فصل: بيان أحكام الحيض

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


باب الحيض

اختلف الشارحون في التعبير عن الحيض والنفاس بأنهما من الأحداث أو الأنجاس فمنهم من ذهب إلى الثاني ومنهم من ذهب إلى الأول وهو الأنسب؛ لأن المصنف يقول بعد هذا باب الأنجاس ولما فرغ من الأحداث التي يكثر وقوعها ذكر ما هو أقل وقوعا منه، ولقب الباب بالحيض دون النفاس لكثرته أو لكونه حالة معهودة في بنات آدم دون النفاس، كذا في العناية لكن الظاهر من كلام المصنف أنه من الأنجاس بدليل التعريف، وأفرده لاختصاصه بأحكام على حدة، وقدمه لكثرة مناسبته بالأحداث حتى كانت الأحكام المختصة بالأحداث ثابتة له، ولا يضر اختصاص نوع من النجس بأحكام وبهذا اندفع ما في النهاية كما لا يخفى والظاهر أنه لا ثمرة لهذا الاختلاف‏.‏ واعلم أن باب الحيض من غوامض الأبواب خصوصا من المتحيرة وتفاريعها ولهذا اعتنى به المحققون وأفرده محمد في كتاب مستقل‏.‏ ومعرفة مسائل الحيض من أعظم المهمات لما يترتب عليها ما لا يحصى من الأحكام كالطهارة والصلاة وقراءة القرآن والصوم والاعتكاف والحج والبلوغ والوطء والطلاق والعدة والاستبراء وغير ذلك من الأحكام وكان من أعظم الواجبات؛ لأن عظم منزلة العلم بالشيء بحسب منزلة ضرر الجهل به وضرر الجهل بمسائل الحيض أشد من ضرر الجهل بغيرها فيجب الاعتناء بمعرفتها وإن كان الكلام فيها طويلا فإن المحصل يتشوف إلى ذلك ولا التفات إلى كراهة أهل البطالة، ثم الكلام فيه في عشرة مواضع في تفسيره لغة وشرعا وسببه وركنه وشرطه وقدره وألوانه وأوانه ووقت ثبوته والأحكام المتعلقة به، أما تفسيره لغة فقال أهل اللغة أصله السيلان يقال حاض الوادي أي سال فسمي حيضا لسيلانه في أوقاته وقال الأزهري الحيض دم يرخيه رحم المرأة بعد بلوغها في أوقات معتادة، ويقال حاضت المرأة تحيض حيضا ومحيضا ومحاضا فهي حائض بحذف التاء؛ لأنه صفة المؤنث خاصة فلا تحتاج إلى علامة التأنيث بخلاف قائمة ومسلمة هذه اللغة الفصيحة المشهورة‏.‏ وحكى الجوهري عن الفراء أنه يقال أيضا حائضة وله عشرة أسماء حيض وطمث بالمثلثة وضحك وإكبار وإعصار ودراس وعراك وفراك بالفاء وطمس بالسين المهملة ونفاس وزاد بعضهم ‏"‏ طمت ‏"‏ بالمثناة وطمء بالهمزة، وأما تفسيره شرعا بناء على أنه من الأنجاس فما ذكره المصنف بقوله‏:‏ ‏(‏وهو دم ينفضه رحم امرأة سليمة عن داء وصغر‏)‏ فدخل في قوله دم غير المعرف وشمل الدم الحقيقي والحكمي، وخرج بقوله ينفضه رحم امرأة دم الرعاف والجراحات وما يكون منه لا من آدمية، وما يخرج من الدبر من الدم فإنه ليس بحيض لكن يستحب لها أن تغتسل عن انقطاع الدم، فإن أمسك زوجها عن الإتيان أحب إلي، كذا في الخلاصة ولم تخرج الاستحاضة؛ لأن المراد بالرحم هنا الفرج، وإنما خرج بقوله ‏"‏ سليمة ‏"‏ عن داء أي داء برحمها، وإنما قيدنا به؛ لأن مرض المرأة السليمة الرحم لا يمنع كون ما تراه في عادتها مثلا حيضا كما لا يخفى وخرج به النفاس أيضا؛ لأن بالرحم داء بسبب الولادة وهذا أولى مما قالوا‏:‏ إن النفاس خرج به؛ لأن النفساء في حكم المريضة حتى اعتبر تبرعاتها من الثلث فإن ظاهره أن مرض المرأة يمنع كونها حائضا، وقد علمت خلافه، وقد خرج به أيضا ما تراه الصغيرة فإنه دم استحاضة لكن قال بعضهم‏:‏ إن ما تراه المرأة قبل استكمال تسع سنين فهو دم فساد ولا يقال له استحاضة؛ لأن الاستحاضة لا تكون إلا على صفة لا تكون حيضا، ولهذا قال الأزهري الاستحاضة سيلان الدم في غير أوقاته المعتادة؛ فلهذا ذكر ما يخرج ما تراه الصغيرة بقوله وصغر وبهذا التقرير يندفع ما ذكره في فتح القدير من أن هذا التعريف لا يخلو عن تكرار واستدراك؛ لأن لفظ الصغر مستدرك، والاستحاضة تكرر إخراجها لخروجها بذكر الرحم وسليمة عن داء وتعريفه بلا استدراك ولا تكرر دم من الرحم لا لولادة‏.‏ ا هـ‏.‏ وقد سبقه إلى هذا التعريف صاحب البدائع وفي الظهيرية والخنثى إذا خرج منه المني والدم فالعبرة للمني دون الدم، ثم هذا التعريف بناء على أن مسمى الحيض خبث، أما إذا كان مسماه الحدث الكائن عن الدم المحرم للتلاوة والمس كاسم الجنابة للحدث الخاص لا للماء الخاص فتعريفه مانعية شرعية بسبب الدم المذكور عما اشترط فيه الطهارة وعن الصوم والمسجد والقربان، وقد جزم صاحب النهاية بأنه من الأحداث لا الأنجاس وعرفه بما في الكتاب فكان تناقضا منه‏.‏ وأما سببه فقد قيل إن أمنا حواء عليها السلام حين تناولت من شجرة الخلد فابتلاها الله تعالى بذلك وبقي هو في بناتها إلى يوم التنادي بذلك السبب وثبت في الصحيح عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت‏:‏ «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحيض هذا شيء كتبه الله على بنات آدم» قال البخاري في صحيحه قال بعضهم‏:‏ أول ما أرسل الحيض على بني إسرائيل قال البخاري وحديث النبي صلى الله عليه وسلم أكبر، قال النووي يعني أنه عام في جميع بني آدم، وأما ركنه فهو بروز الدم من محل مخصوص حتى تثبت الأحكام به وعن محمد بالإحساس به وثمرته تظهر فيما لو توضأت ووضعت الكرسف ثم أحست بنزول الدم إليه قبل الغروب ثم رفعته بعده تقضي الصوم عنده خلافا لهما يعني إذا لم يحاذ حرف الفرج الداخل، فإن حاذته البلة من الكرسف كان حيضا ونفاسا اتفاقا، وكذا الحدث بالبول ولو وضعته ليلا فلما أصبحت رأت الطهر تقضي العشاء فلو كانت طاهرة فرأت البلة حين أصبحت تقضيها أيضا إن لم تكن صلتها قبل الوضع إنزالا لها طاهرة في الصورة الأولى من حين وضعته وحائضا في الثانية حين رفعته أخذا بالاحتياط فيهما وهذا أولى مما ذكره في النهاية من أن ركنه امتداد دور الدم من قبل المرأة؛ لأن ركن الشيء ما يقوم به ذلك الشيء والحيض لا يقوم به؛ لأن الامتداد الخاص معرف له لا أنه ركن؛ لأن الامتداد لو كان ركنه لما ثبت حكمه قبله، وقد علمت أن حكمه ثبت بمجرد البروز وأما شرطه فتقدم نصاب الطهر حقيقة أو حكما وعدم نقصانه عن الأقل وعدم الصغر وفراغ الرحم عن الحبل الذي تنفس بوضعه؛ لأن الحامل لا تحيض، وإنما قيدنا بقولنا تنفس؛ لأنه إذا سقط منها شيء لم يستبن خلقه فما رأت فعلى هذا يكون حيضا؛ لأنه لا يعلم أنه حبل بل لحم من البطن فلا تسقط الصلاة بالشك والتحقيق أن له الشرطين الأولين، وأما ما تراه الحامل والصغيرة فليس من الرحم فلم يوجد الركن وعدم الصغر يعرف بتقدير أدنى مدة يحكم ببلوغها فيما إذا رأت الدم واختلف فيها على أقوال المختار منها تسع وعليه الفتوى، كذا في السراج الوهاج وإذا رأت المبتدأة في سن يحكم ببلوغها فيه تركت الصلاة والصوم وعند أكثر مشايخ بخارى وعن أبي حنيفة لا تترك حتى تستمر ثلاثة أيام، ثم الأصح أن الحيض موقت إلى سن الإياس وأكثر المشايخ قدروه بستين سنة ومشايخ بخارى وخوارزم بخمس وخمسين فما رأت بعدها لا يكون حيضا في ظاهر المذهب وفي المجتبى والفتوى في زماننا أن يحكم بالإياس عن الخمسين وفي شرح الوقاية والمختار أنها إن رأت دما قويا كالأسود والأحمر القاني كان حيضا ويبطل الاعتداد بالأشهر قبل التمام وبعده لا، وإن رأت صفرة أو خضرة أو تربية فهي استحاضة ا هـ‏.‏ وفي فتح القدير ثم إنما ينتقض الحكم بالإياس بالدم الخالص فيما يستقبل لا فيما مضى حتى لا تفسد الأنكحة المباشرة قبل المعاودة، وفي القنية قضاء القاضي ليس بشرط للحكم بالإياس وهو الأظهر حتى إذا بلغت مدة الإياس تعتد بالأشهر ولا يحتاج في ذلك إلى القضاء‏.‏ ا هـ‏.‏ وقد علم أوانه ووقت ثبوته وسيأتي مقداره وألوانه وأحكامه‏.‏

أقل الحيض

