فصل: فصل نزوله عليه الصلاة والسلام في منى

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البداية والنهاية **


 فصل نزوله عليه الصلاة والسلام في منى

ثم نزل عليه السلام بمنى حيث المسجد اليوم فيما يقال، وأنزل المهاجرين يمنته والأنصار يسرته والنَّاس حولهم من بعدهم‏.‏

وقال الحافظ البيهقي‏:‏ أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا علي بن محمد بن عقبة الشيباني بالكوفة، ثنا إبراهيم بن إسحاق الزُّهري، ثنا عبيد الله بن موسى، أنبأنا إسرائيل عن إبراهيم بن مهاجر، عن يوسف بن ماهك، عن أم مسيكة، عن عائشة قال‏:‏ قيل يا رسول الله، ألا نبني لك بمنى بناء يظلك‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا منى مناخ من سبق‏)‏‏)‏‏.‏

وهذا إسناد لا بأس به، وليس هو في المسند ولا في الكتب الستة من هذا الوجه‏.‏

وقال أبو داود‏:‏ ثنا أبو بكر محمد بن خلاد الباهلي، ثنا يحيى عن ابن جريج، حدثني حريز، أو أبو حريز الشك من يحيى أنه سمع عبد الرحمن بن فروخ يسأل ابن عمر قال‏:‏ إنا نتبايع بأموال النَّاس فيأتي أحدنا مكة، فيبت على المال‏.‏

فقال‏:‏ أما رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فبات بمنى وظل‏.‏

انفرد به أبو داود‏.‏

ثم قال أبو داود‏:‏ ثنا عثمان ابن أبي شيبة، ثنا ابن نمير وأبو أسامة عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال‏:‏ استأذن العبَّاس رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته، فأذن له‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/219‏)‏

وهكذا رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن نمير‏.‏

زاد البخاري‏:‏ وأبي ضمرة أنس بن عياض‏.‏

زاد مسلم‏:‏ وأبي أسامة حماد بن أسامة‏.‏

وقد علَّقه البخاري عن أبي أسامة وعقبة بن خالد، كلهم عن عبيد الله بن عمر به‏.‏

وقد كان صلَّى الله عليه وسلَّم يصلي بأصحابه بمنى ركعتين، كما ثبت عنه ذلك في الصحيحين من حديث ابن مسعود، وحارثة بن وهب رضي الله عنهما‏.‏

ولهذا ذهب طائفة من العلماء إلى أن سبب هذا القصر النسك، كما هو قول طائفة من المالكية وغيرهم‏.‏

قالوا‏:‏ ومن قال‏:‏ إنه عليه السلام كان يقول بمنى لأهل مكة‏:‏ ‏(‏‏(‏أتموا فإنا قوم سفر‏)‏‏)‏ فقد غلط، إنما قال ذلك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عام الفتح، وهو نازل بالأبطح، كما تقدم، والله أعلم‏.‏

وكان صلَّى الله عليه وسلَّم يرمي الجمرات الثلاث في كل يوم من أيام منى بعد الزوال، كما قال جابر فيما تقدَّم‏:‏ ماشياً، كما قال ابن عمر فيما سلف‏:‏ كل جمرة بسب حصيات يكبِّر مع كل حصاة، ويقف عند الأولى وعند الثانية، يدعو الله عز وجل، ولا يقف عند الثالثة‏.‏

قال أبو داود‏:‏ ثنا علي بن بحر، وعبد الله بن سعيد المعني قالا‏:‏ ثنا أبو خالد الأحمر عن محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة قالت‏:‏ أفاض رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من آخر يومه حين صلى الظهر، ثم رجع إلى منى فمكث بها أيام التشريق، يرمي الجمرة إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات ويكبِّر مع كل حصاة، ويقف عند الأولى والثانية فيطيل المقام ويتضرع، ويرمى الثالثة لا يقف عندها‏.‏

انفرد به أبو داود‏.‏

وروى البخاري من غير وجه عن يونس بن يزيد، عن الزُّهري، عن سالم، عن ابن عمر أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات، يكبِّر على إثر كل حصاة ثم يتقدم ثم يسهل، فيقوم مستقبل القبلة طويلاً ويدعو ويرفع يديه، ثم يرمي الوسطى، ثم يأخذ ذات الشمال فيسهل فيقوم مستقبل القبلة ويدعو ويرفع يديه ويقوم طويلاً، ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي ولا يقف عندها، ثم ينصرف فيقول‏:‏ هكذا رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يفعله‏.‏

وقال وبرة بن عبد الرحمن‏:‏ قام ابن عمر عند العقبة، بقدر قراءة سورة البقرة‏.‏

وقال أبو مجلز‏:‏ حزرت قيامه بعد قراءة سورة يوسف، ذكرهما البيهقي‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الله ابن أبي بكر، عن أبيه، عن أبي القداح، عن أبيه أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم رخَّص للرعاء أن يرموا يوماً ويدعوا يوماً‏.‏

وقال أحمد‏:‏ ثنا محمد ابن أبي بكر، وأما روح ثنا ابن جريج، أخبرني محمد ابن أبي بكر بن محمد بن عمرو عن أبيه، عن أبي القداح بن عاصم بن عدي، عن أبيه أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أرخص للرعاء أن يتعاقبوا فيرموا يوم النحر، ثم يدعوا يوماً وليلة ثم يرموا الغد‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا عبد الرحمن، ثنا مالك عن عبد الله، عن بكر، عن أبيه، عن أبي القداح، عن عاصم بن عدي، عن أبيه أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم رخَّص لرعاء الإبل في البيتوتة بمنى حتَّى يرمون يوم النحر، ثم يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغد أو من بعد الغد ليومين، ثم يرمون يوم النفر‏.‏

وكذا رواه عن عبد الرزاق عن مالك بنحوه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/220‏)‏

وقد رواه أهل السنن الأربعة من حديث مالك، ومن حديث سفيان بن عيينة به‏.‏

قال التِّرمذي‏:‏ ورواية مالك أصح، وهو حديث حسن صحيح‏.‏

 فصل خطبة النَّبيّ عليه الصلاة والسلام في ثاني أيام التشريق

فيما ورد من الأحاديث الدالة على أنه عليه السلام خطب النَّاس بمنى في اليوم الثاني من أيام التشريق، وهو أوسطها‏.‏

قال أبو داود باب أي يوم يخطب‏:‏ حدثنا محمد بن العلاء، أنبأنا ابن المبارك عن إبراهيم بن نافع، عن ابن أبي نجيح، عن أبيه، عن رجلين من بني بكر قالا‏:‏ رأينا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يخطب بين أوسط أيام التشريق ونحن عند راحلته، وهي خطبة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم التي خطب بمنى‏.‏

