فصل: (كِتَابُ الْأَيْمَانِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجوهرة النيرة (نسخة منقحة)



.(مَسْأَلَةٌ):

الْكَلْبُ إذَا نَزَا عَلَى مَعْزَةٍ فَوَلَدَتْ وَلَدًا رَأْسُهُ مِثْلُ رَأْسِ الْكَلْبِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ الْأَعْضَاءِ يُشْبِهُ الْمَعْزَ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ إلَيْهِ اللَّحْمُ، وَالْعَلَفُ فَإِنْ تَنَاوَلَ اللَّحْمَ دُونَ الْعَلَفِ لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّهُ كَلْبٌ وَإِنْ تَنَاوَلَ الْعَلَفَ دُونَ اللَّحْمِ يُرْمَى بِالرَّأْسِ وَيُؤْكَلُ مَا سِوَاهُ فَإِنْ تَنَاوَلَهُمَا جَمِيعًا يُضْرَبُ فَإِنْ نَبَحَ لَا يُؤْكَلُ وَإِنْ نَعَرَ يُرْمَى بِالرَّأْسِ بَعْدَ الذَّبْحِ وَيُؤْكَلُ مَا سِوَاهُ وَإِنْ نَبَحَ وَنَعَرَ يُقَرَّبُ إلَيْهِ الْمَاءُ فَإِنْ وَلَغَ فَهُوَ كَلْبٌ لَا يُؤْكَلُ وَإِنْ شَرِبَ يُرْمَى بِالرَّأْسِ وَيُؤْكَلُ مَا سِوَاهُ وَقِيلَ: إنْ خَرَجَ مِنْهُ الْكَرِشُ يُؤْكَلُ مَا سِوَى الرَّأْسِ وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ الْأَمْعَاءُ لَا يُؤْكَلُ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا ذُبِحَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَهُرَ لَحْمُهُ وَجِلْدُهُ إلَّا الْآدَمِيُّ، وَالْخِنْزِيرُ فَإِنَّ الذَّكَاةَ لَا تَعْمَلُ فِيهِمَا شَيْئًا) الْآدَمِيُّ لِحُرْمَتِهِ، وَالْخِنْزِيرُ لِنَجَاسَتِهِ كَمَا فِي الدِّبَاغِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «دِبَاغُ الْأَدِيمِ ذَكَاتُهُ» فَكَمَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ كَذَلِكَ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ بِخِلَافِ مَا ذَبَحَهُ الْمَجُوسِيُّ لِأَنَّ ذَبْحَهُ إمَاتَةٌ فِي الشَّرْعِ فَلَا بُدَّ مِنْ الدِّبَاغِ وَكَمَا يَطْهُرُ لَحْمُهُ يَطْهُرُ شَحْمُهُ حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ لَا يُفْسِدُهُ وَهَلْ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي غَيْرِ الْأَكْلِ قِيلَ: لَا يَجُوزُ كَالْأَكْلِ وَقِيلَ يَجُوزُ كَالزَّيْتِ إذَا خَالَطَهُ وَدَكُ الْمَيْتَةِ، وَالزَّيْتُ غَالِبٌ لَا يُؤْكَلُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ فِي غَيْرِ الْأَكْلِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُوجِبِ لِطَهَارَةِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ هُوَ مُجَرَّدُ الذَّبْحِ أَوْ الذَّبْحُ مَعَ التَّسْمِيَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالذَّبْحِ مَعَ التَّسْمِيَةِ وَإِلَّا فَيَلْزَمُ تَطْهِيرُ مَا ذَبَحَهُ الْمَجُوسِيُّ وَيُكْرَهُ أَكْلُ لُحُومِ الْإِبِلِ الْجَلَّالَةِ وَشُرْبُ لَبَنِهَا وَكَذَا الْبَقَرَةُ، وَالشَّاةُ، وَالْجَلَّالَةُ هِيَ الَّتِي تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ، وَالنَّجَاسَاتِ لَا غَيْرُ أَمَّا إذَا خَلَطَتْ فَلَيْسَتْ بِجَلَّالَةٍ وَقِيلَ هِيَ الَّتِي الْأَغْلَبُ مِنْ أَكْلِهَا النَّجَاسَةُ وَلِذَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُحَجَّ عَلَيْهَا أَوْ يُغْزَى عَلَيْهَا أَوْ يُنْتَفَعَ بِهَا فِي الْعَمَلِ إلَّا أَنْ تُحْبَسَ أَيَّامًا وَتُعْلَفَ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا تُنْتِنُ فِي نَفْسِهَا فَمَنَعَ مِنْ اسْتِعْمَالِهَا حَتَّى لَا تَتَأَذَّى النَّاسُ بِرِيحِهَا وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُؤَقِّتُ فِي حَبْسِهَا وَقْتًا وَإِنَّمَا قَالَ: يَحْبِسُهَا حَتَّى يَطِيبَ لَحْمُهَا وَرُوِيَ أَنَّهَا تُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَقِيلَ: سَبْعَةُ أَيَّامٍ وَذَلِكَ مَوْقُوفٌ عَلَى زَوَالِ النَّتِنِ وَلَا عِبْرَةَ بِالْأَيَّامِ وَتَوَقَّفَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي ثَمَانِ مَسَائِلَ وَلَمْ يُؤَقِّتْ فِيهَا وَقْتًا أَحَدُهَا هَذِهِ مَتَى يَطِيبُ لَحْمُهَا، وَالثَّانِيَةُ الْكَلْبُ مَتَى.
