فصل: باب الحدث في الصلاة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


باب الحدث في الصلاة

ثابت في بعض النسخ ولا شك أنه من العوارض وهو ليس بمفسد في كل الأحوال فقدمه على ما يفسدها وقدمنا أن الحدث مانعية شرعية قائمة بالأعضاء إلى غاية استعمال المزيل‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومن سبقه حدث توضأ وبنى‏)‏ والقياس فسادها؛ لأن الحدث ينافيها والمشي والانحراف يفسدانها فأشبه الحدث العمد ولنا قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «من قاء أو رعف أو أمذى فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلاته ما لم يتكلم» ولا نزاع في صحته مرسلا وهو حجة عندنا وعند أكثر أهل العلم ومذهبنا ثابت عن جماعة من الصحابة وكفى بهم قدوة فوجب ترك القياس به والبلوى فيما يسبق دون ما يتعمده فلا يلحق به، ثم لجواز البناء شروط‏:‏ الأول‏:‏ أن يكون الحدث سماويا وهو المراد بالسبق وهو ما لا اختيار للعبد فيه ولا في سببه فلا يبني بشجة وعضة، ولو منه لنفسه واختلفوا فيما إذا وقعت طوبة من سطح أو سفرجلة من شجر أو تعثر في شيء موضوع في المسجد فأدماه وصححوا عدم البناء فيما إذا سبقه الحدث من عطاسه أو تنحنحه، ولو سقط من المرأة كرسفها مبلولا بغير صنعها بنت وبتحريكها لا تبن عنده خلافا لهما‏.‏ الثاني‏:‏ أن يكون الحدث موجبا للوضوء فلا يبني من نام فاحتلم في الصلاة ولا من أصابته نجاسة مانعة من الصلاة من غير سبق حدث سواء كانت من بدنه أو من خارج‏.‏ الثالث‏:‏ أن لا يكون الحدث يندر وجوده فلا يبني بإغماء وقهقهة وهذا والثاني سيصرح به المصنف وإدخال الكلام هنا كما في فتح القدير مع أن الكلام مفسد لا حدث لكون شرطه أن لا يأتي بمناف بعده‏.‏ الرابع‏:‏ أن لا يفعل فعلا له منه بد فلو فعله استقبل كما لو استقى الماء من البئر على المختار أو كان دلوه متخرقا فخرزه، وكذا لو وجد ماء للوضوء فذهب إلى ماء أبعد منه من غير عذر النسيان ونحوه إلا إذا كان الماء القريب في بئر كما قدمناه وإلا إذا كان قليلا قدر صفين كما إذا وجد مشرعة من الماء فتركها وذهب إلى أخرى بجنبها فإنه يبني، وكذا لو رد الباب عليه باليدين لا لقصد ستر العورة فلو كان له لا تفسد أو بيد واحدة لا تفسد مطلقا، وكذا لو حمل آنية لغير حاجة بيديه فلو كان لحاجة لا تفسد مطلقا أو بيد واحدة لا تفسد مطلقا، وكذا لو توضأ ورجع، ثم تذكر أنه نسي شيئا فذهب وأخذه فسدت، ولو كشف عورته للاستنجاء بطلت صلاته في ظاهر الرواية، وكذا إذا كشفت المرأة ذراعيها للوضوء وهو الصحيح، وفي الظهيرية عن أبي علي النسفي أنه إذا لم يجد بدا منه لم تفسد، وكذا المرأة إذا احتاجت إلى البناء لها أن تكشف عورتها وأعضاءها في الوضوء وتغسل إذا لم تجد بدا من ذلك‏.‏ ا هـ‏.‏ ويتوضأ من سبقه الحدث ثلاثا ثلاثا ويستوعب رأسه بالمسح ويتمضمض ويستنشق ويأتي بسائر السنن وقيل يتوضأ مرة مرة، وإن زاد فسدت والأول أصح؛ لأن الفرض يقوم بالكل كذا في الظهيرية، ولو غسل نجاسة مانعة أصابته، فإن كان من سبق الحدث بنى، وإن كانت من خارج لا يبني، وإن كانت منهما لا يبني، ولو ألقى الثوب المتنجس من غير حدثه وعليه غيره من الثياب أجزأه كذا في الظهيرية‏.‏ الخامس‏:‏ أن لا يأتي بمناف للصلاة فلو تكلم بكلام الناس بعد الحدث فسدت، وفي الظهيرية لو طلب الماء بالإشارة أو اشتراه بالتعاطي فسدت‏.‏ السادس‏:‏ أن ينصرف من ساعته فلو مكث قدر أداء ركن بغير عذر فسدت، ولو كان لعذر فلا كما لو أحدث بالنوم ومكث ساعة، ثم انتبه فإنه يبني أو مكث لعذر الزحمة كما في الخانية، وفي المنتقى إن لم ينو بمقامه الصلاة لا تفسد؛ لأنه لم يؤد جزءا من الصلاة مع الحدث قلنا هو في حرمتها فما وجد منه صالحا لكونه جزءا منها انصرف إلى ذلك غير مقيد بالقصد إذا كان غير محتاج إليه، وفي الظهيرية لو أخذه الرعاف ولم ينقطع يمكث إلى أن ينقطع، ثم يتوضأ ويبني‏.