فصل: نواقض التيمم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


نواقض التيمم

‏(‏قوله‏:‏ بل ناقض الوضوء‏)‏ أي بل ينقضه ناقض الوضوء الحقيقي والحكمي المتقدمان في الوضوء؛ لأن التيمم خلف عن الوضوء ولا شك أن حال الخلف دون حال الأصل فما كان مبطلا للأعلى فأولى أن يكون مبطلا للأدنى وما وقع في شرح النقاية من أن الأحسن أن يقال وينقضه ناقض الأصل وضوءا كان أو غسلا فغير مسلم؛ لأن من المعلوم أن كل شيء نقض الغسل نقض الوضوء فالعبارتان على السواء كما لا يخفى‏.‏ واعلم أنه إذا تيمم عن جنابة وأحدث حدثا ينقض الوضوء، فإن تيممه ينتقض باعتبار الحدث فتثبت أحكام الحدث لا أحكام الجنابة، فإنه محدث وليس بجنب‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وقدرة ماء فضل عن حاجته‏)‏ أي وينقضه أيضا القدرة على استعمال الماء الكافي الفاضل عن حاجته قيدنا بالكافي؛ لأن غيره وجوده كعدمه وقد قدمناه فلو وجد المتيمم ماء فتوضأ به فنقص عن إحدى رجليه إن كان غسل كل عضو ثلاثا أو مرتين انتقض تيممه، وهو المختار أو مرة لا ينتقض؛ لأنه في الأول وجد ماء يكفيه إذ لو اقتصر على المرة كفاه كذا في الخلاصة وقيدنا بالفاضل؛ لأنه لو لم يكن فاضلا عنها فهو مشغول بها، وهو كالمعدوم كما بيناه وفي قوله وقدرة ماء إشارتان الأولى إفادة أن الوجود المذكور في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فلم تجدوا ماء‏}‏ بمعنى القدرة بخلاف الوجود المذكور في الكفارات، فإنه بمعنى الملك حتى لو أبيح له الماء لا يجوز له التيمم للقدرة ولو عرض على المعسر الحانث الرقبة يجوز له التكفير بغير الإعتاق الثانية أن التعبير بالقدرة أولى من التعبير برؤية الماء المشروطة بالقدرة على استعماله كما وقع في الهداية؛ لأن القدرة أعم من أن تكون برؤية الماء أو بغيره، فإن المريض إذا تيمم للمرض ثم زال مرضه انتقض تيممه كما صرح به قاضي خان في فتاويه ومن تيمم للبرد ثم زال البرد انتقض تيممه كما صرح به في المبتغى فإذا تيمم للمرض أو للبرد مع وجود الماء ثم فقد الماء ثم زال المرض أو البرد ينتقض تيممه لقدرته على استعمال الماء، وإن لم يكن الماء موجودا فالحاصل أن كل ما منع وجوده التيمم نقض وجوده التيمم وما لا فلا فلو قالوا وينقضه زوال ما أباح التيمم لكان أظهر في المراد وإسناد النقض إلى زوال ما أباح التيمم إسناد مجازي؛ لأن الناقض حقيقة إنما هو الحدث السابق بخروج النجس وزوال المبيح شرط لعمل الحدث السابق عمله عنده واستدلوا له بقوله صلى الله عليه وسلم التراب طهور المسلم ولو إلى عشر حجج ما لم يجد الماء؛ لأن مقتضاه خروج ذلك التراب الذي تيمم به من الطهورية إذا وجد الماء ويستلزم انتفاء أثره، وهو طهارة المتيمم لكن قال في فتح القدير‏:‏ ويرد عليه أن قطع الاعتبار الشرعي طهورية التراب إنما هو عند الرؤية مقتصرا، فإنما يظهر في المستقبل إذ لو استند ظهر عدم صحة الصلوات السابقة وما قيل إنه وصف يرجع إلى المحل فيستوي فيه الابتداء والبقاء لا يفيد دفعا ولا يمسه والأوجه الاستدلال بقوله صلى الله عليه وسلم في بقية الحديث فإذا وجده فليمسه بشرته وفي إطلاقه دلالة على نفي تخصيص الناقضية بالوجدان خارج الصلاة كما هو قول الأئمة الثلاثة ا هـ‏.‏ فالحاصل أن الحديث لا يفيد إلا انتهاء الطهورية بوجد الماء ولا يلزم من انتهاء الطهورية انتهاء الطهارة الحاصلة به كالماء تزول عنه الطهورية بالاستعمال وتبقى الطهارة الحاصلة به والجواب بالفرق بينهما، وهو أن التراب طهوريته مؤقتة بشيء غير متصل به، وهو وجود الماء فثبت به الطهارة المؤقتة الحاصلة على صفة المطهر فإذا زالت طهوريته زالت طهارته والماء لما كان مطهرا ولا تزول طهوريته بدون شيء يتصل به ثبت به الطهارة على التأبيد؛ لأن طهوريته إذا لم يتصل بها شيء على التأبيد إليه أشار في الخبازية ولا يخفى أنه لا يلزم من توقيت الطهورية تأقيت الطهارة بل هو عين النزاع فالأوجه الاستدلال ببقية الحديث كما في فتح القدير تبعا لما في المستصفى والحديث المذكور مروي في المصابيح والتقييد بعشرة حجج لبيان طول المدة لا للتقييد به كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن تستغفر لهم سبعين مرة‏}‏، فإنه لبيان الكثرة لا للتحديد كذا في المستصفى وقال بعض الأفاضل قولهم إن الحدث السابق ناقض حقيقة لا يناسب قول أبي حنيفة وأبي يوسف؛ لأن التيمم عندهما ليس بطهارة ضرورية ولا خلف عن الوضوء بل هو أحد نوعي الطهارة فكيف يصح أن يقال عمل الحدث السابق عمله عند القدرة فالأولى أن يقال لما كان عدم القدرة على الماء شرطا لمشروعية التيمم وحصول الطهارة فعند وجودها لم يبق مشروعا فانتفى؛ لأن انتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط والمراد بالنقض انتفاؤه والنائم على صفة لا توجب النقض كالنائم ماشيا أو راكبا إذا مر على ماء كاف مقدور الاستعمال انتقض تيممه عند أبي حنيفة خلافا لهما أما النائم على صفة توجب النقض فلا يتأتى فيه الخلاف إذ التيمم انتقض بالنوم؛ ولهذا صور المسألة في المجمع في الناعس لكن يتصور في النوم الناقض أيضا بأن كان متيمما عن جنابة كما لا يخفى قال في التوشيح‏:‏ والمختار في الفتاوى عدم الانتقاض اتفاقا؛ لأنه لو تيمم وبقربه ماء لا يعلم به جاز تيممه اتفاقا ا هـ‏.‏ وفي التجنيس جعل الاتفاق فيما إذا كان بجنبه بئر، ولا يعلم بها، وأثبت الخلاف فيما لو كان على شاطئ نهر لا يعلم به وصحح عدم الانتقاض وأنه قول أبي حنيفة‏.