فصل: كتاب الصلاة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


كتاب الصلاة

هي لغة الدعاء وشرعا الأفعال المخصوصة من القيام والقراءة والركوع والسجود وقول الشارح وفيها زيادة مع بقاء معنى اللغة فيكون تغييرا لا نقلا فيه نظر إذ الدعاء ليس من حقيقتها شرعا وإن أريد به القراءة فبعيد فالظاهر أنها منقولة كما في الغاية لا لما علل به من وجودها بدون الدعاء في الأمي بل لما ذكرناه وسيأتي بيان أركانها وشرائطها وواجباتها وحكمها سقوط الواجب عن ذمته بالأداء في الدنيا ونيل الثواب الموعود في الآخرة إن كان واجبا وإلا فالثاني وسببها أوقاتها عند الفقهاء وعند الأصوليين هي علامات وليست بأسباب والفرق بينهما أن السبب هو المفضي إلى الحكم بلا تأثير والعلامة هي الدال على الحكم من غير توقف ولا إفضاء ولا تأثير فهو علامة على الوجوب والعلة في الحقيقة النعم المترادفة في الوقت وهو شرط صحة متعلقة بالضرورة كما يفيده كونه ظرفا ثم عامة مشايخنا على أن السبب هو الجزء الأول إن اتصل به الأداء وإن لم يتصل به انتقلت كذلك إلى ما يتصل به وإلا فالسبب الجزء الأخير وبعد خروجه يضاف إلى جملته وتمامه في كتابنا المسمى بلب الأصول وفي شرح النقاية وكان فرض الصلوات الخمس ليلة المعراج وهي ليلة السبت لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا من مكة إلى السماء وكانت الصلاة قبل الإسراء صلاتين‏:‏ صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار‏}‏ ثم بدأ بالأوقات لتقدم السبب على المسبب والشرط وإن كان كذلك لكن السبب أشرف منه ولكونه شرطا أيضا وقدم الفجر؛ لأنه أول النهار أو؛ لأنه لا خلاف في أوله ولا آخره أو لأن أول من صلاها آدم عليه السلام حين أهبط من الجنة، وإنما قدم الظهر في الجامع الصغير؛ لأنها أول صلاة فرضت على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أمته، كذا في غاية البيان وبهذا اندفع السؤال المشهور كيف ترك النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر صبيحة ليلة الإسراء التي افترض فيها الصلوات الخمس، وفي الغاية إن صلاة الفجر أول الخمس في الوجوب؛ لأن الفجر صبيحة ليلة الإسراء فيحتاج إلى الجواب عن الفجر وأجاب عنه العراقي أنه كان نائما وقت الصبح والنائم غير مكلف‏.‏

أوقات الصلاة

‏(‏قوله‏:‏ وقت الفجر من الصبح الصادق إلى طلوع الشمس‏)‏ لحديث أمامة «أتاني جبريل عند البيت مرتين فصلى بي الظهر في الأولى منهما حين كان الفيء مثل الشراك، ثم صلى العصر حين كان كل شيء مثل ظله، ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس وأفطر الصائم، ثم صلى العشاء حين غاب الشفق، ثم صلى الفجر حين بزق الفجر وحرم الطعام على الصائم وصلى المرة الثانية الظهر حين كان ظل كل شيء مثله كوقت العصر بالأمس، ثم صلى العصر حين كان ظل كل شيء مثليه، ثم صلى المغرب لوقته الأول، ثم صلى العشاء الأخيرة حين ذهب ثلث الليل، ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض، ثم التفت جبريل فقال يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك» والوقت فيما بين هذين الوقتين وبزق أي بزغ وهو أول طلوعه وقيد بالصادق احترازا عن الكاذب فإنه من الليل وهو المستطيل الذي يبدو كذنب الذئب، ثم يعقبه الظلام والأول المستطير وهو الذي ينتشر ضوءه في الأفق وهي أطراف السماء وفي السراج الوهاج آخره قبيل طلوع الشمس وفي المجتبى واختلف المشايخ في أن العبرة لأول طلوعه أو لاستطارته أو لانتشاره‏.‏ ا هـ‏.‏ والظاهر الأخير لتعريفهم الصادق به قال في النهاية الصادق هو البياض المنتشر في الأفق‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والظهر من الزوال إلى بلوغ الظل مثليه سوى الفيء‏)‏ أي وقت الظهر، أما أوله فمجمع عليه لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أقم الصلاة لدلوك الشمس‏}‏ أي لزوالها وقيل لغروبها واللام للتأقيت ذكره البيضاوي، وأما آخره ففيه روايتان عن أبي حنيفة الأولى رواها محمد عنه ما في الكتاب والثانية رواية الحسن إذا صار ظل كل شيء مثله سوى الفيء وهو قولهما والأولى قول أبي حنيفة قال في البدائع إنها المذكورة في الأصل وهو الصحيح وفي النهاية إنها ظاهر الرواية عن أبي حنيفة وفي غاية البيان وبها أخذ أبو حنيفة وهو المشهور عنه وفي المحيط والصحيح قول أبي حنيفة وفي الينابيع وهو الصحيح عن أبي حنيفة وفي تصحيح القدوري للعلامة قاسم أن برهان الشريعة المحبوبي اختاره وعول عليه النسفي ووافقه صدر الشريعة ورجح دليله وفي الغياثية وهو المختار وفي شرح المجمع للمصنف أنه مذهب أبي حنيفة واختاره أصحاب المتون وارتضاه الشارحون فثبت أنه مذهب أبي حنيفة فقول الطحاوي وبقولهما نأخذ لا يدل على أنه المذهب مع ما ذكرناه وما ذكره الكركي في الفيض