‏ السابع‏:‏ أن لا يؤدي ركنا مع الحدث فلو سبقه الحدث في سجوده فرفع رأسه قاصدا الأداء استقبل، وكذا لو قرأ في ذهابه لا إن سبح على الأصح؛ لأنه ليس من الأجزاء، وفي المجتبى أحدث في ركوعه أو في سجوده لا يرفع مستويا فتفسد صلاته بل يتأخر محدودبا، ثم ينصرف ا هـ وظاهره عدم اشتراط قصد الأداء‏.‏ الثامن‏:‏ أن لا يؤدي ركنا مع المشي في حالة الرجوع فلو قرأ بعد الوضوء استقبل‏.‏ التاسع‏:‏ أن لا يظهر حدثه السابق بعد الحدث السماوي فلو سبقه حدث فذهب فانقضت مدة مسحه أو كان متيمما فرأى الماء أو كانت مستحاضة فخرج الوقت استقبل على الأصح كما في المحيط‏.‏ العاشر‏:‏ إذا كان مقتديا أن يعود إلى الإمام إن لم يكن فرغ الإمام وكان بينهما حائل يمنع جواز الاقتداء فلو كان منفردا خير بين العود والإتمام في مكان الوضوء واختلفوا في الأفضل، ولو كان مقتديا فرغ إمامه فلا يعود فلو عاد اختلفوا في فساد صلاته فلو لم يكن بينهما مانع فله الاقتداء من مكانه من غير عود‏.‏ الحادي عشر‏:‏ أن لا يتذكر فائتة عليه بعد الحدث السماوي وهو صاحب ترتيب‏.‏ الثاني عشر إذا كان إماما لا يستخلف من لا يصلح للإمامة فلو استخلف امرأة استقبل‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ واستخلف لو إماما‏)‏ معطوف على توضأ أي من سبقه حدث وكان إماما فإنه يستخلف رجلا مكانه يأخذ بثوب رجل إلى المحراب أو يشير إليه والسنة أن يفعله محدودب الظهر واضعا يده في أنفه يوهم أنه قد رعف لينقطع عنه كلام الناس، ولو تكلم بطلت صلاتهم، ولو ترك ركوعا يشير بوضع يده على ركبتيه أو سجودا يشير بوضعها على جبهته أو قراءة يشير بوضعها على فمه، وإن بقي عليه ركعة واحدة يشير بأصبع واحدة، وإن كان اثنين فبأصبعين هذا إذا لم يعلم الخليفة ذلك أما إذا علم فلا حاجة إلى ذلك ولسجدة التلاوة بوضع أصبعه على الجبهة واللسان وللسهو على صدره وقيل يحول رأسه يمينا وشمالا كذا في الظهيرية، ثم الاستخلاف ليس بمتعين حتى لو كان الماء في المسجد فإنه يتوضأ ويبني ولا حاجة إلى الاستخلاف كما ذكره الشارح وإذا لم يكن في المسجد فالأفضل الاستخلاف كما ذكره المصنف في المستصفى بناء على أن الأفضل للإمام والمقتدي البناء صيانة للجماعة وللمنفرد الاستقبال تحرزا عن الخلاف وصححه في السراج الوهاج، وظاهر كلام المتون أن الاستئناف أفضل في حق الكل فما في شرح المجمع لابن الملك من أنه يجب على الإمام الاستخلاف صيانة لصلاة القوم ففيه نظر وإذا استخلف لا يخرج الإمام عن الإمامة بمجرده، ولهذا لو اقتدى به إنسان من ساعته قبل الوضوء فإنه صحيح على الصحيح كما في المحيط، ولهذا قال في الظهيرية والخانية إن الإمام لو توضأ في المسجد وخليفته قائم في المحراب ولم يؤد ركنا فإنه يتأخر الخليفة ويتقدم الإمام ولو خرج الإمام الأول من المسجد وتوضأ، ثم رجع إلى المسجد وخليفته لم يؤد ركنا فالإمام هو الثاني، ثم الاستخلاف حقيقي وحكمي فالأول ظاهر والثاني أن يتقدم رجل واحد من القوم قبل أن يخرج الإمام من المسجد فإن صلاتهم جائزة، ولو تقدم رجلان فأيهما سبق إلى مكان الإمام فهو أولى، ولو قدم الإمام رجلا والقوم رجلا فمن قدمه الإمام فهو أولى، وإن نويا معا الإمامة جاز صلاة المقتدي بخليفة الإمام وفسدت على المقتدي بخليفة القوم، وإن تقدم أحدهما إن كان خليفة الإمام فكذلك، وإن كان خليفة القوم فاقتدوا به ثم نوى الآخر فاقتدى به البعض جاز صلاة الأولين دون الآخرين، ولو قدم بعض القوم رجلا والبعض رجلا فالعبرة للأكثر، ولو استويا فسدت صلاتهم، ولو استخلف الإمام من آخر الصفوف، ثم خرج من المسجد إن نوى الخليفة الإمامة من ساعته صار إماما فتفسد صلاة من كان متقدمه دون صلاته وصلاة الإمام الأول ومن على يمينه وشماله في صفه ومن خلفه وإن نوى أن يكون إماما إذا قام مقام الأول وخرج الأول قبل أن يصل الخليفة إلى مكانه أو قبل أن ينوي الإمامة فسدت صلاتهم، وشرط جواز صلاة الخليفة والقوم أن يصل الخليفة إلى المحراب قبل أن يخرج الإمام عن المسجد ولم يبين محمد حال الإمام، وذكر الطحاوي