يَصِيرُ مُعَلَّمًا، وَالثَّالِثَةُ مَتَى وَقْتُ الْخِتَانِ، وَالرَّابِعَةُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ، وَالْخَامِسَةُ سُؤْرُ الْحِمَارِ، وَالسَّادِسَةُ الدَّهْرُ مُنَكَّرًا، وَالسَّابِعَةُ هَلْ الْمَلَائِكَةُ أَفْضَلُ أَمْ الْأَنْبِيَاءُ، وَالثَّامِنَةُ أَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ هَلْ يَدْخُلُونَ النَّارَ تَوَقَّفَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لِغَايَةِ وَرَعِهِ وَأَمَّا الدَّجَاجُ فَإِنَّهَا لَمْ تُكْرَهْ وَإِنْ تَنَاوَلَتْ النَّجَاسَةَ لِأَنَّهُ لَا يُنْتِنُ كَمَا تُنْتِنُ الْإِبِلُ فَإِذَا أُرِيدَ ذَبْحُ الْجَلَّالَةِ حُبِسَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ نَحْوَهَا وَتُعْلَفُ وَهَلْ تُحْبَسُ الدَّجَاجَةُ إذَا أُرِيدَ ذَبْحُهَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا وَرُوِيَ أَنَّهَا تُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَحْبِسُ الدَّجَاجَ ثَلَاثًا ثُمَّ يَأْكُلُهُ قُلْنَا هَذَا عَلَى طَرِيقِ التَّنَزُّهِ لَا عَلَى الْوُجُوبِ، وَلَوْ ارْتَضَعَ جَدْيٌ بِلَبَنِ كَلْبَةٍ أَوْ خِنْزِيرَةٍ حَتَّى كَبُرَ لَا يُكْرَهُ أَكْلُهُ لِأَنَّ لَحْمَهُ لَا يَتَغَيَّرُ بِذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُؤْكَلُ مِنْ حَيَوَانِ الْمَاءِ إلَّا السَّمَكَ وَيُكْرَهُ) (أَكْلُ الطَّافِي مِنْهُ) أَيْ مِنْ السَّمَكِ وَأَمَّا مَا تَلِفَ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ أَوْ الْبَرْدِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبٍ حَادِثٍ وَهُوَ كَمَا لَوْ أَلْقَاهُ الْمَاءُ عَلَى الشَّطِّ، وَالثَّانِيَةُ لَا يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، وَلَوْ أَنَّ سَمَكَةً ابْتَلَعَتْ سَمَكَةً أُكِلَتَا جَمِيعًا لِأَنَّ الْمَبْلُوعَةَ مَاتَتْ بِسَبَبٍ حَادِثٍ وَأَمَّا إذَا خَرَجَتْ مِنْ دُبُرِ السَّمَكِ لَا تُؤْكَلُ لِأَنَّهَا قَدْ اسْتَحَالَتْ عَذِرَةً.
قَوْلُهُ: (وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْجِرِّيثِ وَالْمَارْمَاهِيِّ) لِأَنَّهُمَا مِنْ أَنْوَاعِ السَّمَكِ فَالْجِرِّيثُ الْبَكَّاسُ وَالْمَارْمَاهِيِّ الْعَرَبِيُّ وَقِيلَ الْقَدُّ.
قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ أَكْلُ الْجَرَادِ وَلَا ذَكَاةَ لَهُ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ فَالْمَيْتَتَانِ السَّمَكُ، وَالْجَرَادُ، وَالدَّمَانِ الْكَبِدُ، وَالطِّحَالُ» وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي دَاوُد قَالَ: «غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ نَأْكُلُ الْجَرَادَ» وَسُئِلَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ الْجَرَادِ يَأْخُذُهُ الرَّجُلُ، وَفِيهِ الْمَيِّتُ فَقَالَ: كُلْهُ كُلَّهُ وَهَذَا عُدَّ مِنْ فَصَاحَتِهِ وَدَلَّ عَلَى إبَاحَتِهِ.

.(مَسْأَلَةٌ):

كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الذَّبِيحَةِ سَبْعَةُ أَشْيَاءَ الذَّكَرُ، وَالْأُنْثَيَيْنِ، وَالْقُبُلُ، وَالْغُدَدُ، وَالْمَرَارَةُ، وَالْمَثَانَةُ، وَالدَّمُ وَزَادَ فِي الْيَنَابِيعِ الدُّبُرُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَمَّا الدَّمَ فَحَرَامٌ بِالنَّصِّ وَأَمَّا السِّتَّةُ الْبَاقِيَةُ فَمَكْرُوهَةٌ لِأَنَّ النَّفْسَ تَسْتَخْبِثُهَا وَتَكْرَهُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ):

الْأُضْحِيَّةُ إرَاقَةُ الدَّمِ مِنْ النَّعَمِ دُونَ سَائِرِ الْحَيَوَانِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا الْإِرَاقَةُ أَنَّهُ لَوْ تَصَدَّقَ بِعَيْنِ الْحَيَوَانِ لَمْ يَجُزْ، وَالصَّدَقَةُ بِلَحْمِهَا بَعْدَ الذَّبْحِ مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ حَتَّى لَوْ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِهِ جَازَ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ شِرَاءُ الْأُضْحِيَّةِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ خَيْرٌ مِنْ التَّصَدُّقِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ الَّتِي تَحْصُلُ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ لَا تَحْصُلُ بِالصَّدَقَةِ.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (الْأُضْحِيَّةُ وَاجِبَةٌ) أَيْ التَّضْحِيَةُ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ قَالَ ذَلِكَ تَوْسِعَةً وَمَجَازًا وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ وَاجِبَةً عَمَلًا لَا اعْتِقَادًا حَتَّى لَا يَكْفُرَ جَاحِدُهَا.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ.
قَوْلُهُ: (عَلَى كُلِّ حُرٍّ مُسْلِمٍ مُقِيمٍ مُوسِرٍ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى) شَرَطَ الْحُرِّيَّةَ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا وَشَرَطَ الْإِسْلَامَ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَشَرَطَ الْإِقَامَةَ لِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ عَلَى الْمُسَافِرِ لَتَشَاغَلَ بِهَا عَنْ سَفَرِهِ وَلِأَنَّهُ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ مَا هُوَ آكَدُ مِنْ ذَلِكَ كَالْجُمُعَةِ وَبَعْضِ الْفَرْضِ حَتَّى لَا يَتَشَاغَلَ عَنْ سَفَرِهِ وَتَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ، وَالْقُرَى، وَالْبَرَارِي وَيُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِهَا الْيَسَارُ لِأَنَّهَا حَقٌّ فِي مَالٍ يَجِبُ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ كَالزَّكَاةِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ عَنْ النَّفَقَةِ وَاشْتَرَطَ يَوْمَ الْأَضْحَى لِأَنَّ الْيَوْمَ مُضَافٌ إلَيْهَا وَأَيَّامُ الْأَضْحَى ثَلَاثَةٌ يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ وَأَوَّلُهَا أَفْضَلُهَا، وَالْمُسْتَحَبُّ ذَبْحُهَا بِالنَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ لِاسْتِيفَاءِ الْعُرُوقِ وَإِنْ ذَبَحَهَا بِاللَّيْلِ أَجْزَأَهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَلَا تَجِبُ عَلَى.
الْحَاجِّ الْمُسَافِرِ فَأَمَّا أَهْلُ مَكَّةَ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ حَجُّوا، وَفِي الْخُجَنْدِيِّ لَا تَجِبُ عَلَى الْحَاجِّ إذَا كَانَ مُحْرِمًا وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَمَّا الْعَتِيرَةُ فَهِيَ مَنْسُوخَةٌ وَهِيَ شَاةٌ كَانَتْ تُقَامُ فِي رَجَبٍ.
