فصل: تفسير الآيات (103- 107):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجواهر الحسان في تفسير القرآن المشهور بـ «تفسير الثعالبي»



.تفسير الآية رقم (94):

{وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94)}
وقوله سبحانه: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فرادى كَمَا خلقناكم أَوَّلَ مَرَّةٍ...} الآية: هذه حكايةٌ عما يقالُ لهم بعد قَبْض أرواحهم، واعلم أيها الأخُ؛ أنَّ هذه الآية الكريمةَ ونَحْوَها من الآيِ، وإن كان مساقها في الكُفَّار، فللمؤمن الموقِنِ فيها مُعْتَبَرٌ ومزدَجَر، وقد قيل: إن القبر بحْرُ النداماتِ، وقد روى ابن المبارك في رقائقه بسنده، عن أبي هريرة، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ إلاَّ نَدِمَ، قَالُوا: وَمَا نَدَامَتُهُ، يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: إنْ كَانَ مُحْسِناً، نَدِمَ ألاَّ يَكُونَ ازداد، وإنْ كَانَ مُسِيئاً، نَدِمَ أَلاَّ يَكُونَ نَزَعَ» انتهى.
و{كَمَا خلقناكم أَوَّلَ مَرَّةٍ}: تشبيهاً بالاِنفراد الأول في وقت الخِلْقة، و{خولناكم}، معناه: أعطيناكم، و{وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ}: إشارة إلى الدنيا؛ لأنهم يتركون ذلك موجوداً.
وقوله سبحانه: {وَمَا نرى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ}: توقيفٌ على الخطإ في عبادة الأصنام، واعتقادهم أنها تشفع وتُقَرِّب إلى اللَّه زلفى، قال أبو حَيَّان: {وَمَا نرى}: لفظه لفظُ المستقبلِ، وهو حكاية حال. انتهى.
وقرأ نافع والكسائي: {بَيْنَكُمْ} بالنصب؛ على أنه ظرْفٌ، والتقدير: لقد تقطَّع الاِتصال والاِرتباطُ بينكم، ونحْوُ هذا، وهذا وجهٌ واضحٌ؛ وعليه فسَّره الناس؛ مجاهد وغيره، وقرأ باقي السَّبْعة: {بَيْنُكُمْ} بالرفع، وقرأ ابن مسعودٍ وغيره: {لَقَد تَقَطَّعَ مَا بَيْنَكُمْ}، و{ضَلَّ}، معناه: تَلِفَ وذَهَب، و{مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ}، يريد: دعواهم أنها تشفَعُ، وأنها تشاركُ اللَّه في الألوهيَّة، تعالى اللَّه عن قولهم.

.تفسير الآيات (95- 97):

{إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97)}
وقوله سبحانه: {إِنَّ الله فَالِقُ الحب والنوى}، هذا ابتداءُ تنبيهٍ على العبرة والنظَرِ، ويتصلُ المعنى بما قبله؛ لأن المقصد أنَّ اللَّه فالقُ الحبِّ والنوى لا هذه الأصنامُ، قال قتادة وغيره: هذه إشارة إلى فعل اللَّه سبحانه في أنّ يشُقَّ جميع الحَبِّ عن جميع النباتِ الذي يكُونُ منه، ويشُقُّ النوى عن جميع الأشجار الكائِنَة مِنه.
وقوله: {يُخْرِجُ الحي مِنَ الميت...} الآية: قال ابن عباس وغيره: الإشارة إلى إخراج الإنسان الحيِّ من النطفة الميِّتة، وإخراج النطفة الميِّتة من الإنسان الحيِّ، وكذلك سائرُ الحيوان من الطَّير وغيره، وهذا القول أرجح ما قيل هنا.
وقوله سبحانه: {ذلكم الله} ابتداء وخبَرٌ متضمِّن التنبيه، {فأنى تُؤْفَكُونَ}، أي: تُصْرَفُون وتُصَدُّون، و{فَالِقُ الإصباح}، أي: شَاقُّه ومُظْهره، والفَلَقُ: الصُبح، و{حُسْبَاناً}: جمع حسابٍ، أي: يجريان بحسَابٍ، هذا قول ابنِ عباس وغيره، وقال مجاهد في صحيح البخاريِّ: المرادُ بحُسْبَان كحسبان الرحى، وهو الدَّوْلاَب والعُودُ الذي عليه دَوَرانه.
