فصل: تفسير الآية رقم (163):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآية رقم (163):

{وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)}
{وَسْئَلْهُمْ} أي اسأل اليهود على جهة التقرير والتوبيخ {عَنِ القرية} قيل: هي إيلياء، وقيل: هي طبرية، وقيل: مدين {حَاضِرَةَ البحر} قريبة منه أو على شاطئه {إِذْ يَعْدُونَ فِي السبت} أي يتجاوزون حدَّ الله فيه، وهو اصطيادهم يوم السبت وقد نهوا عنه وموضع إذ بدل من القرية والمراد أهلها، وهو بدل اشتمال أو منصوب بكانت أو بحاضرة {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً} كانت الحيتان تخرج من البحر يوم السبت حتى تصل إلى بيوتهم ابتلاء لهم؛ إذ كان صيدها عليهم حراماً في يوم السبت، وتغيب عنهم في سائر الأيام، وسبتهم مصدر من قولك: سبت اليهودي يسبت إذا عظم يوم السبت، ومعنى شُرَّعاً: ظاهرة قريبة منهم يقال: شرع منا فلان إذ دنا وإذ في قوله إذ تأتيهم منصوب بيعدون، أو بدل من إذ يعدون.

.تفسير الآيات (164- 165):

{وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165)}
{وَإِذَا قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً} للآية: افترقت بنو إسرائيل ثلاث فرق: فرقة عصت يوم السبت بالصيد، وفرقة نهت عن ذلك واعتزلت القوم، وفرقة سكتت واعتزلت، فلم تنه ولم تعص، وأن هذه الفرقة لما رأت مهاجرة الناهية وطغيانَ العاصية قالوا للفرقة الناهية: لم تعظون قوماً يريد الله أن يهلكهم أو يعذبهم، فقالت الناهية: نَنهاهم معذرة إلى الله ولعلهم يتقون، فهلكت الفرقة العاصية، ونجت الناهية، واختلف في الثالثة هل هلكت لسكوتها أو نجت لاعتزالها وتركها العصيان {بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} أي شديد وقرئ بالهمز وتركه، وقرئ على وزن فعيل وعلى وزن فيعل وكلها من معنى البؤس.

.تفسير الآيات (166- 167):

{فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167)}
{فَلَماَّ عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ} أي لما تكبروا عن ما نهوا عنه {قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خاسئين} ذكر في [البقرة: 65] واملعنى أنهم عذبوا أولاً بعذاب شديد فعتوا بذلك فمسخوا قردة، وقيل: فلما عَتَوا تكرار لقوله فلما نسوا والعذاب البئيس هو المسخ {تَأَذَّنَ رَبُّكَ} عزم، وهو من الإيذان بمعنى الإعلام {لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ} الآية أي يسلط عليهم، ومن ذلك أخذ الجزية، وهوَانُهم في جميع البلاد.

.تفسير الآية رقم (168):

{وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168)}
{وقطعناهم فِي الأرض} أي فرقناهم في البلاد، ففي كل بلدة فرقة منهم، فليس لهم إقليم يملكونه {مِّنْهُمُ الصالحون} هم من أسلم كعبد الله بن سلام أو من كان صالحاً من المتقدمين منهم {بالحسنات والسيئات} أي بالنعم والنقم.

.تفسير الآية رقم (169):

{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (169)}
{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} أي حدث بعدهم قوم سوء، والخلف بسكون اللام ذم، وبفتحها مدح، والمراد من حدث من اليهود بعد المذكورين، وقيل: المراد النصارى {يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذا الأدنى} أي عرض الدنيا {وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا} ذلك اغترار منهم وكذب {وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ} الواو للحال يرجون المغفرة وهم يعودون إلى مثل فعلهم {ميثاق الكتاب أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى الله إِلاَّ الحق} إشارة إلى كذبهم في قولهم: سيغفر لنا وإعراب ألا يقولوا عطف بيان على ميثاق الكتاب أو تفسير له، أو تكون أن حرف عبارة وتفسير.