‏(‏قوله‏:‏ وأقله ثلاثة أيام وأكثره عشرة‏)‏ أي أقل الحيض ثلاثة أيام بالرفع والنصب، أما الرفع فعلى كونها خبرا لمبتدأ وعلى هذا لا بد من الإضمار لاستحالة كون الدم ثلاثة أيام فالتقدير أقل مدة الحيض، وأما النصب فعلى الظرف ولا يخفى أنه ليس بشرط أن يكون الدم ممتدا ثلاثة أيام بحيث لا ينقطع ساعة حتى يكون حيضا؛ لأن ذلك لا يكون إلا نادرا بل انقطاع الدم ساعة أو ساعتين فصاعدا غير مبطل للحيض، كذا في المستصفى والمراد أن أقل مدته قدر ثلاثة أيام بلياليها وأكثرها قدر عشرة أيام بلياليها كما صرح به في الوافي، وإنما حذفه هنا؛ لأن ذكر الأيام بلفظ الجمع يتناول مثلها من الليالي قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ثلاثة أيام إلا رمزا‏}‏ وقال في موضع آخر ‏:‏ ‏{‏ثلاث ليال سويا‏}‏ والقصة واحدة وهذا هو ظاهر الرواية حتى لو رأت عند طلوع الفجر يوم السبت وانقطع عند غروب الشمس يوم الاثنين لا يكون حيضا وعن أبي يوسف روايتان الأولى وهي قوله إنه مقدر بيومين وأكثر الثالث وهو سبع وستون ساعة على ما في العناية عن النوادر‏.‏ الثانية أنه مقدر بثلاثة أيام وليلتين على ما في التجنيس وفي غيره أنه رواية الحسن عن أبي حنيفة، وفي البدائع رواية الحسن ضعيفة؛ لأن كل واحد من عدد الأيام والليالي منصوص عليه فلا يجوز أن ينقص عنه، وقال الشافعي وأحمد أقله يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوما «لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش دم الحيض أسود يعرف فإذا كان كذلك فأمسكي عن الصلاة» رواه أبو داود وغيره بأسانيد صحيحة قال النووي وهذه الصفة موجودة في اليوم والليلة ولنا قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام» هكذا ذكره أصحابنا وخرجه الزيلعي المخرج من حديث أبي أمامة ووائلة ومعاذ وأبي سعيد الخدري وأنس بن مالك وعائشة بطرق ضعيفة وأطال الكلام فيها قال في فتح القدير بعد سردها فهذه عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم متعددة الطرق وذلك يرفع الضعيف إلى الحسن، والمقدرات الشرعية مما لا تدرك بالرأي فالموقوف فيها حكمه الرفع بل تسكن النفس بكثرة ما روي فيه عن الصحابة والتابعين إلى أن المرفوع مما أجاد فيه ذلك الراوي الضعيف وبالجملة فله أصل في الشرع بخلاف قولهم أكثره خمسة عشر يوما لم نعلم فيه حديثا حسنا ولا ضعيفا وإنما تمسكوا فيه بما رووه عنه عليه الصلاة والسلام قال في صفة النساء‏:‏ «تمكث إحداكن شطر عمرها لا تصلي» وهو لو صح لم يكن فيه حجة، قال البيهقي‏:‏ إنه لم يجده وقال ابن الجوزي في التحقيق هذا حديث لا يعرف وأقره عليه صاحب التنقيح‏.‏ ا هـ‏.‏ وقال النووي في شرح المهذب إنه حديث باطل لا يعرف، وإنما ثبت في الصحيحين‏:‏ «تمكث الليالي ما تصلي» ا هـ‏.‏ واحتج الطحاوي للمذهب بحديث أم سلمة «إذ سألت عن المرأة تهراق الدماء فقال عليه السلام لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر فلتترك قدر ذلك من الشهر، ثم تغتسل وتصلي» فأجابها بذكر عدد الليالي والأيام من غير أن يسألها عن مقدار حيضها قبل ذلك وأكثر ما يتناوله الأيام عشرة وأقله ثلاثة‏.‏ ا هـ‏.‏ وأما ما استدلوا به على أقله فلا دليل فيه؛ لأنه لما جاز أن تكون الصفة موجودة في اليوم والليلة جاز وجودها فيما دونه فلم لم يجعله حيضا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فما نقص من ذلك أو زاد استحاضة‏)‏ أي ما نقص من الأقل أو زاد على الأكثر فهو استحاضة؛ لأن هذا الدم إما أن يكون دم حيض أو نفاس أو استحاضة فانتفى الأولان فتعين الثالث ولأن تقدير الشرع يمنع إلحاق غيره به‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وما سوى البياض الخالص حيض‏)‏‏.‏

لما فرغ من بيان كميته شرع في بيان كيفيته اعلم أن ألوان الدماء ستة‏:‏ السواد والحمرة والصفرة والكدرة والخضرة والتربية وهي التي على لون التراب نوع من الكدرة وهي نسبة إلى الترب بمعنى التراب، ويقال تربية بتشديد الياء وتخفيفها بغير همزة وتريبة مثل تريعة وتربية بوزن ترعية وقيل هي من الرئة؛ لأنها على لونها، كذا في المغرب ويقال أيضا الترابية وكل هذه الألوان حيض في أيام الحيض إلى أن ترى البياض وعند أبي يوسف لا تكون الكدرة حيضا إذا رأتها في أول أيام الحيض وإذا رأتها في آخرها تكون حيضا؛ لأنها لو كانت دم رحم لتأخرت عن الصافي، ولهما ما روي عن مولاة عائشة قالت كان النساء يبعثن إلى عائشة بالدرجة التي فيها الكرسف فيه الصفرة من دم الحيض لتنظر إليه فتقول لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء تريد بذلك الطهر من الحيض رواه مالك في الموطإ والقصة بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة وذكره البخاري تعليقا بصيغة الجزم فصح بهذا اللفظ عن عائشة‏.‏ وذكر في الصحيح والسنن عن أم عطية قالت كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئا وهذا يدل على أنهما في أيام الحيض حيض؛ لأنها قيدت بما بعد الطهر وفي التجنيس امرأة رأت بياضا خالصا على الخرقة ما دام رطبا فإذا يبس اصفر فحكمه حكم البياض؛ لأن المعتبر حال الرؤية لا حالة التغير بعد ذلك‏.‏ ا هـ‏.‏ وكذا لو رأت حمرة أو صفرة فإذا يبست أبيضت يعتبر حالة الرؤية لا حالة التغير بعد ذلك‏.‏ ا هـ‏.‏ ومن المشايخ من أنكر الخضرة فقال لعلها أكلت قصيلا استبعادا لها قلنا هي نوع من الكدرة ولعلها أكلت نوعا من البقول وفي الهداية، وأما الخضرة فالصحيح أن المرأة إذا كانت من ذوات الأقراء يكون حيضا ويحمل على فساد الغذاء، وإن كانت آيسة لا ترى غير الخضرة يحمل على فساد المنبت فلا يكون حيضا‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي البدائع قال بعضهم الكدرة والتربة والصفرة والخضرة إنما تكون حيضا على الإطلاق من غير العجائز، أما في العجائز فينظر إن وجدتها على الكرسف ومدة الوضع قريبة فهي حيض، وإن كانت مدة الوضع طويلة لم تكن حيضا؛ لأن رحم العجوز يكون منتنا فيتغير الماء فيه لطول المكث وما عرفت الجواب في هذه الأبواب من الحيض فهو الجواب فيها في النفاس؛ لأنها أخت الحيض‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي معراج الدراية معزيا إلى فخر الأئمة لو أفتى مفت بشيء من هذه الأقوال في مواضع الضرورة طلبا للتيسير كان حسنا ا هـ‏.‏ وفي فتح القدير ومقتضى المروي في الموطإ والبخاري أن مجرد الانقطاع دون رؤية القصة لا يجب معه أحكام الطاهرات وكلام الأصحاب فيما يأتي كله بلفظ الانقطاع حيث يقولون وإذا انقطع دمها فكذا، مع أنه قد يكون انقطاع بجفاف من وقت إلى وقت ثم ترى القصة، فإن كانت الغاية القصة لم تجب تلك الصلاة، وإن كان الانقطاع على سائر الألوان وجبت وأنا متردد فيما هو الحكم عندهم بالنظر إلى دليلهم وعباراتهم في إعطاء الأحكام‏.‏ والله أعلم‏.‏ ورأيت في مروي عبد الوهاب عن يحيى بن سعيد عن ريطة مولاة عمرة عن عمرة أنها كانت تقول للنساء إذا أدخلت إحداكن الكرسف فخرجت متغيرة فلا تصلي حتى لا ترى شيئا وهذا يقتضي أن الغاية الانقطاع‏.‏ ا هـ‏.‏ وقد يقال هذا التردد لا يتم إلا إذا فسرت القصة بأنها بياض ممتد كالخيط، والظاهر من كلامهم ضعف هذا التفسير فقد قال في المغرب قال أبو عبيدة معناه أن تخرج القطنة أو الخرقة التي تحتشي بها المرأة كأنها قصة لا تخالطها صفرة ولا تربية، ويقال‏:‏ إن القصة شيء كالخيط الأبيض يخرج بعد انقطاع الدم كله ويجوز أن يراد انتفاء اللون وأن لا يبقى منه أثر ألبتة فضرب رؤية القصة مثلا لذلك؛ لأن رائي القصة غير رائي شيء من سائر ألوان الحائض‏.‏ ا هـ‏.‏ فقد علمت أن القصة مجاز عن الانقطاع وأن تفسيرها بأنها شيء كالخيط ذكره بصيغة يقال الدالة على التمريض ويدل على أن المراد بها الانقطاع آخر الحديث وهو قوله تريد بذلك الطهر من الحيض، فثبت بهذا أن دليلهم موافق لعباراتهم كما لا يخفى وفي شرح الوقاية ثم وضع الكرسف مستحب للبكر في الحيض وللثيب في كل حال وموضعه موضع البكارة ويكره في الفرج الداخل‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي غيره أنه سنة للثيب حالة الحيض مستحبة حالة الطهر ولو صلتا بغير كرسف جاز‏.‏