وقوله سبحانه: {وَهُوَ الذي جَعَلَ لَكُمُ النجوم لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظلمات البر والبحر...} الآية: هذه المخاطبةُ تعمُّ المؤمنين والكافرين، والحُجَّةُ بها على الكافرين قائمةٌ، والعبرة بها للمؤمنين متمكَّنة.

.تفسير الآيات (98- 99):

{وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98) وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99)}
وقوله سبحانه: {وَهُوَ الذي أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ واحدة}، يريد: آدم عليه السلام، {فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ}، اختلف المتأوِّلون في معنى هذا الاستقرارِ والاِستيداعِ.
فقال الجمهور: مستقَرٌّ في الرحِمِ، ومستودَعٌ في ظهور الآباءِ حتى يَقْضِيَ اللَّه بخروجهم، قال ابنُ عَوْن: مشَيْتُ إلى منزل إبراهيمَ النَّخَعيِّ وهو مريضٌ، فقالوا: قد تُوُفِّيَ، فأخبرني بعضهم أنَّ عبد الرحمن بْنَ الأسود سأله عن: {مُّسْتَقِرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ}، فقال: مستقرٌّ في الرحِمِ، ومستودع في الصُّلْبِ، وقال ابن عباس: المستقرُّ: الأرض، والمستودَعُ: عند الرحمن، وقال ابن جُبَيْر: المستودَعُ: في الصلب، والمستقَرُّ في الآخرة، قال الفَخْر: والمنقول عن ابن عباس في أكثر الرواياتِ أن المستقرَّ هو الأرحام، والمستودَعُ الأصلاب، ثم قرأ: {ونُقِرُّ فِي الأرحام مَا نَشَاءُ} [الحج: 5] ومما يدلُّ على قوة هذا القولِ؛ أنَّ النطفة لا تبقى في صُلْب الأب زماناً طويلاً، والجنينُ في رَحِمِ الأم يبقى زماناً طويلاً، ولما كان المُكْث في الرحمِ أكثر مما في صُلْب الأب، كان حمل الاستقرارِ على المُكْث في الرحمِ أولَى. انتهى.
قال * ع *: والذي يقتضيه النظر أنَّ ابن آدم هو مستودَعٌ في ظهر أبيه، وليس بمستقِرٍّ فيه استقرارا مطلقاً؛ لأنه يتنقَّل لا محالة، ثم ينتقلُ إلى الرحِمِ، ثم ينتقل إلى الدنيا، ثم ينتقلُ إلى القبر، ثم ينتقلُ إلى المَحْشَر، ثم ينتقلُ إلى الجَنَّة أو النار، فيستقرُّ في أحدهما استقرارا مطلقاً، وليس فيها مستودَعٌ؛ لأنه لا نُقْلَة له بَعْدُ، وهو في كلِّ رتبة متوسِّطة بين هذين الطرفَيْن مُسْتَقِرٌّ بالإضافة إلى التي قبلها، ومستودَعٌ بالإضافة إلى التي بعدها؛ لأن لفظ الوديعةِ يقتضي فيها نُقْلة، ولا بُدَّ.
وقوله تعالى: {وَهُوَ الذي أَنزَلَ مِنَ السماء مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ}، {السماء}؛ في هذا الموضع: السحابُ، وكلُّ ما أظلَّك فَهُو سماءٌ، وقوله: {نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ}، قيل: معناه: ممَّا ينبتُ، وقال الطبريُّ: المراد ب {كُلِّ شَيْءٍ}: كلُّ ما ينمو مِنْ جميع الحيوان والنباتِ والمعادِنِ، وغير ذلك؛ لأن ذلك كله يتعذى وينمو بنزولِ الماء من السماءِ، والضمير في {مِنْهُ} يعود على النباتِ، وفي الثانِي يعود على الخَضِر، و{خُضِراً}: بمعنى: أَخْضَر؛ ومنه قوله عليه السلام: «الدُّنْيَا خَضِرَةً حُلْوَةٌ»، بمعنى: خضراء؛ وكأن خَضِراً إنما يأتي أبداً لمعنى النَّضَارة، وليس لِلَّوْن فيه مدخلٌ، وأخضر إنما تمكُّنه في اللون، وهو في النَّضَارة تجوّز، و{حَبّاً مُّتَرَاكِباً}: يعم جميع السنابلِ وما شاكَلَها؛ كالصَّنَوْبر، والرُّمَّان، وغيرِ ذلك.
