فصل: سنن الوضوء

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


سنن الوضوء

‏(‏قوله‏:‏ وسنته‏)‏ أي الوضوء هي لغة الطريقة المعتادة، ولو سيئة واصطلاحا الطريقة المسلوكة في الدين كذا في العناية، وفيه نظر لشموله الفرض والواجب فزاد في الكشف من غير افتراض ولا وجوب وفيه نظر لشموله المستحب والمندوب فالأولى أن يقال هي الطريقة المسلوكة في الدين من غير لزوم على سبيل المواظبة ليخرج غير المحدود، وما في غاية البيان من أنها ما في فعله ثواب وفي تركه عتاب لا عقاب فهو تعريف بالحكم وما في شرح النقاية من أنها ما ثبت بقوله أو فعله وليس بواجب ولا مستحب ففيه نظر لشموله المباح وما في فتح القدير وغيره من أنها ما واظب النبي صلى الله عليه وسلم عليه ومع الترك أحيانا فمنتقض بالفرض، فإن القيام في الصلاة مثلا حصلت المواظبة عليه مع الترك أحيانا لعذر المرض؛ فلذا زاد في التحرير أن يكون الترك أحيانا بلا عذر ليلزم كونه بلا وجوب وظاهر أن المواظبة بلا ترك أصلا لا تفيد السنية بل الوجوب وظاهر الهداية يخالفه، فإنه في الاستدلال على سنية المضمضة والاستنشاق قال؛ لأنه عليه السلام فعلهما على المواظبة، وكذا استدلالهم على سنية الاعتكاف في العشرة الأخير من رمضان «بأنه عليه السلام واظب على الاعتكاف في العشرة الأخير من رمضان حتى توفاه الله تعالى» كما في الصحيحين يفيد أنها تفيد السنية مطلقا؛ ولذا في فتح القدير فهذه المواظبة المقرونة بعدم الترك مرة لما اقترنت بعدم الإنكار على من لم يفعله من الصحابة كانت دليل السنية، وإلا كانت تكون دليل الوجوب انتهى والذي ظهر للعبد الضعيف أن السنة ما واظب النبي صلى الله عليه وسلم عليه لكن إن كانت لا مع الترك فهي دليل السنة المؤكدة، وإن كانت مع الترك أحيانا فهي دليل غير المؤكدة، وإن اقترنت بالإنكار على من لم يفعله فهي دليل الوجوب فافهم هذا فإن به يحصل التوفيق وفي بعض النسخ وسننه بالجمع ونكتة جمعها وإفراد الفرض الإشارة إلى أن الفروض وإن كثرت في حكم شيء واحد بدليل فساد البعض بترك البعض بخلاف السنن إذ لا يبطل بعضها بترك بعضها والإضافة هنا بمعنى اللام كما لا يخفى وجعلها المصنف في المستصفى من إضافة الشيء إلى محله؛ لأن الطهارة محل لهذه السنن وفي النهاية أنها بمعنى من وفيه ما تقدم في كتاب الطهارة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ غسل يديه إلى رسغيه ابتداء‏)‏ يعني‏:‏ غسل اليدين ثلاثا إلى رسغيه في ابتداء الوضوء سنة والرسغ منتهى الكف عند المفصل وفي ضياء الحلوم الرسغ بالغين المعجمة موصل الكف في الذراع والقدم في الساق‏.‏ اعلم أن في غسل اليدين ابتداء ثلاثة أقوال قيل إنه فرض وتقديمه سنة واختاره في فتح القدير والمعراج والخبازية وإليه يشير قول محمد في الأصل بعد غسل الوجه ثم يغسل ذراعيه ولم يقل يديه فلا يجب غسلهما ثانيا وقيل إنه سنة تنوب عن الفرض كالفاتحة، فإنها واجبة تنوب عن الفرض واختاره في الكافي وقال السرخسي‏:‏ إنه سنة لا ينوب عن الفرض فيعيد غسلهما ظاهرهما وباطنهما قال‏:‏ وهو الأصح عندي واستشكله في الذخيرة بأن المقصود هو التطهير فبأي طريق حصل حصل المقصود وظاهر كلام المشايخ أن المذهب الأول واختلف في أن غسلهما قبل الاستنجاء أو بعده فقيل سنة قبله فقط وقيل بعده فقط وقيل قبله وبعده وإليه ذهب الأكثر كما صرح به في المجتبى وصححه قاضي خان في الفتاوى وفي النهاية ويستدل له بأن جميع من حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم غسل اليدين، وأما سنيته قبله فيما رواه الجماعة من ‏(‏حديث ميمونة في صفة غسله وفيه أنها حكت غسل اليدين قبل الاستنجاء‏)‏ وحكمته قبله المبالغة في إزالة رائحة ما يصيبهما وأورد أن المصاب اليد اليسرى فينبغي الاقتصار عليها وتخصيصه بما إذا تغوط‏.‏ وأجيب بما في الأصول من أن الحكمة تراعى في الجنس ولا يلزم وجودها في كل فرد‏.‏ ثم اعلم أن الابتداء بغسل اليدين واجب إذا كانت النجاسة محققة فيهما وسنة عند ابتداء الوضوء كما ذكرنا وسنة مؤكدة عند توهم النجاسة كما إذا استيقظ من النوم فعلم بهذا أن قيد الاستيقاظ الواقع في الهداية وغيرها اتفاقي؛ لأن من حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم كحمران مولى عثمان بن عفان وغيره قدم فيه البداءة بغسل اليدين من غير تقييد بكونه عن نوم وعلل له في الهداية بأن اليدين آلة التطهير فيبدأ بتنظيفهما وأورد عليه بأن هذا يقتضي الوجوب؛ لأن ما لا يتوصل إلى الواجب إلا به فهو واجب‏.‏ وأجيب بأن هنا مانعا من القول بالوجوب، وهو طهارتهما حقيقة وحكما، فكأن الغسل إلى الرسغين؛ لأنه يكفي في حصول المقصود، وهو تنظيف الآلة وعلم بما قررناه أيضا أن ما في شرح المجمع من أن السنة في غسل اليدين للمستيقظ مقيدة بأن يكون نام غير مستنج أو كان على بدنه نجاسة حتى لو لم يكن كذلك لا يسن في حقه ضعيف أو المراد نفي السنة المؤكدة لا أصلها وكيفية غسلهما كما ذكر في الشروح أنه إن كان الإناء صغيرا بحيث يمكن رفعه لا يدخل يده فيه بل يرفعه بشماله ويصبه على كفه اليمنى ويغسلها ثلاثا ثم يأخذ الإناء بيمينه ويصبه على كفه اليسرى ويغسلها ثلاثا، وإن كان الإناء كبيرا لا يمكن رفعه، فإن كان معه إناء صغير يفعل كما ذكرنا، وإن لم يكن يدخل أصابع يده اليسرى مضمومة في الإناء يصب على كفه اليمنى ثم يدخل اليمنى في الإناء ويغسل اليسرى وعلله في المحيط بأن الجمع بين اليدين في كل مرة غير مسنون وتعقبه العلامة الحلبي بأن الجمع سنة كما تفيده الأحاديث والظاهر أن تقديم اليمنى على اليسري لأجل التيامن لا لما في المحيط كما لا يخفى قالوا ولا يدخل الكف حتى لو أدخله صار الماء مستعملا كما صرح به في المبتغى ومعناه صار الماء الملاقي للكف مستعملا إذا انفصل لا جميع ماء الإناء كما سنحققه في بحث المستعمل، وقالوا يكره إدخال اليد في الإناء قبل الغسل للحديث، وهي كراهة تتزيه؛ لأن النهي فيه مصروف عن التحريم بقوله‏:‏ «فإنه