انفرد به أبو داود‏.‏

ثم قال أبو داود‏:‏ ثنا محمد بن بشار، ثنا أبو عاصم، ثنا ربيعة بن عبد الرحمن بن حصين، حدثتني جدتي سراء بنت نبهان - وكانت ربة بيت في الجاهلية - قالت‏:‏ خطبنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم الرؤوس فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أي يوم هذا‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قلنا‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أليس أوسط أيام التشريق‏)‏‏)‏‏.‏

انفرد به أبو داود‏.‏

قال أبو داود‏:‏ وكذلك قال عم أبي حرة الرقاشي‏:‏ أنه خطب أوسط أيام التشريق‏.‏

وهذا الحديث قد رواه الإمام أحمد متصلاً مطولاً‏.‏

فقال‏:‏ ثنا عثمان، ثنا حماد بن سلمة، أنبأنا علي بن زيد عن أبي حرة الرقاشي، عن عمه قال‏:‏ كنت آخذاً بزمام ناقة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في أوسط أيام التشريق أذود عنه النَّاس‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ياأيها النَّاس أتدرون في أي شهر أنتم، وفي أي يوم أنتم، وفي أي بلد أنتم‏؟‏‏.‏

قالوا‏:‏ في يوم حرام، وشهر حرام، وبلد حرام‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى أن تلقونه‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏اسمعوا مني تعيشوا، ألا لا تظلموا، ألا لا تظلموا، ألا لا تظلموا، إنه لا يحل مال امرء مسلم إلا بطيب نفس منه، ألا إن كل دم ومال ومأثرة كانت في الجاهلية تحت قدمي هذه إلى يوم القيامة، وإن أول دم يوضع دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب كان مستعرضاً في بني سعد فقتلته هذيل، ألا إن كل ربا في الجاهلية موضوع، وإن الله قضى أن أول ربا يوضع ربا العبَّاس بن عبد المطلب، لكم رؤوس أموالكم لا تَظلِمون ولا تُظلَمون، ألا وإن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السموات والأرض‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قرأ‏:‏ ‏(‏‏(‏إنَّ عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السَّموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدِّين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم‏)‏‏)‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 36‏]‏ ألا لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون ولكنه في التحريش بينكم، واتقوا الله في النساء فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئاً، وإن لهن عليكم حقاً ولكم عليهن حق أن لا يوطئن فرشكم أحد غيركم، ولا يأذن فيي بيوتكم لأحد تكرهونه، فإن خفتم نشوزهن فعظوهن، واهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وإنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ألا ومن كانت عنده أمانة فليؤدها الى من ائتمنه عليها‏)‏‏)‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/221‏)‏

وبسط يده وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ألا هل بلغت، ألا هل بلغت ‏!‏‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ليبلِّغ الشاهد الغائب فإنه رُبَّ مبلّغ أسعد من سامع‏)‏‏)‏‏.‏

قال حميد‏:‏ قال الحسن حين بلغ هذه الكلمة‏:‏ قد والله بلغوا أقواماً كانوا أسعد به‏.‏

وقد روى أبو داود في كتاب النكاح من سننه عن موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن أبي حرة الرقاشي - واسمه‏:‏ حنيفة - عن عمه ببعضه في النشوز‏.‏

قال ابن حزم‏:‏ جاء أنه خطب يوم الرؤوس، وهو اليوم الثاني من يوم النحر بلا خلاف عن أهل مكة، وجاء أنه أوسط أيام التشريق فيحتمل على أن أوسط بمعنى أشرف‏.‏

كما قال تعالى‏:‏ ‏(‏‏(‏وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً‏)‏‏)‏‏.‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 143‏]‏‏.‏

وهذا المسلك الذي سلكه ابن حزم بعيد، والله أعلم‏.‏

وقال الحافظ أبو بكر البزار‏:‏ حدثنا الوليد بن عمرو بن مسكين، ثنا أبو همام محمد بن الزبرقان، ثنا موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار وصدقة بن يسار، عن عبد الله بن عمر قال‏:‏ نزلت هذه السورة على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بمنى وهو في أوسط أيام التشريق في حجة الوداع‏:‏ ‏{‏إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ‏}‏ فعرف أنه الوداع، فأمر براحلته القصواء فرحلت له، ثم ركب فوقف النَّاس بالعقبة فاجتمع إليه ما شاء الله من المسلمين، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أما بعد أيها النَّاس، فإن كل دم كان في الجاهلية فهو هدر، وإن أول دمائكم أهدر دم ربيعة بن الحارث كان مسترضعاً في بني ليث فقتلته هذيل، وكل ربا في الجاهلية فهو موضوع، وإن أول رباكم أضع ربا العبَّاس بن عبد المطلب، أيها النَّاس إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السموات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر منها أربعة حرم رجب مضر - الذي بين جمادى وشعبان، وذو القعدة وذو الحجة والمحرم ‏{‏ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ‏}‏ الآية ‏[‏التوبة‏:‏ 36‏]‏‏.‏

{‏إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 37‏]‏ كانوا يحلون صفراً عاماً، ويحرمون المحرم عاماً، ويحرمون صفراً عاماً، ويحلون المحرم عاماً، فذلك النسئ‏.‏

يا أيها النَّاس من كان عنده وديعة فليؤدها الى من ائتمنه عليها، أيها النَّاس إن الشيطان قد يئس أن يعبد ببلادكم آخر الزمان، وقد يرضى عنكم بمحقرات الأعمال فاحذروه على دينكم بمحقرات الأعمال، أيها النَّاس إن النساء عندكم عوانٍ أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، لكم عليهن ولهن عليكم حق، ومن حقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم غيركم، ولا يعصينكم في معروف، فإن فعلن ذلك فليس عليهن سبيل، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، فإن ضربتم فاضربوا ضرباً غير مبرح، ولا يحل لامرء من مال أخيه إلا ما طابت به نفسه‏.‏

أيها النَّاس إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لم تضلوا كتاب الله فاعملوا به، أيها النَّاس أي يوم هذا‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ يوم حرام‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فأي بلد هذا‏؟‏‏)‏‏)‏

قالوا‏:‏ بلد حرام‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أي شهر هذا‏؟‏‏)‏‏)‏

قالوا‏:‏ شهر حرام‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فإن الله حرَّم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة هذا اليوم، في هذا البلد وهذا الشهر، ألا ليبلِّغ شاهدكم غائبكم لا نبي بعدي ولا أمة بعدكم‏)‏‏)‏‏.‏

ثم رفع يديه فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم اشهد‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/222‏)‏

 حديث الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم يزور البيت كل ليلة من ليالي منى

قال البخاري يذكر عن أبي حسان عن ابن عبَّاس‏:‏ أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يزور البيت في أيام منى‏.‏

هكذا ذكره معلقاً بصيغة التمريض‏.‏

وقد قال الحافظ البيهقي‏:‏ أخبرناه أبو الحسن بن عبدان، أنبأنا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا العمري، أنبأنا ابن عرعرة فقال‏:‏ دفع إلينا معاذ بن هشام كتاباً‏.‏

