فصل: تفسير الآيات (71- 72):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآيات (71- 72):

{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)}
{بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ} في مقابلة قوله: المنافقون بعضهم أولياء بعض، ولكنه خص المؤمنين بالوصف بالولاية {جنات عَدْنٍ} قيل: عدن هي مدينة الجنة وأعظمها، وقال الزمخشري: هو اسم علم {ورضوان مِّنَ الله أَكْبَرُ} أي رضوان من الله أكبر من كل ما ذكر، وذلك معنى ما ذكر في الحديث: «إن الله تعالى يقول لأهل الجنة أتريدون شيئاً أزيدكم، فيقولون يا ربنا أي شيء تزيدنا؟ فيقول رضواني فلا أسخط عليكم أبداً».

.تفسير الآية رقم (73):

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73)}
{جاهد الكفار والمنافقين} جهاد الكفار بالسيف، وجهاد المنافقين باللسان ما لم يظهر ما يدل على كفرهم، فإن ظهر منهم ذلك فحكمهم كحكم الزنديق، وقد اختلف هل يقتل أم لا {واغلظ عَلَيْهِمْ} الغلظة ضد الرحمة والرأفة، وقد تكون بالقول والفعل وغير ذلك.

.تفسير الآية رقم (74):

{يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74)}
{يَحْلِفُونَ بالله} نزلت في الجلاس بن سويد، فإنه قال: إن كان ما يقول محمد حقاً فنحن شر من الحمير، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقرأه عليه فحلف انه ما قاله {وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الكفر} يعني ما تقدم من قول الجلاس؛ لأن ذلك يقتضي التكذيب {وَكَفَرُواْ بَعْدَ إسلامهم} لم يقل بعد إيمانهم، لأنهم كانوا يقولون بألسنتهم آمنا ولم يدخل الإيمان في قلوبهم {وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ} هم الجلاس بقتل من بلغ تلك الكلمة عنه، وقيل: هم بقتل النبي صلى الله عليه وسلم؛ وقيل: الآية نزلت في عبد الله بن أبيّ سلول، وكلمة الكفر التي قالها قوله: سمن كلبك يأكلك، وهمه بما لم يناله قوله: {لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى المدينة لَيُخْرِجَنَّ الأعز مِنْهَا الأذل} [المنافقون: 8] {وَمَا نقموا إِلاَّ أَنْ أغناهم الله} أي ما عابوا إلا الغني الذي كان حقه أن يشكروا عليه، وذلك في الجلاس أو في عبد الله بن أبيّ {فَإِن يَتُوبُواْ} فتح الله لهم باب التوبة فتاب الجلاس وحسن حاله.

.تفسير الآيات (75- 77):

{وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77)}
{وَمِنْهُمْ مَّنْ عاهد الله} الآية نزلت في ثعلبة بن حاطب، وذلك أنه قال يا رسول الله: ادع الله أن يكثر مالي. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه، فأعاد عليه حتى دعا له فكثر ماله، فتشاغل به حتى ترك الصلوات، ثم امتنع من أداء الزكاة، فنزلت فيه الآية فجاء بزكاته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأعرض عنه ولم يأخذها منه، وقال: إن الله أمرني أن لا آخذ زكاتك، ثم لم يأخذها منه أبو بكر ولا عمر ولا عثمان {بَخِلُواْ بِهِ} إشارة إلى منعه الزكاة {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً} عقوبة على العصيان بما هو أشد منه {إلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ} حكم بوفاته على النفاق.

.تفسير الآية رقم (79):

{الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79)}
{الذين يَلْمِزُونَ المطوعين} نزلت في المنافقين حين تصدق عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف فقالوا: ما هذا إلا رياء. وأصل المطوعين المتطوعين، والمراد به هنا من تصدق بكثير {وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ} هم الذين لا يقدرون إلا على القليل فيتصدقون به، نزلت في أبي عقيل تصدق بصاع من تمر، فقال المنافقون: إن الله غني عن صدقة هذا {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ} أي يستخفون بهم {سَخِرَ الله مِنْهُمْ} تسمية للعقوبة باسم الذنب.

.تفسير الآية رقم (80):

{اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80)}
{استغفر لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} يحتمل معنيين. أحدهما: أن يكون لفظه أمر، ومعناه الشرط، ومعناه: إن استغفرت لهم أو لم تستغفرلهم لن يغفر الله لهم، كما جاء في سورة المنافقين، والآخر: أن يكون تخييراً، كأنه قال إن شئت فاستغفر لهم، وإن شئت فلا تستغفر لهم، ثم أعلمه الله أنه لا يغفر لهم، وهذا أرجح لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله خيرني فاخترت، وذلك حين قال عمر: أتصلي على عبد الله بن أبيّ وقد نهاك الله عن الصلاة عليه {سَبْعِينَ مَرَّةً} ذكرها على وجه التمثيل للعدد الكثير.