لا يدري أين باتت يده» فالنهي محمول على الإناء الصغير أو الكبير إذا كان معه إناء صغير فلا يدخل اليد فيه أصلا، وفي الكبير على إدخال الكف كذا في المستصفى وغيره مع أن المنقول في الخانية أن المحدث أو الجنب إذا أدخل يده في الإناء للاغتراف، وليس عليها نجاسة لا يفسد الماء وكذا إذا وقع الكوز في الجب فأدخل يده إلى المرفق لا يصير الماء مستعملا وفي شرح الأقطع يكره الوضوء بالماء الذي أدخل المستيقظ يده فيه لاحتمال النجاسة كما يكره الوضوء بالماء الذي أدخل الصبي يده فيه وفي المضمرات إذا لم يكن معه ما يغترف به ويداه نجستان، فإنه يأمر غيره أن يغترف بيديه ليصب على يديه ليغسلهما، وإن لم يجد يرسل في الماء منديلا ويأخذ طرفه بيده ثم يخرج من البئر فيغسل اليد بقطراته ثم يغسل اليد الأخرى أو يأخذ الثوب بإسنانه فيغسل يديه بالماء الذي يتقاطر ثلاثا، فإن لم يجد يرفع الماء بفمه فيغسل يديه، فإن لم يقدر، فإنه يتيمم ويصلي ولا إعادة عليه ا هـ‏.‏ وفي مسألة رفع الماء بفيه اختلاف والصحيح أنه يصير مستعملا، وهو مزيل للخبث‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ كالتسمية‏)‏ أي كما أن التسمية سنة في الابتداء مطلقا كذلك غسل اليدين سنة في الابتداء مطلقا أعني‏:‏ سواء كان الوضوء عن نوم أو غيره لفظها المنقول عن السلف كما في النهاية أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الخبازية بسم الله العظيم والحمد لله على دين الإسلام وعن الوبري يتعوذ ثم يبسمل وذكر الزاهدي أنه إن جمع بين ما تقدم والبسملة فحسن وفي المحيط السنة مطلق الذكر كالحمد لله أو لا إله إلا الله وما ذكره المصنف من أنها سنة مختار القدوري وفي الهداية الأصح أنها مستحبة قيل، وهو ظاهر الرواية ويسمي قبل الاستنجاء وبعده هو الصحيح إلا مع الانكشاف، وفي موضع النجاسة كذا في الخانية، وقد استدل لوجوب التسمية بحديث أبي داود‏:‏ «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه»، وهو، وإن ضعف ارتقى إلى الحسن بكثرة طرقه‏.‏ وأجاب عنه الطحاوي في شرح الآثار بمعارضته لما في الصحيحين‏:‏ «أنه عليه السلام لم يرد السلام حين سلم عليه رجل حتى أقبل على الجدار فتيمم ثم رد السلام» ولما رواه أبو داود وغيره من حديث المهاجرين‏:‏ «قنفذ لما سلم على النبي عليه السلام، وهو يتوضأ فلم يرد عليه فلما فرغ قال إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كنت على غير وضوء» فهذه تفيد عدم ذكره عليه السلام اسمه تعالى على غير طهارة ومقتضاه انتفاؤه في أول الوضوء فيحمل الأول على نفي الفضيلة جمعا بين الأحاديث وتعقبه في معراج الدراية وشرح المجمع بأنه يلزم منه أن لا تكون التسمية أفضل في ابتداء الوضوء وأن يكون وضوءه عليه السلام خاليا عن التسمية ولا يجوز نسبة ترك الأفضل له عليه السلام وقد يدفع بأنه يجوز ترك الأفضل له تعليما للجواز كوضوئه مرة مرة تعليما لجوازه، وهو واجب عليه، وهو أعلى من المستحب لكن يمكن الجمع بين الأحاديث بأن التسمية من لوازم إكماله فكان ذكرها من تمامه والذاكر لها قبل الوضوء مضطر إلى ذكرها لإقامة هذه السنة المكملة للفرض فخصت من عموم الذكر ومطلق الذكر ليس من ضروريات الوضوء والمستحب أن لا يطلق اللسان به إلا على طهارة ويدخل في التخصيص الأذكار المنقولة على أعضاء الوضوء لكونها من مكملاته كذا في معراج الدراية وهو مبني على أن المراد به نفي الفضيلة، وهو ظاهر في نفي الجواز لكنه خبر واحد لا يزاد به على الكتاب فمقتضاه الوجوب إلا لصارف فذكر بعضهم أن الصارف قوله عليه السلام‏:‏ «من توضأ وسمى الله تعالى كان طهورا لجميع أعضائه ومن توضأ ولم يسم الله كان طهورا لأعضاء وضوئه» فإنه يقتضي وجود الوضوء بلا تسمية، وهو مردود من ثلاثة أوجه‏:‏ الأول‏:‏ ضعف الحديث كما بينه في فتح القدير‏.‏ الثاني‏:‏ أن ترك الواجب لا ينفي الوجود، وإنما يوجب النقصان فقط الثالث أنه يقتضي تجزؤ الطهارة، وهي غير متجزئة عندنا كذا في المعراج ورده الأكمل في تقديره بأن من توضأ وغسل بعض أعضاء وضوئه كانت الطهارة مقتصرة على ما غسل، نعم بدن الإنسان باعتبار ما يخرج منه غير متجزئ وقيل الصارف عدم حكاية عثمان وعلي لها لما حكيا وضوءه عليه السلام ورده في فتح القدير بأن عدم النقل لا ينفي الوجود فكيف بعد الثبوت بوجه آخر ألا ترى أنهما لم ينقلا التخليل والسواك ولا شك أنهما سنتان وذكر في المبسوط أن الصارف هو عدم تعليمها للأعرابي لما علمه الوضوء ورده في فتح القدير بأن حديث الأعرابي، وإن حسنه الترمذي ضعفه ابن القطان قال فأدى النظر إلى وجوبها غير أن صحة الوضوء لا تتوقف عليها؛ لأن الركن إنما يثبت بالقاطع ولا يلزم الزيادة على الكتاب بخبر الواحد إلا لو قلنا بالافتراض، وقد أجاب عن قولهم لا واجب في الوضوء بما حاصله أن هذا الحديث لما كان ظني الثبوت قطعي الدلالة، ولم يصرفه صارف أفاد الوجوب ولا مانع منه، وقول من قال إنه ظني الدلالة ممنوع بأنه إن أريد بظنيتها مشتركها فما نحن فيه ليس منه، فإن الظاهر أن النفي متسلط على الوضوء والحكم الذي هو الصحة ونفي الكمال احتمال، وإن أريد بظنيتها ما فيه احتمال، ولو مرجوحا فلا نسلم أنه لا يثبت به الوجوب؛ لأن الظن واجب الاتباع، وإن كان فيه احتمال ولقائل أن يقول إن قوله عدم النقل لا ينفي الوجود إلى آخره لا يتم في الواجب إذا لا يجوز في التعليم ترك شيء من الواجبات فلو كانت التسمية واجبة لذكراها للحاجة إلى بيانها بخلاف السنن فكان هذا صارفا سالما عن الرد ومرادهم من ظني الدلالة مشتركها كما صرح به الأصوليون ولا شك أنه مشترك شرعي أطلق تارة وأريد به نفي الحقيقة نحو‏:‏ «لا صلاة لحائض إلا بخمار» «ولا نكاح إلا بشهود» وأطلق تارة مرادا به نفي الكمال نحو‏:‏ «لا صلاة للعبد الآبق» و «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» فتعين نفي الحقيقة في الأول بالإجماع، وفي الثاني؛ لأنه مشهور تلقته الأمة بالقبول فتجوز الزيادة بمثله على النصوص المطلقة، فكانت الشهادة شرطا فعند عدم المرجح لأحد المعنيين كان الحديث ظنيا، وبه تثبت السنة ومنه حديث التسمية والعجب من الكمال بن الهمام أنه في هذا الموضع نفى ظنية الدلالة عن حديث التسمية بمعنى مشتركها وأثبتها له في باب شروط الصلاة بأبلغ وجوه الإثبات بأن قال ولا شك في ذلك؛ لأن احتمال نفي الكمال قائم فالحق ما عليه علماؤنا من أنها مستحبة كيف وقد قال الإمام أحمد‏:‏ لا أعلم فيها حديثا ثابتا والله تعالى أعلم‏.