قال‏:‏ سمعته من أبي ولم يقرأه‏.‏

قال‏:‏ فكان فيه عن قتادة عن أبي حسان عن ابن عبَّاس أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يزور البيت كل ليلة ما دام بمنى‏.‏

قال‏:‏ وما رأيت أحداً واطأه عليه‏.‏

قال البيهقي‏:‏ وروى الثوري في ‏(‏الجامع‏)‏ عن طاوس، عن ابن عبَّاس أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يفيض كل ليلة - يعني‏:‏ ليالي منى - وهذا مرسل‏.‏

 فصل يوم الزينة

اليوم السادس من ذي الحجة‏.‏

قال بعضهم‏:‏ يقال له‏:‏ يوم الزينة لأنه يزين فيه البدن بالجلال وغيرها‏.‏

واليوم السابع‏:‏ يقال له‏:‏ يوم التروية، لأنهم يتروون فيه من الماء ويحملون منه ما يحتاجون اليه حال الوقوف وما بعده‏.‏

واليوم الثامن‏:‏ يقال له‏:‏ يوم منى لأنهم يرحلون فيه من الأبطح إلى منى‏.‏

واليوم التاسع‏:‏ يقال له‏:‏ يوم عرفة لوقوفهم فيه بها‏.‏

واليوم العاشر‏:‏ يقال له‏:‏ يوم النحر، ويوم الأضحى، ويوم الحج الأكبر‏.‏

واليوم الذي يليه‏:‏ يقال له‏:‏ يوم القر لأنهم يقرون فيه، ويقال له‏:‏ يوم الرؤوس لأنهم يأكلون فيه رؤوس الأضاحي، وهو أول أيام التشريق، وثاني أيام التشريق يقال له‏:‏ يوم النفر الأول لجواز النفر فيه، وقيل‏:‏ هو اليوم الذي يقال له‏:‏ يوم الرؤوس، واليوم الثالث من أيام التشريق يقال له‏:‏ يوم النفر الآخر‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ‏}‏ الآية‏.‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 203‏]‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/223‏)‏

فلما كان يوم النفر الآخر، وهو اليوم الثالث من أيام التشريق، وكان يوم الثلاثاء ركب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم والمسلمون معه فنفر بهم من منى، فنزل المحصب - وهو واد بين مكة ومنى - فصلَّى به العصر‏.‏

كما قال البخاري‏:‏ حدثنا محمد بن المثنى، ثنا إسحاق بن يوسف، ثنا يوسف، ثنا سفيان الثوري عن عبد العزيز بن رفيع قال‏:‏ سألت أنس بن مالك‏:‏ أخبرني عن شيء عقلته عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أين صلى الظهر يوم التروية‏؟‏‏.‏

قال‏:‏ بمنى‏.‏

قلت‏:‏ فأين صلى العصر يوم النفر‏؟‏

قال‏:‏ بالأبطح، افعل كما يفعل أمراؤك‏.‏

وقد روي أنه صلَّى الله عليه وسلَّم صلى الظهر يوم النفر بالأبطح، وهو المحصب، فالله أعلم‏.‏

قال البخاري‏:‏ حدثنا عبد المتعال بن طالب، ثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث أن قتادة حدَّثه أن أنس بن مالك، حدثَّه عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنه صلَّى الظهر والعصر والعشاء، ورقد رقدة في المحصب ثم ركب إلى البيت فطاف به‏.‏

قلت‏:‏ - يعني‏:‏ طواف الوداع -‏.‏

وقال البخاري‏:‏ ثنا عبد الله بن عبد الوهاب، ثنا خالد بن الحارث قال‏:‏ سئل عبيد الله عن المحصب فحدثنا عبيد الله عن نافع قال‏:‏ نزل بها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وعمر وابن عمر‏.‏

وعن نافع أن ابن عمر كان يصلي بها - يعني المحصب - والظهر والعصر أحسبه قال‏:‏ والمغرب، قال خالد‏:‏ لا أشك في العشاء ثم يهجع هجعة، ويذكر ذلك عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا نوح بن ميمون، أنبأنا عبد الله عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأبا بكر وعمر وعثمان نزلوا المحصب، هكذا رأيته في مسند الإمام أحمد من حديث عبد الله العمري عن نافع‏.‏

وقد روى التِّرمذي هذا الحديث عن إسحاق بن منصور، وأخرجه ابن ماجه عن محمد بن يحيى، كلاهما عن عبد الرزاق، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع عن ابن عمر قال‏:‏ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأبا بكر وعمر وعثمان ينزلون الأبطح‏.‏

قال التِّرمذي‏:‏ وفي الباب عن عائشة، وأبي رافع، وابن عبَّاس، وحديث ابن عمر حسن غريب‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/224‏)‏

وإنما نعرفه من حديث عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر به‏.‏

وقد رواه مسلم عن محمد بن مهران الرازي، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأبا بكر وعمر كانوا ينزلون الأبطح‏.‏

ورواه مسلم أيضاً من حديث صخر بن جويرية عن نافع، عن ابن عمر أنه كان ينزل المحصب، وكان يصلي الظهر يوم النفر بالحصبة‏.‏

قال نافع‏:‏ قد حصب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم والخلفاء بعده‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا يونس، ثنا حماد - يعني‏:‏ ابن سلمة - عن أيوب وحميد، عن بكر بن عبد الله، عن ابن عمر أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالبطحاء، ثم هجع هجعة، ثم دخل - يعني‏:‏ مكة - فطاف بالبيت‏.‏

ورواه أحمد أيضاً عن عفان، عن حماد، عن حميد، عن بكر، عن ابن عمر، فذكره وزاد في آخره‏:‏ وكان ابن عمر يفعله‏.‏

وكذلك رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل‏.‏

وقال البخاري‏:‏ ثنا الحميدي، ثنا الوليد، ثنا الأوزاعيّ، حدثني الزُّهري عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ من الغد يوم النحر - بمنى - نحن نازلون غداً بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر - يعني‏:‏ بذلك المحصب - الحديث‏.‏

ورواه مسلم عن زهير بن حرب، عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعيّ فذكر مثله سواء‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر عن الزُّهري، عن علي بن الحسين، عن عمرو بن عثمان، عن أسامة بن زيد قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله أين تنزل غداً - في حجته -‏؟‏‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏وهل ترك لنا عُقيل منزلاً‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏نحن نازلون غداً إن شاء الله بخيف بني كنانة - يعني‏:‏ المحصب‏:‏ حيث قاسمت قريشاً على الكفر‏)‏‏)‏‏.‏

وذلك أن بني كنانة حالفت قريشاً على بني هاشم أن لا يناكحوهم، ولا يبايعوهم، ولا يؤوهم - يعني‏:‏ حتَّى يسلموا إليهم رسول الله -‏.‏

ثم قال عند ذلك‏:‏ ‏(‏‏(‏لا يرث المسلمُ الكافرَ ولا الكافرُ المسلمَ‏)‏‏)‏‏.‏

قال الزُّهري - والخيف - الوادي‏.‏

أخرجاه من حديث عبد الرزاق، وهذان الحديثان فيهما دلالة على أنه عليه السلام قصد النزول في المحصب مراغمة لما كان تمالأ عليه كفار قريش، لما كتبوا الصحيفة في مصارمة بني هاشم وبني المطلب، حتَّى يسلموا إليهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