‏ واعلم أنهم جعلوا النائم كالمستيقظ في خمس وعشرين مسألة كما ذكره الولوالجي في آخر فتاواه في مسألة النائم المتيمم وفي الصائم إذا نام على قفاه وفمه مفتوح فوصل الماء إلى جوفه وفيمن جامعها زوجها، وهي نائمة فسد صومها وفي المحرمة إذا جومعت نائمة فعليها الكفارة وفي المحرم النائم إذا حلق رأسه فعليه الجزاء وفي المحرم إذا انقلب على صيد وقتله وجب الجزاء وفي المار بعرفة نائما، فإنه مدرك للحج وفي الصيد سراية إليه بالسهم إذا وقع عند نائم فمات منها، فإنه يحرم لقدرته على ذكاته وفيمن انقلب على مال إنسان فأتلفه يضمن وفيمن وقع على مورثه فقتله يحرم من الميراث على قول، وهو الصحيح وفيمن رفع نائما فوضعه تحت جدار فسقط عليه فمات لا يضمن وفي عدم صحة الخلوة ومعهما أجنبي نائم وفيمن نام في بيت فجاءته زوجته ومكثت عنده صحت الخلوة وفي امرأة نائمة دخل عليها زوجها ومكث ساعة صحت الخلوة وفي صغير ارتضع من ثدي نائمة ثبتت حرمة الرضاع وفيمن تكلم في صلاته، وهو نائم فسدت صلاته وفيمن قرأ في صلاته، وهو نائم حالة القيام تعتبر تلك القراءة في رواية وفيمن تلا آية سجدة، وهو نائم فسمعه رجل تلزمه السجدة وفيمن قرأ عند نائم آية السجدة فلما استيقظ أخبره يجب عليه أن يسجد في قول وفيمن قرأها، وهو نائم فلما استيقظ أخبر يلزم القارئ في قول وفيمن حلف لا يكلم فلانا فجاء الحالف وكلمه، وهو نائم ولم يستيقظ الأصح حنثه وفيمن مس مطلقته النائمة، فإنه يصير مراجعا وفي نائم قبلته مطلقته الرجعية بشهوة يصير مراجعا عند أبي يوسف خلافا لمحمد وفي امرأة أدخلت ذكره في فرجها، وهو نائم ثبتت حرمة المصاهرة إذا علم بفعلها وفي امرأة قبلت النائم بشهوة ثبتت حرمة المصاهرة إذا صدقها على الشهوة وفي الاحتلام في الصلاة يوجب الاستقبال وفيمن نام يوما أو أكثر تصير الصلاة دينا في ذمته وفي عقد النكاح بحضرة النائمين يجوز في قول والأصح اشتراط السماع وقد علم مما قدمناه أن الإباحة كالملك في النقض فلو وجدوا مقدار ما يكفي أحدهم انتقض تيممهم بخلاف ما إذا كان مشتركا بينهم، فإنه لا ينتقض إلا أن يكون بين الأب والابن، فإن الأب أولى؛ لأن له تملك مال الابن عند الحاجة كذا في فتاوى قاضي خان ولو وهب لجماعة ماء يكفي أحدهم لا ينتقض تيممهم أما عنده فلفسادها للشيوع، وأما عند هما فللاشتراك فلو أذنوا لواحد لا يعتبر إذنهم ولا ينتقض تيممه لفسادها وعندهما يصح إذنهم فانتقض تيممه كذا في كثير من الكتب وفي السراج الوهاج الصحيح فساد التيمم إجماعا؛ لأن هذا مقبوض بعقد فاسد فيكون مملوكا فينفذ تصرفهم فيه ا هـ‏.‏ ولا يخفى أنه، وإن كان مملوكا لا يحل التصرف فيه فكان وجوده كعدمه ولو كانوا في الصلاة فجاء رجل بكوز من ماء وقال هذا لفلان منهم فسدت صلاته خاصة فإذا فرغوا وسألوه الماء، فإن أعطاه للإمام توضأ واستقبلوا معه الصلاة، وإن منع تمت صلاتهم وعلى من أعطاه الاستقبال ولو قال يا فلان خذ الماء وتوضأ فظن كل واحد أنه يدعوه فسدت صلاة الكل كذا في المحيط‏.‏ ثم اعلم أن المتيمم إذا رأى مع رجل ماء كافيا فلا يخلو إما أن يكون في الصلاة أو خارجها وفي كل منهما إما أن يغلب على ظنه الإعطاء أو عدمه أو يشك وفي كل منها إما إن سأله أو لا، وفي كل منها إما إن أعطاه أو لا فهي أربعة وعشرون، فإن كان في الصلاة، وغلب على ظنه الإعطاء قطع وطلب الماء، فإن أعطاه توضأ، وإلا فتيممه باق فلو أتمها ثم سأله، فإن أعطاه استأنف، وإن أبى تمت، وكذا إذا أبى ثم أعطى، وإن غلب على ظنه عدم الإعطاء أو شك لا يقطع صلاته، فإن قطع وسأل، فإن أعطاه توضأ، وإلا فتيممه باق، وإن أتم ثم سأل، فإن أعطاه بطلت، وإن أبى تمت، وإن كان خارج الصلاة، فإن لم يسأل وتيمم وصلى جازت الصلاة على ما في الهداية ولا تجوز على ما في المبسوط، فإن سأل بعدها، فإن أعطاه أعاد، وإلا فلا سواء ظن الإعطاء أو المنع أو الشك، وإن سأل، فإن أعطاه توضأ، وإن منعه تيمم وصلى، فإن أعطاه بعدها لا إعادة عليه وينتقض تيممه ولا يتأتى في هذا القسم الظن أو الشك وهذا حاصل ما في الزيادات وغيرها، وهذا الضبط من خواص هذا الكتاب وبه تبين أنه إذا كان في الصلاة وغلب على ظنه الإعطاء لا تبطل بل إذا أتمها وسأله ولم يعطه تمت صلاته لأنه ظهر أن ظنه كان خطأ كذا في شرح الوقاية فعلم منه أن ما في فتح القدير من بطلانها بمجرد غلبة ظن الإعطاء ليس بظاهر إلا أن قاضي خان في فتاويه ذكر البطلان في هذه الصورة بمجرد الظن عن محمد‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فهي تمنع التيمم وترفعه‏)‏ أي القدرة على الماء تمنع جواز التيمم ابتداء وترفعه بقاء، وهذا تكرار محض؛ لأنه لما عد الأعذار علم أنه لا يجوز مع القدرة ولما قال وقدرة ماء علم أنه ترفعه القدرة ولا يبقى إلا في موضع يجوز ابتداء فلا فائدة بذكره ثانيا ولا يليق بمثل هذا المختصر كذا في التبيين وقد يقال إنه ليس بتكرار محض؛ لأنه إنما عد بعض الأعذار ولم يستوفها كما علم مما بيناه أولا فربما يتوهم حصر الأعذار في المعدود وقد ذكر ضابطا لها لتتم الأعذار فكان فيه فائدة كما لا يخفى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وراجي الماء يؤخر الصلاة‏)‏ يعني على سبيل الندب كما صرح به في أصله الوافي والمراد بالرجاء غلبة الظن أي يغلب على ظنه أنه يجد الماء في آخر الوقت، وهذا إذا كان بينه وبين موضع يرجوه ميل أو أكثر، فإن كان أقل منه لا يجزئه التيمم، وإن خاف فوت وقت الصلاة، فإن كان لا يرجوه لا يؤخر الصلاة عن أول الوقت؛ لأن فائدة الانتظار احتمال وجد أن الماء فيؤديها بأكمل الطهارتين، وإذا لم يكن له رجاء وطمع فلا فائدة في الانتظار وأداء الصلاة في أول الوقت أفضل إلا إذا تضمن التأخير فضيلة لا تحصل بدونه كتكبير الجماعة ولا يتأتى هذا في حق من في المفازة فكان التعجيل أولى؛ ولهذا كان أولى للنساء أن يصلين في أول الوقت؛ لأنهن لا يخرجن إلى الجماعة كذا في مبسوطي شمس الأئمة وفخر الإسلام كذا في معراج الدراية وكذا في كثير من شروح الهداية وتعقبهم في غاية البيان بأن هذا سهو وقع من الشارحين وليس مذهب أصحابنا كذلك، فإن كلام أئمتنا صريح في استحباب تأخير بعض الصلوات من غير اشتراط جماعة وما ذكروه في التيمم مفهوم والصريح مقدم على المفهوم‏.