‏ ولو نسي التسمية في ابتداء الوضوء ثم ذكرها في خلاله فسمى لا تحصل السنة بخلاف نحوه في الأكل كذا في التبيين معللا بأن الوضوء عمل واحد بخلاف الأكل، فإن كل لقمة فعل مبتدأ ا هـ‏.‏ ولهذا ذكر في الخانية لو قال كلما أكلت اللحم فلله علي أن أتصدق بدرهم فعليه بكل لقمة درهم؛ لأن كل لقمة أكل لكن قال المحقق ابن الهمام هو إنما يستلزم في الأكل تحصيل السنة في الباقي لا استدراك ما فات ا هـ‏.‏ وظاهره مع ما قبله أنه إذا نسي التسمية فإتيانه بها وعدمه سواء مع أن ظاهر ما في السراج الوهاج أن الإتيان بها مطلوب ولفظه، فإن نسي التسمية في أول الطهارة أتى بها إذا ذكرها قبل الفراغ حتى لا يخلو الوضوء منها‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والسواك‏)‏ أي استعماله؛ لأنه اسم للخشبة كذا في الشروح ولا حاجة إليه؛ لأن السواك يأتي بمعنى المصدر أيضا كما ذكره ابن فارس في كتابه المسمى بمقاييس اللغة؛ ولهذا قال في فتح القدير أي الاستياك والجميع سوك ككتاب وكتب ويجوز رفعه وجره، وهو الأظهر ليفيد أن الابتداء به سنة أيضا واستدل في الكافي للسنية ‏(‏بأنه عليه السلام واظب عليه مع الترك‏)‏ وتعقبه في فتح القدير بأنه لم تعلم المواظبة منه على الوضوء، وأما ما ورد من أفضلية الصلاة بسواك على غيرها فيدل على الاستحباب، وهو الحق؛ ولذا صحح الشارح وغيره الاستحباب واختلف في وقته ففي النهاية وفتح القدير أنه عند المضمضة وفي البدائع والمجتبى قبل الوضوء الأكثر على الأول، وهو الأولى؛ لأنه الأكمل في الإنقاء ليس هو من خصائص الوضوء بل يستحب في مواضع‏:‏ لاصفرار السن وتغير الرائحة والقيام من النوم والقيام إلى الصلاة وأول ما يدخل البيت وعند اجتماع الناس وعند قراءة القرآن كذا في فتح القدير وغيره لكن قولهم يستحب عند القيام إلى الصلاة ينافي ما نقلوه من أنه عندنا للوضوء لا للصلاة خلافا للشافعي وعلله السراج الهندي في شرح الهداية بأنه إذا استاك للصلاة ربما يخرج منه دم، وهو نجس بالإجماع، وإن لم يكن ناقضا عند الشافعي وقالوا فائدة الخلاف تظهر فيمن صلى بوضوء واحد صلوات يكفيه السواك للوضوء عندنا، وعند الشافعي يستاك لكل صلاة وكيفيته أن يستاك أعالي الأسنان وأسافلها والحنك ويبتدئ من الجانب الأيمن وأقله ثلاث في الأعالي وثلاث في الأسافل بثلاث مياه واستحب أن يكون لينا من غير عقد في غلظ الأصبع، وطول شبر من الأشجار المرة المعروفة ويستاك عرضا لا طولا؛ لأنه يخرج لحم الأسنان وقال الغزنوي يستاك طولا وعرضا والأكثر على الأول ويستحب إمساكه باليد اليمنى والسنة في كيفية أخذه أن تجعل الخنصر من يمينك أسفل السواك تحته والبنصر والوسطى والسبابة فوقه واجعل الإبهام أسفل رأسه تحته كما رواه ابن مسعود ولا يقبض القبضة على السواك، فإن ذلك يورث الباسور ويبدأ بالأسنان العليا من الجانب الأيمن ثم الأيسر ثم السفلى كذلك كذا في شرح منية المصلي وتقوم الأصبع أو الخرقة الخشنة مقامه عند فقده أو عدم أسنانه في تحصيل الثواب لا عند وجوده والأفضل أن يبدأ بالسبابة اليسرى ثم باليمنى والعلك يقوم مقامه للمرأة لكون المواظبة عليه تضعف أسنانها فيستحب لها فعله‏.‏ ومنافعه كثيرة منها أنه يرضي الرب ويسخط الشيطان ومن خشي من السواك القيء تركه ويكره أن يستاك مضطجعا، فإنه يورث كبر الطحال كذا في السراج الوهاج‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وغسل فمه وأنفه‏)‏ عدل عن المضمضة والاستنشاق المذكورين في أصله الوافي للاختصار وما في الشرح من أن الغسل يشعر بالاستيعاب فكان أولى، فيه نظر فإن المضمضة كذلك، فإنها اصطلاحا استيعاب الماء جميع الفم كما في الخلاصة وفي اللغة التحريك، والاستنشاق لغة من النشق‏:‏ وهو جذب الماء ونحوه بريح الأنف إلى داخله واصطلاحا‏:‏ إيصال الماء إلى مارن الأنف كذا في الخلاصة والمارن ما لان من الأنف والمبالغة سنة فيهما أيضا كذا في الوافي لحديث أصحاب السنن الأربعة «بالغ في المضمضة والاستنشاق إلا أن تكون صائما»، وهي في المضمضة بالغرغرة وفي الاستنشاق بالاستنثار كذا في الكافي والاستنثار دفع الماء ونحوه للخروج من الأنف وقد وافقه في فتح القدير على الأول وقال في الثاني‏:‏ كما في الخلاصة إلى ما اشتد من الأنف وفي الخلاصة هي في المضمضة أن يصل إلى رأس الحلق وقال شمس الأئمة‏:‏ هي في المضمضة أن يدير الماء في فيه من جانب إلى جانب والأولى ما في فتح القدير ذكره بعضهم، ولو تمضمض وابتلع الماء ولم يمجه أجزأه؛ لأن المج ليس من حقيقتها والأفضل أن يلقيه؛ لأنه ماء مستعمل وفي الظهيرية وإذا أخذ الماء بكفه فمضمض ببعضه واستنشق بالباقي جاز وبخلاف ذلك لا يجوز وفي المجتبى لو رفع الماء من كف واحدة للمضمضة جاز وللاستنشاق لا يجوز لصيرورة الماء مستعملا ولا يخفى أن نفي الجواز في المسألتين بمعنى نفي الإجزاء في تحصيل السنة لا بمعنى الحرمة لما أن أصلهما سنة أو تحمل على المضمضة والاستنشاق في الغسل الواجب وقالوا المضمضة والاستنشاق سنتان مشتملتان على سنن منها تقديم المضمضة على الاستنشاق بالإجماع ومنها التثليث في حق كل واحد بالإجماع وأخذ ماء جديد في التثليث سنة عندنا وعند الشافعي بماء واحد وأخذ ماء جديد لكل واحد منهما سنة عندنا وعند الشافعي لهما ماء واحد وإزالة المخاط باليد اليسرى كذا في المعراج وفي البدائع والمبسوط وفعلهما باليمين سنة وفي المنية أنه يستنشق باليسرى وفي المعراج ترك التكرار لا يكره مع الإمكان قال أستاذنا يتبين من هذا أن من عنده ماء يكفي للغسل مرة مع المضمضة والاستنشاق أو ثلاثا بدونهما يغسل مرة معهما وفي السراج أنهما سنتان مؤكدتان، فإن ترك المضمضة والاستنشاق أثم على الصحيح ا هـ‏.