أن صلاته فاسدة أيضا، وذكر أبو عصمة أن صلاته لا تفسد وهو الأصح ولو لم يستخلف في المسجد واستخلف من الرحبة، وفيها قوم جازت صلاة الكل إذا كانت الرحبة متصلة بالمسجد كذا في الظهيرية وإذا استخلف الإمام رجلا فإنه يتعين للإمامة إن قام مقام الأول حتى لو تأخر بعد التقدم فسدت صلاته وإذا قام الخليفة مقامه صار الأول مقتديا به خرج من المسجد أو لا حتى لو تذكر فائتة أو تكلم لم تفسد صلاة القوم ومقتضى ما قدمناه أنه لا يصير مقتديا بالخليفة ما دام في المسجد وللخليفة الاستخلاف إذا أحدث فلو استخلف الخليفة من غير حدث إن قدمه قبل أن يقوم في مكان الإمامة والإمام في المسجد جاز، ولو تذكر الخليفة أنه على غير وضوء فقدم آخر ولم يقم في موضع الإمامة جاز إذا كان الأول في المسجد، ولو أحدث الخليفة بعد ما قام في موضع الإمامة فانصرف فقبل أن يخرج دخل الأول متوضئا فقدمه جاز، ولو لم يقم الخليفة في موضع الإمامة حتى أحدث فدخل الأول فقدمه لم يجز والمسألة متأولة وتأويلها إذا كان مع الإمام رجل آخر سواه، ولو كبر الخليفة ينوي الاستقبال جازت صلاة من استقبل وفسدت صلاة من لم يستقبل، وكذا صلاة الإمام الأول تفسد إن بنى على صلاة نفسه وفي الخلاصة، فإن نوى الثاني بعد ما تقدم إلى المحراب أن لا يكون خليفة للأول ويصلي صلاة نفسه لم يفسد ذلك صلاة من اقتدى به، وفي المجتبى والإمام المحدث على إمامته ما لم يخرج من المسجد أو يقوم خليفته مقامه أو يستخلف القوم غيره أو يتقدم بنفسه، وفي الظهيرية رجلان وجدا في السفر ماء قليلا فقال أحدهما هو نجس وقال الآخر هو طاهر فتوضأ أحدهما وتيمم الآخر، ثم أمهما من توضأ بماء مطلق، ثم سبقه الحدث يصلي كل واحد من المقتديين وحده من غير أن يقتدي بالآخر فلو رجع الإمام بعد ما توضأ يقتدي بمن يظنه طاهرا ا هـ‏.‏ ظاهره أنه لا فرق بين أن يخرج الإمام من المسجد أو لم يخرج وإذا خرج الإمام من المسجد خرج عن الإمامة ولم يبق لهما إمام، وقد صرحوا ببطلان صلاة المقتدي في هذه الحالة ولذا قال في المحيط رجل أم رجلا فأحدثا معا وخرجا من المسجد فصلاة الإمام تامة وصلاة المقتدي فاسدة؛ لأنه لم يبق له إمام في المسجد ا هـ‏.‏ فبقاؤهما فيها من غير إمام مشكل إلا أن يقال ذلك للضرورة إذ لا يمكن اقتداء أحدهما بالآخر؛ لأن المتيمم إن تقدم ففي اعتقاد المتوضئ أن تيممه باطل لطهارة الماء عنده وإن تقدم المتوضئ ففي اعتقاد المتيمم أنه توضأ بماء نجس والله سبحانه أعلم، وفي المجتبى، وفي جواز الاستخلاف في صلاة الجنازة اختلاف المشايخ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ كما لو حصر عن القراءة‏)‏ أي جاز لمن سبقه الحدث الاستخلاف إذا كان إماما كما جاز للإمام الاستخلاف إذا عجز عن القراءة وحصر بوزن تعب فعلا ومصدرا العي وضيق الصدر ويقال حصر يحصر حصرا من باب علم ويجوز أن يكون حصر فعل ما لم يسم فاعله من حصره إذا حبسه من باب نصر ومعناه منع وحبس عن القراءة بسبب خجل أو خوف قال في غاية البيان وبالوجهين حصل لي السماع، وقد وردت اللغتان بهما في كتب اللغة كالصحاح وغيره، وأما إنكار المطرزي ضم الحاء فهو في مكسور العين؛ لأنه لازم لا يجيء له مفعول ما لم يسم فاعله لا في مفتوح العين لأنه متعد يجوز بناء الفعل منه للمفعول وصورة المسألة إذا لم يقدر الإمام على القراءة لأجل خجل يعتريه أما إذا نسي القراءة أصلا لا يجوز الاستخلاف بالإجماع؛ لأنه صار أميا واستخلاف الأمي لا يجوز هذا كله عند أبي حنيفة، وقالا لا يجوز؛ لأنه يندر وجوده وله أن الاستخلاف في الحدث بعلة العجز وهو هنا ألزم والعجز عن القراءة غير نادر وأشار بالمنع عن القراءة إلى أنه لم يقرأ مقدار الفرض فيفيد أنه لو قرأه لا يجوز الاستخلاف إجماعا لعدم الحاجة إليه وذكره في المحيط بصيغة قيل وظاهره أن المذهب الإطلاق وهو الذي ينبغي اعتماده لما صرحوا في فتح المصلي على إمامه بأنها لا تفسد على الصحيح سواء قرأ الإمام ما تجوز به الصلاة أو لا، فكذلك هنا يجوز الاستخلاف مطلقا وقيد بالمنع عنها؛ لأنه لو أصاب الإمام وجع في البطن فاستخلف رجلا لم يجز فلو قعد وأتم صلاته جاز، ولو صار الإمام حاقنا بحيث لا يمكنه المضي فذكر في غير رواية الأصولي أن على قول أبي حنيفة ليس له أن يستخلف وعلى قول أبي يوسف له ذلك أبو حنيفة فرق بين هذا وبين مسألة الحصر في القراءة كذا في الظهيرية والحاقن الذي له بول كثير كذا في المغرب، وفي غاية البيان، ثم عندهما إذا لم يستخلف كيف يصنع‏؟