فصل: سنة ست ومائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البداية والنهاية **


 خلافة يزيد بن عبد الملك

بويع له بعهد من أخيه سليمان بن عبد الملك أن يكون ولي الأمر من بعد عمر بن عبد العزيز، فلما توفي عمر في رجب من هذه السنة - أعني سنة إحدى ومائة - بايعه الناس البيعة العامة، وعمره إذ ذاك تسع وعشرون سنة، فعزل في رمضان منها عن إمرة المدينة أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وولى عليها عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس، فجرت بينه وبين أبي بكر بن حزم منافسات وضغائن، حتى آل الأمر إلى أن استدرك عليه حكومة فحدَّه حدين فيها‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/245‏)‏

وفيها كانت وقعة بين الخوارج، وهم أصحاب بسطام الخارجي، وبين جند الكوفة، وكانت الخوارج جماعة قليلة، وكان جيش الكوفة نحواً من عشرة آلاف فارس، وكادت الخوارج أن تكسرهم، فتذامروا بينهم فطحنوا الخوارج طحناً عظيماً، وقتلوهم عن آخرهم، فلم يبقوا منهم ثائرة‏.‏

وفيها خرج يزيد بن المهلب فخلع يزيد بن عبد الملك واستحوذ على البصرة، وذلك بعد محاصرة طويلة، وقتال طويل، فلما ظهر عليها بسط العدل في أهلها، وبذل الأموال، وحبس عاملها عدي بن أرطاة، لأنه كان قد حبس آل المهلب الذين كانوا بالبصرة، حين هرب يزيد بن المهلب من محبس عمر بن عبد العزيز، كما ذكرنا، ولما ظهر على قصر الأمارة أتي بعدي بن أرطاة فدخل عليه وهو يضحك، فقال يزيد بن المهلب‏:‏ إني لأعجب من ضحكك، لأنك هربت من القتال كما تهرب النساء، وإنك جئتني وأنت تُتَلُّ كما يُتَل العبد‏.‏ فقال عدي‏:‏ إني لأضحك لأن بقائي بقاء لك، وأن من ورائي طالباً لا يتركني، قال‏:‏ ومن هو‏؟‏ قال‏:‏ جنود بني أمية بالشام، ولا يتركونك، فدارك نفسك قبل أن يرمي إليك البحر بأمواجه، فتطلب الإقالة فلا تقال‏.‏ فرد عليه يزيد جواب ما قال، ثم سجنه كما سجن أهله‏.‏

واستقر أمر يزيد بن المهلب على البصرة، وبعث نوابه في النواحي والجهات، واستناب في الأهواز، وأرسل أخاه مدرك بن المهلب عن نيابة خراسان، ومعه جماعة من المقاتلة، فلما بلغ خبره الخليفة يزيد بن عبد الملك جهز ابن أخيه العباس بن الوليد بن عبد الملك في أربعة آلاف، مقدمة بين يدي عمه مسلمة بن عبد الملك، وهو في جنود الشام، قاصدين البصرة لقتاله، ولما بلغ يزيد بن المهلب مخرج الجيوش إليه خرج من البصرة واستناب عليها أخاه مروان بن المهلب، وجاء حتى نزل واسط، واستشار من معه من الأمراء فيماذا يعتمده‏؟‏ فاختلفوا عليه في الرأي، فأشار عليه بعضهم بأن يسير إلى الأهواز ليتحصن في رؤوس الجبال، فقال‏:‏ إنما تريدون أن تجعلوني طائراً في رأس جبل‏؟‏ وأشار عليه رجال أهل العراق أن يسير إلى الجزيرة فينزلها بأحصن حصن فيها، ويجتمع عليه أهل الجزيرة فيقاتل بهم أهل الشام، وانسلخت هذه السنة وهو نازل بواسط، وجيش الشام قاصده‏.‏

وحج بالناس في هذه السنة عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس أمير المدينة، وعلى مكة عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد، وعلى الكوفة عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، وعلى قضائها عامر الشعبي، وعلى البصرة يزيد بن المهلب‏.‏ قد استحوذ عليها وخلع أمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/246‏)‏

 وفيها توفي‏:‏

عمر بن عبد العزيز‏.‏

وربعي بن حراش‏.‏

وأبو صالح السمان‏.‏

وكان عابداً صادقاً ثبتاً، وقد ترجمناه في كتابنا التكميل، والله أعلم‏.‏

 ثم دخلت سنة ثنتين ومائة

فيها كان اجتماع مسلمة بن عبد الملك مع يزيد بن المهلب، وذلك أن يزيد بن المهلب ركب من واسط واستخلف عليها ابنه معاوية، وسار هو في جيش، و بين يديه أخوه عبد الملك بن المهلب، حتى بلغ مكاناً يقال له‏:‏ العقر، وانتهى إليه مسلمة بن عبد الملك في جنود لا قبل ليزيد بها، وقد التقت المقدمتان أولاً فاقتتلوا قتالاً شديداً، فهزم أهل البصرة أهل الشام، ثم تذامر أهل الشام فحملوا على أهل البصرة فهزموهم وقتلوا منهم جماعة من الشجعان منهم‏:‏ المنتوف، وكان شجاعاً مشهوراً، وكان من موالي بكر بن وائل، فقال في ذلك الفرزدق‏:‏

تبكي على المنتوف بكر بن وائل * وتنهى عن ابني مسمع من بكاهما

فأجابه الجعد بن درهم مولى الثوريين من همدان وهذا الرجل هو أول الجهمية، وهو الذي ذبحه خالد بن عبد الله القسري يوم عيد الأضحى فقال الجعد‏:‏

تبكي على المنتوف في نصر قومه * وليتنا نبكي الشائدين أباهما

أرادا فناء الحي بكر بن وائل * فعز تميمٌ لو أصيب فناهما

فلا لقيا روحاً من الله ساعة * ولا رقأت عيناً شجيٍّ بكاهما

أفي الغش نبكي إن بكينا عليهما * وقد لقيا بالغش فينا رداهما

ولما اقترب مسلمة وابن أخيه العباس بن الوليد من جيش يزيد بن المهلب، خطب يزيد بن المهلب الناس وحرضهم على القتال - يعني قتال أهل الشام - وكان مع يزيد نحو من مائة ألف، وعشرين ألفاً، وقد بايعوه على السمع والطاعة، وعلى كتاب الله وسنة رسوله ‏(‏صلى الله عليه وسلم‏)‏، وعلى أن لا يطأ الجنود بلادهم، وعلى أن لا تعاد عليهم سيرة الفاسق الحجاج، ومن بايعنا على ذلك قبلنا منه، ومن خالفنا قاتلناه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/247‏)‏

وكان الحسن البصري في هذه الأيام يحرض الناس على الكف وترك الدخول في الفتنة، وينهاهم أشد النهي، وذلك لما وقع من القتال الطويل العريض في أيام ابن الأشعث، وما قتل بسبب ذلك من النفوس العديدة، وجعل الحسن يخطب الناس، ويعظهم في ذلك، ويأمرهم بالكف، فبلغ ذلك نائب البصرة عبد الملك بن المهلب، فقام في الناس خطيباً فأمرهم بالجد والجهاد، والنفر إلى القتال، ثم قال‏:‏ ولقد بلغني أن هذا الشيخ الضال المرائي - ولم يسمه - يثبط الناس، أما والله ليكفن عن ذلك أو لأفعلن ولأفعلن، وتوعد الحسن، فلما بلغ الحسن قوله قال‏:‏ أما والله ما أكره أن يكرمني الله بهوانه، فسلمه الله منه حتى زالت دولتهم، وذلك أن الجيوش لما تواجهت تبارز الناس قليلاً، ولم ينشب الحرب شديداً حتى فر أهل العراق سريعاً، وبلغهم أن الجسر الذي جاؤوا عليه حرق، فانهزموا، فقال يزيد بن المهلب‏:‏ ما بال الناس‏؟‏ ولم يكن من الأمر ما يفرّ من مثله، فقيل له‏:‏ إنه بلغهم أن الجسر الذي جاؤوا عليه قد حرق‏.‏ فقال‏:‏ قبحهم الله، ثم رام أن يرد المنهزمين فلم يمكنه، فثبت في عصابة من أصحابه، وجعل بعضهم يتسللون منه حتى بقي في شرذمة قليلة، وهو مع ذلك يسير قدماً لا يمر بخيل إلا هزمهم، وأهل الشام يتجاورون عنه يميناً وشمالاً، وقد قتل أخوه حبيب بن المهلب، فازداد حنقاً وغيظاً، وهو على فرس له أشهب، ثم قصد نحو مسلمة بن عبد الملك لا يريد غيره، فلما واجهه حملت عليه خيول الشام فقتلوه، وقتلوا معه أخاه محمد بن المهلب، وقتلوا السميذع، وكان من الشجعان، وكان الذي قتل يزيد بن المهلب رجل يقال له‏:‏ القجل بن عياش، فقتل إلى جانب يزيد بن المهلب، وجاؤوا برأس يزيد إلى مسلمة بن عبد الملك، فأرسله مع خالد بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى أخيه أمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك، واستحوذ مسلمة على ما في معسكر يزيد بن المهلب، وأسر منهم نحواً من ثلاثمائة، فبعث بهم إلى الكوفة، وبعث إلى أخيه فيهم، فجاء كتابه بقتلهم، فسار مسلمة فنزل الحيرة‏.‏

ولما انتهت هزيمة ابن المهلب إلى ابنه معاوية وهو بواسط، عمد إلى نحو من ثلاثين أسيراً في يده فقتلهم، منهم نائب أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، عدي بن أرطاة رحمه الله وابنه، ومالك وعبد الملك ابنا مسمع، وجماعة من الأشراف، ثم أقبل حتى أتى البصرة ومعه الخزائن من الأموال، وجاء معه عمه المفضل بن المهلب إليه، فاجتمع آل المهلب بالبصرة فأعدوا السفن وتجهزوا أتم الجهاز واستعدوا للهرب، ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/248‏)‏ فساروا بعيالهم وأثقالهم، حتى أتوا جبال كرمان فنزلوها، واجتمع عليهم جماعة ممن فل من الجيش الذي كان مع يزيد بن المهلب، وقد أمروا عليهم المفضل بن المهلب، فأرسل مسلمة جيشاً عليهم هلال بن ماجور المحاربي في طلب آل المهلب، ويقال‏:‏ إنهم أمروا عليهم رجلاً يقال له‏:‏ مدرك بن ضب الكلبي، فلحقهم بجبال كرمان، فاقتتلوا هنالك قتالاً شديداً، فقتل جماعة من أصحاب المفضل وأسر جماعة من أشرافهم وأنهزم بقيتهم، ثم لحلقوا المفضل فقتلوه، وحمل رأسه إلى مسلمة بن عبد الملك، وأقبل جماعة من أصحاب يزيد بن المهلب فأخذوا لهم أماناً من أمير الشام، منهم‏:‏ مالك بن إبراهيم بن الأشتر النخعي، ثم أرسلوا بالأثقال والأموال والنساء والذرية فوردت على مسلمة بن عبد الملك، ومعهم رأس المفضل، ورأس عبد الملك بن المهلب، فبعث مسلمة بالرؤوس وتسعة من الصبيان الحسان إلى أخيه يزيد، فأمر بضرب أعناق أولئك، ونصبت رؤوسهم بدمشق، ثم أرسلها إلى حلب فنصبت بها، وحلف مسلمة بن عبد الملك ليبيعن ذراري آل المهلب، فاشتراهم بعض الأمراء إبراراً لقسمه بمائة ألف، فأعتقهم وخلى سبيلهم، ولم يأخذ مسلمة من ذلك الأمير شيئاً، وقد رثا الشعراء يزيد بن المهلب بقصائد ذكرها ابن جرير‏.‏

 ولاية مسلمة على بلاد العراق وخراسان

وذلك أنه لما فرغ من حرب آل المهلب كتب إليه أخوه يزيد بن عبد الملك بولاية الكوفة والبصرة وخراسان في هذه السنة، فاستناب على الكوفة وعلى البصرة، وبعث إلى خراسان ختنه - زوج ابنته - سعيد بن عبد العزيز بن الحارث بن الحكم بن أبي العاص، الملقب بخذينة، فسار إليها، فحرض أهلها على الصبر والشجاعة، وعاقب عمالاً ممن كان ينوب لآل المهلب، وأخذ منهم أموالاً جزيلةً، ومات بعضهم تحت العقوبة‏.‏