بيان أحكام الحيض

‏(‏قوله‏:‏ يمنع صلاة وصوما‏)‏ شروع في بيان أحكامه فذكر بعضها ولا بأس ببيانها، فنقول‏:‏ إن الحيض يتعلق به أحكام‏:‏ أحدها يمنع صحة الطهارة، وأما أغسال الحج فإنها تأتي بها؛ لأن المقصود منها التنظيف لا الطهارة، وأما تحريم الطهارة عليها فمنقول في شرح المهذب للنووي، وأما أئمتنا فقالوا‏:‏ إنه يستحب لها أن تتوضأ لوقت كل صلاة وتقعد على مصلاها تسبح وتهلل وتكبر وفي رواية يكتب لها ثواب أحسن صلاة كانت تصلي وصحح في الظهيرية أنها تجلس مقدار أداء فرض الصلاة كي لا تنسى العادة‏.‏ الثاني‏:‏ يمنع وجوب الصلاة وهو ظاهر ما في الكتاب وظاهر ما في القدوري أيضا فإنه قال‏:‏ والحيض يسقط‏.‏ فأفاد ظاهرا عدم تعلق أصل الوجوب بها وهذا لأن تعلقه يستتبع فائدته، وهي إما الأداء أو القضاء والأول منتف لقيام الحدث مع العجز عن رفعه والثاني كذلك فضلا منه تعالى دفعا للحرج اللازم بإلزام القضاء لتضاعف الواجبات خصوصا فيمن عادتها أكثره فانتفى الوجوب لانتفاء فائدته لا لعدم أهليتها للخطاب، ولذا تعلق بها خطاب الصوم لعدم الحرج إذ غاية ما تقضي في السنة خمسة عشر يوما إذا كان حيضها عشرة، وبهذا اندفع ما في النهاية ومعراج الدراية وغيرهما من أن قوله يسقط يقتضي سابقة الوجوب عليها ويقولون أنه قول أبي زيد وأما على قول عامة المشايخ لا يجب، وقد نقل النووي الإجماع على سقوط وجوب الصلاة عنها‏.‏ الثالث‏:‏ يحرمها‏.‏ الرابع‏:‏ يمنع صحتها‏.‏ الخامس‏:‏ يحرم الصوم‏.‏ السادس - يمنع صحته‏.‏ وأما أنه يمنع وجوبه فلا لما قدمنا وسيأتي إيضاحه‏.‏ السابع‏:‏ يحرم مس المصحف وحمله‏.‏ الثامن‏:‏ يحرم قراءة القرآن‏.‏ التاسع‏:‏ يحرم دخول المسجد‏.‏ العاشر‏:‏ يحرم سجود التلاوة والشكر ويمنع صحته‏.‏ الحادي عشر‏:‏ يحرم الاعتكاف‏.‏ الثاني عشر‏:‏ يمنع صحته‏.‏ الثالث عشر‏:‏ يفسده إذا طرأ عليه‏.‏ الرابع عشر‏:‏ يحرم الطواف من جهتين دخول المسجد وترك الطهارة له‏.‏ لكن لا يمنع صحته كما هو المشهور من مذهبنا فاندفع به ما نقله النووي في شرح المهذب من نقل الإجماع على عدم صحة طوافها مطلقا‏.‏ الخامس عشر‏:‏ يمنع وجوب طواف الصدر‏.‏ السادس عشر‏:‏ يحرم الوطء وما هو في حكمه‏.‏ السابع عشر‏:‏ يحرم الطلاق‏.‏ الثامن عشر‏:‏ تبلغ به الصبية‏.‏ التاسع عشر‏:‏ يتعلق به انقضاء العدة‏.‏ العشرون‏:‏ يتعلق به الاستبراء‏.‏ الحادي والعشرون‏:‏ يوجب الغسل بشرط الانقطاع على ما حققناه‏.‏ الثاني والعشرون‏:‏ لا يقطع التتابع في صوم كفارة القتل والفطر بخلاف كفارة اليمين ونحوها حيث تقطع على ما حققه الإمام الدبوسي في التقويم وهذه الأحكام كلها متعلقة بالنفاس إلا خمسة‏:‏ وهي انقضاء العدة والاستبراء والحكم ببلوغها والفصل بين طلاقي السنة والبدعة وعدم قطع التتابع في الصوم فإن هذه مختصة بالحيض فظهر بما قررناه أن ما في النهاية ومعراج الدراية وغيرهما من أن أحكام الحيض والنفاس اثنا عشر ثمانية مشتركة وأربعة مختصة بالحيض ليس بجامع‏.‏ ثم هذه الأحكام التي ذكرناها منها ما يتعلق ببروز الدم على المذهب المختار وعند محمد بالإحساس ومنها ما يتعلق بنصاب الحيض لكن يستند إلى ابتدائه ومنها ما يتعلق بانقضائه فالثاني هو الحكم ببلوغها ووجوب الغسل والثالث هو انقضاء العدة والاستبراء وبقية الأحكام متعلقة بالقسم الأول‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فتقضيه دونها‏)‏ أي فتقضي الصوم لزوما دون الصلاة لما في الكتب الستة «عن معاذة قالت سألت عائشة فقلت ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة فقالت أحرورية أنت قلت لست بحرورية ولكني أسأل قالت كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة» وعليه انعقد الإجماع ولأن في قضاء الصلاة حرجا بتكررها في كل يوم وتكرر الحيض في كل شهر بخلاف الصوم حيث يجب في السنة شهرا واحدا والمرأة لا تحيض عادة في الشهر إلا مرة فلا حرج، وإنما وجب عليها قضاء الصوم، وإن نفست رمضان كله؛ لأن وجوده في رمضان كله نادر فلا يعتبر‏.‏ وذكر في آخر الفتاوى الظهيرية أن حكمته أن حواء لما رأت الدم أول مرة سألت آدم فقال لا أعلم فأوحي إليه أن تترك الصلاة فلما طهرت سألته فقال لا أعلم فأوحي إليه أن لا قضاء عليها، ثم رأته في وقت الصوم فسألته فأمرها بترك الصوم وعدم قضائه قياسا على الصلاة فأمرها الله تعالى بقضاء الصوم من قبل أن آدم أمرها بذلك من غير أمر الله تعالى، وفي معراج الدراية أن سبب قضائه ترك حواء السؤال له وقياسها الصوم على الصلاة فجوزيت بقضائه بسبب ترك السؤال، فإن قيل إنها غير مخاطبة بالصوم حال حيضها لحرمته عليها فكيف يجب عليها القضاء ولم يجب عليها الأداء قلنا‏:‏ أما من قال من مشايخنا وغيرهم بأن القضاء يجب بأمر جديد فلا إشكال، وأما على قول الجمهور من مشايخنا أن القضاء يجب بما يجب به الأداء فانعقاد السبب يكفي لوجوب القضاء، وإن لم تخاطب بالأداء وهل يكره لها قضاء الصلاة لم أره صريحا وينبغي أن يكون خلاف الأولى كما لا يخفى‏.‏ والحرورية فرقة من الخوارج منسوبة إلى حروراء قرية بالكوفة كان بها أول تحكمهم واجتماعهم والمراد أنها في التعمق في سؤالها كأنها خارجية؛ لأنهم تعمقوا في أمر الدين حتى خرجوا، كذا في المغرب‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ودخول مسجد‏)‏ أي يمنع الحيض دخول المسجد وكذا الجبانة وخرج بالمسجد غيره كمصلى العيد والجنائز والمدرسة والرباط فلا يمنعان من دخولها، ولهذا قال في الخلاصة المتخذ لصلاة الجنازة والعيد الأصح أنه ليس له حكم المسجد، واختار في القنية من كتاب الوقف أن المدرسة إذا كان لا يمنع أهلها الناس من الصلاة في مسجدها فهي مسجد، وفي فتاوى قاضي خان الجبانة ومصلى الجنازة لهما حكم المسجد عند أداء الصلاة حتى يصح الاقتداء وإن لم تكن الصفوف متصلة وليس لهما حكم المسجد في حق المرور وحرمة الدخول للجنب وفناء المسجد له حكم المسجد في حق جواز الاقتداء بالإمام، وإن لم تكن الصفوف متصلة ولا المسجد ملآن‏.‏ ا هـ‏.