‏ قال بعض الشارحين يتم صلاته بلا قراءة إلحاقا له بالأمي وهذا سهو؛ لأن مذهبهما أنه يستقبل وبه صرح فخر الإسلام في شرح الجامع الصغير؛ لأنه قال في عامة الكتب أن الحصر لما كان نادرا أشبه الجنابة وبها لا تتم الصلاة فكذا بالحصر ا هـ‏.‏ والعجب من الشارح أنه جعل الحصر عن القراءة كالجنابة ونقل عنهما أنه يتمها بغير قراءة، وكذا المحقق في فتح القدير، وفي البائع وعندهما لا يجوز وتفسد صلاتهم وهو شاهد لما في غاية البيان والظاهر أن عنهما روايتين‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن خرج من المسجد بظن الحدث أو جن أو احتلم أو أغمي عليه استقبل‏)‏ أما فسادها بالخروج من المسجد لتوهم الحدث ولم يكن موجودا فلوجود المنافي من غير عذر والقياس فسادها بالانحراف عن القبلة مطلقا لما ذكرنا لكن استحسنوا بقاءها عند عدم الخروج؛ لأنه انصرف على قصد الإصلاح؛ لأنه لو تحقق ما توهمه بنى على صلاته فألحق قصد الإصلاح بحقيقته ما لم يختلف المكان بالخروج، وقد فهم بعضهم من هذا كما ذكره في التجنيس أن المصلي إذا حول صدره عن القبلة لا تفسد صلاته وأن القول بفسادها أليق بقولهما وليس بشيء؛ لأن أبا حنيفة إنما قال بعدم فساد صلاته عند عدم الخروج لأجل أنه معذور بتوهم الحدث، وأما من حول صدره عن القبلة فهو متمرد عاص لا يستحق التخفيف فالقول بالفساد أليق بقول الكل كما لا يخفى، قيد بظن الحدث؛ لأنه لو ظن أنه افتتح على غير وضوء أو كان ماسحا على الخفين فظن أن مدة مسحه قد انقضت أو كان متيمما فرأى سرابا فظنه ماء أو كان في الظهر فظن أنه لم يصل الفجر أو رأى حمرة في ثوبه فظن أنها نجاسة فانصرف حيث تفسد صلاته، وإن لم يخرج من المسجد؛ لأن الانصراف على سبيل الرفض، ولهذا لو تحقق ما توهمه يستقبل وهذا هو الأصل والاستخلاف كالخروج من المسجد؛ لأنه عمل كثير فيبطلها وإنما عبر بالظن دون التوهم؛ لأنه الطرف الراجح والوهم هو الطرف المرجوح وصور مسألة الظن الشمني بأن خرج شيء من أنفه فظن أنه رعف فظاهره أنه لو لم يكن للظن دليل بأن شك في خروج ريح ونحوه فإنه يستقبل مطلقا بالانحراف عملا بما هو القياس لكني لم أره منقولا وإنما في التجنيس لو شك الإمام في الصلاة فاستخلف فسدت صلاتهم ولو خاف سبق الحدث فانصرف، ثم سبقه الحدث فالاستئناف لازم عند أبي حنيفة خلافا لأبي يوسف كذا في المجمع، والدار ومصلى الجنازة والجبانة كالمسجد إذ له حكم البقعة الواحدة كذا قالوا إلا في المرأة فإنها إن خرجت عن مصلاها فسدت صلاتها وليس البيت لها كالمسجد للرجل، وقال القاضي الإمام أبو علي النسفي لا تفسد صلاتها والبيت لها كالمسجد للرجل كذا في فتاوى قاضي خان، وإن كان يصلي في الصحراء فمقدار الصفوف له حكم المسجد إن مشى يمنة أو يسرة أو خلفا، وإن مشى أمامه وليس بين يديه سترة فالصحيح هو التقدير بموضع السجود، وإن كان وحده فمسجده موضع سجوده من الجوانب الأربع إلا إذا مشى أمامه وبين يديه سترة فيعطى لداخلها حكم المسجد كذا في البدائع، وفي فتح القدير والأوجه إذا لم يكن سترة أن يعتبر موضع سجوده؛ لأن الإمام منفرد في حق نفسه والمنفرد حكمه ذلك ا هـ‏.‏ وهذا البحث هو ما صححه في البدائع فعلم أن ما في الهداية من أن الإمام إذا لم يكن بين يديه سترة فمقدار الصفوف خلفه ضعيف وأما فسادها بما ذكر من الجنون والإغماء والاحتلام فلأنه يندر وجود هذه العوارض فلم تكن في معنى ما ورد به النص من القيء والرعاف، وكذلك إذا قهقه؛ لأنه بمنزلة الكلام وهو قاطع لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «وليبن على صلاته ما لم يتكلم»، وكذا لو نظر إلى امرأة فأنزل‏.