قَوْلُهُ: (عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ) اعْتِبَارًا بِالْفِطْرَةِ هَذِهِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تَجِبُ إلَّا عَنْ نَفْسِهِ خَاصَّةً بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ لِأَنَّ السَّبَبَ هُنَاكَ رَأْسٌ يَمُونُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ وَهَذِهِ قُرْبَةٌ مَحْضَةٌ، وَالْأَصْلُ فِي الْقُرَبِ أَنْ لَا تَجِبَ عَلَى الْغَيْرِ بِسَبَبِ الْغَيْرِ وَلِهَذَا قَالُوا لَا يَجِبُ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ عَبْدِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ فِطْرَتُهُ فَإِنْ كَانَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ ضَحَّى عَنْهُ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ: يُضَحِّي عَنْهُ أَبُوهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ، وَالْخِلَافُ فِي هَذَا كَالْخِلَافِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ التَّضْحِيَةُ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْقُرْبَةَ تَتَأَدَّى بِالْإِرَاقَةِ.
وَالصَّدَقَةُ بَعْدَهَا تَطَوُّعٌ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَلَا يُمْكِنُ الصَّغِيرَ أَنْ يَأْكُلَهُ كُلَّهُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُضَحَّى عَنْهُ مِنْ مَالِهِ وَيَأْكُلُ مِنْهُ الصَّغِيرُ مَا أَمْكَنَهُ وَيُدَّخَرُ لَهُ قَدْرَ حَاجَتِهِ وَيُبْتَاعُ لَهُ بِمَا بَقِيَ مَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَنْتَفِعَ الْبَالِغُ بِجِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ، وَقَالَ فِي شَاهَانْ يَشْتَرِي لَهُ بِهِ مَا يُؤْكَلُ كَالْحِنْطَةِ، وَالْخُبْزِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي الْيَنَابِيعِ، وَلَوْ كَانَ الْمَجْنُونُ مُوسِرًا ضَحَّى عَنْهُ وَلِيُّهُ مِنْ مَالِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ وَرُوِيَ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْأُضْحِيَّةُ فِي مَالِ الْمَجْنُونِ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ أَوْلَادِهِ الْكِبَارِ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمْ وَأَمَّا ابْنُ ابْنِهِ الصَّغِيرِ فَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُضَحِّي عَنْهُ إذَا كَانَ أَبُوهُ مَيِّتًا وَإِنْ كَانَ حَيًّا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْجَدِّ عَلَيْهِ كَالْأَخِ وَإِنْ وُلِدَ لِلرَّجُلِ وَلَدٌ وَهُوَ مُوسِرٌ فِي أَيَّامِ الذَّبْحِ قَالَ الْحَسَنُ: عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَذْبَحَ عَنْهُ مَا لَمْ تَمْضِ أَيَّامُ الذَّبْحِ لِأَنَّهُ حَدَثَ فِي وَقْتِ الْوُجُوبِ وَإِنْ مَاتَ ابْنٌ لَهُ صَغِيرٌ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ عَنْهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْهُ لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ الْمُؤَقَّتَةِ تَجِبُ عِنْدَنَا بِآخِرِ وَقْتِهَا فَمَنْ مَاتَ قَبْلَ الْوُجُوبِ لَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّهِ وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ عَلَى الْمُسَافِرِ أَنْ يَذْبَحَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَذْبَحَ عَنْ أَوْلَادِهِ إذَا كَانُوا مُقِيمِينَ فَإِنْ كَانُوا مُسَافِرِينَ مَعَهُ لَمْ يُضَحِّ عَنْهُمْ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَإِنْ كَانَ مُقِيمًا وَأَوْلَادُهُ مُسَافِرِينَ ضَحَّى عَنْ نَفْسِهِ خَاصَّةً وَمَنْ مَاتَ فِي وَسَطِ أَيَّامِ النَّحْرِ فَلَا أُضْحِيَّةَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا.
قَوْلُهُ: (يَذْبَحُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَاةً) شَرْطُ الذَّبْحِ حَتَّى لَوْ تَصَدَّقَ بِهَا حَيَّةً فِي أَيَّامِ النَّحْرِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ الْإِرَاقَةُ.
قَوْلُهُ: (أَوْ يَذْبَحُ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً عَنْ سَبْعَةٍ)، وَالْبَدَنَةُ، وَالْبَقَرَةُ تُجْزِئُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَنْ سَبْعَةٍ إذَا كَانُوا كُلُّهُمْ يُرِيدُونَ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ اخْتَلَفَتْ وُجُوهُ الْقُرَبِ بِأَنْ يُرِيدَ أَحَدُهُمْ الْهَدْيَ، وَالْآخَرُ جَزَاءَ الصَّيْدِ، وَالْآخَرُ هَدْيَ الْمُتْعَةِ، وَالْآخَرُ الْأُضْحِيَّةَ، وَالْآخَرُ التَّطَوُّعَ.
وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا اتَّفَقَتْ الْقُرَبُ كُلُّهَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ يُرِيدُ بِنَصِيبِهِ اللَّحْمَ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْكُلِّ إجْمَاعًا وَكَذَا إذَا كَانَ نَصِيبُ أَحَدِهِمْ أَقَلَّ مِنْ السَّبْعِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَنْ الْكُلِّ أَيْضًا لِانْعِدَامِ وَصْفِ الْقُرْبَةِ فِي الْبَعْضِ وَكَذَا يَجُوزُ عَنْ خَمْسَةٍ أَوْ سِتَّةٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَلَا يَجُوزُ عَنْ ثَمَانِيَةٍ، وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ عَنْ أَهْلِ بَيْتٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ وَلَا يَجُوزُ عَنْ أَهْلِ بَيْتَيْنِ وَإِنْ كَانُوا أَقَلَّ مِنْ سَبْعَةٍ ثُمَّ إذَا جَازَتْ الشَّرِكَةُ فَالْقِسْمَةُ لِلَّحْمِ بِالْوَزْنِ فَإِنْ اقْتَسَمُوا أَجْزَاءً لَمْ يَجُزْ إلَّا إذَا كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَكَارِعِ، وَالْجِلْدِ اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ وَإِنْ اشْتَرَكَ سَبْعَةٌ فِي بَدَنَةٍ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ الذَّبْحِ فَرَضِيَ وَرَثَتُهُ أَنْ يَذْبَحَ عَنْ الْمَيِّتِ جَازَ اسْتِحْسَانًا.
وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ الذَّبْحُ وَفِعْلُ الْوَارِثِ لَا يَقُومُ مَقَامَ فِعْلِهِ فَصَارَ نَصِيبُهُ اللَّحْمَ فَلَمْ يَجُزْ وَلَنَا أَنَّ الْوَارِثَ يَمْلِكُ أَنْ يَتَقَرَّبَ عَنْ الْمَيِّتِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ وَيَتَصَدَّقَ عَنْهُ فَصَارَ نَصِيبُ الْمَيِّتِ لِلْقُرْبَةِ فَيَجُوزُ عَنْ الْبَاقِينَ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ ذِمِّيًّا أَرَادَ الْقُرْبَةَ لَمْ يَجُزْ عَنْهُ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَا قُرْبَةَ لَهُ فَصَارَ كَمَنْ يُرِيدُ بِنَصِيبِهِ اللَّحْمَ.
قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ عَلَى الْفَقِيرِ، وَالْمُسَافِرِ أُضْحِيَّةٌ) أَمَّا الْفَقِيرُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ عَلَى الْمُسَافِرِ جُمُعَةٌ وَلَا أُضْحِيَّةٌ.
قَوْلُهُ: (وَوَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ يَدْخُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ) فَلَوْ جَاءَ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَلَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرُ فَسُرِقَتْ مِنْهُ أَوْ هَلَكَتْ أَوْ نَقَصَ عَدَدُهَا فَلَا أُضْحِيَّةَ عَلَيْهِ، وَلَوْ جَاءَ يَوْمَ الْأَضْحَى وَلَا مَالَ لَهُ ثُمَّ اسْتَفَادَ مِائَتَيْنِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَعَلَيْهِ الْأُضْحِيَّةُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ قَوْلُهُ (إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَهْلِ الْأَمْصَارِ الذَّبْحُ حَتَّى يُصَلِّي الْإِمَامُ صَلَاةَ الْعِيدِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «إنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي يَوْمِنَا هَذَا الصَّلَاةُ ثُمَّ الذَّبْحُ»، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ ذَبِيحَتَهُ وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ» وَإِنْ أَخَّرَ الْإِمَامُ الصَّلَاةَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَذْبَحَ حَتَّى يَنْتَصِفَ النَّهَارُ وَكَذَا إذَا تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا حَتَّى انْتَصَفَ النَّهَارُ فَقَدْ حَلَّ الذَّبْحُ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ فِي الْأَيَّامِ كُلِّهَا فَإِنْ ذَبَحَ بَعْدَمَا قَعَدَ الْإِمَامُ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ جَازَ، وَلَوْ ذَبَحَ بَعْدَمَا صَلَّى أَهْلُ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُصَلِّي أَهْلُ الْجَبَّانَةِ أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مُعْتَبَرَةٌ حَتَّى لَوْ اكْتَفَوْا بِهَا أَجْزَأَهُمْ وَكَذَا عَلَى عَكْسِهِ وَقِيلَ فِي عَكْسِهِ يُجْزِيهِ قِيَاسًا لَا اسْتِحْسَانًا وَإِنْ ذَبَحَ بَعْدَ مَا صَلَّى الْإِمَامُ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ وَهُوَ مُحْدِثٌ أَجْزَأَهُ وَيُعْتَبَرُ فِي الذَّبْحِ مَكَانُ الْأُضْحِيَّةِ لَا مَكَانُ الرَّجُلِ وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ فِي الْمِصْرِ، وَالشَّاةُ فِي السَّوَادِ فَذَبَحُوا عَنْهُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِأَمْرِهِ جَازَ وَإِنْ كَانَ فِي السَّوَادِ، وَالشَّاةُ فِي الْمِصْرِ لَا يَجُوزُ الذَّبْحُ إلَّا بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَحِيلَةُ الْمِصْرِيِّ إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَعَجَّلَ فَإِنَّهُ يَبْعَثُ بِهَا إلَى خَارِجِ الْمِصْرِ فَيُضَحِّي بِهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَهَذَا لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الزَّكَاةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ قَبْلَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ كَالزَّكَاةِ تَسْقُطُ بِهَلَاكِ النِّصَابِ فَيُعْتَبَرُ فِي الْقُرْبِ مَكَانُ الْفِعْلِ لَا مَكَانُ الْفَاعِلِ اعْتِبَارًا بِهَا بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ لِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ بَعْدَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ مَسْكَنُهُ فِيهِ دَخَلَ الْمِصْرَ لِصَلَاةِ الْأَضْحَى وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُضَحُّوا عَنْهُ جَازَ أَنْ يَذْبَحُوا عَنْهُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَكَانُ الْفِعْلِ دُونَ مَكَانِ الْمَفْعُولِ عَنْهُ وَإِنْ صَلَّى الْإِمَامُ وَلَمْ يَخْطُبْ أَجْزَأَهُ مَنْ ذَبَحَ لِأَنَّ خُطْبَةَ الْعِيدِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ.
قَوْلُهُ: (فَأَمَّا) (أَهْلُ السَّوَادِ فَيَذْبَحُونَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ) لِأَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عَلَيْهِمْ وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَذْبَحُوا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لِأَنَّ وَقْتَ الذَّبْحِ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ.
قَوْلُهُ: (وَهِيَ جَائِزَةٌ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ)، وَلَوْ عَقَلَ أُضْحِيَّةً حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ أَوْ ضَاعَتْ فَأَصَابَهَا بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْبَحَهَا وَلَكِنْ يَتَصَدَّقُ بِهَا وَلَا يَتْرُكُ مِنْهَا شَيْئًا وَإِنْ اشْتَرَى شَاةً لِلْأُضْحِيَّةٍ فَضَلَّتْ فَاشْتَرَى غَيْرَهَا ثُمَّ وَجَدَ الْأُولَى فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَذْبَحَ الْكُلَّ وَإِنْ ذَبَحَ الْأُولَى لَا غَيْرُ أَجْزَأَهُ سَوَاءٌ كَانَتْ قِيمَةُ الْأُولَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ أَقَلَّ وَإِنْ ذَبَحَ الثَّانِيَةَ لَا غَيْرُ إنْ كَانَتْ مِثْلَ الْأُولَى أَوْ أَفْضَلَ جَازَ وَإِنْ كَانَتْ دُونَهَا يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ وَيَتَصَدَّقُ بِهَا وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَذْبَحَهُمَا جَمِيعًا سَوَاءٌ كَانَ مُعْسِرًا أَوْ مُوسِرًا، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنْ كَانَ مُوسِرًا فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا يَلْزَمُهُ ذَبْحُ الْكُلِّ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْغَنِيِّ بِالشَّرْعِ ابْتِدَاءً لَا بِالشِّرَاءِ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ وَعَلَى الْفَقِيرِ بِشِرَائِهِ بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ فَتَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا اشْتَرَى