فصل: فصل في الأكل والشرب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


كتاب الأضحية

أورده عقب الذبائح لأنها ذبيحة خاصة والذبائح عام، والخاص بعد العام وتعقب بأنهم إن أرادوا أن الخاص بعد العام في الوجود فهو ممنوع لأنه تقرر أن لا وجود للعام إلا في ضمن الخاص، وإن أرادوا في التعقل فهو إنما يكون إذا كان العام ذاتيا للخاص وكان الخاص معقولا كما عرف وكون الأمر كذلك فيما نحن فيه ممنوع ويمكن أن يقال‏:‏ تميز الذاتي من العرضي إنما يتعسر في الحقائق النفسانية، وأما في الأمور الوضعية والاعتبارية كما نحن فيه فكل من اعتبر داخلا في مفهوم شيء يكون ذاتيا له ويكون تصور ذلك الشيء تصورا له بالكلية ولا شك أن معنى الذبح داخل في معنى الأضحية فتوقف تعقلها على تعقل معنى الذبح فيتم التعريف على اختيار الشق الثاني وهو في اللغة كما في النهاية شاة نحرها تذبح في يوم الأضحية ولا يخالفه ما في القاموس والصحاح من أنها شاة من غير لفظ نحرها لأن لفظ النحر مراد بدليل الأضحية وتجمع على أضاحي بالتشديد، ويقال ضحية وضحايا كهدية وهدايا ويقال أضحاة وتجمع على أضحى وعند الفقهاء كما في النهاية اسم لحيوان مخصوص وهي الشاة فصاعدا من هذه الأنواع الأربعة والجذع من الضأن تذبح بنية القربة في يوم مخصوص‏.‏ ا هـ‏.‏ ولها شرائط وجوب وشرائط أداء وصفة فالأول كونه مقيما موسرا من أهل الأمصار والقرى والبوادي والإسلام شرط، وأما البلوغ والعقل فليسا بشرط حتى لو كان للصغير والمجنون مال فإنه يضحي عنه أبوه وأما شرائط أدائها فمنها الوقت في حق المصري بعد صلاة الإمام والمعتبر مكان الأضحية لا مكان المضحي وسببها طلوع فجر يوم النحر وركنها ذبح ما يجوز ذبحه وسيأتي الكلام في صفتها‏.‏ واعلم أن القربة المالية نوعان نوع بطريق التمليك كالصدقات ونوع بطريق الإتلاف كالإعتاق والأضحية، وفي الأضحية اجتمع المعنيان فإنه يتقرب بإراقة الدم وهو إتلاف، ثم بالتصدق باللحم فيكون تمليكا ا هـ‏.‏ قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏تجب على حر مسلم موسر مقيم عن نفسه لا عن طفله شاة، أو سبع بدنة فجر يوم النحر إلى آخر أيامه‏)‏ يعني صفتها أنها واجبة وعن أبي يوسف أنها سنة وذكر الطحاوي أنها سنة على قول أبي يوسف ومحمد وهو قول الشافعي لهم قوله‏:‏ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره» رواه مسلم وجماعة أخرى والتعليق بالإرادة ينافي الوجوب ولأنها لو كانت واجبة على المقيم لوجبت على المسافر كالزكاة وصدقة الفطر لأنهما لا يختلفان بالعبادة المالية ودليل الوجوب قوله‏:‏ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من وجد سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا» رواه أحمد وابن ماجه ومثل هذا الوعيد لا يلحق بترك غير الواجب ولأنه عليه الصلاة والسلام أمر بإعادتها من قوله‏:‏ «من ضحى قبل الصلاة فليعد الأضحية»، وإنما لا تجب على المسافر لأن أداءها مختص بأسباب تشق على المسافر وتفوت بمضي الوقت فلا يجب عليه شيء لدفع الحرج عنه كالجمعة بخلاف الزكاة وصدقة الفطر لأنهما لا يفوتان بمضي الزمان فلا يخرج، وأما العتيرة فذبيحة تذبح في رجب يتقرب بها أهل الجاهلية والإسلام في الصدر الأول، ثم نسخ في الإسلام‏.‏ كذا في الأصل، وفي المحيط ولو اشترى الفقير شاة فضحى بها، ثم أيسر في آخر أيام النحر قيل عليه أن يعيدها وقيل لا ولو افتقر في أيام النحر سقطت عنه وكذا لو مات ولو بعدها لم تسقط كذا في المحيط قيد بالحر لأنها عبادة مالية فلا تجب على العبد لأنه لا يملك ولو ملك‏.‏ وبالإسلام لأنها عبادة والكافر ليس بأهل لها، و باليسار لأنها لا تجب إلا على القادر وهو الغني دون الفقير ومقداره مقدار ما تجب فيه صدقة الفطر وقد مر بيانه قال في العناية أخذا من النهاية وهي واجبة بالقدرة الممكنة بدليل أن الموسر إذا اشترى شاة للأضحية في أول يوم النحر ولم يضح حتى مضت أيام النحر ثم افتقر كان عليه أن يتصدق بعينها، أو بقيمتها ولا تسقط عنه الأضحية فلو كانت بالقدرة الميسرة لكان دوامها شرطا كما في الزكاة والعشر والخراج حيث يسقط بهلاك النصاب والخارج، واصطلام الزرع آفة لا يقال أدنى ما يتمكن به المرء من إقامتها تملك قيمة ما يصلح للأضحية ولم تجب إلا بملك النصاب فدل أن وجوبها بالقدرة الميسرة لأن اشتراط النصاب لا ينافي وجوبها بالممكنة كما في صدقة الفطر وهذا لأنها وظيفة مالية نظرا إلى شرطها وهو الحرية فيشترط فيها الغنى كما في صدقة الفطر لا يقال لو كان كذلك لوجب التمليك وليس كذلك لأن القربة المالية قد تحصل بالإتلاف كالإعتاق والمضحي إذا تصدق باللحم فقد حصل النوعان أعني التمليك والإتلاف بإراقة الدم، وإن لم يتصدق حصل الأخير‏.‏ إلى هنا لفظ العناية، وفي المحيط لو زكى نصابه، ثم مر عليه أيام النحر ونصابه ناقص عليه الأضحية ولا يعد فقيرا بأداء الزكاة في هذه السنة لأن قدر المؤدى يعد قائما شرعا ولو انتقص في أيام النحر بغير الزكاة سقطت عنه الأضحية لأن المؤدى لا يعد قائما حكما فيعد فقيرا وقوله‏:‏ عن نفسه لأنه أصل في الوجوب عليه وقوله‏:‏ لا عن طفله يعني لا يجب عليه عن أولاده الصغار لأنها عبادة محضة بخلاف صدقة الفطر والأول ظاهر الرواية، وإن كان للصغير مال يضحي عنه أبوه من ماله، أو وصيه من ماله عند أبي حنيفة وقال محمد وزفر والشافعي رحمهم الله تعالى من مال الأب لأن الإراقة إتلاف، والأب لا يملكه في مال الصغير كالإعتاق والأصح أنه يضحي من ماله ويأكل منه ما أمكن ويبتاع بما بقي ما ينتفع بعينه كذا ذكره صاحب الهداية، وفي الكافي الأصح أنه لا يجب ذلك وليس للأب أن يفعله من مال الصغير‏.‏ وقوله ‏"‏ شاة، أو سبع بدنة ‏"‏ بيان للقدر الواجب والقياس أن لا يجوز إلا البدنة كلها إلا عن واحد لأن الإراقة قربة لا تتجزأ إلا أنا تركناه بالأثر وهو ما روي عن جابر رضي الله تعالى عنه قال «نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم البقرة عن سبعة والبدنة عن سبعة» ولا نص في الشاة فبقي على أصل القياس وتجوز عن ستة، أو خمسة، أو أربعة، أو ثلاثة ذكره في الأصل لأنه لما جاز عن سبعة فما دونها أولى، ولا يجوز عن ثمانية لعدم النقل فيه وكذا إذا كان نصيب أحدهم أقل من سبع بدنة لا يجوز عن الكل لأنه بعضه إذا خرج عن كونه قربة خرج كله ويجوز عن اثنين نصفا في الأصح، وإذا جاز عن الشركة يقسم اللحم بالوزن لأنه موزون، وإذا قسموا جزافا لا يجوز إلا إذا كان معه شيء آخر من الأكارع والجلد كالبيع لأن القسمة فيها معنى المبادلة ولو اشترى بقرة يريد أن يضحي، ثم اشترك فيها معه ستة أجزأه استحسانا والقياس لا يجزئ وهو قول زفر لأنه أعدها قربة فيمتنع بيعها، وجه الاستحسان أنه قد يجد بقرة سمينة وقد لا يظفر بالشركاء وقت الشراء فيشتريها، ثم يطلب الشركاء ولو لم يجز ذلك لحرجوا وهو مدفوع شرعا والأحسن أن يفعل ذلك قبل الشراء وعن الإمام مثل قول زفر قال القدوري الواجب على مراتب بعضها آكد من بعض، ووجوب سجدة التلاوة آكد من وجوب صدقة الفطر وصدقة الفطر وجوبها آكد من وجوب الأضحية،‏.‏ وفي الخانية‏:‏ الموسر في ظاهر الرواية من له مائتا درهم، أو عشرون دينارا أو ما بلغ ذلك سوى سكنه ومتاعه ومركبه وخادمه الذي في حاجته، وفي الأصل ولو جاء يوم الأضحية ولا مال ثم استفاد مائتي درهم ولا دين عليه فعليه الأضحية ولو كان له عقار ملك قيمة العقار مائة درهم والزعفراني والفقيه على الرازي اعتبرا القيمة وأوجبا الأضحية ولو كان له أرض يدخل عليه منها قوت السنة فعليه الأضحية حيث كان القوت يكفيه ويكفي عياله، وإن كان لا يكفيه فهو معسر، وإن كان العقار وقفا ينظر إن وجب له في أيام النحر قدر مائتي درهم فعليه الأضحية، وإلا فلا رواه ابن سماعة عن محمد عن الإمام وعنه أنه لا يجب إلا إذا زاد على مائتين والمرأة تعتبر موسرة بالمهر إذ الزوج مليا عندهما وعند الإمام لا تعتبر ملية بذلك، وإن كان خباز عنده حنطة قيمتها مائتا درهم فعليه الأضحية، وإن كان عنده مصحف قيمته مائتا درهم وهو ممن يحسن القراءة فيه فلا أضحية عليه سواء كان يقرأ فيه، أو لا يقرأ فيه، وإن كان لا يحسن أن لا يقرأ فيه فعليه الأضحية، وفي الكافي عن الحسن عن الإمام يجب عليه أن يضحي عن ولده وولد ولده الذي لا أب له والفتوى على أنه لا يجب عليه‏.‏ وذكر الصدر الشهيد في شرح الأضاحي عن الزعفراني فيما إذا ضحى الأب عن الصغير من ماله فعلى قول محمد وزفر يجب الضمان عليه وعلى قول الإمام أبي يوسف لا يضمن ومثله الوصي، وفي الينابيع والمعتوه والمجنون بمنزلة الصبي والذي يجن ويفيق كالصحيح ولو كان المجنون موسرا يضحي عنه وليه من ماله في الروايات المشهورة وروي أن الأضحية قبل أن يضحى بها لا تجب في مال المجنون، وفي المنتقى اشترى شاة ليضحي بها فمات في أيام الأضحية قبل أن يضحي بها فله أن يبيعها ومن كان غائبا عن ماله في أيام الأضحية فهو فقير ولا يخفى أن الأضحية تصير واجبة بالنذر فلو قال كلاما نفسيا‏:‏ لله علي أن يضحي بهذه الشاة ولم يذكر بلسانه شيئا فاشترى شاة بنية الأضحية إن كان المشتري غنيا لا تصير واجبة باتفاق الروايات فله أن يبيعها ويشتري غيرها، وإن كان فقيرا ذكر شيخ الإسلام خواهر زاده في ظاهر الرواية تصير واجبة بنفس الشراء وروى الزعفراني عن أصحابنا لا تصير واجبة وأشار إليه شمس الأئمة السرخسي في شرحه، وإليه مال شمس الأئمة الحلواني في شرحه وقال‏:‏ إنه ظاهر الرواية ولو صرح بلسانه - والمسألة بحالها - تصير واجبة بشراء نية الأضحية إن كان المشتري فقيرا، وفي الخانية اشترى شاة للأضحية، ثم باعها واشترى أخرى في أيام النحر فهذا على وجوه ثلاثة‏:‏ الأول‏:‏ اشترى شاة ينوي بها الأضحية لا تصير ما لم يوجبها بلسانه وبه أخذ أبو يوسف وبعض المتأخرين، وفي الكبرى قال‏:‏ إن فعلت كذا فلله علي أن أضحي لا يكون يمينا‏.‏ رجل اشترى أضحية وأوجبها فضلت، ثم اشترى أخرى فأوجبها، ثم وجد الأولى إن كان أوجب الثانية بلسانه فعليه أن يضحي بهما، وإن أوجبها بدلا عن الأولى فعليه أن يذبح أيهما شاء ولم يفصل بين الفقير والغني، وفي فتاوى أهل سمرقند‏:‏ الفقير إذا أوجب شاة على نفسه هل يحل له أن يأكل منها قال بديع الدين‏:‏ نعم وقال القاضي برهان الدين‏:‏ لا يحل، وفي فتاوى أهل سمرقند‏:‏ الفقير إذا اشترى شاة للأضحية فسرقت فاشترى مكانها، ثم وجد الأولى فعليه أن يضحي بهما، ولو ضلت فليس عليه أن يشتري أخرى مكانها، وإن كان غنيا فعليه أن يشتري أخرى مكانها، وفي الواقعات له مائتا درهم فاشترى بعشرين درهما أضحية يوم الثلاثاء وهلكت يوم الأربعاء وجاء يوم الخميس الأضحى ليس عليه أن يضحي لفقره يوم الأضحى، وفي الفتاوى العتابية إذا انتقص نصابه يوم الأضحى سقط عنه الزكاة وعن ابن سلام‏:‏ وكل رجلين أن يشتري كل منهما أضحية فاشتريا يجب عليه أن يضحي بهما وفي المحيط ولو اشترى شاتين للأضحية فضاعت إحداهما فضحى بالثانية، ثم وجدها في أيام النحر فلا شيء عليه لأنه لم يتعين أحدهما وأيهما ضحى بها فهي المعينة‏.‏ ولو ضحى الفقير، ثم أيسر أعاد، وفي رواية، وإذا اشترى شاة للأضحية، ثم باعها جاز البيع، وفي الأصل رجل أوجب على نفسه عشر أضاح قالوا‏:‏ لا يلزمه إلا شاتان قال الصدر الشهيد في واقعاته والظاهر أنه يجب الكل، وفي الظهيرية والصحيح أنه يجب الكل، وفي الحاوي‏:‏ ولو اشترى شاة ولم يرد أن يضحي بها بل للتجارة، ثم نوى أن يضحي بها ومضى أيام النحر لا يجب عليه أن يتصدق بها وعن محمد بن سلمة لو ضحى بشاتين لا تكون الأضحية إلا واحدة وفي المحيط‏:‏ الأصح أن تكون الأضحية بهما وعن الحسن عن أبي حنيفة لا بأس بالأضحية بالشاة أو بالشاتين قال الفقيه وبه نأخذ، وفي الأصل الناذر لا يأكل مما نذره ولو أكل فعليه قيمة ما أكل، وفي أضاحي الزعفراني إن قال‏:‏ لله علي أن أضحي بشاة في أيام النحر فإن كان موسرا فعليه أن يضحي بشاتين إلا أن يعين بالإيجاب ما يجب عليه فإن كان فقيرا فعليه شاة، وفي السراجية إذا قال لله علي أن أضحي بشاة فضحى ببدنة، أو ببقرة جاز‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الشارح إذا نذر وأراد بها الواجب عليه لا يلزمه غيرها، وإن أراد الواجب بسبب الغنى يلزمه غيرها ا هـ‏.‏

