فصل: فَصْلٌ: فِي الْفَصْلِ وَالْوَصْلِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البرهان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ: فِي الْفَصْلِ وَالْوَصْلِ:

اعْلَمْ أَنَّ الْمَوْصُولَ فِي الْوُجُودِ تُوصَلُ كَلِمَاتُهُ فِي الْخَطِّ كَمَا تُوصَلُ حُرُوفُ الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ وَالْمَفْصُولُ مَعْنًى فِي الْوُجُودِ يُفْصَلُ فِي الْخَطِّ كَمَا تُفْصَلُ كَلِمَةٌ عَنْ كَلِمَةٍ.
فَمِنْهُ إِنَّمَا بِالْكَسْرِ كُلُّهُ مَوْصُولٌ إلا واحدا: {إن ما توعدون لآت} لِأَنَّ حَرْفَ مَا هُنَا وَقَعَ عَلَى مُفَصَّلٍ فَمِنْهُ خَيْرٌ مَوْعُودٌ بِهِ لِأَهْلِ الْخَيْرِ وَمِنْهُ شَرٌّ مَوْعُودٌ بِهِ لِأَهْلِ الشَّرِّ فَمَعْنَى مَا مَفْصُولٌ فِي الْوُجُودِ وَالْعِلْمِ.
وَمِنْهُ أَنَّمَا بِالْفَتْحِ كُلُّهُ مَوْصُولٌ إِلَّا حَرْفَانِ: {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ من دونه هو الباطل} {وأن ما يدعون من دونه الباطل} وَقَعَ الْفَصْلُ عَنْ حَرْفِ التَّوْكِيدِ إِذْ لَيْسَ لِدَعْوَى غَيْرِ اللَّهِ وَصْلٌ فِي الْوُجُودِ إِنَّمَا وَصْلُهَا فِي الْعَدَمِ وَالنَّفْيِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى عَنِ الْمُؤْمِنِ: {أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دعوة في الدنيا ولا في الآخرة} فَوَصَلَ أَنَّمَا فِي النَّفْيِ وَفَصَلَ فِي الْإِثْبَاتِ لا لِانْفِصَالِهِ عَنْ دَعْوَةِ الْحَقِّ.
وَمِنْهُ كُلَّمَا مَوْصُولٌ كله إلا ثلاثة:
في النساء: {كل ما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها} فَمَا رُدُّوا إِلَيْهِ لَيْسَ شَيْئًا وَاحِدًا فِي الْوُجُودِ بَلْ أَنْوَاعٌ مُخْتَلِفَةٌ فِي الْوُجُودِ وَصِفَةُ مَرَدِّهِمْ لَيْسَتْ وَاحِدَةً بَلْ مُتَنَوِّعَةً فَانْفَصَلَ مَا لِأَنَّهُ لِعُمُومِ شَيْءٍ مُفَصَّلٍ فِي الْوُجُودِ.
وَفِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ: {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} فَحَرْفُ مَا وَاقِعٌ عَلَى أَنْوَاعٍ مُفَصَّلَةٍ فِي الْوُجُودِ.
وَفَى قَدْ أَفْلَحَ: {كُلَّ مَا جَاءَ أمة رسولها كذبوه} وَالْأُمَمُ مُخْتَلِفَةٌ فِي الْوُجُودِ فَحَرْفُ مَا وَقَعَ عَلَى تَفَاصِيلَ مَوْجُودَةٍ لِتُفَصَّلَ.
وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ: {كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فريقا كذبوا وفريقا يقتلون} فَإِنَّ هَؤُلَاءِ هُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ بدليل قوله: {فلم تقتلون أنبياء الله} وَالْمُخَاطَبُونَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْتُلُوا الْأَنْبِيَاءَ إِنَّمَا بَاشَرَهُ آبَاؤُهُمْ لَكِنَّ مَذْهَبَهُمْ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ فَحَرْفُ مَا إِنَّمَا يَشْمَلُ تَفَاصِيلَ الزَّمَانِ وَهُوَ تَفْصِيلٌ لَا مُفَصَّلَ لَهُ فِي الْوُجُودِ إِلَّا بِالْفَرْضِ وَالتَّوَهُّمِ لَا بِالْحِسِّ فَوُصِلَتْ كُلُّ لِاتِّصَالِ الْأَزْمِنَةِ فِي الْوُجُودِ وَتَلَازُمِ أَفْرَادِهَا الْمُتَوَهَّمَةِ.