.تفسير الآيات (170- 171):

{وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170) وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171)}
{والذين يُمَسِّكُونَ بالكتاب} قرئ بالتشديد والتخفيف؛ وهما بمعنى واحد، وإعراب الذين عطف على الذين يتقون، أو مبتدأ وخبره {إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ المصلحين}، وأقام ذكر المصلحين مقام الضمير، لأن المصلحين هم الذين يمسكون بالكتاب {وَإِذ نَتَقْنَا الجبل فَوْقَهُمْ} أي اقتلعنا الجبل ورفعناه فوق بني إسرائيل وقلنا لهم: خذوا التوراة حين أبوا من أخذها، وقد تقدم في [البقرة: 93] تفسير الظلة وخذوا ما آتيناكم بقوة.

.تفسير الآية رقم (172):

{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172)}
{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بني ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ على أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} الآية: في معناها قولان:
أحدهما: أن الله لما خلق آدم أخرج ذريته من صلبه وهم مثل الذر، وأخذ عليهم العهد بأنه ربهم، فأقروا بذلك والتزموه، روي هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق كثيرة وقال به جماعة من الصحابة وغيرهم.
والثاني: أن ذلك من باب التمثيل، وأن أخذ الذرية عبارة عن إيجادهم في الدنيا وأما إشهادهم فمعناه أن الله نصب لبني آدم الأدلة على ربوبيته فشهدت بها عقولهم، فكأنه أشهدهم على أنفسهم، وقال لهم: ألست بربكم وكأنهم قالوا بلسان الحال: بلى أنت ربنا، والأول هو الصحيح لتواتر الأخبار به، إلا أن ألفاظ الآية لا تطابقه بظاهرها، فلذلك عدل عنه من قال بالقول الآخر، وإنما تطابقه بتأويل وذلك أن أخذ الذرية إنما كان من صلب آدم، ولفظ الآية يقتضي أن أخذ الذرية من بني آدم، والجمع بينهما أنه ذكر بني آدم في الآية والمراد آدم كقوله: ولقد خلقناكم ثم صورناكم: الآية، وعلى تأويل لقد خلقنا أباكم آدم في صورته، وقال الزمخشري: إن المراد ببني آدم أسلاف اليهود، والمراد بذريتهم من كان في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الصحيح المشهور أن المراد جمع بني آدم حسبما ذكرناه {قَالُواْ بلى شَهِدْنَآ} قولهم بلى: إقرار منهم بأن الله ربهم، فإن تقديره: أنت ربنا، فإن بلى بعد التقرير تقتضي الإثبات، بخلاف نعم فإنها إذا وردت بعد الاستفهام تقتضي الإيجاب، وإذا وردت بعد التقرير تقتضي الإثبات، بخلاف نعم فإنها إذا وردت بعد الاستفهام تقتضي الإيجاب، وإذا وردت بعد التقرير تقتضي النفي، ولذلك قال ابن عباس في هذه الآية: لو قالوا: نعم لكفروا، وأما قولهم: شهدنا؛ فمعناه شهدنا بربوبيتك، فهو تحقيق لربوبية الله وأداء لشهادتهم بذلك عند الله، وقيل: إن شهدنا من قول الله والملائكة؛ أي شهدنا على بني آدم باعترافهم {أن يقولوا يوم القيامة} في موضع مفعول من أجله: أي فعلنا ذلك كراهية أن تقولوا، فهو من قول الله لا من قولهم، وقرئ بالتاء على الخطاب لبني آدم، وبالياء على الإخبار عنهم.

.تفسير الآيات (175- 177):

