فصل: تفسير الآيات (19- 21):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآيات (19- 21):

{وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (19) قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (20) قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً (21)}
قوله تعالى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} يجوز الفتح، أي أوحى الله إليه أنه. ويجوز الكسر على الاستئناف. وعَبْدُ اللَّهِ هنا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين كان يصلي ببطن نخلة ويقرأ القرآن، حسب ما تقدم أول السورة. يَدْعُوهُ أي يعبده.
وقال ابن جريج: يَدْعُوهُ أي قام إليهم داعيا إلى الله تعالى. {كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} قال الزبير بن العوام: هم الجن حين استمعوا القرآن من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أي كاد يركب بعضهم بعضا ازدحاما ويسقطون، حرصا على سماع القرآن.
وقيل: كادوا يركبونه حرصا، قاله الضحاك. ابن عباس: رغبة في سماع الذكر.
وروى برد عن مكحول: أن الجن بايعوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذه الليلة وكانوا سبعين ألفا، وفرغوا من بيعته عند انشقاق الفجر. وعن ابن عباس أيضا: إن هذا من قول الجن لما رجعوا إلى قومهم أخبروهم بما رأوا من طاعة أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وايتمامهم به في الركوع والسجود.
وقيل: المعنى كاد المشركون يركبون بعضهم بعضا، حردا على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال الحسن وقتادة وابن زيد: يعني لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ محمد بالدعوة تلبدت الانس والجن على هذا الامر ليطفئوه، وأبى الله إلا أن ينصره ويتم نوره. واختار الطبري أن يكون المعنى: كادت العرب يجتمعون على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويتظاهرون على إطفاء النور الذي جاء به.
وقال مجاهد: قوله لِبَداً جماعات وهو من تلبد الشيء على الشيء أي تجمع، ومنه اللبد الذي يفرش لتراكم صوفه، وكل شيء ألصقته إلصاقا شديدا فقد لبدته، وجمع اللبدة لبد مثل قربة وقرب. ويقال للشعر الذي على ظهر الأسد لبدة وجمعها لبد، قال زهير:
لدى أسد شاكي السلاح مقذف ** له لبد أظفاره لم تقلم

ويقال للجراد الكثير: لبد. وفية أربع لغات وقراءات، فتح الباء وكسر اللام، وهي قراءة العامة. وضم اللام وفتح الباء، وهي قراءة مجاهد وابن محيصن وهشام عن أهل الشام، واحدتها لبدة. وبضم اللام والباء، وهي قراءة أبي حيوة ومحمد بن السميقع وأبي الأشهب العقيلي والجحدري واحدها لبد مثل سقف وسقف ورهن ورهن. وبضم اللام وشد الباء وفتحها، وهي قراءة الحسن وأبي العالية والأعرج والجحدري أيضا واحدها لا بد، مثل راكع وركع، وساجد وسجد.
وقيل: اللبد بضم اللام وفتح الباء الشيء الدائم، ومنه قيل لنسر لقمان لبد لدوامه وبقائه، قال النابغة:
أخنى عليها الذي أخنى على لبد

القشيري: وقرئ: {لبدا} بضم اللام والباء، وهو جمع لبيد، وهو الجولق الصغير.
وفي الصحاح: وقوله تعالى: {أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً} أي جما. ويقال أيضا: الناس لبد أي مجتمعون، واللبد أيضا الذي لا يسافر ولا يبرح منزله. قال الشاعر:
من امرئ ذي سماح لا تزال له ** بزلاء يعيا بها الجثامة اللبد

ويروى: اللبد. قال أبو عبيد: وهو أشبه. والبزلاء: الرأي الجيد. وفلان نهاض ببزلاء: إذا كان ممن يقوم بالأمور العظام، قال الشاعر:
إني إذا شغلت قوما فروجهم ** رحب المسالك نهاض ببزلاء