وَكَذَلِكَ: {كُلَّمَا رُزِقُوا منها من ثمرة رزقا} هَذَا مَوْصُولٌ لِأَنَّ حَرْفَ مَا جَاءَ لِتَعْمِيمِ الْأَزْمِنَةِ فَلَا تَفْصِيلَ فِيهَا فِي الْوُجُودِ وَمَا رُزِقُوا هُوَ غَيْرُ مُخْتَلِفٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُتُوا به متشابها}.
وَمِنْهُ أَيْنَمَا مَوْصُولٌ إِذَا كَانَتْ مَا غَيْرَ مُخْتَلِفَةِ الْأَقْسَامِ فِي الْفِعْلِ الَّذِي بَعْدَهَا مِثْلُ: {أينما يوجهه} {فأينما تولوا} {أينما ثقفوا أخذوا} {أينما تكونوا يدرككم الموت} فَهَذِهِ كُلُّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنِ الْأَيْنِ الْمِلْكِيِّ وَهُوَ مُتَّصِلٌ حِسًّا وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ الْفِعْلُ الَّذِي مَعَ مَا وَتُفْصَلُ أَيْنَ حَيْثُ تَكُونُ مَا مُخْتَلِفَةَ الْأَقْسَامِ فِي الْوَصْفِ الَّذِي بَعْدَهَا مثل: {أين ما كنتم تعبدون} {وهو معكم أين ما كنتم} {أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وحبل من الناس}.
ومنه بئسما موصول إلا ثلاثة أحرف اثنان في البقرة: {بئس ما اشتروا به أنفسهم}، {بئس ما يأمركم به إيمانكم}.
وفي الأعراف: {بئس ما خلفتموني}.
فَحَرْفُ مَا لَيْسَ فِيهِ تَفْصِيلٌ لِأَنَّهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فِي الْوُجُودِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ بَاطِلًا مَذْمُومًا عَلَى خِلَافِ حَالِ مَا فِي الْمَائِدَةِ: {وترى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السحت لبئس ما كانوا يعملون} فَحَرْفُ مَا يَشْتَمِلُ عَلَى الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذُكِرَتْ قَبْلُ وَكَذَلِكَ: {لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أنفسهم} حرف ما مفصول لأنه يعمل مَا بَعْدَهُ مِنَ الْأَقْسَامِ.
ومنه: {يوم هم على النار يفتنون} {يوم هم بارزون} حَرْفَانِ فُصِلَ الضَّمِيرُ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَأُضِيفَ الْيَوْمُ إِلَى الْجُمْلَةِ الْمُنْفَصِلَةِ عَنْهُ.
وَ: {يَوْمَهُمُ الذي فيه يصعقون} و: {يومهم الذي يوعدون} وُصِلَ الضَّمِيرُ لِأَنَّهُ مُفْرَدٌ فَهُوَ جُزْءُ الْكَلِمَةِ الْمُرَكَّبَةِ مِنَ الْيَوْمِ الْمُضَافِ وَالضَّمِيرِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ.
وَمِنْهُ فِي مَا مَفْصُولٌ أَحَدَ عَشَرَ حَرْفًا:
فِي الْبَقَرَةِ: {فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ من معروف} وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا يَقَعُ عَلَى فَرْدٍ وَاحِدٍ مِنْ أَنْوَاعٍ يَنْفَصِلُ بِهَا الْمَعْرُوفُ فِي الْوُجُودِ وعلى الْبَدَلِيَّةِ أَوِ الْجَمْعِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَنْكِيرُهُ الْمَعْرُوفَ وَدُخُولُ حِرَفِ التَّبْعِيضِ عَلَيْهِ فَهُوَ حِسِّيٌّ يُقَسَّمُ وَحَرْفُ مَا وَقَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْبَدَلِيَّةِ أَوِ الْجَمْعِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بالمعروف، فَهَذَا مَوْصُولٌ لِأَنَّ مَا وَاقِعَةٌ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ غَيْرِ مُفَصَّلٍ يَدُلُّكَ عَلَيْهِ وَصْفُهُ بِالْمَعْرُوفِ.