وقوله: {وَمِنَ النخل}، تقديره: ونُخْرِجُ مِنَ النخلِ والطَّلْعِ أولَ ما يخرج من النَّخْل، في أكمامه، و{قنوان}: جمع قِنْو، وهو العِذْق بكسر العين، وهي الكِبَاسَةُ، والعُرْجُونُ: عوده الذي فيه ينتظمُ التمر، و{دَانِيَةٌ}: معناه: قريبةٌ من التناول؛ قاله ابن عباس وغيره.
وقرأ الجمهور: {وجَنَّاتٍ} بالنصب؛ عطفاً على قوله: {نَبَاتَ}، وروي عن عاصم: {وجَنَّاتٌ} بالرفع؛ على تقدير: ولكُمْ جناتٌ أو نحو هذا، {والزيتون والرمان} بالنصب إجماعاً؛ عطفاً على قوله: {حَبًّا}، و{مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ}، قال قتادة: معناه يتشابه في الوَرَقِ ويتبايَنُ في الثَّمَرِ، وقال الطبريُّ: جائز أن يتشابه في الثَّمَر ويتبايَنُ في الطَّعْم، ويحتمل أن يريد يتشابه في الطَّعْمِ ويتباين في المَنْظَرِ، وهذه الأحوال موجودةٌ بالاعتبار في أنواع الثمرات.
وقوله سبحانه: {انظروا}، وهو نظرُ بَصَرٍ تتركَّب عليه فكرةُ قَلْبٍ، والثمر؛ في اللغة: جَنَى الشجر وما يطلع، وإن سمي الشجر: ثماراً، فبتجوُّز، وقرأ جمهور الناس: {وَيَنْعِهِ} بفتح الياء، وهو مصدر يَنَعَ يَيْنَعُ؛ إذا نَضِجَ، وبالنُّضْج فسره ابن عباس، وقد يستعمل {يَنَعَ} بمعنى استقل واخضر ناضراً، قال الفخر: وقدَّم سبحانه الزَّرع؛ لأنه غذاء، والثِّمار فواكهٌ وإنما قدَّم النخل على الفواكِهِ؛ لأن التمر يجرِي مجرى الغذاءِ بالنسبة إلى العرب. انتهى.

.تفسير الآيات (100- 102):

{وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)}
وقوله سبحانه: {وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَاءَ الجن}: {جَعَلُواْ}: بمعنى صَيَّروا، و{الجن}: مفعولٌ، و{شُرَكَاءَ} مفعولٌ ثانٍ،
قال * ص *: {وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَاء الجن}: {جَعَلُواْ}: بمعنى: صَيَّروا، والجمهورُ على نَصْب {الجنِّ}، فقال ابن عطيَّة وغيره: هو مفعولٌ أول لِ {جَعَلُواْ}، و{شُرَكَاء} الثاني، وجوَّزوا فيه أن يكون بدلاً من {شُرَكَاء}، و{لِلَّهِ} في موضع المفعولِ الثانيِ، و{شُرَكَاء} الأول، وردَّه أبو حَيَّان؛ بأن البدل حينئذ لا يَصحُّ أن يحل محلَّ المبدل منه؛ إذ لو قلْتَ: وجعلوا للَّه الجنَّ، لم يصحَّ، وشرط البدل أنْ يكون على