‏ وأما في جواز دخول الحائض فليس للفناء حكم المسجد فيه، وأما ما في شرح الزاهدي من أن سطح المسجد وظلة بابه في حكمه فليس على إطلاقه بل مقيد في الظلة بأنها حكمه في حق جواز الاقتداء لا في حرمة الدخول للجنب والحائض كما لا يخفى وقيد صاحب الدرر والغرر المنع من دخولهما المسجد بأن لا يكون عن ضرورة فقال وحرم على الجنب دخول المسجد ولو للعبور إلا لضرورة كأن يكون باب بيته إلى المسجد ا هـ وهو حسن، وإن خالف إطلاق المشايخ وينبغي أن يقيد بكونه لا يمكنه تحويل بابه إلى غير المسجد وليس قادرا على السكنى في غيره كما لا يخفى وإلا لم تتحقق الضرورة، يدل عليه ما عن أفلت عن جسرة بنت دجاجة عن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ «جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال وجهوا هذه البيوت عن المسجد ثم دخل ولم يصنع القوم شيئا رجاء أن تنزل فيهم رخصة فخرج إليهم فقال وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب» رواه أبو داود وابن ماجه والبخاري في تاريخه الكبير، وقد نقل الخطابي تضعيفه بسبب جهالة أفلت ورد عليه ودجاجة بكسر الدال بخلاف واحدة الدجاج وهو حجة على الشافعي في إباحته الدخول على وجه العبور وعلي أبي اليسر من أصحابنا كما في إباحة الدخول لغير الصلاة كما نقله عنه في خزانة الفتاوى واستدل الشافعي بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا‏}‏ بناء منه على إرادة مكان الصلاة بلفظ الصلاة مجازا فيكون المنهي عنه قربان مكان الصلاة للجنب لا حال العبور أو بناء منه على استعمال لفظ الصلاة في حقيقته ومجازه فيكون المنهي عنه قربان الصلاة وموضعها ولا شك أن هذا منه عدول عن الظاهر ولا موجب له إلا توهم لزوم جواز الصلاة جنبا حال كونه عابر سبيل؛ لأنه مستثنى من المنع المغيا بالاغتسال وهذا التوهم ليس بلازم لوجوب الحكم بأن المراد جوازها حال كونه عابر سبيل أي مسافرا بالتيمم؛ لأن مؤدى التركيب لا تقربوها جنبا حتى تغتسلوا لا حال عبور السبيل فلكم أن تقربوها بغير اغتسال، وبالتيمم يصدق أنه بغير اغتسال نعم مقتضى ظاهر الاستثناء إطلاق القربان حال العبور لكن يثبت اشتراط التيمم فيه بدليل آخر وليس هذا ببدع فظهر بهذا أن المراد بعابري السبيل المسافرون كما هو منقول عن أهل التفسير وعلى هذا فالآية دليلهما على منع التيمم للجنب المقيم في المصر ظاهرا، فإنه استثنى من المنع المسافرين فكان المقيم داخلا في المنع وجوابه من قبل أبي حنيفة أنه خص حالة عدم القدرة على الماء في المصر من المنع في الآية كما أنها مطلقة في المريض وقد أجمعوا على تخصيص حالة القدرة حتى لا يتيمم المريض القادر على استعمال الماء وإجماعهم إنما كان للعلم بأن شرعيته للحاجة إلى الطهارة عند العجز عن الماء فإذا تحقق في المصر جاز وإذا لم يتحقق في المريض لا يجوز، فإن قيل في الآية دليل حينئذ على أن التيمم لا يرفع الحدث وأنتم تأبونه قلنا‏:‏ قد ذكرنا أن محصلها لا تقربوها جنبا حتى تغتسلوا إلا عابري سبيل فاقربوها بلا اغتسال بالتيمم؛ لا أن المعنى فاقربوها جنبا بلا اغتسال بالتيمم، فالرفع وعدمه مسكوت عنه، ثم استفيد كونه رافعا من خارج على ما قدمناه في باب التيمم‏.‏ ويدل للمذهب أيضا ما أخرجه الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «يا علي لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك» وقال حديث حسن غريب ثم ذكر عن علي بن المنذر قلت لضرار بن صرد ما معناه قال لا يحل لأحد يستطرقه جنبا غيري وغيرك نعم تعقب تحسين الترمذي بأن في إسناده سالم بن أبي حفصة وعطية العوفي وهما ضعيفان شيعيان متهمان لكن قال الحافظ سراج الدين الشهير بابن الملقن ورواه البزار من حديث سعد بن أبي وقاص والطبراني في أكبر معاجمه من حديث أم أبي سلمة ا هـ‏.‏ وقال الحافظ بن حجر، وقد ذكر البزار في مسنده أن حديث‏:‏ «سدوا كل باب في المسجد إلا باب علي» جاء من روايات أهل الكوفة وأهل المدينة يروون إلا باب أبي بكر قال‏:‏ فإن ثبتت رواية أهل الكوفة فالمراد بها هذا المعنى، فذكر حديث أبي سعيد الذي ذكرناه ثم قال يعني البزار على أن روايات أهل الكوفة جاءت من وجوه بأسانيد حسان‏.‏ وأخرج القاضي إسماعيل المالكي في أحكام القرآن عن المطلب هو ابن عبد الله بن حنطب «أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن أذن لأحد أن يمر في المسجد ولا يجلس فيه وهو جنب إلا علي بن أبي طالب» لأن بيته كان في المسجد قال الحافظ ابن حجر وهو مرسل قوي ا هـ‏.‏ فقد منعهم من الاجتياز والقعود ولم يستثن منهم غير علي خصوصية له كما خص الزبير بإباحة لبس الحرير لما شكا من أذى القمل وخص غيره بغير ذلك وما ينطق عن الهوى، وقد صرح بهذا في خصوص ما نحن فيه فقد أخرج غير واحد من الحفاظ منهم الحاكم وقال صحيح الإسناد عن زيد بن أرقم قال «كان لنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبواب شارعة في المسجد قال فقال يوما سدوا هذه الأبواب إلا باب علي قال فتكلم في ذلك أناس قال فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه قال‏:‏ أما بعد فإني أمرت بسد هذه الأبواب غير باب علي فقال فيه قائلكم وإني والله ما سددت شيئا ولا فتحته ولكني أمرت بشيء فاتبعته»‏.‏

واعلم أن في تتمة الفتاوى الصغرى ويستوي في المنع المكث أو عبور آل محمد صلى الله عليه وسلم وغيره خلاف ما قاله أهل الشيعة إنه رخص لآل محمد صلى الله عليه وسلم الدخول في المسجد لمكث أو عبور، وإن كان جنبا لما روي‏:‏ «أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لعلي وأهل بيته أن يمكثوا في المسجد وإن كانوا جنبا، وكذا رخص لهم لبس الحرير» إلا أن هذا حديث شاذ لا نأخذ به ا هـ‏.‏ قال ابن أمير حاج والظاهر أن ما ذكره الشيعة لأهل علي في دخول المسجد ولبس الحرير اختلاق منهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما الحكم بالشذوذ على الترخيص لعلي في دخول المسجد جنبا ففيه نظر نعم قضى ابن الجوزي في موضوعاته على حديث‏:‏ «سدوا الأبواب التي في المسجد إلا باب علي» بأنه باطل لا يصح وهو من وضع الرافضة، وقد دفع ذلك شيخنا الحافظ ابن حجر في القول المسدد في الذب عن مسند أحمد وأفاد أنه جاء من طرق متظافرة من روايات الثقات تدل على أن الحديث صحيح منها ما ذكرنا آنفا وبين عدم معارضته لحديث الصحيحين‏:‏ «سدوا الأبواب الشارعة في المسجد إلا خوخة أبي بكر» فليراجع ذلك من رام الوقوف عليه‏.‏ ا هـ‏.‏ وقد علم أن دخوله صلى الله عليه وسلم المسجد جنبا ومكثه فيه من خواصه وذكره النووي وقواه وفي منية المصلي، وإن احتلم في المسجد تيمم للخروج إذا لم يخف، وإن خاف يجلس مع التيمم ولا يصلي ولا يقرأ ا هـ‏.‏ وصرح في الذخيرة أن هذا التيمم مستحب وظاهر ما قدمناه في التيمم عن المحيط أنه واجب، ثم الظاهر أن المراد بالخوف الخوف من لحوق ضرر به بدنا أو مالا كأن يكون ليلا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والطواف‏)‏ أي ويمنع الحيض الطواف بالبيت وكذا الجنابة لما في الصحيحين‏:‏ «أنه عليه الصلاة والسلام قال لعائشة رضي الله عنها لما حاضت بسرف اقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي» فكان طوافها حراما ولو فعلته كانت عاصية معاقبة وتتحلل به من إحرامها بطواف الزيارة وعليها بدنة كطواف الجنب كما سيأتي في محله إن شاء الله تعالى، وعلل للمنع صاحب الهداية بأن الطواف في المسجد وكان الأولى عدم الاقتصار على هذا التعليل فإن حرمة الطواف جنبا ليس منظورا فيه إلى دخول المسجد بالذات بل لأن الطهارة واجبة في الطواف فلو لم يكن ثمة مسجد حرم عليها الطواف، كذا في فتح القدير وغيره‏.‏ وقد يقال‏:‏ إن حرمة الطواف عليها إنما هي لأجل كونه في المسجد، وأما إذا لم يكن الطواف في المسجد بل خارجه فإنه مكروه كراهة تحريم لما عرف من أن الطهارة له واجبة على الصحيح فتركها يوجب كراهة التحريم ولا يوجب التحريم إلا ترك الفرض ولو حاضت بعدما دخلت وجب عليها أن لا تطوف وحرم مكثها كما صرحوا به‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وقربان ما تحت الإزار‏)‏ أي ويمنع الحيض قربان زوجها ما تحت إزارها، أما حرمة وطئها عليه فمجمع عليها لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تقربوهن حتى يطهرن‏}‏ ووطؤها في الفرج عالما بالحرمة عامدا مختارا كبيرة لا جاهلا ولا ناسيا ولا مكرها فليس عليه إلا التوبة والاستغفار وهل يجب التعزير أم لا، ويستحب أن يتصدق بدينار أو نصفه وقيل بدينار إن كان أول الحيض ونصفه أن وطئ في آخره كأن قائله رأى أن لا معنى للتخيير بين القليل والكثير في النوع الواحد ومصرفه مصرف الزكاة كما في السراج الوهاج وقيل‏:‏ إن كان الدم أسود يتصدق بدينار، وإن كان أصفر فبنصف دينار، ويدل له ما رواه أبو داود والحاكم وصححه «إذا واقع الرجل أهله وهي حائض إن كان دما أحمر فليتصدق بدينار، وإن كان أصفر فليتصدق بنصف دينار» وفي السراج الوهاج وإذا أخبرته بالحيض قال بعضهم‏:‏ إن كانت فاسقة لا يقبل قولها، وإن كانت عفيفة يقبل قولها وترك وطأها‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ إن كان صدقها ممكنا بأن كانت في أوان حيضها قبلت ولو كانت فاسقة كما في العدة وهذا القول أحوط وأقرب إلى الورع‏.