{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177)}
{واتل عَلَيْهِمْ نَبَأَ الذي ءاتيناه ءاياتنا فانسلخ مِنْهَا} قال ابن مسعود: هو رجل من بني إسرائيل بعثه موسى عليه السلام إلى ملك مَدْين داعياً إلى الله، فرشاه الملك وأعطاه الملك على أن يترك دين موسى ويتابع الملك على دينه ففعل، وأضل الناس بذلك وقال ابن عباس هو رجل من الكنعانيين اسمه بلعم بن باعوراء كان عنده اسم الله الأعظم، فلما أراد موسى قتال الكنعانيين وهو الجبارون: سألوا من بلعم أن يدعو باسم الله الأعظم على موسى وعسكره فأبى، فألحوا عليه حتى دعا عليه ألا يدخل المدينة ودعا عليه موسى فالآيات التي أعطيها على هذا القول: هي اسم الله الأعظم وعلى قول ابن مسعود هي ما علمه موسى من الشريعة، وقيل: كان عنده من صحف إبراهيم، وقال عبد الله بن عمرو بن العاصي: هو أمية بن أبي الصلت، وكان قد أوتي علماً وحكمه وأراد أن يسلم قبل غزوة بدر، ثم رجع عن ذلك ومات كافراً، وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم كاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم، فالآية على هذا ما كان عنده من العلم، والانسلاخ عبارة عن البعد والانفصال منها كالانسلاخ من الثياب والجلد {وَلَوْ شِئْنَا لرفعناه بِهَا} أي رفعنا منزلته بالآيات التي كانت عنده {ولكنه أَخْلَدَ إِلَى الأرض} عبارة عن فعله لما سقطت به منزلته عند الله {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكلب} أي صفته كصفة الكلب، وذلك غاية في الخسة والرداءة {إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث} اللهث هو تنفس بسرعة وتحريك أعضاء الفم وخروج اللسان، وأكثر ما يعتري ذلك الحيوانات مع الحر والتعب، وهي حالة دائمة للكلب، ومعنى إن تحمل عليه إن تفعل معه ما يشق عليه من طرد أو غيره أو تتركه دون أن لم تعظه فهو ضال، فضلالته على كل حال كما لهث الكلب على كل حال. وقيل: إن ذلك الرجل خرج لسانه على صدره فصار مثل الكلب في صورته ولهثه حقيقة {ذَّلِكَ مَثَلُ القوم الذين كَذَّبُواْ بآياتنا} أي صفة المكذبين كصفة الكلب في لهثه، وكصفة الرجل المشبه به؛ لأنهم إن أنذروا لم يهتدوا، وإن تركوا لم يهتدوا، وشبههم بالرجل في أنهم رأوا الآيات والمعجزات فلم تنفعهم، كما أن الرجل لم ينفعه ما كان عنده من الآيات {سَآءَ مَثَلاً القوم الذين كَذَّبُواْ بآياتنا وَأَنفُسَهُمْ} الآية: قدم هذا المفعول للاختصاص والحصر.

.تفسير الآية رقم (179):

{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)}
{كَثِيراً مِّنَ الجن والإنس} هم اللذين علم الله أنهم يدخلون النار بكفرهم، فأخبر أنه خلقهم لذلك كما جاء في قوله: هؤلاء للجنة ولا أبالي، وهؤلاء للنار ولا أبالي {لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا} ليس المعنى نفي السمع والبصر جملة، وإنما المعنى نفيها عما ينفع في الدين.

.تفسير الآية رقم (180):

{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)}
{وَللَّهِ الأسمآء الحسنى} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله تسعة وتسعون اسماً من أحصاها دخل الجنة» وسبب نزول الآية: أن أبا جهل لعنه الله سمع بعض الصحابة يقرأ فيذكر الله مرة، والرحمن أخرى، فقال: يزعم محمد أنّ الإله واحد وها هو يعبد آلهة كثيرة، فنزلت الآية مبينة أن تلك الأسماء الكثيرة هي لمسمى واحد، والحسنى مصدر وصف به أو تأنيث أحسن وحسن أسماء الله هي أنها صفة مدح وتعظيم وتحميد {فادعوه بِهَا} أي سموه بأسمائه، وهنا إباحة لإطلاق الأسماء على الله تعالى، فأما ما ورد منها في القرآن أو الحديث، فيجوز إطلاقه على الله إجماعاً وأما ما لم يرد وفيه مدح لا تتعلق به شبهة، فأجاز أبو بكر بن الطيب إطلاقه على الله ومنع ذلك أبو الحسن الأشعري وغيره، ورأوا أن أسماء الله موقوفة على ما ورد في القرآن والحديث، وقد ورد في كتاب الترمذي عدّتها أعني تعيين التسعة والتسعين، واختلف المحدثون هل تلك الأسماء المعدودة فيه مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو موقوفة على أبي هريرة، وإنما الذي ورد في الصحيح كونها تسعة وتسعين من غير تعيين {وَذَرُواْ الذين يُلْحِدُونَ في أَسْمَآئِهِ} قيل: معنى ذروا: اتركوهم لا تجاوبوهم ولا تتعرضوا لهم، فالآية على هذا منسوخة بالقتال، وقيل: معنى ذروا الوعيد والتهديد كقوله: {وَذَرْنِي والمكذبين} [المزمل: 11] وهو الأظهر لما بعده وإلحادهم في أسماء الله: هو ما قال أبو جهل فنزلت الآية بسببه، وقيل: تسميته الأصنام باسمه كاشتقاقهم اللات من الله، والعزى من العزيز.