نيَّة تكرار العامل؛ على الأشهر، أو معمولاً للعاملِ، في المُبْدَلِ منه؛ على قول، وهذا لا يصحُّ؛ كما ذكرنا، قلْتُ: وفيه نظر. انتهى، قلتُ: وما قاله الشيخُ أبو حَيَّان عندي ظاهرٌ، وفي نظر الصَّفَاقُسِيِّ نَظَرٌ، وهذه الآية مشيرة إلى العادِلِينَ باللَّه تعالى، والقائلين: إن الجنَّ تعلم الغيْبَ، العابدين للجنِّ، وكانت طوائفُ من العرب تفعَلُ ذلك، وتستجير بجِنِّ الوادِي في أسفارها ونحوِ هذا، وأما الذين خَرَقُوا البنينَ، فاليهودُ في ذكْر عُزَيْرٍ، والنصارى في ذكر المسيحِ، وأما ذاكرو البناتِ، فالعربُ الذين قالوا: الملائكةُ بناتُ اللَّهِ، تعالى اللَّه عن قولهم؛ فكأنَّ الضمير في {جَعَلُواْ} و{خَرَقُوا}؛ لجميع الكفَّار؛ إذ فَعَلَ بعضُهم هذا، وبعضُهم هذا، وبنحو هذا فسَّر السُّدِّيُّ وابن زَيْد، وقرأ الجمهورُ: {وَخلَقَهُمْ} بفتح اللام؛ على معنى: وهو خلقهم، وفي مصحف ابنِ مسعود: {وَهُوَ خَلَقَهُمْ}، والضمير في {خَلْقَهُمْ} يَحْتَمِلُ العودَةَ على الجاعلين، ويحتملُها على المجْعُولِينَ، وقرأ السبعة سوى نافعٍ: {وَخَرَقُوا} بتخفيف الراء؛ بمعنى اختلقوا وافتروا، وقرأ نافع: {وَخَرَّقُوا} بتشديد الراء؛ على المبالغة، وقوله: {بِغَيْرِ عِلْمٍ} نصٌّ على قُبْح تقحُّم المَجْهَلة، وافتراءِ الباطلِ على عَمًى، و{سبحانه}: معناه: تنزَّه عن وصفهم الفاسدِ المستحيلِ عليه تبارك وتعالى، و{بَدِيعُ}: بمعنى: مُبْدِع، و{أنى}: بمعنى: كيف، وأين، فهي استفهام في معنى التوقيفِ والتقريرِ، وهذه الآيةُ ردٌّ على الكفار بقياس الغائِبِ على الشاهد.
وقوله سبحانه: {وَخَلَقَ كُلَّ شَئ} لفظٌ عامٌّ لكلِّ ما يجوز أن يدخل تحته، ولا يجوز أنْ يدخل تحته صفاتُ اللَّهِ تعالى، وكلامُهُ، فليس هو عموماً مخصَّصاً؛ على ما ذهب إليه قوم؛ لأن العموم المخصَّص هو أن يتناول العموم شيئاً، ثم يخرجه التخصيصُ، وهذا لم يتناولْ قطُّ هذه التي ذكرناها، وإنما هذا بمنزلة قَوْلِ الإنسان: قَتَلْتُ كُلَّ فَارِسٍ، وأَفْحَمْتُ كُلَّ خَصْمٍ، فلم يدخلِ القائلُ قطُّ في هذا العمومِ الظاهرِ من لفظه، وأما قوله: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} فهو عمومٌ على الإطلاق؛ لأنه سبحانه يعلم كلَّ شيء، لا ربَّ غيره، وباقي الآية بيِّن.