‏ ا هـ‏.‏ فعلم من هذا أنها إذا كانت فاسقة ولم يغلب على ظنه صدقها بأن كانت في غير أوان حيضها لا يقبل قولها اتفاقا كما قالوا في إخبار الفاسق أنه يشترط لوجوب العمل به أن يغلب على الظن صدقه، وبهذا علم أن ما في فتح القدير من أن الحرمة تثبت بإخبارها وإن كذبها ليس على إطلاقه بل إذا كانت عفيفة أو غلب على الظن صدقها بخلاف من علق به طلاقها فأخبرته به فإنه يقع الطلاق عليه وإن كذبها مطلقا لتقصيره في تعليقه بما لا يعرف إلا من جهتها وهذا إذا وطئها غير مستحل، فإن كان مستحلا له فقد جزم صاحب المبسوط والاختيار وفتح القدير وغيرهم بكفره وذكره القاضي الإسبيجابي بصيغة وقيل وصحح أنه لا يكفر صاحب الخلاصة ويوافقه ما نقله أيضا من الفصل الثاني في ألفاظ الكفر من اعتقد الحرام حلالا أو على القلب يكفر إذا كان حراما لعينه وثبتت حرمته بدليل مقطوع به، أما إذا كان حراما لغيره بدليل مقطوع به أو حراما لعينه بأخبار الآحاد لا يكفر إذا اعتقده حلالا ا هـ‏.‏ فعلى هذا لا يفتى بتكفير مستحله لما في الخلاصة أن المسألة إذا كان فيها وجوه توجب التكفير ووجه واحد يمنع فعلى المفتي أن يميل إلى ذلك الوجه‏.‏ ا هـ‏.‏ وأما الاستمتاع بها بغير الجماع فمذهب أبي حنيفة وأبي يوسف والشافعي ومالك يحرم عليه ما بين السرة والركبة وهو المراد بما تحت الإزار، كذا في فتح القدير وفي المحيط وفتاوى الولوالجي وتفسير الإزار على قولهما قال بعضهم الإزار المعروف ويستمتع بما فوق السرة ولا يستمتع بما تحتها وقال بعضهم هو الاستتار فإذا استترت حل له الاستمتاع‏.‏ ا هـ‏.‏ والظاهر ما اقتصر عليه في فتح القدير‏.‏ وقال محمد بن الحسن وأحمد لا يحرم ما سوى الفرج واختاره من المالكية أصبغ ومن الشافعية النووي لما أخرج الجماعة إلا البخاري‏:‏ «أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيوت؛ فسألت الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله تعالى‏:‏ ‏{‏ويسألونك عن المحيض‏}‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم اصنعوا كل شيء إلا النكاح» وفي رواية‏:‏ «إلا الجماع»‏.‏ وللجماعة ما عن عبد الله بن سعد «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحل لي من امرأتي وهي حائض فقال لك ما فوق الإزار» رواه أبو داود وسكت عليه فهو حجة وإذن فالترجيح له؛ لأنه مانع وذلك مبيح ولخبر «من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه»، وأما ترجيح السروجي قول محمد بأن دليله منطوق ودليلنا مفهوم والمنطوق أقوى فكان مقدما فغير صحيح، أما الأول فلأنه لا يلزم أن يكون دليلنا مفهوما بل يحتمل أن يكون منطوقا فإن السائل سأل عن جميع ما يحل له من امرأته الحائض فقوله لك ما فوق الإزار معناه جميع ما يحل لك ما فوق الإزار ليطابق الجواب السؤال، وأما ثانيا فلأنه لو سلم أنه مفهوم كان هذا المفهوم أقوى من المنطوق؛ لأنه يدل على المفهوم بطريق اللزوم لوجوب مطابقة جوابه عليه السلام لسؤال السائل ولو كان هذا المفهوم غير مراد لم يطابق فكان ثبوته واجبا من اللفظ على وجه لا يقبل تخصيصا ولا تبديلا لهذا العارض والمنطوق من حيث هو منطوق يقبل ذلك فلم يصح الترجيح في خصوص المادة بالمنطوقية ولا المرجوحية بالمفهومية، وقد كان فعله صلى الله عليه وسلم على ذلك «فكان لا يباشر إحداهن وهي حائض حتى يأمرها أن تأتزر» متفق عليه‏.‏ وأما قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تقربوهن حتى يطهرن‏}‏ فإن كان نهيا عن الجماع عينا فلا يمتنع أن نثبت حرمة أخرى في محل آخر بالسنة، وإياك أن تظن أن هذه من الزيادة على النص بخبر الواحد؛ لأنها تقيد مطلق النص فتكون معارضة له في بعض متناولاته وما أثبتته السنة فيما نحن فيه شرع ما لم يتعرض له النص القرآني فلم يكن من باب الزيادة، وإن كان نهيا عما هو أعم من الجماع من أفراد المنهي عنه لتناوله حرمة الاستمتاع بها أعني من الجماع وغيره من الاستمتاعات، ثم يظهر تخصيص بعضها بالحديث المفيد لحل ما سوى ما بين السرة والركبة فيبقى ما بينهما داخلا في عموم النهي عن قربانه، وإن لم يحتج إلى هذا الاعتبار في ثبوت المطلوب لما بينا، كذا في فتح القدير مع بعض اختصار‏.‏ واعلم أنه كما يحرم عليه الاستمتاع بما بين السرة والركبة يحرم عليها التمكين منه ولم أر لهم صريحا حكم مباشرتها له ولقائل أن يمنعه؛ لأنه لما حرم تمكينها من استمتاعه بها حرم فعلها بالأولى ولقائل أن يجوزه؛ لأن حرمته عليه لكونها حائضا وهو مفقود في حقه فحل لها الاستمتاع به ولأن غاية مسها لذكره أنه استمتاع بكفها وهو جائز قطعا‏.‏

تنبيهات تتعلق بلفظ الاستمتاع

وقع في بعض العبارات لفظ الاستمتاع وهو يشمل النظر واللمس بشهوة ووقع في عبارة كثير لفظ المباشرة والقربان ومقتضاها تحريم اللمس بلا شهوة فبينهما عموم وخصوص من وجه والذي يظهر أن التحريم منوط بالمباشرة ولو بلا شهوة بخلاف النظر ولو بشهوة وليس هو أعظم من تقبيلها في وجهها بشهوة كما لا يخفى، وقد علم من عباراتهم أن يجوز الاستمتاع بالسرة وما فوقها وبالركبة وما تحتها والمحرم الاستمتاع بما بينهما وهي أحسن من عبارة بعضهم يستمتع بما فوق السرة وما تحت الركبة كما لا يخفى فيجوز له الاستمتاع فيما عدا ما ذكر بوطء وغيره ولو بلا حائل وكذا بما بينهما بحائل بغير الوطء ولو تلطخ دما، ولا يكره طبخها ولا استعمال ما مسته من عجين أو ماء أو غيرهما إلا إذا توضأت بقصد القربة كما هو المستحب على ما قدمناه فإنه يصير مستعملا وفي فتاوى الولوالجي ولا ينبغي أن يعزل عن فراشها؛ لأن ذلك يشبه فعل اليهود وفي التجنيس وغيره امرأة تحيض من دبرها لا تدع الصلاة؛ لأن هذا ليس بحيض ويستحب أن تغتسل عند انقطاع الدم، وإن أمسك زوجها عن الإتيان كان أحب إلي لمكان الصورة وهو الدم من الفرج‏.‏ ا هـ‏.‏ وقد قدمناه عن الخلاصة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وقراءة القرآن‏)‏ أي يمنع الحيض قراءة القرآن وكذا الجنابة لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن» رواه الترمذي وابن ماجه وحسنه المنذري وصححه النووي وقال إنه يقرأ بالرفع على النفي وهو محمول عن النهي كي لا يلزم الخلف في الوعد وبكسر الهمز لالتقاء الساكنين على النهي وهما صحيحان‏.‏ وعن علي رضي الله عنه قال‏:‏ «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئنا القرآن على كل حال ما لم يكن جنبا» رواه أبو داود والترمذي وقال إنه حسن صحيح ثم كل من الحديثين يصلح مخصصا لحديث مسلم عن عائشة‏:‏ «أنه صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه» بعد القول بتناول الذكر قراءة القرآن وبقولنا قال أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين كما حكاه الترمذي في جامعه وشمل إطلاقه الآية وما دونها وهو قول الكرخي وصححه صاحب الهداية في التجنيس وقاضي خان في شرح الجامع الصغير والولوالجي في فتاويه ومشى عليه المصنف في المستصفى وقواه في الكافي ونسبه صاحب البدائع إلى عامة المشايخ وصححه معللا بأن الأحاديث لم تفصل بين القليل والكثير لكن ذكر أن القراءة مكروهة وفي كثير من الكتب أنها حرام، وفي رواية الطحاوي يباح لهما ما دون الآية وصححه الخلاصة في الفصل الحادي عشر في القراءة ومشى عليه فخر الإسلام في شرح الجامع الصغير ونسبه الزاهدي إلى الأكثر ووجهه صاحب المحيط بأن النظم والمعنى يقصر فيما دون الآية ويجري مثله في محاورات الناس وكلامهم فتمكنت فيه شبهة عدم القرآن ولهذا لا تجوز الصلاة به‏.