.تفسير الآيات (181- 184):

{وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (184)}
{وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ} الآية: روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: هذه الآية لكم وقد تقدّم مثلها لقوم موسى {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ} الاستدراج استفعال من الدرجة، أي: نسوقهم إلى الهلاك شيئاً بعد شيء وهم لا يشعرون، والإملاء هو الإمهال مع إرادة العقوبة {إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} سمى فعله بهم كيداً لأنه شبيه بالكيد في أن ظاهره إحسان وباطنه خذلان {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ} يعني بصاحبهم النبي صلى الله عليه وسلم، فنفى عنه ما نسب له المشركون من الجنون، ويحتمل أن يكون قوله: ما بصاحبهم النبي من جنة معمولاً لقوله أو لم يتفكروا فيوصل به، والمعنى: أو لم يتفكروا ثم ابتدأ إخباراً استئنافاً لقوله: ما بصاحبهم من جنة، والأوّل أحسن.

.تفسير الآية رقم (185):

{أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)}
{أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ} يعني نظر استدلال {وَمَا خَلَقَ الله} عطف على الملكوت ويعني بقوله من شيء: جميع المخلوقات إذ جميعها دليل على وحدانية خالقها {وَأَنْ عسى أَن يَكُونَ قَدِ اقترب أَجَلُهُمْ} أن الأول مخففة من الثقيلة، وهي عطف على الملكوت، وأن الثانية مصدرية في موضع رفع بعسى، وأجلهم يعني؛ موتهم، والمعنى لعلهم يموتون عن قريب، ينبغي لهم أن يسارعوا إلى النظر فيما يخلصهم عند الله قبل حلول الأجل {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ} الضمير للقرآن.

.تفسير الآيات (187- 188):

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187) قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)}
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الساعة} السائلون اليهود أو قريش، وسميت القيامة ساعة لسرعة حسابها كقوله: وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب {أَيَّانَ مُرْسَاهَا} معنى أيان: متى، ومرساها: وقوعها وحدوثها، وهي من الإرساء بمعنى الثبوت {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ الله} أي استأثر الله بعلم وقوعها ولم يطلع عليه أحد {لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ} معنى يجليها يظهرها، فهو من الجلاء ضدّ الخفاء، واللام في لوقتها ظرفية: أي عند وقتها، والمعنى لا يظهر الساعة عند مجيء وقتها إلا الله {ثَقُلَتْ فِي السماوات والأرض} في معناه ثلاثة أقوال: الأول: ثقلت على أهل السموات والأرض لهيبتها عندهم وخوفهم منها، والثاني: ثقلت على أهل السموات والأرض أنفسها لتفطر السماء فيها وتبديل الأرض، والثالث: معنى ثقلت: أي ثقل علمها أي خفي {يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا} الحفيّ بالشيء هو المهتم به المعتني به، والمعنى: يسألونك عنها كأنك حفيّ بعلمها وقيل: المعنى يسألونك عنها كأنك حفيِّبهم لقرابتك منهم، فعنها على هذين القولين يتعلق بيسألونك، وقيل المعنى يسألونك كأنك حفي بالسؤال عنها {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الغيب لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخير} براءة من علم الغيب، واستدلال على عدم علمه {وَمَا مَسَّنِيَ السواء} عطف على لاستكثرت من الخير أي لو علمت الغيب لاستكثرت من الخير، واحترست من السوء ولكن لا أعلمه فيصيبني ما قدر لي من الخير والشر، وقيل: إن قوله وما مسني السوء: استئناف إخبار، والسوء على هذا هو الجنون واتصاله بما قبله أحسن {لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} يجوز أن يتعلق ببشير ونذير معاً أي أبشر المؤمنين وأنذرهم، وخص بهم البشارة والنذارة، لأنهم هم الذين ينتفعون بها، ويجوز أن يتعلق بالبشارة وحدها، ويكون المتعلق بنذير محذوف أي نذير للكافرين، والأول أحسن.