كما قدمنا بيان ذلك في موضعه‏.‏

وكذلك نزله عام الفتح، فعلى هذا يكون نزوله سنة مرغباً فيها، وهو أحد قولي العلماء‏.‏

وقد قال البخاري‏:‏ ثنا أبو نعيم، أنبأنا سفيان عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت‏:‏ إنما كان منزلاً ينزله النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ليكون أسمح لخروجه - يعني‏:‏ الأبطح -‏.‏

وأخرجه مسلم من حديث هشام به‏.‏

ورواه أبو داود عن أحمد بن حنبل عن يحيى بن سعيد، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة‏:‏ إنما نزل رسول الله المحصّب ليكون أسمح لخروجه، وليس بسنّة، فمن شاء نزله ومن شاء لم ينزله‏.‏

وقال البخاري‏:‏ حدثنا علي بن عبد الله، ثنا سفيان قال‏:‏ قال عمرو عن عطاء، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ ليس التحصيب بشيء، إنما هو منزل نزله رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

ورواه مسلم عن أبي بكر ابن أبي شيبة وغيره، عن سفيان - وهو ابن عيينة - به‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/225‏)‏

وقال أبو داود‏:‏ ثنا أحمد بن حنبل وعثمان ابن أبي شيبة ومسدد المعني قالوا‏:‏ ثنا سفيان، ثنا صالح بن كيسان عن سليمان بن يسار قال‏:‏ قال أبو رافع‏:‏ لم يأمرني - يعني‏:‏ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن أنزله، ولكن ضربت قبته فيه فنزله‏.‏

قال مسدد‏:‏ وكان على ثقل النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وقال عثمان - يعني‏:‏ في الأبطح -‏.‏

ورواه مسلم عن قتيبة وأبي بكر، وزهير بن حرب عن سفيان بن عيينة به‏.‏

والمقصود‏:‏ أن هؤلاء كلهم اتفقوا على نزول النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في المحصّب لما نفر من منى، ولكن اختلفوا فمنهم من قال‏:‏ لم يقصد نزوله، وإنما نزله اتفاقاً ليكون أسمح لخروجه، ومنهم من أشعر كلامه بقصده عليه السلام نزوله، وهذا هو الأشبه، وذلك أنه عليه السلام أمر النَّاس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، وكانوا قبل ذلك ينصرفون من كل وجه كما قال ابن عبَّاس، فأمر النَّاس أن يكون آخر عهدهم بالبيت - يعني‏:‏ طواف الوداع - فأراد عليه السلام أن يطوف هو ومن معه من المسلمين بالبيت طواف الوداع وقد نفر من منى قريب الزوال، فلم يكن يمكنه أن يجيء البيت في بقية يومه، ويطوف به ويرحل إلى ظاهر مكة من جانب المدينة، لأن ذلك قد يتعذر على هذا الجم الغفير، فاحتاج أن يبيت قبل مكة ولم يكن منزل أنسب لمبيته من المحصّب الذي كانت قريش قد عاقدت بني كنانة على بني هاشم وبني المطلب فيه، فلم يبرم الله لقريش أمراً بل كبتهم وردهم خائبين، وأظهر الله دينه، ونصر نبيه وأعلا كلمته، وأتم له الدين القويم، وأوضح به الصراط المستقيم، فحجَّ بالنَّاس وبيَّن لهم شرائع الله وشعائره، وقد نفر بعد إكمال المناسك، فنزل في الموضع الذي تقاسمت قريش فيه على الظلم والعدوان والقطيعة، فصلى به الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وهجع هجعة‏.‏

وقد كان بعث عائشة أم المؤمنين مع أخيها عبد الرحمن ليعمرها من التنعيم، فإذا فرغت أتته، فلما قضت عمرتها ورجعت أذّن في المسلمين بالرحيل إلى البيت العتيق‏.‏

كما قال أبو داود‏:‏ حدثنا وهب بن بقية، ثنا خالد عن أفلح، عن القاسم، عن عائشة قالت‏:‏ أحرمت من التنعيم بعمرة، فدخلت فقضيت عمرتي، وانتظرني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالأبطح حتَّى فرغت أمر النَّاس بالرحيل‏.‏

قالت‏:‏ وأتى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم البيت فطاف به ثم خرج‏.‏

وأخرجاه في الصحيحين من حديث أفلح بن حميد‏.‏

ثم قال أبو داود‏:‏ ثنا محمد بن بشار، ثنا أبو بكر - يعني‏:‏ الحنفي - ثنا أفلح عن القاسم عنها - يعني‏:‏ عائشة - قالت‏:‏ خرجت معه - يعني‏:‏ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم النفر الآخر ونزل المحصب‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/226‏)‏

قال أبو داود‏:‏ فذكر ابن بشار بعثها إلى التنعيم‏.‏

قالت‏:‏ ثم جئت سحراً فأذّن في الصحابة بالرحيل، فارتحل فمر بالبيت قبل صلاة الصبح فطاف به حين خرج ثم انصرف متوجهاً إلى المدينة‏.‏

ورواه البخاري عن محمد بن بشار به‏.‏

قلت‏:‏ والظاهر أنه عليه السلام صلى الصبح يومئذ عند الكعبة بأصحابه وقرأ في صلاته تلك بسورة ‏(‏‏(‏والطور * وكتاب مسطور * في رقٍّ منشور * والبيت المعمور * والسَّقف المرفوع * والبحر المسجور‏)‏‏)‏ السورة بكمالها‏.‏

وذلك لما رواه البخاري حيث قال‏:‏ حدثنا إسماعيل، حدثني مالك عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، عن عروة بن الزبير، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة زوج النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال‏:‏ شكوت إلى رسول الله أني اشتكي‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏طوفي من وراء النَّاس وأنت راكبة‏)‏‏)‏‏.‏

فطفت ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يصلي حينئذ إلى جنب البيت، وهو يقرأ‏:‏ ‏{‏وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ‏}‏‏.‏

وأخرجه بقية الجماعة إلا التِّرمذي من حديث مالك بإسناد نحوه‏.‏

وقد رواه البخاري من حديث هشام بن عروة عن أبيه، عن زينب، عن أم سلمة أن رسول الله قال وهو بمكة وأراد الخروج، ولم تكن أم سلمة طافت وأرادت الخروج فقال لها‏:‏ ‏(‏‏(‏إذا أقيمت صلاة الصبح، فطوفي على بعيرك والنَّاس يصلون‏)‏‏)‏ فذكر الحديث‏.‏

فأما ما رواه الإمام أحمد‏:‏ حدثنا أبو معاوية، ثنا هشام بن عروة عن أبيه، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أمرها أن توافي معه صلاة الصبح يوم النحر بمكة‏.‏