‏ ا هـ‏.‏ فحاصله أن التصحيح قد اختلف فيما دون الآية والذي ينبغي ترجيح القول بالمنع لما علمت من أن الأحاديث لم تفصل والتعليل في مقابلة النص مردود؛ لأن شيئا كما في الكافي نكرة في سياق النفي فتعم وما دون الآية قرآن فيمتنع كالآية مع أنه قد أجيب أيضا بالأخذ بالاحتياط فيهما وهو عدم الجواز في الصلاة والمنع للجنب ومن بمعناه، ويؤيده ما رواه الدارقطني عن علي رضي الله عنه قال اقرءوا القرآن ما لم يصب أحدكم جنابة، فإن أصابه فلا ولا حرفا واحدا ثم قال‏:‏ وهو الصحيح عن علي وهذا كله إذا قرأ على قصد أنه قرآن، أما إذا قرأه على قصد الثناء أو افتتاح أمر لا يمنع في أصح الروايات وفي التسمية اتفاق أنه لا يمنع إذا كان على قصد الثناء أو افتتاح أمر كذا في الخلاصة وفي العيون لأبي الليث ولو أنه قرأ الفاتحة على سبيل الدعاء أو شيئا من الآيات التي فيها معنى الدعاء ولم يرد به القراءة فلا بأس به ا هـ‏.‏ واختاره الحلواني وذكر في غاية البيان أنه المختار لكن قال الهندواني لا أفتي بهذا، وإن روي عن أبي حنيفة ا هـ‏.‏ وهو الظاهر في مثل الفاتحة فإن المباح إنما هو ليس بقرآن وهذا قرآن حقيقة وحكما لفظا ومعنى وكيف لا وهو معجز يقع به التحدي عند المعارضة والعجز عن الإتيان بمثله مقطوع به وتغيير المشروع في مثله بالقصد المجرد مردود على فاعله بخلاف نحو الحمد لله بنية الثناء؛ لأن الخصوصية القرآنية فيه غير لازمة وإلا لانتفى جواز التلفظ بشيء من الكلمات العربية لاشتمالها على الحروف الواقعة في القرآن وليس الأمر كذلك إجماعا بخلاف نحو الفاتحة فإن الخصوصية القرآنية فيه لازمة قطعا وليس في قدرة المتكلم إسقاطها عنه مع ما هو عليه من النظم الخاص كما هو في المفروض، وقد انكشف بهذا ما في الخلاصة من عدم حرمة ما يجري على اللسان عند الكلام من آية قصيرة من نحو ثم نظر أو لم يولد، ثم اعلم أنهم قالوا هنا وفي باب ما يفسد الصلاة إن القرآن يتغير بعزيمته فأورد الإمام الخاصي كما نقله عنه السراج الهندي في التوشيح بأن العزيمة لو كانت مغيرة للقراءة لكان ينبغي أنه إذا قرأ الفاتحة في الأوليين بنية الدعاء لا تكون مجزئة، وقد نصوا على أنها مجزئة‏.‏ وأجاب بأنها إذا كانت في محلها لا تتغير بالعزيمة حتى لو لم يقرأ في الأوليين فقرأ في الأخريين بنية الدعاء لا يجزئه‏.‏ ا هـ‏.‏ والمنقول في التجنيس أنه إذا قرأ في الصلاة فاتحة الكتاب على قصد الثناء جازت صلاته؛ لأنه وجدت القراءة في محلها فلا يتغير حكمها بقصد‏.‏ ا هـ‏.‏ ولم يقيد بالأوليين ولا شك أن الأخريين محل القراءة المفروضة فإن القراءة فرض في ركعتين غير عين، وإن كان تعيينها في الأوليين واجبا وذكر في القنية خلافا فيما إذا قرأ الفاتحة على قصد الدعاء فرقم لشرح شمس الأئمة الحلواني أنها لا تنوب عن القراءة ا هـ‏.‏ وأما الأذكار فالمنقول إباحتها مطلقا ويدخل فيها اللهم اهدنا إلى آخره، وأما اللهم إنا نستعينك إلى آخره الذي هو دعاء القنوت عندنا فالظاهر من المذهب أنه لا يكره لهما وعليه الفتوى، كذا في الفتاوى الظهيرية وغيرها وعن محمد يكره لشبهة كونه قرآنا لاختلاف الصحابة في كونه قرآنا فلا يقرأه احتياطا قلنا حصل الإجماع القطعي اليقيني على أنه ليس بقرآن ومعه لا شبهة توجب الاحتياط المذكور نعم المذكور في الهداية وغيرها في باب الأذان استحباب الوضوء لذكر الله تعالى وترك المستحب لا يوجب الكراهة وفي الخلاصة ولا ينبغي للحائض والجنب أن يقرأ التوراة والإنجيل كذا روي عن محمد والطحاوي لا يسلم هذه الرواية قال رضي الله عنه وبه يفتى‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي النهاية وغيرها وإذا حاضت المعلمة فينبغي لها أن تعلم الصبيان كلمة كلمة وتقطع بين الكلمتين على قول الكرخي وعلى قول الطحاوي تعلم نصف آية ا هـ‏.‏ وفي التفريع نظر على قول الكرخي فإنه قائل باستواء الآية وما دونها في المنع إذا كان ذلك بقصد قراءة القرآن وما دون الآية صادق على الكلمة، وإن حمل على التعليم دون قصد القرآن فلا يتقيد بالكلمة ثم في كثير من الكتب التقييد بالحائض المعلمة معللا بالضرورة مع امتداد الحيض، وظاهره عدم الجواز للجنب لكن في الخلاصة واختلف المتأخرون في تعليم الحائض والجنب والأصح أنه لا بأس به إن كان يلقن كلمة كلمة ولم يكن من قصده أن يقرأ آية تامة‏.‏ ا هـ‏.‏ والأولى ولم يكن من قصده قراءة القرآن كما لا يخفى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومسه إلا بغلافه‏)‏ أي تمنع الحائض مس القرآن لما روى الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد عن «حكيم بن حزام قال لما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر» واستدلوا له أيضا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا يمسه إلا المطهرون‏}‏ فظاهر ما في الكشاف صحة الاستدلال به هنا إن جعلت الجملة صفة للقرآن، ولفظه‏:‏ في كتاب مكنون مصون عن غير المقربين من الملائكة لا يطلع عليه من سواهم وهم المطهرون من جميع الأدناس أدناس الذنوب وما سواها إن جعلت الجملة صفة لكتاب مكنون وهو اللوح، وإن جعلتها صفة للقرآن فالمعنى لا ينبغي أن يمسه إلا من هو على الطهارة من الناس يعني مس المكتوب منه‏.‏ ا هـ‏.‏ لكن الإمام الطيبي في حاشيته ذكر صحة الاستدلال به على الوجه الأول أيضا فقال فالمعنى على الوجه الأول أن هذا الكتاب كريم على الله تعالى ومن كرمه أنه أثبته عنده في اللوح المحفوظ وعظم شأنه بأن حكم بأنه لا يمسه إلا الملائكة المقربون وصانه عن غير المقربين فيجب أن يكون حكمه عند الناس كذلك بناء على أن ترتب الحكم على الوصف المناسب مشعر بالعلية؛ لأن سياق الكلام لتعظيم شأن القرآن وعن الدارمي عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «القرآن أحب إلى الله تعالى من السموات والأرض ومن فيهن»‏.‏ ا هـ‏.‏ وذكر أنه على الوجه الثاني إخبار في معنى الأمر كقوله‏:‏ ‏{‏الزاني لا ينكح إلا زانية‏}‏‏.‏ ا هـ‏.‏ وتعبير المصنف بمس القرآن أولى من تعبير غيره بمس المصحف لشمول كلامه ما إذا مس لوحا مكتوبا عليه آية، وكذا الدرهم والحائط وتقييده بالسورة في الهداية اتفاقي بل المراد الآية لكن لا يجوز مس المصحف كله المكتوب وغيره بخلاف غيره فإنه لا يمنع إلا مس المكتوب كذا ذكره في السراج الوهاج مع أن في الأول اختلافا فقال في غاية البيان، وقال بعض مشايخنا المعتبر حقيقة المكتوب حتى إن مس الجلد ومس مواضع البياض لا يكره؛ لأنه لم يمس القرآن وهذا أقرب إلى القياس والمنع أقرب إلى التعظيم ا هـ‏.‏ وفي تفسير الغلاف اختلاف فقيل الجلد المشرز وفي غاية البيان مصحف مشرز أجزاؤه مشدود بعضها إلى بعض من الشيرازة وليست بعربية وفي الكافي والغلاف الجلد الذي عليه في الأصح وقيل هو المنفصل كالخريطة ونحوها والمتصل بالمصحف منه حتى يدخل في بيعه بلا ذكر‏.‏ ا هـ‏.‏ وصحح هذا القول في الهداية وكثير من الكتب وزاد في السراج الوهاج إن عليه الفتوى، وقد تقدم أنه أقرب إلى التعظيم، والخلاف في الغلاف المشرز جار في الكم ففي المحيط لا يكره مسه بالكم عند الجمهور واختاره المصنف في الكافي وعلله بأن المس محرم وهو اسم للمباشرة باليد بلا حائل ا هـ‏.