‏ ومحل الفساد بهذه الأشياء قبل القعود قدر التشهد أما بعده فلا لما سنذكره من أن تعمد الحدث بعده لا يفسدها فهذا أولى، ولا يخلو الموصوف بها عن اضطراب أو مكث وكيفما كان فالصنع منه موجود على القول باشتراطه للخروج، أما في الاضطراب فظاهر، وأما في المكث فلأنه يصير به مؤديا جزءا من الصلاة مع الحدث والأداء صنع منه، وفي العناية وإنما قال أو نام فاحتلم؛ لأن النوم بانفراده ليس بمفسد، وكذا الاحتلام المنفرد عن النوم وهو البلوغ بالسن فجمع بينهما بيانا للمراد ا هـ‏.‏ فعلى هذا الاحتلام هو البلوغ أعم من الإنزال أو السن فالمراد في المختصر هو الأول، وفي الظهيرية المصلي إذا نعس في صلاته فاضطجع قيل تنتقض طهارته فيتوضأ ويبني وقيل لا تفسد صلاته ولا تنتقض طهارته ا هـ‏.‏ ولعل المصنف إنما عبر بالاستقبال في هذه المسائل كغيره دون الفساد لما أن الفساد فيها ليس مقصودا فيثاب على ما فعله منها بخلاف ما إذا أفسدها قصدا فإنه لا ثواب له فيما أداه بل يأثم؛ لأن قطعها لغير ضرورة حرام‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن سبقه حدث بعد التشهد توضأ وسلم‏)‏؛ لأن التسليم واجب ولا بد له من الوضوء ليأتي به فالوضوء والسلام واجبان فلو لم يفعل كره تحريما‏.‏ والشروط التي قدمناها لصحة البناء لا بد منها للسلام حتى لو لم يتوضأ فورا أو أتى بمناف بعده فاته السلام ووجب عليه إعادتها لإقامة الواجب؛ لأنه حكم كل صلاة أديت مع كراهة التحريم، وإن كان إماما استخلف من يسلم بالقوم‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن تعمده أو تكلم تمت صلاته‏)‏ أي تعمد الحدث لحديث الترمذي عن ابن عمر قال‏:‏ «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أحدث يعني الرجل، وقد جلس في آخر صلاته قبل أن يسلم فقد جازت صلاته» ومعنى قوله تمت صلاته تمت فرائضها، ولهذا لم تفسد بفعل المنافي وإلا فمعلوم أنها لم تتم بسائر ما ينسب إليها من الواجبات لعدم خروجه بلفظ السلام وهو واجب بالاتفاق حتى أن هذه الصلاة تكون مؤداة على وجه مكروه فتعاد على وجه غير مكروه كما هو الحكم في كل صلاة أديت مع الكراهة كذا في شرح منية المصلي، وفيه أنه لا خلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه في أن من سبقه الحدث بعده يتوضأ ويسلم وإنما الخلاف فيما إذا لم يتوضأ حتى أتى بمناف فعند أبي حنيفة بطلت صلاته لعدم الخروج بصنعه وعندهما لا تبطل؛ لأنه ليس بفرض عندهما ا هـ‏.‏ وفيه نظر بل لا يكاد يصح؛ لأنه إذا أتى بمناف بعد سبق الحدث فقد خرج منها بصنعه، ولهذا قال الشارح الزيلعي، وكذا إذا سبقه الحدث بعد التشهد، ثم أحدث متعمدا قبل أن يتوضأ تمت صلاته ولم يحك خلافا وإنما ثمرة الخلاف تظهر فيما إذا خرج منها لا بصنعه كالمسائل الاثني عشرية كما سنقرره إن شاء الله تعالى‏.‏ وشمل تعمد الحدث القهقهة عمدا فصلاته تامة وبطل وضوءه لوجودها في أثناء الصلاة فصار كنية الإقامة في هذه الحالة، وكذا لو قهقه في سجود السهو، وإن قهقه الإمام أو أحدث متعمدا ثم قهقه القوم فعليه الوضوء دونهم لخروجهم منها بحدث الإمام بخلاف قهقهتهم بعد سلامه؛ لأنهم لا يخرجون منها بسلامة فبطلت طهارتهم، وإن قهقهوا معا أو القوم ثم الإمام فعليهم الوضوء‏.‏ والحاصل أن القوم يخرجون من الصلاة بحدث الإمام عمدا اتفاقا، ولهذا لا يسلمون ولا يخرجون منها بسلامه عندهما خلافا لمحمد، وأما بكلامه فعن أبي حنيفة روايتان في رواية كالسلام فيسلمون وتنتقض طهارتهم بالقهقهة، وفي رواية كالحدث العمد فلا سلام ولا نقض بها كذا في المحيط‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وبطلت إن رأى متيمم ماء‏)‏ أي بطلت صلاته بالقدرة على استعمال الماء ولا عبرة بالرؤية المجردة عن القدرة بدليل ما قدمه في بابه وإنما بطلت؛ لأن عدم الماء شرط في الابتداء فكان شرط