فهو إسناد كما ترى على شرط الصحيحين، ولم يخرِّجه أحد من هذا الوجه بهذا اللفظ، ولعل قوله‏:‏ يوم النحر، غلط من الراوي أو من النَّاسخ، وإنما هو يوم النفر، ويؤيده ما ذكرناه من رواية البخاري، والله أعلم‏.‏

والمقصود‏:‏ أنه عليه السلام لما فرغ من صلاة الصبح طاف بالبيت سبعاً، ووقف في الملتزم بين الركن الذي فيه الحجر الأسود، وبين باب الكعبة، فدعا الله عز وجل وألزق جسده بجدار الكعبة‏.‏

قال الثوري عن المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال‏:‏ رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يلزق وجهه وصدره بالملتزم المثنى - ضعيف -‏.‏

 فصل خروج النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم من مكة

ثم خرج عليه السلام من أسفل مكة كما قالت عائشة‏:‏ أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم دخل مكة من أعلاها وخرج من أسفلها أخرجاه‏.‏

وقال ابن عمر‏:‏ دخل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من الثنية العليا التي بالبطحاء، وخرج من الثنية السفلى‏.‏

رواه البخاري ومسلم، وفي لفظ‏:‏ دخل من كداء، وخرج من كدى‏.‏

وقد قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا محمد بن فضيل، ثنا أجلح بن عبد الله عن أبي الزبير، عن جابر قال‏:‏ خرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من مكة عند غروب الشمس فلم يصل حتَّى أتى سرف وهي على تسعة أميال من مكة‏.‏

وهذا غريب جداً، وأجلح فيه نظر، ولعل هذا في غير حجة الوداع، فإنه عليه السلام كما قدمنا طاف بالبيت بعد صلاة الصبح، فماذا أخره إلى وقت الغروب، هذا غريب جداً، اللهم إلا أن يكون ما ادَّعاه ابن حزم صحيحاً من أنه عليه السلام رجع إلى المحصب من مكة بعد طوافه بالبيت طواف الوداع، ولم يذكر دليلاً على ذلك إلا قول عائشة حين رجعت من اعتمارها من التنعيم فلقيته بصعدة، وهو مهبط على أهل مكة أو منهبطه، وهو مصعد‏.‏

قال ابن حزم‏:‏ الذي لا شكَّ فيه أنها كانت مصعدة من مكة وهو منهبط، لأنها تقدمت إلى العمرة وانتظرها حتَّى جاءت، ثم نهض عليه السلام إلى طواف الوداع فلقيها منصرفه إلى المحصب من مكة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/227‏)‏

وقال البخاري باب من نزل بذي طوى إذا رجع من مكة وقال محمد بن عيسى‏:‏ حدثنا حماد بن زيد عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان إذا أقبل بات بذي طوى، حتَّى إذا أصبح دخل، وإذا نفر مرَّ بذي طوى وبات بها حتَّى يصبح، وكان يذكر أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يفعل ذلك، هكذا ذكر هذا معلقاً بصيغة الجزم، وقد أسند هو ومسلم من حديث حماد بن زيد به، لكن ليس فيه ذكر المبيت بذي طوى في الرجعة، فالله أعلم‏.‏

فائدة عزيزة‏:‏

فيها أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم استصحب معه من ماء زمزم شيئاً قال الحافظ أبو عيسى التِّرمذي‏:‏ حدثنا أبو كريب، ثنا خلاد بن يزيد الجعفي، ثنا زهير بن معاوية عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها كانت تحمل من ماء زمزم وتخبر أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يحمله‏.‏

ثم قال‏:‏ هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه‏.‏

وقال البخاري‏:‏ ثنا محمد بن مقاتل، أخبرنا عبد الله هو‏:‏ ابن المبارك -، ثنا موسى بن عقبة عن سالم، ونافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان إذا قفل من الغزو، أو من الحج أو من العمرة يبدأ فيكبر ثلاث مرات ثم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون، عابدون ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده‏)‏‏)‏ والأحاديث في هذا كثيرة، ولله الحمد والمنة‏.‏

 فصل خطبته صلَّى الله عليه وسلَّم بين مكة والمدينة

في إيراد الحديث الدال على أنه عليه السلام خطب بمكان بين مكة والمدينة مرجعه من حجة الوداع قريب من الجحفة - يقال له‏:‏ غدير خم - فبين فيها فضل علي ابن أبي طالب وبراءة عرضه مما كان تكلَّم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن بسبب ما كان صدر منه إليهم من المعدلة التي ظنها بعضهم جوراً وتضييقاً وبخلاً‏.‏

والصواب‏:‏ كان معه في ذلك، ولهذا لما تفرغ عليه السلام من بيان المناسك، ورجع إلى المدينة بين ذلك في أثناء الطريق، فخطب خطبة عظيمة في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة عامئذ، وكان يوم الأحد بغدير خم تحت شجرة هناك، فبين فيها أشياء وذكر من فضل علي وأمانته وعدله وقربه إليه ما أزاح به ما كان في نفوس كثير من النَّاس منه، ونحن نورد عيون الأحاديث الواردة في ذلك، ونبين ما فيها من صحيح وضعيف بحول الله وقوته وعونه، وقد اعتنى بأمر هذا الحديث أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، صاحب التفسير والتاريخ، فجمع فيه مجلدين أورد فيهما طرقه وألفاظه، وساق الغث والسمين، والصحيح والسقيم، على ما جرت به عادة كثير من المحدثين يوردون ما وقع لهم في ذلك الباب من غير تمييز بين صحيحه وضعيفه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/228‏)‏

وكذلك الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر، أورد أحاديث كثيرة في هذه الخطبة، ونحن نورد عيون ما روى في ذلك مع إعلامنا أنه لاحظ للشيعة فيه ولا متمسك لهم، ولا دليل لما سنبينه وننبه عليه، فنقول وبالله المستعان‏:‏

قال محمد بن إسحاق - في سياق حجة الوداع -‏:‏ حدثني يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي عمرة عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة قال‏:‏ لما أقبل علي من اليمن ليلقى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بمكة تعجل إلى رسول الله واستخلف على جنده الذين معه رجلاً من أصحابه، فعمد ذلك الرجل فكسى كل رجل من القوم حلة من البز الذي كان مع علي، فلما دنا جيشه خرج ليلقاهم فإذا عليهم الحلل قال‏:‏ ويلك ما هذا‏؟‏

قال‏:‏ كسوت القوم ليتجملوا به إذا قدموا في النَّاس‏.‏

قال‏:‏ ويلك إنزع قبل أن ينتهي به إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