‏ وفي الهداية ويكره مسه بالكم هو الصحيح؛ لأنه تابع له ا هـ‏.‏ وفي الخلاصة من فصل القرآن وكرهه عامة مشايخنا ا هـ‏.‏ فهو معارض لما في المحيط فكان هو الأولى وفي فتح القدير والمراد بالكراهة كراهة التحريم ولهذا عبر بنفي الجواز في الفتاوى وقال لي بعض الإخوان هل يجوز مس المصحف بمنديل هو لابسه على عنقه قلت لا أعلم فيه منقولا، والذي يظهر أنه إن كان بطرفه وهو يتحرك بحركته ينبغي أن لا يجوز، وإن كان لا يتحرك بحركته ينبغي أن يجوز لاعتبارهم إياه في الأول تابعا له كبدنه دون الثاني قالوا فيمن صلى وعليه عمامة بطرفها نجاسة مانعة إن كان ألقاه وهو يتحرك لا يجوز وإلا يجوز اعتبارا له على ما ذكرنا‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الهداية بخلاف كتب الشريعة حيث يرخص لأهلها في مسها بالكم؛ لأن فيه ضرورة‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي فتح القدير أنه يقتضي أنه لا يرخص بلا كم قالوا‏:‏ يكره مس كتب التفسير والفقه والسنن؛ لأنها لا تخلو عن آيات القرآن وهذا التعليل يمنع مس شروح النحو أيضا ا هـ‏.‏ وفي الخلاصة يكره مس كتب الأحاديث والفقه للمحدث عندهما وعند أبي حنيفة الأصح أنه لا يكره ذكره من كتاب الصلاة في فضل القراءة خارج الصلاة وفي شرح الدرر والغرر ورخص المس باليد في الكتب الشرعية إلا التفسير ذكره في مجمع الفتاوى وغيره‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي السراج الوهاج معزيا إلى الحواشي المستحب أن لا يأخذ كتب الشريعة بالكم أيضا بل يجدد الوضوء كلما أحدث وهذا أقرب إلى التعظيم قال الحلواني إنما نلت هذا العلم بالتعظيم فإني ما أخذت الكاغد إلا بطهارة والإمام السرخسي كان مبطونا في ليلة وكان يكرر درس كتابه فتوضأ في تلك الليلة سبع عشرة مرة‏.‏

‏(‏فروع‏)‏

من التعظيم أن لا يمد رجله إلى الكتاب وفي التجنيس المصحف إذا صار كهنا أي عتيقا وصار بحال لا يقرأ فيه وخاف أن يضيع يجعل في خرقة طاهرة ويدفن؛ لأن المسلم إذا مات يدفن فالمصحف إذا صار كذلك كان دفنه أفضل من وضعه موضعا يخاف أن تقع عليه النجاسة أو نحو ذلك والنصراني إذا تعلم القرآن يعلم والفقه كذلك؛ لأنه عسى يهتدي لكن لا يمس المصحف، وإذا اغتسل ثم مس لا بأس به في قول محمد وعندهما يمنع من مس المصحف مطلقا، ولو كان القرآن مكتوبا بالفارسية يحرم على الجنب والحائض مسه بالإجماع وهو الصحيح، أما عند أبي حنيفة فظاهر وكذلك عندهما؛ لأنه قرآن عندهما حتى يتعلق به جواز الصلاة في حق من لا يحسن العربية ا هـ‏.‏ ذكره في كتاب الصلاة وفي القنية اللغة والنحو نوع واحد فيوضع بعضها فوق بعض، والتعبير فوقهما والكلام فوق ذلك والفقه فوق ذلك والأخبار والمواعظ والدعوات المروية فوق ذلك والتفسير فوق ذلك والتفسير الذي فيه آيات مكتوبة فوق كتب القراءة، بساط أو غيره كتب عليه الملك لله يكره بسطه واستعماله إلا إذا علق للزينة ينبغي أن لا يكره، وينبغي أن لا يكره كلام الناس مطلقا وقيل يكره حتى الحروف المفردة ورأى بعض الأئمة شبانا يرمون إلى هدف كتب فيه أبو جهل لعنه الله فنهاهم عنه، ثم مر بهم وقد قطعوا الحروف فنهاهم أيضا وقال إنما نهيتكم في الابتداء لأجل الحروف فإذا يكره مجرد الحروف لكن الأول أحسن وأوسع يجوز للمحدث الذي يقرأ القرآن من المصحف تقليب الأوراق بقلم أو عود أو سكين ويجوز أن يقول للصبي احمل إلي هذا المصحف ولا يجوز لف شيء في كاغد فيه مكتوب من الفقه وفي الكلام الأولى أن لا يفعل وفي كتب الطب يجوز ولو كان فيه اسم الله تعالى أو اسم النبي عليه السلام فيجوز محوه ليلف فيه شيء ومحو بعض الكتابة بالريق يجوز، وقد ورد النهي في محو اسم الله تعالى بالبزاق محا لوحا يكتب فيه القرآن واستعمله في أمر الدنيا يجوز حانوت أو تابوت فيه كتب فالأدب أن لا يضع الثياب فوقه، يجوز قربان المرأة في بيت فيه مصحف مستور يجوز رمي براية القلم الجديد ولا يرمي براية القلم المستعمل لاحترامه كحشيش المسجد وكناسته لا تلقى في موضع يخل بالتعظيم ا هـ‏.‏ ذكره في الكراهية وتكره القراءة في المخرج والمغتسل والحمام‏.‏ وعند محمد لا بأس في الحمام؛ لأن الماء المستعمل طاهر عنده ولو كانت رقية في غلاف متجاف لم يكره دخول الخلاء به والاحتراز عن مثله أفضل، كذا في فتح القدير وفي الخلاصة لو كان على خاتمه اسم الله تعالى يجعل الفص إلى باطن الكف ا هـ‏.‏ وفي التوشيح وتكره المسافرة بالقرآن إلى دار الحرب صونا عن وقوعه في أيدي الكفرة واستخفافه وفي السراج الوهاج الدرهم المكتوب عليه آية يكره إذابته إلا إذا كسره فلا بأس به حينئذ وفي غاية البيان معزيا إلى فخر الإسلام، فإن غسل الجنب فمه ليقرأ أو يده ليمس أو غسل المحدث يده ليمس لم يطلق له المس ولا القراءة للجنب هذا هو الصحيح؛ لأن الجنابة والحدث لا يتجزآن وجودا ولا زوالا وفي الخلاصة إنما تكره القراءة في الحمام إذا قرأ جهرا، فإن قرأ في نفسه لا بأس به هو المختار وكذا التحميد والتسبيح وكذا لا يقرأ إذا كانت عورته مكشوفة أو امرأته هناك تغتسل مكشوفة أو في الحمام أحد مكشوف، فإن لم يكن فلا بأس بأن يرفع صوته‏.‏

وقوله ‏(‏ومنع الحدث المس‏)‏ أي مس القرآن ‏(‏ومنعهما‏)‏ أي المس وقراءة القرآن ‏(‏الجنابة والنفاس‏)‏، وقد تقدم بيان أحكام النفاس‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وتوطأ بلا غسل بتصرم لأكثره‏)‏ أي ويحل وطء الحائض إذا انقطع دمها العشرة بمجرد الانقطاع من غير توقف على اغتسالها وقال في المغرب تصرم القتال انقطع وسكن‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولأقله لا حتى تغتسل أو يمضي عليها أدنى وقت صلاة‏)‏‏.‏ اعلم أن هذه المسألة على ثلاثة أوجه؛ لأن الدم إما ينقطع لتمام العشرة أو دونها لتمام العادة أو دونهما ففيما إذا انقطع لتمام العشرة يحل وطؤها بمجرد الانقطاع ويستحب له أن لا يطأها حتى تغتسل، وفيما إذا انقطع لما دون العشرة دون عادتها لا يقربها وإن اغتسلت ما لم تمض عادتها، وفيما إذا انقطع للأقل لتمام عادتها إن اغتسلت أو مضى عليها وقت صلاة حل وإلا لا وكذا النفاس إذا انقطع لما دون الأربعين لتمام عادتها، فإن اغتسلت أو مضى الوقت حل وإلا لا، كذا في المحيط وقال الشافعي لا يجوز وطؤها حتى تغتسل مطلقا عملا بقوله تعالى ‏"‏ حتى يطهرن ‏"‏ بالتشديد أي يغتسلن ونقله الإسبيجابي عن زفر ولنا أن في الآية قراءتين ‏"‏ يطهرن ‏"‏ بالتخفيف ‏"‏ ويطهرن ‏"‏ بالتشديد ومؤدى الأولى انتهاء الحرمة العارضة بالانقطاع مطلقا وإذا انتهت الحرمة العارضة على الحل حلت بالضرورة ومؤدى الثاني عدم انتهائها عنده بل بعد الاغتسال فوجب الجمع ما أمكن فحملنا الأولى على الانقطاع لأكثر المدة والثانية عليه لتمام العادة التي ليست أكثر مدة الحيض وهو المناسب؛ لأن في توقيف قربانها في الانقطاع للأكثر على الغسل إنزالها حائضا حكما وهو مناف لحكم الشرع عليها بوجوب الصلاة المستلزم إنزاله إياها طاهرة قطعا بخلاف تمام العادة، فإن الشرع لم يقطع عليها بالطهر بل يجوز الحيض بعده ولذا لو زادت ولم تجاوز العشرة كان الكل حيضا بالاتفاق، بقي أن مقتضى الثانية ثبوت الحرمة قبل الغسل فرفع الحرمة قبله بخروج الوقت معارضة للنص بالمعنى والجواب أن القراءة الثانية خص منها صورة الانقطاع للعشرة بقراءة التخفيف فجاز أن تخص ثانيا بالمعنى، كذا في فتح القدير وعبارته في التحرير في فصل التعارض وقراءتي التشديد في يطهرن المانعة إلى الغسل والتخفيف إلى الطهر فيحل القربان قبله بالحل الذي انتهت حرمته العارضة بحمل تلك على ما دون الأكثر وهذه عليه وتطهرن بمعنى طهرن؛ لأنه يأتي به كتكبر وتعظم في صفاته تعالى محافظة على حقيقة يطهرن بالتخفيف وكل وإن كان خلاف الظاهر لكن هذا أقرب إذ لا يوجب تأخر حق الزوج بعد القطع بارتفاع المانع‏.