.تفسير الآيات (103- 107):

{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103) قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104) وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105) اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107)}
وقوله سبحانه: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار وَهُوَ يُدْرِكُ الأبصار}، أجمع أهلُ السنَّة على أن اللَّه عزَّ وجلَّ يرى يوم القيامة، يَرَاهُ المؤمنون، والوَجْه أنْ يبيَّن جواز ذلك عقلاً، ثم يستند إلى ورود السمعِ بوقوعِ ذلك الجائِزِ، واختصار تبْيِينِ ذلك: أنْ يعتبر بعلمنا باللَّه عز وجل؛ فمن حيثُ جاز أنْ نعلمه؛ لا في مكانٍ، ولا متحيِّزاً، ولا مُقَابَلاً، ولم يتعلَّق علمنا بأكثر من الوجودِ، جاز أن نراه؛ غير مقابلٍ، ولا محاذًى، ولا مكيَّفاً، ولا محدَّداً، وكان الإمام أبو عبد اللَّه النحويُّ يقولُ: مسألةُ العِلْمِ حَلَقَتْ لِحَى المُعْتَزِلة، ثم ورد الشرْعُ بذلك؛ كقوله عزَّ وجلَّ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22، 23]، وتعدية النَّظَر ب {إلى} إنما هو في كلام العربِ؛ لمعنى الرؤية لا لمعنى الانتظار؛ على ما ذهب إليه المعتزلة؛ ومنه قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم فيما صحَّ عنه، وتواتر، وكثر نقله: «إنَّكُمْ تَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ؛ كَمَا تَرَوْنَ القَمَرَ لَيْلَةَ البَدْرِ»، ونحوه من الأحاديث الصحيحةِ علَى اختلاف ألفاظها، واستحمل المعتزلةُ الرؤيةَ بآراءٍ مجرَّدةٍ، وتمسَّكوا بقوله تعالى: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار} وانفصال أهل السنَّة عن تمسُّكهم؛ بأن الآية مخصُوصَةٌ في الدنيا، ورؤية الآخرة ثابتةٌ بأخبارها؛ وأيضاً فإنا نَفْرُقُ بين معنى الإدراك، ومعنى الرؤْيةِ، ونقول: إنه عز وجل تراه الأبصار، ولا تدركه؛ وذلك أن الإدراك يتضمَّن الإحاطة بالشيء، والوصولَ إلى أعماقِهِ وحَوْزِهِ من جميع جهاتِهِ، وذلك كلُّه محالٌ في أوصافِ اللَّه عزَّ وجلَّ، والرؤيةُ لا تفتقرُ إلى أنْ يحيطَ الرائي بالمرئيِّ، ويبلغ غايته، وعلى هذا التأويل يترتَّب العَكْس في قوله: {وَهُوَ يُدْرِكُ الأبصار}، ويحسن معناه، ونحو هذا رُوِيَ عن ابن عباسٍ وقتادة وعطيَّة العَوْفِيِّ؛ أنهم فَرَقُوا بين الرؤية والإدراك، و{اللطيف}: المتلطِّف في خلقه واختراعه، والبَصَائِرُ: جمع بَصِيرة، فكأنه قال: قد جاءكم في القرآن والآياتِ طرائقُ إبصار الحقِّ، والبصيرةُ للقَلْبِ مستعارةٌ من إبصارِ العَيْن، والبصيرةُ أيضاً هي المُعْتَقَدُ.
وقوله سبحانه: {فَمَنْ أَبْصَرَ}، و{مَنْ عَمِيَ}: عبارةٌ مستعارةٌ فيمن اهتدى، ومَنْ ضَلَّ، وقوله: {وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} كان في أول الأمر وقَبْلَ ظهور الإسلام، ثم بعد ذلك كان صلى الله عليه وسلم حفيظاً على العَالَمِ، آخذاً لهم بالإسلام؛ أو السيفِ.
وقوله سبحانه: {وكذلك نُصَرِّفُ الأيات} أي: نردِّدها ونوضِّحها، وقرأ الجمهور: {وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ} بكسر اللام؛ على أنها لامُ كَيْ، وهي على هذا لامُ الصيرورة، أي: لَمَّا صار أمرهم إلى ذلك، وقرأ نافع وغيره: {دَرَسْتَ}، أي: يا محمد دَرَسْتَ في الكتبِ القديمةِ ما تجيئُنا به، وقرأ ابن كثير وغيره: {دَارَسْتَ}، أي: دارَسْتَ غيرك وناظرته، وقرأ ابن عامر: {دَرَسَتْ} بإسناد الفعل إلى الآيات؛ كأنهم أشاروا إلى أنها تردَّدت على أسماعهم؛ حتى بَلِيَتْ في نفوسهم، وامحت، واللام في قوله: {لِّيَقُولواْ}، وفي قوله: {وَلِنُبَيِّنَهُ}: متعلِّقانِ بفعلِ متأخِّر، وتقديره: صَرَّفْنَاهَا، وذهب بعض الكوفيِّين إلى أنَّ لا: مضمرةٌ بعد أَنِ المقدَّرةِ في قوله: {وَلِيَقُولُواْ}، فتقدير الكلام عندهم: وَلأنْ لاَ يَقُولُوا دَرَسْتَ؛ كما أضمروها في قوله:
{يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النساء: 176].
