فصل: تفسير الآيات (200- 201):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآيات (189- 191):

{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191)}
{مِّن نَّفْسٍ واحدة} يعني آدم {زَوْجَهَا} يعني حوّاء {لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} يميل إليها ويستأنس بها {تغشاها} كناية عن الجماع {حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً} أي خف عليها ولم تلق منه ما يلقى بعض الحوامل من حملهن من الأذى والكرب، وقيل: الحمل الخفيف المني في فرجها {فَمَرَّتْ بِهِ} قيل: معناه استمرت به إلى حين ميلاده، وقيل: الحمل معناه قامت وقعدت {فَلَمَّآ أَثْقَلَتْ} أي ثقل حملها وصارت به ثقيلة {لَئِنْ آتَيْتَنَا صالحا} أي ولداً صالحاً سالماً في بدنه {فَلَمَّآ آتاهما صالحا} أي لما آتاهما ولداً صالحاً كما طلبا: جعل أولادهما له شركاء فالكلام على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وكذلك فيما آتاهما: أي فيما آتى أولادهما وذريتهما، وقيل: إن حواء لما حملت جاءها إبليس وقال لها: إن أطعتيني وسميت ما في بطنك عبد الحارث، فسأخلصه لك، وكان اسم إبليس الحارث، وإن عصيتني في ذلك قتلته، فأخبرت بذلك آدم، فقال لها إنه عدوّنا الذي أخرجنا من الجنة، فلما ولدت مات الولد ثم حملت مرة أخرى فقال لها إبليس مثل ذلك، فعصته فمات الولد ثم حملت مرة ثالثة فسمياه عبد الحارث طمعاً في حياته، فقوله: جعلا له شركاء في آتاهما: أي في التسمية لا غير، لا في عبادة غير الله، والقول الأول أصح لثلاثة أوجه: أحدها أنه يقتضي براءة آدم وزوجه من قليل الشرك وكثيره، وذلك هو حال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والثاني: أنه يدل على أن الذين أشركوا هم أولاد آدم وذريته لقوله تعالى: {فتعالى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ} بضمير الجمع، والثالث: أن ما ذكروا من قصة آدم وتسمية الولد عبد الحارث يفتقر إلى نقل بسند صحيح، وهو غير موجود في تلك القصة، وقيل: من نفس واحدة قصي بن كلاب: وزوجته وجعلا له شركاء أي: سموا أولادهما عبد العزى وعبد الدار وعبد مناف، وهذا القول بعيد لوجهين أحدهما أن الخطاب على هذا خاص بذرية قصي من قريش والظاهر أن الخطاب عام لبني آدم، والآخر أن قوله: وجعل منها زوجها، فإن هذا يصح في حواء لأنها خلقت من ضلع آدم، ولا يصح في زوجة قصي {أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ} هذه الآية رد على المشركين من بني آدم، والمراد بقوله: ما لا يخلق شيئاً الأصنام وغيرها مما عبد من دون الله، والمعنى: أنها مخلوقة غير خالقة، والله تعالى خالق غير مخلوق فهو الإله وحده.

.تفسير الآية رقم (192):

{وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192)}
{وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلاَ أَنْفُسَهُمْ يَنصُرُونَ} يعني أن الأصنام لا ينصرون من عبدهم، ولا ينصرون أنفسهم فهم في غاية العجز والذلة، فكيف يكونون آلهة.

.تفسير الآيات (193- 196):

{وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193) إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ (195) إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196)}
{وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الهدى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ} يعني: أن الأصنام لا تجيب إذا دعيت إلى أن تهدى أو إلى أن تهدي، لأنها جمادات {سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامتون} تأكيد وبيان لما قبلها، فإن قيل: لم قال: أم أنتم صامتون فوضع الجملة الاسمية موضع الجملة الفعلية وهلا قال أو صمتم؟ فالجواب إن صمتم عن دعاء الإصنام كانت حالة مستمرة، فعبر هنا بجملة إسمية لتقتضي الاستمرار على ذلك {إِنَّ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} رد على المشركين بأن آلهتهم عباد؛ فكيف يعبد العبد مع ربه {فادعوهم فَلْيَسْتَجِيبُواْ} أمر على جهة التعجيز {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ الدين مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ الله} [الشورى: 21] وما بعده: معناه أن الأصنام جمادات عادمة للحس والجوارح والحياة والقدرة، ومن كان كذلك: لا يكون إلهاً، فإن من وصف الإله الإدراك والحياة والقدرة؛ وإنما جاء هذا البرهان بلفظ الاستفهام، لأن المشركين مقرون أن أصنامهم لا تمشي ولا تبطش، ولا تبصر، ولا تسمع،. فلزمته الحجة، والهمزة في قوله: {ألهم} للاستفهام مع التوبيخ، وأم في المواضع الثلاثة تضمنت معنى الهمزة، ومعنى بل وليست عاطفة {قُلِ ادعوا شُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ} المعنى: استنجدوا أصنامكم لمضرتي والكيد عليّ، ولا تؤخروني، فإنكم وأصنامكم لا تقدرون على مضرتي، ومقصد الآية الرد عليهم ببيان عجز أصنامهم وعدم قدرتها على المضرة، وفيها إشارة إلى التوكل على الله والاعتصام به وحده، وأن غيره لا يقدر على شيء ثم أفصح بذلك في قوله: {إِنَّ وَلِيِّيَ الله} الآية: أي هو حافظي وناصري منكم فلا تضرونني، ولو حرصتم أنتم وآلهتكم على مضرتي، ثم وصف الله بأنه الذي نزل الكتاب، وبأنه الله تولى حفظه، ومن تولى حفظه فهو من الصالحين، والصالح لابد أن يكون صادقاً في قوله ولاسيما فيما يقوله عن الله.

.تفسير الآيات (197- 198):

{وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198)}
{والذين تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ} الآية: ردّ على المشركين، وقد تقدّم معناه {وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الهدى لاَ يَسْمَعُواْ} يحتمل أن يريد الأصنام فيكون تحقيراً لهم، ورداً على من عبدها، فإنها جمادات لا تسمع شيئاً، فيكون المعنى كالذي تقدّم، أو يريد أن الكفار، ووصفهم بأنهم لا يسمعون يعني سماعاً ينفعون به، لإفراط نفورهم، أو لأن الله طبع على قلوبهم {وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} إن كان هذا من وصف الأصنام، فقوله: ينظرون مجاز، وقوله: لا يبصرون حقيقة، لأن لهم صورة الأعين وهم لا يرون بها شيئاً، وإن كان من وصف الكفار فينظرون حقيقة ولا يبصرون مجازاً على وجه المبالغة كما وصفهم بأنهم لا يسمعون.

.تفسير الآية رقم (199):

{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)}
{خُذِ العفو} فيه قولان: أحدهما: أن المعنى خذ من الناس في أخلاقهم وأقوالهم ومعاشرتهم ما تيسر لا ما يشق عليهم، لئلا ينفروا فالعفو على هذا بمعنى السهل والصفح عنهم، وهو ضد الجهل والتكليف كقول الشاعر:
خذي العفو مني تستديمي مودتي

والآخر أن المعنى من الصدقات ما سهل على الناس في أموالهم أو ما فضل لهم، وذلك قبل فرض الزكاة، فالعفو على هذا بمعنى السهل أو بمعنى الكثرة {وَأْمُرْ بالعرف} أي المعروف وهو فعل الخير، وقيل العفو الجاري بين الناس من العوائد، واحتج المالكية بذلك على الحكم بالعوائد {وَأَعْرِضْ عَنِ الجاهلين} أي لا تكافئ السفهاء بمثل قولهم أو فعلهم واحلم عنهم، ولما نزلت هذه الآية سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عنها، فقال: لا أدري حتى أسأل؛ ثم رجع فقال يا محمد إن ربك يأمرك أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك وعن جعفر الصادق: أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم فيها بمكارم الأخلاق، وهي على هذا ثابتة الحكم وهو الصحيح، وقيل كانت مداراة للكفار، ثم نسخت بالقتال.