وكذلك {في ما اشتهت أنفسهم خالدون} وَهُوَ مَفْصُولٌ لِأَنَّ شَهَوَاتِ الْأَنْفُسِ مُخْتَلِفَةٌ أَوْ مُفَصَّلَةٌ فِي الْوُجُودِ كَذَلِكَ فَتَدَبَّرْهُ فِي سَائِرِهَا.
وَمِنْهُ: {لِكَيْلَا} مَوْصُولٌ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ وَبَاقِيهَا مُنْفَصِلٌ وَإِنَّمَا يُوصَلُ حَيْثُ يَكُونُ حَرْفُ النَّفْيِ دَخَلَ عَلَى مَعْنًى كُلِّيٍّ فَيُوصَلُ لِأَنَّ نَفْيَ الْكُلِّيِّ نَفْيٌ لِجَمِيعِ جُزْئِيَّاتِهِ فَعِلَّةُ نَفْيِهِ هِيَ عِلَّةُ نَفْيِ أَجْزَائِهِ وَلَيْسَ لِلْكُلِّيِّ الْمَنْفِيِّ أَفْرَادٌ فِي الْوُجُودِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِيهِ بِالتَّوَهُّمِ وَيُفْصَلُ حَيْثُ يَكُونُ حَرْفُ النَّفْيِ دَخَلَ عَلَى جُزْئِيٍّ فَإِنَّ نَفْيَ الْجُزْئِيِّ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ الْكُلِّيِّ فَلَا تَكُونَ علته علة نفي الجمع:
في الحج وفى الأحزاب: {لكيلا يكون عليك حرج} وَفَى الْحَدِيدِ: {لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ}.
فَهَذِهِ هِيَ الْمَوْصُولَةُ وَهِيَ بِخِلَافِ: {لِكَيْ لَا يعلم بعد علم شيئا} فِي النَّحْلِ لِأَنَّ الظَّرْفَ فِي هَذَا خَاصُّ الِاعْتِبَارِ وَهُوَ فِي الْأَوَّلِ عَامُّ الِاعْتِبَارِ لِدُخُولِ مِنْ عَلَيْهِ وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ: {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} اختص المظروف بقبل فِي الدُّنْيَا فَفِيهَا كَانُوا مُشْفِقِينَ خَاصَّةً وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هو البر الرحيم} فَهَذَا الظَّرْفُ عَامٌّ لِدُعَائِهِمْ بِذَلِكَ فِي الدُّنْيَا والآخرة فلم يختص المظروف بقبل بِالدُّنْيَا.
وَكَذَلِكَ: {لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وطرا} فَهَذَا الْمَنْفِيُّ هُوَ حَرَجٌ مُقَيَّدٌ بِظَرْفَيْنِ.
وَكَذَلِكَ: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} فَهَذَا النَّفْيُ هُوَ كَوْنُ: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القرى} دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَهَذِهِ قُيُودٌ كَثِيرَةٌ.
وَمِنْ ذَلِكَ هُمْ وَنَحْوُهُ مِنَ الضَّمَائِرِ تَدُلُّ عَلَى جُمْلَةِ الْمُسَمَّى مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَالْإِضْمَارُ حَالٌ لَا صِفَةُ وُجُودٍ فَلَا يَلْزَمُهَا التَّقْسِيمُ الْوُجُودِيُّ إِلَّا الْوَهْمِيَّ الشِّعْرِيَّ وَالْخَطَأَ بِمَا يُرْسَمُ عَلَى الْعِلْمِ الْحَقِّ.