شَاةً سَلِيمَةً ثُمَّ تَعَيَّبَتْ بِعَيْبٍ مَانِعٍ إنْ كَانَ غَنِيًّا عَلَيْهِ غَيْرُهَا وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا تُجْزِيهِ هَذِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْغَنِيِّ بِالشَّرْعِ ابْتِدَاءً لَا بِالشِّرَاءِ وَعَلَى هَذَا قَالُوا إذَا مَاتَتْ الْمُشْتَرَاةُ لِلتَّضْحِيَةِ فَعَلَى الْمُوسِرِ مَكَانَهَا أُخْرَى وَلَا شَيْءَ عَلَى الْفَقِيرِ وَإِنْ وَلَدَتْ الْأُضْحِيَّةُ وَلَدًا ذَبَحَهُ مَعَهَا لِأَنَّ الْوُجُوبَ تَعَيَّنَ فِيهَا فَيَسْرِي إلَى وَلَدِهَا وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ هَذَا فِي الْأُضْحِيَّةِ الْوَاجِبَةِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ تَعَيَّنَ فِيهَا بِالشِّرَاءِ وَأَمَّا الشَّاةُ الَّتِي اشْتَرَاهَا الْمُوسِرُ لِيُضَحِّيَ بِهَا إذَا وَلَدَتْ لَمْ يَتْبَعْهَا وَلَدُهَا وَكَانَ أَصْحَابُنَا يَقُولُونَ لَا يَجِبُ ذَبْحُ الْوَلَدِ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهِ جَازَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَمْ يَسِرْ إلَيْهِ وَلَكِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهَا فَهُوَ كَجِلْدِهَا وَخِطَامِهَا وَإِنْ بَاعَهُ أَوْ أَكَلَهُ تَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ فِي الْأَكْلِ وَبِثَمَنِهِ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ أَمْسَكَ الْوَلَدَ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ الذَّبْحِ تَصَدَّقَ بِهِ قَالَ فِي الْخُجَنْدِيِّ: إذَا وَلَدَتْ الْأُضْحِيَّةُ فَذَبَحَ الْوَلَدَ يَوْمَ الْأَضْحَى بَعْدَ الْأُمِّ أَجْزَأَهُ وَيَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِ أُمِّهِ وَإِنْ ذَبَحَهُ قَبْلَ ذَبْحِهَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُضَحَّى بِالْعَمْيَاءِ وَلَا الْعَوْرَاءِ وَلَا الْعَرْجَاءِ الَّتِي لَا تَمْشِي إلَى الْمَنْسَكِ) وَهُوَ الْمَذْبَحُ (وَلَا بِالْعَجْفَاءِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «لَا يُجْزِئُ فِي الضَّحَايَا أَرْبَعٌ الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي» أَيْ لَا نِقْيَ لَهَا وَهُوَ الْمُخُّ لِشِدَّةِ الْهُزَالِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ مَقْطُوعَةُ الْأُذُنِ أَوْ الذَّنَبِ) قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «اسْتَشْفُوا الْعَيْنَ، وَالْأُذُنَ» أَيْ اُطْلُبُوا سَلَامَتَهُمَا وَأَمَّا الذَّنَبُ فَهُوَ عُضْوٌ مَقْصُودٌ كَالْأُذُنِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا الَّتِي ذَهَبَ أَكْثَرُ أُذُنِهَا أَوْ ذَنَبُهَا فَإِنْ بَقِيَ أَكْثَرُ الْأُذُنِ أَوْ الذَّنَبِ جَازَ) وَكَذَا حُكْمُ الْأَلْيَةِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الذَّاهِبُ مِنْ الْأُذُنِ أَوْ الذَّنَبِ الثُّلُثَ فَمَا دُونَهُ أَجْزَاهُ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَمْ يُجْزِهِ فَجَعَلَ الثُّلُثَ فِي حَدِّ الْقَلِيلِ لِأَنَّهُ تَنْفُذُ فِيهِ الْوَصِيَّةُ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْوَرَثَةِ.
وَرُوِيَ عَنْهُ إنْ كَانَ الذَّاهِبُ الثُّلُثَ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ جَازَ فَجُعِلَ الثُّلُثُ فِي حَدِّ الْكَثِيرِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» وَرُوِيَ عَنْهُ إنْ كَانَ الذَّاهِبُ الرُّبْعَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الرُّبْعَ فِي حُكْمِ الْكُلِّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَدَّرُوا بِهِ مَسْحَ الرَّأْسِ وَوُجُوبَ الدَّمِ فِي الْحَلْقِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذَا بَقِيَ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ ذَهَبَ أَكْثَرُ مِنْهُ لَمْ يُجْزِهِ وَإِنْ كَانَ الذَّاهِبُ النِّصْفَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا لَا يَجُوزُ لِاجْتِمَاعِ الْحَظْرِ، وَالْإِبَاحَةِ فَغَلَبَ الْحَظْرُ، وَفِي الثَّانِيَةِ يَجُوزُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ قِيلَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَفِي الْهِدَايَةِ مَعَ أَبِي يُوسُفَ، وَالْأَظْهَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الثُّلُثَ فِي حَدِّ الْقَلِيلِ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ فِي حَدِّ الْكَثِيرِ.
قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ أَنْ يُضَحَّى بِالْجَمَّاءِ) وَهِيَ الَّتِي لَا قَرْنَ لَهَا خِلْقَةً وَتُسَمَّى الْجَلْحَاءُ أَيْضًا وَكَذَلِكَ الْقَضْمَاءُ وَهِيَ الَّتِي انْكَسَرَ غِلَافُ قَرْنِهَا قَوْلُهُ (وَالْخَصِيِّ) لِأَنَّهُ أَطْيَبُ لَحْمًا مِنْ غَيْرِ الْخَصِيِّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَا زَادَ فِي لَحْمِهِ أَنْفَعُ مِمَّا ذَهَبَ مِنْ خُصْيَتِهِ.
قَوْلُهُ: (وَالثَّوْلَاءِ) وَهِيَ الْمَجْنُونَةُ لِأَنَّ الْعَقْلَ غَيْرُ مَقْصُودٍ فِي الْبَهَائِمِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ تَعْتَلِفُ أَمَّا إذَا كَانَتْ لَا تَعْتَلِفُ لَا يُجْزِيهِ وَأَمَّا الصَّكَّاءُ وَهِيَ الَّتِي لَا أُذُنَ لَهَا خِلْقَةً لَا يَجُوزُ أَنْ يُضَحَّى بِهَا لِأَنَّهُ فَاتَ بِالْأُذُنِ حَقُّ الْفُقَرَاءِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ لَهَا أُذُنٌ صَغِيرَةٌ خِلْقَةً جَازَ لِأَنَّ الْعُضْوَ مَوْجُودٌ وَصِغَرُهُ غَيْرُ مَانِعٍ وَأَمَّا الْجَرْبَاءُ إنْ كَانَتْ سَمِينَةً جَازَ لِأَنَّ الْجَرَبَ إنَّمَا هُوَ فِي الْجِلْدِ وَلَا نُقْصَانَ فِي اللَّحْمِ وَأَمَّا الْهَتْمَاءُ وَهِيَ الَّتِي لَا أَسْنَانَ لَهَا فَفِيهَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إحْدَاهُمَا اعْتَبَرَهَا بِالْأُذُنِ فَقَالَ إنْ بَقِيَ أَكْثَرُهَا أَجْزَأَتْ وَإِلَّا فَلَا، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إذَا بَقِيَ لَهَا مَا تَعْتَلِفُ بِهِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْأَكْلُ بِهَا.