.تفسير الآيات (200- 201):

{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201)}
{وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ} نزغ الشيطان وسوسته بالتشكيك في الحق والأمر بالمعاصي أو تحريك لغضب، فأمر الله بالاستعاذة منه عند ذلك، كما ورد في الحديث: «أن رجلاً اشتد غضبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما به: نعوذ بالله من الشيطان الرجيم» {طائف مِّنَ الشيطان} معناه لمه منه، كما جاء: «إن للشيطان لمة وللملك لمة»، ومن قرأ طائف بالألف، فهو اسم فاعل ومن قرأ طيف بياء ساكنة، فهو مصدر أو تخفيف من طيف المشدّد، كمّيت وميت {تَذَكَّرُواْ} حذف مفعوله ليعم كل ما يذكر من خوف عقاب الله، أو رجاء ثوابه أو مراقبته والحياء منه، أو عداوة الشيطان والاستعاذة منه والنظر والاعتبار وغير ذلك {فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} هو من بصيرة القلب.

.تفسير الآيات (202- 203):

{وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (202) وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203)}
{وإخوانهم يَمُدُّونَهُمْ فِي الغي} الضمير في إخوانهم للشياطين، وأريد بقوله: طائف من الشيطان: الجنس، ولذلك أعيد عليه ضمير الجماعة وإخوانهم هم الكفار، ومعنى يمدّونهم: يكونون مدداً لهم: يعضدونهم، وضمير المفعول في يمدّونهم للكفار، وضمير الفاعل للشيطان، ويحتمل أن يريد بالإخوان: الشياطين، ويكون الضمير في إخوانهم للكفار، والمعنى على الوجهين: أن الكفار يمدهم الشيطان وقرئ يمدّونهم بضم الياء وفتحها، والمعنى واحد، وفي الغيّ: يتعلق بيمدّونهم، وقيل: يتعلق بإخوانهم كما تقول إخوة في الله، أو في الشيطان {ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ} أي لا يقصر الشياطين عن إمداد إخوانهم الكفار، أو لا يقصر الكفار عن غيهم، وفي الآية من إدراك البيان لزوم ما لا يلزم بالتزام الصاد قبل الراء في مبصرون ولا يقصرون {وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ اجتبيتها} الضمير في لم تأتهم للكفار، ولولا هنا عوض، وفي معنى اجتبيتها قولان: أحدهما: اخترعتها من قبل نفسك، فالآية على هذا من القرآن، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتأخر عنه بالوحي أحياناً، فيقول الكفار: هلا جئت بقرآن من قولك، والآخر معناه: طلبتها من الله، وتخيرتها عليه، فالآية على هذا معجزة، أي يقولون: اطلب المعجزة من الله {قُلْ إِنَّمَآ أَدْعُو رَبِّي} [الجن: 20] معناه: لا أخترع القرآن على القول الأول، ولا أطلب آية من الله على القول الثاني {هذا بَصَآئِرُ} أي علامات هدى والإشارة إلى القرآن.

.تفسير الآيات (204- 206):

{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)}
{وَإِذَا قُرِىءَ القرآن فاستمعوا لَهُ وَأَنصِتُواْ} فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أن الإنصات المأمور به هو لقراءة الإمام في الصلاة، والثاني: أنه الإنصات للخطبة، والثالث: أنه الإنصات لقراءة القرآن على الإطلاق وهو الراجح لوجهين: أحدهما: أن اللفظ عام ولا دليل على تخصيصه، والثاني أن الآية مكية، والخطبة إنما شرعت بالمدينة {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}: قال بعضهم: الرحمة أقرب شيء إلي مستمع القرآن لهذه الآية {واذكر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ} يحتمل أن يريد الذكر بالقلب دون اللسان، أو الذكر باللسان سراً، فعلى الأول يكون قوله: ودون الجهر من القول؛ عطف متغاير أي حالة أخرى، وعلى الثاني يكون بياناً وتفسيراً للأول {بالغدو والآصال} أي في الصباح والعشي والآصال جمع أُصُل والأُصل جمع أصيل؛ قيل: المراد صلاة الصبح والعصر، وقيل: فرض الخمس والأظهر الإطلاق {إِنَّ الذين عِندَ رَبِّكَ} هم الملائكة عليهم السلام، وفي ذكرهم تحريض للمؤمنين وتعريض للكفار {وَلَهُ يَسْجُدُونَ} قدم المجرور لمعنى الحصر أي لا يسجدون إلا لله، والله أعلم.