.تفسير الآيات (81- 82):

{فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82)}
{فَرِحَ المخلفون} أي الذين خلفهم الله عن بدر وأقعدهم عنه، وفي هذا تحقير وذم لهم، ولذلك لم يقل المتخلفون {بِمَقْعَدِهِمْ} أي بقعودهم {خلاف رَسُولِ الله} أي بعده حين خرج إلى تبوك، فخلاف على هذا ظرف، وقيل: هو مصدر من خلف فهو على هذا مفعول من أجله {وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الحر} قائل هذه المقالة رجل من بني سلمة ممن صعب عليه السفر إلى تبوك في الحر {فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً} أمر بمعنى الخبر فضحكهم القليل في الدنيا مدة بقائهم فيها، بكاؤهم الكثير في الآخرة؛ وقيل: هو بمعنى الأمر أي يجب أن يكونوا: يضحكون قليلاً ويبكون كثيراً في الدنيا لم وقعوا فيه.

.تفسير الآية رقم (83):

{فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83)}
{إلى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ} إنما لم يقل إليهم، لأن منهم من تاب من النفاق وندم على التخلف {لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً} عقوبة لهم فيها خزي وتوبيخ {أَوَّلَ مَرَّةٍ} يعني في غزوة تبوك {فاقعدوا مَعَ الخالفين} أي مع القاعدين وهم النساء والصبيان.

.تفسير الآية رقم (84):

{وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84)}
{وَلاَ تُصَلِّ على أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً} نزلت في شأن عبد الله بن أبي سلول، وصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه حين مات، وروي أنه صلى عليه فنزلت الآية، وروي أنه صلى الله عليه وسلم لما تقدم ليصلي عليه جاءه جبريل فجبذ ثوبه، وتلا عليه {وَلاَ تُصَلِّ على أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً} الآية، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يصل عليه.

.تفسير الآيات (86- 90):

{وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (87) لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89) وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (90)}
{وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ} قيل: يعني براءة والأرجح أنه على الإطلاق {أَنْ آمِنُواْ} أن هنا مفسرة {استأذنك أُوْلُواْ الطول مِنْهُمْ} أي أولو الغنى والمال الكثير {لكن الرسول} الآية أي إن تخلف هؤلاء فقد جاهد الرسول ومن معه {الخيرات} تعم منافع الدارين وقيل: هو الحور العين لقوله: خيرات حسان {وَجَآءَ المعذرون} هم المعتذرون ثم ادغمت التاء في الذال ونقلت حركته إلى العين، واختلف هل كانوا في اعتذارهم صادقين أو كاذبين وقيل: هم المقصورون من عُذِرَ في الأمر إذ قصَّر فيه ولم يجد، فوزنه على هذا المفعلون وروي أنها نزلت في قوم من غفار {وَقَعَدَ الذين كَذَبُواْ الله وَرَسُولَهُ} هم قوم لم يجاهدوا ولم يعتذروا عن تخلفهم فكذبوا في دعواهم الإيمان {سَيُصِيبُ الذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ} أي من المعذرين.

.تفسير الآيات (91- 92):

{لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92)}
{لَّيْسَ عَلَى الضعفآء وَلاَ على المرضى} هذا رفع للحرج عن أهل الأعذار الصحيحة من ضعف البدن والفقر إذا تركوا الغزو. وقيل: إن الضعفاء هنا هم النساء وهذا بعيد {وَلاَ على المرضى وَلاَ عَلَى الذين لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ} قيل: نزلت في بني مقرن وهم ستة إخوة صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم وقيل: في عبد الله بن مغفل المزني {إِذَا نَصَحُواْ للَّهِ} يعني: بنيانهم وأقوالهم، وإن لم يخرجوا للغزو {مَا عَلَى المحسنين مِن سَبِيلٍ} وصفهم بالمحسنين لأنهم نصحوا لله ورسوله ورفع عنهم العقوبة والتعنيف واللوم {وَلاَ عَلَى الذين إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} قيل: هم بنو مقرن وقيل ابن مغفل وقيل سبعة نفر من بطون شتى، وهم البكاؤون ومعنى لتحملهم على الإبل وجواب إذا يحتمل أن يكون قلت {لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ} أو تولوا إذا رجعتم يعني من غزوة تبوك.

.تفسير الآية رقم (94):

{يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94)}
{لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ} لن نصدقكم {مِنْ أَخْبَارِكُمْ} نعت لمحذوف وهو المفعول الثاني تقديره: قد نبأنا الله جملة من أخباركم.

.تفسير الآيات (97- 98):

{الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98)}
{الأعراب أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً} هم أهل البوادي من العرب {وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ الله} يعني أنهم أحق أن لا يعلموا الشرائع لبعدهم عن الحاضرة ومجالس العلم {وَمِنَ الأعراب مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً} أي تثقل عليهم الزكاة والنفقة في سبيل الله ثقل المغرم الذي ليس بحق عليه {وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدوائر} أي ينتظر بكم مصائب الدنيا {عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السوء} خبر أو دعاء.