قال رحمه الله‏:‏‏.‏ ‏(‏ولا يذبح مصري قبل الصلاة وذبح غيره‏)‏ يعني لا يجوز لأهل المصر أن يذبحوا الأضحية قبل أن يصلوا صلاة العيد ويجوز لأهل القرى والبادية أن يذبحوا بعد صلاة الفجر قبل أن يصلي الإمام صلاة العيد والأصل في ذلك قوله‏:‏ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من ذبح قبل صلاة الإمام فليعد ذبيحته ومن ذبح بعد صلاة الإمام فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين» قال صاحب النهاية هذا يشير إلى ما ذكر في المبسوط حيث قال‏:‏ لا يجزيه لعدم الشرط لا لعدم الوقت وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ «‏:‏ أول نسكنا في هذا اليوم الصلاة، ثم الأضحية» وهذا ظاهر في حق من عليه الصلاة فبقي غيره على الأصل فيذبح بعد طلوع الفجر وهو حجة على الشافعي ومالك في نفيهما الجواز بعد صلاة العيد قبل نحر الإمام والمعتبر في ذلك مكان الأضحية حتى لو كانت في السواد، والمضحي في المصر يجوز كما انشق الفجر، وفي العكس لا يجوز إلا بعد الصلاة وحيلة المصري إذا أراد التعجيل أن يبعث بها إلى خارج المصر في موضع للمسافر أن يقصر فيضحي فيه كما طلع الفجر لأن وقتها من طلوع الفجر، وإنما أخرت في حق المصر لما ذكرنا ولأنها تشبه الزكاة فيعتبر في الأداء مكان المحل وهو المال لا مكان الفاعل بخلاف صدقة الفطر حيث يعتبر فيها مكان الفاعل لأنها تتعلق بالذمة والمال ليس بمحل لها ولو ضحى بعدما صلى أهل المسجد قبل أن يصلي أهل الجبانة أجزأه استحسانا لأنها صلاة معتبرة ولو ذبح بعدما قعد الإمام قدر التشهد قبل أن يسلم لم يجز خلافا للحسن، وفي المراد‏:‏ لو ضحى بعد أن تشهد قبل أن يسلم الإمام جازت الأضحية، وفي العتابية‏:‏ وهو الأصح من غير إساءة، وفي غيره‏:‏ وهو المختار ولو ضحى قبل أن يتشهد الإمام لم يجز عندنا وفي رواية جاز، وقد أساء، والأول أصح، وفي الأجناس لو صلى الإمام صلاة العيد على غير طهارة لم يعلموا حتى عاد وذبح الناس جاز عن أضحيتهم ولو علموا قبل أن يتفرقوا تعاد الأضحية وقيل‏:‏ لا تعاد، والأول هو المختار والمأخوذ به‏.‏ ومتى علم الإمام ذلك ونادى بالصلاة ليعيدها فمن ذبح قبل أن يعلم ذلك الإمام أجزأه ومن ذبح بعد العلم قبل الزوال لا يجوز، وإن ذبح بعد الزوال جاز ولو لم يصل الإمام صلاة العيد في اليوم الأول أخروا الأضحية إلى الزوال، ثم ذبحوا ولا تجزيهم التضحية إذا لم يصل الإمام إلا بعد الزوال، وكذا في اليوم الثاني‏:‏ الحكم كالأول كذا في المحيط‏.‏ وذكر فيه أيضا أن التضحية في الغد تجوز قبل الصلاة لأنه فات وقت الصلاة بزوال الشمس في اليوم الأول، والصلاة في الغد تقع قضاء لا أداء فلا يظهر هذا في حق الأضحية وقال‏:‏ هكذا ذكر القدوري في شرحه ولو صلى، ثم تبين أنه صلى بغير طهارة تعاد الصلاة دون الأضحية ولو وقع أنه في بلد فتنة ولم يبق فيها والي ليصلي بهم العيد فضحوا بعد طلوع الفجر أجزأهم ولو شهدوا عند الإمام أنه يوم العيد فضحى بعد الصلاة، ثم انكشف أنه يوم عرفة أجزأهم الصلاة والتضحية لأنه لا يمكن الاحتراز عن مثل هذا ووقتها ثلاثة أيام أولها أفضلها، ويجوز الذبح في لياليها إلا أنه يكره لاحتمال الغلط في الظلمة وأيام النحر ثلاثة وأيام التشريق ثلاثة والكل تمضي بمضي أربعة أيام أولها نحر لا غير وآخرها تشريق لا غير والمتوسطان نحر وتشريق والتضحية فيها أفضل من التصدق بثمنها لأنها تقع واجبة إن كان غنيا وسنة إن كان فقيرا والتصدق بالثمن تطوع محض فكانت هي أفضل لأنها تفوت بفوات أيامها ولو لم يضح حتى مضت أيامها وكان غنيا وجب عليه أن يتصدق بالقيمة سواء اشتراها، أو لم يشترها، وإن كان فقيرا فإن كان اشتراها وجب عليه التصدق بها ولو ذبح بعد الزوال يوم عرفة وهو يرى أنه يوم عرفة، ثم ظهر أنه يوم النحر يجزيه، وفي سائر الأوقات جعل الليل السابق على النهار إلا في يوم عرفة فهي متأخرة عنها، وليلة النحر الأول هي ليلة النحر الثاني وليلة النحر الثاني هي ليلة النحر الثالث وليلة النحر الثالث هي ليلة الفجر الثالث عشر حتى يجوز الذبح فيها قبل طلوع الفجر كذا في المحيط‏.‏ وفي النوازل‏:‏ الإمام إذا صلى العيد يوم عرفة وضحى الناس فهذا على وجهين‏:‏ إما أن شهد عنده الشهود، أو لا بأنه يوم النحر ففي الأول تجوز الصلاة والأضحية، وفي الثاني لا تجوز ولو شكوا في يوم النحر فصلى بهم الإمام وضحوا ثم علموا في الغد أنه يوم عرفة فإن عليه إعادة الصلاة والأضحية جميعا، وفي العتابية‏:‏ شهدوا بعد الزوال أنه يوم النحر ضحوا، وإن شهدوا قبل الزوال لم يجز إلا إذا زالت، وفي التجريد لو صلى ولم يخطب جاز الذبح، وفي الكبرى‏:‏ مصري وكل وكيلا بأنه يذبح شاة له وخرج إلى السواد فأخرج الوكيل الأضحية إلى موضع لا يعد من المصر وذبحها هناك فإن كان الموكل في السواد جازت الأضحية، وإن كان عاد إلى المصر وعلم الوكيل بقدومه لم تجز الأضحية عن الموكل بلا خلاف، وإن لم يعلم بعود الموكل إلى المصر فكذا عن محمد وعند أبي يوسف يجوز وهو المختار‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي المحيط‏:‏ ولو ذبح بعدما صلى أهل الجبانة قبل أن يصلي أهل المسجد يجوز قياسا واستحسانا‏.‏ ا هـ‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ويضحي بالجماء‏)‏ التي لا قرن لها يعني خلقة لأن القرن لا يتعلق به مقصود وكذا مكسورة القرن بل أولى قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏والخصي‏)‏ وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى هو أولى لأن لحمه أطيب وقد صح أنه عليه الصلاة والسلام‏:‏ «ضحى بكبشين أملحين موجوءين» الأملح الذي فيه ملحة وهو البياض الذي فيه شعيرات سود وهو من لون الملح، والموجوء المخصي من الوجء وهو أن يضرب عروق الخصية بشيء، وفي المحيط‏:‏ تجوز الجرباء، وفي الحاوي‏:‏ تجوز الجرباء إذا كانت سمينة ا هـ‏.‏ قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏والتولاء‏)‏ وهي المجنونة لأنه لا يخل بالمقصود إذا كانت تعتلف فإن كانت سمينة ولم يتلف جلدها جاز لأنه لا يخل بالمقصود قال‏:‏ ولا يجوز بالهتماء التي لا أسنان لها، وإن كانت لا تعتلف، وإن كانت تعتلف جاز وهو الصحيح ولا الجلالة التي تأكل العذرة ولا تأكل غيرها ولا مقطوعة الضرع ولا التي لا تستطيع أن ترضع ولدها التي يبس ضرعها ولا مقطوعة الأنف والذنب والطرف‏.‏ كذا في المحيط قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏لا بالعمياء والعوراء والعجفاء والعرجاء‏)‏ أي التي لا تمشي إلى المنسك أي إلى المذبح لما روي عن البراء بن عازب أنه عليه الصلاة والسلام قال‏:‏ «أربع لا تجوز في الأضاحي؛ العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعجفاء البين ضلعها والكسيرة التي لا تنقي» رواه أبو داود والنسائي وجماعة أخر وصححه الترمذي، وفي الحاوي قال مشايخنا‏:‏ العرجاء التي تمشي بثلاثة قوائم وتجافي الرابع عن الأرض لا تجوز الأضحية بها، وإن كانت تضع الرابع على الأرض وتستعين به إلا أنها تتمايل مع ذلك وتضعه وضعا خفيفا يجوز، وإن كانت ترفعه رفعا، أو تحمل المنكسر لا تجوز، وفي الخانية‏:‏ وكذا الحولاء التي في عينها حول لا تجوز المنفسخة العين وهي التي غارت عينها ا هـ‏.‏ قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ومقطوعة أكثر الآذان، أو الذنب، أو العين، أو الألية‏)‏ لقول علي رضي الله تعالى عنه‏:‏ «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن وأن لا نضحي بمقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء» رواه أبو داود والنسائي وغيرهما وصححه الترمذي المقابلة قطع من مقدم ذنبها والمدابرة قطع من مؤخر أذنها، والشرقاء أن يكون الخرق في أذنها طويلا والخرقاء أن يكون عرضا، وإن بقي أكثر الأذن جاز وكذا أكثر الذنب لأن للأكثر حكم الكل بقاء وذهابا وهذا لأن العيب اليسير لا يمكن التحرز عنه فجعل عفوا‏.‏ وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن الثلث إذا ذهب وبقي الثلثان يجوز، وإن ذهب أكثر من الثلث لا يجوز لأن الثلث تنفذ فيه الوصية من غير إجازة الورثة فاعتبر قليلا وفيما زاد لا ينفذ إلا برضاهم فاعتبر كثيرا ويروى عنه الربع؛ لأنه يحكي حكاية الكل وقال أبو يوسف ومحمد إذا بقي أكثر من النصف أجزأه اعتبارا للحقيقة وهو اختيار أبي الليث قال أبو يوسف‏:‏ أخبرت بقولي أبا حنيفة فقال‏:‏ قولي هو قولك قيل‏:‏ هو رجوع إلى قول أبي يوسف وقيل معناه‏:‏ قولي قريب من قولك، وفي كون النصف مانعا روايتان عنهما وتأويل ما روينا إذا كان بعض الآذان مقطوعا على اختلاف الروايتان لأن مجرد الرد الشق من غير ذهاب شيء من الأذن لا يمنع، ثم في معرفة مقدار الذاهب والباقي يتيسر في غير العين وفي العين قال‏:‏ تسد عينها المعيبة بعد إن جاءت، ثم يقرب إليها العلف قليلا قليلا فإذا رأته في موضع علم ذلك الموضع، ثم تسد عينها الصحيحة ويقرب العلف إليها شيئا فشيئا حتى إذا رأته من مكان علم عليه، ثم ينظر ما بينهما من التفاوت فإن كان نصفا، أو ثلثا، أو غير ذلك فالذاهب هو ذلك القدر، وفي الشرح‏.‏ ولو أوجب الفقير على نفسه أضحية بغير عينها فاشترى أضحية صحيحة ثم تعيبت عنده فضحى بها لا يسقط عنه الواجب؛ لأنه وجب عليه أضحية كاملة بالنية من غير تعيين كالموسر ولو كانت معينة وقت الشراء جاز ذبحها لما ذكرنا ولو أضجعها ليذبحها في يوم النحر فاضطربت فانكسرت رجلها فذبحها أجزأته استحسانا ولو بقيت في هذه الحالة فانقلبت، ثم أخذها من فورها وكذا بعد فورها عند محمد خلافا لأبي يوسف، وفي الخانية عشرة من الرجال اشتروا من رجل عشرة شياه جملة واحدة فصارت العشرة شركة بينهم فأخذ كل واحد منهم شاة وضحى بها عن نفسه جاز فإذا ظهر منها شاة عوراء وأنكر كل واحد من الشركاء أن تكون العوراء له لا تجوز أضحيتهم ا هـ‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏والأضحية من الإبل والبقر والغنم‏)‏ لأن جواز التضحية بهذه الأشياء عرفت شرعا بالنص على خلاف القياس فيقتصر على ما ورد وتجوز بالجاموس لأنه نوع من البقر بخلاف بقر الوحش حيث لا تجوز الأضحية به لأن جوازها عرف بالشرع، وفي البقر الأهلي دون الوحشي والقياس ممتنع، وفي المتولد منها تعتبر الأم وكذا في حق المحل تعتبر الأم ا هـ‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وجاز الثني من الكل والجذع من الضأن‏)‏ لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن» رواه البخاري ومسلم وأحمد وجماعة أخر وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ «نعمت الأضحية الجذع من الضأن» رواه أحمد وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ «يجوز الجذع من الضأن أضحية» رواه أحمد وابن ماجه وقالوا‏:‏ هذا إذا كان الجذع عظيما بحيث لو خلط بالثنيات ليشتبه على الناظرين، والجذع من الضأن ما تمت له ستة أشهر عند الفقهاء وذكر الزعفراني أنه ابن سبعة أشهر والثني من الضأن والمعز ابن سنة ومن البقر ابن سنتين ومن الإبل ابن خمس سنين، وفي المغرب الجذع من البهائم قيل الثني إلا أنه من الإبل قبل السنة الخامسة ومن البقر والشاة في السنة الثانية ومن الخيل في الرابعة وعن الزهري الجذع من المعز لسنة ومن الضأن لثمانية أشهر، وفي الظهيرية‏:‏ ولو أن رجلين ضحيا بعشر من الغنم بينهما لم تجز ولو اشترك سبعة نفر في خمس بقرات جاز، وإن اشترك ثمانية نفر في سبع بقرات لم يجز وكذا عشرة وأكثر ا هـ‏.