وَمِنْ ذَلِكَ مَالِ أَرْبَعَةُ أَحْرُفٍ مَفْصُولَةٍ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّامَ وَصْلَةٌ إِضَافِيَّةٌ فَقُطِعَتْ حَيْثُ تُقْطَعُ الْإِضَافَةُ فِي الْوُجُودِ:
فَأَوَّلُهَا: فِي سُورَةِ النِّسَاءِ: {فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ} هَذِهِ الْإِشَارَةُ لِلْفَرِيقِ الَّذِينَ نَافَقُوا مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ {كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} فَقَطَعُوا وَصْلَ السَّيِّئَةِ بِالْحَسَنَةِ فِي الْإِضَافَةِ إِلَى اللَّهِ فَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا كَمَا أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ وَاللَّهُ قَدْ وَصَلَ ذَلِكَ وَأَمَرَ بِهِ فِي قَوْلِهِ: {قل كل من عند الله} فَقَطَعُوا فِي الْوُجُودِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ فَقَطْعُ لَامِ وَصْلِهِمْ فِي الْخَطِّ عَلَامَةٌ لِذَلِكَ وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يَقْطَعُ وَصْلَهُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ وَذَلِكَ فِي يَوْمِ الْفَصْلِ: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نقتبس من نوركم}.
والثاني: في سورة الكهف: {ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة} وَهَؤُلَاءِ قَطَعُوا بِزَعْمِهِمْ وَصْلَ جَعْلِ الْمَوْعِدِ لَهُمْ بِوَصْلِ إِحْصَاءِ الْكِتَابِ وَعَدَمِ مُغَادَرَتِهِ لِشَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِهِمْ فِي إِضَافَتِهَا إِلَى اللَّهِ فَلِذَلِكَ يُنْكِرُونَ عَلَى الْكِتَابِ فِي الْآخِرَةِ وَدَلِيلُ ذَلِكَ ظَاهِرٌ مِنْ سِيَاقِ خَبَرِهِمْ فِي تِلْكَ الْآيَاتِ مِنَ الْكَهْفِ.
وَالثَّالِثُ: فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ: {وَقَالُوا مَالِ هذا الرسول يأكل الطعام} فَقَطَعُوا وَصْلَ الرِّسَالَةِ لِأَكْلِ الطَّعَامِ فَأَنْكَرُوا فَقَطَعُوا قَوْلَهُمْ هَذَا لِيَزُولَ عَنِ اعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُ رَسُولٌ فَقَطْعُ اللَّامِ عَلَامَةٌ لِذَلِكَ.
وَالرَّابِعُ: فِي الْمَعَارِجِ: {فمال الذين كفروا قبلك مهطعين} هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ تَفَرَّقُوا جَمَاعَاتٍ مُخْتَلِفَاتٍ كَمَا يَدُلُّ عليه: {عن اليمين وعن الشمال عزين} قَطَعُوا وَصْلَهُمْ فِي قُلُوبِهِمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَطَعَ اللَّهُ طَمَعَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ وَلِذَلِكَ قُطِعَتِ اللَّامُ عَلَامَةً عَلَيْهِ.
ومن ذلك: {ابن أم} فِي الْأَعْرَافِ مَفْصُولٌ عَلَى الْأَصْلِ وَفَى طه {ابنؤم} مَوْصُولٌ لِسِرٍّ لَطِيفٍ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا أَخَذَ مُوسَى بِرَأْسِ أَخِيهِ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَنَادَاهُ مِنْ قُرْبٍ عَلَى الْأَصْلِ الظَّاهِرِ فِي الْوُجُودِ وَلَمَّا تَمَادَى نَادَاهُ بِحَرْفِ النِّدَاءِ يُنَبِّهُهُ لِبُعْدِهِ عَنْهُ فِي الْحَالِ لَا فِي الْمَكَانِ مُؤَكِّدًا لِوَصْلَةِ الرَّحِمِ بَيْنَهُمَا بِالرَّبْطِ فَلِذَلِكَ وُصِلَ فِي الْخَطِّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ نَصْبُ الْمِيمِ لِيَجْمَعَهُمَا الِاسْمُ بِالتَّعْمِيمِ.
