فصل: كتاب الطهارة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


كتاب الطهارة

اعلم أن مدار أمور الدين متعلق بالاعتقادات والعبادات والمعاملات والمزاجر والآداب فالاعتقادات خمسة أنواع‏:‏ الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والعبادات خمسة‏:‏ الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد، والمعاملات خمسة‏:‏ المعاوضات المالية والمناكحات والمخاصمات والأمانات والتركات والمزاجر خمسة‏:‏ مزجرة قتل النفس، ومزجرة أخذ المال، ومزجرة هتك الستر، ومزجرة هتك العرض، ومزجرة قطع البيضة، والآداب أربعة‏:‏ الأخلاق، والشيم الحسنة، والسياسات والمعاشرات فالعبادات، والمعاملات، والمزاجر من قبيل ما نحن بصدده دون القسمين الآخرين وقدم في سائر كتب الفقه العبادات على المعاملات والمزاجر؛ لكونها أهم من غيرها ثم الصلاة قدمت على غيرها؛ لأنها تالية الإيمان وثابتة بالنص والخبر كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة‏}‏ وكحديث‏:‏ «بني الإسلام على خمس» ثم قدمت الطهارة هنا على الصلاة؛ لأنها شرطها والشرط مقدم على المشروط طبعا فيقدم وضعا وخصها بالبداءة دون سائر الشروط؛ لأنها أهم من غيرها؛ لأنها لا تسقط بعذر من الأعذار كذا في المستصفى وغيره وتعليلهم للأهمية بعدم السقوط أصلا لا يخصها؛ لأن النية كذلك كما صرح به الزيلعي في آخر نكاح الرقيق فالأولى أن يزاد بأنها من الشرائط اللازمة للصلاة في كل أوقاتها، وهي من خصائص الصلاة فتخرج النية؛ لأنه لا يشترط استصحابها لكل ركن من أركانها، وليست من خصائصها بل من خصائص العبادات كلها ثم كتاب الطهارة مركب إضافي لا بد من معرفة جزأيه، ولو من وجه فالكتاب لغة مصدر كتب كتابة وكتبة وكتابا بمعنى الكتب، وهو جمع الحروف وسمي به المفعول للمبالغة تقول كتبت البلغة إذا جمعت بين رحمها بحلقة أو سير وكتبت القربة إذا خرزتها كتبا والكتبة بالضم الخزرة والجمع كتب بفتح التاء والكتيبة الجيش المجتمع، وتكتبت الخيل أي تجمعت وسميت الكتابة كتابة؛ لأنها جمع الحروف والكلمات وجمعه كتب بضمتين وكتب بسكون التاء ومدار التركيب على الجمع قال في المغرب وقولهم سمي هذا العقد مكاتبة؛ لأنه ضم حرية اليد إلى حرية الرقبة؛ أو لأنه جمع بين نجمين فصاعدا ضعيف جدا، وإنما الصحيح أن كلا منهما كتب على نفسه أمرا‏:‏ هذا الوفاء، وهذا الأداء انتهى، وإنما كان التعليل بالجمع بين النجمين ضعيفا؛ لأنه ليس بلازم فيها لجوازها حالة وضعف الوجه الأول ظاهر؛ لأنه بالكتابة قبل الأداء لم تحصل حرية الرقبة فلم يصح الجمع بهذا المعنى و في الاصطلاح جمع المسائل المستقلة فخرج جمع الحروف والكلمات التي ليست بمسائل وخرج الباب والفصل لعدم استقلالهما لدخولهما تحت كتاب وشمل ما كان نوعا واحدا من المسائل ككتاب اللقطة أو أنواعا ككتاب البيوع ولا حاجة إلى أن يقال اعتبرت مستقلة ليدخل ما كان تبعا لغيره، ولم يكن مستقلا بل اعتبر مستقلا ككتاب الطهارة كما في العناية؛ لأن المراد بالاستقلال عدم توقف تصور المسائل على شيء قبلها ولا شيء بعدها وكتاب الطهارة كذلك لا الأصالة وعدم التبعية والتقييد بالمسائل الفقهية كما في العناية لخصوص المقام لا أنه قيد احترازي وما في السراج الوهاج من أنه في الشرع للشمل والإحاطة فغير صحيح إذ ليس هو هنا وضعا شرعيا، وإنما هو وضع عرفي إلا أن يراد أنه في عرف أهل الشرع، وهو بعيد ويبعده أيضا أن ظاهره أنه لا يكون كتابا إلا إذا أحاط بمسائل ما أضيف إليه وشملها والواقع خلافه فالظاهر ما ذكرناه والطهارة بفتح الطاء الفعل لغة، وهي النظافة وبكسرها الآلة وبضمها فضل ما يتطهر به واصطلاحا زوال الحدث أو الخبث و الحدث مانعية شرعية قائمة بالأعضاء إلى غاية استعمال المزيل وهو طبعي كالماء وشرعي كالتراب والخبث عين مستقذرة شرعا وكلمة أو في الحد ليست لمنع الجمع فلا يفسد بها الحد