‏ وأجاب عنه في السراج الوهاج بأن الصريح محمول على ما إذا تضمن ذلك فضيلة كتكثير الجماعة؛ لأنه إذا لم يتضمن ذلك لم يكن للتأخير فائدة وما لا فائدة فيه لم يكن مستحبا وهل يؤخر عند الرجاء إلى وقت الاستحباب أو إلى وقت الجواز أقوال ثالثها إن كان على ثقة فإلى آخر وقت الجواز، وإن كان على طمع فإلى آخر وقت الاستحباب وأصحها الأول كذا في السراج الوهاج والحق ما في غاية البيان، فإن محمدا ذكر في الأصل أن تأخير الصلاة أحب إلي ولم يفصل بين الرجاء وغيره والذي في مبسوط شمس الأئمة إنما هو إذا كان لا يرجو فلا يؤخر الصلاة عن وقتها المعهود أي عن وقت الاستحباب، وهو أول النصف الأخير من الوقت في الصلاة التي يستحب تأخيرها أما إذا كان يرجو فالمستحب تأخيرها عن هذا الوقت المستحب، وهذا هو مراد من قال بعدم استحباب التأخير إذا كان لا يرجو، وليس المراد بالتعجيل الفعل في أول وقت الجواز حتى يلزم أن يكون أفضل ويدل على ما قلناه ما ذكره الإسبيجابي في شرح مختصر الطحاوي بقوله، وإن لم يكن على طمع من وجود الماء، فإنه يتيمم ويصلي في وقت مستحب ولم يقل يصلي في أول الوقت وقال الكردري في مناقبه‏:‏ والأوجه أن يحمل استحباب التأخير مع الرجاء إلى آخر النصف الثاني وعدم استحبابه إلى هذا عند عدم الرجاء بل الأفضل عند عدم الرجاء الأداء في أول النصف الثاني بدليل قولهم المستحب أن يسفر بالفجر في وقت يؤدي الصلاة بالقراءة المسنونة ثم لو بدا له في الصلاة الأولى ريب يؤدي الثانية بالطهارة والتلاوة المسنونة أيضا وذلك لا يتأتى إلا في أول النصف الثاني ا هـ‏.‏ وفي الخلاصة وغيرها المسافر إذا كان على تيقن من وجود الماء أو غالب ظنه على ذلك في آخر الوقت فتيمم في أول الوقت وصلى إن كان بينه وبين الماء مقدار ميل جاز، وإن كان أقل ولكن يخاف الفوت لا يتيمم ا هـ‏.‏ فحاصله أن البعد مجوز للتيمم مطلقا وفي معراج الدراية معزيا إلى المجتبى ويتخالج في قلبي فيما إذا كان يعلم أنه إن أخر الصلاة إلى آخر الوقت بقرب من الماء بمسافة أقل من ميل لكن لا يتمكن من الصلاة بالوضوء في الوقت الأولى أن يصلي في أول الوقت مراعاة لحق الوقت وتجنبا عن الخلاف ا هـ‏.‏ وذكر في المناقب أن هذه المسألة أول واقعة خالف أبو حنيفة أستاذه حمادا فصلى حماد بالتيمم في أول الوقت ووجد أبو حنيفة الماء في آخر الوقت وصلاها، وكان ذلك غرة اجتهاده فقبلها الله تعالى منه وصوبه فيه، وكانت هذه الصلاة صلاة المغرب، وكان خروجهما لأجل تشييع الأعمش‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وصح قبل الوقت ولفرضين‏)‏ أي صح التيمم قبل الوقت ولفرضين اعلم أن التيمم بدل بلا شك اتفاقا لكن اختلفوا في كيفية البدل في موضعين‏:‏ أحدهما‏:‏ الخلاف فيه لأصحابنا مع الشافعي فقال أصحابنا‏:‏ هو بدل مطلق عند عدم الماء وليس بضروري ويرتفع به الحدث إلى وقت وجود الماء لا أنه مبيح للصلاة مع قيام الحدث وقال الشافعي هو بدل ضروري مبيح مع قيام الحدث حقيقة فلا يجوز قبل الوقت ولا يصلي به أكثر من فريضة عنده وعندنا يجوز وفي إناءين طاهر ونجس يجوز التيمم عندنا خلافا له؛ ولهذا يبني الخلاف تارة على أنه رافع للحدث عندنا مبيح عنده لا رافع وتارة على أنه طهارة ضرورية عنده مطلقة عندنا واقتصر على الثاني صاحب الهداية ويدفع مبنى الشافعي الأول بأن اعتبار الحدث مانعية عن الصلاة شرعية لا يشكل معه أن التيمم رافع لارتفاع ذلك المنع به، وهو الحق إن لم يقم على أكثر من ذلك دليل وتغير الماء برفع الحدث إنما يستلزم اعتباره نازلا عن وصفه الأول بواسطة إسقاط الفرض لا بواسطة إزالة وصف حقيقي مدنس ويدفع الثاني بأنه طهور حال عدم الماء بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «التراب طهور المسلم» وقال في حديث الخصائص في الصحيحين‏:‏ «وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» يريد به مطهرا، وإلا لما تحققت الخصوصية؛ لأن طهارة الأرض بالنسبة إلى سائر الأنبياء ثابتة، وإذا كان مطهرا فتبقى طهارته إلى وجود غايتها من وجود الماء أو ناقض آخر الثاني الخلاف فيه بين أصحابنا فعند أبي حنيفة وأبي يوسف البدلية بين الماء والتراب وعند محمد بين الفعلين وهما التيمم والوضوء ويتفرع عليه جواز اقتداء المتوضئ بالمتيمم فأجازاه ومنعه وسيأتي إن شاء الله تعالى وقاس الشافعي كما ذكره النووي عدم جوازه قبل الوقت على عدم جواز طهارة المستحاضة قبل الوقت وقال النووي إنهم وافقونا عليه ومنع أئمتنا الحكم في المقيس عليه؛ لأن المذهب عندنا جواز وضوئها قبل الوقت ولا ينتقض بالدخول ولئن سلم على قول من يقول بنقضها بالدخول فالفرق بينهما أن طهارة المستحاضة قد وجد ما ينافيها، وهو سيلان الدم والتيمم لم يوجد له رافع بعده، وهو الحدث أو وجود الماء فيبقى على ما كان كالمسح على الخفين بل أقوى؛ لأن المسح مؤقت بمدة قليلة والشارع جوز التيمم ولو إلى عشر حجج ما لم يجد الماء وقولهم لا ضرورة قبله ممنوع؛ لأن المندوب التطهر قبل الوقت ليشتغل أول الوقت بالأداء وما استدلوا به من أثر ابن عباس قال من السنة أن لا يصلي بالتيمم أكثر من صلاة واحدة رواه الدارقطني ومن أثر ابن عمر قال يتيمم لكل صلاة، وإن لم يحدث رواه البيهقي ومن أثر علي قال يتيمم لكل صلاة فالكل ضعيف؛ لأن في سند الأول الحسن بن عمارة تكلموا فيه قال بعضهم متروك ذكره مسلم في مقدمة كتابه في جملة من تكلم فيه رواه عنه أبو يحيى الجماني، وهو متروك وفي سند الثاني عامر ضعفه ابن عيينة وأحمد بن حنبل وفي سماعه عن نافع نظر وقال ابن خزيمة الرواية فيه عن ابن عمر لا تصح وفي السند الثالث الحجاج بن أرطاة والحارث الأعور وهما ضعيفان مع أن ظاهرهما متروك، فإنهم يجوزون أكثر من صلاة واحدة من النوافل مع الفرض تبعا له بشرط أن يتيمم له فلو تيمم لصلاة النفل لا يجوز أن يؤدي الفرض به عنده وعلى عكسه يجوز ‏(‏تنبيه‏)‏ ظاهر كلام المشايخ هنا أن الشرط يلزم من عدمه عدم المشروط، فإنهم قالوا إن التراب مطهر بشرط عدم الماء فإذا وجد الماء فقد الشرط ففقد المشروط، وهو طهورية التراب والمذكور في الأصول أن الشرط لا يلزم من عدمه العدم ولا من وجوده وجود ولا عدم والجواب أن الشرط إذا كان مساويا للمشروط استلزمه وهاهنا كذلك، فإن كل واحد من عدم الماء وجواز التيمم مساو للآخر لا محالة فجاز أن يستلزمه كذا في العناية، فإن قلت لا نسلم مساواتهما لجوازه مع وجوده حال مرضه قلت ليس بموجود فيها حكما؛ لأن المراد به القدرة، وهو ليس بقادر‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وخوف فوت صلاة جنازة‏)‏ أي يجوز التيمم لخوف فوت صلاة الجنازة أطلقه وقيده في الهداية بأربعة أشياء حضور الجنازة وكونه صحيحا وكونه في المصر وكونه ليس بولي ووافقه على الأخير في الوافي ولا حاجة إلى هذه القيود أصلا؛ لأن المريض يرخص له التيمم مطلقا وكذا المسافر وقبل حضورها لا يخاف الفوت إذ الوجوب بالحضور وكذا لا يخاف الفوت الولي مع أن في جوازه له خلافا ففي الهداية الصحيح أنه لا يجوز له التيمم؛ لأن للولي حق الإعادة فلا فوات في حقه واختاره المصنف في الكافي وصحح في التجنيس في الإمام عدم الجواز إن كانوا ينتظرونه، وإلا جاز وفي ظاهر الرواية جوازه لهما وصححه السرخسي وقال صاحب الذخيرة لا فرق بين الإمام والمقتدي ومن له حق الصلاة؛ لأن الانتظار فيها مكروه والمراد بالولي من له التقدم حتى لا يجوز التيمم للسلطان والقاضي والوالي على ما في الهداية؛ لأن الولي إذا كان لا يجوز له التيمم، وهو مؤخر فمن هو مقدم عليه أولى؛ لأن المقدم على الولي له حق الإعادة لو صلى الولي فعلى هذا يجوز التيمم للولي إذا كان هو مقدم عليه حاضرا اتفاقا؛ لأنه يخاف الفوت إذ ليس له حق الإعادة لو صلى من هو مقدم عليه كما علم في الجنائز، وكذا يجوز للولي التيمم إذا أذن لغيره بالصلاة؛ لأنه حينئذ لا حق له في الإعادة فيخاف فوتها ولا يجوز لمن أمره الولي كذا في الخلاصة وهذه التفاريع التي ذكرناها إنما هي على مختار صاحب الهداية أما على ظاهر الرواية فيجوز التيمم للكل عند خوف الفوت ولا فرق في جوازه عند الخوف بين كونه محدثا أو جنبا أو حائضا أو نفساء كما صرح به في النهاية وغيرها ولا بد من خوف فوت التكبيرات كلها لو اشتغل بالطهارة، فإن كان يرجو أن يدرك البعض لا يتيمم؛ لأنه لا يخاف الفوت؛ لأنه يمكنه أداء الباقي وحده كذا في البدائع والقنية وذكر ابن أمير حاج أنه لم يقف على هذا التفصيل في صلاة الجنازة فلله الحمد والمنة والأصل في هذه المسائل أن كل موضع يفوت الأداء لا إلى خلف يجوز له التيمم وفي كل موضع لا يفوت الأداء لا يجوز‏.‏ ثم اعلم بأن الصلاة ثلاثة أنواع نوع لا يخشى فواتها أصلا لعدم توقتها كالنوافل ونوع يخشى فواتها أصلا كصلاة الجنازة والعيد ونوع يخشى فواتها وتقضى بعد وقتها أصلها أو بدلها كالجمعة والمكتوبات أما الأول فلا يتيمم لها عند وجود الماء‏.‏ وأما الثاني‏:‏ فيتيمم لها عند وجوده عندنا ومنعه الشافعي؛ لأنه تيمم مع عدم شرطه وقلنا هو مخاطب بالصلاة عاجز عن الوضوء لها بفرض المسألة فيجوز التيمم ويدل له تيممه عليه الصلاة والسلام لرد السلام مع وجود الماء على ما أسلفناه خشية الفوات؛ لأنه لو رد بعد التراخي لا يكون جوابا له وفيه ما تقدم من الاحتمال وروى ابن عدي في الكامل بسنده عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إذا فجأتك الجنازة وأنت على غير وضوء فتيمم» ثم قال هذا مرفوعا غير محفوظ بل هو موقوف على ابن عباس ورواه ابن أبي شيبة عنه أيضا ورواه الطحاوي في شرح الآثار وكذا رواه النسائي في كتاب الكنى وروى البيهقي من طريق بجهة الدارقطني أن ابن عمر أتى الجنازة، وهو على غير وضوء فتيمم وصلى عليها والحديث إذا كثرت طرقه وتعاضدت قويت فلا يضره الوقف؛ لأن الصحابة كانوا تارة يرفعون وتارة لا يرفعون ولو حضرت جنازة أخرى بعد فراغه من الصلاة وخاف فوتها ففي المجمع يعيد عند محمد ولا يعيد عند أبي حنيفة وأبي يوسف وذكر المصنف في المستصفى أن الخلاف فيما إذا لم يتمكن من التوضؤ بين الصلاتين أما إذا تمكن ثم فات التمكن يعيد التيمم اتفاقا وفي الولوالجية وعليه الفتوى وذكر الحلواني أن التيمم في بلادنا لا يجوز للجنازة؛ لأن الماء حول مصلى الجنازة، وأما رواية القدوري فمطلقة كذا في معراج الدراية وفي المستصفى لا يقال إن النص ورد في الصلاة المطلقة وصلاة الجنازة ليست في معناها؛ لأنا نقول‏:‏ لما جاز أداء أقوى الصلاتين بأضعف الطهارتين لأن يجوز أداء أضعف الصلاتين بأضعف الطهارتين أولى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ أو عيد ولو بناء‏)‏ أي يجوز التيمم لخوف فوت صلاة عيد ولو كان الخوف بناء لما بينا أنها تفوت لا إلى بدل، فإن كان إماما ففي رواية الحسن لا يتيمم وفي ظاهر الرواية يجزئه؛ لأنه يخاف الفوت بزوال الشمس حتى لو لم يخف لا يجزئه، وإن كان المقتدي بحيث يدرك بعضها مع الإمام لو توضأ لا يتيمم كما قدمناه في الجنازة وصورة الخوف في البناء أن يشرع في صلاة العيد ثم يسبقه حدث إماما كان أو مقتديا، فهذه على وجوه، فإن كان لا يخاف الزوال ويمكنه أن يدرك شيئا منها مع الإمام لو توضأ، فإنه لا يتيمم اتفاقا لإمكان أداء الباقي بعده، وإن كان يخاف زوال الشمس لو اشتغل بالوضوء يباح له التيمم اتفاقا لتصور الفوات بالإفساد بدخول الوقت المكروه ولو شرع بالتيمم تيمم وبنى بالاتفاق؛ لأنا لو أوجبنا الوضوء يكون واجدا للماء في خلال صلاته فتفسد كذا في الهداية والمحيط وقيل لا يجوز البناء بالتيمم عندهما لوجود الماء ويجوز أن يكون ابتداؤها بالتيمم والبناء بالوضوء كما قلنا في جنب معه ماء قدر ما يكفي الوضوء، فإنه يتيمم ويصلي ولو سبقه حدث فيها، فإنه يتوضأ ويبني، وهذا القياس مع الفارق، فإن في المقيس عليه لا يلزم بناء