من أنه يفتى بقولهما في العصر والعشاء مسلم في العشاء فقط على ما فيه أيضا كما سنذكره لهما إمامة جبريل في اليوم الأول في هذا الوقت وله قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم» وأشد الحر في ديارهم كان في هذا الوقت وإذا تعارضت الآثار لا ينقضي الوقت بالشك وذكر شيخ الإسلام أن الاحتياط أن لا يؤخر الظهر إلى المثل وأن لا يصلي العصر حتى يبلغ المثلين ليكون مؤديا للصلاتين في وقتهما بالإجماع، كذا في السراج وفي المغرب الفيء بوزن الشيء ما نسخ الشمس وذلك بالعشي والجمع أفياء وفيوء والظل ما نسخته الشمس وذلك بالغداة وفي السراج الوهاج والفيء في اللغة اسم للظل بعد الزوال سمي فيئا؛ لأنه فاء من جهة المغرب إلى جهة المشرق أي رجع وبه اندفع ما قيل أن الفيء هو الظل الذي يكون للأشياء وقت الزوال وفي معرفة الزوال روايات أصحها أن يغرز خشبة مستوية في أرض مستوية ويجعل عند منتهى ظلها علامة، فإن كان الظل ينقص عن العلامة فالشمس لم تزل وإن كان الظل يطول ويجاوز الخط علم أنها زالت وإن امتنع الظل من القصر والطول فهو وقت الزوال، كذا في الظهيرية وفي المجتبى، فإن لم يجد ما يغرزه لمعرفة الفيء والأمثال فليعتبره بقامته وقامة كل إنسان ستة أقدام ونصف بقدمه، وقال الطحاوي وعامة المشايخ سبعة أقدام ويمكن الجمع بينهما بأن يعتبر سبعة أقدام من طرف سمت الساق وستة ونصف من طرف الإبهام واعلم أن لكل شيء ظلا وقت الزوال إلا بمكة والمدينة في أطول أيام السنة؛ لأن الشمس فيها تأخذ الحيطان الأربعة، كذا في المبسوط‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والعصر منه إلى الغروب‏)‏ أي وقت العصر من بلوغ الظل مثليه سوى الفيء إلى غروب الشمس والخلاف في آخر وقت الظهر جار في أول وقت العصر وفي آخره خلاف أيضا فإن الحسن بن زياد يقول إذا اصفرت الشمس خرج وقت العصر ولنا رواية الصحيحين «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر»‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والمغرب منه إلى غروب الشفق‏)‏ أي وقت المغرب من غروب الشمس إلى غروب الشفق لرواية مسلم‏:‏ «وقت صلاة المغرب ما لم يسقط نور الشفق» وضبطه الشمني بالثاء المثلثة المفتوحة وهو ثوران حمرته‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وهو البياض‏)‏ أي الشفق هو البياض عند الإمام وهو مذهب أبي بكر الصديق وعمر ومعاذ وعائشة رضي الله عنهم وعندهما وهو رواية عنه هو الحمرة وهو قول ابن عباس وابن عمر وصرح في المجمع بأن عليها الفتوى ورده المحقق في فتح القدير بأنه لا يساعده رواية ولا دراية، أما الأول فلأنه خلاف الرواية الظاهرة عنه، وأما الثاني فلما في حديث ابن فضيل «وإن أخر وقتها حين يغيب الأفق» وغيبوبته بسقوط البياض الذي يعقب الحمرة وإلا كان باديا ويجيء ما تقدم يعني إذا تعارضت الأخبار لم ينقض الوقت بالشك ورجحه أيضا تلميذه قاسم في تصحيح القدوري وقال في آخره فثبت أن قول الإمام هو الأصح‏.‏ ا هـ‏.‏ وبهذا ظهر أنه لا يفتى ويعمل إلا بقول الإمام الأعظم ولا يعدل عنه إلى قولهما أو قول أحدهما أو غيرهما إلا لضرورة من ضعف دليل أو تعامل بخلافه كالمزارعة وإن صرح المشايخ بأن الفتوى على قولهما كما في هذه المسألة وفي السراج الوهاج فقولهما أوسع للناس وقول أبي حنيفة أحوط‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والعشاء والوتر منه إلى الصبح‏)‏ أي وقتهما من غروب الشفق على الخلاف فيه وكون وقتهما واحدا مذهب الإمام وعندهما وقت الوتر بعد صلاة العشاء له حديث أبي داود‏:‏ «إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم وهي الوتر فجعلها لكم فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر» ولهما ما في بعض طرقه فجعلها لكم فيما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر والخلاف فيه مبني على أنه فرض أو سنة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا يقدم على العشاء للترتيب‏)‏ أي لا يقدم الوتر على العشاء لوجوب الترتيب بين العشاء والوتر ولأنهما فرضان عند الإمام وإن كان أحدهما اعتقادا والآخر عملا فأفاد أنه عند التذكر حتى لو قدم الوتر ناسيا فإنه يجوز وعندهما يعيده وعند النسيان أيضا؛ لأنه سنة العشاء تبعا لها فلا يثبت حكمه قبلها كالركعتين بعد العشاء وقول الشارح وعندهما لا يجوز فيه نظر؛ لأنه سنة عندهما يجوز تركه أصلا وأشار إلى أن الترتيب بينه وبين غيره واجب عنده كما سيصرح به في باب الفوائت وعندهما ليس بواجب لسنيته وفي النهاية، ثم أنهما يوافقان أبا حنيفة في وجوب القضاء فلو كانت سنة لما وجب القضاء كما في سائر السنن ومراده من الوجوب الثبوت لا المصطلح عليه؛ لأن أداءه عندهما سنة فلا يكون القضاء واجبا عندهما وإلا فهو مشكل‏.