قال‏:‏ فانتزع الحلل من النَّاس فردها في البز‏.‏

قال‏:‏ وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فحدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم عن سليمان بن محمد بن كعب بن عجرة، عن عمته زينب بنت كعب - وكانت عند أبي سعيد الخدري - عن أبي سعيد قال‏:‏ اشتكى النَّاس علياً، فقام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فينا خطيباً فسمعته يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏أيها النَّاس لا تشكو علياً، فوالله إنه لأخشن في ذات الله، أو في سبيل الله من أن يشكى‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه الإمام أحمد من حديث محمد بن إسحاق به وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إنه لأخشن في ذات الله، أو في سبيل الله‏)‏‏)‏‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا الفضل بن دكين، ثنا ابن أبي غنية عن الحكم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبَّاس، عن بريدة قال‏:‏ غزوت مع علي اليمن فرأيت منه جفوة، فلما قدمت على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ذكرت علياً فتنقصته، فرأيت وجه رسول الله يتغير فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم‏؟‏‏)‏‏)‏

قلت‏:‏ بلى يا رسول الله ‏!‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه‏)‏‏)‏‏.‏

وكذا رواه النسائي عن أبي داود الحراني، عن أبي نعيم الفضل بن دكين، عن عبد الملك ابن أبي غنية بإسناده نحوه، وهذا إسناد جيد قوي رجاله كلهم ثقات‏.‏

وقد روى النسائي في سننه عن محمد بن المثنى، عن يحيى بن حماد، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن حبيب ابن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم قال‏:‏ لما رجع رسول الله من حجة الوداع ونزل غدير حم أمر بدوحات فقممن ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏كأني قد دعيت فأجبت إني قد تركت فيكم الثقلين كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتَّى يردا علي الحوض‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏الله مولاي، وأنا ولي كل مؤمن‏)‏‏)‏ ثم أخذ بيد علي فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه، فهذا وليه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه‏)‏‏)‏‏.‏

فقلت لزيد‏:‏ سمعته من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال‏:‏ ما كان في الدوحات أحد إلا رآه بعينيه، وسمعه بأذنيه، تفرد به النسائي من هذا الوجه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/229‏)‏

قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي‏:‏ وهذا حديث صحيح‏.‏

وقال ابن ماجه‏:‏ حدثنا علي بن محمد، أنَّا أبو الحسين، أنبأنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب قال‏:‏ أقبلنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في حجة الوداع التي حج فنزل في الطريق فأمر الصلاة جامعة، فأخذ بيد علي فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ألست بأولى المؤمنين من أنفسهم‏؟‏‏)‏‏)‏

قالوا‏:‏ بلى‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ألست بأولى بكل مؤمن من نفسه‏؟‏‏)‏‏)‏

قالوا‏:‏ بلى‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فهذا ولي من أنا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه‏)‏‏)‏‏.‏

وكذا رواه عبد الرزاق عن معمر، عن علي بن زيد بن جدعان، عن عدي، عن البراء‏.‏

وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي، والحسن بن سفيان‏:‏ ثنا هدبة، ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد وأبي هارون، عن عدي بن ثابت، عن البراء قال‏:‏ كنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في حجة الوداع، فلما أتينا على غدير خم كشح لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم تحت شجرتين، ونودي في النَّاس‏:‏ الصلاة جامعة، ودعا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم علياً، وأخذ بيده فأقامه عن يمينه فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ألست أولى بكل امرء من نفسه‏؟‏‏)‏‏)‏

قالوا‏:‏ بلى ‏!‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فإن هذا مولى من أنا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه‏)‏‏)‏‏.‏

فلقيه عمر بن الخطاب فقال‏:‏ هنيئاً لك، أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة‏.‏

ورواه ابن جرير عن أبي زرعة، عن موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد وأبي هارون العبدي - وكلاهما ضعيف - عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب به‏.‏

وروى ابن جرير هذا الحديث من حديث موسى بن عثمان الحضرمي - وهو ضعيف جداً -، عن أبي إسحاق السبيعي، عن البراء وزيد بن أرقم، فالله أعلم‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا ابن نمير، ثنا عبد الملك عن أبي عبد الرحيم الكندي، عن زاذان أبي عمر قال‏:‏ سمعت علياً بالرحبة وهو ينشد النَّاس من شهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم غدير خم وهو يقول‏:‏ ما قال‏؟‏

قال‏:‏ فقام اثنا عشر رجلاً فشهدوا أنهم سمعوا من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه‏)‏‏)‏ تفرد به أحمد، وأبو عبد الرحيم هذا لا يعرف‏.‏

وقال عبد الله بن الإمام أحمد في مسند أبيه‏:‏ حديث علي بن حكيم الأودي أخبرنا شريك عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب، وعن زيد بن يثيغ قال‏:‏ نشد علي النَّاس في الرحبة من سمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول يوم غدير خم‏:‏ ‏(‏‏(‏ما قال إلا قام‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ فقام من قبل سعيد ستة، ومن قبل زيد ستة، فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول لعلي يوم غدير خم‏:‏ ‏(‏‏(‏أليس الله أولى بالمؤمنين من أنفسهم‏؟‏‏)‏‏)‏

قالوا‏:‏ بلى ‏!‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه‏)‏‏)‏‏.‏

قال عبد الله‏:‏ وحدثني علي بن حكيم، أنَّا شريك عن أبي إسحاق، عن عمرو ذي أمر، مثل حديث أبي إسحاق - يعني‏:‏ عن سعيد - وزيد، وزاد فيه‏:‏ ‏(‏‏(‏وانصر من نصره، واخذل من خذله‏)‏‏)‏‏.‏

قال عبد الله‏:‏ وحدثنا علي، ثنا شريك عن الأعمش، عن حبيب ابن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم، عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم مثله‏.‏

وقال النسائي في ‏(‏كتاب خصائص علي‏)‏‏:‏ حدثنا حسين بن حرب، ثنا الفضل بن موسى عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب قال‏:‏ قال علي في الرحبة‏:‏ أنشد بالله رجلاً سمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم غدير خم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏إن الله ولي المؤمنين ومن كنت وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/230‏)‏

وكذلك رواه شعبة عن أبي إسحاق، وهذا إسناد جيد‏.‏

ورواه النسائي أيضاً من حديث إسرائيل عن أبي إسحاق، عن عمرو ذي أمر قال‏:‏ نشد علي النَّاس بالرحبة، فقام أناس فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله يقول يوم غدير خم‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فإن علياً مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه ابن جرير عن أحمد بن منصور، عن عبد الرزاق، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن زيد بن وهب، وعبد خير، عن علي‏.‏

وقد رواه ابن جرير عن أحمد بن منصور، عن عبيد الله بن موسى - وهو‏:‏ شيعي ثقة -، عن فطر بن خليفة، عن أبي إسحاق، عن زيد بن وهب، وزيد بن يثيغ، وعمرو ذي أمر، أن علياً أنشد النَّاس بالكوفة، وذكر الحديث‏.‏