وقول بعضهم إنها إزالة الحدث أو الخبث غير جامع لخروج الزوال بدون الإزالة كما إذا وقع المطر على أعضاء الوضوء من غير قصد، فإنه طهارة وليس بإزالة لعدم الصنع منه ولا يرد الوضوء على الوضوء، فإنه طهارة وبدون الزوال المذكور باعتبار إزالة الآثار الحاصلة؛ لأن تسميته طهارة مجاز والتعريف للحقيقة وعرفها في السراج الوهاج بما يدخله فقال إيصال مطهر إلى محل يجب تطهيره أو يندب، ولو عبر بالوصول لكان أولى لما ذكرنا في الإزالة مع ما فيه من لزوم الدور، وهو توقف مطهر على الطهارة، وهي عليه؛ لأنه بعض التعريف وفي البدائع ما يفيد أن تعريفها بالزوال المذكور توسع ومجاز فقال الطهارة لغة وشرعا هي النظافة والتطهير التنظيف، وهو إثبات النظافة في المحل، فإنها صفة تحدث ساعة فساعة، وإنما يمتنع حدوثها بوجود ضدها، وهو القذر فإذا أزال القذر أي امتنع حدوثه بإزالة العين القذرة تحدث النظافة فكان زوال القذر من باب زوال المانع من حدوث الطهارة لا أن يكون طهارة، وإنما سمي طهارة توسعا لحدوث الطهارة عند زواله ا هـ‏.‏

وأما سبب وجوبها فقيل الحدث والخبث ونسبه الأصوليون إلى أهل الطرد قالوا للدوران وجودا وعدما وعزاه في السراج الوهاج إليهم وفي الخلاصة أنه أخذ به الإمام السرخسي في الأصل ويبعد صحته عنه؛ لأنه مردود بأن الدوران وجودا غير موجود؛ لأنه قد يوجد الحدث ولا يجب الوضوء قبل دخول الوقت كذا في غاية البيان وقد يدفع بأنه يجب به الوضوء وجوبا موسعا إلى القيام إلى الصلاة لما نقله السراج الوهاج من أنه لا يأثم بالتأخير عن الحدث بالإجماع وهكذا في الغسل على ما نبينه فيه أن شاء الله تعالى فحينئذ لم يتخلف الدوران ورد أيضا بإنهما ينقضانها فكيف يوجبانها ودفعه في فتح القدير وغيره بأنهما ينقضان ما كان ويوجبان ما سيكون فلا منافاة‏.‏ وأجاب عنه العلامة السيرامي بأن الحدث مفض إلى الوجوب والوجوب إلى الوجود والمفضي إلى المفضي إلى الشيء مفض إلى ذلك الشيء، فالحدث مفض إلى وجود الطهارة ووجودها مفض إلى زوال الحدث، فالحدث مفض إلى زوال نفسه ا هـ‏.‏ وفي فتح القدير والأولى أن يقال السببية إنما تثبت بدليل الجعل لا بمجرد التجويز، وهو مفقود ا هـ‏.‏ وقد يدفع بأنه موجود لما رواه في الكشف الكبير عنه عليه الصلاة والسلام‏:‏ «لا وضوء إلا عن حدث» وحرف عن يدل على السببية كقوله‏:‏ «أدوا عمن تمونون»؛ ولذا كان الرأس بوصف المؤنة والولاية سببا لوجوب صدقة الفطر، ويمكن أن يجاب عنه بأن الدليل لما دل على عدم صلاحية الحدث للسببية كان دخول عن على الحدث باعتبار أنه شبيه بالسبب بالنظر إلى التوقف والتكرر دليل السببية عند الصلاحية، وهي منتفية، فلا تدل وقيل سببها إقامة الصلاة فهو، وإن صححه في الخلاصة فقد نسبه في العناية إلى أهل الظاهر، وصرح في غاية البيان بفساده لصحة الاكتفاء بوضوء واحد لصلوات ما دام متطهرا وقد يدفع بأن الإقامة سبب بشرط الحدث، فلا يلزم ما ذكر خصوصا أنه ظاهر الآية، وقيل سببها إرادة الصلاة، وهو وإن صححه في الكشف وغيره مردود بأن مقتضاه أنه إذا أراد الصلاة، ولم يتوضأ أثم، ولو لم يصل والواقع خلافه؛ لأنه لم يقل به أحد كما أشار إليه في فتح القدير، وقد يدفع بما ذكره الزيلعي في باب الظهار بأنه إذا أراد الصلاة وجبت عليه الطهارة فإذا رجع وترك التنفل سقطت الطهارة؛ لأن وجوبها لأجلها وفي العناية سببها وجوب الصلاة لا وجودها؛ لأن وجودها مشروط بها فكان متأخرا عنها والمتأخر لا يكون سببا للمتقدم ا هـ‏.‏ يعني‏:‏ الأصل أن يكون وجودها هو السبب بدليل الإضافة نحو طهارة الصلاة، وهي عندهم من أمارة السببية لكن منع مانع من ذلك، وظاهره أنه بدخول الوقت تجب الطهارة لكنه وجوب موسع كوجوب الصلاة فإذا ضاق الوقت صار الوجوب فيهما مضيقا وحينئذ فلا حاجة إلى جعل سببها وجوب أداء الصلاة كما في فتح القدير لما علمت أن أصل الوجوب كاف للسببية إلا أنه مشكل لعدم شموله سبب الطهارة للصلاة النافلة إذ لا وجوب هنا ليكون سببا للطهارة، فليس فيه إلا الإرادة فالظاهر أن السبب هو الإرادة في الفرض والنفل ويسقط وجوبها بترك إرادة الصلاة أو هو الإرادة المستلحقة للشروع فلا يرد ما ذكر عليها‏.‏