‏ قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإن مات أحد السبعة، وقال الورثة‏:‏ اذبحوا عنه وعنكم صح، وإن كان شريك الستة نصرانيا‏)‏ ومريد اللحم لم تجز عن واحد منهم، ووجه الفرق أن البقر تجوز عن سبعة بشرط قصد الكل القربة، واختلاف الجهات فيما لا يضر كالقران والمتعة والأضحية لإيجاد المقصود وهو القربة وقد وجد هذا الشرط في الوجه الأول لأن الأضحية من الغير عرفت قربة لأنه صلى الله عليه وسلم ضحى عن أمته ولم توجد القربة في الوجه الثاني لأن النصراني ليس من أهلها ولو اشترك اثنان في بقرة، أو بعير لا يجوز في الأضحية لأنه يكون لواحد منهم ثلاثة أسهم ونصف، والنصف لا يجوز في الأضحية والأصح أنه يجوز لأن النصف يصير قربة بطريق التبع لغيره‏.‏ شاتان بين رجلين ذبحاهما عن نسكهما أجزأهما بخلاف العبدين بين اثنين أعتقاهما عن كفارتيهما لا يجوز لأن في الشاتين أمكن جمع كل واحد منهما في شاة ولا كذلك الرقيق اشترك ثلاثة في بقرة‏:‏ لواحد ثلاثة أسباعها، ومات وترك ابنا وبنتا صغارا، أو ترك ستمائة درهم مع حصة البقرة فضحى الوصي عنهم بحصة الميت من البقرة لا يجوز عنه لأن نصيب البنت لحم لأنها فقيرة أصابها من ميراث الأب أقل من مائتي درهم ولو اشترك خمسة في بقرة فأشرك أربعة منهم رجلا في البقرة تجوز الأضحية عنهم لأن الشركاء أربعة لكل واحد منهم خمسة فتصير الأربعة عشرين وقد جعلوا من أنصبائهم أربعة، والأربعة من عشرين أكثر من السبع ولو كانوا ستة فأشرك خمسة واحدا وأبى الواحد لم تجز أضحيتهم لأن نصيبه أقل من السبع لأن أصل حسابه ستة وثلاثون كل واحد ستة فيكون للخمسة ثلاثون وقد جعلوها ستة لكل واحد خمسة، وخمسة من ستة وثلاثين أقل من السبع كذا في المحيط وكذا قصد اللحم من المسلم ينافيها، وإذا لم يقع البعض قربة خرج الكل من أن يكون قربة لأن الإراقة لا تتجزأ وهذا استحسان والقياس أن لا تجوز وهو رواية عن أبي يوسف لأنه تبرع بالإتلاف فلا تجوز عن غيره كالإعتاق عن الميت قلنا القربة تقع عن الميت كالتصدق لما روينا بخلاف الإعتاق لأن فيه إلزام الولاء للميت ولو كان بعض الشركاء صغيرا، أو أم ولد بأن ضحى عن الصغير أبوه، أو عن أم ولده مولاها ولم يجب عليهما جاز لأن كلها وقعت قربة ولو ذبحوها بغير إذن الورثة فيما إذا مات أحدهم لا تجزيهم لأن بعضها لم يقع قربة بخلاف ما تقدم لوجود الإذن من الورثة وفي فتاوى أبي الليث إذا ضحى بشاة عن غيره بأمره، أو بغير أمره لا يجوز ولو ضحى ببدنة عن نفسه وعن أولاده فإن كانوا صغارا أجزأه وأجزأهم وإن كانوا كبارا فإن فعل ذلك بأمرهم فكذلك، وإن كان بغير أمرهم لم يجز على قولهم وعن أبي يوسف أنه يجوز استحسانا، وفي الكبرى لو ضحى عن الميت بغير أمره لا يجوز وهو المختار، وفي رواية يجوز‏.‏ واختلفوا هل الأضحية عن الميت أفضل، أو التصدق أفضل‏؟‏ ذهب بعضهم إلى أن التصدق أفضل وذهب بعضهم إلى أن الأضحية أفضل، وفي الظهيرية رجل اشترى أضحية شراء فاسدا فذبحها عن أضحيته جاز والبائع بالخيار إن شاء ضمنه قيمتها حية، وإن شاء استردها ولا شيء على المضحي ويتصدق بقيمتها مذبوحة، وفي الخانية اشترى سبع بقرة فنوى بعضهم الأضحية عن نفسه في هذه السنة ونوى بقيتهم عن السنة الماضية، قالوا‏:‏ تجوز الأضحية عن هذا الواحد ونية أصحابه عن السنة الماضية باطلة وصاروا متطوعين قيدنا بالسبعة لأنهم لو كانوا ثمانية لم تجز عن الواحد منهم كما تقدم، وفي أضاحي الزعفراني اشترى ثلاثة بقرة على أن يدفع أحدهم ثلاثة دنانير والآخر أربعة والآخر دينارا على أن تكون البقرة بينهم على قدر رأس مالهم فضحوا بها لم تجز ولو كانت البقرة، أو البدنة بين اثنين فضحيا بها اختلف المشايخ قال بعضهم‏:‏ يجوز وبه أخذ الفقيه أبو الليث والصدر الشهيد ا هـ‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ويأكل من لحم الأضحية ويؤكل ويدخر‏)‏ لما روي أنه عليه الصلاة والسلام‏:‏ «نهى عن أكل لحم الضحايا بعد ثلاثة، ثم قال‏:‏ كلوا وتزودوا وادخروا» رواه مسلم وأحمد والنصوص فيه كثيرة وعليه إجماع الأمة ولأنه لما جاز أن يأكل منه وهو غني فأولى أن يجوز له إطعام غيره، وإن كان غنيا‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وندب أن لا ينقص الصدقة من الثلث‏)‏ لأن الجهات ثلاثة‏:‏ الإطعام والأكل والادخار لما روينا ولقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأطعموا القانع والمعتر‏}‏ أي السائل والمتعرض للسؤال، فانقسم عليه أثلاثا وهذا في الأضحية الواجبة والسنة سواء، ولك أن تقول الأمر لمطلق الوجوب عند أكثر العلماء كما تقرر في علم الأصول والظاهر من قوله ‏"‏ وأطعموا ‏"‏ وجوب الإطعام والمدعى استحبابه فليتأمل في الجواب، وإذا لم تكن واجبة، وإنما وجبت بالنذر فليس لصاحبها أن يأكل منها شيئا ولا أن يطعم غيره من الأغنياء، سواء كان الناذر غنيا، أو فقيرا لأن سبيلها التصدق وليس للمتصدق أن يأكل من صدقته ولا أن يطعم الأغنياء، وفي الظهيرية اشترى شاة للأضحية وهو فقير فضحى بها، ثم أيسر في أيام النحر، قال بعضهم‏:‏ عليه غيرها وقال بعضهم‏:‏ ليس عليه غيرها وبه تأخذ، وفي العتابية وهو المختار ولو أوصى بأن يضحى عنه ولم يسم ينصرف إلى الشاة‏.‏ أوصى بأن يشترى بماله أضحية ولم تجز الورثة فالوصية جائزة في الثلث ويشترى به شاة يضحى بها ولو أوصى بأن يشترى بقرة بعشرين درهما ويضحى ولم يبلغ ثلث ماله ذلك فإنه يشترى بقدر ما بلغ وكذا لو لم يعين قدرا يشترى بقدر الثلث ا هـ‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ويتصدق بجلدها، أو يعمل منه نحو غربال، أو جراب‏)‏ لأنه جزء منها وكان له التصدق والانتفاع به ألا ترى أن له أن يأكل لحمها ولا بأس بأن يشتري به ما ينتفع بعينه مع بقائه استحسانا وذلك مثل ما ذكرنا لأن للبدل حكم المبدل ولا يشتري به ما لا ينتفع به إلا بعد الاستهلاك، نحو اللحم والطعام ولا يبيعه بالدراهم لينفق الدراهم على نفسه وعياله والمعنى فيه أنه لا يتصدق على قصد التمول، واللحم بمنزلة الجلد في الصحيح فلا يبيعه بما لا ينتفع به إلا بعد الاستهلاك ولو باعها بالدراهم ليتصدق بها جاز لأنه قربة كالتصدق بالجلد واللحم وقوله‏:‏ عليه الصلاة والسلام‏:‏ «من باع جلد أضحيته فلا أضحية له» يفيد كراهية البيع، وأما البيع فجائز لوجود الملك والقدرة على التسليم‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ولا يعطي أجرة الجزار منها شيئا‏)‏ والنهي عنه نهي عن البيع لأنه في معنى البيع لأنه يأخذه بمقابلة عمله فصار معاوضة كالبيع ويكره أن يجز صوفها قبل الذبح فينتفع به لأنه التزم إقامة القربة بجميع أجزائها بخلاف ما بعد الذبح لأن القربة قد أقيمت بها والانتفاع بعدها مطلق له ويكره بيع لبنها كما في الصوف ومن أصحابنا من أجاز الانتفاع به يعني بلبنها وصوفها لأن الواجب في حقه في الذمة فلا يتعين ويكره ركوب الدابة واستعمالها ولو اكتسب مالا من لبنها يتصدق بمثل ذلك وذكر محمد في النوادر ولا يشتري بالجلد الخل والزيت فلو ماتت أضحيته فحلب لبنها وجز صوفها وسلخ جلدها فله ذلك ولا يتصدق بشيء كذا في المحيط، وفي التتمة سئل علي بن أحمد عن رجل دفع لحم الأضحية عن زكاة ماله هل تسقط عنه الأضحية قال نعم وسئل الوبري عن هذا فقال يقع الموقع ولكنه يأثم وسئل علي أيضا لو كان لرجل دين على مقر هل تحل له الزكاة‏؟‏ فقيل له‏:‏ هل عليه أضحية‏؟‏ قال‏:‏ لا؛ لأن ماله مستقرض لم يصل إليه وسئل أيضا عن رجل له ديون مؤجلة، أو غير مؤجلة على رجل وهو مقر حتى جاء يوم النحر وليس في يده شيء وعليه شراء الأضحية هل عليه أن يستقرض ويشتري أضحية‏؟‏ فقال‏:‏ لا قيل له‏:‏ هل يجب على رب الدين أن يسأل المديون إذا غلب على ظنه أنه لو سأله أعطاه ثمن الأضحية، وإن كان مؤجلا‏؟‏ قال‏:‏ نعم، وفي مجموع النوازل أربعة نفر اشترى كل واحد منهم شاة ولبنها وسمنها واحد فحبسوها في بيت فلما أصبحوا وجدوا واحدة منها ميتة ولا يدرى لمن هي، فإنها تباع هذه الأغنام جملة ويشترى بقيمتها أربع شياه لكل واحد منهم شاة، ثم يؤكل كل واحد منهم صاحبه بذبح كل واحدة منها ويحلل كل واحد منهم صاحبه لتجوز عن الأضحية ا هـ‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وندب أن يذبح بيده إن علم ذلك‏)‏ لأن الأولى في القرب أن يتولاها الإنسان بنفسه، وإن أمر به غيره فلا يضر لأنه عليه الصلاة والسلام‏:‏ «ساق مائة بدنة فنحر بيده نيفا وستين، ثم أعطى الحربة عليا فنحر الباقي»، وإن كان لا يحسن ذلك فالأحسن أن يستعين بغيره كي لا يجعلها ميتة ولكن ينبغي أن يشهدها بنفسه لقوله عليه الصلاة والسلام لفاطمة رضي الله عنها‏:‏ «قومي فاشهدي أضحيتك فإنه يغفر لك بأول قطرة من دمها كل ذنب»، وفي فتاوى الفضلي‏:‏ شاة ندت وتوحشت فرماها صاحبها ونوى الأضحية فأصابها أجزأه عن الأضحية، وفي الذخيرة وكله أن يشتري له كبشا أقرن أعين للأضحية فاشترى كبشا ليس بأقرن ولا أعين لم يلزم الآمر ا هـ‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وكره ذبح الكتابي‏)‏ لأنه قربة وهو ليس من أهلها ولو أمره فذبح جاز لأنه من أهل الذكاة، والقربة أقيمت بإنابته بخلاف ما إذا أمر المجوسي لأنه ليس من أهل الذكاة فكان فسادا لا تقربا‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ تعالى‏:‏ ‏(‏ولو غلطا وذبح كل أضحية صاحبه صح ولا يضمنان‏)‏ وهذا استحسان والقياس أنه لا تجوز الأضحية ويضمن كل واحد منهما لصاحبه وهو قول زفر رحمه الله تعالى لأنه متعد بالذبح بغير أمره فيضمن كما إذا ذبح شاة اشتراها القصاب، والتضحية قربة فلا تتأدى بنية غيره وجه الاستحسان أنها تعينت للذبح لتعينها بالأضحية حتى وجب عليه أن يضحي بها بعينها في أيام النحر ويكره أن يبدل بها غيرها فصار المالك مستعينا بمن يكون أهلا للذبح فصار مأذونا له دلالة لأنها تفوت بمضي هذه الأيام ويخاف أن يعجز عن إقامتها لعارض يعتريه فصار كما إذا ذبح شاة وشد القصاب رجليها وكيف لا يأذن له وفيه مسارعة إلى الخير وتحقيق ما عينه ولا يبالى بفوات مباشرته وشهوده لحصول ما هو أعظم من ذلك وهو ما بيناه فيصير إذنا دلالة وهو كالصوم ومن هذا الجنس مسائل استحسانية لأصحابنا ذكرناها في الإحرام عن الغير، ثم إذا جاز ذلك عنهما يأخذ كل واحد منهما أضحيته إن كانت باقية ولا يضمنه لأنه وكيله فإن كان كل واحد منهما أكل ما ذبحه تحلل كل واحد منهما صاحبه فيجزئه لأنه لو أطعمه الكل في الابتداء يجوز، وإن كان غنيا فكذا له أن يحلل في الانتهاء، وإن تشاحا كان لكل واحد منهما أن يضمن صاحبه قيمة لحمه، ثم يتصدق بتلك القيمة لأنه بدل عن اللحم فصار كما لو باع أضحية غيره كان الحكم ما ذكرناه‏.‏ وذكر في المحيط مطلقا من غير قيد فقال‏:‏ ذبح أضحية غيره بلا أمره جاز استحسانا ولا يضمن لأنه في العرف لا يتولى صاحب الأضحية ذبحها بنفسه بل يفوض إلى غيره فصار مأذونا دلالة كالقصاب إذا شد رجل شاة للذبح فذبحها إنسان بغير أمره لا يضمن ولو باع أضحية واشترى بثمنها غيرها فإن كان الثاني أنقص من الأول تصدق بالفضل ولو غصب شاة وضحى بها جاز عن أضحيته لأنه ملكها بالغصب السابق بخلاف ما لو كانت وديعة لأنه يضمنها بالذبح فلم يثبت له الملك إلا بعده ولو ذبح أضحية غيره بغير أمره عن نفسه فإن ضمنه المالك قيمتها تجوز عن الذابح دون المالك لأنه ظهر أن الإراقة حصلت على ملكه على ما بينا في المغصوبة، وإن أخذها مذبوحة أجزأت المالك عن التضحية لأنه قد نواها فلا يضره ذبحها غيره على ما بينا، وفي فتاوى أهوار‏:‏ رجلان ربطا أضحيتهما في مربط، ثم غلطا فتنازعا في واحدة كل منهما مدعيها ولا يدعي الأخرى يقضى بالذي تنازعا فيها بينهما نصفين ولا تجوز الأضحية عنهما بهما وقال بعضهم تجوز عنهما جميعا والصحيح الأول والذي لم يتنازعا فيها لبيت المال لأنها مال ضائع ولو كانت إبلا وبقرا جازت الأضحية عنهما جميعا، وإذا ربطوا ثلاثة أضاحي في رباط واحد، ثم وجدوا بواحد عيبا يمنع جواز الأضحية وأنكر كل واحد منهم أن تكون له المعيبة وتنازعوا في الأخريين فالمعيبة لبيت المال لأنها مال ضائع ويقضى بينهم بالأخريين أثلاثا‏.‏ ا هـ‏.‏ والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