‏ ولا يخفى أن الإثم منوط بترك الواجب ويمكن الجواب مما قالوه من أن السنة المؤكدة في قوة الواجب ودليل سنيتهما المواظبة كما في الهداية وفي غاية البيان يعني مع الترك أحيانا، وإلا كانتا واجبتين وقد علمت مما قدمناه أن المواظبة من غير ترك لا تفيد الوجوب وجميع من حكى وضوءه عليه السلام اثنان وعشرون صحابيا كلهم ذكروهما فيه كما في فتح القدير وفي نسخة شرح عليها مسكين غسل فمه وأنفه بمياه وقال قوله بمياه متعلق بكل واحد والذي في الوافي غسل فمه بمياه وأنفه بمياه، وهو أولى مما في الكنز ليدل على تجديد الماء في كل منهما وقد جاء مصرحا به في حديث الطبراني من قوله‏:‏ «فمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا يأخذ لكل مرة ماء جديدا» و رواه أبو داود وسكت فكان حجة وما ورد مما ظاهره المخالفة فمحمول على الموافقة كما في فتح القدير وفي السراج الوهاج ولو تمضمض ثلاثا من غرفة واحدة لم يصر آتيا بالسنة وذكر الصيرفي أنه يصير آتيا بالسنة ا هـ‏.‏ ولا يخفى أنه يكون آتيا بسنة المضمضة لا بسنة كونها ثلاثا بمياه فالنفي والإثبات في القولين بالاعتبارين فلا اختلاف‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وتخليل لحيته وأصابعه‏)‏ أما تخليل اللحية، وهو تفريق الشعر من جهة الأسفل إلى فوق لغير المحرم فسنة على الأصح وقيده في السراج الوهاج بأن يكون بماء متقاطر في تخليل الأصابع ولم يقيده في تخليل اللحية وهل هو قول أبي يوسف وحده أو معه محمد قولان ذكرهما في المعراج وصحح في خير مطلوب أن محمدا مع أبي يوسف وعند أبي حنيفة مستحب لعدم ثبوت المواظبة؛ ولأن السنة إكمال الفرض في محله وداخل اللحية ليس بمحل الفرض لعدم وجوب إيصال الماء إلى باطن الشعر وجه الأصح ما رواه أبو داود عن أنس‏:‏ «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أخذ كفا من ماء تحت حنكه فخلل به لحيته وقال بهذا أمرني ربي» وسكت عنه وكذا المنذري بعده، وهو مغن عن نقل صريح المواظبة؛ لأن أمره حامل عليها وقولهم داخل اللحية ليس بمحل الفرض ممنوع بعد ثبوت الحديث الصحيح بخلافه وما أورد عليه من أن المضمضة والاستنشاق سنتان مع أنهما ليستا في محل الفرض أجيب عنه بأنهما في الوجه، وهو محل الفرض إذ لهما حكم الخارج من وجه؛ ولأن الكلام في سنة تكون تبعا للفرض بقرينة المقام، وإلا يخرج عنه بعض السنن كالنية والتسمية كما لا يخفى، وإنما لم يكن التخليل واجبا بالأمر في‏:‏ «أمرني ربي وخللوا أصابعكم» الآتي لوجود الصارف، وهو تعليم الأعرابي والأخبار التي حكي فيها وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن التخليل لم يذكر فيها وما في النهاية من أنا لو قلنا بالوجوب لزم الزيادة على النص بخبر الواحد فيه كلام إذ لا يلزم إلا لو قلنا بالافتراض وما في الكافي من أنا لو قلنا بالوجوب في الوضوء لساوى التبع الأصل ضعيف؛ لأنه مانع منه إذا اقتضاه الدليل لأن ثبوت الحكم بقدر دليله؛ ولأنه قد ظهر عدم المساواة في حكم آخر، وهو كونه لا يلزم بالنذر بخلاف الصلاة، وأما تخليل الأصابع، فهو إدخال بعضها في بعض بماء متقاطر ويقوم مقامه الإدخال في الماء، ولو لم يكن جاريا فسنة اتفاقا أعني أصابع اليدين والرجلين لما في السنن الأربعة من حديث لقيط بن صبرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا توضأت فأسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع» قال الترمذي‏:‏ حديث حسن صحيح وتقدم الصارف له عن الوجوب وكذا ما رواه الدارقطني‏:‏ «خللوا أصابعكم لا يتخللها الله بالنار يوم القيامة»؛ لأنه ليس فيه الوعيد على الترك حتى يفيد الوجوب؛ لأن منطوقه أن تخليل الأصابع في الوضوء يراد لعدم تخللها نار جهنم، وهو لا يستلزم أن عدم التخليل في الوضوء يستلزم تخلل النار إلا لو كان تخليل الأصابع في الوضوء علة مساوية لعدم تخليلها بالنار وهو منتف بأنه قد يوجد التخليل بالنار مع تخليل الأصابع فحينئذ لا حاجة إلى ما ذكر في شروح الهداية من أن الوعيد مصروف إلى ما إذا لم يصل إلى ما بين الأصابع إذا قد علمت أنه لا وعيد في الحديث هذا مع أن ما قالوه لا يتم؛ لأنه إذا لم يصل يكون الغسل فرضا وليس التخليل غسلا كما لا يخفى هذا مع أن حديث الدارقطني ضعيف كما في فتح القدير وفي الظهيرية والتخليل إنما يكون بعد التثليث؛ لأنه سنة التثليث ثم قيل الأولى في أصابع اليدين أن يكون تخليلها بالتشبيك وصفته في الرجلين أن يخلل بخنصر يده اليسرى خنصر رجله اليمنى ويختم بخنصر رجله اليسرى كذلك ورد الخبر كذا في معراج الدراية وغيره وتعقبه في فتح القدير بقوله والله أعلم به ومثله فيما يظهر أمر اتفاقي لا سنة مقصودة ا هـ‏.‏ لكن ورد بعض هذه الكيفية فيما رواه ابن ماجه عن المستورد بن شداد قال‏:‏ ‏(‏رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ فخلل أصابع رجليه بخنصره‏)‏ وأما كونه بخنصر يده اليسرى وبكونه من أسفل فالله أعلم به ويشكل كونه بخنصر اليسرى أن هذا من الطهارة المستحب في فعلها أن تكون باليمين ولعل الحكمة في كونها بالخنصر كونها أدق الأصابع فهي بالتخليل أنسب كذا في شرح المنية وقولهم من أسفل إلى فوق يحتمل شيئين أحدهما أنه يبدأ من أسفل الأصابع إلى فوق من ظهر القدم ثانيهما أن يكون المراد من أسفل الأصبع من باطن القدم كما جزم به في السراج الوهاج والأول أقرب، وفي المعراج عن شيخه العلامة في قوله عليه السلام‏:‏ «خللوا» الحديث دليل على أن وظيفة الرجل الغسل لا المسح فكان حجة على الروافض ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وتثليث الغسل‏)‏ أي تكراره ثلاثا سنة لكن الأولى فرض والثنتان سنتان مؤكدتان على الصحيح كذا في السراج واختاره في المبسوط