فصل: كيفية التأمين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


كيفية التأمين

‏(‏قوله‏:‏ وأمن الإمام والمأموم سرا‏)‏ للحديث‏:‏ «إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه» رواه الشيخان، وهو يفيد تأمينهما لكن في حق الإمام بالإشارة؛ لأنه لم يسق النص له، وفي حق المأموم بالعبارة؛ لأنه سيق لأجله، وبهذا يضعف رواية الحسن عن أبي حنيفة أن الإمام لا يؤمن وروى أبو داود وغيره أنه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «قال آمين وخفض بها صوته» لو قال المصنف وأمن ‏"‏المصلي‏"‏ أو ‏"‏الجميع‏"‏ كما في الحاوي القدسي لكان أولى ليشمل المنفرد فإنه يؤمن أيضا لرواية مسلم‏:‏ «إذا قال أحدكم في الصلاة آمين» الحديث قال عبد الحق في هذه الرواية اندرج المنفرد، وأطلق في إخفائها فشمل الصلاة الجهرية والسرية وكل مصل، لكن اختلفوا في تأمين المأموم إذا كان الإمام في السرية وسمع المأموم تأمينه منهم من قال يقوله هو كما هو ظاهر الكتاب ومنهم من قال لا؛ لأن ذلك الجهر لا عبرة به بعد الاتفاق على أنها ليست من القرآن، وقد علم مما ذكرنا أن المأموم لا يقولها إلا إذا سمع قراءة الإمام لا مطلقا، فليس هو كالإمام مطلقا كما هو ظاهر المختصر، وفي آمين أربع لغات‏:‏ أفصحهن وأشهرهن آمين بالمد والتخفيف، والثانية‏:‏ بالقصر والتخفيف ومعناه استجب، والثالثة‏:‏ بالإمالة، والرابعة‏:‏ بالمد والتشديد فالأولتان مشهورتان والأخيرتان حكاهما الواحدي في أول البسيط، ولهذا كان المفتى به عندنا أنه لو قال آمين بالتشديد لا تفسد لما علمت أنها لغة ولأنه موجود في القرآن ولأن له وجها كما قال الحلواني إن معناه‏:‏ ندعوك قاصدين إجابتك؛ لأن معنى آمين قاصدين، وأنكر جماعة من مشايخنا كونها لغة وحكم بفساد الصلاة ومن الخطأ في استعمالها أمن بالتشديد مع حذف الياء مقصورا وممدودا ولا يبعد فساد الصلاة فيهما‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وكبر بلا مد وركع‏)‏ لما في الصحيحين عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع، ثم يقول، وهو قائم ربنا ولك الحمد، ثم يكبر حين يهوي ساجدا، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس» معنى قوله بلا مد‏:‏ حذفه من غير تطويل، وهو معنى ما ورد التكبير جزم به وحاصله الإمساك عن إشباع الحركة والتعمق فيها والإضراب عن الهمزة المفرطة والمد الفاحش، وفي المبسوط لو مد ألف ‏"‏ الله ‏"‏ لا يصير شارعا وخيف عليه الكفر إن كان قاصدا، وكذا لو مد ألف ‏"‏ أكبر ‏"‏ أو باءه لا يصير شارعا؛ لأن أكبار جمع كبر، وهو الطبل وقيل اسم للشيطان، ولو مد هاء ‏"‏ الله ‏"‏ فهو خطأ لغة، وكذا لو مد راءه ومد لام ‏"‏ الله ‏"‏ صواب وجزم الهاء خطأ؛ لأنه لم يجئ إلا في ضرورة الشعر، وقد بحث الأكمل في العناية في قولهم إنه إذا مد الهمزة من ‏"‏ الله ‏"‏ تفسد ويكفر إن تعمده للشك بأن الهمزة يجوز أن تكون للتقرير فلا يكون هناك لا كفر ولا فساد ا هـ‏.‏ وفيه نظر؛ لأن ابن هشام في المغني قال‏:‏ والرابع التقرير ومعناه حملك المخاطب على الإقرار والاعتراف بأمر قد استقر عنده ثبوته أو نفيه ويجب أن يليها الشيء الذي يقرر به تقول في التقرير بالفعل أضربت زيدا أو بالفاعل أأنت ضربت زيدا أو بالمفعول أزيدا ضربت كما يجب ذلك في المستفهم عنه ا هـ‏.‏ وليس ‏"‏ الله أكبر ‏"‏ من هذا القبيل إذ ليس هنا مخاطب كما لا يخفى لكن ذكر في المطول أن التقرير يقال على التحقق والثبوت ويقال على حملك المخاطب‏.‏ إلى آخره، ولعل الأكمل أراد المعنى الأول، وقد تبع المصنف القدوري في التعبير بالواو، وفي قوله وركع المحتمل للمقارنة وضدها، وفي بعض الروايات يكبر، ثم يهوي وعبارة الجامع الصغير ويكبر مع الانحطاط‏.‏ قالوا وهو الأصح لئلا تخلو حالة الانحناء عن الذكر ولما قدمناه من حديث الصحيحين، وقال بعضهم يسن التكبير عند الخرور وابتداؤه عند أول الخرور وفراغه عند الاستواء كذا في الخلاصة وليس هو موافقا لما في الجامع؛ لأنه لا يلزم منه أن يكون فراغه عند الاستواء، وفي الخلاصة يركع حين يفرغ من القراءة، وهو منتصب يصلي هذا هو المذهب الصحيح ا هـ‏.‏ واحترز به عما حكاه في منية المصلي عن بعضهم أنه إذا أتم القراءة حالة الخرور لا بأس أن يكون ما بقي من القراءة حرفا أو كلمة لكن ذكر في المكروهات أن منها أن يتم القراءة في الركوع‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وركع ووضع يديه على ركبتيه وفرج أصابعه‏)‏ لما رواه أنس من صفة صلاته عليه السلام أشار إلى أن التطبيق المروي عن ابن مسعود منسوخ، وهو أن يضم إحدى الكفين إلى الأخرى ويرسلهما بين فخذيه بما في الصحيحين، وفي فتح القدير ويعتمد بيديه على ركبتيه ناصبا ساقيه، وإحناؤهما شبه القوس كما يفعل عامة الناس مكروه، ذكره في روضة العلماء، وإنما يفرج بينهما؛ لأنه أمكن من الأخذ بالركب ولا يندب إلى التفريج إلا في هذه الحالة ولا إلى الضم إلا في حالة السجود، وفيما عدا ذلك يترك على العادة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وبسط ظهره وسوى رأسه بعجزه‏)‏ فإنه سنة كما صح عنه صلى الله عليه وسلم فلهذا لا يرفع رأسه ولا يخفضه، وفي المجتبى والسنة في الركوع إلصاق الكعبين واستقبال الأصابع للقبلة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وسبح فيه ثلاثا‏)‏ أي في ركوعه بأن يقول ‏"‏ سبحان ربي العظيم ‏"‏ ثلاثا لحديث ابن ماجه «إذا ركع أحدكم فليقل سبحان ربي العظيم ثلاثا وذلك أدناه وإذا سجد فليقل سبحان ربي الأعلى ثلاثا وذلك أدناه» وفي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «كان يقول في ركوعه سبحان ربي العظيم، وفي سجوده سبحان ربي الأعلى»‏.‏ وفي سنن أبي داود‏:‏ «لما نزلت‏:‏ ‏{‏فسبح باسم ربك العظيم‏}‏ قال اجعلوها في ركوعكم فلما نزلت‏:‏ ‏{‏سبح اسم ربك الأعلى‏}‏ قال اجعلوها في سجودكم»‏.‏ وظاهر هذا الأمر الوجوب روي عن أبي مطيع البلخي أن التسبيحات ركن لو تركه لا تجوز صلاته كما في الذخيرة، والذي في البدائع عنه‏:‏ أن من نقص من الثلاث في تسبيحات الركوع والسجود لا تجوز صلاته قال وهذا فاسد؛ لأن الأمر تعلق بفعل الركوع والسجود مطلقا عن شرط التسبيح فلا يجوز نسخ الكتاب بخبر الواحد فقلنا بالجواز مع كون التسبيح سنة عملا بالدليلين بقدر الإمكان ا هـ‏.‏ وقد بحث فيه العلامة ابن أمير حاج الحلبي بأنه لا يتعين العمل بالدليلين في جعل التسبيح سنة بل يكون ذلك أيضا في جعله واجبا والمواظبة الظاهرة من حاله صلى الله عليه وسلم والأمر به متظافران على الوجوب فينبغي إذا تركه سهوا أن يجب السجود وإذا تركه عمدا يؤمر بالإعادة ونقل ابن هبيرة وغيره أنه مرة واحدة في كل منهما والتسميع والتحميد وسؤال المغفرة بين السجدتين والتكبيرات واجب في الرواية المشهورة عن أحمد إلا أنه إن ترك شيئا منها عمدا بطلت صلاته وسهوا لا، ويسجد للسهو‏.‏ ا هـ‏.‏ وقد يقال إنما لم يكن واجبا عندنا لوجود الصارف، وهو أنه عليه الصلاة والسلام لم يذكره للأعرابي حين علمه، ولو كان واجبا لذكره، والمواظبة لم تنقل صريحا وهذا الصارف منع من القول بها ظاهرا، فلهذا كان الأمر للاستحباب كما صرح به غير واحد من المشايخ فعلى هذا فالمراد من الكراهة في قولهم لو ترك التسبيحات أصلا أو نقص عن الثلاث فهو مكروه كراهة التنزيه؛ لأنها في مقابلة المستحب واختلف في معنى قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «وذلك أدناه» فقيل‏:‏ كمال السنة، وقيل أدنى كمال التسبيح، وقيل‏:‏ أدنى القول المسنون والأول أوجه وعلى كل فالزيادة على الثلاث أفضل ويستحب أن يختم على وتر خمس أو سبع أو تسع لحديث الصحيحين‏:‏ «إن الله وتر يحب الوتر» ولا ينبغي للإمام أن يطيل على وجه يمل القوم؛ لأنه سبب للتنفير وأنه مكروه، ولهذا قال الإسبيجابي ولو كان إماما يقولها ثلاثا على قول بعضهم، وقال بعضهم يقولها أربعا حتى يتمكن المقتدي من الثلاث، ولو أطال الركوع لإدراك الجائي لا تقربا لله تعالى فهو مكروه، وفي الذخيرة والبدائع وغيرهما‏:‏ قال أبو يوسف سألت أبا حنيفة عن ذلك، فقال‏:‏ أخشى عليه أمرا عظيما يعني الشرك وقد وهم بعضهم في فهم كلام الإمام فاعتقد منه أن يصير المنتظر مشركا يباح دمه فأفتى بإباحة دمه وهكذا ظن صاحب منية المصلي فقال‏:‏ يخشى عليه الكفر ولا يكفر وكل منهما غلط ولم يرده الإمام رحمه الله تعالى أراد أنه يخاف عليه الشرك في عمله الذي هو الرياء، وإنما لم يقطع بالرياء في عمله لما أنه غير مقطوع به لوجود الاختلاف فإنه نقل عن الشعبي أنه لا باس به، وهو قول الشافعي في القديم، وقد نهى الله عن الإشراك في العمل بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فمن كان يرجو لقاء ربه‏}‏ الآية وأعجب منه ما نقله في المجتبى عن البلخي أنه تفسد صلاته ويكفر، ثم نقل بعده عن الجامع الأصغر أنه مأجور على ذلك لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وتعاونوا على البر والتقوى‏}‏ وعن أبي الليث أنه حسن وعنه التفصيل بين أن يعرف الجائي فلا أو لا فنعم وأشار المصنف إلى أنه لا يأتي في ركوعه وسجوده بغير التسبيحات وما ورد في السنة من غيرها فمحمول على النوافل تهجدا أو غيره، لو رفع الإمام رأسه قبل أن يتم المأموم التسبيحات فيه روايتان أصحهما وجوب المتابعة بخلاف ما لو سلم قبل أن يتم المقتدي التشهد فإنه لا يتابعه؛ لأن قراءة التشهد واجبة كذا في فتاوى قاضي خان‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ثم رفع رأسه‏)‏ أي من الركوع، وقد تقدم حكم هذا الرفع في عد الواجبات‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ واكتفى الإمام بالتسميع والمؤتم والمنفرد بالتحميد‏)‏ لحديث الصحيحين‏:‏ «إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد» فقسم بينهما والقسمة تنافي الشركة فكان حجة على أبي يوسف ومحمد القائلين بأن الإمام يجمع بينهما استدلالا بأنه عليه السلام كان يجمع بينهما؛ لأن القول مقدم على الفعل وحجة على الشافعي في قوله إن المقتدي يجمع بين الذكرين أيضا وحكاه الأقطع رواية عن أبي حنيفة، وهو غريب فإن صاحب الذخيرة نقل أنه لا يأتي بالتسميع بلا خلاف بين أصحابنا، وأما المنفرد ففيه ثلاثة أقوال‏:‏ الأول أنه يأتي بالتسميع لا غير، وهو رواية المعلى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة وينبغي أن لا يعول عليها ولم أر من صححها‏.‏ الثاني‏:‏ أنه يأتي بالتحميد لا غير وصححه المصنف في الكافي، وقال في المبسوط وهو الأصح وعليه أكثر المشايخ واختاره الحلواني والطحاوي؛ لأن التسميع حث لمن خلفه على التحميد وليس معه أحد ليحثه عليه فلا يأتي بالتسميع‏.‏ الثالث‏:‏ الجمع بينهما وصححه صاحب الهداية، وقال الصدر الشهيد وعليه الاعتماد واختاره صاحب المجمع؛ لأنه قد صح من فعله عليه الصلاة والسلام أنه كان يجمع بينهما ولا محمل له سوى حالة الانفراد توفيقا بينه وبين القول الثالث في الصحيحين في حق الإمام والمأموم وقيده في غاية البيان بانفراده بصلاة النفل؛ لأنه كان مواظبا على الجماعة في الفرض، وحيث اختلف التصحيح كما رأيت فلا بد من الترجيح فالمرجح من جهة المذهب ما في المتن؛ لأنه ظاهر الرواية كما صرح قاضي خان في شرحه والمرجح من جهة الدليل ما صححه في الهداية، وفي القنية أما المنفرد يقول سمع الله لمن حمده فإذا استوى قائما قال ربنا لك الحمد في الجواب الظاهر، وهو الصحيح‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي جامع التمرتاشي، فإن لم يأت بالتسميع حالة الرفع لم يأت به حالة الاستواء، وقد قيل‏:‏ يأتي بهما، والمراد بالتسميع سمع الله لمن حمده ومعناه قبل الله حمد من حمده وقيل أجاب، وقيل غفر له والهاء في حمده للكناية كذا في المستصفى وذكر في الفوائد الحميدية أنها للسكتة والاستراحة، والمراد بالتحميد واحد من أربعة ألفاظ‏:‏ أفضلها‏:‏ اللهم ربنا ولك الحمد كما في المجتبى ويليه‏:‏ اللهم ربنا لك الحمد، ويليه‏:‏ ربنا ولك الحمد، ويليه المعروف‏:‏ ربنا لك الحمد، فما في المحيط من أفضلية الثاني فمحمول على أفضليته على ما بعده لا على الكل كما لا يخفى لما صرحوا به من أن زيادة الواو توجب الأفضلية واختلفوا فيها‏:‏ فقيل زائدة، وقيل‏:‏ عاطفة تقديره ربنا حمدناك ولك الحمد، واعلم أن المفهوم من المتن أنه لا يكبر حال الارتفاع، وهو الموافق لما ذكر في خزانة الفقه أن تكبيرات فرائض اليوم والليلة أربع وتسعون، وإنما يستقيم هذا إذا لم يكن عند الرفع تكبير لكن ذكر في المحيط وروضة الناطفي أنه يكبر حالة الارتفاع لما روي‏:‏ «أنه عليه الصلاة والسلام وأبا بكر وعمر وعليا كانوا يكبرون عند كل خفض ورفع» كما رواه الطحاوي ويمكن أن يجاب عن الحديث بأن المراد بالتكبير الذكر الذي فيه تعظيم الله تعالى توفيقا، كذا في المجتبى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ثم