البقاء كسائر الشروط وكالمكفر بالصوم إذا أيسر ليس له البناء؛ لأنه برؤية الماء ظهر حكم الحدث السابق فكأنه شرع على غير وضوء بخلاف ما إذا سبقه الحدث؛ لأنه شرع بوضوء تام أطلقه فشمل ما إذا رأى المتيمم قبل سبق الحدث أو بعده، وفي الثاني خلاف والصحيح هو البطلان كما في المحيط وجزم به الشارح واختار في النهاية أنه يبني دون فساد، وفي فتح القدير والذي يظهر أن الأسباب المتعاقبة كالبول ثم الرعاف ثم القيء إذا أوجبت أحداثا متعاقبة يجزئه عنها وضوء واحد فالأوجه ما في شرح الكنز وهو الموافق لما قدمناه من قول محمد فيمن حلف لا يتوضأ من الرعاف فبال، ثم رعف، ثم توضأ أنه يحنث وإن قلنا لا يوجب كما قدمنا النظر فيه في باب الغسل فالأوجه ما في النهاية وهو الحق في اعتقادي لكن كلام النهاية ليس عليه بل على ما نقل عن محمد في باب الغسل فلا تتفرغ مسألة التيمم على الوجه الذي ذكره على ما هو ظاهر اختياره ا هـ‏.‏ والذي يظهر أن هذا ليس مبنيا على هذا الفرع فإنهم عللوا الاستقبال بأنه لما ظهر الحدث السابق تبين كونه شرع بغير طهارة فليس له البناء سواء قلنا إنها توجب أحداثا أو حدثا كما لا يخفى، وذكر الشارح وتقييده بالمتيمم لبطلان الصلاة عند رؤية الماء لا يفيد؛ لأنه لو كان متوضئ يصلي خلف متيمم فرأى المؤتم الماء بطلت صلاته لعلمه أن إمامه قادر على الماء بإخباره وصلاة الإمام تامة لعدم قدرته، ولو قال وبطلت إن رأى متيمم أو المقتدى به ماء لشمل الكل ا هـ‏.‏ وأقره عليه في فتح القدير، وفيه نظر؛ لأن المقتدي بالمتيمم إذا رأى ماء لم يعلم به الإمام فإن صلاة المقتدي لم تبطل أصلا وإنما بطل وصفها وهو الفرضية وكلامه في بطلان أصلها برؤية الماء، ولهذا صرح في المحيط بأن المتوضئ خلف المتيمم إذا رأى الماء أو كان على الإمام فائتة لا يذكرها والمؤتم يذكرها أو كان الإمام على غير القبلة وهو لا يعلمه والمؤتم يعلمه فقهقه المؤتم فعليه الوضوء عندهما خلافا لمحمد وزفر بناء على أن الفرضية متى فسدت لا تنقطع التحريمة عندهما خلافا لمحمد ا هـ وأيضا نفي الفائدة مطلقا ممنوع فإن المتوضئ إذا رأى ماء لا يضره فقد أفاد‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ أو تمت مدة مسحه‏)‏ أطلقه فشمل ما إذا كان واجدا للماء أو لم يكن واجدا وهو اختيار بعض المشايخ، وذكر قاضي خان في فتاويه أنه لو تمت المدة وهو في الصلاة ولا ماء يمضي على الأصح في صلاته إذ لا فائدة في النزع؛ لأنه للغسل ولا ماء خلافا لمن قال من المشايخ تفسد‏.‏ ا هـ‏.‏ واختار القول بالفساد في فتح القدير، وقد قدمناه في بابه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ أو نزع خفيه بعمل يسير‏)‏ بأن كانا واسعين لا يحتاج فيهما إلى المعالجة في النزع قيد به؛ لأن العمل الكثير يخرج به عن الصلاة فتتم صلاته حينئذ اتفاقا والظاهر أن ذكر الخف بلفظ المثنى اتفاقي؛ لأن الحكم كذلك في الخف الواحد لما قدمه في بابه من أن نزع الخف ناقض للمسح ولذا أفرده في المجمع‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ أو تعلم أمي سورة‏)‏ وهو منسوب إلى أمة العرب وهي الأمة الخالية عن العلم والكتابة والقراءة فاستعير لمن لا يعرف الكتابة والقراءة والمراد بالتعلم تذكره إياها بعد النسيان؛ لأن التعلم لا بد له من التعليم وذلك فعل ينافي الصلاة فتتم صلاته اتفاقا وقيل سمعه بلا اختيار وحفظه بلا صنع بأن سمع سورة الإخلاص مثلا من قارئ فحفظها من غير احتياج إلى التلبس بما يفسد الصلاة من عمل كثير كذا قالوا وقوله سورة وقع اتفاقا؛ لأن عند أبي حنيفة الآية تكفي وهما وإن قالا بافتراض ثلاث آيات لم يشترطا السورة وأطلق فشمل كل مصل، وفيما إذا كان يصلي خلف قارئ اختلاف المشايخ فعامتهم على أنها تفسد؛ لأن الصلاة بالقراءة حقيقة فوق الصلاة بالقراءة حكما فلا يمكنه البناء عليها وقيل لا تبطل وصححه في الفتاوى الظهيرية قال الأمي إذا تعلم سورة خلف القارئ فإنه يمضي على صلاته وهو الصحيح ا هـ‏.