن المنذر والخطابي والبغوي وابن جرير الطبري وهذه عبارته‏:‏ أجمع جميع المتقدمين والمتأخرين من علماء الأمة على أن الصلاة عليه غير واجبة في التشهد ولا سلف للشافعي في هذا القول ولا سنة يتبعها ا هـ‏.‏ فإن تم هذا كان الإجماع هو الدليل على السنية لكن تعقب غير واحد دعوى الإجماع بعد التمام؛ لأن عن بعض الصحابة وبعض التابعين ما يوافق قول الشافعي، وأما موجب الأمر في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏صلوا عليه‏}‏ فهو افتراضها في العمر مرة واحدة في الصلاة أو خارجها؛ لأن الأمر لا يقتضي التكرار وسيأتي كيفيتها وأحكامها إن شاء الله تعالى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والدعاء‏)‏ أي لنفسه ولوالديه إن كانا مؤمنين ولجميع المؤمنين والمؤمنات لما في صحيح مسلم‏:‏ «ثم يتخير من المسألة ما شاء» ولما رواه الترمذي وحسنه مرفوعا عن أبي أمامة «قيل‏:‏ يا رسول الله‏:‏ أي الدعاء أسمع‏؟‏ قال‏:‏ جوف الليل الأخير ودبر الصلوات المكتوبات» بناء على أن المراد بدبرها ما قبل الفراغ منها كما ذكره بعضهم أي الوقت الذي يليه وقت الخروج منها؛ لأن دبر كل شيء منه ومتصل به، وقد يراد بدبر الشيء وراءه وعقبه كما نصوا عليه أيضا فيكون حينئذ المراد بدبرها الوقت الذي يلي وقت الخروج منها لكن عندنا السنة مقدمة على الدعاء الذي هو عقب الفراغ‏.‏