كبر ووضع ركبتيه، ثم يديه، ثم وجهه بين كفيه بعكس النهوض‏)‏ كما كان يفعله عليه السلام كما رواه أبو داود ولحديث الترمذي‏:‏ «كان عليه السلام إذا سجد وضع وجهه بين كفيه» وأفاد أنه إذا أراد السجود يضع أولا ما كان أقرب إلى الأرض فيضع ركبتيه أولا، ثم أنفه، ثم جبهته وإذا أراد الرفع يرفع أولا جبهته، ثم أنفه، ثم يديه، ثم ركبتيه وهذا كله عند الإمكان أما إذا كان متخففا فإنه يضع اليدين قبل الركبتين ويقدم اليمنى على اليسرى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وسجد بأنفه وجبهته‏)‏ أي سجد عليهما لتحصيل الأكمل والأنف اسم لما صلب، وأما ما لان منه فلا يجوز الاقتصار عليه بإجماعهم كما نقله غير واحد والجبهة اسم لما يصيب الأرض مما فوق الحاجبين إلى قصاص الشعر حالة السجود، وعرفها بعضهم بأنها ما اكتنفه الجبينان واعلم أن المأمور به في كتاب الله تعالى إنما هو السجود، وهو في اللغة يطلق لطأطأة الرأس والانحناء وللخضوع وللتواضع وللميل كسجدت النخلة‏:‏ مالت، وللتحية كالسجود لآدم تكرمة له كذا في ضياء الحلوم، وفي الشريعة‏:‏ وضع بعض الوجه مما لا سخرية فيه فخرج الخد والذقن والصدغ ومقدم الرأس فلا يجوز السجود عليها وإن كان من عذر بل معه يجب الإيماء بالرأس ولعله إنما قال تعالى‏:‏ ‏{‏يخرون للأذقان سجدا‏}‏ مع أن الذقن ليس محل السجود؛ لأن الساجد أول ما يلقى به الأرض من وجهه الذقن، وهو مجتمع اللحيين ووضع بعض الوجه يتحقق بالأنف كما في الجبهة فيجوز بالجبهة وحدها اتفاقا على ما عليه الجم الغفير من أهل المذهب، وما في المفيد والمزيد‏:‏ من أنه لا يتأدى الفرض عندهما إلا بوضعهما فخلاف المشهور عنهما، وإنما محل الاختلاف في الاقتصار على الأنف فعنده يجوز مطلقا وعندهما لا يجوز إلا من عذر بالجبهة كما صرح به صاحب الهداية والوجه ظاهر للإمام رحمه الله؛ لأن المأمور به السجود، وهو ما قلنا وأما ما في الصحيحين مرفوعا‏:‏ «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة وأشار إلى أنفه واليدين والركبتين وأطراف القدمين ولا يكف الثياب والشعر» فلا يفيد الافتراض؛ لأنه ظني الثبوت قطعا وظني الدلالة على خلاف فيه، بناء على أن لفظ ‏"‏أمرت‏"‏ مستعمل في الوجوب والندب هو الأعم بمعنى طلب مني ذلك أو في الندب أو في الوجوب فقولهما بالافتراض مشكل؛ لأنه يلزمهما الزيادة على الكتاب بخبر الواحد وهما يمنعانه في الأصول كأبي حنيفة فلذا قال المحقق ابن الهمام فجعل بعض المتأخرين الفتوى على الرواية الأخرى الموافقة لقولهما، لم يوافقه دراية ولا القوي من الرواية هذا ولو حمل قولهما ‏"‏ لا يجوز الاقتصار إلا من عذر ‏"‏ على وجوب الجمع كان أحسن إذ يرتفع الخلاف بناء على ما حملنا الكراهة منه عليه من كراهة التحريم ولم يخرجا عن الأصول ا هـ‏.‏ فالحاصل أنه لا خلاف بينهم فقول الإمام بكراهة الاقتصار على الأنف المراد بها كراهة التحريم وهي في مقابلة ترك الواجب، وقولهما لعدم الجواز المراد به عدم الحل، وهو كراهة التحريم فالسجود على الجبهة واجب اتفاقا؛ لأنه مقتضى الحديث والمواظبة المروية في سنن الترمذي‏:‏ «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد مكن جبهته وأنفه بالأرض»، وقال حديث حسن صحيح وهكذا في صحيح البخاري لكن هذا يقتضي وجوب السجود على الأنف كالجبهة؛ لأن المواظبة المنقولة تعمهما مع أن المنقول في البدائع والتحفة والاختيار عدم الكراهة بترك السجود على الأنف وظاهر ما في الكتاب يخالفه فإنه قال وكره أي الاقتصار على أحدهما سواء كان الجبهة أو الأنف وهي عند الإطلاق منصرفة إلى كراهة التحريم، وهكذا في المفيد والمزيد فالقول بعدم الكراهة ضعيف وخرج أيضا بقولنا‏:‏ ‏"‏ مما لا سخرية فيه ‏"‏ ما إذا رفع قدميه في السجود فإنه لا يصح؛ لأن السجود مع رفعهما بالتلاعب أشبه منه بالتعظيم والإجلال، ويكفيه وضع أصبع واحدة فلو لم يضع الأصابع أصلا ووضع ظهر القدم فإنه لا يجوز؛ لأن وضع القدم بوضع الأصبع وإذا وضع قدما ورفع آخر جاز مع الكراهة من غير عذر كما أفاده قاضي خان وذهب شيخ الإسلام إلى أن وضعهما سنة فتكون الكراهة تنزيهية والأوجه على منوال ما سبق هو الوجوب فتكون الكراهة تحريمية لما سبق من الحديث وذكر القدوري أن وضعهما فرض، وهو ضعيف، وأما اليدان والركبتان فظاهر الرواية عدم افتراض وضعهما قال في التجنيس والخلاصة وعليه فتوى مشايخنا، وفي منية المصلي ليس بواجب عندنا واختار الفقيه أبو الليث الافتراض وصححه في العيون ولا دليل عليه؛ لأن القطعي إنما أفاد وضع بعض الوجه على الأرض دون اليدين والركبتين والظني المتقدم لا يفيده، لكن مقتضاه ومقتضى المواظبة الوجوب، وقد اختاره المحقق في فتح القدير، وهو إن شاء الله تعالى أعدل الأقوال لموافقته الأصول، وإن صرح كثير من مشايخنا بالسنية ومنهم صاحب الهداية، وفي المجتبى‏:‏ سجد على طرف من أطراف جبهته يجوز ا هـ‏.‏ وظاهر ما في التجنيس يخالفه فإنه قال‏:‏ إذا وضع من الجبهة مقدار الأنف لا يجوز عند أبي حنيفة؛ لأن الأنف عضو كامل وهذا المقدار من الجبهة ليس بعضو كامل ولا بأكثر منها ا هـ إلا أن يحمل الطرف على الأكثر كما لا يخفى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وكره بأحدهما أو بكور عمامته‏)‏ أي كره السجود عليه، وهو دورها يقال كار العمامة وكورها دارها على رأسه وهذه العمامة عشرة أكوار وعشرون كورا كذا في المغرب، وهو بفتح الكاف كما ضبطه ابن أمير حاج لحديث الصحيحين‏:‏ «كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم في شدة الحر فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه» وذكر البخاري في صحيحه قال الحسن كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة فدل ذلك على الصحة، وإنما كره لما فيه من ترك نهاية التعظيم، وما في التجنيس من التعليل بترك التعظيم راجع إليه وإلا فترك التعظيم أصلا مبطل للصلاة، وقد نبه العلامة ابن أمير حاج هنا تنبيها حسنا، وهو أن صحة السجود على الكور إذا كان الكور على الجبهة أو بعضها، أما إذا كان على الرأس فقط وسجد عليه ولم تصب جبهته الأرض على القول بتعيينها ولا أنفه على القول بعدم تعيينها فإن الصلاة لا تصح لعدم السجود على محله وكثير من العوام يتساهل في ذلك ويظن الجواز وظاهر أن الكراهة تنزيهية لنقل فعله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من السجود على العمامة تعليما للجواز فلم تكن تحريمية، وقد أخرج أبو داود عن صالح بن حيوان أن «رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسجد، وقد اعتم على جبهته فحسر عن جبهته» إرشادا لما هو الأفضل والأكمل ولا يخفى أن محل الكراهة عند عدم العذر أما معه فلا، وفي كلام المصنف اشتباه فإنه جعل الكراهة في الاقتصار على أحدهما، وفي السجود على الكور واحدة، وقد حققنا أنها تحريمية في الأول تنزيهية في الثاني فيراد بالكراهة طلب الكف عن فعلها طلبا غير جازم سواء كان في الفعل إثم أو لا، وأشار بالكور إلى أن كل حائل بينه وبين الأرض متصل به فإن حكمه كذلك يعني الصحة كما لو سجد على فاضل ثوبه أو كمه على مكان ظاهر، وأما الكراهة ففي الذخيرة والمحيط إذا بسط كمه وسجد عليه إن بسط ليقي التراب عن وجهه كره ذلك؛ لأن هذا النوع تكبر وإن بسط ليقي التراب عن عمامته أو ثيابه لا يكره لعدمه ونص قاضي خان على أنه لا بأس به ولم يذكر كراهة، وفي الزاد‏:‏ ولو سجد على كمه إن كان ثمة تراب أو حصاة لا يكره؛ لأنه يدفع الأذى عن نفسه، وإن لم يكن جاز ويكره، والتوفيق بينهما بحمل ما في الذخيرة على ما إذا لم يخف ضررا وقصد الترفع فيكره تحريما ويحمل ما ذكره قاضي خان على ما إذا لم يكن ترفعا ولم يخف فيكره تنزيها وهي ترجع إلى خلاف الأولى وكلمة لا بأس فيما تركه أولى ويحمل ما في الزاد على ما إذا لم يكن ترفعا وخاف الأذى فيكون مباحا، وقيدنا بكون ما تحته طاهرا؛ لأنه لو بسط كمه على نجاسة فالأصح عدم الجواز ودل كلامه على أنه لو سجد على حائل بينه وبين الأرض منفصل عنه فإنه يصح بالأولى كالسجادة والحصير، وذكر الأكمل في تقريره أن الأولى للإمام ومن يقتدى به كالمفتي ترك السجادة حتى لا يحمل العوام على ما فيه حرج عليهم بخلافه في الخلوة ومن لا يقتدى به، وحمله البزازي على زمانهم، أما في زماننا فالأولى الصلاة عليها لما أن الناس تهاونوا في أمر الطهارة والأصل كما أنه يجوز السجود على الأرض يجوز على ما هو بمعنى الأرض مما تجد جبهته حجمه وتستقر عليه وتفسير وجدان الحجم أن الساجد لو بالغ لا يتسفل رأسه أبلغ من ذلك فيصح السجود على الطنفسة والحصيرة والحنطة والشعير والسرير والعجلة إن كانت على الأرض؛ لأنه يجد حجم الأرض، بخلاف ما إذا كانت على ظهر الحيوان؛ لأن قرارها حينئذ على الحيوان كالبساط المشدود بين الأشجار ولو سجد على ظهر رجل إن كان للضرورة بأن لم يجد موضعا من الأرض يسجد عليه والمسجود على ظهره في الصلاة جاز وإن لم يكن في الصلاة، أو وجد فرجة لا يجوز لعدمها وقيد في الواقعات أن تكون صلاتهما متحدة حتى لو سجد على ظهر من يصلي صلاة أخرى لا يجوز لعدمها وعليه مشى في الخلاصة وفتح القدير وشرط في المجتبى شرطا آخر‏:‏ وهو أن يكون المسجود على ظهره ساجدا على الأرض فلو سجد على ظهر مصل ساجد على ظهر مصل لا يجوز فالشروط أربعة، وفي المحيط ولو سجد على ظهر الميت وعليه لبد إن وجد حجم الميت لم يجز؛ لأنه سجد على الميت، وإن لم يكن يجد حجمه جاز؛ لأنه سجد على اللبد، ولو سجد على الأرز أو الجاورس أو الذرة لا يجوز لعدم استقرار الجبهة عليها حتى لو كان الأرز في الجوالق فإنه يجوز؛ لأنه يجد الحجم بواسطة انكباسه كما ذكره في منية المصلي وإن سجد على الثلج إن لم يلبده وكان يغيب وجهه ولا يجد حجمه لم يجز، وإن لبد جاز، وكذا إذا ألقى الحشيش فسجد عليه إن وجد عليه حجمه جاز وإلا فلا، وكذا في التبن والقطن ومن هنا يعلم جواز أداء الصلاة على الطراحة القطن، فإن وجد الحجم جاز وإلا فلا وهذا القيد لا بد منه في السجود على كور العمامة وطرف القلنسوة كما صرح به في المجتبى، وفي منية المصلي، ولو أن موضع السجود أرفع من موضع القدمين مقدار لبنتين منصوبتين جاز، وإن كان أكثر لا يجوز أراد لبنة بخارى، وهو ربع ذراع‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي التجنيس، ولو سجد على حجر صغير إن كان أكثر الجبهة على الأرض يجوز وإلا فلا وهكذا في كثير من الكتب معزيا إلى نصير، وفيه بحث؛ لأن اسم السجود يصدق بوضع شيء من الجبهة على الأرض ولا دليل على اشتراط أكثرها كما قالوا‏:‏ يكفي في القدمين وضع أصبع واحدة، ولهذا قال في المجتبى سجد على طرف من أطراف جبهته جاز، ثم نقل كلام نصير فدل على تضعيفه، نعم، وضع أكثرها واجب للمواظبة على تمكين الجبهة من الأرض وعلى تسليم أن الأكثر شرط فيجب أنه إذا كان ما أصاب الحجر والأرض يبلغ أكثرها يجوز لأنه لا يعتد بما أصاب الحجر أصلا كما هو ظاهر كلامهم والله الموفق للصواب وقيد بكون الحائل تبعا؛ لأن الحائل لو كان بعضه فإن كان كفه يجوز على الأصح، وإن كان فخذه يجوز بعذر لا بغيره على الصحيح، وإن كان ركبته لا يجوز مطلقا من غير خلاف يعلم لكن إن كان بعذر كفاه باعتبار ما في ضمنه من الإيماء وكان عدم الخلاف فيه لكون السجود يقع على حرف الركبة، وهو لا يأخذ قدر الواجب من الجبهة على ما قدمناه عن التجنيس، وفي فتح القدير والذي ينبغي ترجيح الفساد على الكف والفخذ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وأبدى ضبعيه‏)‏ أي أظهر عضديه والضبع بالسكون لا غير‏:‏ العضد وقيل وسطه باطنه كذا في المغرب ولعل المراد هنا الثاني للدليل الآتي ولأنه المسنون وذكر في المحيط أن فيه لغتين‏:‏ سكون الباء وضمها وذكر في ضياء الحلوم مختصر شمس العلوم أن الضبع بالسكون العضد والضبع بالضم الأنثى من الضباع ويقال للسنة المجدبة، وإنما يظهرهما لحديث الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ «كان إذا سجد فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه» ولحديث مسلم‏:‏ «إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك»، ثم إن كان في الصف لا يبديهما حذرا من إيذاء جاره بخلاف ما إذا لم يؤد إلى الإيذاء كما إذا لم يكن في الصف زحام ذكره في المجتبى وهذا أولى مما ذكره في الهداية وتابعه في الكافي وتبعهما الشارح من أنه إذا كان في الصف لا يجافي بطنه عن فخذيه؛ لأن الإيذاء لا يحصل من مجرد المجافاة، وإنما يحصل من إظهار العضدين‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وجافى بطنه عن فخذيه‏)‏ أي باعده لحديث مسلم‏:‏ «كان إذا سجد جافى بين يديه حتى لو أن بهيمة أرادت أن تمر بين يديه مرت» ولحديث أبي داود في صفة صلاته عليه الصلاة والسلام‏:‏ «وإذا سجد فرج بين فخذيه غير حامل بطنه على شيء من فخذيه» وبهيمة تصغير بهمة ولد الشاة بعد السخلة فإنه أول ما تضعه أمه يكون سخلة، ثم يكون بهمة وهي بصيغة المكبر في صحيح مسلم وسنن ابن ماجه وذكر بعض الحفاظ أن الصواب التصغير، قالوا‏:‏ والحكمة في الإبداء والمجافاة أن يظهر كل عضو بنفسه فلا تعتمد الأعضاء بعضها على بعض وهذا ضد ما ورد في الصفوف من التصاق بعضهم ببعض؛ لأن المقصود هناك الاتحاد بين المصلين حتى كأنهم جسد واحد ولأنه في الصلاة أشبه بالتواضع وأبلغ في تمكين الجبهة والأنف من الأرض وأبعد من هيئات الكسالى فإن المنبسط يشبه الكلب ويشعر بالتهاون بالصلاة وقلة الاعتناء بها‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ووجه أصابع رجليه نحو القبلة‏)‏ لحديث أبي حميد في صحيح البخاري أنه عليه الصلاة والسلام‏:‏ «كان إذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة» ونص صاحب الهداية في التجنيس على أنه إن لم يوجه الأصابع نحوها فإنه مكروه، ثم الظاهر المراد بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ولا قابضهما» أنه ناشر أصابعه عن باطن كفيه بدليل ما في صحيح ابن حبان عن وائل بن حجر «أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد ضم أصابعه فنشر أصابعه من الطي ضاما بعضها إلى بعض» ومن هنا نص مشايخنا على أنه يضم أصابعه كل الضم في السجود‏.