‏ ووجهه أن قراءة الإمام قراءة له فقد تكامل أول الصلاة وآخرها وبناء الكامل على الكامل جائز‏.‏ قال أبو الليث لا تبطل صلاته اتفاقا وبه نأخذ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ أو وجد عار ثوبا‏)‏ أي ثوبا تجوز فيه الصلاة بأن لم تكن فيه نجاسة مانعة من الصلاة أو كانت فيه وعنده ما يزيل به النجاسة أو لم يكن عنده ما يزيل به النجاسة ولكن ربعه أو أكثر منه طاهر وهو ساتر للعورة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ أو قدر موم‏)‏ أي على الركوع والسجود؛ لأن آخر صلاته أقوى فلا يجوز بناؤه على الضعيف‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ أو تذكر فائتة‏)‏ أي عليه أو على إمامه ولم يسقط الترتيب بعد، وقد قدمنا أن المأموم إذا تذكر فائتة على إمامه ولم يتذكرها الإمام فسد وصف الفرضية لا أصلها، وكذا إذا تذكر فائتة عليه فإن أصل الصلاة لم يبطل، وإنما انقلبت نفلا لما عرف أن بطلان الوصف لا يوجب بطلان الأصل عندهما خلافا لمحمد، وفي السراج الوهاج، ثم هذه الصلاة لا تبطل قطعا عند أبي حنيفة بل تبقى موقوفة إن صلى بعدها خمس صلوات وهو يذكر الفائتة فإنها تنقلب جائزة ا هـ‏.‏ فذكر المصنف لها في سلك الباطل اعتماد على ما يذكره في باب الفوائت‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ أو استخلف أميا‏)‏ يعني عند سبق الحدث على ما اختاره في الهداية؛ لأن فساد الصلاة بحكم شرعي وهو عدم صلاحيته للإمامة في حق القارئ لا بالاستخلاف؛ لأنه غير مفسد حتى جاز استخلافه القارئ واختار فخر الإسلام أنه لا فساد بالاستخلاف بعد التشهد بالإجماع وصححه في الكافي وغاية البيان؛ لأن استخلاف الأمي فعل مناف للصلاة فيكون مخرجا منها وكونه ليس بمناف لها إنما هو في مطلق الاستخلاف، وأما الاستخلاف المقيد وهو استخلاف الأمي فهو مناف لها‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ أو طلعت الشمس في الفجر أو دخل وقت العصر في الجمعة‏)‏ لأنها مفسدة للصلاة من غير صنعه ومذهب الشافعي وغيره عدم فسادها بطلوعها تمسكا بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها» ولنا حديث عقبة بن عامر الجهني المتقدم من النهي عنها في الأوقات الثلاثة فإنه يفيد بطريق الاستدلال الفساد بطلوع الشمس وإذا تعارضا قدم النهي، فيجب حمل ما رووا على ما قبل النهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة، فإن قيل كيف يتحقق الخلاف في البطلان بدخول وقت العصر في الجمعة فإن الدخول عنده إذا صار ظل كل شيء مثليه وعندهما إذا صار مثله قلنا هذا على قول الحسن بن زياد فإن عنده وقتا مهملا بين خروج الظهر ودخول العصر فإذا صار الظل مثله يتحقق الخروج عندهما والصلاة تامة وعنده باطلة كذا في الكافي، وفيه نظر؛ لأنهم قالوا أو دخل وقت العصر ولم يقولوا أو خرج وقت الظهر وقيل يمكن أن يقعد في الصلاة بعد ما قعد قدر التشهد مقدار ما صار الظل مثليه فحينئذ يتحقق الخلاف كذا في المعراج والظاهر في الجواب ما نقله في المعراج عن المستصفى بعد هذا الكلام من أن هذا على اختلاف القولين فعندهما إذا صار الظل مثله وعنده إذا صار مثليه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ أو سقطت جبيرته عن برء أو زال عذر المعذور‏)‏ قيد بالبرء؛ لأن سقوطها لا عن برء لا يبطل الصلاة اتفاقا لما بيناه في بابه والمراد بزوال العذر استمرار انقطاعه وقتا كاملا فإذا انقطع عذره بعد القعود فالأمر موقوف، فإن دام وقتا كاملا بعد الوقت الذي صلى فيه ووقع الانقطاع فيه فحينئذ يظهر أنه انقطاع هو برء فيظهر الفساد عند أبي حنيفة فيقضيها وإلا فمجرد الانقطاع لا يدل عليه؛ لأنه لو عاد في الوقت الثاني فالصلاة الأولى صحيحة كما قدمناه في بابه، وقد ذكر هنا اثني عشر مسألة ولقبها اثنا عشرية عند أصحابنا وهي مشهورة عندهم بهذه النسبة إلا أن هذا الإطلاق غير جائر من حيث العربية؛ لأنه إنما ينسب إلى صدر العدد المركب في مثله بعد