وأركانها في الحدث الأصغر غسل الأعضاء الثلاثة ومسح ربع الرأس، وفي الأكبر غسل جميع البدن، وفي النجاسة الحقيقية المرئية إزالة عينها وفي غير المرئية غسل محلها ثلاثا والعصر في كل مرة إن كان مما ينعصر والتجفيف في كل ما لا ينعصر وحكمها استباحة ما لا يحل إلا بها ولم يذكروا أن من حكمها الثواب؛ لأنه ليس بلازم فيها لتوقفه على النية، وهي ليست شرطا فيها وآلتها الماء والتراب والملحق بهما وأنواعها كثيرة ستأتي مفصلة ومحاسنها شهيرة‏.‏

وأما شرائطها فذكر العلامة الحلبي في شرح منية المصلي أنه لم يطلع عليها صريحة في كلام الأصحاب، وإنما تؤخذ من كلامهم، وهي تنقسم إلى شروط وجوب وشروط صحة، فالأولى تسعة‏:‏ الإسلام والعقل والبلوغ ووجود الحدث ووجود الماء المطلق الطهور الكافي والقدرة على استعماله وعدم الحيض، وعدم النفاس وتنجيز خطاب المكلف كضيق الوقت، والثانية أربعة‏:‏ مباشرة الماء المطلق الطهور لجميع الأعضاء وانقطاع الحيض وانقطاع النفاس وعدم التلبس في حالة التطهير بما ينقضه في حق غير المعذور بذلك ا هـ‏.‏ والإضافة فيه بمعنى اللام كما لا يخفى وجعلها بمعنى من بعيد؛ لأن ضابطها كما في التسهيل صحة تقديرها مع صحة الإخبار عن الأول بالثاني كخاتم فضة، وهو مفقود هنا إذ لا يصح أن يقال الكتاب طهارة‏.‏

فروض الوضوء

‏(‏قوله‏:‏ فرض الوضوء غسل وجهه‏)‏ قدمه على الغسل؛ لأن الحاجة إليه أكثر؛ ولأن محله جزء من محل الغسل أو لتقديمه عليه في القرآن أو في تعليم جبريل للنبي عليه الصلاة والسلام واختلف في الفرض لغة ففي الصحاح الفرض الحز في الشيء والفرض جنس من التمر والفرض ما أوجبه الله سمي بذلك؛ لأن له معالم وحدودا ا هـ‏.‏ وفي التلويح المشهور أنه حقيقة في القطع والإيجاب وذهب الأصوليون إلى أنه حقيقة في التقدير مجاز في غيره؛ لأن اللفظ إذا دار بين الاشتراك والمجاز فالمجاز أولى يقال فرض القاضي النفقة إذا قدرها ا هـ وأما في الاصطلاح ففي التحرير الفرض ما قطع بلزومه من فرض قطع‏.‏ ا هـ‏.‏ وهو بمعنى قولهم ما لزم فعله بدليل قطعي وعرفه في الكافي بما يفوت الجواز بفوته، وهو يشمل كل فرض بخلاف الأول إذ يخرج عنه المقدار في مسح الرأس، فإنه فرض مع أنه ثبت بظني لكنه تعريف بالحكم موجب للدور وفي العناية أن المفروض في مسح الرأس قطعي؛ لأن خبر الواحد إذا لحق بيانا للمجمل كان الحكم بعده مضافا إلى المجمل دون البيان والمجمل من الكتاب والكتاب دليل قطعي‏.‏ ا هـ‏.‏ وهو ينبني على أن الآية مجملة وسيأتي تضعيفه والظاهر من كلامهم في الأصول والفروع أن المفروض على نوعين قطعي وظني، وهو في قوة القطعي في العمل بحيث يفوت الجواز بفوته فالمقدر في مسح الرأس من قبيل الثاني، وعند الإطلاق ينصرف إلى الأول لكماله، والفارق بين الظني القوي المثبت للفرض، وبين الظني المثبت للواجب اصطلاحا خصوص المقام وليس إكفار جاحد الفرض لازما له، وإنما هو حكم الفرض القطعي المعلوم من الدين بالضرورة وذكر في العناية لا نسلم انتفاء اللازم في مقدار المسح؛ لأن الجاحد من لا يكون مؤولا وموجب الأقل أو الاستيعاب مؤول يعتمد شبهة قوية وقوة الشبهة تمنع التكفير من الجانبين ألا ترى أن أهل البدع لم يكفروا بما منعوا مما دل عليه الدليل القطعي في نظر أهل السنة لتأويلهم ا هـ‏.