‏ قيل والحكمة فيه أن الرحمة تنزل عليه في السجود فبالضم ينال أكثر‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وسبح فيه ثلاثا‏)‏ أي في السجود، وقد قدمناه في تسبيحات الركوع‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والمرأة تنخفض وتلزق بطنها بفخذيها‏)‏ لأنه أستر لها فإنها عورة مستورة ويدل عليه ما رواه أبو داود في مراسيله «أنه عليه الصلاة والسلام مر على امرأتين تصليان فقال إذا سجدتما فضما بعض اللحم إلى الأرض فإن المرأة ليست في ذلك كالرجل» وذكر الشارح أن المرأة تخالف الرجل في عشر خصال ترفع يديها إلى منكبيها وتضع يمينها على شمالها تحت ثدييها ولا تجافي بطنها عن فخذيها وتضع يديها على فخذيها تبلغ رءوس أصابعها ركبتيها ولا تفتح إبطيها في السجود وتجلس متوركة ولا تفرج أصابعها في الركوع ولا تؤم الرجال وتكره جماعتهن وتقوم الإمام وسطهن ا هـ‏.‏ ويزاد على العشر أنها لا تنصب أصابع القدمين كما ذكره في المجتبى ولا يستحب في حقها الإسفار بالفجر كما قدمناه في محله ولا يستحب في حقها الجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية بل قدمناه في شروط الصلاة أنه لو قيل بالفساد إذا جهرت لأمكن على القول بأن صوتها عورة والتتبع يقتضي أكثر من هذا فالأحسن عدم الحصر‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ثم رفع رأسه مكبرا وجلس مطمئنا‏)‏ يعني بين السجدتين، وقد تقدم أن هذا الجلوس مسنون ومقتضى الدليل من المواظبة عليها وجوبها لكن المذهب خلافه وما في شرح المنية من أن الأصح وجوبها إن كان بالنظر إلى الدراية فمسلم لما علمت من المواظبة، وإن كان من جهة الرواية فلا، وقد صرح الشارحون بالسنية ولم يذكر المصنف بين السجدتين ذكرا مسنونا، وهو المذهب عندنا، وكذا بعد الرفع من الركوع وما ورد فيهما من الدعاء فمحمول على التهجد، قال يعقوب سألت أبا حنيفة عن الرجل يرفع رأسه من الركوع في الفريضة أيقول اللهم اغفر لي قال يقول ربنا لك الحمد وسكت، وكذلك بين السجدتين فقد أحسن حيث لم ينهه عن الاستغفار صريحا من قوة احترازه ولم يذكر المصنف أيضا مقدار الرفع الذي يكون فاصلا بين السجدتين للاختلاف فيه فإن فيه أربع روايات عن أبي حنيفة، صحح صاحب الهداية أنه إن كان إلى القعود أقرب جاز، وإن كان إلى السجود أقرب لا يجوز؛ لأنه يعد ساجدا وصحح صاحب البدائع أنه كان بحيث لا يشكل على الناظر أنه رفع يجوز وصحح صاحب المحيط أنه يكتفي بأدنى ما ينطلق عليه اسم الرفع، والرواية الرابعة‏:‏ أنه إذا رفع رأسه مقدار ما يمر الريح بينه وبين الأرض جاز ولم أر من صححها وظاهر كلام المصنف في الكافي أنها تعود إلى الرواية الثالثة المصححة في المحيط واختارها فيه وذكر أنها القياس لتعلق الركنية بالأدنى في سائر الأركان‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وكبر وسجد مطمئنا‏)‏ وقد تقدم حكم الطمأنينة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وكبر للنهوض بلا اعتماد وقعود‏)‏ لحديث أبي داود‏:‏ «نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة»، وفي حديث وائل بن حجر في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «وإذا نهض نهض على ركبتيه واعتمد على فخذيه» ولحديث الترمذي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ «كان ينهض في الصلاة على صدور قدميه» قال الترمذي إن عليه العمل عند أهل العلم، وأما ما رواه البخاري عن مالك بن الحويرث أنه «رأى النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدا» فمحمول على حالة الكبر كما في الهداية ويرد عليه أن هذا الحمل يحتاج إلى دليل، وقد «قال عليه الصلاة والسلام لمالك بن الحويرث لما أراد أن يفارقه‏:‏ صلوا كما رأيتموني أصلي» ولم يفصل فكان الحديث حجة للشافعي فالأولى أن يحمل على تعليم الجواز فلذا والله أعلم قال في الفتاوى الظهيرية قال شمس الأئمة الحلواني إن الخلاف إنما هو في الأفضلية حتى لو فعل كما هو مذهب الشافعي لا بأس به عندنا ا هـ‏.‏ وكذا ترك الاعتماد مستحب لمن ليس به عذر عندنا على ما هو ظاهر كثير من الكتب المشهورة قال الوبري لا بأس يعتمد براحتيه على الأرض عند النهوض من غير فصل بين العذر وعدمه ومثله ما في المحيط عن الطحاوي لا بأس بأن يعتمد بيديه على الأرض شيخا كان أو شابا، وهو قول عامة العلماء ا هـ‏.‏ والأوجه أن يكون سنة فتركه يكره تنزيها لما تقدم من النهي وذكر الشارح أنه يكره تقديم إحدى الرجلين عند النهوض ويستحب الهبوط باليمنى والنهوض بالشمال ولم يذكر للكراهة دليلا وذكرها في المجتبى مروية عن معاذ بن جبل وابن عباس رضي الله عنهما‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والثانية كالأولى‏)‏ أي فيما قدمناه من الأركان والواجبات والسنن والآداب ‏(‏إلا أنه لا يثني‏)‏ أي لا يأتي بدعاء الاستفتاح؛ لأنه شرع في أول العبادة دون أثنائها ولذا سمي دعاء الاستفتاح‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا يتعوذ‏)‏؛ لأنه شرع في أول القراءة لدفع الوسوسة فلا يتكرر إلا بتبدل المجلس كما لو تعوذ وقرأ، ثم سكت قليلا وقرأ وبهذا اندفع ما ذكره ابن أمير حاج في شرحه من أنه ينبغي على قول أبي حنيفة ومحمد أن يتعوذ في الثانية أيضا؛ لأنه سنة القراءة، والقراءة تتجدد في كل ركعة لما علمت أنه سنة في أول القراءة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا يرفع يديه إلا في فقعس صمعج‏)‏ أي ولا يرفع يديه على وجه السنة المؤكدة إلا في هذه المواضع وليس مراده النفي مطلقا؛ لأن رفع الأيدي وقت الدعاء مستحب كما عليه المسلمون في سائر البلاد فلا يرفع يديه عند الركوع ولا عند الرفع منه ولا تكبيرات الجنائز لحديث أبي داود عن البراء قال «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه حين افتتح الصلاة، ثم لم يرفعهما حتى انصرف» ولحديث مسلم عن جابر بن سمرة قال‏:‏ «خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس اسكنوا في الصلاة» وشمس بضم المعجمة وسكون الميم جمع شموس بفتحها وضم الميم أي صعب واعتراض البخاري في كتابه رفع اليدين بأن هذا الرفع كان في التشهد بدليل حديث عبد الله ابن القبطية عن جابر أيضا، رد بأن الظاهر أنهما حديثان؛ لأن الذي يرفع يديه حال التسليم لا يقال له اسكن في الصلاة وبأن العبرة لعموم اللفظ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «اسكنوا في الصلاة» لا لخصوص السبب، وهو الإيماء حال التسليم وفي فتح القدير‏:‏ واعلم، أن الآثار عن الصحابة والطرق عنه صلى الله عليه وسلم كثيرة جدا والكلام فيها واسع من جهة الطحاوي وغيره والقدر المتحقق بعد ذلك كله ثبوت رواية كل من الأمرين عنه عليه الصلاة والسلام الرفع عند الركوع كما رواه الأئمة الستة في كتبهم عن ابن عمر وعدمه كما رواه أبو داود وغيره عن ابن مسعود فيحتاج إلى الترجيح لقيام التعارض، ويترجح ما صرنا إليه بأنه قد علم أنها كانت أقوال مباحة في الصلاة وأفعال من جنس هذا الرفع، وقد علم نسخها فلا يبعد أن يكون هو أيضا مشمولا بالنسخ خصوصا، وقد ثبت ما يعارضه ثبوتا لا مرد له بخلاف عدمه فإنه لا يتطرق إليه احتمال عدم الشرعية؛ لأنه ليس من جنس ما عهد فيه ذلك بل من جنس السكون الذي هو طريق ما أجمع على طلبه في الصلاة أعني الخشوع، وكذا بأفضلية الرواة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قاله أبو حنيفة للأوزاعي في الحكاية المشهورة عنهما وأفاد بهذه الحروف سنية رفع اليدين في ثمانية مواضع‏:‏ ثلاثة في الصلاة فالفاء لتكبيرة الافتتاح والقاف للقنوت والعين للعيدين، وخمسة في الحج‏:‏ فالسين عند استلام الحجر والصاد عند الصعود على الصفا والميم للمروة والعين لعرفات والجيم للجمرات والرفع في الثلاثة الأول بحذاء الأذنين، وفي الخمسة تفصيل ففي استلام الحجر وعند الجمرتين الأولى والوسطى يرفع حذاء منكبيه ويجعل باطنهما نحو الكعبة في ظاهر الرواية، وعند الصفا والمروة ‏(‏و‏)‏ بعرفات يرفعهما كالدعاء باسطا يديه نحو السماء كذا في الفتاوى الظهيرية من المناسك‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإذا فرغ من سجدتي الركعة الثانية افترش رجله اليسرى فجلس عليها ونصب يمناه ووجه أصابعه نحو القبلة‏)‏ لحديث مسلم عن عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «يقول في كل ركعتين التحية وكان يفترش رجله اليسرى وينصب اليمنى» وهذا بيان السنة عندنا حتى لو تورك جاز، أطلق الصلاة فشمل الفرض والنفل فيقعد فيهما على هذه الكيفية، فما في المجتبى ناقلا عن صلاة الجلابي أن هذا في الفرض، وفي النفل يقعد كيف شاء كالمريض مخالف لإطلاق الكتب المعتبرة المشهورة، نعم النفل مبناه على التخفيف، ولذا يجوز قاعدا مع القدرة على القيام لكن الكلام إنما هو في السنية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ووضع يديه على فخذيه وبسط أصابعه‏)‏ يعني وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده اليسرى على فخذه اليسرى لحديث مسلم عن ابن عمر مرفوعا كذلك أشار إلى رد ما ذكره الطحاوي أنه يضع يديه على ركبتيه ويفرق بين أصابعه كحالة الركوع لحديث مسلم أيضا عن ابن عمر كذلك وزاد فيه وعقد ثلاثة وخمسين وأشار بالسبابة ورجح في الخلاصة الكيفية الأولى، فقال‏:‏ ولا يأخذ الركبة، هو الأصح فتحمل الكيفية الثانية في الحديث على الجواز، والأولى على بيان الأفضلية، وعلل له في البدائع بأنه على الكيفية الأولى تكون الأصابع متوجهة إلى القبلة وعلى الثانية إلى الأرض لكنه لا يتم إلا إذا كانت الأصابع عطفت على الركبة أما إذا كانت رءوسها عند رأس الركبة فلا يتم الترجيح، وعلى اعتبار هذه الكيفية الثالثة ما في جمع التفاريق عن محمد أنه يكون أطراف الأصابع عند الركبة كما نقله في المجتبى وأشار ببسط الأصابع إلى أنه لا يشير بالسبابة عند الشهادتين، وهو قول كثير من المشايخ، وفي الولوالجية والتجنيس‏:‏ وعليه الفتوى؛ لأن مبنى الصلاة على السكون، وكرهها في منية المصلي ورجح في فتح القدير القول بالإشارة وأنه مروي عن أبي حنيفة كما قال محمد فالقول بعدمها مخالف للرواية والدراية ورواها في صحيح مسلم من فعله صلى الله عليه وسلم وفي المجتبى لما اتفقت الروايات عن أصحابنا جميعا في كونها سنة، وكذا عن الكوفيين والمدنيين وكثرة الأخبار والآثار كان العمل بها أولى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وقرأ تشهد ابن مسعود رضي الله عنه‏)‏، وهو ما رواه أصحاب الكتب الستة، وهو‏:‏ التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فسمي تشهدا تسمية للكل باسم جزئه الأشرف؛ لأن التشهد أشرف أذكاره، ثم في تفسير ألفاظها أقوال كثيرة، أحسنها‏:‏ أن التحيات العبادات القولية والصلوات العبادات البدنية والطيبات العبادات المالية فجميع العبادات لله تعالى لا يستحقه غيره ولا يتقرب بشيء منه إلى ما سواه، ثم هو على مثال من يدخل على الملوك فيقدم الثناء أولا، ثم الخدمة ثانيا، ثم بذل المال ثالثا، وأما قوله‏:‏ السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته حكاية سلام الله تعالى على نبيه عليه الصلاة والسلام فهي ثلاثة بمقابلة الثلاث التي أثنى بها النبي صلى الله عليه وسلم على ربه ليلة الإسراء، والسلام من سلم الله تعالى عليه أو من تسليمه من الآفات وإلا ظهر أن المراد بالرحمة هنا نفس الإحسان منه تعالى لا إرادته؛ لأن المراد الدعاء بها والدعاء إنما يتعلق بالممكن والإرادة قديمة بخلاف نفس الإحسان، والبركة