ولبد: آخر نسور لقمان، وهو ينصرف، لأنه ليس بمعدول. وتزعم العرب أن لقمان هو الذي بعثته عاد في وفدها إلى الحرم يستسقي لها، فلما أهلكوا خير لقمان بين بقاء سبع بعرات سمر، من أظب عفر، في جبل وعر، لا يمسها القطر، أو بقاء سبعة أنسر كلما هلك نسر خلف بعده نسر، فاختار النسور، وكان آخر نسوره يسمى لبدا، وقد ذكرته الشعراء، قال النابغة:
أضحت خلاء وأمسى أهلها احتملوا ** أخنى عليها الذي أخنى على لبد

واللبيد: الجوالق الصغير، يقال: ألبدت القربة جعلتها في لبيد. ولبيد: اسم شاعر من بني عامر. قوله تعالى: {قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي} أي قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً وكذا قرأ أكثر القراء {قال} على الخبر. وقرأ حمزة وعاصم قُلْ على الامر. وسبب نزولها أن كفار قريش قالوا له: إنك جئت بأمر عظيم وقد عاديت الناس كلهم فارجع عن هذا فنحن نجيرك، فنزلت قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً} أي لا أقدر أن أدفع عنكم ضرا ولا أسوق لكم خيرا.
وقيل: لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا أي كفرا وَلا رَشَداً أي هدى، أي إنما علي التبليغ.
وقيل: الضر: العذاب، والرشد النعيم. وهو الأول بعينه.
وقيل: الضر الموت، والرشد الحياة.

.تفسير الآيات (22- 25):

{قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (22) إِلاَّ بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً (23) حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً (24) قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً (25)}
قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ} أي لا يدفع عذابه عني أحد إن استحفظته، وهذا لأنهم قالوا أترك ما تدعو إليه ونحن نجيرك.
وروى أبو الجوزاء عن ابن مسعود قال: انطلقت مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة الجن حتى أتى الحجون فخط علي خطا، ثم تقدم إليهم فازدحموا عليه، فقال سيد لهم يقال له وردان: أنا أزجلهم عنك، فقال: {إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ} ذكره الماوردي. قال: ويحتمل معنيين أحدهما لن يجيرني مع إجارة الله لي أحد.
الثاني لن يجيرني مما قدره الله تعالى علي أحد. {وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً} أي ملتجأ ألجأ إليه، قال قتادة. وعنه: نصيرا ومولى. السدي: حرزا. الكلبي: مدخلا في الأرض مثل السرب.
وقيل: وليا ولا مولى.
وقيل: مذهبا ولا مسلكا. حكاه ابن شجرة، والمعنى واحد، ومنه قول الشاعر:
يا لهف نفسي ولهفي غير مجدية ** عني وما من قضاء الله ملتحد

{إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ} فإن فيه الأمان والنجاة، قال الحسن.
وقال قتادة: إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ فذلك الذي أملكه بتوفيق الله، فأما الكفر والايمان فلا أملكهما. فعلى هذا يكون مردودا إلى قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً} أي لا أملك لكم إلا أن أبلغكم.
وقيل: هو استثناء ومنقطع من قوله: لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً أي إلا أن أبلغكم أي لكن أبلغكم ما أرسلت به، قاله الفراء.
وقال الزجاج: هو منصوب على البدل من قوله: مُلْتَحَداً أي وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً إلا أن أبلغ ما يأتيني من الله ورسالاته، أي ومن رسالاته التي أمرني بتبليغها. أو إلا أن أبلغ عن الله وأعمل برسالته، فآخذ نفسي بما أمر به غيري. وقيل هو مصدر، ولا بمعنى لم، وإن للشرط. والمعنى لن أجد من دونه ملتحدا: أي إن لم أبلغ رسالات ربي بلاغا. قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} في التوحيد والعبادة. فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ كسرت إن، لان ما بعد فاء الجزاء موضع ابتداء وقد تقدم. خالِدِينَ فِيها نصب على الحال، وجمع خالِدِينَ لان المعنى لكل من فعل ذلك، فوحد أولا للفظ مِنَ ثم جمع للمعنى. وقوله أَبَداً دليل على أن العصيان هنا هو الشرك.
وقيل: هو المعاصي غير الشرك، ويكون معنى خالِدِينَ فِيها أَبَداً إلا أن أعفو أو تلحقهم شفاعة، ولا محالة إذا خرجوا من الدنيا على الايمان يلحقهم العفو. وقد مضى هذا المعنى مبينا في سورة النساء وغيرها. قوله تعالى: {حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ} حَتَّى هنا مبتدأ، أي {حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ} من عذاب الآخرة، أو ما يوعدون من عذاب الدنيا، وهو القتل ببدر {فَسَيَعْلَمُونَ} حينئذ {مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً} أهم أم المؤمنون. {وَأَقَلُّ عَدَداً} معطوف. قوله تعالى: {قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ} يعني قيام الساعة.
وقيل: عذاب الدنيا، أي لا أدري فإِنْ بمعنى ما أولا، أي لا يعرف وقت نزول العذاب ووقت قيام الساعة إلا الله، فهو غيب لا أعلم منه إلا ما يعرفنيه الله. وما في قوله: {ما تُوعَدُونَ}: يجوز أن يكون مع الفعل مصدرا، ويجوز أن تكون بمعنى الذي ويقدر حرف العائد. {أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً} أي غاية وأجلا. وقرأ العامة بإسكان الياء من ربي. وقرأ الحرميان وأبو عمرو بالفتح.

.تفسير الآيات (26- 27):

{عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (26) إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (27)}
فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: {عالِمُ الْغَيْبِ} عالِمُ رفعا نعتا لقوله: رَبِّي.
وقيل: أي هو عالِمُ الْغَيْبِ والغيب ما غاب عن العباد. وقد تقدم بيانه في أول سورة البقرة {فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً. إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ} فإنه يظهره على ما يشاء من غيبه، لان الرسل مؤيدون بالمعجزات، ومنها الاخبار عن بعض الغائبات، وفي التنزيل: {وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ} [آل عمران: 49].
وقال ابن جبير: إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ هو جبريل عليه السلام. وفية بعد، والأولى أن يكون المعنى: أي لا يظهر على غيبه إلا من ارتضى أي اصطفى للنبوة، فإنه يطلعه على ما يشاء من غيبه: ليكون ذلك دالا على نبوته.
الثانية: قال العلماء رحمة الله عليهم: لما تمدح سبحانه بعلم الغيب وأستأثر به دون خلقه، كان فيه دليل على أنه لا يعلم الغيب أحد سواه، ثم استثنى من ارتضاه من الرسل، فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم، وجعله معجزة لهم ودلالة صادقة على نبوتهم. وليس المنجم ومن ضاهاه ممن يضرب بالحصى وينظر في الكتب ويزجر بالطير ممن ارتضاه من رسول فيطلعه على ما يشاء من غيبه، بل هو كافر بالله مفتر عليه بحدسه وتخمينه وكذبه. قال بعض العلماء: وليت شعري ما يقول المنجم في سفينة ركب فيها ألف إنسان على اختلاف أحوالهم، وتباين رتبهم، فيهم الملك والسوقة، والعالم والجاهل، والغني والفقير، والكبير والصغير، مع اختلاف طوالعهم، وتباين مواليدهم، ودرجات نجومهم، فعمهم حكم الغرق في ساعة واحدة؟ فإن قال المنجم قبحه الله: إنما أغرقهم الطالع الذي ركبوا فيه، فيكون على مقتضى ذلك أن هذا الطالع أبطل أحكام تلك الطوالع كلها على اختلافها عند ولادة كل واحد منهم، وما يقتضيه طالعه المخصوص به، فلا فائدة أبدا في عمل المواليد، ولا دلالة فيها على شقي ولا سعيد، ولم يبق إلا معاندة القرآن العظيم. وفية استحلال دمه على هذا التنجيم، ولقد أحسن الشاعر حيث قال:
حكم المنجم أن طالع مولدي ** يقضي علي بميتة الغرق