كتاب الكراهية

أورد كتاب الكراهية بعد الأضحية لأن عامة مسائل كل واحد منهما لم يخل من أصل، أو فرع يرد فيه الكراهة ألا ترى أن الأضحية في ليالي أيام النحر مكروهة وكذا في التصرف في الأضحية بجز صوفها وحلب لبنها وكذا ذبح الكتابي وغير ذلك كما أن الأمر في كتاب الكراهية لذلك وترجم المؤلف بالكراهية لأن بيان المكروه أهم من غيره لوجوب الاحتراز عنه وترجم محمد في الأصل بالاستحسان لما فيه مما استحسنه الشارع وقبحه وترجم القدوري في مختصره بالحظر والإباحة لما فيه مما منع عنه الشارع وأباحه، والكراهية مصدر كره الشيء كرها وكراهة وكراهية قال في الميزان هي ضد المحبة والرضا قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم‏}‏ إلخ فالمكروه خلاف المندوب والمحبوب لغة وليس بضد الإرادة كما توهمه الشارح وجعل الكراهة ضد الإرادة بل هو كما تقدم لك عن الميزان؛ لأن الله تعالى لا يريد الكفر والمعاصي ولا يحبهما كما قرر في علم الكلام وهي في الشريعة ما سيذكره المؤلف‏.‏ قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏المكروه إلى الحرام أقرب‏)‏ ونص محمد أن كل مكروه حرام، وإنما لم يطلق عليه لفظ الحرام لأنه لم يجد فيه نصا قطعيا فكان نسبة المكروه إلى الحرام عند محمد كنسبة الواجب إلى الفرض وعن الإمام وأبي يوسف أنه إلى الحرام أقرب وهذا الحد للمكروه كراهة تحريم، وأما المكروه كراهة تنزيه فإلى الحلال أقرب هذا خلاصة ما ذكروه في الكتب المعتبرة ولبعض المتأخرين كلمات هنا طويلة الذيل لا حاصل لها تركناها عمدا‏.‏

وذكر في الفتاوى السراجية في هذا الكتاب بابا في مسائل الاعتقاديات وقدمه وهو أولى بالذكر والتقديم قال الإيمان هو الإقرار باللسان والاعتقاد بالجنان وذلك أن يقروا بوحدانية الله تعالى وصفاته الأزلية وبجميع ما جاء من عنده من كتب ويعتقد بقلبه ذلك والإقرار باللسان شرط في حق القادر على النطق على ظاهر الجواب وقيل الإيمان هو الاعتقاد بالقلب، والإيمان بالتفاصيل ليس بواجب بل إذا آمن بالجملة كفى والإيمان لا يزيد ولا ينقص لأن الإيمان عندنا ليس من الأعمال، إيمان اليائس غير مقبول، وتوبة اليائس مقبولة، الإيمان غير مخلوق عند أئمة بخارى وعند أئمة سمرقند مخلوق وقيل لا خلاف بينهم في الحقيقة لأن أئمة بخارى قالوا الإيمان هداية الرب لعبده إلى معرفته وذلك غير مخلوق وأئمة سمرقند قالوا‏:‏ الإيمان فعل العبد، وإنه مخلوق وعن هذا تعرف جواب من سأل أن الإيمان عطائي، أو كسبي، إيمان المقلد صحيح وهو الذي اعتقد جميع أركان الإسلام بلا دليل، وفي جامع الجوامع قال أبو القاسم من تعلم في الصغر آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره من الله تعالى وتعلم أنه إيمان لكن لا يحسن تعبيره لا يحكم بإسلامه وقال أبو الليث إن سأل فارسيا فقال هذا عرفت؛ يحكم بإسلامه قال‏:‏ وإن كان لا يحسن أن يعبر، وإلا يعرض عليه الإسلام، وفي النوازل قال الفقيه‏:‏ إذا كان الرجل لا يحسن العبارة وهو بحال لو سئل بالفارسية يعرف أن الله واحد وأن الأنبياء رسل الله عز وجل وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ويقول كنت عرفت أن الأمر هكذا كان هذا مؤمنا، وإن كان لا يحسن أن يعبر عنه، وإذا سئل عن هذا قال‏:‏ لا أعلم بذلك؛ فلا دين له ويعرض عليه الإسلام فإن أسلم وكانت له امرأة يجدد نكاحها، وفي السراجية المؤمن لا يخرج عن الإيمان بارتكاب الكبيرة، وإذا مات بغير توبة فهو في مشيئة الله تعالى إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه بقدر جنايته، أو أقل، ثم يدخله الجنة‏.‏ القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق ولا محدث والمكتوب في المصاحف دال على كلام الله تعالى وأنه مخلوق‏.‏ رؤية الله تعالى في الآخرة حق يراه أهل الجنة في الآخرة بلا كيفية ولا تشبيه ولا محازاة‏.‏ أما رؤية الله تعالى في المنام‏:‏ أكثرهم قالوا‏:‏ لا تجوز والسكوت في هذا الباب أحوط‏.‏ القدر خيره وشره من الله تعالى بمشيئته، وإرادته القديمة إلا أن المعاصي ليست برضا الله تعالى، وفي الحاوي وعن أبي سلمة الفقيه أنه قال هذه عشر مسائل التي وجدت عليها مشايخ السلف من أهل الهداية والجماعة، من آمن بها كان منهم ومن لم يؤمن بها فهو صاحب هوى وبدعة، ثم عد هذه العشرة وقال‏:‏ قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن أحمد القاضي‏:‏ إن الله تعالى خلق أفعال العباد، وأفعالهم بقضاء الله تعالى ومشيئته وإن الله تعالى خالق لم يزل وإن الله تعالى له علم موصوف في الأزل وإن الله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد إذا كان أصلح للعباد، أو لم يكن، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وإن شفاعة محمد حق لأهل الكبائر من أمته وإن عذاب القبر حق وإنه يرجى من الله تعالى أن يعطي العباد ما يسألونه من دعائهم‏.‏