قال * ع *: وهذا قَلِقٌ، ولا يجيز البصريُّون إضمار لا في موضعٍ من المواضعِ.
قلت: ولكنه حسن جدًّا من جهة المعنى؛ إذ لا يعلمون أنه دَرَسَ أو دَارَسَ أحداً صلى الله عليه وسلم، فتأمَّله.
وقوله سبحانه: {اتبع مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إله إِلاَّ هُوَ...} الآية: هذه الآيةُ فيها موادَعَةٌ، وهي منسوخةٌ.

.تفسير الآيات (108- 110):

{وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110)}
وقوله تعالى: {وَلاَ تَسُبُّواْ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله...} الآية: مخاطبةٌ للمؤمنين والنبيِّ صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس: سببها أن كفَّار قريشٍ قالوا لأبي طَالِبٍ: إما أنْ ينتهِيَ محمَّد وأصحابه عن سَبِّ آلهتنا والغَضِّ منها، وإما أنْ نَسُبَّ إلهه ونَهْجُوه، فنزلَتِ الآية، وحكْمُها على كلِّ حال باقٍ في الأمة، فلا يحلُّ لمسلمٍ أنْ يتعرَّض إلى ما يؤدِّي إلى سبِّ الإسلام أو النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أو اللَّه عزَّ وجلَّ، وعبَّر عن الأصنامِ بالذين، وهي لا تَعْقِلُ، وذلك على معتقدِ الكَفَرة فيها، وفي هذه الآية ضَرْبٌ من الموادعة، و{عَدْواً}: مصدرٌ من الاعتداء، و{بِغَيْرِ عِلْمٍ}: بيانٌ لمعنى الاعتداءِ.
وقوله تعالى: {كذلك زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ}: إشارة إلى ما زَيَّنَ لهؤلاء من التمسُّك بأصنامهم، وتَزْيينُ اللَّه عَمَلَ الأممِ هو ما يخلقه سبحانه في النُّفُوس من المحبَّة للخَيْر والشَّرِّ، وتزيينُ الشيطان هو ما يَقْذِفُه في النفُوسِ من الوسوسة وخَطَراتِ السُّوء، وقوله: {ثُمَّ إلى رَبِّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ...} الآية: تتضمَّن وعداً جميلاً للمحسنين، ووعيداً ثقيلاً للمسيئين.
وقوله سبحانه: {وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أيمانهم لَئِن جَاءتْهُمْ ءَايَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا}: اللام في قوله: {لَئِنْ} لامُ توطئة للقَسَمِ، وأما المُتَلَقِّيَةُ للقَسَمِ فهي قوله: {لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا}، وآية: يريد: علامة، وحُكِيَ أنَّ الكفار لمَّا نزلَتْ: {إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ السماء ءَايَةً فَظَلَّتْ أعناقهم لَهَا خاضعين} [الشعراء: 4]، أقسموا حينئذٍ؛ أنها إنْ نزلَتْ، آمنوا، فنزلَتْ هذه الآيةُ، وحُكِيَ أنهم اقترحُوا أنْ يعود الصفا ذَهَباً، وأقسموا على ذلك، فقام النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو في ذلك، فجاءه جِبْريلُ، فقال له: إنْ شئْتَ أصْبَحَ ذَهَباً، فإن لم يؤمنُوا، هَلَكُوا عَنْ آخرهم معاجلَةً؛ كما فعل بالأمم المُقْتَرِحَةِ، وإن شئْتَ، أُخِّرُوا حتى يتوبَ تائبهم، فقال عليه الصلاة والسلام: بل حتَّى يتوبَ تائبهم، ونزلَتِ الآية.
قال ابنُ العربيِّ: قوله: {جَهْدَ أيمانهم}، يعني: غاية أيمانهم التي بلغها علمهم، وانتهت إليها قدرتهم. انتهى من الأحكام.