وَمِنْ ذَلِكَ سِتَّةُ أَحْرُفٍ لَا تُوصَلُ بِمَا بَعْدَهَا وَهَى الْأَلِفُ وَالْوَاوُ وَالدَّالُ وَالذَّالُ وَالرَّاءُ وَالزَّايُ لِأَنَّهَا عَلَامَاتٌ لِانْفِصَالَاتٍ وَنِهَايَاتٍ وَسَائِرُ الْحُرُوفِ تُوصَلُ فِي الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ.

.فَصْلٌ: فِي بَعْضِ حُرُوفِ الْإِدْغَامِ:

فَمِنْهُ: {عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ}، فَرْدٌ ظَهَرَ فِيهِ النُّونُ وَقُطِعَ عَنِ الْوَصْلِ لِأَنَّ مَعْنَى مَا عُمُومٌ كُلِّيٌّ تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ مُفَصَّلَةٌ فِي الْوُجُودِ غَيْرُ مُتَسَاوِيَةٍ فِي حُكْمِ النهي عنها ومعنى عن المجاوزة لِلْكُلِّيِّ مُجَاوَزَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ جُزْئِيَّاتِهِ فَفُصِلَ علامة لذلك.
وَكَذَلِكَ: {مِنْ مَا} ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ مَفْصُولَةٍ لَا غَيْرُ:
فِي النِّسَاءِ: {مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}، وَفَى الرُّومِ: {هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أيمانكم} وفي المنافقين: {وأنفقوا من ما رزقناكم}.
وَحَرْفُ مَا فِي هَذِهِ كُلِّهَا مُقَسَّمٌ فِي الْوُجُودِ بِأَقْسَامٍ مُنْفَصِلَةٍ غَيْرِ مُتَسَاوِيَةٍ فِي الْأَحْكَامِ وهى بخلاف قوله: {مما كتبت أيديهم} فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَ تَحْتَهَا أَقْسَامٌ كَثِيرَةٌ فَهِيَ غَيْرُ مُخْتَلِفَةٍ فِي وَصْفِهَا بِكَتْبِ أَيْدِيهِمْ فَهُوَ نَوْعٌ وَاحِدٌ يُقَالُ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ هُوَ فِي إِفْرَادِهِ بِالسَّوِيَّةِ.
وَكَذَلِكَ أَمْ مَنْ بِالْفَصْلِ أَرْبَعَةُ أَحْرُفٍ لَا غَيْرُ:
فِي النِّسَاءِ: {أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} وفى التوبة: {أم من أسس بنيانه} وفي الصافات: {أم من خلقنا} وفى السجدة: {أم من يأتي}.
فَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ الْأَحْرُفِ مَنْ فِيهَا تُقَسَّمُ فِي الْوُجُودِ بِأَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي الْأَحْكَامِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِثْلِ: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يمشي} فَهَذَا مَوْصُولٌ لِأَنَّهُ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ حَيْثُ يَمْشِي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَكَذَا: {أَمَّنْ جَعَلَ الأرض قرارا} لَا تَفَاصِيلَ تَحْتَهَا فِي الْوُجُودِ.
وَكَذَلِكَ: {عَنْ مَنْ} مَفْصُولٌ:
حَرْفَانِ فِي النُّورِ: {عن من يشاء} وفي النجم: {عن من تولى} حَرْفُ مَنْ فِيهِمَا كُلِّيٌّ وَحَرْفُ عَنْ لِلْمُجَاوَزَةِ عَنِ الْكُلِّيِّ مُجَاوَزَةٌ لِجَمِيعِ0 جُزْئِيَّاتِهِ دُونَ الْعَكْسِ فَلَا وَصْلَةَ بَيْنَ الْجُزْأَيْنِ فِي الْوُجُودِ فَلَا يُوصَلَانِ فِي الْخَطِّ.
وَكَذَلِكَ مِمَّنْ مَوْصُولٌ كُلُّهُ لِأَنَّ مَنْ بِفَتْحِ الْمِيمِ جُزْئِيٌّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا فَمَعْنَاهُ أَزْيَدُ مِنْ جِهَةِ الْمَفْهُومِ وَمَعْنَى مَا أَزْيَدُ مِنْ جِهَةِ الْعُمُومِ وَالزَّائِدُ مِنْ جِهَةِ الْمَفْهُومِ مُنْفَصِلٌ وُجُودًا بِالْحِصَصِ وَالْحِصَّةُ مِنْهُ لَا تَنْفَصِلُ وَالزَّائِدُ مِنْ جِهَةِ الْمَفْهُومِ لَا يَنْفَصِلُ وُجُودًا.