 ذكر وقعة جرت بين الترك والمسلمين

وذلك أن خاقان الملك الأعظم ملك الترك بعث جيشاً إلى الصغد لقتال المسلمين، عليهم رجل منهم يقال له‏:‏ كورصول، فأقبل حتى نزل على قصر الباهلي فحصره وفيه خلق من المسلمين، ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/249‏)‏ فصالحهم نائب سمرقند - وهو عثمان بن عبد الله بن مطرف - على أربعين ألفاً، ودفع إليهم سبعة عشر دهقاناً رهائن عندهم، ثم ندب عثمان الناس، فانتدب رجل يقال له‏:‏ المسيب بن بشر الرياحي في أربعة آلاف، فساروا نحو الترك، فلما كان في بعض الطريق خطبهم فحثهم على القتال وأخبرهم أنه ذاهب إلى الأعداء لطلب الشهادة، فرجع عنه أكثر من ألف، ثم لم يزل في كل منزل يخطبهم ويرجع عنه بعضهم، حتى بقي في سبعمائة مقاتل، فسار بهم حتى غالق جيش الأتراك، وهم محاصروا ذلك القصر، وقد عزم المسلمون الذين هم فيه على قتل نسائهم وذبح أولادهم أمامهم، ثم ينزلون فيقاتلون، حتى يقتلوا عن آخرهم، فبعث إليهم المسيب يثبتهم يومهم ذلك، فثبتوا ومكث المسيب حتى إذا كان وقت السحر فكبر وكبر أصحابه، وقد جعلوا شعارهم يا محمد، ثم حملوا على الترك حملة صادقة، فقتلوا منهم خلقاً كثيراً، وعقروا دواب كثيرة، ونهض إليهم الترك فقاتلوهم قتالاً شديداً، حتى فرَّ أكثر المسلمين، وضربت دابة المسيب في عجزها فترجل وترجل معه الشجعان، فقاتلوا و هم كذلك قتالاً عظيماً، والتف الجماعة بالمسيب، وصبروا حتى فتح الله عليهم، وفرَّ المشركون بين أيديهم هاربين لا يلوون على شيء، وقد كان الأتراك في غاية الكثرة، فنادى منادي المسيب‏:‏ أن لا تتبعوا أحداً، وعليكم بالقصر وأهله، فاحتملوهم، وحازوا ما في معسكر أولئك الأتراك من الأموال والأشياء النفيسة، وانصرفوا راجعين سالمين بمن معهم من المسلمين الذين كانوا محصورين، وجاءت الترك من الغد فلم يجدوا به داعياً ولا مجيباً، فقالوا في أنفسهم‏:‏ هؤلاء الذين لقونا بالأمس لم يكونوا إنساً، إنما كانوا جنَّاً‏.‏

 وممن توفي فيها من الأعيان والسادة‏:‏

 الضحاك بن مزاحم الهلالي

أبو القاسم، ويقال‏:‏ أبو محمد، الخراساني، كان يكون ببلخ وسمرقند ونيسابور، وهو تابعي جليل‏.‏

روى عن أنس، وابن عمر، وأبي هريرة، وجماعة من التابعين‏.‏

وقيل‏:‏ إنه لم يصح له سماع من الصحابة حتى و لا من ابن عباس سماع، وإن كان قد روى عنه أنه جاوره سبع سنين‏.‏

وكان الضحاك إماماً في التفسير، قال الثوري‏:‏ خذوا التفسير عن أربعة‏:‏ مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، والضحاك‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ هو ثقة‏.‏

وأنكر شعبة سماعه من ابن عباس، وقال‏:‏ إنما أخذ عن سعيد عنه‏.‏

وقال ابن سعيد القطان‏:‏ كان ضعيفاً‏.‏

وذكره ابن حبان في الثقات، وقال‏:‏ لم يشافه أحداً من الصحابة، ومن قال‏:‏ أنه لقى ابن عباس فقد وهم‏.‏

وحملت به أمه سنتين، و وضعته و له أسنان، وكان يعلم الصبيان حسبة‏.‏

وقيل‏:‏ أنه مات سنة خمس، وقيل‏:‏ سنة ست ومائة، والله وأعلم‏.‏

 أبو المتوكل الناجي

اسمه علي بن البصري، تابعي جليل، ثقة، رفيع القدر، مات وقد بلغ الثمانين، رحمه الله تعالى‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/250‏)‏

 ثم دخلت سنة ثلاث ومائة

فيها عزل أمير العراق وهو عمر بن هبيرة، سعيد - الملقب خذينة - عن نيابة خراسان، وولى عليها سعيد بن عمرو الجريشي بإذن أمير المؤمنين، وكان سعيد هذا من الأبطال المشهورين، انزعج له الترك وخافوه خوفاً شديداً، وتقهقروا من بلاد الصغد إلى ما وراء ذلك، من بلاد الصين وغيرها، وفيها جمع يزيد بن عبد الملك لعبد الرحمن بن الضحاك بن قيس بين إمرة المدينة وإمرة مكة، و ولى عبد الرحمن الواحد بن عبد الله النضري نيابة الطائف‏.‏

وحج بالناس فيها أمير الحرمين عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس، والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

 وممن توفى فيها من الأعيان‏:‏

يزيد بن أبي مسلم

أبو العلاء المدني‏.‏

عطاء بن يسار الهلالي‏.‏

 أبو محمد القاص المدني‏.‏

مولى ميمونة، وهو أخو سليمان، وعبد الله، وعبد الملك، وكلهم تابعي‏.‏

وروى هذا عن جماعة من الصحابة، و وثقه غير واحد من الأئمة‏.‏

وقيل‏:‏ أنه توفي سنة ثلاث - أو أربع - ومائة، وقيل‏:‏ توفي قبل المائة بالإسكندرية، وقد جاوز الثمانين، والله سبحانه أعلم‏.‏

 مجاهد بن جبير المكي

أبو الحجاج القرشي المخزومي، مولى السائب بن أبي السائب المخزومي، أحد أئمة التابعين والمفسرين، كان من أخِصَّاء أصحاب ابن عباس، وكان أعلم أهل زمانه بالتفسير، حتى قيل‏:‏ إنه لم يكن أحد يريد بالعلم وجه الله إلا مجاهد وطاووس‏.‏

وقال مجاهد‏:‏ أخذ ابن عمر بركابي وقال‏:‏ وددت أن ابني سالماً وغلامي نافعاً يحفظان حفظك‏.‏

وقيل‏:‏ إنه عرض القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة، وقيل‏:‏ مرتين، أقفه عند كل آية، وأسأله عنها‏.‏

مات مجاهد وهو ساجد، سنة مائة، وقيل‏:‏ إحدى، وقيل‏:‏ ثنتين، وقيل‏:‏ ثلاث ومائة، وقيل‏:‏ أربع ومائة، وقد جاوز الثمانين، والله أعلم‏.‏

 فصل قول ابن عباس‏:‏ لا تنامن إلا على وضوء‏.‏

أسند مجاهد عن أعلام الصحابة وعلمائهم، عن ابن عمر، وابن عباس، وأبي هريرة، وابن عمرو، وأبي سعيد، ورافع بن خديج‏.‏ وعنه خلق من التابعين‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/251‏)‏

قال الطبراني‏:‏ حدثنا إسحاق بن إبراهيم، ثنا عبد الرزاق، عن أبي بكر بن عياش، قال‏:‏ أخبرني أبو يحيى، أنه سمع مجاهداً يقول‏:‏ قال لي ابن عباس‏:‏ لا تنامن إلا على وضوء، فإن الأرواح تبعث على ما قبضت عليه‏.‏

وروى الطبراني عنه‏:‏ أنه قال في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ‏}‏ ‏[‏فصلت‏:‏ 34‏]‏ قال‏:‏ يسلم عليه إذا لقيه، وقيل‏:‏ هي المصافحة‏.‏

وروى عمرو بن مرة، عنه، أنه قال‏:‏ أوحى الله عز وجل إلى داود عليه السلام‏:‏ اتق لا يأخذك الله على ذنب لا ينظر فيه إليك، فتلقاه حين تلقاه وليست لك حاجة‏.‏

وروى ابن أبي شيبة، عن أبي أمامة، عن الأعمش، عن مجاهد‏.‏ قال‏:‏ كان بالمدينة أهل بيت ذوي حاجة، عندهم رأس شاة، فأصابوا شيئاً، فقالوا‏:‏ لو بعثنا بهذا الرأس إلى من هو أحوج إليه منا، فبعثوا به فلم يزل يدور بالمدينة حتى رجع إلى أصحابه الذين خرج من عندهم أولاً‏.‏

وروى ابن أبي شيبة، عن أبي الأحوص، عن منصور، عن مجاهد، قال‏:‏ ما من مؤمن يموت إلا بكى عليه السماء والأرض أربعين صباحاً‏.‏

وقال‏:‏ ‏{‏فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ‏}‏ ‏[‏الروم‏:‏ 44‏]‏ قال‏:‏ في القبر‏.‏

وروى الأوزاعي، عن عبدة بن أبي لبانة، عن مجاهد، قال‏:‏ كان يحج من بني إسرائيل مائة ألف، فإذا بلغوا أرصاف الحرم خلعوا نعالهم، ثم دخلوا الحرم حفاة‏.‏

وقال يحيى بن سعيد القطان‏:‏ قال مجاهد‏:‏

في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 43‏]‏ قال‏:‏ اطلبي الركود‏.‏

وفي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 64‏]‏ قال‏:‏ المزامير‏.‏

وقال في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَنْكَالاً وَجَحِيماً‏}‏ ‏[‏المزمل‏:‏ 12‏]‏ قال‏:‏ قيود‏.‏

وقال في قوله‏:‏ ‏{‏لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ‏}‏ ‏[‏الشورى‏:‏ 15‏]‏ قال‏:‏ لا خصومة‏.‏

وقال‏:‏ ‏{‏ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ‏}‏ ‏[‏التكاثر‏:‏ 8‏]‏ قال‏:‏ عن كل لذة في الدنيا‏.‏

وروى أبو الديبع، عن جرير بن عبد الحسيب، عن منصور، عن مجاهد‏.‏ قال‏:‏ رن إبليس أربع رنات حين لعن، وحين أهبط، وحين بعث النبي صلى الله عليه وسلم، وحين أنزلت الحمد لله رب العالمين وأنزلت بالمدينة‏.‏

وكان يقال‏:‏ الرنة والنخرة من الشيطان، فلعن من رن أو نخر‏.‏

وروى ابن نجيح، عنه، في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏ 128‏]‏ قال‏:‏ بروج الحمام‏.‏

وقال‏:‏ في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 267‏]‏ قال‏:‏ التجارة‏.‏

وروى ليث، عن مجاهد، قال‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا‏}‏ ‏[‏فصلت‏:‏ 30‏]‏ قال‏:‏ استقاموا فلم يشركوا حتى ماتوا‏.‏

وروى يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن ابن أبجر، عن طلحة بن مصرف، عن مجاهد‏:‏ ‏{‏وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ‏}‏ ‏[‏الإخلاص‏:‏ 4‏]‏ قال‏:‏ صاحبة‏.‏

وقال ليث، عن مجاهد، قال‏:‏ النملة التي كلمت سليمان كانت مثل الذئب العظيم‏.‏

وروى الطبراني، عن أبي نجيح، عن مجاهد‏.‏ قال‏:‏ كان الغلام من قوم عاد لا يحتلم حتى يبلغ مائتي سنة‏.‏

وقال‏:‏ ‏{‏سَأَلَ سَائِلٌ‏}‏ ‏[‏المعارج‏:‏ 1‏]‏‏:‏ دعا داع‏.‏

وفي قوله‏:‏ ‏{‏لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ‏}‏ ‏[‏الجن‏:‏ 16-17‏]‏‏:‏ حتى يرجعوا إلى علمي فيه‏.‏

{‏لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 55‏]‏ قال‏:‏ لا يحبون غيري‏.‏

{‏وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ‏}‏ ‏[‏فاطر‏:‏ 10‏]‏ قال‏:‏ هم المراؤون‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 9/252‏)‏

وفي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ‏}‏ ‏[‏الجاثية‏:‏ 14‏]‏ قال‏:‏ هم الذين لا يدرون أنعم الله عليهم أم لم ينعم‏.‏

ثم قرأ‏:‏ ‏{‏وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏إبراهيم‏:‏ 5‏]‏ قال‏:‏ أيامه نعمه ونقمه‏.‏

{‏فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 59‏]‏‏:‏ فردوه إلى كتاب الله وإلى رسوله ما دام حياً، فإذا مات فإلى سنته‏.‏

{‏وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً‏}‏ ‏[‏لقمان‏:‏ 20‏]‏ قال‏:‏ أما الظاهرة فالإسلام والقرآن والرسول و الرزق، وأما الباطنة فما ستر من العيوب والذنوب‏.‏