ثم قال تعالى: قل لهم، يا محمَّد؛ على جهة الردِّ والتخطئةِ: إنما الآياتُ عند اللَّه وليْسَتْ عندي، فَتُقْتَرَحَ علَيَّ، ثم قال: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ}، قال مجاهدٌ: وابن زيد: المخاطَبُ بهذا الكفَّار، وقال الفَرَّاء وغيره: المخاطَبُ بهذا المؤمنون، {وَمَا يُشْعِرُكُمْ}: معناه: وما يُعْلِمُكم وما يُدْرِيكم، وقرأ ابن كثير وغيره: {إنَّهَا} بكسر الألف، على القطعِ، واستئناف الأخبار، فمن قرأ {تُؤْمِنُونَ} بالتاء، وهي قراءة ابن عامر وحمزة؛ استقامت له المخاطبةُ، أولاً وآخراً، للكفَّار، ومن قرأ بالياء، وهي قراءةُ نافعٍ. وغيره، فيحتمل أنْ يخاطب، أولاً وآخراً، المؤمنين، ويحتمل أن يخاطب بقوله: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ} الكفَّار، ثم يستأنف الإخبار عنهم للمؤمنين، وقرأ نافعٌ وغيره: {أَنَّهَا} بفتح الألف، فقيل: إنَّ لا زائدةٌ في قوله: {لاَ يُؤْمِنُونَ}؛ كما زيدَتْ في قوله تعالى:
{وَحَرَامٌ على قَرْيَةٍ أهلكناها أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} [الأنبياء: 95]، ودعا إلى التزامِ هذا حفْظُ المعنى، لأنها لو لم تكُنْ زائدةً، لعاد الكلام عذراً للكفَّار، وفَسَدَ المراد بالآية، وضَعَّف الزَّجَّاج وغيره زيادةَ لا، ومنهم مَنْ جعل {أَنَّهَا} بمعنى لَعَلَّها، وحكام سيبَوَيْهِ عن الخليلِ، وهذا التأويل لا يحتاجُ معه إلى تقديرِ زيادةٍ، لا، وحكى الكسائيُّ: أنه كذلك في مُصْحف أُبَيٍّ {وَمَا أَدْرَاكُمْ لَعَلَّهَا إذَا جَاءَتْ}، ورجَّح أبو عليٍّ أنْ تكون لا زائدةً، وبسط شواهده في ذلك.
وقوله سبحانه: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وأبصارهم كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}، فالمعنى؛ على ما قالت فرقة: ونقلِّب أفئدتهم وأبصارهم في النَّار، وفي لهبها في الآخرة، لمَّا لم يُؤْمِنُوا في الدنيا، ثم استأنف على هذا: ونَذَرُهُمْ في الدنيا في طغيانهم يعمهون، وقالتْ فرقة: إنما المراد بالتقْلِيبِ التَّحْويلُ عن الحَقِّ والهدى والتَّرْكُ في الضلالةِ والكُفْر، ومعنى الآية: أن هؤلاء الذين أقسموا أنَّهم يؤمنُون إنْ جاءت آية نحْنُ نقلِّب أفئدتهم وأبصارهم؛ أنْ لو جاءت فلا يؤمنون بها؛ كما لم يؤمنوا أولَ مرَّة بما دُعُوا إلَيْه من عبادة اللَّه تعالى، فأخبر اللَّه عزَّ وجلَّ على هذا التأويل بصورة فعله بهم، وقالتْ فرقة: قوله: {كَمَا}؛ في هذه الآية: إنما هي بمعنى المجازاة، أي: لما لم يؤمنوا أولَ مرَّة، نجازيهم، بأنْ نقلِّب أفئدتهم عن الهدى، ونطبع على قلوبهم، فكأنه قال: ونحْنُ نقلِّب أفئدتهم وأبصارهم، جَزَاءً لِمَا لم يؤمنوا أول مرة بما دُعُوا إلَيْه من الشرع، والضميرُ في {بِهِ} يحتمل أنْ يعود على اللَّه عزَّ وجلَّ، أو على القرآن، أو على النبيِّ صلى الله عليه وسلم {وَنَذَرُهُمْ}: معناه: نتركُهم، والطغيانُ: التخبُّط في الشرِّ، والإفراطُ فيما يتناوله المرء، و{يَعْمَهُونَ}: معناه: يتردَّدون في حيرتهم.