الأولى أن يقال إنهما سنة مؤكدة لا توصف الثانية وحدها أو الثالثة وحدها بالسنية إلا مع ملاحظة الأخرى والسنة تكرار الغسلات المستوعيات لا الغرفات، وإن اكتفى بالمرة الواحدة قيل يأثم؛ لأنه ترك السنة المشهورة، وقيل لا يأثم؛ لأنه قد أتى بما أمره به ربه كذا في الظهيرية ولا يخفى ترجيح الثاني لقولهم والوعيد في الحديث لعدم رؤيته الثلاث سنة فلو كان الإثم يحصل بالترك لما احتيج إلى حمل الحديث على ما ذكروا، وقيل إن اعتاد يكره، وإلا فلا واختاره في الخلاصة وقد ذكروا دليل السنة ‏(‏أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة وقال هذا وضوء من لا يقبل الله الصلاة إلا به وتوضأ مرتين مرتين وقال هذا وضوء من يضاعف الله له الأجر مرتين وتوضأ ثلاثا ثلاثا وقال هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي فمن زاد على هذا أو نقص فقد تعدى وظلم‏)‏ فأما صدره إلى قوله‏:‏ «فمن زاد» فرواه الدارقطني وأما عجزه من قوله‏:‏ «فمن زاد» إلى آخره فرواه ابن ماجه والنسائي وقوله‏:‏ «توضأ مرة» أي غسل كل عضو مرة والمراد بالقبول الجواز بمعنى الصحة وإنما قلنا هذا لما عرف أن القبول لا يلازم الصحة لأن الصحة تعتمد وجود الشرائط والأركان والقبول يعتمد صدق العزيمة وخلوصها، وله شرائط كثيرة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنما يتقبل الله من المتقين‏}‏ واختلف في معنى قوله‏:‏ «فمن زاد على هذا» على أقوال فقيل على الحد المحدود، وهو مردود بقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «من استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل» والحديث في المصابيح وإطالة الغرة تكون بالزيادة على الحد المحدود، وقيل على أعضاء الوضوء وقيل الزيادة على العدد والنقص عنه والصحيح أنه محمول على الاعتقاد دون نفس الفعل حتى لو زاد أو نقص واعتمد أن الثلاث سنة لا يلحقه الوعيد كذا في البدائع واقتصر عليه في الهداية وعلى الأقوال كلها لو زاد لطمأنينة القلب عند الشك أو بنية وضوء آخر بعد الفراغ من الأول فلا بأس به؛ لأنه نور على نور وكذا إن نقص لحاجة لا بأس به كذا في المبسوط وأكثر شروح الهداية، وفيه كلام؛ لأنهم قد صرحوا بأن تكرار الوضوء في مجلس واحد لا يستحب بل يكره لما فيه من الإسراف في الماء كما في السراج الوهاج فكيف يدعي الاتفاق كما في الخلاصة على عدم الكراهة لو نوى وضوءا آخر حين فرغ من الأول اللهم إلا أن يحمل على ما إذا اختلف المجلس، وهو بعيد كما لا يخفى وفي الحديث لف ونشر؛ لأن التعدي يرجع إلى الزيادة والظلم إلى النقصان كذا في غاية البيان وقيد المصنف بالغسل احتراز عن المسح، فإنه لا يسن تثليثه كذا في فتح القدير وإذا كان غير مسنون فهل يكره فالمذكور في المحيط والبدائع أنه يكره وفي الخلاصة أنه بدعة، وقيل لا بأس به، وفي فتاوى قاضي خان وعندنا لو مسح ثلاث مرات بثلاث مياه لا يكره ولكن لا يكون سنة ولا أدبا‏.‏ ا هـ‏.‏ وهو الأولى كما لا يخفى إذ لا دليل على الكراهة وسيأتي تمامه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ونيته‏)‏ أي ونية المتوضئ رفع الحدث أو إقامة الصلاة هذا هو مراد المصنف كما أفصح عنه في الكافي فلا حاجة حينئذ إلى ما ذكره الزيلعي كما لا يخفى واستفيد منه أن نية الطهارة لا تكفي في تحصيل السنة كأنه والله أعلم لأنها متنوعة إلى إزالة الحدث أو الخبث فلم ينو خصوص الطهارة الصغرى، فعلى هذا لو نوى الوضوء، فإنه يكون محصلا لها؛ لأن الوضوء ورفع الحدث سواء؛ لأن حقيقة الوضوء رفع الحدث كما حققناه أولا، وعلى هذا فيصح عود الضمير إلى الوضوء وسقط به كلام الزيلعي أيضا كما لا يخفى مع أن الوضوء أخص من رفع الحدث؛ لأنه يشمل الغسل فعلى هذا نية الوضوء أولى قالوا المعتبر قصد رفع الحدث أو إقامة الصلاة كما ذكر أو استباحتها أو امتثال الأمر كما في المعراج ولا يتأتى الأخير قبل دخول الوقت إذ ليس مأمورا به إلا أن يقال إن الوضوء لا يكون نفلا؛ لأنه شرط للصلاة وشرطها فرض ولا يخفى ما فيه، وهي لغة عزم القلب على الشيء واصطلاحا كما في التلويح قصد الطاعة والتقرب إلى الله تعالى في إيجاد الفعل واعترض عليه بأن هذا إنما يستقيم في العبادات المترتب عليها الثواب دون المنهيات المترتب عليها العقاب فالصواب أن تفسر النية بتوجه القلب نحو إيجاد الفعل وتركه موافقا لغرض من جلب نفع أو دفع ضر حالا أو مآلا ا هـ وقد يقال إن هذا الاعتراض مبني على أن المكلف به في النهي ليس هو الكف الذي هو الانتهاء، وهو قول البعض والراجح في الأصول أنه لا تكليف إلا بفعل فهو في النهي كفه النفس فحينئذ دخل في إيجاد الفعل وفي الصحاح العزم إرادة الفعل والقطع عليه والقصد إتيان الشيء وذكر اليمني في شرح الشهاب ثم النية معنى وراء العلم فهي نوع إرادة كالقصد والعزيمة والهم والحب والود فالكل اسم للإرادة الحادثة لكن العزم اسم للمتقدم على الفعل والقصد اسم للمقترن بالفعل والنية اسم للمقترن بالفعل مع دخوله تحت العلم بالمنوي، وهذا؛ لأن الفعل لا يوجد بدون الإرادة، فإذا قام الرجل من قعوده لا بد وأن يكون مريدا للقيام، وإن لم تعمل إرادته القيام وقد يركع الرجل ويسجد ذاهلا عن معرفة إرادة الركوع والسجود ويستحيل وجودهما بدون الإرادة بالكلية لأن الإرادة صنو القدرة وإنما المفقود العلم لا غير؛ ولذا قلنا للمكره إرادة، وإن كانت فاسدة بمقابلة إرادة المكره لكن قد تذكر النية مقام العزيمة كما في قولنا ونوى الصوم بالليل أي عزم عليه، وأطال فيه فليراجع لاشتماله على فوائد كثيرة ثم اعلم أن النية في غير التوضؤ بسؤر الحمام وبنبيذ التمر سنة مؤكدة على الصحيح وليست بشرط في كون الوضوء مفتاحا للصلاة ووقتها عند غسل الوجه ومحلها القلب والتلفظ بها مستحب كذا في السراج الوهاج، وأما النية في التوضؤ بسؤر الحمام أو بنبيذ التمر فشرط كذا في شرح المجمع والنقاية معزيين إلى الكفاية قيدنا بقولنا في كونه مفتاحا؛ لأنها شرط في كونه سببا