القوي على الضعيف إذ التيمم هاهنا أقوى من الوضوء؛ لأنه يزيل الجنابة والوضوء لا يزيلها وفي المقيس يلزم بناء القوي على الضعيف فكان الظاهر البناء اتفاقا وقد يقال إنه غير لازم؛ لأن التيمم مثل الوضوء بدليل جواز اقتداء المتوضئ بالمتيمم يؤيده ما ذكره قاضي خان في فصل المسح على الخفين من فتاواه أن المتيمم إذا سبقه حدث في خلال صلاته فانصرف ثم وجد ماء يتوضأ ويبني والفرق بينه وبين المتيمم الذي وجد الماء في خلال صلاته حيث يستأنف إن التيمم ينتقض بصفة الاستناد إلى وجود الحدث عند إصابة الماء؛ لأنه يصير محدثا بالحدث السابق؛ لأن الإصابة ليست بحدث وفي هذه الصلاة لم ينتقض التيمم عند إصابة الماء بصفة الاستناد لانتقاضه بالحدث الطارئ على التيمم ويمكن أن يقال إن التيمم ينتقض عند رؤية الماء بالحدث السابق وإن كان هناك حدث طارئ لما قدمناه عن محمد أن الأسباب المتعاقبة كالبول ثم الرعاف ثم القيء توجب أحداثا متعاقبة يجزئ عنها وضوء واحد وسيأتي إن شاء الله تعالى في باب الحدث في الصلاة ما يخالف ما ذكره قاضي خان فثبت أن البناء بالتيمم متفق عليه، ولو شرع بالوضوء ثم سبقه الحدث ولم يخف زوال الشمس ولا يرجو إدراك الإمام قبل فراغه فعند أبي حنيفة يتيمم ويبني وقالا يتوضأ ولا يتيمم ثم اختلف المشايخ فمنهم من قال إنه اختلاف عصر وزمان فكان في زمانه جبانة الكوفة بعيدة ولو انصرف للوضوء زالت الشمس فخوف الفوت قائم وفي زمنهما جبانة بغداد قريبة فأفتيا على وفق زمنهما؛ ولهذا كان شمس الأئمة الحلواني والسرخسي يقولان في ديارنا لا يجوز التيمم للعيد ابتداء ولا بناء؛ لأن الماء محيط بمصلى العيد فيمكن التوضؤ والبناء بلا خوف الفوت حتى لو خيف الفوت يجوز التيمم ومنهم من جعله برهانيا ثم اختلفوا فمنهم من جعله ابتدائيا فهما نظرا إلى أن اللاحق يصلي بعد فراغ الإمام فلا فوت وأبو حنيفة نظر إلى أن الخوف باق؛ لأنه يوم زحمة فيعتريه عارض يفسد عليه صلاته من رد سلام أو تهنئة ومنهم من جعله مبنيا على مسألة، وهي أن من أفسد صلاة العيد لا قضاء عليه عنده فتفوت لا إلى بدل وعندهما عليه القضاء فتفوت إلى بدل وإليه ذهب أبو بكر الإسكاف لكن قال القاضي الإسبيجابي في شرح مختصر الطحاوي الأصح أنه لا يجب قضاء صلاة العيد بالإفساد عند الكل وفي شرح منية المصلي لقائل أن يقول بجواز التيمم في المصر لصلاة الكسوف والسنن الرواتب ما عدا سنة الفجر إذا خاف فوتها لو توضأ، فإنها تفوت لا إلى بدل، فإنها لا تقضى كما في العيد ولا سيما على القول بأن صلاة العيد سنة كما اختاره السرخسي وغيره وأما سنة الفجر، فإن خاف فوتها مع الفريضة لا يتيمم، وإن خاف فوتها وحدها فعلى قياس قول محمد لا يتيمم وعلى قياس قولهما يتيمم، فإن عند محمد إذا فاتته باشتغاله بالفريضة مع الجماعة عند خوف فوت الجماعة يقضيها بعد ارتفاع الشمس وعندهما لا يقضيها أصلا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ لا لفوت جمعة ووقت‏)‏ أي لا يصح التيمم لخوف فوت صلاة الجمعة وصلاة مكتوبة، وإنما يجوز التيمم لهما عند عدم القدرة على الماء حقيقة أو حكما وفيه خلاف زفر كما قدمناه أما عدم جوازه لخوف فوت الجمعة؛ فلأنها تفوت إلى خلف، وهو الظهر كذا في الهداية وأورد أن هذا لا يتأتى إلا على مذهب زفر أما على ظاهر المذهب المختار من أن الجمعة خلف والظهر أصل فلا ودفع بأنه متصور بصورة الخلف؛ لأن الجمعة إذا فاتت يصلى الظهر فكان الظهر خلفا صورة أصلا معنى وقد جمع بينهما في النافع فقال؛ لأنها تفوت إلى ما يقوم مقامها، وهو الأصل، وأما عدم جوازه لخوف فوت الوقت؛ فلأن الفوات إلى خلف، وهو القضاء، فإن قيل فضيلة الجمعة والوقت تفوت لا إلى خلف؛ ولهذا جاز للمسافر التيمم وجازت الصلاة للراكب الخائف مع ترك بعض الشروط والأركان، وكل هذا لفضيلة الوقت قلنا فضيلة الوقت والأداء وصف للمؤدى تابع له غير مقصود لذاته بخلاف صلاة الجنازة والعيد، فإنها أصل فيكون فواتها فوات أصل مقصود وجوازها للمسافر بالنص لا لخوف الفوت بل لأجل أن لا تتضاعف عليه الفوائت ويحرج في القضاء وكذا صلاة الخوف للخوف دون خوف الفوت هذا وقد قدمنا عن القنية أن التيمم لخوف فوت الوقت رواية عن مشايخنا، وفرع عليها في باب التيمم أنه لو كان في سطح ليلا وفي بيته ماء لكنه يخاف في الظلمة إن دخل البيت يتيمم إن خاف فوت الوقت، وكذا يتيمم في كلة لخوف البق أو مطر أو حر شديد إن خاف فوت الوقت، وعلى اعتبار العجز لا خوف الوقت فرع محمد رحمه الله ما لو وعده صاحبه أن يعطيه الإناء أنه ينتظر، وإن خرج الوقت؛ لأن الظاهر هو الوفاء بالعهد، فكان قادرا على استعمال الماء ظاهرا وكذا إذا وعد الكاسي العاري أن يعطيه الثوب إذا فرغ من صلاته لم تجزه الصلاة عريانا لما قلنا كذا في البدائع‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولم يعد إن صلى به ونسي الماء في رحله‏)‏ أي ولم يعد إن صلى بالتيمم ناسيا الماء كائنا في رحله مما ينسى عادة، وكان موضوعا بعلمه، وهو للبعير كالسرج للدابة ويقال لمنزل الإنسان ومأواه رحل أيضا، وهو المراد بقولهم نسي الماء في رحله كذا في المغرب لكن قد يقال قولهم لو كان الماء في مؤخرة الرحل يفيد أن المراد بالرحل الأول، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف‏:‏ تلزمه الإعادة قيد بالنسيان؛ لأن في الظن لا يجوز التيمم إجماعا ويعيد الصلاة؛ لأن الرحل معدن الماء عادة فيفترض عليه الطلب كما يفرض عليه الطلب في العمرانات؛ لأن العلم لا يبطل بالظن بخلاف النسيان؛ لأنه من أضداد العلم وظنه بخلاف العادة لا يعتبر وقيد بقوله في رحله؛ لأنه لو كان على ظهره فنسيه ثم تيمم يعيد اتفاقا وكذا إذا كان على رأسه أو معلقا في عنقه وقيدنا بكونه مما ينسى عادة؛ لأنه لو لم يكن كذلك كما إذا نسي الماء المعلق في مؤخر رحله، وهو يسوق دابته، فإنه يعيد اتفاقا وكذا إذا كان راكبا