وَكَذَلِكَ: {وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الذي نعدهم} في سورة الرعد فَرْدَةٌ مَفْصُولَةٌ ظَهَرَ فِيهَا حَرْفُ الشَّرْطِ فِي الْخَطِّ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْجَوَابَ الْمُرَتَّبَ عَلَيْهِ بِالْفَاءِ ظَاهِرٌ فِي مَوْطِنِ الدُّنْيَا وَهُوَ الْبَلَاغُ بخلاف قوله:
{فإما نرينك} إنه أَخْفَى فِيهِ حَرْفَ الشَّرْطِ فِي الْخَطِّ لِأَنَّ الْجَوَابَ الْمُرَتَّبَ عَلَيْهِ بِالْفَاءِ خَفِيٌّ عَنَّا وَهُوَ الرُّجُوعُ إِلَى اللَّهِ.
وَالثَّانِي أَنَّ الْقِصَّةَ الْأُولَى مُنْفَصِلَةٌ مِنَ الشَّرْطِ وَجَوَابِهِ وَانْقَسَمَ الْجَوَابُ إِلَى جُزْأَيْنِ: أَحَدُهُمَا:التَّرْتِيبُ بِالْفَاءِ وَهُوَ الْبَلَاغُ وَالثَّانِي الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْحِسَابُ وَأَحَدُهُمَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخَرُ فِي الْآخِرَةِ وَالْأَوَّلُ ظَاهِرٌ لَنَا وَالثَّانِي: خَفِيٌّ عَنَّا.
وَهَذَا الِانْقِسَامُ صَحِيحٌ فِي الْوُجُودِ فَقَدِ انْقَسَمَتْ هَذِهِ الشَّرْطِيَّةُ إِلَى شَرْطَيْنِ لِانْفِصَالِ.
جَوَابِهَا: إِلَى قِسْمَيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ فَفُصِلَ حَرْفُ الشَّرْطِ عَلَامَةً لِذَلِكَ وَإِذَا انْفَصَلَتْ لَزِمَ كَتْبُهُ عَلَى الْوَقْفِ وَالشَّرْطِيَّةُ الْأُخْرَى لَا تَنْفَصِلُ بَلْ هِيَ واحدة لإيجاد جَوَابِهَا فَانْفِصَالُ حَرْفِ الشَّرْطِ عَلَامَةٌ لِذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ} فَرْدٌ فِي الْقَصَصِ ثَابِتُ النُّونِ وَفَى هُودٍ: {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ} فَرْدٌ بِغَيْرِ نُونٍ أُظْهِرَ حَرْفُ الشَّرْطِ فِي الْأَوَّلِ لِأَنَّ جَوَابَهُ الْمُتَرَتِّبَ عَلَيْهِ بِالْفَاءِ هُوَ: {فاعلم} مُتَعَلِّقٌ بِشَيْءٍ مَلَكُوتِيٍّ ظَاهِرٍ سُفْلِيٍّ وَهُوَ اتِّبَاعُهُمْ أَهْوَاءَهُمْ وَأُخْفِيَ فِي الثَّانِي لِأَنَّ جَوَابَهُ الْمُتَرَتِّبَ عَلَيْهِ بِالْفَاءِ هُوَ عِلْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِشَيْءٍ مَلَكُوتِيٍّ خَفِيٍّ عُلْوِيٍّ وَهُوَ إِنْزَالُ الْقُرْآنِ بِالْعِلْمِ وَالتَّوْحِيدِ.
وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ لَنْ كُلُّهُ مَفْصُولٌ إِلَّا حَرْفَانِ {أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا} فِي الْكَهْفِ: {ألن نجمع عظامه} في القيامة سَقَطَتِ النُّونُ مِنْهُمَا فِي الْخَطِّ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ مَا زَعَمُوا وَحَسِبُوا هُوَ بَاطِلٌ فِي الْوُجُودِ وَحُكْمُ مَا لَيْسَ بِمَعْلُومٍ نَسَبُوهُ إِلَى الْحَيِّ الْقَيُّومِ فَأُدْغِمَ حَرْفُ تَوْكِيدِهِمُ الْكَاذِبِ فِي حَرْفِ النَّفْيِ السَّالِبِ هُوَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: {زَعَمَ الذين كفروا أن لن يبعثوا} فَهَؤُلَاءِ لَمْ يَنْسُبُوا ذَلِكَ لِفَاعِلٍ إِذْ رُكِّبَ الْفِعْلُ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَأُقِيمُوا فِيهِ مَقَامَ الْفَاعِلِ فَعَدَمُ بَعْثِهِمْ تَصَوَّرُوهُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَحَكَمُوا بِهِ عَلَيْهَا تَوَهُّمًا فَهُوَ كَاذِبٌ مِنْ حَيْثُ حَكَمُوا بِهِ عَلَى مُسْتَقْبَلِ الْآخِرَةِ وَلِكَوْنِهِ حَقًّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى دَارِ الدُّنْيَا الظَّاهِرَةِ ثَبَتَ التَّوْكِيدُ ظَاهِرًا وَأُدْغِمَ فِي حَرْفِ النَّفْيِ مِنْ حَيْثُ الْفِعْلُ الْمُسْتَقْبَلُ الَّذِي هُوَ فِيهِ كَاذِبٌ.
وَمِنْ ذَلِكَ كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ أَنْ لَا فَهُوَ مَوْصُولٌ إِلَّا عَشَرَةَ مَوَاضِعَ فَهِيَ مَفْصُولَةٌ تُكْتَبُ النُّونُ فِيهَا بِاتِّفَاقٍ وَذَلِكَ حَيْثُ ظَهَرَ فِي الْوُجُودِ صِحَّةُ تَوْكِيدِ الْقَضِيَّةِ وَلُزُومُهَا:
أَوَّلُهَا فِي الْأَعْرَافِ: {أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} وَ: {أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ}.
وَ: {أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ} فِي التوبة.
{أن لا إله إلا هو} وَ: {أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أخاف} فِي هُودٍ.
وَ: {أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شيئا} في الحج.
وَ: {أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} فِي يس.
وَ: {وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ} فِي الدخان.
وَ: {أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} فِي الممتحنة.
و: {أن لا يدخلنها} في القلم.
وَوَاحِدٌ فِيهِ خِلَافٌ: {أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أنت} في الأنبياء.
فَتَأَمَّلْ كَيْفَ صَحَّ فِي الْوُجُودِ هَذَا التَّوْكِيدُ الأخير فلم يدخلها عليهم مسكين عَلَى غَيْرِ مَا قَصَدُوا وَتَخَيَّلُوا فِيهِ.
وَكَذَلِكَ لَامُ التَّعْرِيفِ الْمُدْغَمَةُ فِي اللَّفْظِ فِي مِثْلِهَا أَوْ غَيْرِهَا لَمَّا كَانَتْ لِلتَّعْرِيفِ وَشَأْنُ الْمُعَرَّفِ أَنْ يَكُونَ أَبْيَنَ وَأَظْهَرَ لَا أَخْفَى وأستر ظهرت فِي الْخَطِّ وَوُصِلَتْ بِالْكَلِمَةِ لِأَنَّهَا صَارَتْ جُزْءًا مِنْهَا حَيْثُ هِيَ مُعَرَّفَةٌ بِهَا هَذَا هُوَ الْأَصْلُ وَقَدْ حُذِفَ حَيْثُ يَخْفَى مَعْنَى الْكَلِمَةِ مِثْلُ الَّيْلِ فَإِنَّهُ بِمَعْنَى مُظْلِمٍ لَا يُوَضِّحُ الْأَشْيَاءَ بَلْ يَسْتُرُهَا وَيُخْفِيهَا وَكَوْنُهُ وَاحِدًا إِمَّا لِلْجُزْئِيِّ أَوْ لِلْجِنْسِ فَأُخْفِيَ حَرْفُ تَعْرِيفِهِ فِي مِثْلِهِ فَإِنْ تَعَيَّنَ لِلْجُزْئِيِّ بِالتَّأْنِيثِ رُجِعَ إِلَى الْأَصْلِ وَمِثْلُ الَّذِي وَالَّتِي وَتَثْنِيَتِهِمَا وَجَمْعِهِمَا فَإِنَّهُ مُبْهَمٌ فِي الْمَعْنَى وَالْكَمِّ لِأَنَّ أَوَّلَ حَدِّهِ لِلْجُزْئِيِّ وَلِلْجِنْسِ لِلثَّلَاثِ أَوْ غَيْرِهَا فَفِيهِ ظُلْمَةُ الْجَهْلِ كَاللَّيْلِ وَمِثْلُ الَّئِي فِي الْإِيجَابِ فَإِنَّ لَامَ التَّعْرِيفِ دَخَلَتْ عَلَى لَا النَّافِيَةِ وَفِيهَا ظُلْمَةُ الْعَدَمِ كَاللَّيْلِ فَفِي هَذِهِ الظُّلُمَاتِ الثَّلَاثِ يُخْفَى حَرْفُ التَّعْرِيفِ.