‏ وأما غسل المرافق والكعبين ففرضيته بالإجماع كما سنحققه وكذا العقدة الأخيرة لا بفعله في الأول وخبر الواحد في الثاني ولا بما قيل في الغاية كما قد يتوهم وذكر في النهاية أنه يجوز أن يكون الفرض في مقدار المسح بمعنى الواجب لالتقائهما في معنى اللزوم وتعقب بأنه مخالف لما اتفق عليه الأصحاب إذ لا واجب في الوضوء وقد يدفع بأن الذي وقع الاتفاق عليه هو الواجب الذي لا يفوت الجواز بفوته فلا مخالفة بل يحصل بتركه النقصان والكلام هنا في الواجب الذي يفوت الجواز بفوته فلا مخالفة والفروض بمعنى المفروض والإضافة فيه بيانية إذ الفرض قد يكون من غيره والوضوء مأخوذ من الوضاءة، وهي النظافة والحسن وقد وضؤ يوضؤ وضاءة فهو وضيء كذا في طلبة الطلبة وفي المغرب أنه بالضم المصدر وبالفتح الماء الذي يتوضأ به ا هـ‏.‏ وفي الاصطلاح الشرعي غسل الأعضاء الثلاثة ومسح ربع الرأس والغسل بفتح الغين إزالة الوسخ عن الشيء ونحوه بإجراء الماء عليه لغة وبالضم اسم من الاغتسال، وهو تمام غسل الجسد واسم للماء الذي يغتسل به وبالكسر ما يغسل به الرأس من خطمي وغيره واختلف في معناه الشرعي فقال أبو حنيفة ومحمد، هو الإسالة مع التقاطر، ولو قطرة حتى لو لم يسل الماء بأن استعمله استعمال الدهن لم يجز في ظاهر الرواية وكذا لو توضأ بالثلج ولم يقطر منه شيء لم يجز وعن خلف بن أيوب قال ينبغي للمتوضئ في الشتاء أن يبل أعضاءه بالماء شبه الدهن ثم يسيل الماء عليها؛ لأن الماء يتجافى عن الأعضاء في الشتاء كذا في البدائع وعن أبي يوسف هو مجرد بل المحل بالماء سال أو لم يسل ثم على القولين الدلك ليس من مفهومه، وإنما هو مندوب وذكر في الخلاصة أنه سنة، وحده إمرار اليد على الأعضاء المغسولة والضمير في وجهه عائد إلى المتوضئ المستفاد من الوضوء‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وهو من قصاص الشعر إلى أسفل الذقن وإلى شحمتي الأذن‏)‏ أي الوجه وقصاص الشعر مقطعه ومنتهى منبته من مقدم الرأس أو حواليه، وهو مثلث القاف والضم أعلاها وفي الصحاح ذقن الإنسان مجتمع لحييه‏.‏ ا هـ‏.‏ واللحي منبت اللحية من الإنسان وغيره والنسبة إليه لحوي، وهما لحيان وثلاثة ألح على أفعل إلا إنهم كسروا الحاء لتسلم الياء والكثير لحي على فعول وفي المغرب اللحي العظم الذي عليه الأسنان‏.‏ ا هـ‏.‏ وهذا الحد للوجه مروي في غير رواية الأصول، ولم يذكر حده في ظاهر الرواية قال في البدائع‏:‏ وهذا تحديد صحيح؛ لأنه تحديد الشيء بما ينبئ عنه اللفظ لغة؛ لأن الوجه اسم لما يواجه به الإنسان أو ما يواجه إليه في العادة والمواجهة تقع بهذا المحدود فوجب غسله قبل نبات الشعر، فإذا نبت الشعر يسقط غسل ما تحته عند عامة العلماء كثيفا كان الشعر أو خفيفا؛ لأن ما تحته خرج أن يكون وجها؛ لأنه لا يواجه إليه، وكذلك لا يجب إيصال الماء إلى ما تحت شعر الحاجبين والشارب ا هـ‏.‏ والمراد بالخفيفة التي لا ترى بشرتها أما التي ترى بشرتها، فإنه يجب إيصال الماء إلى ما تحتها كذا في فتح القدير وعلى هذا ينبغي أن يحمل قول من قال إنه يجب إيصال الماء إلى ما تحت شعر الشارب على ما إذا كان بحيث يبدو منابت الشعر، وقد جعله في التجنيس من الآداب وصرح الولوالجي في باب الكراهية على أن المفتي به أنه لا يجب إيصال الماء إلى ما تحته كالحاجبين، وأما الشفة فقيل تبع للفم وقال أبو جعفر‏:‏ ما انكتم عند انضمامه فهو تبع له وما ظهر فللوجه وصححه في الخلاصة وذكر في المجتبى لا تغسل العين بالماء ولا بأس بغسل الوجه مغمضا عينيه وقال الفقيه أحمد بن إبراهيم‏:‏ إن غمض عينيه شديدا لا يجوز، ولو رمدت عينه فرمصت يجب إيصال الماء تحت الرمص إن بقي خارجا بتغميض العين، وإلا فلا وفي المغرب الرمص ما جمد من الوسخ في الموق والموق مؤخر العين والماق مقدمها ا هـ‏.‏ وفي المجتبى ولا يدخل في حد الوجه النزعتان، وهو ما انحسر من الشعر من جانبي الجبهة إلى الرأس؛ لأنه من الرأس ا هـ‏.‏ والنزعة بالفتح وأفاد المصنف أن البياض الذي بين العذار والأذن من الوجه فيجب غسله، وهو ظاهر المذهب كما ذكره الحلواني، وهو الصحيح وعليه أكثر مشايخنا كما ذكره الطحاوي، وهو الصحيح من المذهب كما ذكره السرخسي وعن أبي يوسف عدمه كذا في البدائع وظاهره أن مذهبه بخلافه وفي تبيين الحقائق أن قوله من قصاص الشعر خرج مخرج الغالب، وإلا فحد الوجه في الطول من مبدأ سطح الجبهة إلى منتهى اللحيين كان عليه شعر أو لم يكن‏.