وروى الحكم، عن مجاهد، قال‏:‏ لما قدمت مكة نساء على سليمان عليه السلام رأت حطباً جزلاً فقالت لغلام سليمان‏:‏ هل يعرف مولاك كم وزن دخان هذا الحطب‏؟‏ فقال الغلام‏:‏ دعي مولاي أنا أعرف كم وزن دخانه فكيف مولاي‏؟‏ قالت‏:‏ فكم وزنه‏؟‏ فقال الغلام‏:‏ يوزن الحطب، ثم يحرق الحطب ويوزن رماده، فما نقص فهو دخانه‏.‏

وقال في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ‏}‏ ‏[‏الحجرات‏:‏ 11‏]‏ قال‏:‏ من لم يتب إذا أصبح وإذا أمسى فهو من الظالمين‏.‏

وقال‏:‏ ما من يوم ينقضي من الدنيا إلا قال ذلك اليوم‏:‏ الحمد لله الذي أراحني من الدنيا وأهلها، ثم يطوى عليه فيختم إلى يوم القيامة، حتى يكون الله عز وجل هو الذي يفض خاتمه‏.‏

وقال في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 269‏]‏ قال‏:‏ العلم والفقه، وقال‏:‏ إذا ولي الأمر منكم الفقهاء‏.‏

وفي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 153‏]‏ قال‏:‏ البدع والشبهات‏.‏

وقال‏:‏ أفضل العبادة الرأي الحسن -يعني‏:‏ اتباع السنة -

وقال‏:‏ ما أدري أي النعمتين أفضل أن هداني للإسلام أو عافاني من الأهواء‏.‏

وقال في رواية‏:‏ ألو الأمر منكم، أصحاب محمد، وربما قال‏:‏ أولو العقل والفضل في دين الله عز وجل‏.‏

{‏بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏ 31‏]‏ قال‏:‏ السرية، ‏{‏وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 8‏]‏ قال‏:‏ السوس في الثياب، ‏{‏وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي‏}‏ ‏[‏مريم‏:‏ 3‏]‏ قال‏:‏ الأضراس، ‏{‏حَفِيّاً‏}‏ ‏[‏مريم‏:‏ 47‏]‏ قال‏:‏ رحيماً‏.‏

وروى عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال‏:‏ وجدت في كتاب محمد بن أبي حاتم بخط يده، حدثنا بشر بن الحارث، حدثنا يحيى بن يمان، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد، قال‏:‏ لو أن رجلاً أنفق مثل أحد في طاعة الله عز وجل لم يكن من المسرفين‏.‏

وفي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏ 13‏]‏ قال‏:‏ العداوة، ‏{‏بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ‏}‏ ‏[‏الرحمن‏:‏ 20‏]‏ قال‏:‏ بينهما حاجز من الله فلا يبغي الحلو على المالح ولا المالح على الحلو‏.‏

وقال ابن مندة‏:‏ ذكر محمد بن حميد، حدثنا عبد الله بن عبد القدوس، عن الأعمش، قال‏:‏ كان مجاهد لا يسمع بأعجوبة إلا ذهب فنظر إليها، قال‏:‏ وذهب إلى حضرموت إلى بئر برهوت، قال‏:‏ وذهب إلى بابل، قال‏:‏ وعليها والٍ صديق لمجاهد فقال مجاهد‏:‏ تعرض على هاروت وماروت، قال‏:‏ فدعا رجلاً من السحرة فقال‏:‏ اذهب بهذا فاعرض عليه هاروت وماروت‏.‏ فقال اليهودي‏:‏ بشرط أن لا تدعو الله عندهما، قال مجاهد‏:‏ فذهب بي إلى قلعة فقطع منها حجراً، ثم قال‏:‏ خذ برجلي فهوى بي حتى انتهى إلى حوبة، فإذا هما معلقين منكسين كالجبلين العظيمين، فلما رأيتهما قلت‏:‏ سبحان الله خالقكما، قال‏:‏ فاضطربا فكأن جبال الدنيا قد تدكدت، قال‏:‏ فغشى علي وعلى اليهودي، ثم أفاق اليهودي قبلي، فقال‏:‏ قم ‏!‏ كدت أن تهلك نفسك وتهلكني‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/253‏)‏

وروى ابن فضيل، عن ليث، عن مجاهد، قال‏:‏ يؤتى يوم القيامة بثلاثة نفر بالغنى والمريض والعبد المملوك، قال‏:‏ فيقول الله عز وجل للغني ما شغلك عن عبادتي التي إنما خلقتك لها‏؟‏ فيقول‏:‏ يا رب أكثرت لي من المال فطغيت، فيؤتى بسليمان عليه السلام في ملكه فيقول‏:‏ لذا أنت كنت أكثر مالاً وأشد شغلاً أم هذا‏؟‏ قال‏:‏ فيقول‏:‏ بل هذا يا رب، فيقول الله له‏:‏ فإن هذا لم يمنعه ما أوتي من الملك والمال والشغل عن عبادتي‏.‏

قال‏:‏ ويؤتى بالمريض فيقول‏:‏ ما منعك عن عبادتي التي خلقتك لها‏؟‏ فيقول‏:‏ يا رب شغلني عن هذا مرض جسدي، فيؤتى بأيوب عليه السلام في ضره وبلائه فيقول له‏:‏ أأنت كنت أشد ضراً ومرضاً أم هذا‏؟‏ فيقول‏:‏ بل هذا، فيقول‏:‏ إن هذا لم يشغله ضره ومرضه عن عبادتي‏.‏

ثم يؤتى بالمملوك فيقول الله له‏:‏ ما منعك من عبادتي التي خلقتك لها‏؟‏ فيقول‏:‏ رب فضلت علي أرباباً فملكوني وشغلوني عن عبادتك‏.‏ فيؤتى بيوسف عليه السلام في رقه وعبوديته فيقول الله له‏:‏ أأنت كنت أشد في رقك وعبوديتك أم هذا‏؟‏ فيقول‏:‏ بل هذا يا رب، فيقول الله‏:‏ فإن هذا لم يشغله ما كان فيه من الرق عن عبادتي‏.‏

وروى حميد، عن الأعرج، عن مجاهد، قال‏:‏ كنت أصحب ابن عمر في السفر فإذا أردت أن أركب مسك ركابي، فإذا ركبت سوى على ثيابي فرآني مرة كأني كرهت ذلك فيَّ، فقال‏:‏ يا مجاهد إنك لضيق الخلق، وفي رواية‏:‏ صبحت ابن عمر وأنا أريد أن أخدمه فكان يخدمني‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا عبد الرزاق، حدثنا الثوري، عن رجل، عن مجاهد‏.‏ قال‏:‏ جعلت الأرض لملك الموت مثل الطست يتناول منها حيث شاء، وجعل له أعوان يتوفون الأنفس ثم يقبضها منهم‏.‏

وقال‏:‏ لما هبط آدم إلى الأرض قال له‏:‏ ابن للخراب ولد للفناء‏.‏

وروى قتيبة، عن جرير، عن منصور، عن مجاهد‏.‏

{‏وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 159‏]‏ قال‏:‏ تلعن عصاة بني آدم دواب الأرض وما شاء الله حتى الحيات والعقارب، يقولون‏:‏ منعنا القطر بذنوب بني آدم‏.‏

وقال غيره‏:‏ تسلط الحشرات على العصاة في قبورهم لما كان ينالهم من الشدة بسبب ذنوبهم، فتلك الحشرات من العقارب والحيات‏:‏ هي السيئات التي كانوا يعملونها في الدنيا، ويستلذونها صارت عذاباً عليهم‏.‏ نسأل الله العافية‏.‏

وقال‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ‏}‏ ‏[‏العاديات‏:‏ 6‏]‏‏:‏ لكفور‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا عمر بن سليمان، حدثني مسلم أبو عبد الله، عن ليث، عن مجاهد، قال‏:‏ من لم يستحي من الحلال خفت مؤنته وأراح نفسه‏.‏

وقال عمرو بن زروق‏:‏ حدثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، قال‏:‏ ‏{‏فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 87‏]‏‏:‏ أن لن نعاقبه بذنبه‏.‏

وبهذا الإسناد قال‏:‏ لم أكن أحسن ما الزخرف حتى سمعتها في قراءة عبد الله بيتاً من ذهب‏.‏

وقال قتيبة بن سعيد، حدثنا خلف بن خليفة، عن ليث، عن مجاهد‏:‏ إن الله عز وجل ليصلح بصلاح العبد ولده‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/254‏)‏

قال‏:‏ وبلغني أن عيسى عليه السلام كان يقول‏:‏ طوبى للمؤمن كيف يخلفه الله فيمن ترك بخير‏.‏

وقال الفضيل بن عياض، عن عبيد المكتب، عن مجاهد، في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 166‏]‏‏:‏ الأوصال التي كانت بينهم في الدنيا‏.‏

وروى سفيان بن عيينة، عن سفيان الثوري، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلّاً وَلَا ذِمَّةً‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 10‏]‏ قال‏:‏ الإل‏:‏ الله عز وجل‏.‏

وقال في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 86‏]‏‏:‏ طاعة الله عز وجل‏.‏

وفي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ‏}‏ ‏[‏الرحمن‏:‏ 46‏]‏ قال‏:‏ هو الذي يذكر الله عند الهم بالمعاصي‏.‏

وقال الفضيل بن عياض‏:‏ عن منصور، عن مجاهد‏:‏ ‏{‏سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ‏}‏ ‏[‏الفتح‏:‏ 29‏]‏‏:‏ الخشوع‏.‏

وفي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 238‏]‏ قال‏:‏ القنوت الركود والخشوع وغض البصر، وخفض الجناح من رهبة الله‏.‏

وكان العلماء إذا قام أحدهم في الصلاة هاب الرحمن أن يشد بصره أو يلتفت أو يقلب الحصا، أو يعبث بشيء أو يحدث نفسه بشيء من الدنيا، إلا خاشعاً مادام في صلاته‏.‏

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل‏:‏ حدثنا أبو عمرو، حدثنا ابن إدريس، حدثني عقبة بن إسحاق - وأثنى عليه خيراً - حدثنا ليث، عن مجاهد، قال‏:‏ كنت إذا رأيت العرب استخفيتها وجدتها من وراء دينها، فإذا دخلوا في الصلاة فكأنما أجساد ليست فيها أرواح‏.‏

وروى الأعمش، عنه، قال‏:‏ إنما القلب منزلة الكف فإذا أذنب الرجل ذنباً قبض هكذا - ضم الخنصر حتى ضم أصابعه كلها إصبعاً إصبعاً - قال‏:‏ ثم يطبع فكانوا يريدون ذلك الران، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ‏}‏ ‏[‏المطففين‏:‏ 14‏]‏‏.‏

وروى قبيصة، عن سفيان الثوري، عن منصور، عن مجاهد‏:‏ ‏{‏بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 81‏]‏ قال‏:‏ الذنوب تحيط بالقلوب كالحائط المبني على الشيء المحيط، كلما عمل ذنباً ارتفعت حتى تغشى القلب حتى تكون هكذا - ثم قبض يده - ثم قال‏:‏ هو الران‏.‏

وفي قوله‏:‏ ‏{‏بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ‏}‏ ‏[‏القيامة‏:‏ 13‏]‏، قال‏:‏ أول عمل العبد وآخره‏.‏

{‏وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ‏}‏ ‏[‏الانشراح‏:‏ 8‏]‏ قال‏:‏ إذا فرغت من أمر الدنيا فقمت إلى الصلاة فاجعل رغبتك إليه، ونيتك له‏.‏

وعن منصور، عن مجاهد‏:‏ ‏{‏النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ‏}‏ ‏[‏الفجر‏:‏ 27‏]‏، قال‏:‏ هي النفس التي قد أيقنت أن الله ربها وضربت حاشا لأمره وطاعته‏.‏

وروى عبد الله بن المبارك، عن ليث، عن مجاهد، قال‏:‏ ما من ميت يموت إلا عرض عليه أهل مجلسه، إن كان من أهل الذكر فمن أهل الذكر، وإن كان من أهل اللهو فمن أهل اللهو‏.‏

وقال أحمد، حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا محمد بن طلحة، عن زبيد، عن مجاهد، قال‏:‏ قال إبليس‏:‏ إن يعجزني ابن آدم فلن يعجزني من ثلاث خصال‏:‏ أخذ مال بغير حق، وإنفاقه في غير حقه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/255‏)‏

وقال أحمد‏:‏ حدثنا ابن نمير، قال‏:‏ قال الأعمش‏:‏ كنت إذا رأيت مجاهداً ظننت أنه حر مندح قد ضل حماره فهو مهتم‏.‏