والماء في مقدم الرحل أو بين يديه راكبا بخلاف ما إذا كان سائقا، وهو في المقدم أو راكبا، وهو في المؤخر، فإنه على الاختلاف وكذا إذا كان قائدا مطلقا وقيدنا بكونه موضوعا بعلمه؛ لأنه لو وضعه غيره ولو عبده أو أجيره بغير أمره لا يعيد اتفاقا؛ لأن المرء لا يخاطب بفعل الغير كذا في النهاية وتبعه عليه جماعة من الشارحين وإليه أشار في فتح القدير وتعقبه في غاية البيان بأن دعوى الإجماع سهو ليست بصحيحة ونقل عن فخر الإسلام في شرح الجامع الصغير أنها على الاختلاف والحق ما في البدائع أنه لا رواية لهذا نصا وقال بعض المشايخ إن لفظ الرواية في الجامع الصغير تدل على أنه يجوز بالإجماع، فإنه قال في الرجل يكون في رحله ماء فنسي والنسيان يستدعي تقدم العلم ثم مع ذلك جعل عذرا عندهما فبقي موضع لا علم أصلا ينبغي أن يجعل عذرا عند الكل ولفظ الرواية في كتاب الصلاة يدل على أنه على الاختلاف، فإنه قال مسافر تيمم ومعه ماء في رحله، وهو لا يعلم به، وهذا يتناول حالة النسيان وغيرها لأبي يوسف وجهان أحدهما أنه نسي ما لا ينسى عادة؛ لأن الماء من أعز الأشياء في السفر لكونه سببا لصيانة نفسه عن الهلاك فكان القلب متعلقا به فالتحق النسيان فيه بالعدم‏.‏ والثاني‏:‏ أن الرحل موضع الماء غالبا لحاجة المسافر إليه فكان الطلب واجبا كما في العمران ولهما أنه عجز عن استعمال الماء فلا يلزمه الاستعمال، وهذا؛ لأنه لا قدرة بدون العلم؛ لأن القادر على الفعل هو الذي لو أراد تحصيله يتأتى له ذلك ولا تكليف بدون القدرة ولو فقدت قدرته بفقد سائر الآلات جاز تيممه فإذا فقد العلم، وهو أقوى الآلات أولى وتعقبه في فتح القدير بأن هذا لا يفيد بعد ما قرر لأبي يوسف لثبوت العلم نظرا إلى الدليل اتفاقا كما قال الكل في المسائل الملحق بها، وإنما المفيد ليس إلا منع وجود العلة أي لا نسلم أن الرحل دليل الماء الذي ثبوته يمنع التيمم أعني ماء الاستعمال بل الشرب، وهو مفقود في حق غير الشرب ا هـ‏.‏ ولو صلى عريانا، وفي رحله ثوب طاهر لم يعلم به ثم علم، فإن بعضهم تلزمه الإعادة بالإجماع وذكر الكرخي أنه على الاختلاف، وهو الأصح كذا في البدائع، فإن كان على الاختلاف فظاهر، وإن كان بالإجماع فالفرق على قولهما أن الرحل معد للثوب لا لماء الوضوء لكن يرد عليه لو مع ثوب نجس ناسيا الطاهر، فإنها كمسألة الصلاة عاريا مع أن الرحل ليس معدا لماء الاستعمال بل لماء الشرب كما بينا وما وقع في شرح الكنز وغيره من الفرق بينهما وبين ما لو نسي ماء الوضوء فتيمم بأن فرض الستر وإزالة النجاسة فات لا إلى خلف بخلاف الوضوء لا يثلج الخاطر عند التأمل؛ لأن فوات الأصل إلى خلف لا يجوز الخلف مع فقد شرطه بل إذا فقد شرطه مع فوات الأصل يصير فاقدا للطهورين فيلزمه حكمه، وهو التأخير عنده والتشبه عندهما بالمصلين كذا في فتح القدير ولقائل أن يقول قوله؛ لأن فوات الأصل إلى آخره صحيح وأما قوله بل إذا فقد شرطه إلى آخره فليس بظاهر؛ لأن شرط جواز الخلف عدم القدرة على الأصل وفقد هذا الشرط بالقدرة على الأصل فكيف يجتمع فقد شرط الخلف مع فوات الأصل بل يلزم من فقد شرط الخلف وجود الأصل؛ لأن شرطه فوات الأصل ففقده بوجوده ولا فرق في مسألة الكتاب بين أن يذكره في الوقت أو بعده ولو مر بالماء، وهو متيمم لكنه نسي أنه تيمم ينتقض تيممه، ولو ضرب الفسطاط على رأس البئر قد غطى رأسها ولم يعلم بذلك فتيمم وصلى ثم علم بالماء أمر بالإعادة واتفقوا على أن النسيان غير معفو في مسائل منها ما لو نسي المحدث غسل بعض أعضائه ومنها لو صلى قاعدا متوهما عجزه عن القيام وكان قادرا ومنها أن الحاكم إذا حكم بالقياس ناسيا النص ومنها لو نسي الرقبة في الكفارة فصام ومنها لو توضأ بماء نجس ناسيا ومنها لو فعل ما ينافي الصلاة ناسيا ومنها لو فعل محظور الإحرام ناسيا ومنها مسائل كثيرة تعرف في أثناء الكتاب إن شاء الله تعالى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويطلبه غلوة إن ظن قربه، وإلا لا‏)‏ أي يجب على المسافر طلب الماء قدر غلوة إن ظن قربه، وإن لم يظن قربه لا يجب عليه وحد القرب ما دون الميل قيدنا به؛ لأن الميل وما فوقه بعيد لا يوجب الطلب وقيدنا بالمسافر؛ لأن طلب الماء في العمرانات واجب اتفاقا مطلقا وكذا لو كان بقرب منها وقد اختلفوا في مقدار الطلب فاختار المصنف هنا قدر غلوة، وهي مقدار رمية سهم كما في التبيين أو ثلثمائة ذراع كما في الذخيرة والمغرب إلى أربعمائة واختار في المستصفى أنه يطلب مقدار ما يسمع صوت أصحابه ويسمع صوته، وهو الموافق لما قال أبو يوسف سألت أبا حنيفة عن المسافر لا يجد الماء أيطلب عن يمين الطريق أو عن يساره قال إن طمع فيه فليفعل ولا يبعد فيضر بأصحابه إن انتظروه وبنفسه إن انقطع عنهم ويوافقه ما صححه في البدائع فقال‏:‏ والأصح أنه يطلب قدر ما لا يضر بنفسه ورفقته بالانتظار، فكان هو المعتمد وعلى اعتبار الغلوة فالطلب أن ينظر يمينه وشماله وأمامه ووراء غلوة كذا في الحقائق وظاهره أنه لا يلزمه المشي بل يكفيه النظر في هذه الجهات، وهو في مكانه، وهذا إذا كان حواليه لا يستتر عنه، فإن كان بقربه جبل صغير ونحوه صعده ونظر حواليه إن لم يخف ضررا على نفسه أو ماله الذي معه أو المخلف في رحله فإن خاف لم يلزمه الصعود والمشي كذا في التوشيح ولو بعث من يطلب له كفاه عن الطلب بنفسه، وكذا لو أخبره من غير أن يرسله كذا في منية المصلي ولو تيمم من غير طلب، وكان الطلب واجبا وصلى ثم طلبه فلم يجده وجبت عليه الإعادة عندهما خلافا لأبي يوسف كذا في السراج الوهاج وفي المستصفى وفي إيراد هذه المسألة عقيب المسألة المتقدمة لطيفة، فإن الاختلاف في تلك المسألة بناء على اشتراط الطلب وعدمه ا هـ‏.