وفي السراجية‏:‏ صفات الله تعالى قديمة كلها من غير تفصيل بين صفات الذات وصفات الفعل وإنها قائمة بذات الله تعالى لا هو ولا غيره كالواحد من العشرة والله تعالى ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض ولا حال بمكان، ثم إن الله تعالى موصوف بصفات الكمال ويوصف بأن له يدا وعينا ولكن لا كالأيدي ولا كالأعين ولا يشتغل بالكيفية وهل يجوز وصف الله تعالى بهذين الصفتين بالفارسية قال السيد الإمام أبو شجاع‏:‏ باليد يجوز وبالعين لا، وفي الحاوي قال بعض السلف‏:‏ الجملة الصحيحة أن يقول العبد عند الإمكان مع التسمية آمنت بجميع ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم على معنى ما أراد به رسول الله صلى الله عليه وسلم والجنة والنار لا يفنيان عند أهل السنة والجماعة‏.‏ وفي الحاوي سئل أبو حنيفة عمن قيل له أمؤمن أنت عند الله، فقال‏:‏ عندي أني عند الله مؤمن وذكر بعض المناظرين من المتكلمين أن الذي يجب على الإنسان أحد الأمرين إما أن يقبل على تحصيل هذا الفن حتى يبلغ منه في غاية فيصير إلى حد من يصلح للمناظرة والمحاجة، أو يلزم الذي قد اجتمع عليه أهل الملة ويجتنب المعصية والحمية لغير الدين ويؤدي فرائض الله تعالى، والجمل التي ذكرناها أن الله تعالى واحد لا شريك له ولا مثيل له ولا شبيه له وأنه لم يزل قبل المكان والزمان وقبل العرش والهواء وقبل ما خلق من ذلك موجودا، أو أنه القديم وما سواه محدث وأنه العادل في قضائه الصادق في إخباره ولا يحب الفساد ولا يرضى لعباده الكفر وأنه لا يكلفهم ما لا يطيقون وأنه حكيم وحسن في جميع أفعاله في كل ما خلق وقضى وقدر وأنه يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر وأنه إنما بعث إليهم المرسلين وأنزل عليهم الكتب ليذكر ما وقع في سابق علمه أنه يذكر ويخشى ويلزم الحجة على من علم منه أنه لا يؤمن ويأبى وأن الخيرة فيما قضاه الله وقدره وأنه يقضي بالحق وأن الرضا بقضائه واجب والتسليم لأمره لازم، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وأن ما قضى فهو ماض في خلقه وما قدر فهو لازم لهم وأن تأويل ذلك هو تأويل المسلمين وأنه لا مرد له وأن أمره نافذ في خلقه، دأبهم الحاجة إليه في أداء ما كلفهم به وهو غني عنه لا يضره بذله ولا ينفعه منعه وأنه ما خلق الخلق من الجن والإنس إلا ليعبدوه وأنه يضل من يشاء ويهدي من يشاء وأن إضلاله ليس كإضلال الذي علم به الشيطان وحزبه وأنه يضل الظالمين ولا يضل الفاسقين‏.‏ وفي السراجية نبينا صلى الله عليه وسلم أكرم الخلق وأفضلهم، ومعراجه إلى العرش إلى ما أكرمه الله تعالى ورؤية الجنة والنار حق، ورسالة الرسل لا تبطل بموتهم ورسل بني آدم أفضل من جملة الملائكة، وعوام بني آدم من الأتقياء أفضل من عوام الملائكة، وخواص الملائكة أفضل من عوام بني آدم، كرامة الأولياء حق، والولي لا يكون أفضل من النبي وشفاعة الأنبياء والصالحين لبعض العصاة من المسلمين حق، وأفضل الخليقة من هذه الأمة أبو بكر بن أبي قحافة التميمي، ثم عمر بن الخطاب العدوي ثم عثمان بن عفان الأموي، ثم علي بن أبي طالب الهاشمي رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، الشرط أن يكون الخليفة قرشيا ولا يشترط أن يكون هاشميا‏.‏ العدالة ليست شرطا لصحة الإمامة والإمارة والقضاء إنما هي شرط الأولوية‏.‏ العلم أفضل من العقل عندنا خلافا للمعتزلة أهل الجنة آمنون عن العزل غير آمنين عن خوف الجدال‏.‏ أطفال المشركين قيل هم في الجنة وقيل هم في النار‏.‏ وأبو حنيفة توقف فيهم وقال الشيخ الإمام الرضي‏:‏ إن ولد الكافر كافر‏.‏ الكلام في الروح قال بعضهم‏:‏ يجوز وقال بعضهم‏:‏ لا يجوز، ثم قيل هي الحياة وقيل هي عرض وقيل‏:‏ إنه جسم لطيف وهي ريح مخصوص، سؤال منكر ونكير حق وسؤالهما الأنبياء قيل بهذه العبارة على ما إذا تركتم أمتكم، وفي بستان الفقيه باب ما جاء في ذكر الحفظة قال الفقيه اختلف الفقهاء في أمر الحفظة الكرام الكاتبين قال بعضهم‏:‏ يكتبون جميع أقوال بني آدم وأفعالهم وقال بعضهم لا يكتبون إلا ما فيه أجر أو إثم، ثم قال بعضهم يكتبون الجميع فإذا صعدوا السماء حذفوا ما لا أجر فيه ولا إثم وقال هو معنى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يمحوا الله ما يشاء ويثبت‏}‏ قال ابن جريج هما ملكان أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله فالذي عن يمينه يكتب بغير شهادة صاحبه والذي عن يساره لا يكتب إلا بشهادة منه إن قعد قعد الحفظة واحد عن يمينه والآخر عن يساره، وإن مشى فأحدهما أمامه والآخر خلفه، وإن نام فأحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه وقال بعضهم‏:‏ أربعة اثنان بالنهار واثنان بالليل والخامس لا يفارقه ليلا ولا نهارا واختلف الناس في الكفرة قال بعضهم عليهم حفظة وقال بعضهم لا يكون عليهم حفظة لأن أمرهم فرط وعليهم واحد، قال الفقيه‏:‏ لا يؤخذ بهذا القول، والآية نزلت بذكر الحفظة في شأن الكفار‏.‏

‏(‏تتمة‏)‏ سأل بعضهم هل على الصبي حفظة يكتبون له فقال رفع القلم عن ثلاث قيل له‏:‏ هل يكون معذورا بترك النظر قيل‏:‏ استكمال المدة التي يتعلق بها أحكام الشرع فقال‏:‏ إن كمل شرائط تكليفه قبل البلوغ وخطر بباله الخوف من ترك النظر لا يعذر، وفي السراجية عذاب القبر للكافرين، أو لبعض العصاة حق يؤمن به ولا يشتغل بكيفيته ومما يتصل به، فصل يشتمل على السنة والجماعة المضمرات وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال المؤمن إذا أوجب السنة والجماعة استجاب الله دعاءه وقضى حوائجه وغفر له الذنوب جميعا وكتب له براءة من النار وبراءة من النفاق، وفي خبر عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «من كان على السنة والجماعة استجاب الله دعاءه وكتب له بكل خطوة يخطوها عشرة حسنات ورفع له عشر درجات، فقيل له‏:‏ يا رسول الله متى يعلم الرجل أنه من أهل السنة والجماعة‏؟‏ فقال‏:‏ إذا وجد في نفسه عشرة أشياء فهو على السنة والجماعة‏:‏ أن يصلي الصلوات الخمس بالجماعة، ولا يذكر أحدا من الصحابة بسوء وينقصه، ولا يخرج على السلطان بالسيف، ولا يشك في إيمانه، ويؤمن بالقدر خيره وشره من الله تعالى، ولا يجادل في دين الله تعالى، ولا يكفر أحدا من أهل التوحيد بذنب، ولا يدع الصلاة على من مات من أهل القبلة، ويرى المسح على الخفين جائزا في السفر والحضر، ويصلي خلف كل إمام بر أو فاجر»‏.‏ وفي الحاوي من أهل السنة والجماعة من فيه عشرة أشياء‏:‏ الأول أن لا يقول شيئا في الله تعالى لا يليق بصفاته‏.‏ والثاني‏:‏ يقر بأن القرآن كلام الله تعالى وليس بمخلوق‏.‏ الثالث‏:‏ يرى الجمعة والعيدين خلف كل بر وفاجر‏.‏ والرابع‏:‏ يرى القدر خيره وشره من الله تعالى‏.‏ والخامس‏:‏ يرى المسح على الخفين جائزا‏.‏ والسادس‏:‏ لا يخرج على الأمير بالسيف‏.‏ والسابع‏:‏ يفضل أبا بكر وعمر وعثمان وعليا على سائر الصحابة‏.‏ والثامن‏:‏ لا يكفر أحدا من أهل القبلة بذنب‏.‏ والتاسع‏:‏ يصلي على من مات من أهل القبلة‏.‏ والعاشر‏:‏ يرى الجماعة رحمة والفرقة عذابا‏.‏ قال صاحب الكشاف‏:‏ في هذا الفصل شروط وزيادات لأصحابنا يجب أن تراعى وسئل أبو النصر الدبوسي عن معنى قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «كل مولود يولد على الفطرة» قال أي يولد على دلالة الخلقة على معنى أن الله تعالى خلقه على خلقة لو نظر إليها وتفكر فيها على حسب ما يجب لدلته على ربوبيته ووحدانيته ومعنى قوله‏:‏ يهودانه أي ينقلانه إلى حكم اليهودية وأحوالها بالتلقين لكونه في أيديهم لذلك ظهر العمل في المسألتين خلفا عن سلف أن الولد يكون تابعا للوالدين من غير من أن يكون منه كفر، أو إسلام على الحقيقة وسئل أبو النصر الدبوسي فقيل‏:‏ ما معنى الأخبار التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم وروي في بعضها «صلوا خلف كل بر وفاجر»، وفي بعضها «القدرية مجوس هذه الأمة إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشيعوا جنائزهم»‏.‏ وفي بعضها «إن أمتي ستفترق على كذا وكذا كلهم في النار إلا واحدة» فقال المشايخ‏:‏ إن من شرائط السنة والجماعة أن لا يكفر أحدا من أهل القبلة وسئل بعضهم عن الفاجر والبر فقال‏:‏ الفاجر هو الفاسق من أهل الإسلام، والبر هو العدل من أهل الإسلام وقد جاء مفسرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يخرج أحد من أهل الإسلام بذنب، وذكر افتراق الأديان، فمن كان من أهل الإسلام فالصلاة خلفه جائزة، وإن كان يعمل الكبائر وأهل الأهواء على ضربين منهم من يخرج عن الإسلام ومنهم من لا يخرج فمن خرج عن الإسلام لا تجوز الصلاة خلفه وقد سبق الكلام فيه مستوفى في تتمة كلمات الكفر في آخر كلمات الكفر في آخر كتاب السير، وفي باب الجماعة ومن لا يخرج منه فالصلاة خلفه جائزة ومن خرج من الإسلام فهو في النار خالد ومن لم يخرج منه فهو في جملة أهل المشيئة قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء‏}‏، وأما ما جاء في حق أهل الأهواء أنهم لا يعادون ولا تشيع جنائزهم فهذا تغليظ وتشديد كان في الزمان الأول حيث كان المسلمون أمة واحدة في عهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم أجمعين ولما قتل عثمان وقعت الفرقة وظهرت الأهواء وغلبت الأحزاب أهل الأهواء ولم يكن إمضاء الأمر على السبيل الأول وقد كانوا يجالسون علي بن أبي طالب رضي الله عنه ويزاحمون وكذا العلماء والفقهاء من بعده إلى يومنا هذا والدليل على ذلك ما جاء أن شهادة أهل الأهواء جائزة وسئل أبو بكر القاضي عن الرجل هل يعلم أنه على مذهب أهل السنة والجماعة‏؟‏ فقال‏:‏ إذا رجع علمه إلى كتاب الله، وإلى ما قاله السلف الصالح فهو على مذهب السنة والجماعة‏.‏

فصل في الأكل والشرب

قدم فصل الأكل والشرب على غيره لأن الاحتياج إلى بيان مسائله أهم من غيره قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏كره لبن الأتان‏)‏ لأن اللبن يتولد من اللحم فصار مثله وكذا لبن الخيل يكره عند الإمام كلحمه عنده‏:‏ واختلف في كراهة لحم الخيل عندهما كذا في فتاوى قاضي خان‏:‏ ولا تؤكل الجلالة ولا يشرب لبنها لأنه عليه الصلاة والسلام‏:‏ «نهى عن أكلها وشرب لبنها» والجلالة هي التي تعتاد أكل الجيف ولا تخلط فيكون لحمها منتنا ولو حبست حتى يزول النتن حلت ولم يقدر لذلك المدة في الأصل وقدر في النوادر بشهر وقيل بأربعين يوما في الإبل وبعشرين يوما في البقر وبعشرة أيام في الشاة وثلاثة أيام في الدجاجة والتي تخلط بأن تتناول النجاسة والجيف وتتناول غيرها على وجه لا يظهر أثر ذلك في لحمها فلا بأس بحلها ولهذا يحل أكل جذع تغذى بلبن الخنزير لأن لحمه لا يتغير وما تغذى به يصير مستهلكا لا يبقى له أثر ولهذا قالوا‏:‏ لا بأس بأكل الدجاج لأنها تخلط ولا يتغير لحمه وما روي أن الدجاج يحبس ثلاثة أيام، ثم يذبح فذلك على وجه القربة لا على أنه شرط وفي المحيط ولا بأس بأكل شعير يوجد في بعر الإبل والشاة فيغسل ويؤكل، وإن في أحشاء البقر وروث الفرس لا يؤكل لأن البعر صلب فلا تتداخل النجاسة في أجزاء الشعير والحنطة ولا بأس بأكل دود الزيتون قبل أن تنفخ فيه الروح لأن إثم الميت إنما يطلق على من له روح ويكره دفع الجهد من السقاية وحمله إلى المنزل لأنه وضع للشرب لا للحمل والحطب الذي يوجد في الماء إن كان لا قيمة له فهو حلال لأنه مأذون في أخذه، وإن كان له قيمة فلا ولا بأس بمضغ العلك للنساء لأن سنهن أضعف من سن الرجال فأقيم العلك لهن مقام السواك ولا بأس للنساء بخضاب اليد والرجل ما لم يكن خضاب فيه تماثيل ويكره للرجال والصبيان لأن ذلك تزين وهو مباح للنساء دون الرجال ولا بأس بخضاب الرأس واللحية بالحناء والوشمة للرجال والنساء لأن ذلك سبب لزيادة الرغبة والمحبة بين الزوجين‏.‏

ويجوز رفع الثمار من نهر جار وأكلها، وإن كثر لأنه مما يفسد الماء إذا ترك فيكون مأذونا بالرفع دلالة‏.‏ رجل نثر السكر فوقع في حجر رجل فأخذه رجل آخر منه إن كان فتح حجره ليقع فيه السكر لا يجوز لأنه أحرزه، وإلا فيجوز لأنه ما أحرزه، ونظيره رجل وضع طشتا على سطح فاجتمع فيه ماء المطر فجاء رجل ورفعه إن كان وضعه صاحبه لذلك فهو له، وإن لم يضعه لذلك فهو للرافع لأنه لم يحرزه‏.‏