وعن ليث، عن مجاهد، قال‏:‏ من أكرم نفسه وأعزها أذل دينه، ومن أذل نفسه أعز دينه‏.‏

وقال شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، قال‏:‏ قال لي‏:‏ يا أبا الغازي كم لبث نوح في الأرض‏؟‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ ألف سنة إلا خمسين عاماً، قال‏:‏ فإن الناس لم يزدادوا في أعمارهم وأجسادهم وأخلاقهم إلا نقصاً‏.‏

وروى أبو بكر بن أبي شيبة، عن أبي علية، عن ليث، عن مجاهد، قال‏:‏ ذهبت العلماء فما بقي إلا المتعلمون، وما المجتهد فيكم إلا كاللاعب فيمن كان قبلكم‏.‏

وروى ابن أبي شيبة أيضاً، عن ابن إدريس، عن ليث، عن مجاهد، قال‏:‏ لو لم يصب المسلم من أخيه إلا أن حياء منه يمنعه من المعاصي لكان في ذلك خير‏.‏

وقال‏:‏ الفقيه‏:‏ من يخاف الله وإن قل علمه، والجاهل‏:‏ من عصى الله وإن كثر علمه‏.‏

وقال‏:‏ إن العبد إذا أقبل على الله بقلبه أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه‏.‏

وقال في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ‏}‏ ‏[‏المدثر‏:‏ 4‏]‏ قال‏:‏ عملك فأصلح‏.‏

{‏وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 32‏]‏ قال‏:‏ ليس من عرض الدنيا‏.‏

{‏وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 33‏]‏ قال‏:‏ هم الذين يجيئون بالقرآن قد اتبعوه وعملوا بما فيه‏.‏

وقال‏:‏ يقول القرآن للعبد‏:‏ إني معك ما اتبعتني فإذا لم تعمل بي اتبعتك‏.‏

{‏وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏ 77‏]‏ قال‏:‏ خذ من دنياك لآخرتك، وذلك أن تعمل فيها بطاعة الله عز وجل‏.‏

وقال داود بن المحبر، عن عباد بن كثير، عن عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه‏:‏ مجاهد بن جبير، قال‏:‏ قلت لابن عمر‏:‏ أي حجاج بيت الله أفضل وأعظم أجراً‏؟‏ قال‏:‏ من جمع ثلاث خصال‏:‏ نية صادقة، وعقلاً وافراً، ونفقةً من حلال، فذكرت ذلك لابن عباس فقال‏:‏ صدق‏.‏ فقلت‏:‏ إذا صدقت نيته، وكانت نفقته من حلال فماذا يضره قلة عقله‏؟‏ فقال‏:‏ يا أبا حجاج، سألتني عما سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏والذي نفسي بيده ما أطاع العبد الله بشيء أفضل من حسن العقل، ولا يقبل الله صوم عبد ولا صلاته، ولا شيئاً مما يكون من عمله من أنواع الخير إن لم يعمل بعقل‏.‏ ولو أن جاهلاً فاق المجتهدين في العبادة كان ما يفسد أكثر مما يصلح‏)‏‏)‏‏.‏

قلت‏:‏ ذكر العقل في هذا الحديث ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم من المنكرات والموضوعات، والثلاث الخصال موقوفة على ابن عمر، من قوله من جمع ثلاث خصال، إلى قوله قال ابن عباس صدق، والباقي لا يصح رفعه ولا وقفه، وداود بن المحبر كنيته‏:‏ أبو سليمان، قال الحاكم‏:‏ حدث ببغداد عن جماعة من الثقات بأحاديث موضوعة، حدث بها عنه الحارث بن أبي أسامة، وله كتاب العقل، وأكثر ما أودع ذلك الكتاب موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر العقل مرفوعاً في هذه الرواية لعلة من جملتها، والله أعلم‏.‏ وقد كذبه أحمد بن حنبل‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/256‏)‏

مصعب بن سعد بن أبي وقاص

تابعي جليل القدر‏.‏

 موسى بن طلحة بن عبيد الله التميمي

كان يلقب بالمهدي لصلاحه، كان تابعياً جليل القدر من سادات المسلمين، رحمه الله‏.‏

 ثم دخلت سنة أربع ومائة

فيها قاتل سعيد بن عمرو الحرشي نائب خراسان أهل الصغد، وحاصر أهل خجندة، وقتل خلقاً كثيراً، وأخذ أموالاً جزيلةً، وأسر رقيقاً كثيراً جداً، وكتب بذلك إلى يزيد بن عبد الملك، لأنه هو الذي ولاه‏.‏

وفي ربيع الأول منها عزل يزيد بن عبد الملك عن إمرة الحرمين عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس، وكان سببه أنه خطب فاطمة بنت الحسين فامتنعت من قبول ذلك، فألح عليها وتوعدها، فأرسلت إلى يزيد تشكوه إليه، فبعث إلى عبد الواحد بن عبد الله النضري نائب الطائف فولاه المدينة، وأن يضرب عبد الرحمن بن الضحاك حتى يسمع صوته أمير المؤمنين وهو متكئ على فراشه بدمشق، وأن يأخذ منه أربعين ألف دينار‏.‏

فلما بلغ ذلك عبد الرحمن ركب إلى دمشق واستجار بمسلمة بن عبد الملك، فدخل على أخيه فقال‏:‏ إن لي إليك حاجة، فقال‏:‏ كل حاجة تقولها فهي لك إلا أن تكون ابن الضحاك، فقال‏:‏ هو والله حاجتي، فقال‏:‏ والله لا أقبلها ولا أعفو عنه، فرده إلى المدينة فتسلمه عبد الواحد، فضربه وأخذ ماله حتى تركه في جبة صوف، فسأل الناس بالمدينة‏.‏

وكان قد باشر نيابة المدينة ثلاث سنين وأشهراً، وكان الزهري قد أشار عليه برأي سديد وهو‏:‏ أن يسأل العلماء إذا أشكل عليه أمر فلم يقبل، ولم يفعل، فأبغضه الناس وذمه الشعراء، ثم كان هذا آخر أمره‏.‏

وفيها عزل عمر بن هبيرة سعيد بن عمرو الحرشي، وذلك أنه كان يستخف بأمر ابن هبيرة، فلما عزله أحضره بين يديه وعاقبه وأخذ منه أموالاً كثيرةً، وأمر بقتله ثم عفا عنه، وولى على خراسان مسلم بن سعيد بن أسلم بن زرعة الكلابي، فسار إليها فاستخلص أموالاً كانت منكسرة في أيام سعيد بن عمرو الحرشي‏.‏

وفيها غزا الجراح بن عبد الله الحكمي نائب أرمينية وأذربيجان، أرض الترك، ففتح بلنجر وهزم الترك وغرقهم وذراريهم في الماء، وسبى منهم خلقاً كثيراً، وافتتح عامة الحصون التي تلي بلنجر، وأجلى عامة أهلها، والتقى هو والخاقان الملك فجرت بينهم وقعة هائلة آل الأمر فيها إلى أن انهزم خاقان، وتبعهم المسلمون، فقتلوا منهم مقتلةً عظيمةً، قتل فيها خلق كثير لا يحصون‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/257‏)‏

وحج بالناس في هذه السنة عبد الواحد بن عبد الله النضري أمير الحرمين والطائف، وعلى نيابة العراق وخراسان عمر، ونائبه على خراسان مسلم بن سعيد يومئذ‏.‏

وفي هذه السنة ولد السفاح وهو‏:‏ أبو العباس، عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، الملقب‏:‏ بالسفاح، أول خلفاء بني العباس، وقد بايع أباه في الباطن جماعة من أهل العراق‏.‏

 وفيها توفي من الأعيان‏:‏

 خالد بن سعدان الكلاعي

له روايات عن جماعة من الصحابة، وكان تابعياً جليلاً، وكان من العلماء وأئمة الدين المعدودين المشهورين، وكان يسبح كل يوم أربعين ألف تسبيحة وهو صائم، وكان إمام أهل حمص، وكان يصلي التراويح في شهر رمضان، فكان يقرأ فيها في كل ليلة ثلث القرآن‏.‏

وروى الجوزجاني، عنه، أنه قال‏:‏ من اجترأ على الملاوم في مراد الحق، قلب الله تلك المحامد عليه ذماً‏.‏

وروى ابن أبي الدنيا، عنه، قال‏:‏ ما من عبد إلا وله أربعة أعين‏:‏ عينان في وجهه يبصر بهما أمر دنياه، وعينان في قلبه يبصر بهما أمر آخرته، فإذا أراد الله بالعبد خيراً فتح عينيه اللتين في قلبه فأبصر بهما أمر آخرته وهما غيب، فأمن الغيب بالغيب، وإذا أراد الله بالعبد خلاف ذلك ترك العبد القلب على ما هو عليه، فتراه ينظر فلا ينتفع، فإذا نظر بقلبه نفع‏.‏

وقال‏:‏ بصر القلب من الآخرة، وبصر العينين من الدنيا و له فضائل كثيرة رحمه الله تعالى‏.‏

 عامر بن سعد بن أبي وقاص الليثي

له روايات كثيرة عن أبيه وغيره، وهو تابعي جليل، ثقة مشهور‏.‏

 عامر بن شراحيل الشعبي

توفي فيها في قول، كان الشعبي من شعب همدان، كنيته أبو عمرو، وكان علامة أهل الكوفة، كان إماماً حافظاً، ذا فنون، وقد أدرك خلقاً من الصحابة وروى عنهم وعن جماعة من التابعين، وعنه أيضاً روى جماعة من التابعين‏.‏

قال أبو مجلز‏:‏ ما رأيت أفقه من الشعبي‏.‏

وقال مكحول‏:‏ ما رأيت أحداً أعلم بسنة ماضية منه‏.‏

وقال داود الأودي‏:‏ قال لي الشعبي‏:‏ قم معي هاهنا حتى أفيدك علماً بل هو رأس العلم‏.‏ قلت‏:‏ أي شيء تفيدني‏؟‏ قال‏:‏ إذا سئلت عما لا تعلم فقل‏:‏ الله أعلم، فإنه عالم حسن‏.‏

وقال‏:‏ لو أن رجلاً سافر من أقصى اليمن لحفظ كلمة تنفعه فيما يستقبل من عمره ما رأيت سفره ضائعاً، ولو سافر في طلب الدنيا أو الشهوات إلى خارج هذا المسجد، لرأيت سفره عقوبة وضياعاً‏.‏

وقال‏:‏ العلم أكثر من عدد الشعر، فخذ من كل شيء أحسنه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/258‏)‏

 أبو بردة بن أبو موسى الأشعري

تولى قضاء الكوفة قبل الشعبي، فإن الشعبي تولى في خلافة عمر بن عبد العزيز، واستمر إلى أن مات، وأما أبو بردة فإنه كان قاضياً في زمن الحجاج، ثم عزله الحجاج وولى أخاه أبا بكر، وكان أبو بردة فقيهاً حافظاً عالماً، له روايات كثيرة‏.‏

 أبو قلابة الجرمي

عبد الله بن يزيد البصري، له روايات كثيرة عن جماعة من الصحابة وغيرهم، وكان من كبار الأئمة والفقهاء، وطلب للقضاء فهرب منه وتغرب، قدم الشام فنزل داريا وبها مات رحمه الله‏.‏

قال أبو قلابة‏:‏ إذا أحدث الله لك علماً فأحدث له عبادة، ولم يكن همك ما تحدث به الناس، فلعل غيرك ينتفع ويستغني، وأنت في الظلمة تتعثر، وإني لأرى هذه المجالس إنما هي مناخ البطالين‏.‏

وقال‏:‏ إذا بلغك عن أخيك شيء تكرهه فالتمس له عذراً جهدك، فإن لم تجد له عذراً فقل‏:‏ لعل لأخي عذراً لا أعلمه‏.‏

 ثم دخلت سنة خمس ومائة

فيها غزا الجراح بن عبد الله الحكمي بلاد اللان، وفتح حصوناً كثيرةً، وبلاداً متسعة الأكناف من وراء بلنجر، وأصاب غنائم جمة، وسبى خلقاً من أولاد الأتراك‏.‏

وفيها غزا مسلم بن سعيد بلاد الترك، وحاصر مدينة عظيمة من بلاد الصغد، فصالحه ملكها على مالٍ كثيرٍ يحمله إليه‏.‏

وفيها غزا سعيد بن عبد الملك بن مروان بلاد الروم، فبعث بين يديه سرية ألف فارس، فأصيبوا جميعاً‏.‏