.سورة الأنفال:

.تفسير الآية رقم (1):

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1)}
نزلت هذه السورة في غزوة بدر وغنائمها {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال} الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم واسائلون هم الصحابة، والأنفال هي الغنائم، وذلك أنهم كانوا يوم بدر ثلاث فرق: فرقة مع النبي صلى الله عليه وسلم في العريش تحرسه، وفرقة اتبعوا المشركين فقتلوهم وأسروهم، وفرقة أحاطوا بأسلاب العدو وعسكرهم لما انهزموا، فلما انجلت الحرب واجتمع الناس رأت كل فرقة أنها أحق بالغنيمة من غيرها، واختلفوا فيما بينهم، فنزلت الآية ومعناها: يسألونك عن حكم الغنيمة ومن يستحقها وقيل: الأنفال هنا ما ينفله الإمام لبعض الجيش من الغنيمة زيادة على حظه، وقد اختلف الفهاء وقيل: الأنفال هنا ما ينفله الإمام لبعض الجيش من الغنيمة زيادة على حظه، وقد اختلف الفقهاء هل يكون ذلك التنفيل من الخمس وهو قول مالك؟ أو من الأربعة الأخماس، أو من رأس الغنيمة، قبل إخراج الخمس {قُلِ الأنفال للَّهِ والرسول} أي الحكم فيها لله والرسول لا لكم {وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ} أي اتفقوا وائتلفوا، ولا تنازعوا، وذات هنا بمعنى: الأحوال، قاله الزمخشري، وقال ابن عطية: يراد بها في هذا الموضع نفس الشيء وحقيقته. وقال الزبيري: إن إطلاق الذات على نفس الشيء وحقيقته ليس من كلام العرب {وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ} يريد في الحكم في الغنائم، قال عبادة بن الصامت: نزلت فينا أصحاب بدر حين اختلفنا وساءت أخلاقنا، فنزع الله الأنفال من أيدينا، وجعلها لرسول الله صلى الله عليه وسلم قسمها على السواء، فكانت في ذلك تقوى الله وطاعة رسوله وإصلاح ذات البين.

.تفسير الآيات (2- 4):

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)}
{إِنَّمَا المؤمنون} الآية: أي الكاملو الإيمان، فإنما هنا للتأكيد والمبالغة والحصر {وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} أي خافت وقرأ أبي بن كعب: فزعت {زَادَتْهُمْ إِيمَاناً} أي قَوِي تصديقهم ويقينهم، خلافاً لمن قال: إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وإن زيادته إنما هي بالعمل {لَّهُمْ درجات} يعني في الجنة.

.تفسير الآيات (5- 6):

{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6)}
{كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ} فيه ثلاث تأويلات:
أحدهما: أن تكون الكاف في موضع رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: هذه الحال كحال إخراجك؛ يعني أن حالهم في كراهة تنفيل الغنائم كحالهم في حالة خروجك للحرب، والثاني أن يكون في موضع الكاف نصب على أنه صفة لمصدر الفعل المقدّر في قوله الأنفال لله والرسول أي: استقرت الأنفال لله والرسول استقراراً مثل استقرار خروجك، والثالث أن تتعلق الكاف بقوله يجادلونك {مِن بَيْتِكَ} يعني مسكنة بالمدينة إذ أخرجه الله لغزوة بدر {وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ المؤمنين لكارهون} أي كرهوا قتال العدو، وذلك أن عِيرَ قريش أقبلت من الشام فيها أموال عظيمة، ومعها أربعون راكباً، فأخبر بذلك جبريل النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج بالمسلمين فسمع بذلك أهل مكة، فاجتمعوا وخرجوا في عدد كثير؛ ليمنعوا عيرهم. فنزل جبريل عليه السلام فقال: يا محمد إن الله قد وعدكم إحدى الطائفتين، إما العير وإما قريش، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، فقالوا: العير أحب إلينا من لقاء العدو، فقال: إن العير قد مضت على ساحل البحر، وهذا أبو جهل قد أقبل، فقال له سعد بن عبادة: امض لما شئت فإنك متبعوك وقال سعد بن معاذ: والذي بعثك بالحق لو خضت هذا البحر لخضناه معك فسر بنا على بركة الله {يجادلونك فِي الحق بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ} كان جدالهم في لقاء قريش، بإيثارهم لقاء العير؛ إذ كانت أكثر أموالاً، وأقل رجالاً؛ وتبينُ الحق: هو إعلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم ينصرون {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الموت} تشبيه لحالهم في إفراط جزعهم من لقاء قريش.