وَكَذَلِكَ الْأَيْكَةُ نُقِلَتْ حَرَكَةُ هَمْزَتِهَا عَلَى لَامِ التَّعْرِيفِ وَسَقَطَتْ هَمْزَةُ الْوَصْلِ لِتَحْرِيكِ اللَّامِ وَحُذِفَتْ أَلِفُ عَضُدِ الْهَمْزَةِ وَوُصِلَ اللَّامُ فَاجْتَمَعَتِ الْكَلِمَتَانِ فَصَارَتْ لَيْكَةُ عَلَامَةً عَلَى اخْتِصَارٍ وَتَلْخِيصٍ وَجَمْعٍ فِي الْمَعْنَى وَذَلِكَ فِي حرفين أحدهما في الشعراء جَمَعَ فِيهِ قِصَّتَهُمْ مُخْتَصَرَةً وَمُوجَزَةً فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَجَعَلَهَا جُمْلَةً فَهِيَ آخِرُ قِصَّةٍ فِي السُّورَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً} فأفردها والثاني في (ص) جَمَعَ الْأُمَمَ فِيهَا بِأَلْقَابِهِمْ وَجَعَلَهُمْ جِهَةً وَاحِدَةً هُمْ آخِرُ أُمَّةٍ فِيهَا وَوَصَفَ الْجُمْلَةَ قَالَ تَعَالَى: {أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ} وَلَيْسَ الْأَحْزَابُ وَصْفًا لِكُلٍّ مِنْهُمْ بَلْ هُوَ وَصْفُ جَمِيعِهِمْ.
وَجَاءَ بِالِانْفِصَالِ عَلَى الْأَصْلِ حَرْفَانِ نَظِيرَ هَذَيْنِ الْحَرْفَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي الْحِجْرِ: {وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الأيكة لظالمين} أَفْرَدَهُمْ بِالذِّكْرِ وَالْوَصْفِ وَالثَّانِي فِي (ق): {وَأَصْحَابُ الأيكة} جُمِعُوا فِيهِ مَعَ غَيْرِهِمْ ثُمَّ حَكَمَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ لَا عَلَى الْجُمْلَةِ قَالَ تَعَالَى: {كل كذب الرسل} فَحَيْثُ يُعْتَبَرُ فِيهِمُ التَّفْضِيلُ فَصَلَ لَامَ التَّعْرِيفِ وَحَيْثُ يُعْتَبَرُ فِيهِمُ التَّوْصِيلُ وَصَلَ لِلتَّخْفِيفِ.
وَكَذَلِكَ: {لتخذت عليه أجرا} حذفت الألف ووصلت لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي الْجِدَارِ قَدْ حَصَلَ فِي الْوُجُودِ فَلَزِمَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ وَاتَّصَلَ بِهِ حُكْمًا بخلاف: {لاتخذوك خليلا} لَيْسَ فِيهِ وَصْلَةُ اللُّزُومِ.