‏ ا هـ‏.‏ لأنه يرد عليه الأغم والأصلع؛ لأن الأغم الذي على جبهته شعر لا يكفي غسله من قصاص شعره والأصلع الذي انحسر شعره إلى وسط رأسه لا يجب عليه أن يغسله من قصاص شعره على الأصح كما في الخلاصة، وصرح في المجتبى بالخلاف فيه، فقيل إن قل فمن الوجه وإن كثر فمن الرأس والصحيح أنه من الرأس حتى جاز المسح عليه، وفي المغرب عذار اللحية جانباها، وشحمه الأذن ما لان منها‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويديه بمرفقيه‏)‏ أي مع مرفقيه فالباء للمصاحبة بمعنى مع نحو‏:‏ ‏{‏اهبط بسلام‏}‏ أي معه والفرق بين استعمالها بمعنى مع وبين الباء أن مع لابتداء المصاحبة والباء لاستدامتها كذا ذكره ابن الملك في بحث القياس والمرفق بكسر الميم وفتح الفاء، وفيه العكس اسم لملتقى العظمات‏:‏ عظم العضد وعظم الذارع وأشار المصنف إلى أن إلى في الآية بمعنى مع، وهو مردود؛ لأنهم قالوا إن اليد من رءوس الأصابع للمنكب، فإذا كانت إلى بمعنى مع وجب الغسل إلى المنكب؛ لأنه كاغسل القميص وكمه وغايته أنه كإفراد فرد من العام إذ هو تنصيص على بعض متعلق الحكم بتعليق عين ذلك الحكم، وذلك لا يخرج غيره، ولو أخرج كان بمفهوم اللقب، وهو ليس بحجة وما في المحيط من أنه لما كان المرفق ملتقى العظمين ولا يمكن التمييز بينهما فلما وجب غسل الذارع ولا يمكن تحديده وجب غسل المرفق احتياطا مردود؛ لأنه لم يتعلق الأمر بغسل الذراع ليجب غسل ما لازمه، وإنما تعلق الأمر بغسل اليد إلى المرفق وما بعد إلى لما لم يدخل جزآهما الملتقيان وما في البدائع من أنه لما احتمل الدخول واحتمل الخروج صار مجملا وفعله عليه السلام بيان للمجمل مردود بأن عدم دلالة اللفظ لا يوجب الإجمال والأصل براءة الذمة، وإنما يوجب الدلالة المتشبهة فبقي مجرد فعله دليل السنة وما في غاية البيان من أنها قد تدخل، وقد لا تدخل فتدخل احتياطا مردود؛ لأن الحكم إذا توقف على الدليل لا يجب مع عدمه والاحتياط العمل بأقوى الدليلين، وهو فرع تجاذبهما، وهو منتف، وما في الهداية وغيرها من أنه غاية لمقدر تقديره اغسلوا أيديكم مسقطين إلى المرافق مردود؛ لأن الظاهر تعلقه باغسلوا وتعلقه بمقدر خلاف الظاهر بلا ملجئ مع أن المقصود منه الإسقاط، وهو لا يوجبه عما فوق المرفق بل عمل قبله باللفظ إذ يحتمل أسقطوا من المنكب إلى المرفق أو من رءوس الأصابع إلى المرفق فلم يتعين الأول كما لا يخفى وفرقهم بين غاية الإسقاط وبين غاية المد بأن صدر الكلام إن كان متناولا لما بعد إلى، فهي للإسقاط كمسألتنا، وإلا فهي للمد نحو‏:‏ ‏{‏ثم أتموا الصيام إلى الليل‏}‏ ليس بمطرد لانتقاضه بالغاية في اليمين، فإن ظاهر الرواية عدم الدخول كما إذا حلف لا يكلمه إلى عشرة أيام لا يدخل العاشر مع تناول الصدر له كما في جامع الفصولين، وكذلك رأس السمكة في قوله والله لا آكل السمكة إلى رأسها، فإنها لا تدخل مع التناول المذكور وما ذكره المحققون ومنهم الزمخشري والتفتازاني من أن إلى تفيد معنى الغاية مطلقا، فأما دخولها في الحكم وخروجها عنه فأمر يدور مع الدليل فما فيه دليل الخروج قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فنظرة إلى ميسرة‏}‏ ومما فيه دليل الدخول آية الإسراء للعلم بأنه لا يسرى به إلى المسجد الأقصى من غير أن يدخله وما نحن فيه لا دليل فيه على أحد الأمرين فقالوا بدخولهما احتياطا إذ لم يرو عنه قط صلى الله عليه وسلم ترك غسلهما فلا يفيد الافتراض؛ لأن الفعل لا يفيده وتقدم منع الاحتياط والحق أن شيئا مما ذكروه لا يدل على الافتراض، فالأولى الاستدلال بالإجماع على فرضيتهما قال الإمام الشافعي رضي الله عنه في الأم‏:‏ لا نعلم مخالفا في