‏ والله سبحانه أعلم‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومن لم يجد وقتهما لم يجبا‏)‏ أي العشاء والوتر كما لو كان في بلد يطلع فيه الفجر قبل أن يغيب الشفق كبلغار وفي أقصر ليالي السنة فيما حكاه معجم صاحب البلدان لعدم السبب وأفتى به البقالي كما يسقط غسل اليدين من الوضوء عن مقطوعهما من المرفقين، وأفتى بعضهم بوجوبها واختاره المحقق في فتح القدير بثبوت الفرق بين عدم محل الفرض وبين سببه الجعلي الذي جعل علامة على الوجوب الخفي الثابت في نفس الأمر وجواز تعدد المعرفات للشيء فانتفاء الوقت انتفاء المعرف وانتفاء الدليل على الشيء لا يستلزم انتفاءه لجواز دليل آخر وهو ما تواطأت عليه أخبار الإسراء من فرض الله الصلاة خمسا إلى آخره والصحيح أنه لا ينوي القضاء لفقد وقت الأداء ومن أفتى بوجوب العشاء يجب على قوله الوتر أيضا‏.‏

استحباب تأخير الفجر

‏(‏قوله‏:‏ وندب تأخير الفجر‏)‏ لما رواه أصحاب السنن الأربعة وصححه الترمذي‏:‏ «أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر» وحمله على تبين طلوعه يأباه ما في صحيح ابن حبان‏:‏ «كلما أصبحتم بالصبح فهو أعظم للأجر» أطلقه فشمل الابتداء والانتهاء فيستحب البداءة بالإسفار والختم به خلافا للطحاوي فإنه نقل عن الأصحاب استحباب البداءة بالغلس والختم بالإسفار والأول ظاهر الرواية كما في العناية وقالوا يسفر بها بحيث لو ظهر فساد صلاته يمكنه أن يعيدها في الوقت بقراءة مستحبة وقيل يؤخرها جدا؛ لأن الفساد موهوم فلا يترك المستحب لأجله، وهو ظاهر إطلاق الكتاب لكن لا يؤخرها بحيث يقع الشك في طلوع الشمس وفي السراج الوهاج حد الإسفار أن يصلي في النصف الثاني ولا يخفى أن الحاج بمزدلفة لا يؤخرها وفي المبتغى بالغين المعجمة الأفضل للمرأة في الفجر الغلس وفي غيرها الانتظار إلى فراغ الرجال عن الجماعة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وظهر الصيف‏)‏ أي ندب تأخيره لرواية البخاري‏:‏ «كان إذا اشتد البرد بكر بالصلاة وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة» والمراد الظهر؛ لأنه جواب السؤال عنها وحده أن يصلي قبل المثل أطلقه فأفاد أنه لا فرق بين أن يصلي بجماعة أو لا وبين أن يكون في بلاد حارة أو لا وبين أن يكون في شدة الحر أو لا ولهذا قال في المجمع ونفضل الإبراد بالظهر مطلقا فما في السراج الوهاج من أنه إنما يستحب الإبراد بثلاثة شروط ففيه نظر بل هو مذهب الشافعي على ما قيل والجمعة كالظهر أصلا واستحبابا في الزمانين كذا ذكره الإسبيجابي‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والعصر ما لم تتغير‏)‏ أي ندب تأخيره ما لم تتغير الشمس لرواية أبي داود‏:‏ «كان يؤخر العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية» أطلقه فشمل الصيف والشتاء لما في ذلك من تكثير النوافل لكراهتها بعد العصر وأراد بالتغير أن تكون الشمس بحال لا تحار فيها العيون على الصحيح فإن تأخيرها إليه مكروه لا الفعل؛ لأنه مأمور بها منهي عن تركها فلا يكون الفعل مكروها، كذا في السراج ولو شرع فيه قبل التغير فمده إليه لا يكره؛ لأن الاحتراز عن الكراهة مع الإقبال على الصلاة متعذر فجعل عفوا، كذا في غاية البيان وحكم الآذان حكم الصلاة في الاستحباب تعجيلا وتأخيرا صيفا وشتاء كما سنذكره في بابه إن شاء الله تعالى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والعشاء إلى الثلث‏)‏ أي ندب تأخيرها إلى ثلث الليل لما رواه الترمذي وصححه «لولا أن أشق على أمتي لأخرت العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه» وفي مختصر القدوري إلى ما قبل الثلث لرواية البخاري‏:‏ «كانوا يصلون العتمة فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل» ومقتضاه أنه لا يستحب تأخيرها إلى الثلث بخلاف الأول ووفق بينهما في شرح المجمع لابن الملك بحمل الأول على الشتاء والثاني على الصيف لغلبة النوم‏.‏ ا هـ‏.‏ وأطلقه فشمل الصيف والشتاء وقيل يستحب تعجيل العشاء في الصيف لئلا تتقلل الجماعة وأفاد أن التأخير إلى نصف الليل ليس بمستحب وقالوا إنه مباح وإلى ما بعده مكروه وقيل إلى ما بعد الثلث مكروه وروى الإمام أحمد وغيره أنه عليه الصلاة والسلام‏:‏ «كان يستحب أن يؤخر العشاء وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها» وقيد الطحاوي كراهة النوم قبلها بمن خشي عليه فوت وقتها أو فوت الجماعة فيها وإلا فلا وقيد الشارح كراهة الحديث بعدها بغير الحاجة، أما لها فلا وكذا قراءة القرآن والذكر وحكايات الصالحين ومذاكرة الفقه والحديث مع الضيف وفي الظهيرية ويكره الكلام بعد انفجار الصبح وإذا صلى الفجر جاز له الكلام، وفي القنية تأخير العشاء إلى ما زاد على نصف الليل والعصر إلى وقت اصفرار الشمس والمغرب إلى اشتباك النجوم يكره