.تفسير الآيات (99- 100):

{وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99) وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)}
{وصلوات الرسول} أي دعواته لهم وهو عطف على قربات؛ أي يقصدون بنفقاتهم التقرب إلى الله واغتنام دعاء الرسول لهم وقيل: نزلت في بني مقرن {والسابقون الأولون} قيل: هم من صلى للقبلتين وقيل: من شهد بدراً، وقيل: من حضر بيعة الرضوان و{الذين اتبعوه} [التوبة: 117] سائر الصحابة ويدخل في ذلك التابعون ومن بعدهم إلى يوم القيامة بشرط الإحسان.

.تفسير الآيات (101- 104):

{وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104)}
{مَرَدُواْ عَلَى النفاق} أي اجترأوا عليه وقيل: أقاموا عليه {سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إلى عَذَابٍ عَظِيمٍ} العذاب العظيم هو عذاب النار وأما المرتان قبله، فالثانية منهما عذاب القبر، والأولى عذابهم بإقامة الحدود عليهم وقيل: بفضيحتهم بالنفاق {وَآخَرُونَ اعترفوا بِذُنُوبِهِمْ} الآية: قيل: إنها نزلت في أبي لبابة الأنصاري فعمله الصالح الجهاد وعمله السيء نصيحته لبني قريظة، وقيل: هو لمن تخلف عن تبوك من المؤمنين فعملهم الصالح ما سبق لهم، وعملهم السيىء تخلفهم عن تبوك، وروي أنهم ربطوا أنفسهم إلى سواري المسجد، وقالوا: لا نحل أنفسنا حتى يحلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: هي عامة في الأمة إلى يوم القيامة.
قال بعضهم: ما في القرآن آية أرجى لهذه الأمة من هذه الآية {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} قيل: نزلت في المتخلفين الذين ربطوا أنفسهم لما تاب الله عليهم قالوا: يا رسول الله؛ إنا نريد أن نتصدق بأموالنا. فنزلت هذه الآية. وأخذ ثلث أموالهم. وقيل: هي الزكاة المفروضة، فالضمير على العموم لجميع المسلمين {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، في موضع صفة لصدقة أو حال من الضمير في خذ {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} أي ادع لهم {سَكَنٌ لَّهُمْ} أي تسكن به نفوسهم، فهو عبارة عن صحة الاعتقاد، أو عن طمأنينة نفوسهم إذ علموا أن الله تاب عليهم. {أَلَمْ يعلموا أَنَّ الله هُوَ يَقْبَلُ التوبة عَنْ عِبَادِهِ} الضمير في يعلموا للتائبين من التخلف. وقيل: للذين تخلفوا ولم يتوبوا، وقيل عام. وفائدة الضمير المؤكد تخصيص الله تعالى بقبول التوبة دون غيره {وَيَأْخُذُ الصدقات} قيل: معناه يأمر بها، وقيل: هم الذين بنوا مسجد الضرار، وقرئ مرجئون بالهمز وتركه وهما لغتان ومعناه التأخير.

.تفسير الآية رقم (107):

{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107)}
{والذين اتخذوا مَسْجِداً} قرئ الذين بغير واو صفة لقوله وآخرون مرجون أو على تقديرهم الذين وهذه القراءة جارية على قول من قال في المرجون لأمر الله هم أهل مسجد الضرار، وقرئ والذين بالواو عطف على آخرون مرجون وهذه القراءة جارية على قول من قال في المرجئين أنهم الثلاثة الذين خلفوا {ضِرَاراً وَكُفْراً} كانوا بنو عمرو بن عوف من الأنصار قد بنوا مسجد قباء، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيه ويصلي فيه، فحسدهم على ذلك قومهم بنو غنم بن عوف وبنو سالم بن عوف؛ فبنوا مسجداً آخر مجاوراً له ليقطعوا الناس عن الصلاة في مسجد قباء، وذلك هو الضرار الذي قصدوا وسألوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيه، ويصلي لهم فيه فنزلت عليه في هذه الآية {وَتَفْرِيقاً بَيْنَ المؤمنين} أرادوا أن يتفرق المؤمنون عن مسجد قباء {وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ الله وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ} أي انتظاراً لمن حارب الله ورسوله، وهو أبو عامر الراهب الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاسق وكان من أهل المدينة، فلما قدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم جاهر بالكفر والنفاق، ثم خرج إلى مكة فحزَّب الأحزاب من المشركين، فلما فتحت مكة خرج إلى الطائف، فلما أسلم أهل الطائف خرج إلى الشام، ليستنصر بقيصر فهلك هناك. وكان أهل مسجد الضرار يقولون: إذا قدم أبو عامر المدينة يصلي في هذا المسجد. والإشارة بقوله من قبل إلى ما فعل معه الأحزاب {وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الحسنى} أي الخصلة الحسنى وهي الصلاة وذكر الله فأكذبهم الله في ذلك.