النماء والزيادة من الخير ويقال‏:‏ البركة جماع كل خير، ثم إنه صلى الله عليه وسلم أعطى سهما من هذه الكرامة لإخوانه الأنبياء والملائكة وصالح المؤمنين من الإنس والجن؛ لأنه يعمهم كما شهدت به السنة الصحيحة حيث قال صلى الله عليه وسلم هذه الكلمات فإنكم إذا قلتموها أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض، والعباد جمع عبد، قال بعضهم‏:‏ ليس شيء أشرف من العبودية، ومراده من صفات المخلوقين وإلا فهي منبئة عن النقص لدلاتها على الحاجة والافتقار كما ذكره الغزالي في جواهر القرآن وعرفها النسفي بأنها الرضا بما يفعله الرب، والعبادة فعل ما يرضي الرب وأن العبودية أقوى منها؛ لأنها لا تسقط في العقبى بخلاف العبادة والصالح هو القائم بحقوق الله وحقوق عباده ولذا وصف الأنبياء نبينا عليه الصلاة والسلام به ليلة الإسراء فقالوا‏:‏ مرحبا بالنبي الصالح ولذا قالوا لا ينبغي الجزم به في حق شخص معين من غير شهادة الشارع له به، وإنما يقال هو صالح فيما أظن أو في ظني خوفا من الشهادة بما ليس فيه، وأشهد معناه أعلم وأتيقن ألوهية الله تعالى وحده لا شريك له وعبودية محمد ورسالته صلى الله عليه وسلم وقدمت العبودية على الرسالة لما قدمناه أنها أشرف صفاته، ولهذا وصفه الله تعالى بها في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏سبحان الذي أسرى بعبده‏}‏ وفي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فأوحى إلى عبده ما أوحى‏}‏ واختير لفظ الشهادة دونهما؛ لأنها أبلغ في معناها وأظهر منهما لكونها مستعملة في ظواهر الأشياء وبواطنها، بخلاف العلم واليقين فإنهما يستعملان غالبا في البواطن فقط، ولذا لو أتى الشاهد بلفظ أعلم أو أتيقن مكان أشهد لم تقبل شهادته وإنما ذكرنا بعض معاني التشهد لما أن المصلي يقصد بهذه الألفاظ معانيها مرادة له على وجه الإنشاء منه كما صرح به في المجتبى بقوله‏:‏ ولا بد من أن يقصد بألفاظ التشهد معناها التي وضعت لها من عنده كأنه يحي الله ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى نفسه وأوليائه ا هـ‏.‏ وعلى هذا فالضمير في قوله السلام علينا عائد إلى الحاضرين من الإمام والمأموم والملائكة كما نقله في الغاية عن النووي واستحسنه وبهذا يضعف ما ذكره في السراج الوهاج أن قوله السلام عليك أيها النبي حكاية سلام الله عليه لا ابتداء سلام من المصلي عليه واحترز بتشهد ابن مسعود عن غيره ليخرج تشهد عمر رضي الله عنه، وهو‏:‏ التحيات لله الزاكيات لله الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله رواه مالك في الموطإ وعمل به إلا أنه زاد عليه ‏(‏وحده لا شريك له‏)‏ الثابت في تشهد عائشة المروي في الموطإ أيضا وبه علم تشهدها وخرج تشهد ابن عباس رضي الله عنهما المروي في مسلم وغيره مرفوعا‏:‏ التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله إلا أن في رواية الترمذي سلام عليك بالتنكير وبهذا أخذ الشافعي وقال‏:‏ إنه أكمل التشهد ورجح مشايخنا تشهد ابن مسعود بوجوه عشرة ذكرها الشارح وغيره أحسنها‏:‏ أن حديثه اتفق عليه الأئمة الستة في كتبهم لفظا ومعنى، واتفق المحدثون على أنه أصح أحاديث التشهد بخلاف غيره حتى قال الترمذي إن أكثر أهل العلم عليه من الصحابة والتابعين وممن عمل به أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكان يعلمه الناس على المنبر كالقرآن، ثم وقع لبعض الشارحين أنه قال والأخذ بتشهد ابن مسعود أولى فيفيد أن الخلاف في الأولوية حتى لو تشهد بغيره كان آتيا بالواجب والظاهر خلافه؛ لأنهم جعلوا التشهد واجبا وعينوه في تشهد ابن مسعود فكان واجبا، ولهذا قال في السراج الوهاج ويكره أن يزيد في التشهد حرفا أو يبتدئ بحرف قبل حرف قال أبو حنيفة، ولو نقص من تشهده أو زاد فيه كان مكروها؛ لأن أذكار الصلاة محصورة فلا يزاد عليها ا هـ‏.‏ وإذا قلنا بتعينه للوجوب كانت الكراهة تحريمية وهي المحمل عند إطلاقها كما ذكرناه غير مرة وأشار إلى أنه لا يزيد على تشهد ابن مسعود في القعدة الأولى فلا يأتي بالصلاة صلى الله عليه وسلم فيها، وهو قول أصحابنا ومالك وأحمد، وعند الشافعي على الصحيح أنها مستحبة فيها، للجمهور ما رواه أحمد وابن خزيمة من حديث ابن مسعود ثم إن «كان صلى الله عليه وسلم في وسط الصلاة نهض حين فرغ من تشهده» قال الطحاوي من زاد على هذا فقد خالف الإجماع، فإن زاد فيها، فإن كان عامدا فهو مكروه ولا يخفى وجوب إعادتها، وإن كان ساهيا فقد اختلفت الرواية والمشايخ والمختار كما صرح به في الخلاصة أنه يجب السجود للسهو إذا قال اللهم صل على محمد لا لأجل خصوص الصلاة بل لتأخير القيام المفروض واختاره قاضي خان وبهذا ظهر ضعف ما في منية المصلي من أنه إذا زاد حرفا واحدا وجب عليه سجود السهو على قول أكثر المشايخ؛ لأن الحرف أو الكلمة يسير يعسر التحرز عنه وما ذكره القاضي الإمام من أن السجود لا يجب حتى يقول وعلى آل محمد؛ لأن التأخير حاصل بما ذكرناه وما في الذخيرة من أنه لا يجب حتى يؤخر مقدر ما يؤدي ركنا فيه؛ لأنه لا دليل عليه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وفيما بعد الأوليين اكتفى بالفاتحة‏)‏ يعني في الفرائض أطلقه فشمل الثالثة من المغرب والأخيرتين من الرباعية وهي أحسن من عبارة القدوري حيث قال يقرأ في الأخريين بالفاتحة إذ لا تشمل المغرب ولم يبين صفة القراءة فيما بعدهما للاختلاف فروى الحسن عن أبي حنيفة وجوبها وظاهر الرواية أنه يخير بين القراءة والتسبيح ثلاثا كما في البدائع والذخيرة والسكوت قدر تسبيحة كما في النهاية أو ثلاثا كما ذكره الشارح وصحح التخيير في الذخيرة، وفي فتاوى قاضي خان وعليه الاعتماد، وفي المحيط‏:‏ ظاهر الرواية أن القراءة سنة في الأخيرتين، ولو سبح فيهما ولم يقرأ لم يكن مسيئا؛ لأن القراءة فيهما شرعت على سبيل الذكر والثناء حتى قالوا‏:‏ ينوي بها الذكر والثناء دون القراءة بدليل أنه شرعت المخافتة فيها في سائر الأحوال وذلك يختص بالأذكار ولذا تعينت الفاتحة للقراءة؛ لأنها كلها ذكر وثناء، وإن سكت فيهما عمدا يكون مسيئا؛ لأنه ترك السنة، وإن كان ساهيا لم يلزمه سجود السهو، وفي البدائع إن التخيير مروي عن علي وابن مسعود، وهو مما لا يدرك بالرأي فهو كالمرفوع، وهو الصارف للمواظبة عن الوجوب المستفاد من حديث الصحيحين عن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ «كان يقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين، وفي الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب» وبهذا ظهر ضعف ما في المحيط من أنه لا يكون مسيئا بترك القراءة فيهما لكن مقتضى أثر علي وابن مسعود أنه لا يكون مسيئا بالسكوت، وهو ظاهر ما في البدائع والذخيرة والخانية، وإن كان صاحب المحيط على خلافه، واتفق الكل على أن القراءة أفضل وليس بمناف للتخيير كالحلق مع التقصير وصوم المسافر في رمضان إذ لا مانع من التخيير بين الفاضل والأفضل وصحح في المجتبى أنه ينوي الذكر والثناء موافقا لما في المحيط واستدل له في المبسوط، وفي البدائع أن رجلا سأل عائشة عن قراءة الفاتحة في الأخريين، فقالت‏:‏ ليكن على وجه الثناء، وقد قدمناه في الحيض أن القرآن يخرج عن القرآنية بالقصد وأن بعضهم لا يرى به في الفاتحة فينبغي كذلك هنا ومن الغريب ما نقله في المجتبى عن غريب الرواية أنه لو قرأ الفاتحة في الأخريين بنية القرآن يضم إليها السورة ا هـ‏.‏ وكان وجهه القياس على الأوليين ولا يخفى عدم صحته لما عهد في الأخريين من التخفيف وأشار بقوله اكتفى بالفاتحة إلى أنه لا يزيد عليها على أنه سنة والظاهر أن الزيادة عليها مباحة لما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري أنه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين قدر ثلاثين آية، وفي الأخريين قدر خمسة عشر آية أو قال نصف ذلك»، ولهذا قال فخر الإسلام وتبعه في غاية البيان أن السورة مشروعة نفلا في الأخريين حتى لو قرأها في الأخريين ساهيا لم يلزمه السجود، وفي الذخيرة، وهو المختار، وفي المحيط، وهو الأصح، وإن كان الأولى الاكتفاء بها لحديث أبي قتادة السابق ويحمل حديث أبي سعيد على تعليم الجواز ويحمل ما في السراج الوهاج معزيا إلى الاختيار من كراهة الزيادة على الفاتحة على كراهة التنزيه التي مرجعها إلى خلاف الأولى وقيدنا بالفرائض؛ لأن النفل الواجب تجب القراءة في جميع الركعات بالفاتحة والسورة كما سيأتي وأشار أيضا إلى أنه لا يأتي بالثناء والتعوذ في الشفع الثاني من الفرائض، والواجب كالفرض في هذا، بخلاف النوافل سنة كانت أو غيرها، فإنه يأتي بالثناء والتعوذ فيه كالأول؛ لأن كل شفع صلاة على حدة ولذا يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في القعود الأول، واستثنى من ذلك في المجتبى الأربع قبل الظهر والجمعة وبعدها فإنها صلاة واحدة كالفرض لكن هو مسلم في الأربع قبل الظهر لما صرحوا به من أنه لا تبطل شفعة الشفيع بالانتقال إلى الشفع الثاني منها، ولو أفسدها قضى أربعا والأربع قبل الجمعة بمنزلتها، وأما الأربع بعد الجمعة فغير مسلم بل هي كغيرها من السنن فإنهم لم يثبتوا لها تلك الأحكام المذكورة والله سبحانه أعلم‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والقعود الثاني كالأول‏)‏ يعني فيفترش رجله اليسرى فيجلس عليها وينصب اليمنى كما قدمناه، وهو احتراز عن قول مالك والشافعي من أنه يتورك فيها، وفي خزانة الفقه لأبي الليث وأكثر ما يقع التشهد في الصلاة الواحدة عشر مرات، وهو أن يدرك الإمام في التشهد الأول من صلاة المغرب، ثم يتشهد معه الثانية وعلى الإمام سهو فيسجد معه ويتشهد الثالثة، ثم يتذكر الإمام أن عليه سجدة تلاوة فيسجد ويتشهد معه الرابعة، ثم يسجد الإمام لهذا السهو ويتشهد معه الخامسة، ثم إذا سلم الإمام قام المأموم وصلى ركعة وتشهد السادسة، ثم صلى ركعة أخرى وتشهد السابعة، وقد كان سها فيما يقضي فسجد للسهو وتشهد الثامنة، ثم تذكر أنه قرأ آية سجدة فيما يقضي فسجد وتشهد التاسعة، ثم سجد لهذا السهو وتشهد العاشرة ا هـ‏.‏ مراده من التشهد بعد سجود التلاوة تشهد الصلاة في القعدة الأخيرة؛ لأن العود إلى سجود التلاوة يرفع القعدة كما لا يخفى وحينئذ يعيده ويعيد سجود السهو لبطلانه بالعود إلى سجود التلاوة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وتشهد وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏، وقد قدمنا أن التشهد واجب وأن الصلاة سنة وقدمنا دليل السنية وأن موجب الأمر في الآية إنما هو الافتراض في العمر مرة؛ لأنه لا يقتضي التكرار وهذا بلا خلاف، وإنما وقع الخلاف بين الطحاوي والكرخي في وجوبها كلما سمع ذكره من غيره أو من نفسه الموجب للتفسيق بالترك لا في الافتراض فاختار الطحاوي تكرار الوجوب وصححه في التحفة والمحيط واختلف على قوله أنه لو تكرر في مجلس واحد هل يتداخل الوجوب فيكفيه صلاة واحدة أو يتكرر الوجوب من غير تداخل‏؟‏ صحح في الكافي من باب سجود التلاوة الأول وأن الزائد ندب، وكذا التشميت وصحح في المجتبى الثاني وفرق بينه وبين تكرار ذكر الله تعالى في مجلس حيث يكفي ثناء واحد‏.‏ قال ولو تركه لا يبقى عليه دينا، بخلاف الصلاة فإنها تصير دينا بأن كل وقت أداء للثناء؛ لأنه لا يخلو عن تجدد نعم الله تعالى عليه الموجبة للثناء فلا يكون وقتا للقضاء كالفاتحة في الأخريين، بخلاف الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الفرق ليس بظاهر؛ لأن جميع الأوقات، وإن كانت وقتا للأداء لكن ليس مطالبا بالأداء؛ لأنه رخص له في الترك فيمكن أن يكون سماعه لاسم الله تعالى سببا في الوجوب كالصلاة واختار الكرخي استحباب التكرار ورجحه شمس الأئمة السرخسي وقدح في قول الطحاوي بأنه مخالف للإجماع، فإن تم نقل الإجماع على الاستحباب ترجح وإلا فالأولى قول الطحاوي للأحاديث الواردة فيها من الدعاء، بالرغم والإبعاد والشقاء والوصف بالبخل والجفاء لمن لم يصل عليه إذا ذكر عنده فإن الوعيد في مثل هذه الأمور على الترك من علامات الوجوب، ولعل السرخسي ظن أن الطحاوي قائل بالافتراض فرده وقد علمت أنه إنما قال بالوجوب المصطلح عليه عندنا لما أن مستنده خبر واحد وبهذا ظهر أن الصلاة تكون فرضا وواجبا وسنة ومستحبة ومكروهة، فالأول في العمر مرة، والثاني كلما ذكر على الصحيح، والثالث في الصلاة، والرابع في جميع أوقات الإمكان والخامس في الصلاة في غير التشهد في القعود الأخير، وظهر بما قررناه أن قول الحاوي القدسي، وقال بعضهم‏:‏ إنها فرض عند سماع اسمه كل مرة وهذا أصح ا هـ‏.