قل للمنجم صبحة الطوفان هل ** ولد الجميع بكوكب الغرق

وقيل لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما أراد لقاء الخوارج: أتلقاهم والقمر في العقرب؟ فقال رضي الله عنه: فأين قمرهم؟ وكان ذلك في آخر الشهر. فانظر إلى هذه الكلمة التي أجاب بها، وما فيها من المبالغة في الرد على من يقول بالتنجيم، والافحام لكل جاهل يحقق أحكام النجوم.
وقال له مسافر بن عوف: يا أمير المؤمنين! لا تسر في هذه الساعة وسر في ثلاث ساعات يمضين من النهار. فقال له علي رضي الله عنه: ولم؟ قال: إنك إن سرت في هذه الساعة أصابك وأصاب أصحابك بلاء وضر شديد، وإن سرت في الساعة التي أمرتك بها ظفرت وظهرت وأصبت ما طلبت. فقال علي رضي الله عنه: ما كان لمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منجم، ولا لنا من بعده- من كلام طويل يحتج فيه بآيات من التنزيل- فمن صدقك في هذا القول لم آمن عليه أن يكون كمن اتخذ من دون الله ندا أو ضدا، اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك. ثم قال للمتكلم: نكذبك ونخالفك ونسير في الساعة التي تنهانا عنها. ثم أقبل على الناس فقال: يا أيها الناس إياكم وتعلم النجوم إلا ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر، وإنما المنجم كالساحر، والساحر كالكافر، والكافر في النار، والله لئن بلغني أنك تنظر في النجوم وتعمل بها لأخلدنك في الحبس ما بقيت وبقيت، ولأحرمنك العطاء ما كان لي سلطان. ثم سافر في الساعة التي نهاه عنها، ولقى القوم فقتلهم وهي وقعة النهروان الثابتة في الصحيح لمسلم. ثم قال: لو سرنا في الساعة التي أمرنا بها وظفرنا وظهرنا لقال قائل سار في الساعة التي أمر بها المنجم، ما كان لمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منجم ولا لنا من بعده، فتح الله علينا بلاد كسرى وقيصر وسائر البلدان- ثم قال: يا أيها الناس! توكلوا على الله وثقوا به، فإنه يكفى ممن سواه. {فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً} يعني ملائكة يحفظونه عن أن يقرب منه شيطان، فيحفظ الوحي من استراق الشياطين والإلقاء إلى الكهنة. قال الضحاك: ما بعث الله نبيا إلا ومعه ملائكة يحرسونه من الشياطين عن أن يتشبهوا بصورة الملك، فإذا جاءه شيطان في صورة الملك قالوا: هذا شيطان فاحذره. وإن جاءه الملك قالوا: هذا رسول ربك.
وقال ابن عباس وابن زيد: رَصَداً أي حفظة يحفظون النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أمامه وورائه من الجن والشياطين. قال قتادة وسعيد بن المسيب: هم أربعة من الملائكة حفظة.
وقال الفراء: المراد جبريل، كان إذا نزل بالرسالة نزلت معه ملائكة يحفظونه من أن تستمع الجن الوحي، فيلقوه إلى كهنتهم، فيسبقوا الرسول.
وقال السدي: رَصَداً أي حفظة يحفظون الوحي، فما جاء من عند الله قالوا: إنه من عند الله، وما ألقاه الشيطان قالوا: إنه من الشيطان. ورَصَداً نصب على المفعول.
وفي الصحاح: والرصد القوم يرصدون كالحرس، يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث وربما قالوا إرصادا. والراصد للشيء الراقب له، يقال: رصده يرصده رصدا ورصدا. والترصد الترقب والمرصد موضع الرصد.