وفيها لخمس بقين من شعبان منها توفي أمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك بن مروان بأربد من أرض البلقاء، يوم الجمعة، وعمره ما بين الثلاثين والأربعين، وهذه ترجمته‏:‏

 هو يزيد بن عبد الملك بن مروان

أبو خالد القرشي الأموي، أمير المؤمنين، وأمه عاتكة بنت يزيد بن معاوية، قيل‏:‏ إنها دفنت بقبر عاتكة فنسبت المحلة إليها، والله أعلم‏.‏

بويع له بالخلافة بعد عمر بن عبد العزيز في رجب من سنة إحدى ومائة بعهد من أخيه سليمان، أن يكون الخليفة بعد عمر بن عبد العزيز لخمس بقين من رجب‏.‏

قال محمد بن يحيى الذهلي‏:‏ حدثنا كثير بن هشام، ثنا جعفر بن برقان، حدثني الزهري، قال‏:‏ كان لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم، في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، فلما ولي الخلافة معاوية ورث المسلم من الكافر، ولم يورث الكافر من المسلم، وأخذ بذلك الخلفاء من بعده، فلما قام عمر بن عبد العزيز راجع السُنَّة الأولى، وتبعه في ذلك يزيد بن عبد الملك، فلما قام هشام أخذ بسنة الخلفاء - يعني أنه ورث المسلم من الكافر -

‏(‏ج/ص‏:‏ 9/259‏)‏

وقال الوليد بن مسلم‏:‏ عن ابن جابر، قال‏:‏ بينما نحن عند مكحول إذ أقبل يزيد بن عبد الملك فهممنا أن نوسع له، فقال مكحول‏:‏ دعوه يجلس حيث انتهى به المجلس يتعلم التواضع‏.‏

وقد كان يزيد هذا يكثر من مجالسة العلماء قبل أن يلي الخلافة، فلما ولي عزم على أن يتأسى بعمر بن عبد العزيز، فما تركه قرناء السوء، وحسنوا له الظلم‏.‏

قال حرملة‏:‏ عن ابن وهب، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، قال‏:‏ لما ولي يزيد بن عبد الملك قال‏:‏ سيروا بسيرة عمر، فمكث كذلك أربعين ليلة، فأتي بأربعين شيخاً فشهدوا له أنه ما على الخلفاء من حساب ولا عذاب‏.‏

وقد اتهمه بعضهم في الدين وليس بصحيح، إنما ذاك ولده الوليد بن يزيد، كما سيأتي، أما هذا فما كان به بأس‏.‏

وقد كتب إليه عمر بن عبد العزيز‏:‏ أما بعد فإني لا أراني إلا ملماً بي، وما أرى الأمر إلا سيفضي إليك، فالله الله في أمة محمد، فإنك عما قليل ميت فتدع الدنيا إلى من لا يعذرك، والسلام‏.‏

وكتب يزيد بن عبد الملك إلى أخيه هشام‏:‏ أما بعد فإن أمير المؤمنين قد بلغه أنك استبطأت حياته وتمنيت وفاته ورمت الخلافة، وكتب في آخره‏:‏

تمنى رجال أن أموت وإن أمت * فتلك سبيل لست فيها بأوحد

وقد علموا لو ينفع العلم عندهم * متى مت ما الباغي علي بمخلد

منيته تجري لوقت وحتفه * يصادفه يوماً على غير موعد

فقل للذي يبقى خلاف الذي مضى * تهيأ لأخرى مثلها وكأن قد

فكتب إليه هشام‏:‏ جعل الله يومي قبل يومك، وولدي قبل ولدك، فلا خير في العيش بعدك‏.‏

ولقد كان يزيد هذا يحب حظية من حظاياه يقال لها‏:‏ حبابة - بتشديد الباء الأولى، والصحيح تخفيفها - واسمها عالية، وكانت جميلةً جداً، وكان قد اشتراها في زمن أخيه بأربعة آلاف دينار، من عثمان بن سهل بن حنيف، فقال له أخوه سليمان‏:‏ لقد هممت أحجر على يديك، فباعها، فلما أفضت إليه الخلافة قالت له امرأته سعدة يوماً‏:‏ يا أمير المؤمنين، هل بقي في نفسك من أمر الدنيا شيء‏؟‏ قال‏:‏ نعم، حبابة، فبعثت امرأته فاشترتها له، ولبستها وصنعتها وأجلستها من وراء الستارة، وقالت له أيضاً‏:‏ يا أمير المؤمنين هل بقي في نفسك من أمر الدنيا شيء‏؟‏ قال‏:‏ أو ما أخبرتك‏؟‏ فقالت‏:‏ هذه حبابة - وأبرزتها له وأخلته بها وتركته وإياها - فحظيت الجارية عنده، وكذلك زوجته أيضاً، فقال يوماً‏:‏ أشتهي أن أخلو بحبابة في قصر مدة من الدهر، لا يكون عندنا أحد، ففعل ذلك‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 9/260‏)‏

وجمع إليه في قصره ذلك حبابة، وليس عنده في أحد، وقد فرش له بأنواع الفرش والبسط الهائلة، والنعمة الكثيرة السابغة فبينما هو معها في ذلك القصر على أسر حال، وأنعم بال، وبين يديهما عنب يأكلان منه، إذ رماها بحبة عنب وهي تضحك فشرقت بها فماتت، فمكث أياماً يقبلها ويرشفها وهي ميتة، حتى أنتنت وجيفت، فأمر بدفنها، فلما دفنها أقام أياماً عندها على قبرها هائماً، ثم رجع إلى المنزل ثم عاد إلى قبرها فوقف عليه وهو يقول‏:‏

فإن تسل عنك النفس أو تدع الصبا * فباليأس تسلو عنك لا بالتجلد

وكل خليل زارني فهو قاتل * من أجلك هذا هامة اليوم أو غد

ثم رجع فما خرج من منزله حتى خرج بنعشه وكان مرضه بالسل‏.‏ وذلك السواد سواد الأردن يوم الجمعة لخمس بقين من شعبان من هذه السنة - أعني سنة خمس ومائة -

وكانت خلافته أربع سنين وشهراً على المشهور، وقيل‏:‏ أقل من ذلك، وكان عمره ثلاثاً وثلاثين سنة، وقيل‏:‏ خمساً، وقيل‏:‏ ستاً، وقيل‏:‏ ثمانياً، وقيل‏:‏ تسعاً وثلاثين، وقيل‏:‏ أنه بلغ الأربعين، فالله أعلم‏.‏

وكان طويلاً جسيماً، أبيض مدور الوجه، أفقم الفم لم يشب‏.‏

وقيل‏:‏ أنه مات بالجولان، وقيل‏:‏ بحوران، وصلى عليه ابنه الوليد بن يزيد، وعمره خمس عشرة سنة، وقيل‏:‏ بل صلى عليه أخوه هشام بن عبد الملك، وهو الخليفة بعده، وحمل على أعناق الرجال حتى دفن بين باب الجابية وباب الصغير بدمشق، وكان قد عهد بالأمر من بعده لأخيه هشام، ومن بعده لولده الوليد بن يزيد، فبايع الناس من بعده هشاماً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/261‏)‏

 خلافة هشام بن عبد الملك بن مروان

بويع له بالخلافة يوم الجمعة بعد موت أخيه، لخمس بقين من شعبان من هذه السنة - أعني سنة خمس ومائة - وله من العمر أربع وثلاثون سنة وأشهر، لأنه ولد لما قتل أبوه عبد الملك مصعب بن الزبير في سنة ثنتين وسبعين، فسماه منصوراً تفاؤلاً، ثم قدم فوجد أمه قد أسمته باسم أبيها هشام، فأقره‏.‏

قال الواقدي‏:‏ أتته الخلافة وهو بالديثونة في منزلٍ له، فجاءه البريد بالعصا والخاتم، فسلم عليه بالخلافة فركب من الرصافة حتى أتى دمشق، فقام بأمر الخلافة أتم القيام، فعزل في شوال منها عن إمرة العراق وخراسان عمر بن هبيرة، وولى عليها خالد بن عبد الله القسري‏.‏ وقيل‏:‏ إنه استعمله على العراق في سنة ست ومائة، والمشهور‏:‏ الأول‏.‏

وحج بالناس فيها إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي خال أمير المؤمنين، أخو أمه عائشة بنت هشام بن إسماعيل، ولم تلد من عبد الملك سواه حتى طلقها، لأنها كانت حمقاء‏.‏

وفيها قوي أمر دعوة بني العباس في السر بأرض العراق، وحصل لدعاتهم أموال جزيلة يستعينون بها على أمرهم، وما هم بصدده‏.‏

 وفيها توفي من الأعيان‏:‏

 أبان بن عثمان بن عفان

تقدم ذكر وفاته سنة خمس وثمانين، كان من فقهاء التابعين وعلمائهم‏.‏

قال عمرو بن شعيب‏:‏ ما رأيت أعلم منه بالحديث والفقه‏.‏

وقال يحيى بن سعيد القطان‏:‏ فقهاء المدينة عشرة فذكر أبان بن عثمان أحدهم، وخارجة بن زيد، وسالم بن عبد الله، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وعروة، والقاسم، وقبيصة بن ذؤيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن‏.‏

قال محمد بن سعد‏:‏ كان به صمم ووضح، وأصابه الفالج قبل أن يموت بسنة، وتوفي سنة خمس ومائة‏.‏

 أبو رجاء العطاردي

عامر الشعبي في قول وقد تقدم‏.‏

 وكثير عزة

في قول، وقيل‏:‏ في التي بعدها كما سيأتي‏.‏

 ثم دخلت سنة ست ومائة

ففيها عزل هشام بن عبد الملك عن إمرة المدينة ومكة والطائف، عبد الواحد بن عبد الله النضري، وولى على ذلك كله ابن خاله إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي‏.‏

وفيها غزا سعيد بن عبد الملك الصائفة‏.‏

وفيها غزا مسلم بن سعيد، مدينة فرغانة ومعاملتها، فلقيه عندها الترك، وكانت بينهم وقعة هائلة، قتل فيها الخاقان وطائفة كبيرة من الترك‏.‏

وفيها أوغل الجراح الحكمي في أرض الخزر، فصالحوه وأعطوه الجزية والخراج‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/262‏)‏

وفيها غزا الحجاج بن عبد الملك اللان، فقتل خلقاً كثيراً، وغنم وسلم‏.‏

وفيها عزل خالد بن عبد الله القسري عن إمرة خراسان مسلم بن سعيد، وولى عليها أخاه أسد بن عبد الله القسري‏.‏

وحج بالناس في هذه السنة أمير المؤمنين هشام بن عبد الملك، وكتب إلى أبي الزناد قبل دخوله المدينة ليتلقاه ويكتب له مناسك الحج ففعل، فتلقاه الناس من المدينة إلى أثناء الطريق، وفيهم أبو الزناد قد امتثل ما أمر به، وتلقاه فيمن تلقاه سعيد بن عبد الله بن الوليد بن عثمان بن عفان، فقال له‏:‏ يا أمير المؤمنين إن أهل بيتك في مثل هذه المواطن الصالحة لم يزالوا يلعنون أبا تراب فالعنه أنت أيضاً، قال أبو الزناد‏:‏ فشق ذلك على هشام واستثقله، وقال‏:‏ ما قدمت لشتم أحد، ولا لعنة أحد، إنما قدمنا حجاجاً‏.‏

ثم أعرض عنه وقطع كلامه وأقبل على أبي الزناد يحادثه ولما انتهى إلى مكة عرض له إبراهيم بن طلحة فتظلم إليه في أرض، فقال له‏:‏ أين كنت عند عبد الملك‏؟‏ قال‏:‏ ظلمني، قال‏:‏ فالوليد‏؟‏ قال‏:‏ ظلمني، قال‏:‏ فسليمان‏؟‏ قال‏:‏ ظلمني، قال‏:‏ فعمر بن عبد العزيز‏؟‏ قال‏:‏ ردها علي، قال‏:‏ فيزيد‏؟‏ قال‏:‏ انتزعها من يدي، وهي الآن في يدك، فقال له هشام‏:‏ أما لو كان فيك مضرب لضربتك، فقال‏:‏ بلى في مضرب بالسوط والسيف، فانصرف عنه هشام وهو يقول لمن معه‏:‏ ما رأيت أفصح من هذا‏.‏

وفيها كان العامل على مكة والمدينة والطائف، إبراهيم بن هشام بن إسماعيل، وعلى العراق وخراسان خالد القسري، والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