‏ محمول على الواجب كما قدمنا ويمكن أن تكون الصلاة حراما كما صرحوا به في الحظر والإباحة في مسألة ما إذا فتح التاجر متاعه وصلى، وكذا في الفقاعي، وفي المجتبى معزيا إلى خزانة الأكمل أنه لا يجب على النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي على نفسه، ثم في كيفيتها في الصلاة وخارجها اختلاف، والذي صرح به ضابط المذهب محمد بن الحسن على ما نقله الشارح وغيره‏:‏ «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد» من غير ذكر ‏"‏في العالمين‏"‏ وأخرجه البيهقي حديثا مرفوعا، ونقل في الذخيرة عن محمد الصلاة المذكورة مع تكرار إنك حميد مجيد، وهو كذلك في صحيح البخاري وفي إفصاح ابن هبيرة عن محمد بن الحسن ذكر الصلاة المنقولة عنه مع زيادة ‏"‏ في العالمين ‏"‏ وهي ثابتة في رواية ابن مسعود الأنصاري عند مالك ومسلم وأبي داود وغيرهم فما في السراج الوهاج معزيا إلى منية المصلي من أنه لا يأتي بها ضعيف ومعنى الصلاة الرحمة وإنما كرر حرف الجر في الآل للإشارة إلى تراخي رتبة آله عنه، واختلف فيهم‏:‏ فالأكثرون على أنهم قرابته الذين حرمت الصدقة عليهم وصححه بعضهم واختار النووي أنهم جميع الأمة، والتشبيه‏.‏ في قوله كما صليت إما راجع لآل محمد وإما لأن المشبه به لا يلزم أن يكون أعلى من المشبه أو مساويا بل قد يكون أدنى مثل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏مثل نوره كمشكاة‏}‏ وسبب وقوعه كون المشبه به مشهورا فهو من باب إلحاق غير المشهور بالمشهور لا الناقص بالكامل والواقع أن القدر الحاصل للنبي صلى الله عليه وسلم وآله أزيد مما حصل لغيره والنكتة في تخصيص سيدنا إبراهيم دون غيره من الأنبياء إما لسلامه على أمة محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء دون غيره من الأنبياء أو لدعائه بقوله‏:‏ ربنا وابعث فيهم رسولا منهم، أو لأنه سمانا المسلمين وسماه الله أبا للمسلمين وحسن الختم ب ‏"‏ إنك ‏"‏ حميد مجيد؛ لأن الداعي يشرع له أن يختم دعاءه باسم من الأسماء الحسنى مناسب للمطلوب كما علم من الآيات والأحاديث، والصلاة والتبريك عليه يشتمل على الحمد والمجد لاشتمالها على ثناء الله وتكريمه ورفع الذكر له فكأن المصلي يطلب من الله أن يزيده في حمده ومجده فناسب أن يختم بهذين الاسمين والحكمة في أن العبد يسأل الله تعالى أن يصلي ولا يصلي بنفسه مع أنه مأمور بالصلاة‏:‏ قصوره عن القيام بهذا الحق كما ينبغي، فالمراد من الصلاة في الآية سؤالها فالمصلي في الحقيقة هو الله تعالى ونسبتها إلى العبد مجاز، وفي منية المصلي وروي عن بعض المشايخ أنه قال‏:‏ ولا يقول ارحم محمدا وأكثر المشايخ على أنه يقوله للتوارث ا هـ‏.‏ قال السرخسي لا بأس به؛ لأن الأثر ورد به من طريق أبي هريرة وابن عباس ولأن أحدا وإن جل قدره لا يستغني عن رحمة الله تعالى وصححه الشارح ومحل الخلاف في الجواز وعدمه إنما هو فيما يقال مضموما إلى الصلاة والسلام كما أفاد شيخ الإسلام ابن حجر فلذا اتفقوا على أنه لا يقال ابتداء رحمة الله، ومن العجيب ما وقع في فتاوى قاضي خان في آخر باب الوتر والتراويح حيث قال‏:‏ وإذا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت قالوا لا يصلي في القعدة الأخيرة، وكذا لو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم في القعدة الأولى ساهيا لا يصلي في القعدة الأخيرة ا هـ‏.‏ وكان وجهه أن الصلاة عليه في الصلاة لا تتكرر فإذا أتى بها مرة، ولو في غير موضعها لا تعاد لكن هذا في الثاني ممكن، وأما في القنوت فالصلاة آخره مشروعة كما سيأتي فالحق خلافه، وأعجب من هذا ما في المجتبى‏:‏ من أنه إذا شرع في التشهد ولم يتمه لا تصح صلاته عند محمد ؛ لأنه صار فرضا عليه بالشروع، وإن كان ظاهر المذهب الصحة وعندي في صحته عن محمد بعد؛ لأنه يلزمه في كل واجب شرع فيه ولم يتمه كالفاتحة، وأطلق المصنف التشهد والصلاة فشمل المسبوق ولا خلاف أنه في التشهد كغيره وأما في الصلاة والدعاء فاختلفوا على أربعة أقوال اختار ابن شجاع تكرار التشهد وأبو بكر الرازي السكوت وصحح قاضي خان في فتاويه أنه يترسل في التشهد حتى يفرغ منه عند سلام الإمام، وصحح صاحب المبسوط أنه يأتي بالصلاة والدعاء متابعة للإمام؛ لأن المصلي لا يشتغل بالدعاء في خلال الصلاة لما فيه من تأخير الأركان وهذا المعنى لا يوجد هنا؛ لأنه لا يمكنه أن يقوم قبل سلام الإمام وينبغي الإفتاء بما في الفتاوى كما لا يخفى، وفي عمدة الفتاوى للصدر الشهيد الإمام إذا تكلم والمقتدي بعد لم يقرأ التشهد قرأ، وإن أحدث الإمام لم يقرأ؛ لأن الكلام بمنزلة السلام والإمام إذا سلم والمقتدي لم يقرأ التشهد يقرأ؛ لأنه يجوز أن يبقى المقتدي في حرمة الصلاة بعد سلام الإمام ولا يجوز أن يبقى بعد حدث الإمام عمدا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ودعا بما يشبه ألفاظ القرآن والسنة لا كلام الناس‏)‏ أي بالدعاء الموجود في القرآن ولم يرد حقيقة المشابهة إذ القرآن معجز لا يشابهه شيء ولكن أطلقها لإرادته نفس الدعاء لا قراءة القرآن مثل ‏:‏ ‏{‏ربنا لا تؤاخذنا‏}‏ ‏:‏ ‏{‏ربنا لا تزغ قلوبنا‏}‏ ‏:‏ ‏{‏رب اغفر لي ولوالدي‏}‏ ‏:‏ ‏{‏ربنا آتنا في الدنيا حسنة‏}‏ إلى آخر كل من الآيات، وقوله‏:‏ والسنة، يجوز نصبه عطفا على ألفاظ أي دعا بما يشبه ألفاظ السنة وهي الأدعية المأثورة ومن أحسنها ما في صحيح مسلم‏:‏ «اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال» ويجوز جره عطفا على القرآن أو ما أي دعا بما يشبه ألفاظ السنة أو دعا بالسنة، وقد تقدم أن الدعاء آخرها سنة لحديث ابن مسعود «ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به» ولفظ مسلم‏:‏ «ثم ليتخير من المسألة ما شاء» وله حديث أيضا عند أحمد، وإن كان في آخرها «دعا يعني النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد بما شاء أن يدعو، ثم يسلم» وعن أبي أمامة «قال‏:‏ قيل‏:‏ يا رسول الله، أي الدعاء أسمع‏؟‏ قال‏:‏ جوف الليل الأخير ودبر الصلوات المكتوبات» رواه الترمذي وحسنه والدبر يطلق على ما قبل الفراغ منها أي الوقت الذي يليه وقت الخروج منها ويراد به وراءه وعقبه أي الوقت الذي يليه وقت الخروج ولا يبعد أن يكون كل من الوقتين أوفق لاستماع الدعاء فيه أولى باستحبابه وأطلق في المدعو له ولم يخصه بنفسه؛ لأن السنة أن لا يخص المصلي نفسه بالدعاء لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات‏}‏ وللحديث‏:‏ «من صلى صلاة لم يدع فيها للمؤمنين والمؤمنات فهي خداج»، ثم ظاهر النصوص ومن جملتها التشهد في الصلاة استحباب تقديم نفسه في الدعاء كما ثبت في سنن أبي داود وغيره‏:‏ «كان صلى الله عليه وسلم إذا دعا بدعاء بدأ بنفسه»، وهو من آداب الدعاء ولذا قال في منية المصلي ويستغفر لنفسه ولوالديه إن كانا مؤمنين ولجميع المؤمنين والمؤمنات، وإنما قيد بإيمانهما؛ لأنه لا يجوز الدعاء بالمغفرة للمشرك ولقد بالغ القرافي المالكي كما نقله في شرح منية المصلي بأن قال إن الدعاء بالمغفرة للكافر كفر لطلبه تكذيب الله تعالى فيما أخبر به، وقد صرح المفسرون بأن والدي سيدنا نوح كانا مؤمنين، ثم ظاهر ما في المنية أنه يجوز الدعاء بالمغفرة لجميع ذنوبهم، وقد صرح القرافي بتحريمه؛ لأن فيه تكذيبا للأحاديث الصحيحة المصرحة بأنه لا بد من تعذيب طائفة من المؤمنين بالنار وخروجهم منها بشفاعة أو بغير شفاعة، ودخولهم النار إنما هو بذنوبهم ولا يوجب الكفر كالدعاء للمشرك بها للفرق بين تكذيب الآحاد والقطعي، وأما قول الداعي اللهم اغفر لي ولجميع المسلمين فيجوز أن يريد بالمغفرة له‏:‏ المغفرة من جميع الذنوب وأما لجميع المسلمين‏:‏ فإن أراد المغفرة من حيث الجملة ولم يشركهم فيما طلبه لنفسه فهو جائز، وإن أراد المغفرة لكل أحد من جميع ذنوبه فهو المحرم الذي ذكرناه وتعقبه الكرماني شارح البخاري ورده في شرح منية المصلي وأطال الكلام، والحق أنه يكون عاصيا بالدعاء للكافر بالمغفرة غير عاص بالدعاء بالمغفرة لجميع المؤمنين؛ لأن العلماء اختلفوا في جواز العفو عن المشرك عقلا، قيل بالجواز؛ لأن الخلف في الوعيد كرم فيجوز من الله تعالى، وإن كان المحققون على خلافه كما ذكره التفتازاني في شرح العقائد، وقد قال العلامة زين العرب في شرح المصابيح من بحث الإيمان‏:‏ ليس بحتم عندنا أي أهل السنة أن يدخل النار أحد من الأمة بل العفو عن الجميع مرجو لموجب قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن الله يغفر الذنوب جميعا‏}‏ ا هـ‏.‏ فيجوز أن يطلب للمؤمنين لفرط شفقته على إخوانه الأمر الجائز الوقوع وإن لم يكن واقعا، ثم في تقديم الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم على الدعاء بيان للسنة كما ذكره الطحاوي في مختصره للحديث الصحيح المروي في سنن الترمذي وغيره‏:‏ «إذا صلى أحدكم فليبدأ بالحمد والثناء على الله، ثم بالصلاة علي، ثم بالدعاء» ولم يبين المصنف كلام الناس هنا وبينه في الكافي فقال‏:‏ وفسروه بما لا يستحيل سؤاله من العباد نحو أعطني كذا وزوجني امرأة وما لا يشبه كلامهم ما يستحيل سؤاله منهم نحو اغفر لي؛ لأنه يختص به عز وجل، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يغفر الذنوب إلا الله‏}‏ ا هـ‏.‏ وهكذا ذكره الجمهور، ويشكل عليه أن المغفرة كما ذكروه تختص بالله تعالى وهم فصلوا فقالوا‏:‏ لو قال اللهم اغفر لعمي أو لخالي تفسد، ذكره في الخلاصة من غير ذكر خلاف وذكر فيها أنه لو قال اللهم اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين والمؤمنات لا تفسد ولم يحك خلافا وحكى الخلاف فيما إذا قال اللهم اغفر لأخي قال الحلواني لا تفسد، وقال ابن الفضل تفسد وصحح في المحيط الأول، ووجهه‏:‏ أنه موجود في القرآن العظيم حكاية عن موسى عليه السلام‏:‏ «رب اغفر لي ولأخي»، وفي الذخيرة لو قال اللهم اغفر لزيد أو لعمرو تفسد صلاته؛ لأنه ليس في القرآن، والذي ظهر للعبد الضعيف أن هذه الفروع المفصلة في المغفرة مبنية على القول الضعيف الذي يفسر ما ليس من كلام الناس بما يستحيل سؤاله من العباد وكان في القرآن أو في السنة أما على قول الجمهور والمقتصرين على الأول فلا تفصيل في سؤال المغفرة أصلا فلا تفسد الصلاة به ولذا قال في الخلاصة بعد ذكر هذه الفروع التي ذكرناها عنها‏.‏ والحاصل أنه إن سأل ما يستحيل سؤاله من الخلق لا تفسد إذا كان في القرآن وكان مأثورا، وفي الجامع الصغير لم يشترط كونه في القرآن أو كونه مأثورا بل قال إن كان يستحيل سؤاله من الخلق لا تفسد، وإن كان لا يستحيل تفسد ا هـ‏.‏ بلفظه، فظهر أن التفصيل إنما هو مبني على غير ظاهر الرواية فإن الجامع الصغير من كتب ظاهر الرواية بل كل تأليف لمحمد بن الحسن موصوف بالصغير فهو باتفاق الشيخين أبي يوسف ومحمد بخلاف الكبير فإنه لم يعرض على أبي يوسف لكن يشكل عليه ما في الفتاوى الظهيرية لو قال اللهم اغفر لعمي تفسد اتفاقا إلا أن يحمل على اتفاق المشايخ المبني على ما ذكرنا، ولهذا قال في المجتبى، وفي أقربائي أو أعمامي اختلاف المشايخ‏.‏ ا هـ‏.‏ لأنه يشكل بقوله اللهم اغفر لزيد أو لعمرو، فإن صاحب الذخيرة قد صرح بالفساد به مع أن سؤال المغفرة مما يستحيل سؤاله من العباد ولم يذكروا فيه خلافا ويمكن أن يقال إنه على الخلاف أيضا وإن الظاهر عدم الفساد به، ولهذا قال في الحاوي القدسي من سنن القعدة الأخيرة الدعاء بما شاء من صلاح الدين والدنيا لنفسه ولوالديه وأستاذه وجميع المؤمنين، وهو يفيد أنه لو قال اللهم اغفر لي ولوالدي ولأستاذي لا تفسد مع أن الأستاذ ليس في القرآن فيقتضي عدم الفساد بقوله اللهم اغفر لزيد، وفي الذخيرة وغيرها لو قال اللهم ارزقني من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها لا تفسد صلاته؛ لأن عينه في القرآن ولو قال اللهم ارزقني بقلا وقثاء وعدسا وبصلا تفسد؛ لأن عين هذا اللفظ ليس في القرآن، وفي الهداية اللهم ارزقني من كلام الناس لاستعمالها فيما بينهم يقال رزق الأمير الجيش وتعقبه في غاية البيان بأن إسناد الرزق إلى الأمير مجاز فإن الرازق في الحقيقة هو الله تعالى، وقد صرح فخر الإسلام بأن سؤال الرزق كسؤال المغفرة وفصل في الخلاصة فقال لو قال ارزقني فلانة الأصح أنها تفسد بخلاف ارزقني الحج الأصح أنها لا تفسد، وكذا ارزقني رؤيتك، وفي المضمرات شرح القدوري ولو قال اللهم اقض ديني تفسد، ولو قال اللهم اقض دين والدي لا تفسد، وهو مشكل فإن الدعاء بقضاء الدين لنفسه ورد في السنة الصحيحة في مسلم وغيره من قوله‏:‏ «اقض عنا الدين وأغننا من الفقر» فإن التفصيل بين كونه مستحيلا أولا إنما هو في غير المأثور كما هو ظاهر كلام الخانية إلا أن يقال‏:‏ المراد بالمأثور أن يكون ورد في الصلاة لا مطلقا، وهو بعيد وفي فتاوى الحجة، ولو قال اللهم العن الظالمين لا يقطع صلاته، ولو قال اللهم العن فلانا يعني ظالمه يقطع الصلاة‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي السراج الوهاج أن الذي يشبه كلام الناس إنما يفسدها إذا كان قبل تمام فرائضها أما إذا كان بعد التشهد لا يفسدها؛ لأن حقيقة كلام الناس لا يبطلها فهذا أولى، وإنما لم يدع بكلام الناس في آخرها للحديث‏:‏ «إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس» فيقدم على المبيح، وهو عموم قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه»، وفي فتاوى الولوالجي المصلي ينبغي أن يدعو في الصلاة بدعاء محفوظ لا بما يحضره؛ لأنه يخاف أن يجري على لسانه ما يشبه كلام الناس فتفسد صلاته، فأما في غير الصلاة فينبغي أن يدعو بما يحضره ولا يستظهر الدعاء؛ لأن حفظ الدعاء يمنعه عن الرقة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وسلم مع الإمام كالتحريمة عن يمينه ويساره ناويا القوم والحفظة والإمام في الجانب الأيمن أو الأيسر أو فيهما لو محاذيا‏)‏ لما تقدم أن السلام من واجباتها عندنا ومن أركانها عند الأئمة الثلاثة، ومن أطلق من مشايخنا عليه اسم السنة فضعيف والأصح وجوبه كما في المحيط وغيره أو لأنه ثبت وجوبه بالسنة للمواظبة، وهو صيغة السلام على وجه الأكمل أن يقول‏:‏ السلام عليكم ورحمة الله مرتين، والسنة أن تكون الثانية أخفض من الأولى كما في المحيط وغيره، وجعله في منية المصلي خاصا بالإمام، فإن قال السلام عليكم أو السلام أو سلام عليكم أو عليكم السلام أجزأه وكان تاركا للسنة وصرح في السراج الوهاج بالكراهة في الأخير وأنه لا يقول‏:‏ وبركاته وصرح النووي بأنه بدعة وليس فيه شيء ثابت لكن في الحاوي القدسي أنه مروي وتعقب ابن أمير حاج النووي بأنها جاءت في سنن أبي داود من حديث وائل بن حجر بإسناد صحيح، وقوله عن يمينه ويساره بيان للسنة ورد على مالك القائل بأنه يسلم تسليمة تلقاء وجهه، ولو بدأ باليسار عامدا أو ناسيا فإنه يسلم عن يمينه ولا يعيده على يساره ولا شيء عليه، ولو سلم تلقاء وجهه فإنه يسلم عن يساره، ولو سلم عن يمينه ونسي عن يساره حتى قام فإنه يرجع ويقعد ويسلم ما لم يتكلم أو يخرج من المسجد، وفي المجتبى ولم يذكر قدر ما يحول به وجهه وقد ورد في حديث ابن مسعود «أنه صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه حتى يرى بياض خده الأيمن وعن يساره حتى يرى بياض خده الأيسر»، وفي النوازل لو قال‏:‏ السلام، ودخل في الصلاة لا يكون داخلا فثبت أن الخروج لا يتوقف على عليكم، وقوله مع الإمام بيان للأفضل يعني الأفضل للمأموم المقارنة في التحريمة والسلام عند أبي حنيفة وعندهما الأفضل عدمها للاحتياط وله أن الاقتداء عقد موافقة وأنها في القران لا في التأخير، وإنما شبه السلام بالتحريمة؛ لأن المقارنة في التحريمة باتفاق الروايات عن أبي حنيفة، وأما في السلام ففيه روايتان لكن الأصح ما في الكتاب كما في الخلاصة وقوله‏:‏ ناويا القوم بيان للأفضل لما في صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه، ثم يسلم على أخيه عن يمينه وعن شماله» قال النووي في شرحه المراد بالأخ الجنس من إخوانه الحاضرين عن اليمين والشمال ويزاد عليه من كان منهم أمامه أو وراءه بالدلالة؛ لأن المقصود من ذلك مزيد التودد، وأما ما عللوا به من أنه لما اشتغل بمناجاة ربه صار بمنزلة الغائب عن الخلق وعند التحلل يصير خارجا فيسلم كمسافر قدم من سفره فلا يفيد الاقتصار على من معه في الصلاة بل يعم الحاضرين مصليا أو غيره، وإنما احتيج إلى النية؛ لأنه مقيم للسنة فينويها كسائر السنن، وكذا ذكر شيخ الإسلام أنه إذا سلم على أحد خارج الصلاة ينوي السنة وخالف صدر الإسلام فقال‏:‏ لا حاجة للإمام إلى النية في السلام آخر الصلاة؛ لأنه يجهر بالسلام ويشير إليهم فهو فوق النية ورد بأن الجهر للإعلام بالخروج والنية لإقامة السنة وأراد بالقوم من كان معه في الصلاة فقط، وهو قول الجمهور وصححه شمس الأئمة بخلاف سلام التشهد فإنه ينوي جميع المؤمنين والمؤمنات فما في الخلاصة من أن الصحيح أنه ينوي من كان معه في المسجد ضعيف، وكذا ما اختاره الحاكم الشهيد أنه كلام التشهد وزاد السروجي وأنه ينوي المؤمنين من الجن أيضا وخرج بذكر القوم النساء، ولهذا قالوا‏:‏ لا ينوي النساء في زماننا لعدم حضورهن الجماعة أو لكراهيته، لكن ذكر محمد في الأصل أنه ينوي الرجال والنساء، وفي الحقيقة لا اختلاف فما في الأصل مبني على حضورهن الجماعة وما ذكره المشايخ مبني على عدمه فصار المدار في النية وعدمها حضورهن وعدمه حتى إذا كان من المقتدين خناثى أو صبيان نواهم أيضا، وفي غاية البيان أن هذا شيء تركه جميع الناس؛ لأنه قلما ينوي أحد شيئا وهذا حق؛ لأنها صارت كالشريعة المنسوخة وقوله ناويا القوم والحفظة يعم الإمام والمأموم، وقوله والإمام معطوف على القوم خاص بالمأموم يعني أن المأموم يزيد في نيته نية السلام على إمامه في التسليمة الأولى إذا كان الإمام عن يمينه أو في الثانية إن كان عن يساره أو في التسليمتين لو كان محاذيا له؛ لأنه ذو حظ من الجانبين وأشار إلى أن المنفرد ينوي الحفظة فقط؛ لأنه ليس معه غيرهم فينوي بالأولى من على يمينه من الملائكة وبالثانية من على يساره منهم وعلى ما صححه في الخلاصة ينوي الحاضرين معه في المسجد أيضا وعلى ما اختاره الحاكم ينوي جميع المؤمنين أيضا، ثم قدم المصنف القوم على الحفظة تبعا للجامع الصغير، وفي الأصل على العكس فاختلف المشايخ، والتحقيق أنه ليس بينهما فرق فإن الواو لمطلق الجمع من غير ترتيب ولأن النية عمل القلب وهي تنظيم الكل بلا ترتيب واختاره الشارح تبعا لما في البدائع لكن قال فخر الإسلام في شرح الجامع الصغير للبداءة أثر في الاهتمام، ولذا قال أصحابنا في الوصايا بالنوافل أنه يبدأ بما بدأ به الميت فدل ما ذكر هنا وهو آخر التصنيفين أن مؤمني البشر أفضل من الملائكة، وهو مذهب أهل السنة والجماعة خلافا للمعتزلة وذلك أن عندهم صاحب الكبيرة خارج من الإيمان وقل ما يسلم مؤمن من الكبائر وعندنا هو كامل الإيمان، ثم هو مبتلى بالإيمان بالغيب فكان أحق من الملائكة، ألا ترى أن الله جعل الملائكة منزلة خدم المؤمنين في الدنيا والآخرة ا هـ‏.‏ وما ذكره عن المعتزلة نسبه الشارح إلى الباقلاني من أئمتنا وما اختاره فخر الإسلام من تفضل الجملة على الجملة نسبه في المحيط إلى بعض أهل السنة، ثم قال والمختار عندنا أن خواص بني آدم وهم الأنبياء والمرسلون أفضل من جملة الملائكة وعوام بني آدم من الأتقياء أفضل من عوام الملائكة وخواص الملائكة أفضل من عوام بني آدم، ونص قاضي خان على أن هذا هو المذهب المرضي، والمراد هنا بالأتقياء من اتقى الشرك لا من اتقاه مع المعاصي فإن ظاهره أن فسقة المؤمنين أفضل من عوام الملائكة ويدل عليه ما في روضة العلماء للإمام أبي الحسن البخاري أن الأمة اجتمعت على أن الأنبياء عليهم السلام أفضل الخليقة ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم أفضلهم واتفقوا على أن أفضل الخلائق بعد الأنبياء جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل وحملة العرش والروحانيون ورضوان ومالك وأجمعوا على أن الصحابة والتابعين والشهداء والصالحين أفضل من سائر الملائكة واختلفوا أن سائر الناس بعد هؤلاء أفضل أم سائر الملائكة فقال أبو حنيفة سائر الناس من المسلمين أفضل وقالا‏:‏ سائر الملائكة أفضل ولأبي حنيفة قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يدخلون عليهم من كل باب سلام‏}‏ الآية فأخبر أنهم يزورون المسلمين في الجنة والمزور أفضل من الزائر ا هـ‏.‏ والحفظة جمع حافظ ككتبة جمع كاتب وسموا به لحفظهم ما يصدر من الإنسان من قول وعمل أو لحفظهم إياه من الجن وأسباب المعاطب والثاني يشمل جميع من معه من الملائكة والأول يخص الكرام الكاتبين، وفي المجتبى واختلف في نية الحفظة فقيل ينوي الملكين الكاتبين، وقيل الحفظة الخمسة، وفي الحديث‏:‏ «إن مع كل مؤمن خمسة منهم واحد عن يمينه وواحد عن يساره يكتبان أعماله وواحد أمامه يلقنه الخيرات وواحد وراءه يدفع عنه المكاره وواحد عن ناصيته يكتب من يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم»، وفي بعضها «مع كل مؤمن ستون ملكا»، وفي بعضها «مائة وستون» ورجح الأول في غاية البيان لموافقته كتاب الله تعالى، وفي الهداية ولا ينوي في الملائكة عددا محصورا؛ لأن الأخبار عن عددهم قد اختلفت فأشبه الإيمان بالأنبياء عليهم السلام ا هـ‏.‏ مع أنه ورد في الحديث عدد الأنبياء أو الرسل فقال بعدما سئل عن الأنبياء‏:‏ إنهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا والرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر جمعا غفيرا كذا في الكشاف في سورة الحج لكن لما كان ظنيا؛ لأنه خبر واحد لم يعارض قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك‏}‏ واختلف في الملكين الكاتبين هل يتبدلان بالليل والنهار فقيل يتبدلان للحديث الصحيح‏:‏ «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار» بناء على أنهم الحفظة، وهو قول الجمهور كما نقله القاضي عياض لكن ذكر القرطبي في شرح مسلم أن الأظهر أنهم غيرهم، وقيل لا يتغيران عليه ما دام حيا واختلف في محل جلوسهما، فقيل‏:‏ في الفم، وإن اللسان قلمهما والريق مدادهما للحديث‏:‏ «نقوا أفواهكم بالخلال فإنها مجلس الملكين الحافظين» إلى آخره، وقيل تحت الشعر على الحنك، وقيل اليمين واليسار، ثم قالوا‏:‏ إن كاتب السيئات يفارقه عند الغائط والجماع زاد القرطبي، وفي الصلاة؛ لأنه لا يفعل سيئة فيها، ثم اختلفوا فيما يكتبانه، فقيل‏:‏ ما فيه أجر أو وزر وعزاه في الاختيار إلى محمد، وقيل‏:‏ يكتبان كل شيء حتى أنينه في مرضه، ثم اختلفوا متى يمحى المباح، فقيل‏:‏ آخر النهار، وقيل‏:‏ يوم الخميس، والأكثرون على أنها تمحى يوم القيامة كذا في الاختيار وذكر بعض المفسرين أنه الصحيح عند المحققين والمختار أن كيفية الكتابة والمكتوب فيه مما لا يعلمها إلا الله تعالى، وقد أوسع الكلام في هذه العلامة ابن أمير حاج في شرح منية المصلي وذكر أن الصبي المميز لا ينوي الكتبة إذ ليسوا معه، وإنما ينوي الحافظين له من الشياطين ولذا لم يقل المصنف والكتبة، ليعم كل مصل ولم يذكر المصنف ما يفعله بعد السلام وقد قالوا‏:‏ إن كان إماما وكانت صلاة يتنفل بعدها فإنه يقوم ويتحول عن مكانه إما يمنة أو يسرة أو خلفه والجلوس مستقبلا بدعة، وإن كان لا يتنفل بعدها يقعد مكانه، وإن شاء انحرف يمينا أو شمالا، وإن شاء استقبلهم بوجهه إلا أن يكون بحذائه مصل سواء كان في الصف الأول أو في الأخير والاستقبال إلى المصلي مكروه هذا ما صححه في البدائع واختار في الخانية والمحيط استحباب أن ينحرف عن يمين القبلة وأن يصلي فيها، ويمين القبلة ما بحذاء يسار المستقبل ويشهد له ما في صحيح مسلم من حديث البراء «كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه يقبل علينا بوجهه»‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وجهر بقراءة الفجر وأولى العشاءين، ولو قضاء والجمعة والعيدين ويسر في غيرها كمتنفل بالنهار وخير المنفرد فيما يجهر كمتنفل بالليل‏)‏ شروع في بيان القراءة وصفتها وقدم صفتها من الجهر والإخفاء؛ لأنه يعم المفروض وغيره والأصل فيه كما ذكره المصنف في الكافي أن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ «كان يجهر بالقرآن في الصلوات كلها في الابتداء وكان المشركون يؤذونه ويسبون من أنزل وأنزل عليه فأنزل الله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها‏}‏» أي لا تجهر بصلاتك كلها ولا تخافت بها كلها ‏:‏ ‏{‏وابتغ بين ذلك سبيلا‏}‏ بأن تجهر بصلاة الليل وتخافت بصلاة النهار فكان يخافت بعد ذلك في صلاة الظهر والعصر؛ لأنهم كانوا مستعدين للإيذاء في هذين الوقتين ويجهر في المغرب؛ لأنهم كانوا مشغولين بالأكل، وفي العشاء والفجر لكونهم رقودا، وفي الجمعة والعيدين؛ لأنه أقامهما بالمدينة وما كان للكفار بها قوة، وهذا العذر وإن زال بغلبة المسلمين فالحكم باق؛ لأن بقاءه يستغني عن بقاء السبب ولأنه أخلف عذرا آخر، وهو كثرة اشتغال الناس في هاتين الصلاتين دون غيرهما ا هـ‏.