‏ ا هـ‏.‏ فقوله وتطهرن بمعنى طهرن إلى آخره جواب سؤال تقديره إن هذا الحمل يرده قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فإذا تطهرن‏}‏ فإنه لم يقرأ إلا بالتشديد‏.‏ واعلم أن المراد بأدنى وقت الصلاة أدناه الواقع آخرا أعني أن تطهر في وقت منه إلى خروجه قدر الاغتسال والتحريم لا أعم من هذا أو من إن تطهرن في أوله ويمضي منه هذا المقدار؛ لأن هذا لا ينزلها طاهرة شرعا كما رأيت بعضهم يغلط فيه، ألا ترى إلى تعليلهم بأن تلك الصلاة صارت دينا في ذمتها وذلك بخروج الوقت ولذا لم يذكر غير واحد لفظة أدنى وعبارة الكافي أو تصير الصلاة دينا في ذمتها بمضي أدنى وقت صلاة بقدر الغسل والتحريمة بأن انقطع في آخر الوقت، كذا في فتح القدير وما قاله حق فقد رأيت أيضا من يغلط فيه، ويؤيده ما في السراج الوهاج من أن الانقطاع إذا كان في أول الوقت فلا يجوز قربانها إلا بعد الاغتسال أو بمضي جميع الوقت، وإذا انقطع في وقت صلاة ناقصة كصلاة الضحى والعيد فإنه لا يجوز وطؤها حتى تغتسل أو يمضي عليها وقت صلاة الظهر‏.‏ ا هـ‏.‏ وإنما عبر بعضهم بالأدنى ولم يقل مضى وقت صلاة نفيا لما قد يتوهم أن مضي الوقت كله والدم منقطع شرط للحل وليس كذلك، ولهذا قال كثير من الشارحين إن هذا محمول على ما إذا كان الانقطاع آخر الوقت، فالحاصل أن الانقطاع إن كان في أول الوقت أو في أثنائه فلا بد للحل من خروج الوقت، وإن كان في آخره فإن بقي منه زمان قدر الغسل والتحريمة وخرج الوقت حل وإلا فلا، وأما الثالث وهو ما إذا كان الانقطاع لما دون العشرة لأقل من العادة فوق الثلاث لم يقربها حتى تمضي عادتها، وإن اغتسلت؛ لأن العود في العادات غالب فكان الاحتياط في الاجتناب، كذا في الهداية وصيغة لم يقربها وكذا التعليل بالاحتياط في الاجتناب يقتضي حرمة الوطء، وقد صرح به في غاية البيان والمنصوص عليه في النهاية والكافي للنسفي كراهة الوطء، فإن أريد بالكراهة التحريم فلا منافاة بين العبارتين وإلا فالمنافاة بينهما ظاهرة وفي النهاية تأخير الغسل إلى آخر الوقت المستحب مستحب فيما إذا انقطع لتمام عادتها وفيما إذا انقطع لأقلها واجب وفي المبسوط إذا انقطع لأقل من عشرة تنتظر إلى آخر الوقت المستحب دون المكروه نص عليه محمد في الأصل قال‏:‏ إذا انقطع في وقت العشاء تؤخر إلى وقت يمكنها أن تغتسل فيه وتصلي قبل انتصاف الليل وما بعد نصف الليل مكروه ا هـ‏.‏ وفي فتح القدير إن حكم الثالث خلاف إنهاء الحرمة بالغسل الثابت بقراءة التشديد فهو مخرج منه بالإجماع‏.‏ ا هـ‏.‏ ويعارضه ما نقله في الغاية عن ابن تيمية أنه ذكر الإجماع على أنها تغتسل وتصلي ولا يحرم وطؤها كما في شرح منظومة ابن وهبان ولعله توهم من قول بعض الحنفية بالكراهة أنها كراهة تنزيه فنقل الإجماع على عدم الحرمة وإلا فلا يصح نقل الإجماع مع خلاف الحنفية كما لا يخفى، وفي التجنيس مسافرة طهرت من الحيض فتيممت ثم وجدت ماء جاز للزوج أن يقربها لكن لا تقرأ القرآن؛ لأنها لما تيممت خرجت من الحيض فلما وجدت الماء فإنما وجب عليها الغسل فصارت كالجنب ا هـ‏.‏ وظاهره أن التيمم من غير صلاة يخرجها من الحيض فيجوز قربانها وليس كذلك فقد قال في المبسوط ولم يذكر يعني الحاكم الشهيد في الكافي ما إذا تيممت ولم تصل فقيل هو على الاختلاف عندهما ليس للزوج أن يقربها وعند محمد له ذلك والأصح أنه ليس له أن يقربها عندهم جميعا؛ لأن محمدا إنما جعل التيمم كالاغتسال فيما هو مبني على الاحتياط وهو قطع الرجعة والاحتياط في الوطء تركه فلم نجعل التيمم فيه قبل تأكده بالصلاة كالاغتسال كما لا يفعله في الحل للأزواج‏.‏ ا هـ‏.‏ فالحاصل أن التيمم لا يوجب حل وطئها وانقطاع الرجعة وحلها للأزواج إلا بالصلاة على الصحيح من المذهب لكن قال القاضي الإسبيجابي في شرح مختصر الطحاوي وأجمعوا أنه يقربها زوجها، وإن لم تصل ولا تتزوج بزوج آخر ما لم تصل وفي انقطاع الرجعة الخلاف، وفي الخلاصة إذا انقطع دم المرأة دون عادتها المعروفة في حيض أو نفاس اغتسلت حين تخاف فوت الصلاة وصلت واجتنب زوجها قربانها احتياطا حتى تأتي على عادتها لكن تصوم رمضان احتياطا، ولو كانت هذه الحيضة هي الثالثة من العدة انقطعت الرجعة احتياطا ولا تتزوج بزوج آخر احتياطا، فإن تزوجها رجل إن لم يعاودها الدم جاز، وإن عاودها إن كان في العشرة ولم يزد على العشرة فسد نكاح الثاني وكذا صاحب الاستبراء يجتنبها احتياطا ا هـ‏.‏ قال في فتح القدير ومفهوم التقييد أنه إذا زاد لا يفسد ومراده إذا كان العود بعد انقضاء العادة، أما قبلها فيفسد وإن زاد؛ لأن الزيادة توجب الرد إلى العادة والفرض أنه عاودها فيها فظهر أن النكاح قبل انقضاء الحيضة‏.‏ واعلم أن مدة الاغتسال معتبرة من الحيض في الانقطاع لأقل من العشرة، وإن كان تمام عادتها بخلاف الانقطاع للعشرة حتى لو طهرت في الأولى والباقي قدر الغسل والتحريمة فعليها قضاء تلك الصلاة ولو طهرت في الثانية يشترط أن يكون الباقي قدر التحريمة فقط وفي المجتبى والصحيح أنه يعتبر مع الغسل لبس الثياب وهكذا جواب صومها إذا طهرت قبل الفجر لكن الأصح أن لا تعتبر التحريمة في حق الصوم ثم قال‏:‏ قال مشايخنا زمان الغسل من الطهر في حق صاحبة العشرة ومن الحيض فيما دونها ولكن ما قالوا في حق القربان وانقطاع الرجعة وجواز التزوج بزوج آخر لا في حق جميع الأحكام، ألا ترى أنها إذا طهرت عقب غيبوبة الشفق ثم اغتسلت عند الفجر الكاذب ثم رأت الدم في الليلة السادسة عشر بعد زوال الشفق فهو طهر تام، وإن لم يتم خمسة عشر من وقت الاغتسال‏.‏ ا هـ‏.‏ وقوله الأصح أن لا يعتبر في الصوم التحريمة ظاهره الاكتفاء بمضي زمان الغسل وفي السراج الوهاج ولو انقطع دمها في بعض ليالي رمضان، فإن وجدت في الليل مقدار ما تغتسل ويبقى ساعة من الليل فإنه يجب عليها قضاء العشاء ويجوز صومها من الغد، وإن بقي من الليل أقل من ذلك لا يجب عليها قضاء العشاء ولا يجوز صومها من الغد، وفي التوشيح إن كانت أيامها دون العشرة لا يجزئها صوم هذا اليوم إذا لم يبق من الوقت قدر الاغتسال والتحريمة؛ لأنه لا يحكم بطهارتها إلا بهذا، وإن بقي مقدار الغسل والتحريمة فإنه يجزئها صومها؛ لأن العشاء صارت دينا عليها وإنه من حكم الطهارات فحكم بطهارتها ضرورة‏.‏ ا هـ‏.‏ وهذا هو الحق فيما يظهر وفي الكافي للحاكم ولو كانت نصرانية تحت مسلم فانقطع عنها الدم فيما دون العشرة وسع الزوج أن يطأها ووسعها أن تتزوج؛ لأنه لا اغتسال عليها لعدم الخطاب وهي مخرجة من حمل قراءة التشديد على ما دون الأكثر كما لا يخفى، فإن أسلمت بعد الانقطاع لا تتغير الأحكام؛ لأنا حكمنا بخروجها من الحيض بنفس الانقطاع فلا يعود بالإسلام بخلاف ما إذا عاودها الدم فرؤية الدم مؤثرة في إثبات الحيض به ابتداء فكذلك يكون مؤثرا في البقاء بخلاف الإسلام، كذا في المبسوط وفي الخلاصة، فإن أدركها الحيض في شيء من الوقت سقطت الصلاة عنها إن افتتحها وأجمعوا أنها إذا طهرت وقد بقي من الوقت قدر ما لا يسع فيه التحريمة لا يلزمها قضاء هذه الصلاة وإذا أدركها الحيض بعد شروعها في التطوع كان عليها قضاء تلك الصلاة إذا طهرت ا هـ‏.‏ وكذا إذا شرعت في صوم التطوع ثم حاضت فإنه يلزمها قضاؤه فلا فرق بين الصلاة والصوم ذكره في فتح القدير من الصوم، وكذا في النهاية وكذا ذكره الإسبيجابي هنا فتبين أن ما في شرح الوقاية من الفرق بينهما غير صحيح‏.‏