 وممن توفي فيها‏:‏

 سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب

أبو عمرو الفقيه، أحد الفقهاء وأحد العلماء‏.‏

وله روايات عن أبيه وغيره، وكان من العباد الزهاد، ولما حج هشام بن عبد الملك دخل الكعبة فإذا هو بسالم بن عبد الله، فقال له‏:‏ سالم‏؟‏ سلني حاجة، فقال‏:‏ إني لأستحي من الله أن أسأل في بيته غيره، فلما خرج سالم خرج هشام في أثره، فقال له‏:‏ الآن قد خرجت منٌ بيت الله فسلني حاجة، فقال سالم‏:‏ من حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة‏؟‏ قال‏:‏ من حوائج الدنيا، فقال سالم‏:‏ إني ما سألت الدنيا من يملكها، فكيف أسألها من لا يملكها‏.‏

وكان سالم خشن العيش، يلبس الصوف الخشن، وكان يعالج بيده أرضاً له وغيرها من الأعمال، ولا يقبل من الخلفاء، وكان متواضعاً وكان شديد الأدمة وله من الزهد والروع شيءٌ كثيرٌ‏.‏

 وطاوس بن كيسان اليماني

من أكبر أصحاب ابن عباس، وقد ترجمناهم في كتابنا ‏(‏التكميل‏)‏، ولله الحمد، انتهى‏.‏

وقد زدنا هنا في ترجمة سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب زيادة حسنة‏.‏

فأما طاوس فهو‏:‏ أبو عبد الرحمن طاوس بن كيسان اليماني، فهو أول طبقة أهل اليمن من التابعين، وهو من أبناء الفرس الذين أرسلهم كسرى إلى اليمن‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 9/263‏)‏

أدرك طاوس جماعة من الصحابة وروى عنهم، وكان أحد الأئمة الأعلام، قد جمع العبادة والزهادة، والعلم النافع، والعمل الصالح، وقد أدرك خمسين من الصحابة، وأكثر روايته عن ابن عباس، وروى عنه خلق من التابعين وأعلامهم، منهم‏:‏ مجاهد وعطاء وعمرو بن دينار، وإبراهيم بن ميسرة، وأبو الزبير ومحمد بن المنكدر، والزهري وحبيب بن أبي ثابت، وليث بن أبي سليم والضحاك بن مزاحم، وعبد الملك بن ميسرة، وعبد الكريم بن المخارق، ووهب بن منبه، والمغيرة بن حكيم الصنعاني، وعبد الله بن طاوس، وغير هؤلاء‏.‏

توفي طاوس بمكة حاجاً، وصلى عليه الخليفة هشام بن عبد الملك، ودفن بها رحمه الله تعالى‏.‏

قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا عبد الرزاق، قال‏:‏ قال أبي‏:‏ مات طاوس بمكة، فلم يصلوا عليه حتى بعث هشام ابنه بالحرس، قال‏:‏ فلقد رأيت عبد الله بن الحسن واضعاً السرير على كاهله، قال‏:‏ ولقد سقطت قلنسوة كانت عليه ومزق رداؤه من خلفه - يعني من كثرة الزحام - فكيف لا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏الإيمان يمان‏)‏‏)‏، وقد خرج من اليمن خلق من هؤلاء المشار إليهم في هذا وغيره، منهم‏:‏ أبو مسلم، وأبو إدريس، ووهب وكعب وطاوس وغير هؤلاء كثير‏.‏

وروى ضمرة، عن ابن شوذب، قال‏:‏ شهدت جنازة طاوس بمكة سنة خمس ومائة، فجعلوا يقولون‏:‏ رحم الله أبا عبد الرحمن، حج أربعين حجة‏.‏

وقال عبد الرزاق‏:‏ حدثنا أبي، قال‏:‏ توفي طاوس بالمزدلفة - أو بمنى - حاجاً، فلما حمل أخذ عبد الله بن الحسن بن علي بقائمة سريره، فما زايله حتى بلغ القبر‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا عبد الرزاق، قال‏:‏ قدم طاوس بمكة، فقدم أمير المؤمنين، فقيل لطاوس‏:‏ إن من فضله ومن، ومن فلو أتيته قال‏:‏ مالي إليه حاجة، فقالوا‏:‏ إنا نخاف عليك، قال‏:‏ فما هو إذا كما تقولون‏.‏

وقال ابن جرير‏:‏ قال لي عطاء‏:‏ جاءني طاوس فقال لي‏:‏ يا عطاء إياك أن ترفع حوائجك إلى من أغلق دونك بابه، وجعل دونه حجابه، وعليك بطلب من بابه لك مفتوح إلى يوم القيامة، طلب منك أن تدعوه ووعدك الإجابة‏.‏

وقال ابن جريج‏:‏ عن مجاهد، عن طاوس، ‏{‏أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ‏}‏ ‏[‏فصلت‏:‏ 44‏]‏ قال‏:‏ بعيد من قلوبهم‏.‏

وروى الأحجري، عن سفيان، عن ليث، قال‏:‏ قال لي طاوس‏:‏ ما تعلمت من العلم فتعلمه لنفسك، فإن الأمانة والصدق قد ذهبا من الناس‏.‏

وقال عبد الرحمن بن مهدي، عن حماد بن زيد، عن الصلت بن راشد‏.‏ قال‏:‏ كنا عند طاوس، فجاءه مسلم بن قتيبة بن مسلم، صاحب خراسان، فسأله عن شيء فانتهره طاوس، فقلت‏:‏ هذا مسلم بن قتيبة بن مسلم صاحب خراسان، قال‏:‏ ذاك أهون له علي‏.‏ وقال لطاوس‏:‏ إن منزلك قد استرم، فقال‏:‏ أمسينا‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/264‏)‏

وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن طاوس، في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 28‏]‏ قال‏:‏ في أمور النساء، ليس يكون في شيء أضعف منه في النساء‏.‏

وقال أبو بكر بن أبي شيبة‏:‏ حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا إبراهيم بن نافع، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال‏:‏ لقي عيسى بن مريم عليه السلام إبليس، فقال إبليس لعيسى‏:‏ أما علمت أنه لن يصيبك إلا ما كتب الله لك‏؟‏

قال‏:‏ نعم، قال إبليس‏:‏ فأوف بذروة هذا الجبل فترد منه، فانظر أتعيش أم لا‏؟‏

قال عيسى‏:‏ أما علمت أن الله تعالى قال‏:‏ لا يجربني عبدي، فإني أفعل ما شئت‏.‏

وفي رواية‏:‏ عن الزهري، عنه، قال‏:‏ قال عيسى‏:‏ إن العبد لا يختبر ربه، ولكن الرب يختبر عبده‏.‏

وفي رواية أخرى‏:‏ إن العبد لا يبتلي ربه، ولكن الرب يبتلي عبده‏.‏ قال‏:‏ فخصمه عيسى عليه السلام‏.‏

وقال فضيل بن عياض، عن ليث، عن طاوس، قال‏:‏ حج الأبرار على الرحال، رواه عبد الله بن أحمد، عنه‏.‏

وقال الإمام أحمد، حدثنا أبو ثميلة، عن ابن أبي داود‏.‏ قال‏:‏ رأيت طاوساً وأصحاباً له إذا صلوا العصر استقبلوا القبلة ولم يكلموا أحداً، وابتهلوا إلى الله تعالى في الدعاء‏.‏

وقال‏:‏ من لم يبخل ولم يل مال يتيم لم ينله جهد البلاء‏.‏ روى عنه أبو داود الطيالسي‏.‏

وقد رواه الطبراني، عن محمد بن يحيى بن المنذر، عن موسى بن إسماعيل، عن أبي داود، فذكره‏.‏ وقال لابنه‏:‏ يا بني صاحب العقلاء تنسب إليهم وإن لم تكن منهم، ولا تصاحب الجهال فتنسب إليهم وإن لم تكن منهم، واعلم أن لكل شيء غاية وغاية المرء حسن عقله‏.‏

وسأله رجل عن مسألة فانتهره، فقال‏:‏ يا أبا عبد الرحمن إني أخوك، قال‏:‏ أخي من دون الناس ‏؟‏

وفي رواية‏:‏ أن رجلاً من الخوارج سأله فانتهره، فقال‏:‏ إني أخوك، قال‏:‏ أمن بين المسلمين كلهم ‏؟‏

وقال عفان، عن حماد بن زيد، عن أيوب، قال‏:‏ سأل رجل طاوساً عن شيء فانتهره، ثم قال‏:‏ تريد أن تجعل في عنقي حبلاً ثم يطاف بي‏؟‏

ورأى طاوس رجلاً مسكيناً في عينه عمش وفي ثوبه وسخ، فقال له‏:‏ عد ‏!‏ إن الفقر من الله، فأين أنت من الماء‏؟‏

وروى الطبراني، عنه، قال‏:‏ إقرار ببعض الظلم خير من القيام فيه‏.‏

وعن عبد الرزاق، عن داود، عن ابن إبراهيم‏:‏ أن الأسد حبس الناس ليلة في طريق الحج، فدق الناس بعضهم بعضاً، فلما كان السحر ذهب عنهم الأسد، فنزل الناس يميناً وشمالاً فألقوا أنفسهم، وقام طاوس يصلي، فقال له رجل - وفي رواية فقال ابنه -‏:‏ ألا تنام فإنك قد سهرت ونصبت هذه الليلة‏؟‏ فقال‏:‏ وهل ينام السحر أحد‏؟‏ وفي رواية‏:‏ ما كنت أظن أحداً ينام السحر‏.‏

وروى الطبراني، من طريق عبد الرزاق، عن أبي جريج وابن عيينة‏.‏ قالا‏:‏ حدثنا ابن طاوس‏.‏ قال‏:‏ قلت لأبي‏:‏ ما أفضل ما يقال على الميت‏؟‏ قال‏:‏ الاستغفار‏.‏

وقال الطبراني‏:‏ حدثنا عبد الرزاق، قال‏:‏ سمعت النعمان بن الزبير الصنعاني يحدث أن محمد بن يوسف - أو أيوب بن يحيى - بعث إلى طاوس بسبعمائة دينار، وقال للرسول‏:‏ إن أخذها منك فإن الأمير سيكسوك ويحسن إليك‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 9/265‏)‏

قال‏:‏ فخرج بها حتى قدم على طاوس الجند، فقال‏:‏ يا أبا عبد الرحمن نفقة بعث بها الأمير إليك، فقال‏:‏ مالي بها من حاجة، فأراده على أخذها بكل طريق فأبى أن يقبلها، فغفل طاوس فرمى بها الرجل من كوة في البيت، ثم ذهب راجعاً إلى الأمير، وقال‏:‏ قد أخذها، فمكثوا حيناً ثم بلغهم عن طاوس ما يكرهون - أو شيء يكرهونه - فقالوا‏:‏ ابعثوا إليه فليبعث إلينا بمالنا، فجاءه الرسول فقال‏:‏ المال الذي بعثه إليك الأمير رده إلينا، فقال‏:‏ ما قبضت منه شيئاً، فرجع الرسول إليهم فأخبرهم، فعرفوا أنه صادق، فقالوا‏:‏ انظروا الذي ذهب بها إليه، فأرسلوه إليه‏.‏

فجاءه فقال‏:‏ المال الذي جئتك به يا أبا عبد الرحمن، قال‏:‏ هل قبضت منك شيئاً‏؟‏ قال‏:‏ لا ‏!‏ قال‏:‏ فقام إلى المكان الذي رمى به فيه فوجدها كما هي، وقد بنت عليها العنكبوت، فأخذها فذهب بها إليهم‏.‏

ولما حج سليمان بن عبد الملك قال‏:‏ انظروا إلى فقيهاً أسأله عن بعض المناسك، قال‏:‏ فخرج الحاجب يلتمس له، فمر طاوس فقالوا‏:‏ هذا طاوس اليماني، فأخذه الحاجب، فقال‏:‏ أجب أمير المؤمنين، فقال‏:‏ اعفني، فأبى، فأدخله عليه، قال طاوس‏:‏ فلما وقفت بين يديه، قلت‏:‏ إن هذا المقام يسألني الله عنه، فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إن صخرة كانت على شفير جهنم هوت فيها سبعين خريفاً حتى استقرت في قرارها، أتدري لمن أعدها الله‏؟‏ قال‏:‏ لا ‏!‏‏!‏ ويلك لمن أعدها الله‏؟‏ قال‏:‏ لمن أشركه الله في حكمه فجار‏.‏