‏ وقد انعقد الإجماع على الجهر فيما ذكره، وقد قدمنا أن الجهر في هذه المواضع واجب على الإمام للمواظبة من النبي صلى الله عليه وسلم وتخصيصه بالإمام مفهوم من قوله هنا‏:‏ وخير المنفرد فيما يجهر، فأفاد أن الإمام ليس بمخير قالوا‏:‏ ولا يجهد الإمام نفسه بالجهر، وفي السراج الوهاج‏:‏ الإمام إذا جهر فوق حاجة الناس فقد أساء، وأفاد أنه لا فرق في حق الإمام بين الأداء والقضاء؛ لأن القضاء يحكي الأداء، وألحق بالجمعة والعيدين التراويح والوتر في رمضان للتوارث المنقول، والمراد بغيرهما الثالثة من المغرب والأخريان من العشاء وجميع ركعات الظهر والعصر، وقد أفاد أن المتنفل بالنهار يجب عليه الإخفاء مطلقا والمتنفل بالليل مخير بين الجهر والإخفاء إن كان منفردا أما إن كان إماما فالجهر واجب كما ذكره الشارح رحمه الله وأن المنفرد ليس بمخير في الصلاة السرية بل يجب الإخفاء عليه، وهو الصحيح؛ لأن الإمام يجب عليه الإخفاء فالمنفرد أولى وذكر عصام بن يوسف أن المنفرد مخير فيما يخافت فيه أيضا استدلالا بعدم وجوب سجود السهو عليه وتعقبه الشارح بأن الإمام إنما وجب عليه سجود السهو؛ لأن جنايته أعظم؛ لأنه ارتكب الجهر والإسماع بخلاف المنفرد وتعقبه في فتح القدير بأنا لا ننكر أن واجبا قد يكون آكد من واجب لكن لما لم ينط وجوب السهو إلا بترك الواجب لا بآكد الواجب ولا برتبة مخصوصة منه فحيث كانت المخافتة واجبة على المنفرد ينبغي أن يجب بتركها السجود، وفي العناية أن ظاهر الرواية أن المنفرد مخير فيما يخافت فيه أيضا، وفيه تأمل والظاهر من المذهب الوجوب، وفي قوله‏:‏ فيما يجهر دلالة على أن المنفرد مخير في الصلاة الجهرية إذا فاتت وقضاها نهارا كما هو حكم الإمام؛ لأن القضاء يحكي الأداء، والجهر أفضل، وصححه في الذخيرة والخانية واختاره شمس الأئمة في المبسوط وفخر الإسلام وصحح في الهداية الإخفاء حتما؛ لأن الجهر مختص إما بالجماعة حتما أو بالوقت في حق المنفرد على وجه التخيير ولم يوجد أحدهما، وتعقبه في غاية البيان بأن الحكم يجوز أن يكون معلولا بعلل شتى وعلة الجهر هنا أن القضاء يحكي الأداء بدليل أنه يؤذن ويقيم للقضاء كالأداء وفي السراج الوهاج، ولو سبق رجل يوم الجمعة بركعة، ثم قام لقضاء ما فاته كان بالخيار إن شاء الجهر، وإن شاء خافت كالمنفرد في صلاة الفجر، وفي الخلاصة عن الأصل‏:‏ رجل يصلي وحده فجاء رجل واقتدى به بعد ما قرأ الفاتحة أو بعضها يقرأ الفاتحة ثانيا ويجهر ا هـ‏.‏ يعني إذا كانت الصلاة جهرية ولم يجهر المصلي، ووجهه‏:‏ أن الجهر فيما بقي صار واجبا بالاقتداء والجمع بين الجهر والمخافتة في ركعة واحدة شنيع، وقيد المصنف بالقراءة؛ لأن ما عداها من الأذكار فيه تفصيل إن كان ذكرا وجب للصلاة فإنه يجهر به كتكبيرة الافتتاح وما ليس بفرض فما وضع للعلامة فإنه يجهر به كتكبيرات الانتقال عند كل خفض ورفع إذا كان إماما أما المنفرد والمقتدي فلا يجهران به، وإن كان يختص ببعض الصلاة كتكبيرات العيدين جهر به، وكذا القنوت في مذهب العراقيين واختار صاحب الهداية الإخفاء به وأما ما سوى ذلك فلا يجهر به مثل التشهد وآمين والتسبيحات؛ لأنها أذكار لا يقصد بها العلامة كذا في السراج الوهاج ولم يبين المصنف حد الجهر والأخفاء للاختلاف مع اختلاف التصحيح فذهب الكرخي إلى أن أدنى الجهر أن يسمع نفسه وأدنى المخافتة تصحيح الحروف، وفي البدائع‏:‏ ما قاله الكرخي أقيس وأصح، وفي كتاب الصلاة لمحمد إشارة إليه فإنه قال‏:‏ إن شاء قرأ في نفسه، وإن شاء جهر وأسمع نفسه ا هـ‏.‏ وأكثر المشايخ على أن الصحيح أن الجهر أن يسمع غيره والمخافتة أن يسمع نفسه، وهو قول الهندواني، وكذا كل ما يتعلق بالنطق كالتسمية على الذبيحة ووجوب السجدة بالتلاوة والعتاق والطلاق والاستثناء حتى لو طلق ولم يسمع نفسه لا يقع، وإن صحح الحروف، وفي الخلاصة الإمام إذا قرأ في صلاة المخافتة بحيث سمع رجل أو رجلان لا يكون جهرا والجهر أن يسمع الكل ا هـ وفي فتح القدير‏:‏ واعلم أن القراءة وإن كانت فعل اللسان لكن فعله الذي هو كلام والكلام بالحروف والحروف كيفية تعرض للصوت، وهو أخص من النفس فإن النفس المعروض بالقرع فالحرف عارض للصوت لا للنفس فمجرد تصحيحها بلا صوت إيماء إلى الحروف بعضلات المخارج لا حروف فلا كلام‏.‏ بقي أن هذا لا يقتضي أن يلزم في مفهوم القراءة أن يصل إلى السمع بل كونه بحيث يسمع، وهو قول بشر المريسي ولعله المراد بقول الهندواني بناء على أن الظاهر سماعه بعد وجود الصوت إذا لم يكن مانع ا هـ‏.‏ فاختار أن قول بشر والهندواني متحدان، وهو خلاف الظاهر بل الظاهر من عباراتهم أن في المسألة ثلاثة أقوال قال الكرخي‏:‏ إن القراءة تصحيح الحروف، وإن لم يكن الصوت بحيث يسمع، وقال بشر لا بد أن يكون بحيث يسمع، وقال الهندواني لا بد أن يكون مسموعا له، زاد في المجتبى في النقل عن الهندواني أنه لا يجزئه ما لم يسمع أذناه ومن بقربه ا هـ‏.‏ ونقل في الذخيرة عن الحلواني أن الأصح هذا، ولا ينبغي أن يجعل قولا رابعا بل هو قول الهندواني الأول، وفي العادة أن ما كان مسموعا له يكون لمن هو بقربه أيضا، وفي الذخيرة معزيا إلى القاضي علاء الدين في شرح مختلفاته أن الأصح عندي أن في بعض التصرفات يكتفى بسماعه، وفي بعض التصرفات يشترط سماع غيره، مثلا في البيع لو أدنى المشتري صماخه إلى فم البائع وسمع يكفي، ولو سمع البائع بنفسه ولم يسمعه المشتري لا يكفي، وفيما إذا حلف‏:‏ لا يكلم فلانا فناداه من بعيد بحيث لا يسمع لا يحنث في يمينه نص على هذا في كتاب الإيمان؛ لأن شرط الحنث وجود الكلام معه ولم يوجد‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو ترك السورة أولى العشاء قرأها في الأخريين مع الفاتحة جهرا، ولو ترك الفاتحة لا‏)‏ أي لا يقرؤها في الأخريين وهذا عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف لا يقضي واحدة منهما؛ لأن الواجب إذا فات عن وقته لا يقضى إلا بدليل، ولهما‏:‏ وهو الفرق بين الوجهين‏:‏ أن قراءة الفاتحة شرعت على وجه يترتب عليه السورة فلو قضاها في الأخريين تترتب الفاتحة على السورة، وهذا خلاف الموضوع بخلاف ما إذا ترك السورة؛ لأنه أمكن قضاؤها على الوجه المشروع، وهذه المسألة مربعة فالقول الثالث ما رواه الحسن عن أبي حنيفة أنه يقضيهما، وقال عيسى بن أبان يقضي الفاتحة دون السورة؛ لأنها أهم الأمرين، وفي تعبيره بالخبر في قوله قرأها تبعا للجامع الصغير إشارة إلى الوجوب؛ لأن الأخبار في الوجوب آكد من الأمر وصرح في الأصل بالاستحباب فإنه قال‏:‏ أحب إلي أن يقضي السورة في الأخريين، وإنما كان مستحبا؛ لأنه لا يمكن مراعاتها من كل وجه في القضاء؛ لأنها، وإن كانت مؤخرة عن الفاتحة فهي غير موصولة بها؛ لأن السورة في الشفع الثاني والفاتحة في الأول، وفي غاية البيان والأصح ما قاله في الجامع الصغير؛ لأنه آخر التصنيفين، وفي فتح القدير‏:‏ ولا يخفى أن ما في الأصل أصرح فيجب التعويل عليه في الرواية‏.‏ ا هـ‏.‏ وقد يقال أيضا‏:‏ إن الإخبار إنما يكون آكد من الأمر لو كان من الشارع أما من الفقهاء فلا يدل على الوجوب بل والأمر منهم لا يدل عليه فكان المذهب الاستحباب، ثم ظاهر الكتاب أنه يجهر بالسورة والفاتحة وجعله الشارح ظاهر الرواية وصححه في الهداية؛ لأن الجمع بين الجهر والمخافتة في ركعة شنيع وتغيير النفل وهو الفاتحة أولى وصحح التمرتاشي أنه يجهر بالسورة فقط وجعله شيخ الإسلام الظاهر من الجواب وفخر الإسلام الصواب قولا بعدم التغيير ولا يلزم الجمع بينهما في ركعة؛ لأن السورة تلتحق بموضعها تقديرا، ولم يبين كيف يرتبهما‏؟‏ فقيل‏:‏ يقدم السورة، وقيل‏:‏ الفاتحة وينبغي ترجيحه، وفي قوله مع الفاتحة إشارة إلى أنه إذا أراد قضاء السورة ليس له ترك الفاتحة فتصير واجبة كالسورة، وفيه قولان وينبغي ترجيح عدم الوجوب كما هو الأصل فيها وقيد بكونه ترك الفاتحة في الأوليين؛ لأنه لو نسي الفاتحة في الركعة الأولى أو الثانية وقرأ السورة، ثم تذكر قبل الركوع فإنه يأتي بها ويعيد السورة في ظاهر المذهب؛ لأنه إذا أتى بها تكون فرضا كالسورة فصار كما لو تذكر السورة في الركوع فإنه يأتي بها ويعيد الركوع‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وفرض القراءة آية‏)‏ هي في اللغة العلامة الظاهرة ومن هنا سميت المعجزة آية لدلالتها على النبوة وصدق من ظهرت على يده، وتقال الآية لكل جملة دالة على حكم من أحكامه تعالى ولكل كلام منفصل عما قبله وبعده بفصل توقيفي لفظي، وقيل‏:‏ جماعة حروف وكلمات من قولهم‏:‏ خرج القوم بآيتهم أي بجماعتهم كذا في شرح المصابيح لزين العرب في بعض، وفي بعض حواشي الكشاف والآية طائفة من القرآن مترجمة، أقلها ستة أحرف صورة ا هـ‏.‏ ويرد عليه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لم يلد‏}‏ فإنها آية، ولهذا جوز أبو حنيفة الصلاة بها وهي خمسة أحرف، وفي فرض القراءة ثلاث روايات‏:‏ ظاهر الرواية كما نقله المشايخ ما في الكتاب لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فاقرءوا ما تيسر من القرآن‏}‏ من غير فصل إلا أن ما دون الآية خارج منه وإلا آية ليست في معناه، وفي رواية‏:‏ ما يطلق عليه اسم القرآن ولم يشبه قصد خطاب أحد وصححه القدوري ورجحه الشارح بأنه أقرب إلى القواعد الشرعية؛ لأن المطلق ينصرف إلى الأدنى، وفيه نظر بل المطلق ينصرف إلى الكامل في الماهية، وفي رواية‏:‏ ثلاث آيات قصار أو آية طويلة، وهو قولهما ورجحه في الأسرار بأنه احتياط؛ لأن قوله‏:‏ ‏{‏لم يلد‏}‏ ‏:‏ ‏{‏ثم نظر‏}‏ لا يتعارف قرآنا، وهو قرآن حقيقة فمن حيث الحقيقة حرمتا على الحائض والجنب ومن حيث العدم لم تجز الصلاة به حتى يأتي بما يكون قرآنا حقيقة وعرفا فالأمر المطلق لا ينصرف إلى ما لا يتعارف قرآنا والاحتياط أمر حسن في العبادات وذكر المصنف في الكافي أن الخلاف مبني على أصل، وهو أن الحقيقة المستعملة أولى عنده من المجاز المتعارف، وعندهما بالعكس‏.‏ أطلق الآية فشمل الطويلة والقصيرة والكلمة الواحدة وما كان مسماه حرفا فيجوز بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثم نظر‏}‏ ‏:‏ ‏{‏مدهامتان‏}‏ ‏:‏ ‏{‏ص‏}‏ ‏:‏ ‏{‏ق‏}‏ ‏:‏ ‏{‏ن‏}‏ ولا خلاف في الأول، وأما الثاني والثالث ففيه اختلاف المشايخ والأصح أنه لا يجوز؛ لأنه يسمى عادا لا قارئا كذا ذكره الشارحون، وهو مسلم في ‏:‏ ‏{‏ص‏}‏ ونحوه؛ لأن نحو‏:‏ ‏{‏ ص‏}‏ ليس بآية لعدم انطباق تعريفها عليها، وأما في نحو‏:‏ ‏{‏مدهامتان‏}‏ فذكر الإسبيجابي وصاحب البدائع أنه يجوز على قول أبي حنيفة من غير ذكر خلاف بين المشايخ وما وقع في عبارة المشايخ من أن ‏:‏ ‏{‏ص‏}‏ ونحوه حرف فقال في فتح القدير إنه غلط فإنها كلمة مسماها حرف وليس المقروء، وإنما المقروء صاد وقاف ونون وأفاد لو قرأ نصف آية طويلة في ركعة ونصفها في أخرى فإنه لا يجوز؛ لأنه ما قرأ آية طويلة، وفيه اختلاف المشايخ، وعامتهم على الجواز؛ لأن بعض هذه الآيات تزيد على ثلاث آيات قصار أو تعدلها فلا يكون أدنى من آية وصححه في منية المصلي وعلم من تعليلهم أن كون المقروء في كل ركعة النصف ليس بشرط بل أن يكون البعض المقروء يبلغ ما يعد بقراءته قارئا عرفا وأفاد أيضا أنه لو قرأ نصف آية مرتين أو كلمة واحدة مرارا حتى بلغ قدر آية تامة فإنه لا يجوز وأن من لا يحسن الآية لا يلزمه التكرار عند أبي حنيفة قالوا‏:‏ وعندهما يلزمه التكرار ثلاث مرات، وأما من يحسن ثلاث آيات إذا كرر آية واحدة ثلاثا ففي المجتبى أنه لا يتأدى به الفرض عندهما وذكر في الخلاصة أن فيه اختلاف المشايخ على قولهما، وفي المضمرات شرح القدوري‏:‏ اعلم أن حفظ قدر ما تجوز الصلاة به من القرآن فرض عين على المسلمين لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فاقرءوا ما تيسر من القرآن‏}‏ وحفظ جميع القرآن فرض كفاية وحفظ فاتحة الكتاب وسورة واجبة على كل مسلم‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وسنتها في السفر الفاتحة وأي سورة شاء‏)‏ لحديث أبي داود وغيره‏:‏ «أنه صلى الله عليه وسلم قرأ بالمعوذتين في صلاة الفجر في السفر» ولأن السفر أثر في إسقاط شطر الصلاة فلأن يؤثر في تخفيف القراءة أولى أطلقه فشمل حالة الضرورة والاختيار وحالة العجلة والقرار، وهكذا وقع الإطلاق في الجامع الصغير وما في الهداية وغيرها من أنه محمول على حالة العجلة في السير، وأما إن كان في أمن وقرار فإنه يقرأ في الفجر نحو سورة البروج وانشقت؛ لأنه يمكن مراعاة السنة مع التخفيف، وفي منية المصلي والظهر كالفجر، وفي العصر والعشاء دون ذلك، وفي المغرب بالقصار جدا، فليس له أصل يعتمد عليه من جهة الرواية ولا من جهة الدراية، أما الأول فما علمته من إطلاق الجامع وعليه أصحاب المتون، وأما الثاني فلأن المسافر إذا كان على أمن وقرار صار كالمقيم سواء، فكان ينبغي أن يراعي السنة والسفر، وإن كان مؤثرا في التخفيف لكن التحديد بقدر سورة البروج في الفجر والظهر لا بد له من دليل ولم ينقلوه وكونه صلى الله عليه وسلم قرأ في السفر شيئا لا يدل على سنيته إلا لو واظب عليه ولم يوجد فالظاهر الإطلاق وشمل سورة الكوثر فما في الحاوي من تعيينه بمقدار المعوذتين فصاعدا مشيرا بذلك إلى إخراج سورة الكوثر فضعيف؛ لأن تعليل التعميم والتفويض إلى مشيئته بدفع الحرج عنه الحاصل من التقييد بسورة دون سورة يدل على الشمول‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وفي الحضر طوال المفصل لو فجرا أو ظهرا وأوساطه لو عصرا أو عشاء وقصاره لو مغربا‏)‏ والأصل فيه كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن اقرأ في الفجر والظهر بطوال المفصل، وفي العصر والعشاء بأوساط المفصل، وفي المغرب قصار المفصل ولأن مبنى المغرب على العجلة والتخفيف أليق بها والعصر والعشاء يستحب فيهما التأخير، وقد يقعان في التطويل في وقت غير مستحب فيؤقت فيهما بالأوساط، والطوال والقصار بكسر الأول فيهما جمع طويلة وقصيرة ككرام وكريمة، وأما الطوال بالضم فهو الرجل الطويل والأوساط جمع وسط بفتح السين ما بين القصار والطوال ولم يبين المصنف المفصل للاختلاف فيه، والذي عليه أصحابنا أنه من الحجرات إلى والسماء ذات البروج طوال، ومنها إلى لم يكن أوساط، ومنها آخر القرآن قصار وبه صرح في النقاية وسمي مفصلا لكثرة الفصول فيه، وقيل لقلة النسوخ فيه وأطلق فشمل الإمام والمنفرد كما صرح به في المجتبى من أنه يسن في حق المنفرد ما يسن في حق الإمام من القراءة، وأفاد أن القراءة في الصلاة من غير المفصل خلاف السنة، ولهذا قال في المحيط، وفي الفتاوى قراءة القرآن على التأليف في الصلاة لا بأس بها؛ لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقرءون القرآن على التأليف في الصلاة، ومشايخنا استحسنوا قراءة المفصل ليستمع القوم ويتعلموا ا هـ‏.