كراهة تحريم‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والوتر إلى آخر الليل لمن يثق بالانتباه‏)‏ أي وندب تأخيره لرواية الصحيحين «اجعلوا آخر صلاتكم وترا» والأمر للندب لرواية الترمذي‏:‏ «من خشي منكم أن لا يستيقظ من آخر الليل فليوتر أوله ومن طمع منكم أن يوتر في آخر الليل فليوتر من آخر الليل فإن قراءة القرآن في آخر الليل محضورة» وهي أفضل وهو دليل مفهوم قوله لمن يثق به وإذا أوتر قبل النوم، ثم استيقظ وصلى ما كتب له لا كراهة فيه ولا يعيد الوتر ولزمه ترك الأفضل المفاد بحديث الصحيحين‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وتعجيل ظهر الشتاء‏)‏ أي وندب تعجيل ظهر الشتاء لما روينا في ظهر الصيف وفي الخلاصة من أخر الإيمان إن كان عندهم حساب يعرفون به الشتاء والصيف فهو على حسابهم وإن لم يكن فالشتاء ما اشتد فيه البرد على الدوام والصيف ما يشتد فيه الحر على الدوام، فعلى قياس هذا الربيع ما ينكسر فيه البرد على الدوام والخريف ما ينكسر فيه الحر على الدوام ومن مشايخنا من قال الشتاء ما يحتاج الناس فيه إلى شيئين إلى الوقود ولبس الحشو والصيف ما يستغنى فيه عنهما والربيع والخريف ما يستغنى عن أحدهما‏.‏ ا هـ‏.‏ ولم أر من تكلم على حكم صلاة الظهر في الربيع والخريف والذي يظهر أن الربيع ملحق بالشتاء في هذا الحكم والخريف ملحق بالصيف فيه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والمغرب‏)‏ أي وندب تعجيلها لحديث الصحيحين‏:‏ «كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب‏}‏ ويكره تأخيرها إلى اشتباك النجوم لرواية أحمد «لا تزال أمتي بخير ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم» ذكره الشارح وفيه بحث إذ مقتضاه الندب لا الكراهة لجواز الإباحة وفي المبتغى بالمعجمة ويكره تأخير المغرب في رواية وفي أخرى لا ما لم يغب الشفق الأصح هو الأول إلا من عذر كالسفر ونحوه أو يكون قليلا وفي الكراهة بتطويل القراءة خلاف‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الأسرار تعجيل الصلاة أداؤها في النصف الأول من وقتها وفي فتح القدير تعجيلها هو أن لا يفصل بين الأذان والإقامة إلا بجلسة خفيفة أو سكتة على الخلاف الذي سيأتي وتأخيرها لصلاة ركعتين مكروهة وما روى الأصحاب عن ابن عمر أنه أخرها حتى بدا نجم فأعتق رقبة يقتضي أن ذلك القليل الذي لا يتعلق به كراهة هو ما قبل ظهور النجم، وفي المنية لا يكره للسفر وللمائدة أو كان يوم غيم وذكر الإسبيجابي إذا جيء بجنازة بعد الغروب بدءوا بالمغرب، ثم بها، ثم بسنة المغرب‏.‏ ا هـ‏.‏ وقد تقدم أن كراهة تأخيرها تحريمية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وما فيها عين يوم غين‏)‏ أي وندب تعجيل كل صلاة في أولها عين يوم الغيم وهي العصر والعشاء؛ لأن في تأخير العصر احتمال وقوعها في الوقت المكروه وفي تأخير العشاء تقليل الجماعة على احتمال المطر والطين الغين لغة في الغيم وهو السحاب، كذا في الصحاح وليس فيه وهم الوقوع قبل الوقت؛ لأن الظهر قد أخر في هذا اليوم وكذا المغرب وبهذا اندفع ما رجح به في غاية البيان رواية الحسن أن التأخير أفضل في سائر الصلوات يوم الغيم بأنه أقرب إلى الاحتياط لجواز الأداء بعد الوقت لا قبله‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويؤخر غيره فيه‏)‏ أي ويؤخر غير ما في أوله عين يوم غين وهي الفجر والظهر والمغرب؛ لأن الفجر والظهر لا كراهة في وقتهما فلا يضر التأخير والمغرب يخاف وقوعها قبل الغروب لشدة الالتباس‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومنع عن الصلاة وسجدة التلاوة وصلاة الجنازة عند الطلوع والاستواء والغروب إلا عصر يومه‏)‏ لما روى الجماعة إلا البخاري من حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال‏:‏ «ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل وحين تضيف للغروب حتى تغرب» ومعنى تضيف تميل وهو بالمثناة الفوقية المفتوحة فالضاد المعجمة المفتوحة فالمثناة التحتية المشددة وأصله تتضيف حذف منه إحدى التاءين والمراد بقوله وأن نقبر صلاة الجنازة كناية؛ لأنها ذكر الرديف وإرادة المردوف إذ الدفن غير مكروه خلافا لأبي داود لما رواه ابن دقيق العيد في الإمام عن عقبة قال «نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي على موتانا عند طلوع الشمس» أطلق الصلاة فشمل فرضها ونفلها؛ لأن الكل ممنوع فإن المكروه من قبيل الممنوع؛ لأنها تحريمية لما عرف من أن النهي الظني الثبوت غير المصروف عن مقتضاه يفيد كراهة التحريم وإن كان قطعيه أفاد التحريم فالتحريم في مقابلة الفرض في الرتبة وكراهة التحريم في رتبة الواجب والتنزيه في رتبة المندوب والنهي في حديث عقبة من الأول فكان الثابت به كراهة التحريم، فإن