إيجاب دخول المرفقين في الوضوء، وهذا منه حكاية للإجماع قال في فتح الباري‏:‏ بعد نقله عنه فعلى هذا فزفر محجوج بالإجماع قبله وكذا من قال ذلك من أهل الظاهر بعده ولم يثبت ذلك عن مالك صريحا، وإنما حكى عنه أشهب كلاما محتملا وحكم الكعبين كالمرفقين، وإذا كان في أظفاره درن أو طين أو عجين أو المرأة تضع الحناء جاز في القروي والمدني، وهو صحيح وعليه الفتوى، ولو لصق بأصل ظفره طين يابس وبقي قدر رأس إبرة من موضع الغسل لم يجز، وإذا كان في أصبعه خاتم إن كان ضيقا فالمختار أنه يجب نزعه أو تحريكه بحيث يصل الماء إلى ما تحته، ولو قطعت يده أو رجله فلم يبق من المرفق والكعب شيء سقط الغسل، ولو بقي وجب، ولو طالت أظفاره حتى خرجت عن رءوس الأصابع وجب غسلها بلا خلاف، ولو خلق له يدان على المنكب فالتامة هي الأصلية يجب غسلها، والأخرى زائد فما حاذى منها محل الفرض وجب غسله وما لا فلا يجب بل يندب غسله وكذا يجب غسل ما كان مركبا على اليد من الأصبع الزائدة والكف الزائدة والسلعة وكذا يجب إيصال الماء إلى ما بين الأصابع إذا لم تكن ملتحمة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ورجليه بكعبيه‏)‏ أي مع كعبيه كما تقدم والكعبان هما العظمان الناشزان من جانبي القدم أي المرتفعان كذا في المغرب وصححه في الهداية وغيرها وروى هشام عن محمد أنه في ظهر القدم عند مقعد الشراك قالوا هو سهو من هشام؛ لأن محمدا إنما قال ذلك في المحرم إذا لم يجد النعلين حيث يقطع خفيه أسفل من الكعبين وأشار محمد بيده إلى موضع القطع فنقله هشام إلى الطهارة ويرد على هشام من جهة المعنى أيضا بأن ما يوجد من خلق الإنسان، فإن تثنيته بعبارة الجمع كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فقد صغت قلوبكما‏}‏ أي قلباكما وما كان اثنين من خلقه فتثنيته بلفظها، ولو كان كما زعمه هشام لقيل الكعاب كالمرافق كذا في المبسوط وغيره وقد يقال‏:‏ إنه غير متعين لجواز أن يعتبر الكعبان بالنسبة إلى ما للمرء من جنس الرجل، وهو اثنان لا بالنظر إلى كل رجل وحدها فالأولى الرد عليه من اللغة والسنة أما اللغة فقد صرح في الصحاح بأنه العظم الناشز كما ذكرناه قال وأنكر الأصمعي قول الناس إنه في ظهر القدم ا هـ‏.‏ قالوا الكعب في كلام العرب مأخوذ من العلو ومنه سميت الكعبة لارتفاعها وأما السنة فما رواه أبو داود مرفوعا‏:‏ «والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم قال فرأيت الرجل يلزق منكبه بمنكب صاحبه وركبته بركبة صاحبه وكعبه بكعبه» وما وقع في الشروح من أنه كان ينبغي غسل يد واحدة ورجل واحدة؛ لأن مقابلة الجمع بالجمع تقتضي انقسام الآحاد على الآحاد‏.‏ والجواب بأن وجوب واحدة بالعبارة والأخرى بالدلالة لا طائل تحته بعد انعقاد الإجماع القطعي على افتراضهما بحيث صار معلوما من الدين بالضرورة، ومن البحث في إلى وفي القراءتين في الأرجل، فإن الإجماع انعقد على غسلهما ولا اعتبار بخلاف الروافض فلذا تركنا ما قرروه هنا والزائد على الرجلين كالزائد على اليدين كما صرح به في المجتبى، ولو قال ورجليه بكعبيه أو مسح على خفيه لكان أولى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومسح ربع رأسه‏)‏ هو في اللغة إمرار اليد على الشيء واصطلاحا إصابة اليد المبتلة العضو، ولو ببلل باق بعد غسل لا بعد مسح والآلة لم تقصد إلا للإيصال إلى المحل فإذا أصابه من المطر قدر الفرض أجزأه، ولو مسح ببلل في يده أخذه من عضو آخر لم يجز مطلقا، وفي مقدار الفرض روايات أصحها رواية ودراية ما في المختصر أما الأول فلاتفاق المتون عليها، ولنقل المتقدمين لها كأبي الحسن الكرخي وأبي جعفر الطحاوي ورواية الناصية غيرها؛ لأن الناصية أقل من ربع الرأس، وأما الدراية فاختلف في توجيهها ففي الهداية أن الكتاب مجمل، وأن حديث المغيرة من مسحه عليه السلام بناصيته التحق بيانا له، وهو مردود بأوجه‏:‏‏.