وقال عبد الله بن أحمد‏:‏ حدثني عبيد الله بن عمر القواريري، ثنا يونس بن أرقم، ثنا يزيد ابن أبي زياد عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى شهدت علياً في الرحبة ينشد النَّاس فقال‏:‏ أشهد الله من سمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم غدير خم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه‏)‏‏)‏ لما قام فشهد، قال عبد الرحمن‏:‏ فقام اثنا عشر رجلاً بدرياً كأني أنظر إلى أحدهم فقالوا‏:‏ نشهد أنا سمعنا رسول الله يقول يوم غدير خم‏:‏ ‏(‏‏(‏ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجي أمهاتهم‏؟‏‏)‏‏)‏

فقلنا‏:‏ بلى يا رسول الله ‏!‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه‏)‏‏)‏، إسناد ضعيف غريب‏.‏

وقال عبد الله بن أحمد‏:‏ حدثنا أحمد بن عمير الوكيعي، ثنا زيد بن الحباب، ثنا الوليد بن عقبة بن ضرار القيسي، أنبأنا سماك عن عبيد بن الوليد القيسي قال‏:‏ دخلت على عبد الرحمن ابن أبي ليلى، فحدثني‏:‏ أنه شهد علياً في الرحبة قال‏:‏ أنشد بالله رجلاً سمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وشهده يوم غدير خم إلا قام ولا يقوم إلا من رآه، فقام اثنا عشر رجلاً فقالوا‏:‏ قد رأيناه وسمعناه حيث أخذ بيده يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله‏)‏‏)‏ فقام إلا ثلاثة لم يقوموا فدعا عليهم، فأصابتهم دعوته‏.‏

وروى أيضاً عن عبد الأعلى بن عامر التغلبي وغيره، عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى به‏.‏

وقال ابن جرير‏:‏ ثنا أحمد بن منصور، ثنا أبو عامر العقدي، وروى ابن أبي عاصم عن سليمان الغلابي، عن أبي عامر العقدي، ثنا كثير بن زيد، حدثني محمد بن عمر بن علي، عن أبيه، عن علي أن رسول الله حضر الشجرة بخم، فذكر الحديث، وفيه‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فإن علياً مولاه‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواه بعضهم عن أبي عامر، عن كثير، عن محمد بن عمر بن علي، عن علي منقطعاً‏.‏

وقال إسماعيل بن عمرو البجلي - وهو ضعيف - عن مسعر، عن طلحة بن مصرف، عن عميرة ابن سعد أنه شهد عليا على المنبر يناشد أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من سمع رسول الله يوم غدير خم، فقام اثنا عشر رجلاً منهم أبو هريرة، وأبو سعيد، وأنس بن مالك، فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواه عبيد الله بن موسى عن هاني بن أيوب وهو ثقة، عن طلحة بن مصرف به‏.‏

وقال عبد الله بن أحمد‏:‏ حدثني حجاج بن الشاعر، ثنا شبابة، ثنا نعيم بن حكيم، حدثني أبو مريم، ورجل من جلساء علي عن علي أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال يوم غدير خم‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه‏)‏‏)‏، قال‏:‏ فزاد النَّاس بعد وال من والاه، وعاد من عاداه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/231‏)‏

روى أبو داود بهذا السند، حديث المخرج‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا حسين بن محمد، وأبو نعيم المعني قالا‏:‏ ثنا قطن عن أبي الطفيل قال‏:‏ جمع علي النَّاس في الرحبة - يعني‏:‏ رحبة مسجد الكوفة - فقال‏:‏ أنشد الله كل من سمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام، فقام ناس كثير فشهدوا حين أخذ بيده فقال للناس‏:‏ ‏(‏‏(‏أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم‏؟‏‏)‏‏)‏

قالوا‏:‏ نعم يا رسول الله ‏!‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فخرجت كأن في نفسي شيئاً، فلقيت زيد بن أرقم فقلت له‏:‏ إني سمعت علياً يقول‏:‏ كذا، وكذا‏.‏

قال‏:‏ فما تنكر‏؟‏ سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول ذلك له‏.‏

هكذا ذكره الإمام أحمد في مسند زيد بن أرقم رضي الله عنه‏.‏

ورواه النسائي من حديث الأعمش عن حبيب ابن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم به، وقد تقدم‏.‏

وأخرجه التِّرمذي عن بندار، عن غندر، عن شعبة، عن سلمة بن كهيل، سمعت أبا الطفيل يحدِّث عن أبي سريحة أو زيد بن أرقم - شكَّ شعبة - أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه ابن جرير عن أحمد بن حازم، عن أبي نعيم، عن كامل أبي العلاء، عن حبيب ابن أبي ثابت، عن يحيى بن جعدة، عن زيد بن أرقم‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا عفان، ثنا أبو عوانة عن المغيرة، عن أبي عبيد، عن ميمون أبي عبد الله قال‏:‏ قال زيد بن أرقم وأنا أسمع‏:‏ نزلنا مع رسول الله منزلاً يقال له‏:‏ وادي خم، فأمر بالصلاة فصلاها بهجير قال‏:‏ فخطبنا وظل رسول الله بثوب على شجرة ستره من الشمس فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ألستم تعلمون - أو ألستم تشهدون - أني أولى بكل مؤمن من نفسه‏؟‏‏)‏‏)‏

قالوا‏:‏ بلى ‏!‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فمن كنت مولاه فإن علياً مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه‏)‏‏)‏‏.‏

ثم رواه أحمد عن غندر، عن شعبة، عن ميمون أبي عبد الله، عن زيد بن أرقم، إلى قوله‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه‏)‏‏)‏‏.‏

قال ميمون‏:‏ حدثني بعض القوم عن زيد أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه‏)‏‏)‏ وهذا إسناد جيد رجاله ثقات على شرط السنن، وقد صحَّح التِّرمذي بهذا السند حديثاً في الريث‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا يحيى بن آدم، ثنا حنش بن الحارث بن لقيط الأشجعي، عن رباح بن الحارث قال‏:‏ جاء رهط إلى علي بالرحبة فقالوا‏:‏ السلام عليك يا مولانا‏.‏

قال‏:‏ كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب‏؟‏

قالوا‏:‏ سمعنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم غدير خم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فهذا مولاه‏)‏‏)‏

قال رباح‏:‏ فلما مضوا تبعتهم فسألت من هؤلاء‏؟‏

قالوا‏:‏ نفر من الأنصار منهم أبو أيوب الأنصاري‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا حنش عن رباح بن الحارث قال‏:‏ رأيت قوماً من الأنصار قدموا على علي في الرحبة فقال‏:‏ من القوم‏؟‏

فقالوا‏:‏ مواليك يا أمير المؤمنين، فذكر معناه، هذا لفظه وهو من أفراده‏.‏

وقال ابن جرير‏:‏ ثنا أحمد بن عثمان أبو الجوزاء، ثنا محمد بن خالد بن عثمة، ثنا موسى بن يعقوب الزمعي - وهو صدوق -، حدثني مهاجر بن مسمار عن عائشة بنت سعد سمعت أباها يقول‏:‏ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول يوم الجحفة وأخذ بيد علي فخطب، ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أيها النَّاس إني وليكم‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ صدقت ‏!‏