كانت الصلاة فرضا أو واجبة فهي غير صحيحة؛ لأنها لنقصان في الوقت بسبب الأداء فيه تشبيها بعبادة الكفار المستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إن الشمس تطلع بين قرني شيطان إذا ارتفعت فارقها، ثم إذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها فإذا دنت للغروب قارنها وإذا غربت فارقها ونهى عن الصلاة في تلك الساعات» رواه مالك في الموطإ وهذا هو المراد بنقصان الوقت وإلا فالوقت لا نقص فيه نفسه بل هو وقت كسائر الأوقات إنما النقص في الأركان فلا يتأدى بها ما وجب كاملا فخرج الجواب عما قيل لو ترك بعض الواجبات صحت الصلاة مع أنها ناقصة يتأدى بها الكامل؛ لأن ترك الواجب لا يدخل النقص في الأركان التي هي المقومة للحقيقة بخلاف فعل الأركان في هذه الأوقات، وإنما جاز القضاء في أرض الغير وإن كان النهي ثم لمعنى في غيره أيضا؛ لأن النهي ثم ورد للمكان وهنا للزمان واتصال الفعل بالزمان أكثر؛ لأنه داخل في ماهيته ولهذا فسد صوم يوم النحر وإن ورد النهي فيه لمعنى في غيره؛ لأن النهي فيه باعتبار الوقت والصوم يقوم به ويطول بطوله ويقصر بقصره؛ لأنه معياره فازداد الأثر فصار فاسدا وإن كانت الصلاة نفلا فهي صحيحة مكروهة حتى وجب قضاؤه إذا قطعه ويجب قطعه وقضاؤه في غير مكروه في ظاهر الرواية، ولو أتمه خرج عن عهدة ما لزمه بذلك الشروع وفي المبسوط القطع أفضل والأول هو مقتضى الدليل والوتر داخل في الفرض؛ لأنه فرض عملي أو في الواجب فلا يصح في هذه الأوقات كما في الكافي والمنذور المطلق الذي لم يقيد بوقت الكراهة داخل فيه أيضا كما صرح به الإسبيجابي والنفل إذا شرع فيه في وقت مستحب، ثم أفسده داخل فيه أيضا فلا يصح في هذه الأوقات كما في المحيط بخلاف ما لو قضى في وقت مكروه ما قطعه من النفل المشروع فيه في وقت مكروه وحيث يخرجه عن العهدة وإن كان آثما؛ لأن وجوبه ضرورة صيانة المؤدي عن البطلان ليس غير والصون عن البطلان يحصل مع النقصان كما لو نذر أن يصلي في الوقت المكروه فأدى فيه يصح ويأثم ويجب أن يصلي في غيره وقول الشارح فيهما والأفضل أن يصلي في غيره ضعيف كما قدمناه، ويدخل في الواجب ركعتا الطواف فلا تصح في هذه الأوقات الثلاثة اعتبرت واجبة في حق هذا الحكم ونفلا في كراهتها بعد صلاة الفجر والعصر احتياطا فيهما وعبارة الكتاب أولى من عبارة أصله الوافي حيث قال لا تصح صلاة إلى آخره لما علمت أن عدم الصحة إنما هن من الفرائض والواجبات لا في النوافل بخلاف المنع فإنه يعم الكل وأراد بسجدة التلاوة وصلاة الجنازة ما وجبت قبل هذه الأوقات، أما إذا تلاها فيها أو حضرت الجنازة فيها فأداها فإنه يصبح من غير كراهة إذ الوجوب بالتلاوة والحضور لكن الأفضل التأخير فيهما وفي التحفة الأفضل أن يصلي على الجنازة إذا حضرت في الأوقات الثلاثة ولا يؤخرها بخلاف الفرائض وظاهر التسوية بين صلاة الجنازة وسجدة التلاوة أنه لو حضرت الجنازة في غير مكروه فأخرها حتى صلى في الوقت المكروه فإنها لا تصح وتجب إعادتها كسجود التلاوة وذكر الإسبيجابي لو صلى صلاة الجنازة فإنه يجوز مع الكراهة ولا يعيد ولو سجد سجدة التلاوة ينظر إن قرأها في هذا الوقت تجوز مع الكراهة وتسقط عن ذمته وإن قرأها قبل ذلك، ثم سجدها في هذا الوقت لا يجوز ويعيد‏.‏ ا هـ‏.‏ وسجدة السهو كسجدة التلاوة، كذا في المحيط حتى لو دخل وقت الكراهة بعد السلام وعليه سهو فإنه لا يسجد لسهوه وسقط عنه؛ لأنه لجبر النقصان المتمكن في الصلاة فجرى ذلك مجرى القضاء، وقد وجب ذلك كاملا فلا يتأدى بالناقص، كذا في شرح المنية وذكر في الأصل ما لم ترتفع الشمس قدر رمح فهي في حكم الطلوع واختار الفضلي أن الإنسان ما دام يقدر على النظر إلى قرص الشمس في الطلوع فلا تحل الصلاة فإذا عجز عن النظر حلت وهو مناسب لتفسير التغير المصحح كما قدمناه وأراد بالغروب التغير كما صرح به قاضي خان في فتاويه حيث قال وعند احمرار الشمس إلى أن تغيب والشافعي رحمه الله أخرج من النهي في حديث عقبة الفوائت عملا بقوله عليه السلام‏:‏ «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها» متفق عليه والجواب عنه أن كونه مخصصا لعموم النهي متوقف على المقارنة فلما لم تثبت فهو معارض في بعض الأفراد فيقدم حديث عقبة؛ لأنه محرم ولو تنزلنا إلى طريقهم في كون الخاص مخصصا كيفما كان فهو خاص في الصلاة عام في الأوقات، فإن وجب تخصيص عموم الصلاة في حديث عقبة وجب تخصيص حديث عقبة عموم الوقت؛ لأنه خاص في الوقت وتخصيص عموم الوقت هو إخراجه الأوقات الثلاثة من عموم وقت التذكر في حق الصلاة الفائتة كما أن تخصيص الآخر هو إخراج الفوائت من عموم منع الصلاة في الأوقات الثلاثة وحينئذ فيتعارضان في الفائتة في الأوقات المكروهة إذ تخصيص حديث عقبة يقتضي إخراجها عن الحل في الثلاثة وتخصيص حديث التذكر