‏ وعند الشافعي يجب الطلب مطلقا لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فلم تجدوا ماء‏}‏؛ لأن الوجود يقتضي سابقة الطلب، وهي دعوى لا دليل عليها لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم‏}‏ ولا طلب وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ووجدك ضالا فهدى‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ووجدوا ما عملوا حاضرا‏}‏ ولم يطلبوا خطاياهم وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض‏}‏ ولقوله عليه السلام‏:‏ «من وجد لقطة فليعرفها» ولا طلب من الواجد ولقوله من وجد زادا وراحلة ويقال فلان وجد ماله، وإن لم يطلبه ووجد مرضا في نفسه ولم يطلبه فقد ثبت أن الوجود يتحقق من غير طلب والله تعالى جعل شرط الجواز عدم الوجود من غير طلب فمن زاد شرط الطلب فقد زاد على النص، وهو لا يجوز بخلاف العمرانات؛ لأن العدم، وإن ثبت حقيقة لم يثبت ظاهرا؛ لأن كون الماء في العمرانات دليل ظاهر على وجود الماء؛ لأن قيام العمارة بالماء فكان العدم ثابتا من وجه دون وجه وشرط الجواز العدم المطلق ولا يثبت ذلك في العمرانات إلا بعد الطلب وبخلاف ما إذا غلب على ظنه قربه؛ لأن غلبة الظن تعمل عمل اليقين في حق وجوب العمل، وإن لم تعمل في حق الاعتقاد كما في التحري في القبلة وكما في دفع الزكاة لمن غلب على ظنه فقره وكما إذا غلب على ظنه نجاسة الماء أو طهارته، وأما إذا لم يغلب على ظنه قربه فلا يجب بل يستحب إذا كان على طمع من وجود الماء كذا في البدائع وظاهره أنه إذا لم يطمع لا يستحب له الطلب وعلل له في المبسوط بأنه لا فائدة فيه إذا لم يكن على رجاء منه وبما تقرر علم أن المراد بالظن غالبه، والفرق بينهما على ما حققه اللامشي في أصوله أن أحد الطرفين إذا قوي وترجح على الآخر، ولم يأخذ القلب ما ترجح به، ولم يطرح الآخر فهو الظن، وإذا عقد القلب على أحدهما وترك الآخر فهو أكبر الظن وغالب الرأي ا هـ‏.‏ وغلبة الظن هنا أما بأن وجد إمارة ظاهرة أو أخبره مخبر كذا أطلقه في الوشيح وقيده في البدائع بالعدل‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويطلبه من رفيقه، فإن منعه تيمم‏)‏ أي يطلب الماء من رفيقه أطلقه هنا وفصل في الوافي فقال مع رفيقه ماء فظن أنه إن سأله أعطاه لم يجز التيمم، وإن كان عنده أنه لا يعطيه يتيمم، وإن شك في الإعطاء وتيمم وصلى فسأله فأعطاه يعيد وعلل له في الكافي بأنه ظهر أنه كان قادرا، وإن منعه قبل شروعه وأعطاه بعد فراغه لم يعد؛ لأنه لم يتبين أن القدرة كانت ثابتة ا هـ‏.‏ اعلم أن ظاهر الرواية عن أصحابنا الثلاثة وجوب السؤال من الرفيق كما يفيده ما في المبسوط قال‏:‏ وإذا كان مع رفيقه ماء فعليه أن يسأله إلا على قول الحسن بن زياد، فإنه كان يقول السؤال ذل وفيه بعض الحرج وما شرع التيمم إلا لدفع الحرج ولكنا نقول ماء الطهارة مبذول عادة بين الناس وليس في سؤال ما يحتاج إليه مذلة فقد «سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض حوائجه من غيره» ا هـ‏.‏ فاندفع بهذا ما وقع في الهداية وشرح الأقطع من الخلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه فعنده لا يلزمه الطلب وعندهما يلزمه واندفع ما في غاية البيان من أن قول الحسن حسن وفي الذخيرة نقلا عن الجصاص أنه لا خلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه فمراده فيما إذا غلب على ظنه منعه تجري الظنة عليه لا يجب الطلب منه ا هـ‏.‏ ولو كان مع رفيقه دلو لم يجب أن يسأله ولو سأله فقال‏:‏ إنتظر حتى أستقي فالمستحب عند أبي حنيفة أن ينتظر بقدر ما لا يفوت الوقت، فإن خاف ذلك تيمم وعندهما ينظر، وإن خاف فوت الوقت وجه قولهما إن الوعد إذا وجد صار قادرا باعتباره؛ لأن الظاهر أنه يفي به وعلى هذا الخلاف العاري إذا وعد له رفيقه الثوب كذا في معراج الدراية وفي فتح القدير والتوشيح لو كان مع رفيقه دلو وليس معه له أن يتيمم قبل أن يسأله عنه وفي المجتبى رأى في صلاته ماء في يد غيره ثم ذهب منه قبل الفراغ فسأله فقال لو سألتني لأعطيتك فلا إعادة عليه، وإن كانت العدة قبل الشروع يعيد لوقوع الشك في صحة الشروع والأصح أنه لا يعيد؛ لأن العدة بعد الذهاب لا تدل على الإعطاء قبله‏.‏ ا هـ‏.‏ وقد قدمنا الفروع المتعلقة بها عن الزيادات وفي التوشيح وأجمعوا أنه إذا قال أبحت لك مالي لتحج به، فإنه لا يجب عليه الحج وأجمعوا أن في الماء إذا وعده صاحبه أن يعطيه لا يتيمم وينتظر، وإن خرج الوقت والفرق بينهما أن القدرة في الأول لا تكون إلا بالملك وفي الثاني بالإباحة وفي المحيط ولو قرب من الماء، وهو لا يعلم به ولم يكن بحضرته من يسأله عنه أجزأه التيمم؛ لأن الجهل بقربه كبعده عنه ولو كان بحضرته من يسأله فلم يسأله حتى تيمم وصلى ثم سأله فأخبره بماء قريب لم تجز صلاته؛ لأنه قادر على استعماله بالسؤال كمن نزل بالعمران ولم يطلب الماء لم يجز تيممه وإن سأله في الابتداء فلم يخبره ثم أخبره بماء قريب جازت صلاته؛ لأنه فعل ما عليه‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن لم يعطه إلا بثمن وله ثمنه لا يتيمم، وإلا تيمم‏)‏ هذه المسألة على ثلاثة أوجه إما إن أعطاه بمثل قيمته في أقرب موضع من المواضع الذي يعز فيه الماء أو بالغبن اليسير أو بالغبن الفاحش ففي الوجه الأول والثاني لا يجزئه التيمم لتحقق القدرة، فإن القدرة على البدل قدرة على الماء كالقدرة على ثمن الرقبة في الكفارة تمنع الصوم وفي الوجه الثالث يجوز له التيمم لوجود الضرر، فإن حرمة مال المسلم كحرمة نفسه والضرر في النفس مسقط فكذا في المال كذا في العناية ونظيره الثوب النجس إذا لم يكن عنده ماء، فإنه يصلي فيه ولا يلزمه قطع الثوب من موضع النجاسة، والمراد بالثمن الفاضل عن حاجته على ما قدمناه واختلفوا في تفسير الغبن الفاحش ففي النوادر هو ضعف القيمة في ذلك المكان وفي رواية الحسن إذا قدر أن يشتري ما يساوي درهما بدرهم ونصف لا يتيمم وقيل ما لا يدخل تحت تقويم المقومين وقيل ما لا يتغابن في مثله؛ لأن الضرر مسقط