‏ ولم يذكر المصنف عدد الآيات التي تقرأ في كل صلاة لاختلاف الآثار والمشايخ والمنقول في الجامع الصغير أنه يقرأ في الفجر في الركعتين سوى الفاتحة أربعين أو خمسين أو ستين آية واقتصر في الأصل على الأربعين وروى الحسن في المجرد ما بين ستين إلى مائة ووردت الأخبار بذلك عنه صلى الله عليه وسلم ثم قالوا يعمل بالروايات كلها بقدر الإمكان، واختلفوا في كيفية العمل به، فقيل‏:‏ ما في المجرد من المائة محمل الراغبين وما في الأصل محمل الكسالى أو الضعفاء وما في الجامع الصغير من الستين محمل الأوساط، وقيل‏:‏ ينظر إلى طول الليالي وقصرها وإلى كثرة الأشغال، وقلتها قال في فتح القدير الأولى أن يجعل هذا محمل اختلاف فعله عليه الصلاة والسلام بخلاف القول الأول فإنه لا يجوز فعله عليه؛ لأنهم لم يكونوا كسالى، فيجعل قاعدة لفعل الأئمة في زماننا ويعلم منه أنه لا ينقص في الحضر عن الأربعين وإن كانوا كسالى؛ لأن الكسالى محملها ا هـ‏.‏ فالحاصل أنه لا ينقص عن الأربعين في الركعتين في الفجر على كل حال على جميع الأقوال، وقال فخر الإسلام قال مشايخنا إذا كانت الآيات قصارا فمن الستين إلى مائة وإذا كانت أوساطا فخمسين وإذا كانت طوالا فأربعين وجعل المصنف الظهر كالفجر، والأكثرون على أنه يقرأ في الظهر بالطوال وذكر في منية المصلي معزيا إلى القدوري أن الظهر كالعصر يقرأ فيه بالأوساط وأما في عدد الآيات ففي الجامع الصغير أن الظهر كالفجر في العدد لاستوائهما في سعة الوقت، وقال في الأصل أو دونه؛ لأنه وقت الاشتغال فينقص عنه تحرزا عن الملال وعينه في الحاوي بأنه دون أربعين إلى ستين، وأما عدد الآي في العصر والعشاء فعشرون آية في الركعتين الأوليين منهما كما في المحيط وغيره أو خمسة عشر آية فيهما كما في الخلاصة وذكر قاضي خان في شرح الجامع الصغير أنه ظاهر الرواية، وأما قدر ما في المغرب ففي التحفة والبدائع سورة قصيرة خمس آيات أو ست آيات سوى الفاتحة وعزاه صاحب البدائع إلى الأصل وذكر في الحاوي أن حد التطويل في المغرب في كل ركعة خمس آيات أو سورة قصيرة وحد الوسط والاختصار سورة من قصار المفصل واختار في البدائع أنه ليس في القراءة تقدير معين بل يختلف باختلاف الوقت وحال الإمام والقوم والجملة فيه أنه ينبغي للإمام أن يقرأ مقدار ما يخف على القوم ولا يثقل عليهم بعد أن يكون على التمام وهكذا في الخلاصة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وتطال أولى الفجر فقط‏)‏ بيان للسنة وهذا أعني إطالة الركعة الأولى من الفجر متفق عليه للتوارث على ذلك من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا كما في النهاية ولأنه وقت نوم وغفلة فيعين الإمام الجماعة بتطويلها رجاء أن يدركوها؛ لأنه لا تفريط منهم بالنوم ولم يبين المختصر حد التطويل وبينه في الكافي بأن يكون التفاوت بقدر الثلث والثلثين، الثلثان في الأولى والثلث في الثانية قال وهذا بيان الاستحباب أما بيان الحكم فالتفاوت، وإن كان فاحشا لا بأس به لورود الأثر‏.‏ ا هـ‏.‏ واختار في الخلاصة قدر النصف فإنه قال‏:‏ وحد الإطالة في الفجر أن يقرأ في الركعة الثانية من عشرين إلى ثلاثين، وفي الأولى من ثلاثين إلى ستين آية، وفي قوله دلالة على أنه لا يسن التطويل في غير الفجر، وهو قولهما خلافا لمحمد لحديث البخاري عن أبي قتادة أنه عليه الصلاة والسلام‏:‏ «كان يطول الركعة الأولى من الظهر ويقصر الثانية وهكذا في العصر وهكذا في الصبح» واستدل للمذهب بحديث أبي سعيد الخدري أنه عليه الصلاة والسلام‏:‏ «كان يقرأ في صلاة الظهر في الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية، وفي العصر في الأوليين في كل ركعة خمس عشر آية» فإنه نص ظاهر في المساواة في القراءة بخلاف حديث أبي قتادة فإنه يحتمل أن يكون التطويل فيه ناشئا من جملة الثناء والتعوذ والتسمية وقراءة ما دون الثلاث فيحمل عليه جمعا بين المتعارضين بقدر الإمكان وبحث فيه المحقق في فتح القدير بأن الحمل لا يتأتى في قوله وهكذا الصبح، وإن حمل على التشبيه في أصل الإطالة لا في قدرها فهو غير المتبادر ولذا قال في الخلاصة في قول محمد إنه أحب ا هـ‏.‏ وتعقبه تلميذه الحلبي بأنه لا يتوقف قولهما باستنان تطويل الأولى على الثانية في الفجر من حيث القدر على الاحتجاج بهذا الحديث فإن لهما أن يثبتاه بدليل آخر فالأحب قولهما لا قوله وحيث ظهر قوة دليلهما كان الفتوى على قولهما فما في معراج الدراية من أن الفتوى على قول محمد ضعيف وفي المحيط معزيا إلى الفتاوى الإمام إذا طول القراءة في الركعة الأولى لكي يدركها الناس لا بأس إذا كان تطويلا لا يثقل على القوم ا هـ‏.‏ فأفاد أن التطويل في سائر الصلوات إن كان لقصد الخير فليس بمكروه وإلا ففيه بأس، وهو بمعنى كراهة التنزيه وظاهر إطلاقهم أن الجمعة والعيدين على الخلاف، وهو كذلك في جامع المحبوبي، وفي نظم الزندوستي تستوي الركعتان في القراءة في الجمعة والعيدين بالاتفاق وقيد بالأولى؛ لأن إطالة الثانية على الأولى تكره إجماعا، وإنما يكره التفاوت بثلاث آيات، فإن كان آية أو آيتين لا يكره؛ لأنه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «قرأ في المغرب بالمعوذتين» وإحداهما أطول من الأخرى بآية كذا في الكافي ويشكل على هذا الحكم ما ثبت في الصحيحين من «قراءته صلى الله عليه وسلم في الجمعة والعيدين في الأولى بسبح اسم ربك الأعلى، وفي الثانية بهل أتاك حديث الغاشية» مع أن الثانية أطول من الأولى بأكثر من ثلاث آيات فإن الأولى تسع عشرة آية والثانية ست وعشرون آية، وقد يجاب‏:‏ بأن هذه الكراهة في غير ما وردت به السنة وأما ما ورد عنه عليه الصلاة والسلام في شيء من الصلوات فلا أو الكراهة تنزيهية وفعله عليه الصلاة والسلام تعليما للجواز لا يوصف بها والأول أولى؛ لأنهم صرحوا باستنان قراءة هاتين السورتين في الجمعة والعيدين وقيد بالفرض؛ لأنه يسوى في السنن والنوافل بين ركعاتها في القراءة إلا فيما وردت به السنة أو الأثر كذا في منية المصلي وصرح في المحيط بكراهة تطويل ركعة من التطوع ونقص أخرى وأطلق في جامع المحبوبي عدم كراهة إطالة الأولى على الثانية في السنن والنوافل؛ لأن أمرها سهل اختاره أبو اليسر ومشى عليه في خزانة الفتاوى كما ذكره في شرح منية المصلي فكان الظاهر عدم الكراهة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولم يتعين شيء من القرآن لصلاة‏)‏ لإطلاق قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فاقرءوا ما تيسر من القرآن‏}‏ أراد بعدم التعيين عدم الفرضية وإلا فالفاتحة متعينة على وجه الوجوب لكل صلاة، وأشار إلى كراهة تعيين سورة لصلاة لما فيه من هجر الباقي وإيهام التفضيل كتعيين سورة السجدة وهل أتى على الإنسان في فجر كل جمعة وسبح اسم ربك وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد في الوتر كذا في الهداية وغيرها وظاهره أن المداومة مكروهة مطلقا سواء اعتقد أن الصلاة تجوز بغيره أو لا؛ لأن دليل الكراهة لم يفصل، وهو إيهام التفضيل وهجر الباقي فحينئذ لا حاجة إلى ما ذكره الطحاوي والإسبيجابي من أن الكراهة إذا رآه حتما يكره غيره أما لو قرأ للتيسير عليه أو تبركا بقراءته صلى الله عليه وسلم فلا كراهة لكن بشرط أن يقرأ غيرها أحيانا لئلا يظن الجاهل أن غيرها لا يجوز ا هـ‏.‏ والأولى أن يجعل دليل كراهة المداومة إيهام التعيين لا هجر الباقي؛ لأنه إنما يلزم لو لم يقرأ الباقي في صلاة أخرى، وفي فتح القدير مقتضى الدليل عدم المداومة على العدم كما يفعله حنفية العصر بل يستحب أن يقرأ ذلك أحيانا تبركا بالمأثور فإن الإيهام ينتفي بالترك أحيانا ولذا قالوا‏:‏ السنة أن يقرأ في ركعتي الفجر بقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد وظاهر هذا إفادة المواظبة على ذلك وذلك؛ لأن الإيهام المذكور منتف بالنسبة إلى المصلي نفسه‏.‏ ا هـ‏.‏ وفيه نظر لما صرح به في غاية البيان من كراهة المواظبة على قراءة السور الثلاث في الوتر أعم من كونه في رمضان إماما أو لا، فما في فتح القدير مبني على أن العلة إيهام التعيين، وأما على ما علل به المشايخ من هجر الباقي فهو موجود سواء كان يصلي وحده أو إماما وسواء كان في الفرض أو في غيره فتكره المداومة مطلقا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا يقرأ المؤتم بل يستمع وينصت، وإن قرأ آية الترغيب أو الترهيب أو خطب أو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم والنائي كالقريب‏)‏ للحديث المروي من طرق عديدة «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» فكان مخصصا لعموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فاقرءوا ما تيسر‏}‏ بناء على أنه خص منه المدرك في الركوع إجماعا فجاز تخصيصه بعده بخبر الواحد ولعموم الحديث‏:‏ «لا صلاة إلا بقراءة» فإن قلت‏:‏ حيث جاز تخصيصه بعده بخبر الواحد فينبغي تخصيص عمومها بالفاتحة عملا بخبر الفاتحة قلت‏:‏ التخصيص الأول إنما هو في المأمورين ولم يقع تخصيص لعموم المقروء فلم يجز تخصيصه بالظني، أطلقه فشمل الصلاة الجهرية والسرية، وفي الهداية ويستحسن على سبيل الاحتياط فيما يروى عن محمد ويكره عندهما لما فيه من الوعيد وتعقبه في غاية البيان بأن محمدا صرح في كتبه بعدم القراءة خلف الإمام فيما يجهر فيه وفيما لا يجهر فيه قال وبه نأخذ وهو قول أبي حنيفة ويجاب عنه بأن صاحب الهداية لم يجزم بأنه قول محمد بل ظاهره أنها رواية ضعيفة، وفي فتح القدير والحق أن قول محمد كقولهما، والمراد من الكراهة كراهة التحريم، وفي بعض العبارات أنها لا تحل خلفه، وإنما لم يطلقوا اسم الحرمة عليها لما عرف من أن أصلهم أنهم لا يطلقونها إلا إذا كان الدليل قطعيا ودعوى الاحتياط في القراءة خلفه ممنوعة بل الاحتياط تركها؛ لأنه العمل بأقوى الدليلين، وقد روي عن عدة من الصحابة فساد الصلاة بالقراءة خلفه، فأقواهما المنع، وأشار بقوله بل يستمع وينصت إلى آخره إلى أن الآية نزلت في الصلاة وهي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون‏}‏ وهو قول أكثر أهل التفسير، ومنهم من قال نزلت في الخطبة قال في الكافي ولا تنافي بينهما فإنما أمروا بهما فيها لما فيها من قراءة القرآن، وحاصل الآية‏:‏ أن المطلوب بها أمران‏:‏ الاستماع والسكوت فيعمل بكل منهما والأول يخص الجهرية والثاني لا فيجري على إطلاقه فيجب السكوت عند القراءة مطلقا، ولما كان العبرة إنما هو لعموم اللفظ لا لخصوص السبب وجب الاستماع لقراءة القرآن خارج الصلاة أيضا، ولهذا قال في الخلاصة رجل يكتب الفقه وبجنبه رجل يقرأ القرآن ولا يمكنه استماع القرآن فالإثم على القارئ وعلى هذا لو قرأ على السطح في الليل جهرا والناس نيام يأثم، وفي القنية وغيرها‏:‏ الصبي إذا كان يقرأ القرآن وأهله يشتغلون بالأعمال ولا يستمعون إن كان شرعوا في العمل قبل قراءته لا يأثمون وإلا أثموا وقوله ‏"‏ وإن ‏"‏ للوصل، وآية الترغيب هي ما كان فيها ذكر الجنة أو الرحمة، وآية الترهيب ما كان فيها ذكر النار، والترهيب التخويف، وفي عبارته رعاية الأدب حيث قال يستمع وينصت ولم يقل لا يسأل الجنة ولا يتعوذ النار، وإنما لم يسأل ويتعوذ لما فيه من الإخلال بفرض الاستماع ولأن الله تعالى وعده بالرحمة إذا استمع وأنصت ووعده حتم وإجابة الدعاء غير مجزوم به خصوصا المتشاغل عن سماع القرآن بالدعاء والضمير في قوله قرأ راجع إلى الإمام، وكذا في خطب وصلى وحينئذ فلفظ المؤتم حقيقة بالنسبة إلى قوله وإن قرأ آية الترغيب والترهيب، مجاز باعتبار ما يئول بالنسبة إلى الخطبة والصلاة ويجوز الجمع بين الحقيقة والمجاز بلفظ واحد عند كثير من العلماء وبهذا اندفع ما ذكره الشارح من الخلل في عبارة المختصر واستثنى المصنف في الكافي من قوله صلى ما إذا ذكر الخطيب آية ‏:‏ ‏{‏إن الله وملائكته‏}‏ فإن السامع يصلي في نفسه سرا ائتمارا للأمر وجعل البعيد كالقريب للخطيب في أنه يسكت هو الاحتياط كما في الهداية والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