أن يكون علما على ما عرف في فنه فيقال في النسبة إلى خمسة عشر علما على رجل أو غيره خمسي وأما إذا لم يكن مسمى به وأريد به العدد فلا ينسب إليه أصلا؛ لأن الجزأين حينئذ مقصودان بالمعنى فلو حذف أحدهما اختل المعنى، ولو لم يحذف استثقل، قالوا وقد زيد عليها مسائل فمنها إذا كان يصلي بالثوب النجس فوجد ماء يغسل به وهو مستفاد من مسألة ما إذا وجد العاري ثوبا، ومنها ما إذا كان يصلي القضاء فدخل عليه الأوقات المكروهة وهو مستفاد من مسألة طلوع الشمس في الفجر، ومنها إذا خرج الوقت على المعذور وهي ترجع إلى ظهور الحدث السابق، ومنها الأمة إذا كانت تصلي بغير قناع فأعتقت في هذه الحالة ولم تستتر من ساعتها وهو مستفاد مما إذا وجد العاري ثوبا ففي التحقيق لا زيادة على ما هو المشهور وحاصلها يرجع إلى ظهور الحدث السابق وقوة حاله بعد ضعفها وطرو الوقت الناقص على الكامل، وفي السراج الوهاج أن الصلاة في هذه المسائل إذا بطلت لا تنقلب نفلا إلا في ثلاث مسائل وهو ما إذا تذكر فائتة أو طلعت الشمس أو خرج وقت الظهر في يوم الجمعة أطلق المصنف في بطلانها بهذه العوارض فشمل ما قبل القعود وما بعده ولا خلاف في بطلانها في الأول وأما في حدوثها بعده فقال أبو حنيفة بالبطلان، وقالا بالصحة؛ لأنه معنى مفسد لها فصار كالحدث والكلام، وقد حدثت بعد التمام فلا فساد واختلف المشايخ على قول أبي حنيفة فذهب البردعي إلى أنه إنما قال بالبطلان؛ لأن الخروج من الصلاة بصنع المصلي فرض عنده؛ لأنها لا تبطل إلا بترك فرض ولم يبق عليه سوى الخروج بصنعه وتبعه على ذلك العامة كما في العناية وذهب الكرخي إلى أنه لا خلاف بينهم أن الخروج بصنعه منها ليس بفرض لقوله صلى الله عليه وسلم لابن مسعود «إذا قلت‏:‏ هذا أو فعلت هذا فقد تمت صلاتك، فإن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد» وليس فيه نص عن أبي حنيفة، وإنما استنبطه البردعي من هذه المسائل وهو غلط منه؛ لأنه لو كان فرضا كما زعمه لاختص بما هو قربة وهو السلام، وإنما حكم الإمام بالبطلان باعتبار أن هذه المعاني مغيرة للفرض فاستوى في حدوثها أول الصلاة وآخرها أصله نية الإقامة قال الإمام الأقطع في شرح القدوري وهذه العلة مستمرة في جميع المسائل إلا في طلوع الشمس إلا أنه يقيسه على بقية المسائل بعلة أنه معنى مفسد للصلاة حصل بغير فعله بعد التشهد ا هـ‏.‏ ولا حاجة إلى الاستثناء؛ لأن طلوع الشمس بعد الفجر مغير للفرض من الفرض إلى النفل كرؤية الماء فإنها مغيرة للفرض؛ لأنه كان فرضه التيمم فتغير فرضه إلى الوضوء بسبب سابق على الصلاة، وكذا سائر أخواتها بخلاف الكلام فإنه قاطع لا مغير والحدث العمد والقهقهة مبطلة لا مغيرة قال في المجتبى وعلى قول الكرخي المحققون من أصحابنا، وذكر في المعراج معزيا إلى شمس الأئمة والصحيح ما قاله الكرخي، وقال صاحب التأسيس ما قاله أبو الحسن أحسن؛ لأن الأول ليس بمنصوص عن أبي حنيفة ورجح المحقق في فتح القدير قولهما بأن اقتضاء الحكم الاختيار لينتفي الجبر إنما هو في المقاصد لا في الوسائل، ولهذا لو حمل مغمى عليه إلى المسجد فأفاق فتوضأ فيه أجزأه عن السعي، ولو لم يحمل وجب عليه السعي للتوسل فكذا إذا تحقق القاطع في هذه الحالة بلا اختيار حصل المقصود من القدرة على صلاة أخرى، ولو لم يتحقق وجب عليه فعل هو قربة قاطع فلو فعل مختارا قاطعا محرما أثم لمخالفة الواجب والجواب بأن الفساد عنده لا لعدم الفعل بل للأداء مع الحدث بالرؤية، وانقضاء المدة وانقطاع العذر يظهر الحدث السابق فيستند النقص فيظهر في هذه لقيام حرمتها حالة الظهور بخلاف المنقضية ليس بمطرد ا هـ وهذا كله على تعليل البردعي وأما على تخريج الكرخي فلا يرد كما لا يخفى، وذكر الشارح أنه لو سلم الإمام وعليه سهو فعرض له واحد منها، فإن سجد بطلت صلاته وإلا فلا، ولو سلم القوم قبل الإمام بعدما قعد قدر التشهد، ثم عرض له واحد منها بطلت صلاته دون القوم، وكذا إذا سجد هو للسهو ولم يسجد القوم، ثم عرض له‏.‏