للفائتة من عموم الصلاة يقتضي حلها فيها، ويكون إخراج حديث عقبة أولى؛ لأنه محرم وأخرج أيضا النوافل بمكة لعموم قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار» وجوابه أنه عام في الصلاة والوقت فيتعارض عمومهما في الصلاة ويقدم حديث عقبة لما قلنا وكذا يتعارضان في الوقت إذ الخاص يعارض العام عندنا وعلى أصولهم يجب أن يخص منه حديث عقبة في الأوقات الثلاثة؛ لأنه خاص فيها وأخرج أبو يوسف منه النفل يوم الجمعة وقت الزوال لما رواه الشافعي في مسنده‏:‏ «نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة» وجوابه أن الاستثناء عندنا تكلم بالباقي فيكون حاصله نهيا مقيدا بكونه بغير يوم الجمعة فيقدم عليه حديث عقبة المعارض له فيه؛ لأنه محرم وبحث فيه المحقق ابن الهمام بأنه يحمل المطلق على المقيد لاتحادهما حكما وحادثة ولم يجب عنه فظاهره ترجيح قول أبي يوسف فلذا قال في الحاوي وعليه الفتوى كما عزاه له ابن أمير حاج في شرح المنية وفي العناية إن حديث أبي يوسف منقطع أو معناه ولا يوم الجمعة واستثنى المصنف من المنع عصر يومه فأفاد أنه لا يكره أداؤه وقت التغير، وقد قدمنا أن المكروه إنما هو تأخيره لا أداؤه لأنه أداه كما وجب؛ لأن سبب الوجوب آخر الوقت إن لم يؤد قبله وإلا فالجزء المتصل بالأداء وإلا فجميع الوقت وعلل المصنف في كافيه بأنه لا يستقيم إثبات الكراهة للشيء؛ لأنه مأمور به وقيل الأداء مكروه أيضا‏.‏ ا هـ‏.‏ وعلى هذا مشى في شرح الطحاوي والتحفة والبدائع والحاوي وغيرها على أنه المذهب من غير حكاية خلاف وهو الأوجه للحديث السابق الثابت في صحيح مسلم وغيره وقيد بعصر يومه؛ لأن عصر أمسه لا يجوز وقت التغير؛ لأن الأجزاء الصحيحة أكثر فيجب القضاء كاملا ترجيحا للأكثر الصحيح على الأقل الفاسد وأورد عليه أن من بلغ أو أسلم في الجزء الناقص لا يصح منه في ناقص غيره مع تعذر الإضافة في حقه إلى الكل لعدم الأهلية وأجيب بأن لا رواية فيها فتلتزم الصحة والصحيح أن النقص لازم الأداء في ذلك الجزء، وأما الجزء فلا نقص فيه، غير أن تحمل ذلك النقص لو أدى فيه العصر ضرورة؛ لأنه مأمور بالأداء فيه فإذا لم يؤد لم يوجد النقص الضروري وهو في نفسه كامل فيثبت في ذمته كذلك فلا يخرج عن عهدته إلا بالكامل وبهذا اندفع ما ذكره السراج الهندي في شرح المغني من أن السبب لما كان ناقصا في الأصل كان ما ثبت في الذمة ناقصا أيضا فعند مضي الوقت لا يتصف بالكمال لما علمت أنه لا نقص في الوقت أصلا، وأشار إلى أن فجر يومه يبطل بالطلوع والفرق بينهما أن السبب في العصر آخر الوقت وهو وقت التغير وهو ناقص فإذا أداها فيه أداها كما وجبت ووقت الفجر كله كامل فوجبت كاملة فتبطل بطرو الطلوع الذي هو وقت فساد لعدم الملاءمة بينهما، فإن قيل روى الجماعة عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها ومن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح» أجيب بأن التعارض لما وقع بين هذا الحديث وبين النهي عن الصلاة في الأوقات الثلاثة في الفجر رجعنا إلى القياس كما هو حكم التعارض فرجحنا حكم هذا الحديث في صلاة العصر وحكم النهي في صلاة الفجر، كذا في شرح النقاية وظاهره أن ترجيح المحرم على المبيح إنما هو عند عدم القياس أما عنده فالترجيح له، وفي القنية كسالى العوام إذا صلوا الفجر وقت الطلوع لا ينكر عليهم؛ لأنهم لو منعوا يتركونها أصلا ظاهرا ولو صلوها تجوز عند أصحاب الحديث والأداء الجائز عند البعض أولى من الترك أصلا وفي البغية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الأوقات التي تكره فيها الصلاة والدعاء والتسبيح أفضل من قراءة القرآن‏.‏ ا هـ‏.‏ ولعله؛ لأن القراءة ركن الصلاة وهي مكروهة فالأولى ترك ما كان ركنا لها والتعبير بالاستواء أولى من التعبير بوقت الزوال؛ لأن وقت الزوال لا تكره فيه الصلاة إجماعا، كذا في شرح منية المصلي‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وعن التنفل بعد صلاة الفجر والعصر لا عن قضاء فائتة وسجدة تلاوة وصلاة جنازة‏)‏ أي منع عن التنفل في هذين الوقتين قصدا لا عن غيره لرواية الصحيحين «لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس» وهو بعمومه متناول للفرائض فأخرجوها منه بالمعنى وهو أن الكراهة كانت لحق الفرض ليصير الوقت كالمشغول به لا بمعنى في الوقت فلم يظهر في حق الفرائض، وقد بحث فيه المحقق ابن الهمام بأن هذا الاعتبار لا دليل عليه، ثم النظر إليه يستلزم نقيض قولهم العبرة في المنصوص عليه لعين النص لا لمعنى النص؛ لأنه يستلزم معارضة النص بالمعنى والنظر إلى النصوص يفيد منع القضاء تقديما للنهي العام على حديث التذكر نعم يمكن إخراج صلاة الجنازة وسجدة التلاوة بأنهما ليسا بصلاة مطلقة ويكفي في إخراج القضاء من الفساد العلم بأن النهي ليس بمعنى في الوقت وذلك هو الموجب للفساد، وأما من الكراهة ففيه ما سبق‏.