وفي الظهيرية‏:‏ وإن أكل أكثر من حاجته ليتقيأ قال الحسن البصري‏:‏ رأيت أنس بن مالك يأكل ألوانا من الطعام ويكثر، ثم يتقيأ وينفع ذلك، وهو المذهب عند أصحابنا روي عن بعض الأطباء أنه قيل له‏:‏ هل يجد الطبيب في كتاب الله دليل تطبب‏؟‏ قال‏:‏ نعم قد جمع الله الطب في هذه الآية وهو قوله‏:‏ ‏{‏وكلوا واشربوا ولا تسرفوا‏}‏ يعني الإسراف في الأكل والشرب هو الذي منه الأمراض وقيل كان الرجل قليل الأكل كان أصح جسما وأجود حفظا وأذكى فهما وأقل نوما وأخف نفسا، ذكر محمد كل واحد منها من إفساد الطعام قال‏:‏ ومن الإفساد الإسراف في الطعام وهو أنواع فمن ذلك أن يأكل فوق الشبع فهو حرام، وفي الينابيع، وإذا أكل الرجل فوق الشبع فهو حرام في كل مأكول ومن المتأخرين من استثنى حالة ما إذا كان له غرض صحيح في الأكل فوق الشبع فحينئذ لا بأس به فإن أتاه ضيف بعدما أكل قدر حاجته فليأكل لأجله حتى لا يخجل، أو يريد صوم الغد فليتناول فوق الشبع‏.‏ ومن الإسراف في الطعام الإسراف في المباحات والألوان فذلك منهي عنه إلا عند الحاجة بأن يمل من ناحية واحدة فليستكثر من المباحات ليستوفي من أي لون شاء فيحصل له مقدار ما يتقوى به على الطاعة وكذلك إذا كان من قصده أن يدعو الأضياف قوما بعد قوم إلى أن يأتوا إلى آخر الطعام فلا بأس بالاستكثار في هذه الصورة، ومن الإسراف أن يأكل وسط الخبز ويدع حواشيه ويأكل ما انتفخ من الخبز كما يفعله بعض الجهال ويزعمون أن ذلك ألذ ولكن هذا إذا كان لا يأكل غيره ما ترك من حواشيه فأما إذا كان غيره يتناول ذلك فلا بأس بذلك كما لا بأس أن يتناول رغيفا دون رغيف، ومن الإسراف التمسح بالخبز، وفي الذخيرة‏:‏ ومن الإسراف مسح السكين والأصبع بالخبز عند الفراغ من الأكل من غير أن يأكل ما يتمسح فيه فأما إذا أكل فلا بأس به، وفي التتمة سئل عمن مسح اليد على ثيابه فقال‏:‏ لا يجوز وسئل عن مسح اليد بدستار ورق فقال‏:‏ لا يجوز، وفي الكافي ولا بأس بخرقة الوضوء والمخاط، وفي الجامع الصغير وتكره الخرقة التي تحمل ويمسح بها العرق إلا إذا كان شيئا لا قيمة له، وكذا الخرقة التي يمخط بها وكذا التي يمسح بها الوضوء، وإنما يكره إذا فعل ذلك للتكبر أما من فعل ذلك للحاجة فلا يكره، ومن الإسراف إذا سقط من يده لقمة أن يتركها بل ينبغي أن يبدأ بتلك اللقمة وينبغي أن لا ينتظر الإدام إذا حضر الخبز ويأخذ في الأكل قبل أن يأتي الإدام‏.‏

ويستحب غسل اليدين قبل الطعام فإن فيه بركة، وفي البرهانية‏:‏ والسنة أن يغسل الأيدي قبل الطعام وبعده وفي واقعات الناطفي‏:‏ الأدب في غسل الأيدي قبل الطعام أن يبدأ بالشبان، ثم بالشيوخ، وإذا غسل لا يمسح بالمنديل لكن يترك ليجف ليكون أثر الغسل باقيا وقت الأكل، والأدب في الغسل بعد الطعام أن يبدأ بالشيوخ ويمسح بالمنديل ليكون أثر الطعام زائلا بالكلية وفي التتمة سئل والدي عن غسل الفم للأكل؛ هل هو سنة كغسل اليد‏؟‏ فقال لا، وإذا غسل يده للأكل بنخالة، أو غسل رأسه بذلك وأحرقها إن لم يكن فيها شيء من الدقيق وهي نخالة تعلف بها الدواب فلا بأس، وفي الذخيرة، وفي نوادر هشام سألت محمدا عن غسل اليدين بالدقيق بعد الطعام هل هو مثل الغسل بالأشنان فأخبرني أن أبا حنيفة وأبا يوسف لم يريا بأسا لتوارث الناس ذلك من غير نكير وفي الخانية ويكره للجنب رجلا كان، أو امرأة أن يأكل طعاما، أو شرابا قبل غسل اليدين والفم ولا يكره ذلك للحائض ويستحب تطهير الفم من جميع المواضع وينبغي أن يصب من الآنية على يده بنفسه ولا يستعين بغيره في وضوء حكى ذلك عن مشايخنا رحمهم الله تعالى في أنه قال‏:‏ هذا كالوضوء ولا يستعين بغيره في وضوء ولا يأكل طعاما حارا به ورد الأثر ولا يشم الطعام فإن ذلك عمل البهائم، ولا ينفخ في الطعام والشراب ومن السنة أن لا يأكل الطعام من وسطه، ويأكل من ابتداء الأكل ومن السنة لحس القصعة وأن يلعق أصابعه قبل أن يمسحها بالمنديل، وتركه من أثر العجم والجبابرة وفي الخلاصة ومن السنة لعق القصعة‏.‏

وفي البرهانية رجل أكل الخبز مع أهله واجتمع كسيرات الخبز ولا يشتهي أكلها فله أن يطعمه الدجاجة والشاة والهرة وهو الأفضل ولا ينبغي أن يلقيه في النهر والطريق إلا إذا وضع لأجل النمل ليأكل النمل فحينئذ يجوز هكذا فعل بعض السلف ومن السنة أن يأكل ما سقط من المائدة ومن السنة أن يبدأ بالملح ويختم بالملح، وفي السراجية‏:‏ الأكل على الطريق مكروه وأكل الميتة حالة المخمصة قدر ما يدفع به الهلاك عن نفسه لا بأس به ولا بأس بطعام المجوسي إلا الذبيحة‏.‏ رجل قال‏:‏ من تناول من مالي فهو مباح فتناول رجل من غير أن يعلم إباحته جاز‏.‏

ولا ينبغي للناس أن يأكلوا من طعام الظلمة وليقبح الأمر عليهم وزجرهم عما يرتكبونه، وإن كان يحل طعامهم‏.‏ أكل دود القز قبل أن ينفخ فيه الروح لا بأس به، وفي الخانية‏:‏ الجدي إذا ربي بلبن الأتان؛ قال ابن المبارك‏:‏ يكره أكله وأخبرني رجل عن الحسن أنه قال‏:‏ إذا ربي الجدي بلبن الخنزير لا بأس به فقال معناه إذا اعتلف أياما فهو بعد ذلك كالجلالة وبول ما لا يؤكل لحمه عند أبي حنيفة وأبي يوسف لا يجوز التداوي به وعند محمد يجوز التداوي وغيره‏.‏

وذكر في عيون المسائل‏:‏ إذا مر الرجل بالثمار في أيام الصيف وأراد أن يتناول منها الثمار الساقطة تحت الأشجار فإن كان ذلك في المصر لا يسعه التناول إلا إذا علم أن صاحبها قد أباح إما نصا، أو دلالة أو عادة، وإذا كان في القيظ فإن كان الثمار التي تبقى مثل الجوز وغيره لا يسعه الأخذ إلا إذا علم الإذن، وفي الغياثية هو المختار، وإن كان من الثمار التي لا تبقى اختلفوا فيه قال الصدر الشهيد‏:‏ والمختار أنه لا بأس بالتناول ما لم يتبين النهي إما صريحا أو عادة، وفي العتابية والمختار أنه لا يأكل منهما ما لم يعلم أن صاحبها رضي بذلك، وإن كان ذلك في الوسواس التي يقال لها بالفارسية هراسية فإن كان من الثمار التي لا تبقى فالمختار أنه لا بأس بالأكل ما لم يتبين النهي، وفي جامع الجوامع‏:‏ ولا يحل حمل شيء منه، وأما إذا كان الثمار على الأشجار فالأفضل أن لا يؤخذ في موضع ما إلا أن يأذن، أو يكون موضع كثير الثمار يعلم أنه لا يشق عليه أكل ذلك فيسعه الأكل ولا يسعه الحمل، وأما أوراق الأشجار إذا سقط على الطريق في أيام العليق وأخذ إنسان شيئا من ذلك بغير، إذن صاحب الشجر فإن كان هذا ورق شجر ينتفع بورقه نحو التوت وما أشبه ذلك ليس له أن يأخذ، وإن أخذ يضمن، وإذا كان لا ينتفع به له أن يأخذ، وإن أخذ لا يضمن، وفي الفتاوى الخلاصية ولو مر بسوق العامدين فوجد فيه سكرا لا يسعه أن يتناول منه ولو أن قوما اشتروا فلاة من أرز فقالوا‏:‏ من أطهر الفلاة فعليه أن يشتري منه فيأكله فأطهر واحد واشترى ما أوجبوه عليه يكره للكل لأن فيه تعليقا بالشرط، وفي الخانية‏:‏ شجرة في مقبرة قالوا‏:‏ إن كانت نابتة في الأرض قبل أن يجعلها مقبرة فمالك الأرض أحق بها يصنع بها ما شاء، وإن كانت الأرض مواتا ولا مالك لها فجعلها أهل تلك المحلة، أو القرية مقبرة فإن الشجرة وموضعها من الأرض على ما كان حكمها في القديم وإن نبتت الشجرة بعدما جعلت مقبرة فإن كان الغارس معلوما كانت له وينبغي أن يتصدق بثمن ثمرها، وإن كانت الشجرة نبتت بنفسها فحكمها يكون للقاضي إن رأى قلعها، أو إبقاءها على المقبرة فعل‏.‏ رفع الكمثرى من نهر جار ورفع التفاح وأكلها جائز، وإن كثر، وفي الجوز الذي يلعب به الصبيان يوم العيد لا بأس بأكله إذا لم يكن الأكل على وجه القمار، وفي الظهيرية وهو المختار، وفي الخلاصة‏:‏ والأكل مكشوف الرأس والأكل يوم الأضحى قبل الصلاة فيه روايتان، والمختار أنه لا يكره وأكل الطين مكروه، وفي فتاوى أبي الليث ذكر شمس الأئمة إذا كان يخاف على نفسه من أكل الطين بأن كان يورث علة لا يباح له أكل الطين وكذا أكل شيء أكله يورث ذلك، وإن كان يتناول منه قليلا ويفعل أحيانا لا بأس به وأكل الطين البحاري لا بأس به ما لم يسرف، وكراهة أكله لا لحرمته بل لأنه يهيج الدم والمرأة إذا اعتادت أكل الطين تمنع من ذلك إذا كان يوجب النقصان في جمالها ولا بأس بأكل الفالوذج والأطعمة النفيسة وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه‏:‏ «أكل الرطب مع البطيخ» وأكل عمر رضي الله عنه البطيخ مع السكر، وفي التتمة وضع الملح على القرطاس ووضعه على الخبز يجوز، وتعليق الخبز بالخوان مكروه ويكره وضع الخبز تحت القصعة وكان الشيخ ظهير الدين المرغيناني لا يفتي بالكراهة في وضع المملحة على الخبز ولا مسح السكين بالخبز والأصبع ومن المشايخ من أفتى بالكراهة‏.‏ وفي التتمة سئل أبو يوسف بن محمد والحسن بن علي عن مريض قال له طبيب‏:‏ لا بد لك من أكل لحم الخنزير حتى يدفع عنك العلة قالا‏:‏ لا يحل له أكله وقيل‏:‏ هو يفرق الأمر بينهما إذا أمره بأكله، أو جعله في داره فقالا لا قيل ولو كان الحلال أكثر قالا‏:‏ وقياس الإفتاء في شرب الخمر للتداوي أنه يجوز في لحم الخنزير وسئل الحسن بن علي عن أكل الحية والقنفذ، أو أكل الدواء الذي فيه الحية إذا أشار الطبيب الحاذق بأنه يدفع العلة هل يحل أكله قال‏:‏ لا وسئل علي بن أحمد عن خبز الخبز على نوعين نوع للجواري ونوع لنفسه ويأكل ما يجعل لنفسه هل يأثم قال‏:‏ يكره له ذلك وسئل عن سؤر الهرة إذا عجن فيه الدقيق وخبز هل يكره أكله قال‏:‏ لا، سئل عن الخبز إذا عجن بالحليب قال لا يكره ولا بأس به وعن قطع اللحم بالسكين قال‏:‏ لا بأس به وسئل عن عرق الآدمي ونخامته ودمعه إذا وقع في المرقة أو في الماء هل يأكل المرقة ويشرب الماء قال‏:‏ نعم ما لم يغلب ويصير مستقذرا طبعا، وسئل عن سن الآدمي إذا طحن في الحنطة فالمنصوص عليه أن لا يؤكل وهل تدفن الحنطة، أو تأكلها البهائم قال‏:‏ لا تأكلها البهائم وسئل عن الفأرة تأكل الحنطة هل يجوز أكلها قال‏:‏ نعم لأجل الضرورة‏.‏

وسئل أبو الفضل عن إشعال التنور بأحشاء البقر هل يجوز إذا خبز بها الخبز قال‏:‏ يجوز أكل ذلك الخبز وسئل أبو حامد عن شعل التنور بأرواث الحمر هل يخبز بها قال‏:‏ يكره ولو رش عليه ماء بطلت الكراهة وعليه عرف أهل العراق، ورماده طاهر‏.‏