للثواب على الأصح وقيل يثاب بغير نية ثم استدل الشافعي على اشتراطها فيه بالحديث المشهور المتفق على صحته‏:‏ «إنما الأعمال بالنية» ووجهه أن المراد بالأعمال العبادات لأن كثيرا من الأعمال تعتبر شرعا بلا نية فيكون المراد إنما صحة العبادات بالنية والوضوء عبادة لأنها فعل ما يرضي الرب، وهو كذلك فصار كالتيمم ولنا على ما ذكره الأصوليون أن حقيقة هذا التركيب متروكة بدلالة محل الكلام؛ لأن كلمة إنما للحصر، وقد دخلت على المعرف فاللام الاستغراق، وذلك يقتضي أن لا يوجد عمل بلا نية ولا يمكن حمله على العموم؛ لأن كثيرا من الأعمال يوجد بلا نية، فصار مجازا عن حكمه فالتقدير حكم الأعمال بالنيات من إطلاق اسم السبب على المسبب أو من حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه والحكم نوعان‏:‏ مختلفان أحدهما‏:‏ أخروي، وهو الثواب والإثم، وهو بناء على صدق العزيمة وعدمه والثاني دنيوي، وهو الجواز والفساد هو بناء على وجود الأركان والشرائط وعدمها ولما اختلف الحكمان صار الاسم بعد كونه مجازا مشتركا ويكفي في تصحيحه ما هو المتفق عليه، وهو الحكم الأخروي ولا دليل على ما اختلف فيه فلا يصلح تقديره حجة علينا فاندفع بهذا التقرير ما أورده في الكشف وشرح المغني وشرح المنار من أن قولهم إن الحكم مشترك ولا عموم له ممنوع بل هذا في المشترك اللفظي أما المشترك المعنوي فله عموم كالشيء والحكم منه فيتناول الكل باعتبار المعنى الأعم إذ تفسير الحكم الأثر الثابت بالشيء ا هـ‏.‏ مع أن الأكمل في تقريره أجاب عنه بأن هذا إنما يستقيم أن لو كان الحكم مقولا عليهما بالتواطؤ، وهو ممنوع؛ لأن الجواز والفساد وإن كانا أثرين ثابتين بالأعمال موجبين لها لكن الثواب والعقاب ليسا كذلك على المذهب الصحيح ا هـ‏.‏ يعني‏:‏ لتخلفهما في الأول بعدم القبول مع الصحة وفي الثاني بالعفو من الله تعالى والمراد بالأعمال ما يشمل عمل القلب فيدخل فيه كف النفس بالنهي، فإنه عمل ولا ترد النية؛ لأنها خارجة لمعنى يخصها، وهو لزوم التسلسل لكن اعتبار النية للتروك إنما هو لحصول الثواب لا للخروج عن عهدة النهي؛ لأن مناط الوعيد بالعقاب في النهي هو فعل المنهي فمجرد تركه كاف في انتفاء الوعيد ومناط الثواب في المنهي كف النفس عنه، وهو عمل مندرج في الحديث وعلى هذا ففرق الشافعية بين الوضوء وإزالة النجاسة بأن الوضوء فعل فيفتقر إلى النية وطهارة النجاسة من باب التروك فلا تفتقر إلى النية كترك الزنا ضعيف، فإن التكليف أبدا لا يقع إلا بالفعل الذي هو مقدور المكلف لا بعدم الفعل الذي هو غير مقدور وجوده قبل التكليف كما عرف في مقتضى النهي أنه كف النفس عن الفعل لا عدم الفعل والترك ليس بفعل؛ ولهذا لا يثاب المكلف على الترك إلا إذا ترك قاصدا فلا يثاب على ترك الزنا إلا إذا كف نفسه عنه قصدا لا إذا اشتغل عنه بفعل آخر كالنوم والعبادة وتركه بلا قصد فلا فرق بين الفعل والترك الموجبين للثواب والعقاب وقوله إن الوضوء عبادة والعبادة لا تصح إلا بالنية سلمناه لأنه لا يقع عبادة بدونها عندنا، وليس الكلام في هذا بل في أنه إذا لم ينو حتى لم يقع عبادة سببا للثواب فهل يقع الشرط المعتبر للصلاة حتى تصح به أو لا‏؟‏ ليس في الحديث دلالة على نفيه ولا إثباته فقلنا نعم؛ لأن الشرط مقصود التحصيل لغيره لا لذاته فكيف حصل تحصيل المقصود، وصار كستر العورة وباقي شروط الصلاة لا يفتقر اعتبارها إلى أن تنوى فمن ادعى أن الشرط وضوء هو عبادة فعليه البيان بخلاف التيمم؛ لأن التراب لم يعتبر شرعا مطهرا إلا للصلاة وتوابعها لا في نفسه فكان التطهير به تعبدا محضا، وفيه يحتاج إلى النية وقياس الوضوء على التيمم ضعيف؛ لأن شرط صحة القياس أن لا يكون الأصل متأخرا والتيمم شرع بعد الهجرة والوضوء قبلها إلا إن قصد به الاستدلال بمعنى لما شرع التيمم بشرط النية ظهر وجوبها في الوضوء فهو بمعنى لا فارق، فليس الجواب إلا بإثبات الفارق المتقدم وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم الأعرابي الوضوء، ولم يبين له النية، فلو كانت شرطا لبينها له، وقد علم مما قدمناه أن الوضوء يقع عبادة فقول بعضهم إنه ليس بعبادة محمول على ما إذا لم ينو أو مراده نفي العبادة كما صرح به في الكافي وغيره وبهذا اندفع ما ذكره النووي من الرد على من نفى العبادة عن الوضوء متمسكا بحديث مسلم‏:‏ «الطهور شطر الإيمان» واعلم أن المذكور في الأصول أن الغسل والمسح في آية الوضوء خاصان وهو لا يحتمل البيان فاشتراط النية في الوضوء زيادة على النص بخبر الواحد لو دل عليها، وهو لا يجوز فأورد العقدة الأخيرة، فإنها فرض بخبر الواحد فأجيب بأن الصلاة مجملة في حق ما تتم به إذ لم يعرف بأن إتمامها بأي شيء يقع فاحتاج إلى البيان وقد بين بالحديث فالفرض ثبت بالكتاب والحديث والتحق به بيانا لمجمله فأورد أنه ينبغي أن يلتحق خبر الفاتحة كذلك فأجيب بأنه لا إجمال في أمر القراءة بل هو خاص وأورد أيضا أنه ينبغي عدم اشتراط النية في العبادات لما ذكر أجيب بأنها فرض فيها لا بالحديث المذكور بل بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين‏}‏، فإنه جعل الإخلاص الذي هو عبارة عن النية حالا للعابدين والأحوال شروط ومن هنا نشأ إشكال على من استدل به على اشتراطها في العبادات كصاحب الهداية مع قولهم في الأصول إن حديث‏:‏ «إنما الأعمال بالنيات» من قبيل ظني الثبوت والدلالة يفيد السنية والاستحباب وسيأتي تمامه في محله إن شاء الله تعالى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومسح كل رأسه مرة‏)‏ أي مرة مستوعبة لما روى الترمذي في جامعه أن عليا رضي الله تعالى عنه توضأ وغسل أعضاءه ثلاثا ومسح رأسه مرة وقال‏:‏ ‏(‏هذا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ وفي الهداية والذي يروى عنه من التثليث فمحمول عليه بماء واحد، وهو مشروع على ما روى الحسن عن أبي حنيفة ا هـ‏.