واقتصر في البدائع والنهاية على ما في النوادر فكان هو الأولى وقد قدمنا أنه إذا كان له مال غائب وأمكنه الشراء بثمن مؤجل وجب عليه الشراء بخلاف ما إذا وجد من يقرضه، فإنه لا يجب عليه؛ لأن الأجل لازم ولا مطالبة قبل حلوله بخلاف القرض قيد بالماء؛ لأن العاري إذا قدر على شراء الثوب‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو أكثره مجروحا تيمم وبعكسه يغسل‏)‏ أي لو كان أكثر أعضاء الوضوء منه مجروحا في الحدث الأصغر أو أكثر جميع بدنه في الحدث الأكبر تيمم، وإذا كان الصحيح أكثر من المجروح يغسل؛ لأن للأكثر حكم الكل ويمسح على الجراحة إن لم يضره، وإلا فعلى الخرقة، وقد اختلف في حد الكثرة منهم من اعتبر من حيث عدد الأعضاء، ومنهم من اعتبر الكثرة في نفس كل عضو، فلو كان برأسه ووجهه ويديه جراحة والرجل لا جراحة بها يتيمم سواء كان الأكثر من أعضاء الجراحة جريحا أو صحيحا والآخرون قالوا إن كان الأكثر من كل عضو من أعضاء الوضوء المذكورة جريحا فهو الكثير الذي يجوز معه التيمم، وإلا فلا كذا في فتح القدير من غير ترجيح، وفي الحقائق المختار اعتبار الكثرة من حيث عدد الأعضاء ولا يخفى أن الخلاف إنما هو في الوضوء، وأما في الغسل فالظاهر أن يكون المراد أكثر البدن صحيحا أو جريحا الأكثرية من حيث المساحة فلو استويا لا رواية فيه واختلف المشايخ منهم من قال يتيمم ولا يستعمل الماء أصلا وقيل يغسل الصحيح ويمسح على الباقي واختار القول الأول في الاختيار وقال إنه أحسن وفي الخلاصة أنه الأصح وفي فتح القدير تبعا للزيلعي أنه الأشبه بالفقه، وهو المذكور في النوادر واختار في المحيط الثاني‏.‏ وقال‏:‏ وهو الأصح وفي فتاوى قاضي خان، وهو الصحيح ولا يخفى أنه أحوط فكان أولى وفي القنية والمبتغى بالغين المعجمة بيده قروح يضره الماء دون سائر جسده يتيمم إذا لم يجد من يغسل وجهه وقيل يتيمم مطلقا ا هـ‏.‏ فهذا يفيد أن قولهم إذا كان الأكثر صحيحا يغسل الصحيح محمول على ما إذا لم يكن باليدين جراحة كما لا يخفى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا يجمع بينهما‏)‏ أي لا يجمع بين التيمم والغسل لما فيه من الجمع بين البدل والمبدل ولا نظير له في الشرع فيكون الحكم للأكثر بخلاف الجمع بين التيمم وسؤر الحمار؛ لأن الفرض يتأدى بأحدهما لا بهما فجمعنا بينهما لمكان الشك وكما لا جمع بين التيمم والغسل لا جمع بين الحيض والاستحاضة ولا بين الحيض والنفاس ولا بين الاستحاضة والنفاس ولا بين الحيض والحبل ولا بين الزكاة والعشر ولا بين العشر والخراج ولا بين الفطرة والزكاة ولا بين الفدية والصوم ولا بين القطع والضمان ولا بين الجلد والنفي ولا بين القصاص والكفارة ولا بين الحد والمهر ولا بين المتعة والمهر وغيرها من المسائل الآتية في مواضعها إن شاء الله تعالى وما وقع في خزانة الفقه لأبي الليث أن عشرة لا تجتمع مع عشرة فليس للحصر كما لا يخفى‏.‏

‏(‏فروع‏)‏

رجل تيمم للجنابة وصلى ثم أحدث ومعه من الماء قدر ما يتوضأ به، فإنه يتوضأ به لصلاة أخرى، فإن توضأ به ولبس خفيه ثم مر بالماء ولم يغتسل حتى صار عادما الماء ثم حضرت الصلاة ومعه من الماء قدر ما يتوضأ به، فإنه يتيمم ولا يتوضأ، فإن تيمم ثم حضرت الصلاة الأخرى وقد سبقه الحدث، فإنه يتوضأ به وينزع خفيه، وإن لم يكن مر بماء قبل ذلك مسح على خفيه وفاقد الطهورين في المصر بأن حبس في مكان نجس ولم يجد مكانا طاهرا ولا ماء طاهرا ولا ترابا طاهرا لا يصلي حتى يجد أحدهما وقال أبو يوسف يصلي بالإيماء تشبها بالمصلين قال بعضهم‏:‏ إنما يصلي بالإيماء على قوله إذا لم يكن الموضع يابسا أما إذا كان يابسا يصلي بركوع وسجود ومحمد في بعض الروايات مع أبي حنيفة وأجمعوا أن الماشي لا يصلي، وهو يمشي والسابح لا يصلي، وهو يسبح ولا السائف، وهو يضرب بالسيف، وإن خاف فوت الوقت، وهذا إذا لم يمكنه أن ينقر الأرض أو الحائط بشيء، فإن أمكنه يستخرج التراب الطاهر ويصلي بالإجماع كذا في الخلاصة وجعل في المبسوط المسائل المجمع عليها مختلفا فيها إذا أحدث الإمام في صلاة الجنازة قال ابن الفضل إن استخلف متوضئا ثم تيمم وصلى خلفه أجزأه في قولهم جميعا وإن تيمم هذا الذي أحدث وأم وأتم جازت صلاة الكل في قول أبي حنيفة وأبي يوسف وعلى قول محمد وزفر صلاة المتوضئين فاسدة وصلاة المتيممين جائزة، وهذه المسألة دليل على أن في صلاة الجنازة يجوز البناء والاستخلاف ويصح فيها اقتداء المتوضئ بالمتيمم كما في غيرها من الصلاة كذا في فتاوى قاضي خان من التيمم وفي الخلاصة من كتاب الصلاة في صحة الاقتداء، وأما اقتداء المتوضئ بالمتيمم في صلاة الجنازة فجائزة بلا خلاف ا هـ‏.‏ وذكر الجلابي في كتاب الصلاة له أن من به وجع في رأسه لا يستطيع معه مسحه يسقط فرض المسح في حقه ا هـ‏.‏ وهذه مسألة مهمة أحببت ذكرها لغرابتها وعدم وجودها في غالب الكتب وقد أفتى بها الشيخ سراج الدين قارئ الهداية أستاذ المحقق كمال الدين بن الهمام، وبه اندفع ما كان قد توهم قبل الوقوف على هذا النقل أنه يتيمم لعجزه عن استعمال الماء، وليس بعد النقل إلا الرجوع إليه ولعل الوجه فيه أن يجعل عادما لذلك العضو حكما فتسقط وظيفته كما في المعدوم حقيقة بخلاف ما إذا كان ببعض الأعضاء المغسولة جراحة، فإنه يغسل الصحيح ويمسح على الجريح؛ لأن المسح عليه كالغسل لما تحته؛ ولأن التيمم مسح فلا يكون بدلا عن مسح، وإنما هو بدل عن غسل والرأس ممسوح؛ ولهذا لم يكن التيمم في الرأس وسيأتي في آخر باب المسح على الخفين لهذا زيادة تحقيق إن شاء الله تعالى وفي القنية مسافران انتهيا إلى ماء فزعم أحدهما نجاسته فتيمم وزعم الآخر طهارته فتوضأ ثم جاء متوضئ بماء مطلق وأمهما ثم سبقه الحدث في صلاته فذهب قبل الاستخلاف وأتم كل واحد منهما صلاة نفسه، ولم يقتد بصاحبه جاز؛ لأنه يعتقد أن صاحبه محدث، وبه أفتى أئمة بلخ، وهو حسن‏.‏ ا هـ‏.‏