وفي العتابية يكره الأكل والشرب متكئا أو واضعا شماله على يمينه، أو مستندا ولا يسقي أباه الكافر خمرا ولا يناوله القدح ويأخذه منه ولا يذهب به إلى البيعة، ويرده منها ويوقد تحت قدره إذا لم يكن فيه ميتة، وفي النوازل قال محمد بن مقاتل‏:‏ البطنة بطنتان أحدهما أن يتعمد الرجل السمن وعظم البطن فإن هذا مكروه فأما من رزقه الله بطنا عظيما وكان ذلك خلقا من غير أن يتعمد السمن فلا شيء عليه قال الفقيه‏:‏ التأويل في الخبر الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أن الله يبغض الحبر السمين» معناه إذا تعمد السمن أما إذا خلقه الله سمينا فهو غير داخل في الخبر‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي السراجية ويكره أن يلبس الرجل ثوبا فيه كتابة بذهب وفضة روي أنه قول أبي يوسف وعلى قياس قول الإمام لا يكره فلا بأس بلبسه ا هـ‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏والأكل والشرب والادهان والتطيب في إناء ذهب وفضة للرجال والنساء‏)‏ لما روى حذيفة أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «لا تلبسوا الحرير ولا الديباج ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها، وإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة» رواه البخاري ومسلم وأحمد وروي عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إن الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم» فإذا ثبت في الشرب فالأكل كذلك والتطيب لاستوائهم في الاستعمال فيكون الوارد فيها يكون واردا فيما هو في معناها دلالة ولأنها تنعم بتنعم المترفهين والمسرفين وتشبه بهم قال الله تعالى فيهم ‏{‏أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا‏}‏ وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ «من تشبه بقوم فهو منهم» والمراد بقوله كره كراهة التحريم ويستوي فيه الرجال والنساء لإطلاق ما روينا وكذا الأكل بملعقة من الذهب والفضة والاكتحال بميلها وما أشبه ذلك من الاستعمالات ومعنى يجرجر يردد من جرجر الفحل إذا ردد صوته في حنجرته قال في النهاية‏:‏ قيل صورة الإدهان المحرم هو أن يأخذ آنية الذهب، أو الفضة ويصب الدهن على الرأس أما إذا أدخل يده وأخذ الدهن، ثم يصب على الرأس لا يكره وعزاه إلى الذخيرة وظاهر عبارة النهاية حيث عبر بقيل أنه ضعيف قال في الجامع الصغير‏:‏ قالوا‏:‏ وهذا إذا كان يصب من الآنية على رأسه أم بدنه أما إذا أدخل يده في الإناء وأخرج منها الدهن، ثم استعمل فلا يكره ا هـ‏.‏ وهو يفيد صحته قال في العتابية‏:‏ وأرى أنه مخالف لما ذكره المصنف في المكحلة والميل ولا بد أن ينفصل عنها حين الاكتحال ومع ذلك فقد ذكر في المحرمات‏:‏ واعترض صاحب التسهيل على ما قيل في صورة الإدهان وهو يقتضي أنه لا يكره إذا أخذ الطعام من آنية الذهب والفضة بملعقة، ثم أكل منها وكذا إذا أخذ بيده ثم أكل منها وأجاب عنه صاحب الدرر والغرر بما يصلح جوابا عما أورده صاحب العناية قال حيث قال بعد ذكر الاعتراض أقول‏:‏ منشؤه الغفلة عن معنى عبارة المشايخ وعدم الوقوف على مرادهم؛ أما الأول‏:‏ فلأن ‏"‏ من ‏"‏ في قولهم من إناء ذهب ابتدائية، وأما الثاني فلأن مرادهم أن الأدوات المصنوعة من المحرمات إنما يحرم استعمالها فيما صنعت له بحسب متعارف الناس؛ فإن الأواني الكبيرة المصنوعة من الذهب والفضة لأجل أكل الطعام إنما يحرم استعمالها إذا أكل منها باليد، أو الملعقة، وأما إذا أخذ منها ووضع على موضع مباح فأكل منه لم يحرم لانتفاء ابتداء الاستعمال منها وكذا الأواني الصغيرة المصنوعة لأجل الإدهان ونحوه إنما يحرم استعمالها إذا أخذت وصب منها الدهن على الرأس لأنها صنعت لأجل الإدهان منها بذلك الوجه، وأما إذا أدخل يده وأخذ الدهن وصبه على الرأس ومن اليد فلا يكره لانتفاء ابتداء الاستعمال منها فظهر أن مرادهم أن يكون ابتداء الاستعمال المتعارف من ذلك على العرف المحرم ا هـ‏.‏ وأورد عليه بأن الموجود في عبارة المتقدمين كالجامع الصغير والمحيط والذخيرة، وإنما وقف كله في عبارة بعض المتأخرين، والثالث أن العرف المتعارف فيه التناول باليد والمعرفة فيما ذكره لا تصلح فارقا، وفي الفتاوى الغياثية‏:‏ ويكره أن يدهن رأسه بدهن من إناء فضة وكذا إذا صب الدهن على رأسه، ثم مسح رأسه، أو لحيته، وفي الغالية لا بأس ولا يصب الغالية على الرأس من الدهن، وفي المنتقى‏:‏ يكره أن يستجمر بمجمر ذهب، أو فضة وهو مروي عن الإمام وأبي يوسف، وفي السراجية‏:‏ ويكره أن يكتب بقلم ذهب، أو فضة، أو دواة كذلك‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏لا من رصاص وزجاج وبلور وعقيق‏)‏ يعني لا تكره الأواني من هذه الأشياء وقال الإمام الشافعي‏:‏ تكره لأنها في معنى الذهب والفضة قلنا لا نسلم بذلك ولأن عادتهم لم تجر بالتفاخر بغير الذهب والفضة فلم تكن هذه الأشياء في معناهما فامتنع الإلحاق بهما ويجوز استعمال الأواني من الصفر لما روي عن عبد الله بن يزيد قال «أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجنا له ماء في تور من صفر فتوضأ» رواه البخاري وأبو داود وغيرهما ويستدل به على إباحة غير الذهب والفضة لأنه في معناه بل عينه‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وحل الشرب في إناء مفضض والركوب على سرج مفضض والجلوس على كرسي مفضض ويتقي موضع الفضة‏)‏ يعني يتقي موضعها بالفم وقيل بالفم واليد في الأخذ والشرب، وفي السرج والكرسي موضع الجلوس وكذا الإناء المضبب بالذهب والفضة وكذا الكرسي المضبب بهما وكذلك إذا جعل ذلك في نصل السيف والسكين، أو في قبضتهما ولم يضع يده في موضع الذهب والفضة وكذا إذا جعل ذلك في المسجد، أو حلقة للمرأة، أو جعل المصحف مذهبا، أو مفضضا وكذا اللجام والركاب المفضض وهذا كله عند الإمام وقال أبو يوسف يكره ذلك كله وقول محمد روي مع الإمام وروي مع الثاني وهذا الخلاف فيما إذا كان يخلص، وأما المموه الذي لا يخلص فلا بأس به بالإجماع لأنه مستهلك فلا عبرة به قال الشارح للثاني ما روي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ «من شرب من إناء ذهب، أو فضة، أو إناء فيه شيء من ذلك فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم» رواه الدارقطني ورد عليه بعضهم حيث قالوا لو ثبتت هذه الزيادة كان حجة قاطعة على الإمام لكن لم نجده في رواية البخاري وغيره إلا خاليا عن هذه الزيادة ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ عدم وجدان تلك الزيادة فيما ذكر لا يدل على عدم وجودها في رواية أخرى لم ير محلها مع أن هذا القائل من فرسان ميدان علم الحديث فليتأمل وللإمام ما روي من الأخبار مطلقا من غير قيد بشيء ولما روي عن أنس‏:‏ «أن قدح رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيه ضبة فضة» ولأن الاستعمال هو القصد للجزء الذي يلاقي العضو وما سواه تبع له في الاستعمال فلا يكره فصار كالجبة المكفوفة بالحرير والعلم في الثوب ومسمار الذهب في فص الخاتم وكالعمامة المعلمة بالذهب وروي أن هذه المسألة وقعت في مجلس أبي جعفر الدوانقي والإمام حاضر وأئمة عصره حاضرون فقالت الأئمة‏:‏ يكره والإمام ساكت فقيل له ما تقول قال إن وضع فمه في موضع الفضة يكره، وإلا فلا قيل له‏:‏ من أين لك‏؟‏ قال‏:‏ أرأيت لو كان في أصبعه خاتم فضة فشرب من كفه يكره ذلك فوقف الكل وتعجب ابن جعفر من جوابه، وفي نوادر هشام في قارورة ذهب، أو فضة يصب منها الدهن على رأسه والأشنان أكرهه ولا أكره الغالية وفرق بينهما بأن في الغالية يدخل الإنسان يده فإذا أخرجه إلى الكف لم يكن استعمالا فأما الدهن فإنه يستعمل ولا يشد الأسنان بالذهب ولو جدع أنفه لا يتخذ أنفا من ذهب ويتخذه من الفضة عند الإمام وعند الثالث يتخذ من الذهب لما روي‏:‏ «عن عرفجة أنه أصيب أنفه فاتخذ أنفا من الفضة فأنتن فأمر النبي عليه الصلاة والسلام بأن يتخذ أنفا من الذهب» ولأن الفضة والذهب مستويان في الحرمة إذا سقطت ثنيته فإنه يكره أن يعيدها ويشدها بذهب، أو فضة ولكن يأخذ سن شاة مذكاة فيجعلها مكانها عند الإمام وقال أبو يوسف‏:‏ يشدها بالذهب والفضة في مكانها كذا في المحيط مع بيان الدليل ا هـ‏.‏ وفي العتابية وسلاسل الخيل من الفضة فيها الخلاف المتقدم ا هـ‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ويقبل قول الكافر في الحل والحرمة‏)‏ قال الشارح وهذا سهو لأن الحل والحرمة من الديانات ولا يقبل قول الكافر في الديانات، وإنما يقبل قوله‏:‏ في المعاملات خاصة للضرورة لأن خبره صحيح لصدوره عن عقل ودين يعتقد فيه حرمة الكذب والحاجة ماسة إلى قبول قوله لكثرة وقوع المعاملات ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ الظاهر أن أصل عبارة المؤلف في الحل والحرمة الضمني فأسقط بعض الكتبة لفظ ‏"‏ الضمني ‏"‏ فشاع ذلك واشتهر حتى إذا كان خادم كافر، أو أجير مجوسي فأرسله ليشتري له لحما فقال اشتريت من يهودي، أو نصراني، أو مسلم وسعه أكله، وإن قال اشتريت من مجوسي لا يسعه فعله لأنه لما قبل قوله في حق الشراء منه لزم قبوله في حق الحل والحرمة ضرورة لما ذكرنا، وإن كان لا يقبل قوله فيه قصدا بأن قال‏:‏ هذا حلال، أو هذا حرام ألا ترى أن بيع الشرب وحده لا يجوز وتبعا للأرض يجوز وكم من شيء يصح ضمنا، وإن لم يصح قصدا كذا صرحوا به قاطبة ولو قال اشتريته من غير المسلم والكتابي فإنه يقبل قوله‏:‏ في ذلك ويتضمن حرمة ما اشتراه كما صرحوا به أيضا‏.‏ قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏والمملوك والصبي في الهدية والإذن‏)‏ والأصل أن المعاملات يقبل فيها خبر كل مميز حرا كان، أو عبدا مسلما كان، أو كافرا صغيرا كان، أو كبيرا لعموم الضرورة الداعية إلى ذلك، وإلى سقوط اشتراط العدالة فإن الإنسان قلما يجد المستجمع لشرائط العدالة ولا دليل مع السامع يعمل به سوى الخبر فلو لم يقبل خبره لامتنع باب المعاملات ووقعوا في حرج عظيم وبابه مفتوح ولأن المعاملات ليس فيها إلزام واشتراط العدالة للإلزام فلا معنى لاشتراطها فيها فاشترط فيها التمييز لا غير فإذا قبل فيها قول المميز وكان في ضمن قبوله فيها قبوله في الديانات يقبل قوله‏:‏ في الديانات ضمنا لما ذكرنا حتى إذا قال المميز أهدى إليك فلان هذه الجارية، أو بعثني مولاي بها إليك وسعه الأخذ والاستعمال حتى جاز له الوطء بذلك لأن الديانات دخلت تبعا للمعاملات كما تقدم بخلاف الديانات المقصودة لأنه لا يكثر وقوعها كالمعاملات ولا حرج في اشتراط العدالة ولا حاجة إلى قبول قول الفاسق لأنه متهم وكذا الكافر والصغير لأنهما متهمان فيها وأطلق في الهدية والإذن فشمل ما إذا أخبر بإهداء المولى نفسه، أو غيره بأن يقول‏:‏ أهداني إليك سيدي وشمل أيضا ما إذا أخبر المملوك بإهداء الجواري والمتاع وغيره كذا في الهداية وغيرها، وفي المحيط والمعتوه كالصبي ا هـ‏.‏ قال في الهداية، وفي الإذن بأن جعل المولى عبده مأذونا له في التجارة‏.‏ قال‏:‏ لو أن رجلا قد علم أن جارية لرجل يدعيها رجل فرآها في يد رجل آخر يبيعها فقال الذي في يده الجارية‏:‏ قد كانت كما قلت إلا أنها لي وصدقه في ذلك وكان مسلما ثقة فلا بأس بأن يشتريها منه، وفي الخانية ولا تقبل هدية ولا صدقة حتى يتحرى فإن وقع في قلبه أنه صادق يقبل منه، وإن لم يقع تحريه على شيء من ذلك بقي ما كان على ما كان، وإن كان وقع تحريه على أنه كاذب لا يقبل منه قال في التلويح‏:‏ قيل‏:‏ ذكر فخر الإسلام أن خبر المميز الغير العدل يقبل في الوكالة والهدايا من غير تحر، وفي موضع آخر أنه يشترط التحري، وهو المذكور من كلام السرخسي ومحمد فقيل يجوز أن يكون المذكور في كتاب الاستحسان تفسير الهدية فيشترط ويجوز أن يشترط استحسانا ويجوز أن يكون في المسألة روايتان‏.