فرفع يد علي فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏هذا وليي، والمؤدي عني، وإن الله موالي من والاه، ومعادي من عاداه‏)‏‏)‏‏.‏

قال شيخنا الذهبي‏:‏ وهذا حديث حسن غريب‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/232‏)‏

ثم رواه ابن جرير من حديث يعقوب بن جعفر ابن أبي كبير عن مهاجر بن مسمار، فذكر الحديث، وأنه عليه السلام وقف حتَّى لحقه من بعده، وأمر برد من كان تقدم فخطبهم، الحديث‏.‏

وقال أبو جعفر بن جرير الطبري في ‏(‏الجزء الأول من كتاب غدير خم‏)‏‏:‏ قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي‏:‏ وجدته في نسخة مكتوبة عن ابن جرير، حدثنا محمود بن عوف الطائي، ثنا عبيد الله بن موسى، أنبأنا إسماعيل بن كشيط عن جميل بن عمارة، عن سالم بن عبد الله بن عمر قال ابن جرير - أحسبه قال عن عمر -‏:‏ وليس في كتابي سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو آخذ بيد علي، من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وهذا حديث غريب، بل منكر وإسناده ضعيف‏.‏

قال البخاري في جميل بن عمارة‏:‏ هذا فيه نظر‏.‏

وقال المطلب بن زياد عن عبد الله بن محمد بن عقيل سمع جابر بن عبد الله يقول‏:‏ كنا بالجحفة بغدير خم، فخرج علينا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من خباء، أو فسطاط، فأخذ بيد علي فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه‏)‏‏)‏‏.‏

قال شيخنا الذهبي‏:‏ هذا حديث حسن‏.‏

وقد رواه ابن لهيعة عن بكر بن سوادة، وغيره، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن جابر بنحوه‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا يحيى بن آدم وابن أبي بكير قالا‏:‏ ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن حبشي بن جنادة، قال يحيى بن آدم - وكان قد شهد حجة الوداع - قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏علي مني وأنا منه، ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي‏)‏‏)‏‏.‏

وقال ابن أبي بكير‏:‏ ‏(‏‏(‏لا يقضي عني ديني إلا أنا أو علي‏)‏‏)‏‏.‏

وكذا رواه أحمد أيضاً عن أبي أحمد الزبيري، عن إسرائيل‏.‏

قال الإمام أحمد‏:‏ وحدثناه الزبيري، ثنا شريك عن أبي إسحاق، عن حبشي بن جنادة مثله قال‏:‏ فقلت لأبي إسحاق‏:‏ أين سمعت منه‏؟‏

قال‏:‏ وقف علينا على فرس في مجلسنا في جبانة السبيع، وكذا رواه أحمد عن أسود بن عامر، ويحيى بن آدم، عن شريك‏.‏

ورواه التِّرمذي عن إسماعيل بن موسى، عن شريك، وابن ماجه عن أبي بكر ابن أبي شيبة، وسويد بن سعيد، وإسماعيل بن موسى، ثلاثتهم عن شريك به‏.‏

ورواه النسائي عن أحمد بن سليمان، عن يحيى بن آدم، عن إسرائيل به‏.‏

وقال التِّرمذي‏:‏ حسن صحيح غريب‏.‏

ورواه سليمان بن قرم - وهو متروك -عن أبي إسحاق، عن حبش بن جنادة، سمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول يوم غدير خم‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه‏)‏‏)‏ وذكر الحديث‏.‏

وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي‏:‏ ثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، أنبأنا شريك عن أبي يزيد الأودي، عن أبيه قال‏:‏ دخل أبو هريرة المسجد فاجتمع النَّاس إليه، فقام إليه شاب فقال‏:‏ أنشدك بالله أسمعت رسول الله يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ نعم ‏!‏

ورواه ابن جرير عن أبي كريب، عن شاذان، عن شريك به‏.‏

تابعه إدريس الأودي عن أخيه أبي يزيد - واسمه‏:‏ داود بن يزيد به‏.‏

ورواه ابن جرير أيضاً من حديث إدريس الأودي عن أبيهما، عن أبي هريرة، فذكره‏.‏ ‏(‏ج/ ص‏:‏5/233‏)‏

فأما الحديث الذي رواه ضمرة عن ابن شوذب، عن مطر الورَّاق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة قال‏:‏ لما أخذ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بيد علي قال‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه‏)‏‏)‏، فأنزل الله عز وجل ‏(‏‏(‏اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي‏)‏‏)‏‏.‏

قال أبو هريرة‏:‏ وهو يوم غدير خم، من صام يوم ثمان عشرة من ذي الحجة، كتب له صيام ستين شهراً، فإنه حديث منكر جداً، بل كذب لمخالفته لما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن هذه الآية نزلت في يوم الجمعة يوم عرفة ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم واقف بها، كما قدمنا، وكذا قوله‏:‏ إن صيام يوم الثامن عشر من ذي الحجة وهو يوم غدير خم يعدل صيام ستين شهراً لا يصح، لأنه قد ثبت ما معناه في الصحيح أن صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، فكيف يكون صيام يوم واحد يعدل ستين شهراً هذا باطل‏.‏

وقد قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي بعد إيراده هذا الحديث‏:‏ هذا حديث منكر جداً‏.‏

ورواه حبشون الخلال، وأحمد بن عبد الله بن أحمد النيري و هما صدوقان عن علي بن سعيد الرملي، عن ضمرة قال‏:‏ ويروى هذا الحديث من حديث عمر بن الخطاب، ومالك بن الحويرث، وأنس بن مالك، وأبي سعيد، وغيرهم بأسانيد واهية‏.‏

قال‏:‏ وصدر الحديث متواتر أتيقن أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قاله، وأما اللهم وال من والاه، فزيادة قوية الإسناد، وأما هذا الصوم فليس بصحيح، ولا والله ما نزلت هذه الآية إلا يوم عرفة قبل غدير خم بأيام، والله تعالى أعلم‏.‏

وقال الطبراني‏:‏ حدثنا علي بن إسحاق الوزير الأصبهانيّ، حدثنا علي بن محمد المقدمي، حدثنا محمد بن عمر بن علي المقدمي، حدثنا علي بن محمد بن يوسف بن شبان بن مالك بن مسمع، حدثنا سهل بن حنيف بن سهل بن مالك أخي كعب بن مالك عن أبيه، عن جده قال‏:‏ لما قدم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم المدينة من حجة الوداع، صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أيها النَّاس إن أبا بكر لم يسؤني قط فاعرفوا ذلك له، أيها النَّاس إني عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، والمهاجرين الأولين راض فاعرفوا ذلك لهم، أيها النَّاس احفظوني في أصحابي، وأصهاري، وأحبابي لا يطلبكم الله بمظلمة أحد منهم، أيها النَّاس ارفعوا ألسنتكم عن المسلمين، وإذا مات أحد منهم فقولوا فيه خيراً‏)‏‏)‏‏.‏