‏ الوجه الأول‏:‏ أنه لا إجمال فيها؛ لأنه إن لم يكن في مثله عرف يصحح إرادة البعض أفاد مسح مسماه، وهو الكل أو كان أفاد بعضا مطلقا ويحصل في ضمن الاستيعاب وغيره فلا إجمال كذا في التحرير وما في البدائع من تقدير الإجمال بأنها احتملت الباء للصلة والإلصاق والتبعيض ولا دليل على تعيين بعضها مدفوع بأن معناها عند المحققين الإلصاق؛ لأنه المعنى المجمع عليه بخلاف غيره، فإنه لم يثبته المحققون فإن التبعيض ليس معنى أصليا بل يحصل في ضمن الإلصاق كذا في فتح القدير وقال في التحرير واعلم أن طائفة من المتأخرين ادعوا التبعيض في نحو شربن بماء البحر وابن جني يقول في سر الصناعة لا نعرفه لأصحابنا‏.‏ والحاصل أنه ضعيف للخلاف القوي؛ ولأن الإلصاق الجمع عليه لها ممكن فيثبت التبعيض اتفاقيا لعدم استيعاب الملصق لا مدلولا ا هـ‏.‏ الثاني‏:‏ أن الباء المتنازع فيها موجودة في حديث المغيرة فهي مجملة على ما ادعوه فكيف تبين المجمل فيعود النزاع في الحديث أيضا الثالث أن جعل حديث المغيرة مبينا للآية موقوف على إثبات أن هذا الوضوء أول وضوئه عليه السلام بعد نزول الآية؛ لأنه لو لم يكن كذلك لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة، وهو غير جائز اتفاقا، ولم يثبت ذلك إذ لو ثبت لنقل، ولئن كان كذلك فلا ينتفي التأخير بالنسبة إلى الذين لم يحضروا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ الظاهر أن جميع المسلمين لم يكونوا حضورا في تلك السباطة وإلا لنقل؛ لأنها حادثة تعم بها البلوى فعلم به أنه لا إجمال في الآية الرابع‏:‏ أن الناصية ليست قدر الربع بدليل أن صاحب البدائع وغيره نقلوا عن أبي حنيفة روايتين في رواية المفروض مقدار الناصية، وفي رواية الربع وذكر الإسبيجابي رواية مقدار الناصية ثم قال هذا إذا كانت الناصية تبلغ ربع الرأس، وإذا كانت الناصية لا تبلغ الربع لا يجوز فدل على تغايرهما، وفي ضياء الحلوم الناصية مقدم الرأس، وفي شرح الإرشاد الناصية ما بين النزعتين من الشعر، وهي دون الربع واختار المحققون كصدر الشريعة وابن الساعاتي وفي البديع وابن الهمام أن الباء للإلصاق والفعل الذي هو المسح قد تعدى إلى الآلة، وهي اليد؛ لأن الباء إذا دخلت في الآلة تعدى الفعل إلى كل الممسوح كمسحت رأس اليتيم بيدي أو على المحل تعدى الفعل إلى الآلة والتقدير وامسحوا أيديكم برءوسكم فيقتضي استيعاب اليد دون الرأس واستيعابها ملصقة بالرأس لا تستغرق غالبا سوى ربعه فتعين مرادا من الآية وهو المطلوب والاستيعاب في التيمم لم يكن بالآية بل بالسنة كما صرح به في البدائع وغيره، وأما رواية ثلاث أصابع فقد ذكر في البدائع أنها رواية الأصول وفي غاية البيان أنها ظاهر الرواية وفي معراج الدراية أنها ظاهر المذهب واختيار عامة المحققين من أصحابنا وصححها في شرح القدوري وقال في الظهيرية وعليها الفتوى ووجهوها بأن الواجب إلصاق اليد والأصابع أصلها والثلاث أكثرها وللأكثر حكم الكل ومع ذلك، فهي غير المنصور رواية ودارية أما الأول فلنقل المتقدمين رواية الربع كما ذكرناه، وأما الثاني؛ فلأن المقدمة الأخيرة في حيز المنع؛ لأنها من قبيل المقدر الشرعي بواسطة تعدي الفعل إلى تمام اليد، فإنه به يتقدر قدرها من الرأس وفيه يعتبر عين قدره كذا في فتح القدير وعزاها في النهاية إلى محمد وعزا رواية الربع إليهما، وهو الحق، ولو وضع ثلاث أصابع، ولم يمدها جاز على رواية الثلاث لا الربع، ولو مسح بثلاث أصابع منصوبة غير موضوعة لم يجز وينبغي أن يكون اتفاقا، ولو مدها حتى بلغ القدر المفروض لم يجز عند أصحابنا خلافا لزفر، وكذا بأصبع أو أصبعين، ولو مسح بأصبع واحدة ثلاث مرات وأعادها إلى الماء في كل مرة جاز في رواية محمد أما عندهما فلا يجوز، ولو مسح بأطراف أصابعه والماء متقاطر جاز، وإن لم يكن متقاطرا لا يجوز؛ لأن الماء إذا كان متقاطرا فالماء ينزل من أصابعه إلى أطرافها، فإذا مده صار كأنه أخذ ماء جديدا كذا في المحيط، وذكر في الخلاصة، ولو مسح بأطراف أصابعه يجوز سواء كان الماء متقاطرا أو لا و هو الصحيح، وفي البدائع، ولو مسح بأصبع واحدة ببطنها وبظهرها وبجانبها لم يذكر في ظاهر الرواية واختلف المشايخ قال بعضهم‏:‏ لا يجوز وقال بعضهم‏:‏ يجوز، وهو الصحيح؛ لأن ذلك في معنى المسح بثلاث أصابع ا هـ‏.