وفي رواية ذكرها الزهري‏:‏ أن سليمان رأى رجلاً يطوف بالبيت، له جمال وكمال، فقال‏:‏ من هذا يا زهري‏؟‏ فقلت‏:‏ هذا طاوس، وقد أدرك عدة من الصحابة، فأرسل إليه سليمان فأتاه فقال‏:‏ لو ما حدثتنا‏؟‏ فقال‏:‏ حدثني أبو موسى قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏إن أهون الخلق على الله عز وجل من ولى من أمور المسلمين شيئاً فلم يعدل فيهم‏)‏‏)‏‏.‏ فتغير وجه سليمان فأطرق طويلاً ثم رفع رأسه إليه فقال‏:‏ لو ما حدثتنا‏؟‏ فقال‏:‏ حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - قال ابن شهاب‏:‏ ظننت أنه أراد علياً - قال‏:‏ دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعام في مجلس من مجالس قريش، ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إن لكم على قريش حقاً، ولهم على الناس حق، ما إذا استرحموا رحموا، وإذا حكموا عدلوا، وإذا ائتمنوا أدوا، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً‏)‏‏)‏، قال‏:‏ فتغير وجه سليمان وأطرق طويلاً ثم رفع رأسه إليه وقال‏:‏ لوما حدثتنا‏؟‏ فقال‏:‏ حدثني ابن عباس أن آخر آية نزلت من كتاب الله‏:‏ ‏{‏وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 281‏]‏‏.‏

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل‏:‏ حدثني أبو معمر، عن ابن عيينة، عن إبراهيم بن ميسرة، قال‏:‏ قال عمر بن عبد العزيز لطاوس‏:‏ ارفع حاجتك إلى أمير المؤمنين - يعني سليمان - فقال طاوس‏:‏ مالي إليه من حاجة، فكأنه عجب من ذلك، قال سفيان وحلف لنا إبراهيم وهو مستقبل الكعبة‏:‏ ورب هذا البيت ما رأيت أحداً الشريف والوضيع عنده بمنزلة واحدة إلا طاوس‏.‏

قال وجاء ابن لسليمان بن عبد الملك فجلس إلى جنب طاوس فلم يلتفت إليه، فقيل له‏:‏ جلس إليك ابن أمير المؤمنين فلم تلتفت إليه‏؟‏ قال‏:‏ أردت أن يعلم هو وأبوه أن لله عباداً يزهدون فيهم وفيما في أيديهم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/266‏)‏

وقد روى عبد الله بن أحمد، عن ابن طاوس، قال‏:‏ خرجنا حجاجاً فنزلنا في بعض القرى، وكنت أخاف أبي من الحكام لشدته وغلظه عليهم، قال‏:‏ وكان في تلك القرية عامل لمحمد بن يوسف - أخي الحجاج بن يوسف - يقال له‏:‏ أيوب بن يحيى، وقيل‏:‏ يقال له‏:‏ ابن نجيح، وكان من أخبث عمالهم كبراً وتجبراً‏.‏

قال‏:‏ فشهدنا صلاة الصبح في المسجد، فإذا ابن نجيح قد أخبر بطاوس، فجاء فقد بين يدي طاوس، فسلم عليه فلم يجبه، ثم كلمه فأعرض عنه، ثم عدل إلى الشق الآخر فأعرض عنه، فلما رأيت ما به قمت إليه وأخذت بيده، ثم قلت له‏:‏ إن أبا عبد الرحمن لم يعرفك، فقال طاوس‏:‏ بلى ‏!‏ إني به لعارف، فقال الأمير‏:‏ إنه بي لعارف، ومعرفته بي فعلت بي ما رأيت‏.‏ ثم مضى وهو ساكت لا يقول شيئاً، فلما دخلت المنزل قال لي أبي‏:‏ يا لكع، بينما أنت تقول‏:‏ أريد أخرج عليهم بالسيف لم تستطع أن تحبس عنهم لسانك‏.‏

وقال أبو عبد الله الشامي‏:‏ أتيت طاوساً فاستأذنت عليه فخرج إلى ابنه شيخٌ كبيرٌ، فقلت‏:‏ أنت طاوس‏؟‏ فقال‏:‏ لا ‏!‏ أنا ابنه، فقلت‏:‏ إن كنت أنت ابنه فإن الشيخ قد خرف، فقال‏:‏ إن العالم لا يخرف، فدخلت عليه فقال طاوس‏:‏ سل فأوجز، فقلت‏:‏ إن أوجزت أوجزت لك، فقال‏:‏ تريد أن أجمع لك في مجلسي هذا التوراة والإنجيل والفرقان‏؟‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ نعم ‏!‏ قال‏:‏ خف الله مخافة لا يكون عندك شيء أخوف منه، وارجه رجاء هو أشد من خوفك إياه، وأحب للناس ما تحب لنفسك‏.‏

وقال الطبراني‏:‏ حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه‏.‏ قال‏:‏ يجاء يوم القيامة بالمال وصاحبه فيتحاجان، فيقول صاحب المال للمال‏:‏ جمعتك في يوم كذا في شهر كذا في سنة كذا، فيقول المال‏:‏ ألم أقض لك الحوائج‏؟‏ أنا الذي حلت بينك وبين أن تصنع فيما أمرك الله عز وجل من حبك إياي، فيقول صاحب المال‏:‏ إن هذا الذي نفد على حبال أوثق بها وأقيد‏.‏

وقال عثمان بن أبي شيبة‏:‏ حدثنا أبي، حدثنا يحيى بن الضريس، عن أبي سنان، عن حبيب بن أبي ثابت، قال‏:‏ اجتمع عندي خمسة لا يجتمع عندي مثلهم قط‏:‏ عطاء وطاووس، ومجاهد وسعيد بن جبير، وعكرمة‏.‏

وقال سفيان‏:‏ قلت لعبيد الله بن أبي يزيد‏:‏ مع من كنت تدخل على ابن عباس‏؟‏ قال‏:‏ مع عطاء والعامة، وكان طاوس يدخل مع الخاصة‏.‏

وقال حبيب‏:‏ قال لي طاوس‏:‏ إذا حدثتك حديثاً قد أثبته فلا تسأل عنه أحداً - وفي رواية‏:‏ فلا تسأل عنه غيري -

وقال أبو أسامة‏:‏ حدثنا الأعمش، عن عبد الملك بن ميسرة، عن طاوس، قال‏:‏ أدركت خمسين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 9/267‏)‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، أخبرني ابن طاوس، قال‏:‏ قلت لأبي‏:‏ أريد أن أتزوج فلانة، قال‏:‏ اذهب فانظر إليها، قال‏:‏ فذهبت فلبست من صالح ثيابي، وغسلت رأسي، وأدهنت، فلما رآني في تلك الحال، قال‏:‏ اجلس فلا تذهب‏.‏

وقال عبد الله بن طاوس‏:‏ كان أبي إذا سار إلى مكة سار شهراً، وإذا رجع رجع في شهر، فقلت له في ذلك، فقال‏:‏ بلغني أن الرجل إذا خرج في طاعة لا يزال في سبيل الله حتى يرجع إلى أهله‏.‏

وقال حمزة‏:‏ عن هلال بن كعب، قال‏:‏ كان طاوس إذا خرج من اليمن لم يشرب إلا من تلك المياه القديمة الجاهلية‏.‏

وقال له رجل‏:‏ ادع الله لي، فقال‏:‏ ادع لنفسك فإنه يجيب المضطر إذا دعاه‏.‏

وقال الطبراني‏:‏ حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال‏:‏ كان رجل فيما خلا من الزمان، وكان عاقلاً لبيباً، فكبر فقعد في البيت، فقال لابنه يوماً‏:‏ إني قد اغتممت في البيت، فلو أدخلت علي رجالاً يكلموني‏؟‏ فذهب ابنه فجمع نفراً فقال‏:‏ ادخلوا على أبي فحدثوه، فإن سمعتم منه منكراً فاعذروه فإنه قد كبر، وإن سمعتم منه خيراً فاقبلوه‏.‏ قال‏:‏ فدخلوا عليه، فكان أول ما تكلم به أن قال‏:‏ إن أكيس الكيس التقى، وأعجز العجز الفجور، وإذا تزوج الرجل فليتزوج من معدن صالح، فإذا اطلعتم على فجرة رجل فاحذروه فإن لها أخوات‏.‏

وقال سلمة بن شبيب‏:‏ حدثنا أحمد بن نصر بن مالك، حدثنا عبد الله بن عمر بن مسلم الجيري، عن أبيه، قال‏:‏ قال طاوس لابنه‏:‏ إذا قبرتني فانظر في قبري، فإن لم تجدني فاحمد الله تعالى، وإن وجدتني فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏ قال عبد الله‏:‏ فأخبرني بعض ولده أنه نظر فلم يره ولم يجد في قبره شيئاً، ورؤي في وجهه السرور‏.‏

وقال قبيصة‏:‏ حدثنا سفيان، عن سعيد بن محمد، قال‏:‏ كان من دعاء طاوس‏:‏ يدعو اللهم احرمني كثرة المال والولد، وارزقني الإيمان والعمل‏.‏

وقال سفيان‏:‏ عن معمر، حدثنا الزهري، قال‏:‏ لو رأيت طاوس بن كيسان علمت أنه لا يكذب‏.‏

وقال عون بن سلام‏:‏ حدثنا جابر بن منصور - أخو إسحاق بن منصور - السلولي، عن عمران بن خالد الخزاعي‏.‏ قال‏:‏ كنت جالساً عند عطاء، فجاء رجل فقال‏:‏ أبا محمد إن طاوساً يزعم أن من صلى العشاء ثم صلى بعدها ركعتين يقرأ في الأولى‏:‏ ألم تنزيل السجدة، وفي الثانية‏:‏ تبارك الذي بيده الملك كتب له مثل وقوف عرفة وليلة القدر‏.‏ فقال عطاء‏:‏ صدق طاوس ما تركتهما‏.‏

وقال ابن أبي السري‏:‏ حدثنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه‏.‏ قال‏:‏ كان رجل من بني إسرائيل، وكان ربما داوى المجانين، وكانت امرأة جميلة، فأخذها الجنون، فجيء بها إليه، فنزلت عنده فأعجبته، فوقع عليها فحملت، فجاءه الشيطان فقال‏:‏ إن علم بها افتضحت، فاقتلها وادفنها في بيتك، فقتلها ودفنها، فجاء أهلها بعد ذلك بزمان يسألونه عنها، قال‏:‏ ماتت، فلم يتهموه لصلاحه ومنزلته، فجاءهم الشيطان فقال‏:‏ إنها لم تمت، ولكن قد وقع عليها فحملت فقتلها ودفنها في بيته، في مكان كذا و كذا، فجاء أهلها فقالوا‏:‏ ما نتهمك ولكن أخبرنا أين دفنتها، ومن كان معك‏؟‏ فنبشوا بيته فوجدوها حيث دفنها، فأخذوه فحبسوه وسجنوه، فجاءه الشيطان فقال‏:‏ أنا صاحبك، فإن كنت تريد أن أخرجك مما أنت فيه فاكفر بالله، فأطاع الشيطان، فكفر بالله عز وجل، فقتل فتبرأ منه الشيطان حينئذ‏.‏

وقال طاوس‏:‏ ولا أعلم أن هذه الآية نزلت إلا فيه وفي مثله‏:‏ ‏{‏كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏الحشر‏:‏ 16‏]‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/268‏)‏

وقال الطبراني‏:‏ حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال‏:‏ كان رجل من بني إسرائيل له أربعة بنين، فمرض، فقال أحدهم‏:‏ إما أن تمرضوا أبانا، وليس لكم من ميراثه شيء، وإما أن أمرضه وليس لي من ميراثه شيء، فمرضه حتى مات ودفنه ولم يأخذ من ميراثه شيئاً‏.‏

وكان فقيراً وله عيال، فأتي في النوم فقيل له‏:‏ إيتِ مكان كذا وكذا فاحفره تجد فيه مائة دينار فخذها، فقال للآتي في المنام‏:‏ ببركة أو بلا بركة‏؟‏ فقال‏:‏ بلا بركة، فلما أصبح ذكر ذلك لامرأته فقالت‏:‏ اذهب فخذها فإن من بركتها أن تكسوني منها ونعيش منها‏.‏ فأبى وقال‏:‏ لا آخذ شيئاً ليس فيه بركة‏.‏ فلما أمسى أتي في منامه فقيل له‏:‏ إيت مكان كذا و كذا فخذ منه عشرة دنانير، فقال‏:‏ ببركة أو بلا بركة‏؟‏ قال‏:‏ بلا بركة، فلما أصبح ذكر ذلك لامرأته، فقالت له مثل ذلك، فأبى أن يأخذها، ثم أتي في الليلة الثالثة فقيل له‏:‏ إيت مكان كذا وكذا فخذ منه ديناراً، فقال‏:‏ ببركة أو بلا بركة‏؟‏ قال‏:‏ ببركة، قال‏:‏ نعم إذاً‏.‏