‏ قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏والفاسق في المعاملات لا في الديانات‏)‏ يعني يقبل قول الفاسق فيما ذكر لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا‏}‏ والتبين التثبت وهو طلب البيان وذلك بالتحري وطلب الصدق في خبره لأن الفاسق قد يكون ذا مروءة فيستنكف عن الكذب وقد يكون ذا خسة لا يبالي عن الكذب فوجب طلب التحري فإن وقع تحريه على أنه صادق يقبل قوله‏:‏ وإلا فلا والأحوط والأوثق أن يريقه ويتيمم، وفي المحيط ولو أخبر بذلك فاسق، أو من لا تعرف عدالته فإن غلب على ظنه صدقه قد يسمع قوله‏:‏ وإلا فلا ا هـ‏.‏ ولا يقبل قول الذمي، وفي الخانية أي لأن الكافر يعتقد أن المسلم على دين باطل فيقصد الإضرار به للعداوة فيرجح الكذب في خبره فلا يجب التحري بل يستحب لأن احتمال الصدق قائم بخلاف ما لو أخبره فاسق فإن التحري يجب لاستواء الصدق والكذب فيه كذا في المحيط قال الشارح ولا يقبل في الديانات قول المستور في ظاهر الرواية وعن أبي حنيفة أنه يقبل ويقبل في الديانات قول العبد والإماء إذا كانوا عدولا لترجح جانب الصدق في خبرهم، والوكالة من المعاملات والإذن في التجارة من المعاملات وكل شيء ليس فيه إلزام ولا ما يدل على النزاع فهو من المعاملات؛ فإن كان شيء من ذلك لا يقبل فيه خبر الواحد، ومن الديانات الحل والحرمة إذا لم يكن فيه زوال ملك قال السغناقي‏:‏ لا يقبل خبر العدل في الديانات إذا كان فيه زوال ملك حتى لو أخبر رجل عدل، أو امرأة الزوجين بأنهما ارتضعا على فلانة لا يقبل بل لا بد من الشهادة ا هـ‏.‏ فإن قلت‏:‏ لماذا اشترط في قبول خبر العدل عدم زوال الملك ولم يشترط ذلك في قبول خبر الصبي والمملوك حتى لو قال الصبي أو العبد‏:‏ سيدي أهدى إليك هذه الجارية قبل قوله وفيه زوال الملك مع أن العبد أدنى حالا من الحر العدل قلنا لأن ملكه للرقبة أدنى حالا من ملك النكاح بدليل اشتراط الشهادة في ملك النكاح دون ملك الرقبة فلهذا اشترط في خبر الحر ما ذكر دون خبر الصبي فتأمل ا هـ‏.‏ وحاصله أن الخبر أنواع أحدها خبر الرسول فيما ليس فيه عقوبة فيشترط فيه العدالة لا غير، والثاني خبره فيما فيه عقوبة فهو كالأول عند الثاني وهو اختيار الجصاص خلافا لأبي الحسن الكرخي حيث يشترط فيه الثواب عنده، وشهر رمضان من القسم الأول والثالث حقوق العباد فيما فيه إلزام من وجه دون وجه فيشترط فيه إحدى شرطي الشهادة إما العدد، أو العدالة خلافا لهما حيث يقبل فيها خبر كل مميز‏.‏ والرابع العلامات وقد بينا حكمها‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي التتارخانية وشرط أن يكون المخبر عدلا مسلما والحاكم الشهيد ذكر في المختصر العدالة ولم يذكر الإسلام وتبين بما ذكر الحال، وأن ذكر الإسلام اتفاقي وليس بشرط ا هـ‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ولو أخبر مسلم ثقة حرا، أو عبدا ذكرا، أو أنثى أنها ذبيحة مجوسي وقال الباقون‏:‏ بل حلال وهم عدول أخذ بقولهم‏)‏ وكذا لو أخبره عدلان الصدق يترجح بزيادة العدد في المخبر بخلاف الشهادة فإن كانوا متهمين أخذ بقول الواحد لأنه لا يجوز إبطال خبر العدل بخبرهم، وإن كان فيهم واحد عدل يتحرى كما لو أخبره عدلان أحدهما بالحل والآخر بالحرمة يجب ترجيح أحدهما بالتحري، وإن لم يكن له رأي واستويا عنده فلا بأس بأن يأكل بخلاف ما إذا روى أحدهما خبرا بحرمة وروى أحدهما بحل ترجح الحرمة على الحل بجعل الحرمة ناسخا ولو أخبره اثنان بالحل وواحد بالحرمة فلا بأس بأكله ولو أخبره حران بحرمة وعبدان بحل يترجح خبر الحرين بالحرمة ولو أخبره حران عدلان بحل وأربعة عبيد بحرمة أو رجل بحل وامرأتان بحرمة ترجح بالذكورية والحرية ومن اشترى جارية فأخبره مسلم ثقة أنها حرة الأصل أو أخته من الرضاع فله أن يطأها، وإن تنزه فهو حسن لأن شهادة الواحد لا تبطل الملك ولا توجب حرمة الرضاع ولو ملك طعاما، أو جارية بسبب فشهد مسلم ثقة أن المملك غصبه من فلان تنزه عن أكلها ووطئها ولو أخبره عدل أنها ذبيحة مجوسي وأخبره القصاب بأنها ذبيحة مسلم والقصاب عدل تنزه عن ذلك ولو فعل لا شيء عليه ولو عرف جارية لزيد ورآها في يد غيره لم يسعه أن يشتريها ما لم يعرف أنها ملك الذي في يده، أو مأذون في بيعها‏.‏ رجل تزوج امرأة ولم يدخل بها فغاب عنها وأخبره ثقة حرا، أو عبدا، أو محدودا في قذف أنها ارتدت عن الإسلام وسعه أن يتزوج أربعة سواها إذا كان أكبر رأيه أنه صادق، وإن كان أكبر رأيه أنه كاذب لا يتزوج إلا ثلاثا‏.‏ امرأة غاب عنها زوجها فأخبرها مسلم ثقة بأنه مات أو طلقها ثلاثا وكان غيره ثقة، أو أتاها كتاب بالطلاق ولا تدري أهو كتابه، أو لا‏؟‏ إلا أن أكبر رأيها أنه حق فلا بأس أن تعتد وتتزوج ولو أخبرها رجل أن أصل النكاح كان فاسدا أن تتزوج بقوله، وإن كان ثقة ولو شهدا للمرأة أن زوجها طلقها ثلاثا، أو مات وهي تجحد ثم ماتا، أو غابا قبل الشهادة عند القاضي لم يسع المرأة أن تقيم معه ولا أن تمكنه من نفسها ولا أن تتزوج بغيره وكذا إذا سمعت الطلاق منه وهو يجحد فحلفه القاضي وردها إليه لم يسعها المقام ولا أن تعتد وتتزوج بغيره ولو شهد عند الأمة عدلان أن مولاها أعتقها وهو يجحد تمنعه من القربان وغيره كذا في المحيط مختصرا‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ومن دعي إلى وليمة وثمة لعب وغناء يقعد ويأكل‏)‏ يعني إذا حدث اللعب والغناء بعد حضوره يقعد ويأكل ولا يترك ولا يخرج ولا يخفى أن قوله وثمة إلى آخره جملة حالية عن نائب فاعل ‏"‏ دعي ‏"‏ فيفيد وجود ذلك حال الدعوة، فلو قال‏:‏ فحضر لعب لكان أولى فتأمل وعللوا ذلك بأن إجابة الدعوة سنة لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «من لم يجب الدعوة فقد عصى أبا القاسم» فلا يتركها لما اقترن بها من البدعة كصلاة الجنازة لأجل النائحة فإن قدر على المنع منع من غيره قال في العناية أخذا من النهاية قيل عليه إنه قياس السنة على الفرض وهو غير مستقيم فإنه لا يلزم من تحمل المحذور لأجل الفرض تحمله لأجل السنة أجيب بأنها سنة في قوة الواجب لورود الوعيد على تركها لقوله‏:‏ «فقد عصى أبا القاسم» الحديث فأورد على هذا بأنهم أرادوا بقولهم في قوة الواجب مثل الواجب في الأحكام فهو مشكل لوجوب الفرق بينهما في الأحكام بأن تارك الواجب يستحق العقوبة بالنار وتارك السنة لا يستحقها بل حرمان الشفاعة وإن أرادا بأنها في قوة الواجب مجرد بيان تأكيد السنة فلا يجدي نفعا وأجيب بأن إجابة الدعوة، وإن كانت سنة عندنا ابتداء إلا أنها تنقلب إلى الواجب بقاء بعد الحضور حيث يلزمه حق الدعوة بالتزامه فصار نظير الصلاة النافلة تنتقل إلى الواجب بل إلى الفرض بالتزامه بالمشروع أشار إليه صاحب الهداية فيكون قوله‏:‏ كصلاة الجنازة قياس واجب على واجب، وبيان تقريب الدليل ببيان الدعوة على ثلاثة أوجه‏:‏ الأول‏:‏ إذا دعي إلى وليمة، أو طعام ولم يكن ثمة شيء من البدع أصلا، والثاني‏:‏ إذا دعي إلى ذلك ولم يذكر حين الدعوة أن ثمة شيئا من البدع أصلا ولم يعلمه المدعو قبل الحضور ولكن هجم عليه والثالث‏:‏ إذا دعي إلى ذلك وذكر أن ثمة شيئا من البدع فعلمه المدعو قبل الحضور ففي الوجهين الأولين كانت الدعوة على وجه السنة فلا تكون الإجابة لازمة للمدعو‏.‏ ا هـ‏.‏ وهذا كله بعد الحضور ولو علم قبل الحضور لا يقبله ولقائل أن يقول‏:‏ الحديث المذكور يشمل ما بعد الحضور وما قبله لأنه قد تقرر في الأصول أن المعرف بالألف واللام إذا لم تكن للعهد الخارجي فهو للاستغراق فيعم كل دعوة وقد يجاب عنه بأنه، وإن كان عاما من حيث اللفظ فهو مخصوص بالنصوص الدالة على وجوب الاجتناب عن اقتراب تلك البدع ا هـ‏.‏ فإن كان ممن يقتدى به فلم يقدر على منعهم خرج ولم يقعد لأن في ذلك شين الدين وفتح باب المعصية على المسلمين وما حكي أن الإمام وقع له ذلك كان قبل أن يصير قدوة، وإن كان ذلك على المائدة فلا يقعد‏.‏ وإن كان هناك لعب وغناء قبل أن يحضر فلا يحضر لأنه لا يلزمه الإجابة إلا إذا كان هناك منكر لما روي عن علي قال‏:‏ «صنعت للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما فدعوته له فحضر فرأى في البيت تصاوير فرجع» وعن ابن عمر قال «نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن مطعمين عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر وأن يأكل وهو منسطح» رواه أبو داود ودلت المسألة على أن الملاهي كلها حرام حتى التغني بضرب القصب قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف» أخرجه البخاري، وفي لفظ آخر‏:‏ «ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف على رءوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير»، واختلفوا في التغني المجرد قال بعضهم‏:‏ إنه حرام مطلقا والاستماع إليه معصية لإطلاق الحديث وهو اختيار شيخ الإسلام ومنهم من قال‏:‏ لا بأس به ليستفيد به فهم المعاني والفصاحة ومنهم من جوز التغني لدفع الوحشة إذا كان وحده ولا يكون على سبيل اللهو، وإليه ذهب شمس الأئمة السرخسي لأنه روى ذلك عن بعض الصحابة ولو كان في الشعر حكم، أو قصة لا يكره وكذا لو كان فيه ذكر امرأة غير معينة وكذا لو كانت معينة وهي ميتة ولو كانت حية يكره كذا في الشارح‏.‏ وفي المحيط‏:‏ ويكره اللعب بالشطرنج والنرد والأربعة عشر لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «كل لعب حرام إلا ملاعبة الرجل زوجته وقوسه وفرسه» لأنه يصد عن الجمع والجماعات وسبب للوقوع في فواحش الكلام وغيره واستماع صوت الملاهي حرام كالضرب بالقصب وغيره قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ «‏:‏ استماع الملاهي معصية والجلوس عليها فسق والتلذذ بها كفر» وهذا خرج على وجه التشديد لا أنه يكفر وعن الحسن بن زياد لا بأس بأن يكون في العرس دف يضرب به ليشتهر ويعلن النكاح وسئل أبو يوسف أيكره للمرأة أن تضرب في غير فسق للصبي قال‏:‏ لا أكره، ولا تركب امرأة مسلمة على السرج لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «لعن الله السروج على الفروج» هذا إذا ركبت متلهية أو متزينة لتعرض نفسها على الرجال فإن ركبت لحاجة كالجهاد والحج فلا بأس به‏.‏ رجل أظهر الفسق في داره فللإمام أن يتقدم عليه فإن لم يمتنع فالإمام بالخيار إن شاء ضربه أسواطا، وإن شاء أخرجه من داره لأن الكل يصلح للتعزير، قال أبو يوسف‏:‏ في داره يسمع مزامير ومعازف أدخل عليهم بغير إذنهم لا أمنع الناس عن إقامة هذا الفرض، ولو رأى منكرا وهو ممن يرتكب هذا المنكر له أن ينهى عنه لأن الواجب عليه ترك المنكر والنهي عن المنكر فإذا ترك أحدهما لا يترك الآخر‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الذخيرة وغيرها‏:‏ لا بأس بضرب الدف في العرس والوليمة والأعياد وكذا لا بأس بالغناء في العرس والوليمة والأعياد حيث لا فسق، وفي الخلاصة وعن عمر أنه أحرق بيت الخمار وعن الإمام الزاهد الصفار أنه أمر بتخريب دار الفسق بسبب الفسق، وفي الظهيرية‏:‏ لا بأس بالمزاح بعد أن لا يتكلم بكلام فيه مأثم ويقصد به إضحاك جلسائه، وفي الجامع الصغير للعتابي وكل لعب غير الشطرنج فهو حرام‏.‏

وفي الحاوي سئل عمن رأى رجلا سرق مال إنسان قال‏:‏ إن كان لا يخاف الظلم منه يخبر به، وإن كان يخاف ترك، وفي الظهيرية الأمر بالمعروف باليد على الآمر، أو باللسان على العلماء وبالقلب على عوام الناس وهو اختيار الزندويسي، وفي الخانية‏:‏ رجل دعاه الأمير فسأله عن أشياء إن تكلم بما يوافق الحق لا يرضيه فإنه لا ينبغي له أن يتكلم بما يخالف الحق وهذا إذا كان لا يخاف القتل على نفسه ولا إتلاف عضوه ولا يخاف على ماله، وإذا خاف منه فإنه لا بأس به ا هـ‏.‏ والله أعلم‏.‏