‏ ولا يخفى أنه لا يجوز على المذهب من اعتبار الربع، وأما ما في شرح المجمع لابن الملك من أنه لا يجوز اتفاقا في الأصح ففيه نظر نعم صرح بالتصحيح من غير ذكر الاتفاق شمس الأئمة السرخسي ثم صاحب الخلاصة ومنية المفتي، ولو أدخل رأسه الإناء أو خفه أو جبيرته، وهو محدث قال أبو يوسف‏:‏ يجزئه المسح ولا يصير الماء مستعملا سواء نوى أو لم ينو وقال محمد‏:‏ إن لم ينو يجزئه، ولا يصير مستعملا، وإن نوى المسح اختلف المشايخ على قوله قال بعضهم‏:‏ لا يجزئه ويصير الماء مستعملا والصحيح أنه يجوز ولا يصير الماء مستعملا كذا في البدائع فعلم بهذا أن ما في المجمع من الخلاف في هذه المسألة على غير الصحيح بل الصحيح أن لا خلاف، وعلم أيضا أنه لا فرق بين الرأس والخف والجبيرة خلافا لما ذكره ابن الملك ومحل المسح على الشعر الذي فوق الأذنين لا ما تحتهما كذا في الخلاصة والمسح على شعر الرأس ليس بدلا عن المسح على البشرة؛ لأنه يجوز مع القدرة على المسح على البشرة، ولو كان بدلا لم يجز ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولحيته‏)‏ بالجر عطف على رأسه يعني وربع لحيته، وإنما عيناه لما صرح به المصنف في الكافي، وإن جاز فيه وجه آخر، وهو العطف على الربع ليفيد مسح الجميع، وهنا روايات في المفروض في اللحية مع الاتفاق على عدم وجوب إيصال الماء إلى ما تحت اللحية من بشرة الوجه فروي مسح ربعها واختاره المصنف وعبر عنه في الكافي بقوله ولنا وروي مسح كلها وروي مسح ما يلاقي البشرة وصححه قاضي خان في شرح الجامع الصغير وتبعه في المجمع وروي مسح الثلث وروي عدم وجوب شيء والصحيح وجوب غسلها بمعنى افتراضه كما صرح به في السراج الوهاج وعليه الفتوى كما في الظهيرية وفي البدائع أن ما عدا هذه الرواية مرجوع عنه والعجب من أصحاب المتون في ذكر المرجوع عنه وترك المرجوع إليه المصحح المفتى به مع دخولها في حد الوجه المتقدم كما ذكره في فتح القدير، وهذا كله في الكثة أما الخفيفة التي ترى بشرتها فيجب إيصال الماء إلى ما تحتها، وهذا كله في غير المسترسل وأما المسترسل فلا يجب غسله ولا مسحه لكن ذكر في منية المصلي أنه سنة، ولو أمر الماء على شعر الذقن ثم حلقه لا يجب عليه غسل الذقن كالرأس وظاهر كلامهم أن المراد باللحية الشعر النابت على الخدين من عذار وعارض والذقن وفي شرح الإرشاد اللحية الشعر النابت بمجتمع اللحيين والعارض ما بينهما وبين العذار وهو القدر المحاذي للأذن يتصل من الأعلى بالصدغ ومن الأسفل بالعارض‏.‏

ولما فرغ المصنف من فرائض الوضوء شرع في بيان سننه إشارة إلى أن الوضوء لا واجب فيه لما أن ثبوت الحكم بقدر دليله والدليل المثبت له هو ما كان ظني الثبوت قطعي الدلالة وما كان بمنزلته كأخبار الآحاد التي مفهومها قطعي الدلالة، ولم يوجد في الوضوء ولا ينافيه ما في الخلاصة من أن الوضوء ثلاثة أنواع فرض، وهو الوضوء لصلاة الفريضة وصلاة الجنازة وسجدة التلاوة وواجب، وهو الوضوء للطواف بالبيت ومندوب، وهو الوضوء للنوم وعن الغيبة والكذب، وإنشاد الشعر ومن القهقهة والوضوء على الوضوء والوضوء لغسل الميت ا هـ‏.‏ لأن هذا حكم على نفس الوضوء بأنه واجب لا أن فيه واجبا، وظاهر تقييده بصلاة الفريضة أن الوضوء للنافلة ليس بفرض، وإن كان شرطا والظاهر أنه فرض عند إرادتها الجازمة كما سبق تقريره في بيان السبب ومراده من الوضوء للنوم الوضوء عند إرادة النوم، فإنه مستحب، وأما الوضوء من النوم الناقض ففرض‏.‏