فلما أصبح ذهب إلى ذلك المكان الذي أشير إليه في المنام فوجد الدينار فأخذه، فوجد صياداً يحمل حوتين فقال‏:‏ بكم هما‏؟‏ قال‏:‏ بدينار، فأخذهما منه بذلك الدينار، ثم انطلق بهما إلى امرأته فقامت تصلحهما، فشقت بطن أحدهما فوجدت فيه درة لا يقوم بها شيء، ولم ير الناس مثلها، ثم شقت بطن الآخر فإذا فيه درة مثلها‏.‏

قال‏:‏ فاحتاج ملك ذلك الزمان درة فبعث يطلبها حيث كانت ليشتريها، فلم توجد إلا عنده، فقال الملك‏:‏ إيت بها، فأتاه بها، فلما رآها حلاها الله عز وجل في عينيه، فقال‏:‏ بعنيها، فقال‏:‏ لا أنقصها عن وقر ثلاثين بغلاً ذهباً، فقال الملك‏:‏ ارضوه، فخرجوا به فوقروا له ثلاثين بغلاً ذهباً‏.‏

ثم نظر إليها الملك فأعجبته إعجاباً عظيماً، فقال‏:‏ ما تصلح هذه إلا بأختها، اطلبوا لي أختها‏.‏ قال‏:‏ فأتوه، فقالوا له‏:‏ هل عندك أختها ونعطيك ضعف ما أعطيناك‏؟‏ قال‏:‏ وتفعلون‏؟‏ قالوا‏:‏ نعم‏.‏ فأتي الملك بها، فلما رآها أخذت بقلبه، فقال‏:‏ أرضوه، فأضعفوا له ضعف أختها، والله أعلم‏.‏

وقال عبد الله بن المبارك‏:‏ حدثنا وهيب بن الورد، حدثنا عبد الجبار بن الورد، قال‏:‏ حدثني داود بن سابور، قال‏:‏ قلنا لطاوس‏:‏ أدع بدعوات، فقال‏:‏ لا أجد لذلك حسبة‏.‏

وقال ابن جرير‏:‏ عن ابن طاوس، عن أبيه، قال‏:‏ البخل أن يبخل الإنسان بما في يده، والشح أن يحب أن له ما في أيدي الناس بالحرام لا يقنع‏.‏

وقيل‏:‏ الشح هو ترك القناعة‏.‏

وقيل‏:‏ هو أن يشح بما في يد غيره، وهو مرض من أمراض القلب ينبغي للعبد أن يعزله عن نفسه، وينفيه ما استطاع، وهو يأمرنا بالبخل‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/269‏)‏

كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏اتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم أمرهم بالبخل فبخلوا، وبالقطيعة فقطعوا، وهذا هو الحرص على الدنيا وحبها‏)‏‏)‏‏.‏

وقال ابن أبي شيبة‏:‏ حدثنا المحاربي، عن ليث، عن طاوس، قال‏:‏ ألا رجل يقوم بعشر آيات من الليل فيصبح قد كتب له مائة حسنة أو أكثر من ذلك، ومن زاد زيد في ثوابه‏.‏

وقال قتيبة بن سعيد‏:‏ حدثنا سفيان بن عيينة، عن هشام بن حجير، عن طاوس، قال‏:‏ لا يتم نسك الشاب حتى يتزوج‏.‏

وعن سفيان، عن إبراهيم بن ميسرة، قال‏:‏ قال لي طاوس‏:‏ لتنكحن أو لأقولن لك ما قال عمر بن الخطاب لأبي الزوائد‏:‏ ما يمنعك من النكاح إلا عجز أو فجور‏.‏

وقال طاوس‏:‏ لا يحرز دين المؤمن إلا حفرته‏.‏

وقال عبد الرزاق‏:‏ عن معمر بن طاوس، وغيره‏:‏ أن رجلاً كان يسير مع طاوس، فسمع الرجل غراباً ينعب، فقال‏:‏ خير، فقال طاوس‏:‏ أي خير عند هذا أو شر لا تصحبني ولا تمش معي‏.‏

وقال بشر بن موسى‏:‏ حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال‏:‏ إذا غدا الإنسان اتبعه الشيطان، فإذا أتى المنزل فسلم نكص الشيطان‏.‏ وقال‏:‏ لا مقيل، فإذا أتى بغدائه فذكر اسم الله، قال‏:‏ ولا غداء ولا مقيل، فإذا دخل ولم يسلم قال الشيطان‏:‏ أدركنا المقيل، فإذا أتى بغذائه ولم يذكر اسم الله عليه قال الشيطان‏:‏ مقيل وغداء، وفي العشاء مثل ذلك‏.‏

وقال‏:‏ إن الملائكة ليكتبون صلاة بني آدم‏:‏ فلان زاد فيها كذا وكذا، وفلان نقص فيها كذا وكذا، وذلك في الركوع والخشوع والسجود‏.‏

وقال‏:‏ لما خلقت النار طارت أفئدة الملائكة، فلما خلق آدم سكنت، وكان إذا سمع صوت الرعد يقول‏:‏ سبحان من سبحت له‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، قال‏:‏ قال مجاهد لطاوس‏:‏ يا أبا عبد الرحمن رأيتك تصلي في الكعبة والنبي صلى الله عليه وسلم على بابها يقول لك‏:‏ اكشف قناعك، وبيِّن قراءتك‏.‏ فقال له‏:‏ اسكت لا يسمع هذا منك أحد‏.‏ ثم تخيل إلى أن انبسط في الحديث‏.‏

وقال أحمد أيضاً بهذا الإسناد‏:‏ إن طاوساً قال لأبي نجيح‏:‏ يا أبا نجيح ‏!‏‏!‏ من قال‏:‏ واتقي الله خير ممن صمت واتقى‏.‏

وقال مسعر، عن رجل‏:‏ إن طاوساً أتى رجلاً في السحر فقالوا‏:‏ هو نائم، فقال‏:‏ ما كنت أرى أن أحداً ينام في السحر‏.‏

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل‏:‏ حدثنا محمد بن يزيد، حدثنا ابن يمان، عن مسعود، فذكره‏.‏

قال الثوري‏:‏ كان طاوس يجلس في بيته، فقيل له في ذلك، فقال‏:‏ حيف الأئمة وفساد الناس‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا عبد الرزاق، قال‏:‏ أخبرني أبي، قال‏:‏ كان طاوس يصلي في غداة باردة معتمة، فمر به محمد بن يوسف صاحب اليمن وحاجبها - وهو أخو الحجاج بن يوسف - وطاوس ساجد، والأمير راكب في مركبه، فأمر بساج أو طيلسان مرتفع القيمة فطرح على طاوس وهو ساجد، فلم يرفع رأسه حتى فرغ من حاجته، فلما سلم نظر فإذا الساج عليه فانتفض فألقاه عنه، ولم ينظر إليه ومضى إلى منزله وتركه ملقى على الأرض‏.‏

وقال نعيم بن حماد‏:‏ حدثنا حماد بن عيينة، عن ابن جريج، عن عطاء، عن طاوس، عن ابن عباس‏:‏ ما من شيء يتكلم به ابن آدم إلا كتب عليه حتى أنينه في مرضه، فلما مرض الإمام أحمد أنَّ فقيل له‏:‏ إن طاوساً كان يكره أنين المرض فتركه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/270‏)‏

وقال أبو بكر بن أبي شيبة‏:‏ حدثنا الفضل بن دُكَين، حدثنا سفيان، عن أبيه، عن داود بن شابور، قال‏:‏ قال رجل لطاوس‏:‏ ادع الله لنا، فقال‏:‏ ما أجد بقلبي خشية فأدعو لك‏.‏

وقال ابن طالوت‏:‏ حدثنا عبد السلام بن هاشم، عن الحسن بن أبي الحصين العنبري، قال‏:‏ مر طاوس برواس قد أخرج رؤوساً فغشي عليه‏.‏

وفي رواية‏:‏ كان إذا رأى الرؤوس المشوية لم يتعش تلك الليلة‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا هشام بن القاسم، حدثنا الأشجعي، عن سفيان الثوري، قال‏:‏ قال طاوس‏:‏ إن الموتى يفتنون في قبورهم سغباً، وكانوا يستحبون أن يطعم عنهم تلك الأيام‏.‏

وقال ابن إدريس‏:‏ سمعت ليثاً، يذكر عن طاوس وذكر النساء فقال‏:‏ فيهنَّ كفر من مضى وكفر من بقي‏.‏

وقال أبو عاصم‏:‏ عن بقية، عن سلمة بن وهرام، عن طاوس، قال‏:‏ كان يقال اسجد للقرد في زمانه، أي‏:‏ أطعه في المعروف‏.‏

وقال أبو بكر بن أبي شيبة‏:‏ حدثنا أسامة، حدثنا نافع بن عمر، عن بشر بن عاصم، قال‏:‏ قال طاوس‏:‏ ما رأيت مثل أحد أمن على نفسه، ولقد رأيت رجلاً لو قيل لي‏:‏ من أفضل من تعرف‏؟‏ لقلت‏:‏ فلان ذلك الرجل، فمكثت على ذلك حيناً، ثم أخذه وجع في بطنه، فأصاب منه شيئاً استنضح بطنه عليه، فاشتهاه، فرأيته في نطع ما أدري أي طرفيه أسرع حتى مات عرقاً‏.‏

وروى أحمد، حدثنا هشيم، قال‏:‏ أخبرنا أبو بشر، عن طاوس‏:‏ أنه رأى فتية من قريش يرفلون في مشيتهم، فقال‏:‏ إنكم لتلبسون لبسة ما كانت آباؤكم تلبسها، وتمشون مشية ما يحسن الزفافون أن يمشوها‏.‏

وقال أحمد‏:‏ حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر‏:‏ أن طاوساً قام على رفيق له مرض حتى فاته الحج - لعله هو الرجل المتقدم قبل هذا استنضح بطنه -‏.‏

وقال مسعر بن كدام‏:‏ عن عبد الكبير المعلم، قال طاوس‏:‏ قال ابن عباس‏:‏ سئل النبي صلى الله عليه وسلم من أحسن قراءة‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏من إذا سمعته يقرأ رأيت أنه يخشى الله عز وجل‏)‏‏)‏‏.‏

وقد روى هذا أيضاً من طريق ابن لهيعة، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، قال‏:‏ قال ابن عباس‏:‏ إن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إن أحسن الناس قراءة من قرأ القرآن يتحزن به‏)‏‏)‏‏.‏

وعنه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال‏:‏ رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي ثوبان معصفران فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أمك أمرتك بهذا‏)‏‏)‏‏؟‏ قلت‏:‏ أغسلهما‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏بل أحدهما‏)‏‏)‏‏.‏ رواه مسلم في صحيحه، عن داود بن راشد، عن عمر بن أيوب، عن إبراهيم بن نافع، عن سليمان الأحول، عن طاوس، به‏.‏

وروى محمد بن مسلمة، عن إبراهيم بن ميسرة، عن طاوس، عن ابن عمرو، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏الجلاوذة والشرط وأعوان الظلمة كلاب النار‏)‏‏)‏‏.‏ انفرد به محمد بن مسلم الطالقي‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 9/271‏)‏

وقال الطبراني‏:‏ حدثنا محمد بن الحسن الأنماطي البغدادي، حدثنا عبد المنعم بن إدريس، حدثنا أبي، عن وهب بن منبه، عن طاوس، عن أنس بن مالك، قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي بن أبي طالب‏:‏ ‏(‏‏(‏يا علي استكثر من المعارف من المؤمنين فكم من معرفة في الدنيا بركة في الآخرة‏)‏‏)‏‏.‏

فمضى علي فأقام حيناً لا يلقى أحداً إلا اتخذه للآخرة، ثم جاء من بعد ذلك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏ما فعلت فيما أمرتك به‏)‏‏)‏‏؟‏ قال‏:‏ قد فعلت يا رسول الله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏اذهب فاِبلُ أخبارهم‏)‏‏)‏‏.‏

فذهب ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو منكس رأسه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏اذهب فاِبلُ أخبارهم‏)‏‏)‏‏.‏

فذهب ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم تبسم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما أحسب يا علي ثبت معك إلا أبناء الآخرة‏)‏‏)‏‏؟‏ فقال له علي‏:‏ لا والذي بعثك بالحق، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏‏{‏الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ * يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 67-68‏]‏ يا علي ‏!‏ أقبل على شأنك، وأملك لسانك، وأغفل من تعاشر من أهل زمانك تكن سالماً غانماً‏)‏‏)‏‏.‏

لم يرو إلا من هذا الوجه فيما نعلم، والله أعلم‏.‏