‏ ولأن التكرار في الغسل لأجل المبالغة في التنظيف ولا يحصل ذلك بالمسح فلا يفيد التكرار فصار كمسح الخف والجبيرة والتيمم وما قلناه أولى؛ لأنه قياس الممسوح على الممسوح وما قال الشافعي قياس الممسوح على المغسول وفي العناية، فإن قيل قد صار البلل مستعملا بالمرة الأولى فكيف يسن إمراره ثانيا وثالثا أجيب بأنه يأخذ حكم الاستعمال لإقامة فرض آخر لا لإقامة السنة؛ لأنها تبع للفرض ألا ترى أن الاستيعاب يسن بماء واحد وقال الزيلعي تكلموا في كيفية المسح والأظهر أن يضع كفيه وأصابعه على مقدم رأسه ويمدهما إلى القفا على وجه يستوعب جميع الرأس ثم يمسح أذنيه بأصبعيه ولا يكون الماء مستعملا بهذا؛ لأن الاستيعاب بماء واحد لا يكون إلا بهذا الطريق وما قاله بعضهم من أنه يجافي كفيه تحرزا عن الاستعمال لا يفيد؛ لأنه لا بد من الوضع والمد، فإن كان مستعملا بالموضوع الأول فكذا بالثاني فلا يفيد تأخيره‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وأذنيه بمائه‏)‏ أي بماء الرأس وفي المجتبى يمسحهما بالسبابتين داخلهما وبالإبهامين خارجهما، وهو المختار كذا في المعراج وعن الحلواني وشيخ الإسلام يدخل الخنصر في أذنيه ويحركهما واستدل المشايخ بالحديث‏:‏ «الأذنان من الرأس» أي يمسحان بما يمسح به الرأس وتمام تقريره في غاية البيان واستدل في فتح القدير بفعله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «أنه أخذ غرفة فمسح بها رأسه وأذنيه» على ما رواه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وأما ما روي‏:‏ «أنه عليه السلام أخذ لأذنيه ماء جديدا» فيجب حمله على أنه لفناء البلة قبل الاستيعاب توفيقا بينهما مع أنه لو أخذ ماء جديدا من غير فناء البلة كان حسنا كذا في شرح مسكين فاستفيد منه أن الخلاف بيننا وبين الشافعي في أنه إذا لم يأخذ ماء جديدا ومسح بالبلة الباقية هل يكون مقيما للسنة فعندنا وعنده لا أما لو أخذ ماء جديدا مع بقاء البلة، فإنه يكون مقيما للسنة اتفاقا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والترتيب المنصوص‏)‏ أي كما ذكر في النص في أصله الوافي، وهو سنة مؤكدة عندنا على الصحيح ويكون مسيئا بتركه وعند الشافعي فرض ومنهم من بنى الخلاف على الاختلاف في معنى الواو وليس بصحيح، فإن الصحيح عندنا وعنده كما هو قول الأكثر أن الواو لمطلق الجمع ولا تفيد الترتيب ومن زعم من أئمتنا بأنها له لمسائل استدل بها فقد أجيب عنها في الأصول ومن زعم من الشافعية أنها له فقد ضعفه النووي في شرح المهذب فلم يوجد دليل بالافتراض فنفاه أئمتنا وقد علم من فعله عليه الصلاة والسلام فقالوا بسنيته وأما ما استدل به النووي بأن الله تعالى ذكر ممسوحا بين مغسولات والأصل جمع المتجانسة على نسق واحد ثم عطف غيرها لا يخرج عن ذلك إلا لفائدة، وهي هنا وجوب الترتيب فقد أجيب عنه بأن الفائدة التنبيه على وجوب الاقتصاد في صب الماء على الأرجل لما أنها مظنة الإسراف كما في الكشاف وغيره وقد روى البخاري كما في التوشيح وأبو داود كما في السراج الوهاج أنه عليه الصلاة والسلام‏:‏ «تيمم فبدأ بذراعيه قبل وجهه» فلما ثبت عدم الترتيب في التيمم ثبت في الوضوء؛ لأن الخلاف فيهما واحد، وأما ما استدل به الشارحون للشافعي من أن الله تعالى عقب القيام بغسل الوجه بالفاء، وهي للترتيب بلا خلاف، ومتى وجب تقديم الوجه تعين الترتيب إذ لا قائل بالترتيب في البعض وما أجابوا به من أن الفاء إنما تفيد ترتيب غسل الأعضاء على القيام إلى الصلاة لا ترتيب بعضها على بعض فقد قال النووي‏:‏ إنه استدلال باطل عن الشافعي وكأن قائله حصل له ذهول واشتباه فاخترعه، وأما ما استدل به الزيلعي عن الشافعي من الحديث‏:‏ «لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه فيغسل يديه ثم يغسل وجهه ثم يغسل ذراعيه» فقد اعترف النووي بضعفه فلا حاجة إلى الاشتغال بجوابه، وأما ما استدل به في المعراج وغيره من أنه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «نسي مسح رأسه ثم تذكر فمسحها ولم يعد غسل رجليه» فقد قال النووي إنه ضعيف لا يعرف‏.‏ والحاصل أنه لا حاجة إلى إقامة الدليل على عدم الافتراض؛ لأنه الأصل ومدعيه مطالب به‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والولاء‏)‏ بكسر الواو، وهو التتابع في الأفعال من غير أن يتخللها جفاف عضو مع اعتدال الهواء كذا في تقرير الأكمل وغيره وفي السراج مع اعتدال الهواء والبدن بغير عذر، وأما إذا كان لعذر بأن فرغ ماء الوضوء أو انقلب الإناء فذهب لطلب الماء وما أشبهه فلا بأس بالتفريق على الصحيح وكذا إذا فرق في الغسل والتيمم‏.‏ ا هـ‏.‏ وظاهر الأول أن العضو الأول إذا جف بعدما غسل الثاني، فإنه ليس بولاء وذكر الزيلعي وغيره أن الولاء غسل العضو الثاني قبل جفاف الأول، وهو يقتضي أنه ولاء، وهو الأولى وفي المعراج عن الحلواني تجفيف الأعضاء قبل غسل القدمين بالمنديل لا يفعل؛ لأن فيه ترك الولاء ولا بأس بأن يمسح بالمنديل واستدل في المعراج على عدم فرضية الولاء بأن ابن عمر رضي الله عنهما توضأ في السوق فغسل وجهه ويديه ومسح برأسه ثم دعي إلى جنازة فدخل المسجد ثم مسح على خفيه ا هـ‏.