‏ ا هـ‏.‏ والحاصل أن الدليل يقتضي ثبوت الكراهة في كل صلاة وتخصيصه بلا مخصص شرعي لا يجوز أطلق في الفائتة فشملت الوتر؛ لأنه واجب على قوله، وأما على قولهما فهو سنة فينبغي أن لا يقضي بعد طلوع الفجر لكراهة التنفل فيه لكن في القنية الوتر يقضى بعد طلوع الفجر بالإجماع بخلاف سائر السنن‏.‏ ا هـ‏.‏ ولا يخفى ما فيه واقتصر على الثلاثة ليفيد أن بقية الواجبات من الصلاة داخل في النفل فيكره فيهما كالمنذور خلافا لأبي يوسف وما شرع فيه من النفل، ثم أفسده وركعتي الطواف؛ لأن ما التزمه بالنذر نفل؛ لأن النذر سبب موضوع لالتزامه بخلاف سجود التلاوة؛ لأنها ليست بنفل؛ لأن التنفل بالسجدة غير مشروع فيكون واجبا بإيجاب الله تعالى ولأنه تعلق وجوب النذر بسبب من جهته وسجدة التلاوة بإيجابه تعالى وإن كانت التلاوة فعله كجمع المال فعله ووجوب الزكاة بإيجاب الشرع وفي فتح القدير، وقد يقال‏:‏ وجوب السجدة في التحقيق متعلق بالسماع لا بالاستماع ولا التلاوة وذلك ليس فعلا من المكلف بل وصف خلقي فيه بخلاف النذر والطواف والشروع فعله ولولاه لكانت الصلاة نفلا‏.‏ ا هـ‏.‏ وهو قاصر على السامع للتلاوة؛ لأن السبب في حقه السماع على خلاف فيه، وأما التالي فاتفقوا على أن السبب في حقه إنما هو التلاوة ولا السماع وأطلق في التنفل فشمل ما له سبب وما ليس له فتكره تحية المسجد فيهما للعموم وهو مقدم على عموم قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من دخل المسجد فليركع ركعتين»؛ لأنه مبيح وذلك حاظر وأشار إلى أنه لو شرع في النفل في وقت مستحب، ثم أفسده، ثم قضاه فيهما فإنه لا يسقط عن ذمته كما في المحيط وإلى أنه لو أفسد منه الفجر، ثم قضاها بعد صلاة الفجر فإنه لا يجوز على الأصح وقيل يجوز والأحسن أن يشرع في السنة، ثم يكبر بالفريضة فلا يكون مفسدا للعمل ويكون منتقلا من عمل إلى عمل، كذا في الظهيرية وفيه نظر؛ لأنه إذا كبر للفريضة فقد أفسد السنة كما صرحوا به في باب ما يفسد الصلاة وفي شرح المجمع لابن الملك ما قاله بعض الفقهاء من أنه إذا أقيم للفجر وخاف رجل فوت الفرض يشرع في السنة فيقطعها فيقضيها قبل الطلوع مردود لكراهة قضاء التنفل الذي أفسده فيه على أن الأمر بالشروع للقطع قبيح شرعا وإلى أنه لا يكره التنفل قبل صلاة العصر في وقته وإلى أن لصلاة العصر مدخلا في كراهة النوافل فينشأ عنه كراهة التطوع بعد العصر المجموعة إلى الظهر في وقت الظهر بعرفات فيما يظهر ولم أقف على التصريح به لأحد من أهل المذهب، كذا في شرح منية المصلي واعلم أن قضاء الفائتة وما معها لا تكره بعد صلاة العصر إلى غاية التغير لا إلى الغروب كما هو ظاهر كلامه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وبعد طلوع الفجر بأكثر من سنة الفجر‏)‏ أي ومنع عن التنفل بعد طلوع الفجر قبل صلاة الفجر بأكثر من سنته قصدا لما رواه أحمد وأبو داود‏:‏ «لا صلاة بعد الصبح إلا ركعتين» وفي رواية الطبراني «إذا طلع الفجر فلا تصلوا إلا ركعتين» قيدنا بكونه قصدا لما في الظهيرية ولو شرع في التطوع قبل طلوع الفجر فلما صلى ركعة طلع الفجر قيل يقطع الصلاة وقيل يتمها والأصح أنه يتمها ولا تنوب عن سنة الفجر على الأصح ولو اقتصر المصنف وقال عن التنفل بعد طلوع الفجر بأكثر من سنته وبعد صلاة العصر لأغناه عن التطويل كما لا يخفى، وإنما أتى بالفجر ثانيا ظاهرا ولم يقل بسنته مضمرا؛ لأنها ليست سنة الفجر بمعنى الزمن، وإنما هي سنة صلاة الفجر فهو على حذف مضاف أي بأكثر من سنة صلاة الفجر وفي المجتبى تخفف القراءة في ركعتي الفجر قيد بالتنفل؛ لأن قضاء الفائتة بعد طلوع الفجر ليس بمكروه لأن النهي عن التنفل فيه لحق ركعتي الفجر حتى يكون كالمشغول بها؛ لأن الوقت متعين لها حتى لو نوى تطوعا كان عن سنة الفجر من غير تعيين منه فلا يظهر في حق الفرض؛ لأنه فوقها والبحث المتقدم لابن الهمام يجري هنا للنهي الذي ذكرناه في المسألة السابقة وفي العناية‏.‏ والحاصل أن ما كان النهي فيه لمعنى في الوقت أثر في الفرائض والنوافل جميعا، وما كان لمعنى في غيره أثر في النوافل دون الفرائض وما هو في معناه‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وقبل المغرب‏)‏ أي ومنع عن التنفل بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب لما رواه أبو داود‏:‏ «سئل ابن عمر رضي الله عنهما عن الركعتين قبل المغرب فقال ما رأيت أحدا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما» وهو يقتضي نفي المندوبية، أما ثبوت الكراهة فلا إلا أن يدل دليل آخر وما ذكر من استلزام تأخير المغرب فقد قدمنا عن القنية استثناء القليل والركعتان لا تزيد على القليل إذ تجوز فيهما وفي صحيح البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «صلوا قبل المغرب ركعتين» وهو أمر ندب وهو الذي ينبغي اعتقاده في هذه المسألة والله الموفق وما ذكروه في الجواب لا يدفعه قيدنا بالتنفل؛ لأنه يجوز قضاء الفائتة وصلاة الجنازة وسجدة التلاوة في هذا الوقت كما صرح به غير واحد كقاضي خان وصاحب الخلاصة يعني من غير كراهة، وقد قدمنا أنه يبدأ بصلاة المغرب، ثم يصلون على الجنازة، ثم يأتون بالسنة ولعله بيان الأفضل وفي شرح المنية معزيا إلى حجة الدين البلخي أن الفتوى على تأخير صلاة الجنازة عن سنة الجمعة وهي سنة فعلى هذا تؤخر عن سنة المغرب؛ لأنها آكد‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ووقت الخطبة‏)‏ أي ومنع عن التنفل وقت الخطبة؛ لأن الاستماع فرض والأمر بالمعروف حرام وقتها لرواية الصحيحين «إذا قلت‏:‏ لصاحبك انصت والإمام يخطب فقد لغوت» فكيف بالتنفل، وأما ما رواه الجماعة عن جابر‏:‏ «أن رجلا جاء إلى الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال أصليت يا فلان قال لا قال صل ركعتين وتجوز فيهما» وسماه النسائي سليكا الغطفاني فالجواب أنه صلى الله عليه وسلم أمسك له حتى فرغ من صلاته كما صرح به الدارقطني من رواية أنس أو كان ذلك قبل الشروع في الخطبة كما ذكره النسائي، كذا في شرح النقاية واقتصر الشارح على الأول وفي كل منهما نظر إذ النفل مكروه بعد خروج الإمام للخطبة قبل الخطبة ووقتها سواء أمسك الخطيب عنها أو لا، أطلق الخطبة فشملت كل خطبة سواء كانت خطبة جمعة أو عيد أو كسوف أو استسقاء كما في الخانية أو حج وهي ثلاث أو ختم أي ختم القرآن كما في المجتبى أو خطبة نكاح وهي مندوبة كما في شرح منية المصلي وإلى هنا صارت الأوقات التي تكره الصلاة فيها ثمانية على ما ذكره المصنف وسيأتي أنه إذا خرج الإمام إلى الخطبة فلا صلاة ولا كلام فلذا لم يذكره هنا ومنها إذا أقيمت الصلاة فإن التطوع مكروه إلا سنة الفجر إن لم يخف فوت الجماعة ومنها التنفل قبل صلاة العيدين مطلقا وبعدها في المسجد لا في البيت ومنها التنفل بين صلاتي الجمع بعرفة ومزدلفة ومنها وقت المكتوبة إذا ضاق يكره أداء غير المكتوبة فيه ومنها وقت مدافعة الأخبثين ومنها وقت حضور الطعام إذا كانت النفس تائقة إليه والوقت الذي يوجد فيه ما يشغل البال من أفعال الصلاة ويخل بالخشوع كائنا ما كان ذلك الشاغل، كذا في شرح منية المصلي وذكر في غاية البيان من الأوقات المكروهة ما بعد نصف الليل لأداء العشاء لا غير وفيه نظر إذ ليس هو وقت كراهة، وإنما الكراهة في التأخير فقط‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وعن الجمع بين الصلاتين في وقت بعذر‏)‏ أي منع عن الجمع بينهما في وقت واحد بسبب العذر للنصوص القطعية بتعيين الأوقات فلا يجوز تركه إلا بدليل مثله ولرواية الصحيحين قال عبد الله بن مسعود «والذي لا إله غيره ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة قط إلا لوقتها إلا صلاتين جمع بين الظهر والعصر بعرفة وبين المغرب والعشاء بجمع»، وأما ما روي من الجمع بينهما فمحمول على الجمع فعلا بأن صلى الأولى في آخر وقتها والثانية في أول وقتها ويحمل تصريح الراوي بالوقت على المجاز لقربه منه والمنع عن الجمع المذكور عندنا مقتض للفساد إن كان جمع تقديم وللحرمة إن كان جمع تأخير مع الصحة كما لا يخفى وذهب الشافعي وغيره من الأئمة إلى جواز الجمع للمسافر بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء، وقد شاهدت كثيرا من الناس في الأسفار خصوصا في سفر الحج ماشين على هذا تقليدا للإمام الشافعي في ذلك إلا أنهم يخلون بما ذكرت الشافعية في كتبهم من الشروط له فأحببت إيرادها إبانة لفعله على وجهه لمريده، اعلم أنهم بعد أن اتفقوا على أن فعل كل صلاة في وقتها أفضل إلا للحاج في الظهر والعصر بعرفة وفي حق المغرب والعشاء بمزدلفة قالوا شروط التقديم ثلاثة البداءة بالأولى ونية الجمع بينهما ومحل هذه النية عند التحريم أعني في الأولى ويجوز في أثنائها في الأظهر ولو نوى مع السلام منها جاز على الأصح والموالاة بأن لا يطول بينهما فصل، فإن طال وجب تأخير الثانية إلى وقتها ولا يضر فصل يسير وما عده العرف فصلا طويلا فهو طويل يضر ومالا فلا وللمتيمم الجمع على الصحيح ولا يشترط على الصحيح في جوازنا تأخير الأولى إلى الثانية سوى تأخيرها بنية الجمع بينهما والأصح أنه إن نوى، وقد بقي من الوقت ما يسع ركعة كفى على ما في الرافعي والروضة واعتبر في شرح المهذب قدر الصلاة، فإن لم ينو كما ذكرنا وأخر عصى في التأخير وكانت صلاته قضاء قالوا وإذا كان سائرا وقت الأولى فتأخيرها إلى وقت الثانية أفضل، وإن كان نازلا فتقديم الثانية إلى وقت الأولى أفضل ذكره ابن أمير حاج في مناسكه والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