‏ قال النووي في شرح المهذب، وهو أثر صحيح رواه مالك عن نافع عن ابن عمر والاستدلال به حسن، فإن ابن عمر فعله بحضرة حاضري الجنازة ولم ينكر عليه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومستحبه التيامن‏)‏ أي مستحب الوضوء البداءة باليمين في غسل الأعضاء، وهو في اللغة الشيء المحبوب ضد المكروه وعند الفقهاء هو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مرة وتركه أخرى والمندوب ما فعله مرة أو مرتين وتركه تعليما للجواز كذا في شرح النقاية ويرد عليه ما رغب فيه ولم يفعله وما جعله تعريفا للمستحب جعله في المحيط تعريفا للمندوب، فالأولى ما عليه الأصوليون من عدم الفرق بين المستحب والمندوب، وأن ما واظب صلى الله عليه وسلم عليه مع ترك ما بلا عذر سنة وما لم يواظب عليه مندوب ومستحب، وإن لم يفعله بعد ما رغب فيه كذا في التحرير وحكمه الثواب على الفعل وعدم اللوم على الترك، وإنما كان التيامن مستحبا لما في الكتب الستة عن عائشة رضي الله عنها‏:‏ «كان صلى الله عليه وسلم يحب التيامن في كل شيء حتى في طهوره وتنعله وترجله وشأنه كله» والمحبوبية لا تستلزم المواظبة؛ لأن جميع المستحبات محبوبة له ومعلوم أنه لم يواظب على كلها وإلا لم تكن مستحبة بل مسنونة لكن أخرج أبو داود وابن ماجه عنه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا توضأتم فابدءوا بميامنكم» وغير واحد من حكى وضوءه صلى الله عليه وسلم صرحوا بتقديم اليمنى على اليسرى وذلك يفيد المواظبة؛ لأنهم إنما يحكون وضوءه الذي هو عادته فيكون سنة وبمثله تثبت سنية الاستيعاب؛ لأنهم كذلك حكوا المسح كذا في فتح القدير لكن المواظبة لا تفيد السنية إلا إذا كانت على سبيل العبادة، وأما إذا كانت على سبيل العادة فتفيد الاستحباب والندب لا السنية كلبس الثوب والأكل باليمين ومواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على التيامن كانت من قبيل الثاني فلا تفيد السنية كذا في شرح الوقاية وكذا قال في السراج الوهاج إن البداءة باليمنى فضيلة على الأصح وقيدنا بقولنا في غسل الأعضاء تبعا لصدر الشريعة وغيره احترازا عن الممسوح، فإنه لا يستحب تقديم اليمنى فيه كمسح الأذنين؛ لأن مسحهما معا أسهل كالحدين، وليس في أعضاء الوضوء عضوان لا يتسحب تقديم الأيمن منهما إلا الأذنين، فإن كان الرجل أقطع لا يمكنه مسحهما معا فإنه يبتدئ باليمنى وبالحد الأيمن كذا في السراج الوهاج‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومسح رقبته‏)‏ يعني بظهر اليدين لعدم استعمال بلتهما، وقد اختلف فيه فقيل بدعة وقيل سنة، وهو قول الفقيه أبي جعفر وبه أخذ كثير من العلماء كذا في شرح مسكين، وفي الخلاصة الصحيح أنه أدب، وهو بمعنى المستحب كما قدمناه، وأما مسح الحلقوم فبدعة واستدل في فتح القدير على استحباب مسح الرقبة‏:‏ ‏(‏أنه عليه السلام مسح ظاهر رقبته مع مسح الرأس‏)‏ فاندفع به قول من زعم أنه بدعة، وليس مراده حصر مستحبه فيما ذكر؛ لأن له مستحبات كثيرة وعبر عنها بعضهم بمندوباته، وقدمنا عدم الفرق بينهما فالذي في فتح القدير أن المندوبات نيف وعشرون ترك الإسراف والتقتير وكلام الناس والاستعانة وعن الوبري لا بأس بصب الخادم كان صلى الله عليه وسلم يصب الماء عليه والتمسح بخرقة يمسح بها موضع الاستنجاء ونزع خاتم عليه اسمه تعالى أو اسم نبيه حال الاستنجاء وكون آنيته من خزف وأن يغسل عروة الإبريق ثلاثا ووضعه على يساره، وإن كان إناء يغترف منه فعن يمينه ووضع يده حالة الغسل على عروته لا رأسه والتأهيل بالوضوء قبل الوقت وذكر الشهادتين عند كل عضو واستقبال القبلة في الوضوء واستصحاب النية في جميع أفعاله وتعاهد موقيه وما تحت الخاتم والذكر المحفوظ عند كل عضو وأن لا يلطم وجهه بالماء وإمرار اليد على الأعضاء المغسولة والتأني والدلك خصوصا في الشتاء وتجاوز حدود الوجه واليدين والرجلين ليستيقن غسلهما وقول سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين إلخ وأن يشرب فضل وضوئه مستقبلا قائما قيل، وإن شاء قاعدا وصلاة ركعتين عقيبه وملء آنيته استعدادا وحفظ ثيابه من التقاطر والامتخاط بالشمال عند الاستنشاق ويكره باليمين وكذا إلقاء البزاق في الماء والزيادة على ثلاث في غسل الأعضاء وبالماء المشمس ا هـ‏.‏ وهنا

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ أن الإسراف هو الاستعمال فوق الحاجة الشرعية، وإن كان على شط نهر وقد ذكر قاضي خان تركه منا السنن ولعله الأوجه فعلى كونه مندوبا لا يكون الإسراف مكروها وعلى كونه سنة يكون مكروها تنزيها وصرح الزيلعي بكراهته وفي المبتغى أنه من المنهيات فتكون تحريمية وقد ذكر المحقق آخرا أن الزيادة على ثلاث مكروهة، وهي من الإسراف، وهذا إذا كان ماء نهر أو مملوكا له، فإن كان ماء موقوفا على من يتطهر أو يتوضأ حرمت الزيادة والسرف بلا خلاف وماء المدارس من هذا القبيل؛ لأنه إنما يوقف ويساق لمن يتوضأ الوضوء الشرعي كذا في شرح منية المصلي، وقد علمت فيما قدمناه أن الزيادة على الثلاث لطمأنينة القلب أو بنية وضوء آخر لا بأس به فينبغي تقييد ما أطلقوه هنا الثاني أن ترك كلام الناس لا يكون أدبا إلا إذا لم يكن لحاجة، فإن دعت إليه حاجة يخاف فوتها بتركه لم يكن في الكلام ترك الأدب كما في شرح المنية الثالث أن التأهب بالوضوء قبل الوقت مقيد بغير صاحب العذر وفي شرح المنية وعندي أنه من آداب الصلاة لا الوضوء؛ لأنه مقصود لفعل الصلاة الرابع أن الزيلعي صرح بأن لطم الوجه بالماء مكروه فيكون تركه سنة لا أدبا الخامس أن ذكره الدلك بعد ذكره إمرار اليد على الأعضاء تكرار؛ لأن الدلك كما في شرح المنية إمرار اليد على الأعضاء المغسولة ينبغي أن يزاد مع الاتكاء السادس أنه ذكر الدلك من المندوبات، وفي الخلاصة أنه سنة عندنا السابع أنه ذكر منها ملء آنيته استعدادا، وينبغي تقييده بما إذا لم يكن الوضوء من النهر أو الحوض؛ لأن الوضوء منه أيسر من الوضوء من الإناء الثامن‏:‏ أن الأدعية المذكورة في كتب الفقه قال النووي لا أصل لها، والذي ثبت الشهادة بعد الفراغ من الوضوء وأقره عليه السراج الهندي في التوشيح التاسع‏:‏ أن منها غسل ما تحت الحاجبين والشارب لعدم الحرج، العاشر‏:‏ إن صلاة الركعتين بعد الوضوء إنما تندب إذا لم يكن وقت كراهة الحادي عشر‏:‏ أن منها الجمع بين نية القلب وفعل اللسان كما في المعراج الثاني عشر‏:‏ أن لا يتوضأ في المواضع النجسة؛ لأن لماء الوضوء حرمة كذا في المضمرات الثالث عشر‏:‏ منها أن يبدأ في غسل الوجه من أعلاه وفي مسح الرأس بمقدمه، وفي اليد والرجل بأطراف الأصابع كما في المعراج الرابع عشر‏:‏ منها إدخال خنصريه في صماخ أذنيه الخامس عشر‏:‏ أن منها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل عضو كما في التبيين‏.‏