قَوْلُهُ: (وَالْأُضْحِيَّةُ مِنْ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ) وَلَا يَجُوزُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الْوَحْشِ فَإِنْ كَانَ مُتَوَلِّدًا مِنْ الْأَهْلِيِّ، وَالْوَحْشِيِّ فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ الْأُمُّ لِأَنَّهَا هِيَ الْأَصْلُ فِي التَّبَعِيَّةِ حَتَّى إذَا نَزَا الذِّئْبُ عَلَى الشَّاةِ يُضَحَّى بِالْوَلَدِ وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْبَقَرَةُ أَهْلِيَّةً نَزَا عَلَيْهَا ثَوْرٌ وَحْشِيٌّ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُضَحَّى بِالْوَلَدِ.
قَوْلُهُ: (يُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ الشَّيْءُ فَصَاعِدًا إلَّا الضَّأْنُ فَإِنَّ الْجَذَعَ مِنْهُ يُجْزِئُ) يَعْنِي إذَا كَانَ عَظِيمًا بِحَيْثُ إذَا خُلِطَ بِالثَّنَايَا يَشْتَبِهُ عَلَى النَّاظِرِ مِنْ بَعِيدٍ فَالْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ مَا تَمَّ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ سَبْعَةٌ، وَالثَّنِيُّ مِنْهَا وَمِنْ الْمَعْزِ مَا لَهُ سَنَةٌ وَطَعَنَ فِي الثَّانِيَةِ وَمِنْ الْبَقَرِ مَا لَهُ سَنَتَانِ وَطَعَنَ فِي الثَّالِثَةِ وَمِنْ الْإِبِلِ مَا لَهُ خَمْسُ سِنِينَ وَطَعَنَ فِي السَّادِسَةِ وَيَدْخُلُ فِي الْبَقَرِ الْجَوَامِيسُ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِهَا، وَالذَّكَرُ مِنْ الضَّأْنِ أَفْضَلُ مِنْ الْأُنْثَى إذَا اسْتَوَيَا، وَالْأُنْثَى مِنْ الْبَقَرِ أَفْضَلُ مِنْ الذَّكَرِ إذَا اسْتَوَيَا.
قَوْلُهُ: (وَيَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} الْبَائِسُ الَّذِي أَصَابَهُ ضَرَرُ الْجُوعِ وَتَبَيَّنَ عَلَيْهِ أَثَرُ الْبُؤْسِ بِأَنْ يَمُدَّ يَدَهُ إلَيْك وَقِيلَ هُوَ الزَّمِنُ الْمُحْتَاجُ.
قَوْلُهُ: (وَيَدَّخِرُ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «فَكُلُوا مِنْهَا وَادَّخِرُوا» قَالَ الْخُجَنْدِيُّ الْأَفْضَلُ أَنْ يَتَصَدَّقَ مِنْهَا بِالثُّلُثِ وَيَدَّخِرَ الثُّلُثَ ضِيَافَةً لِلْأَقَارِبِ، وَالثُّلُثَ لِنَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ مِنْهَا جَازَ.
قَوْلُهُ: (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُنْقِصَ الصَّدَقَةَ مِنْ الثُّلُثِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِيهَا {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ، وَالْمُعْتَرَّ} فَالْقَانِعُ: هُوَ الَّذِي يَسْأَلُ، وَالْمُعْتَرُّ: هُوَ الَّذِي يَتَعَرَّضُ وَيُرِيَك نَفْسَهُ وَلَا يَسْأَلُك، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «كُلُوا مِنْهَا أَوْ ادَّخِرُوا» فَصَارَتْ الْجِهَاتُ ثَلَاثًا الْأَكْلُ، وَالِاطِّعَامُ، وَالِادِّخَارُ فَإِنْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِهَا فَهُوَ أَفْضَلُ وَإِنْ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ مِنْهَا أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا إرَاقَةُ الدَّمِ.
قَوْلُهُ: (وَيَتَصَدَّقُ بِجِلْدِهَا) لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا.
قَوْلُهُ: (أَوْ يَعْمَلُ مِنْهُ آلَةً تُسْتَعْمَلُ فِي الْبَيْتِ) كَالنِّطَعِ، وَالْجِرَابِ، وَالْغِرْبَالِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَّخِذَهُ فَرْوًا لِنَفْسِهِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا اتَّخَذَتْ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهَا سِقَاءً وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِلَحْمِهَا فَكَذَا بِجِلْدِهَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ مَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ فِي الْبَيْتِ مَعَ بَقَائِهِ مِثْلُ الْمُنْخُلِ، وَالْجِرَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَا يَشْتَرِي مَا يُسْتَهْلَكُ عَيْنُهُ كَالْخَلِّ، وَالْمِلْحِ، وَالْأَبْزَارِ، وَالْحِنْطَةِ، وَاللَّبَنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ أُجْرَةَ جَزَّارِهَا، وَاللَّحْمُ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْجِلْدِ عَلَى الصَّحِيحِ فَإِنْ بَاعَ الْجِلْدَ، وَاللَّحْمَ بِالْفُلُوسِ أَوْ الدَّرَاهِمِ أَوْ الْحِنْطَةِ تَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ انْتَقَلَتْ إلَى بَدَلِهِ.
قَوْلُهُ: (وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَذْبَحَ أُضْحِيَّتَهُ بِيَدِهِ إنْ كَانَ يُحْسِنُ الذَّبْحَ) لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ فَإِذَا وَلِيَهُ بِنَفْسِهِ فَهُوَ أَفْضَلُ وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَاقَ مِائَةَ بَدَنَةٍ فَنَحَرَ مِنْهَا بِيَدِهِ نَيِّفًا وَسِتِّينَ وَأَعْطَى الْحَرْبَةَ عَلِيًّا فَنَحَرَ الْبَاقِي وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يُحْسِنُ الذَّبْحَ اسْتَعَانَ بِغَيْرِهِ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْهَدَهَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِفَاطِمَةَ «يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ قَوْمِي فَاشْهَدِي أُضْحِيَّتَك فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَك بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهَا كُلُّ ذَنْبٍ عَمِلْتِيهِ وَقُولِي إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ أَمَا إنَّهُ يُجَاءُ بِلَحْمِهَا وَدَمِهَا فَيُوضَعُ فِي مِيزَانِك وَسَبْعُونَ ضِعْفًا فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا لِآلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً أَمْ لَهُمْ وَلِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً ؟ فَقَالَ: لِآلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً وَلِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً».
قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ أَنْ يَذْبَحَهَا الْكِتَابِيُّ) لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا فَإِنْ ذَبَحَهَا الْمُسْلِمُ بِأَمْرِهِ أَجْزَأَهُ وَيُكْرَهُ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا غَلِطَ رَجُلَانِ فَذَبَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُضْحِيَّةَ الْآخَرِ أَجْزَأَ عَنْهُمَا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا) لِأَنَّهُمَا قَدْ تَعَيَّنَتَا لِلذَّبْحِ فَصَارَ الْمَالِكُ مُسْتَعِينًا بِكُلِّ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلذَّبْحِ إذْنًا لَهُ دَلَالَةٌ.
وَقَالَ زُفَرُ: يَضْمَنُ وَلَا يَجُوزُ عَنْ الْأُضْحِيَّةِ لِأَنَّهُ ذَبَحَ شَاةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ثُمَّ عِنْدَنَا إذَا ذَبَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَسْلُوخَتَهُ مِنْ صَاحِبِهِ وَلَا يَضْمَنُهُ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ دَلَالَةً فَإِنْ كَانَا قَدْ أَكَلَا مِنْهَا فَلْيُحَالِلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَيُجْزِيهِمَا وَإِنْ غَصَبَ شَاةً فَضَحَّى بِهَا ضَمِنَ قِيمَتَهَا وَجَازَتْ عَنْ الْأُضْحِيَّةِ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِسَابِقِ الْغَصْبِ بِخِلَافِ مَا إذَا أُودِعَ شَاةً فَضَحَّى بِهَا الْمُودَعُ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِيهِ لِأَنَّهُ يَضْمَنُهَا بِالذَّبْحِ فَلَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ إلَّا بَعْدَ الذَّبْحِ وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(كِتَابُ الْأَيْمَانِ):

الْأَيْمَانُ جَمْعُ يَمِينٍ وَالْيَمِينُ فِي اللُّغَةِ هِيَ الْقُوَّةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} أَيْ الْقُوَّةِ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
إذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ ** تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ بِالْيَمِينِ

أَيْ بِالْقُوَّةِ وَعَرَابَةُ اسْمُ رَجُلٍ مَعْدُودٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدٍ قَوِيٍّ بِهِ عَزَمَ الْحَالِفُ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ وَسُمِّيَ هَذَا الْعَقْدُ بِهَا لِأَنَّ الْعَزِيمَةَ تَتَقَوَّى بِهَا.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (الْأَيْمَانُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ يَمِينِ غَمُوسٍ وَيَمِينٍ مُنْعَقِدَةٍ وَيَمِينِ لَغْوٍ فَالْغَمُوسُ هِيَ الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ فِيهِ) مِثْلُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ قَدْ فَعَلَهُ مَا فَعَلَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ أَوْ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَفْعَلْهُ لَقَدْ فَعَلَهُ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ وَقَدْ يَقَعُ عَلَى الْحَالِ أَيْضًا وَلَا يَخْتَصُّ بِالْمَاضِي مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ مَا لِهَذَا عَلَيَّ دَيْنٌ وَهُوَ كَاذِبٌ أَوْ يُدَّعَى عَلَيْهِ حَقٌّ فَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا يَسْتَحِقُّهُ عَلَيَّ مَعَ عِلْمِهِ بِاسْتِحْقَاقِهِ فَهَذِهِ كُلُّهَا يَمِينٌ الْغَمُوسِ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ بِهَا حَقَّ الْمُسْلِمِ وَالتَّجَرِّي عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَسُمِّيَتْ غَمُوسًا لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي النَّارِ قَوْلُهُ (فَهَذَا الْيَمِينُ يَأْثَمُ بِهَا صَاحِبُهَا) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «مَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ كَاذِبًا أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ» قَوْلُهُ (وَلَا كَفَّارَةَ لَهَا إلَّا الِاسْتِغْفَارُ) يَعْنِي مَعَ التَّوْبَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ} الْآيَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْكَفَّارَةَ وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «ثَلَاثٌ مِنْ الْكَبَائِرِ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَالْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ» وَلِأَنَّهَا كَبِيرَةٌ مِنْ الْكَبَائِرِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ فِي الْيَمِينِ الْمُنْعَقِدَةِ وَالْعَقْدُ مَا تُصَوِّرَ فِيهِ الْحِلُّ وَالْعَقْدُ وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْغَمُوسِ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَقَاءُ عَلَى عَقْدِهَا لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُوجِبَ لِحِلِّهَا وَهُوَ الْحِنْثُ يُقَارِنُهَا فَلَا تَنْعَقِدُ كَالْبَيْعِ الَّذِي يُقَارِنُهُ الْعِتْقُ وَالصَّلَاةُ الَّتِي يُقَارِنُهَا الْحَدَثُ وَصُورَةُ الْبَيْعِ الَّذِي يُقَارِنُهُ الْعِتْقُ أَنْ يُوَكِّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ وَيُوَكِّلَ آخَرَ بِعِتْقِهِ فَبَاعَ الْوَكِيلُ وَأَعْتَقَ الْآخَرُ وَخَرَجَ كِلَاهُمَا مَعًا فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْعَقِدُ وَقَوْلُهُ إلَّا الِاسْتِغْفَارُ وَذَلِكَ عَلَى ثَلَاثِ حَالَاتٍ النَّدَمِ وَالْإِقْلَاعِ وَالْعَزْمِ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ قَوْلُهُ (وَالْيَمِينُ الْمُنْعَقِدَةُ هِيَ الْحَلِفُ عَلَى الْأَمْرِ الْمُسْتَقْبَلِ أَنْ يَفْعَلَهُ أَوَّلًا يَفْعَلَهُ فَإِذَا حَنِثَ فِي ذَلِكَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ) ثُمَّ الْمُنْعَقِدُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ مُرْسَلٌ وَمُؤَقَّتٌ وَفَوْرٌ فَالْمُرْسَلُ هُوَ الْخَالِي عَنْ الْوَقْتِ فِي الْفِعْلِ وَنَفْيِهِ وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ إثْبَاتًا وَقَدْ يَكُونُ نَفْيًا فَالْإِثْبَاتُ وَاَللَّهِ لَأَضْرِبَنَّ زَيْدًا وَالنَّفْيُ لَا أَضْرِبُ زَيْدًا فَفِي الْأَوَّلِ مَادَامَ الْحَالِفُ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ قَائِمَيْنِ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا حَنِثَ وَفِي الثَّانِي لَا يَحْنَثُ أَبَدًا فَإِنْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً حَنِثَ وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَلَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ ثَانِيًا وَالْمُؤَقَّتُ مِثْلُ وَاَللَّهِ لَأَشْرَبَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ وَفِيهِ مَاءٌ فَهَذَا لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَمْضِ الْيَوْمُ فَإِذَا مَضَى وَلَمْ يَفْعَلْ حَنِثَ وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ الْيَوْمِ لَا يَحْنَثُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ صَبَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي الْكُوزِ قَبْلَ مُضِيِّ الْيَوْمِ لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَحْنَثُ عِنْدَ مُضِيِّ الْيَوْمِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا دَامَ الْحَالِفُ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ قَائِمَيْنِ فِي الْوَقْتِ لَا يَحْنَثُ فَإِذَا فَاتَ الْوَقْتُ وَحْدَهُ وَالْحَالِفُ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ قَائِمَانِ حَنِثَ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ مَاتَ الْحَالِفُ وَالْوَقْتُ لَا يَحْنَثُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ فَاتَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَبَقِيَ الْوَقْتُ وَالْحَالِفُ بَطَلَتْ الْيَمِينُ عِنْدَهُمَا فَلَا يَحْنَثُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَحْنَثُ إذَا مَضَى الْيَوْمُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُمَا أَنَّ قِيَامَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ شَرْطٌ لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ فَفَوَاتُهُ يَرْفَعُ الْيَمِينَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ لَأَشْرَبَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ وَإِذَا هُوَ لَيْسَ فِيهِ مَاءٌ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يَحْنَثُ مِنْ سَاعَتِهِ إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ بِلَا مَاءٍ فِيهِ حَنِثَ بِالِاتِّفَاقِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَحْنَثُ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَأَمَّا يَمِين الْفَوْرِ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِيَمِينِهِ سَبَبٌ فَدَلَالَةُ الْحَالِ تُوجِبُ قَصْرَ يَمِينِهِ عَلَى ذَلِكَ السَّبَبِ وَذَلِكَ كُلُّ يَمِينٍ خَرَجَتْ جَوَابًا لِكَلَامٍ أَوْ بِنَاءً عَلَى أَمْرٍ فَتَتَقَيَّدُ بِهِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ نَحْوُ أَنْ تَتَهَيَّأَ الْمَرْأَةُ لِلْخُرُوجِ فَقَالَ: إنْ خَرَجْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَعَدَتْ سَاعَةً ثُمَّ خَرَجَتْ لَا تَطْلُقُ وَكَذَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَضْرِبَ عَبْدَهُ فَقَالَ رَجُلٌ: إنْ ضَرَبْته فَعَبْدِي حُرٌّ فَمَكَثَ سَاعَةً ثُمَّ ضَرَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَى فَوْرِهِ وَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ حِنْثِهِ فِي فَوْرِهِ.
وَكَذَا إذَا قَالَ لَهُ: تَغَدَّ مَعِي فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا أَتَغَدَّى مَعَك وَإِنْ تَغَدَّيْت فَعَبْدِي حُرٌّ فَلَمْ يَتَغَدَّ مَعَهُ وَذَهَبَ إلَى بَيْتِهِ وَتَغَدَّى فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: إذَا فَعَلْت كَذَا وَلَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَعَبْدِي حُرٌّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ عَلَى الْفَوْرِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ عَلَى أَثَرِ فِعْلِهِ حَنِثَ وَإِنْ كَانَ قَالَ: ثُمَّ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَهُوَ كَذَا فَهُوَ عَلَى الْأَبَدِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: كِلَاهُمَا عَلَى الْفَوْرِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ قُمْت فَلَمْ أَضْرِبْك فَأَنْتَ حُرٌّ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَلَوْ وَهَبَ السَّكْرَانُ لِامْرَأَتِهِ دِرْهَمًا فَقَالَتْ: إنَّكَ تَسْتَرِدُّهُ مِنِّي إذَا صَحَوْت فَقَالَ: إذَا اسْتَرْدَدْته مِنْك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَاسْتَرَدَّهُ مِنْهَا فِي سَاعَتِهِ وَهُوَ سَكْرَانٌ لَمْ يَحْنَثْ وَيَكُونُ يَمِينُهُ جَوَابًا لِكَلَامِهَا وَلَوْ حَلَفَ غَرِيمُهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَلَدِ إلَّا بِإِذْنِهِ فَقَضَاهُ دَيْنَهُ ثُمَّ خَرَجَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَحْنَثْ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ قَوْلُهُ (وَيَمِينُ اللَّغْوِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ كَمَا قَالَ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ) مِثْلُ وَاَللَّهِ لَقَدْ فَعَلْت كَذَا وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ صَادِقٌ أَوْ وَاَللَّهِ مَا فَعَلْت وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ فَعَلَ وَقَدْ يَكُونُ عَلَى الْحَالِ مِثْلُ أَنْ يَرَى شَخْصًا مِنْ بَعِيدٍ فَيَحْلِفُ أَنَّهُ زَيْدٌ فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو أَوْ يَرَى طَائِرًا فَيَحْلِفُ أَنَّهُ غُرَابٌ فَإِذَا هُوَ غَيْرُهُ أَوْ وَاَللَّهِ مَا أَكَلْت الْيَوْمَ وَقَدْ أَكَلَ فَهَذَا كُلُّهُ لَغْوٌ لَا حِنْثَ فِيهِ وَقِيلَ: إنَّ يَمِين اللَّغْوِ مَا يَجْرِي عَلَى الْأَلْسِنَةِ مِنْ قَوْلِهِمْ لَا وَاَللَّهِ، بَلَى وَاَللَّهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادٍ فِي ذَلِكَ وَاللَّغْوُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْكَلَامُ السَّاقِطُ الَّذِي لَا يُعْتَدُّ بِهِ قَوْلُهُ (فَهَذِهِ الْيَمِينُ نَرْجُو أَنْ لَا يُؤَاخِذَ اللَّهُ بِهَا صَاحِبَهَا) فَإِنْ قِيلَ: قَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُؤَاخِذُ بِهَا عَلَى الْقَطْعِ فَلِمَ عَلَّقَهُ بِالرَّجَاءِ وَالشَّكِّ قُلْنَا: الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّ اللَّغْوَ الَّذِي فَسَّرْنَاهُ لَمْ يَعْلَمْ قَطْعًا أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَرَادَهُ اللَّهُ أَمْ لَا لِلِاخْتِلَافِ فِي تَفْسِيرِهِ وَعَدَمِ الْعِلْمِ بِالتَّوَصُّلِ إلَى حَقِيقَتِهِ فَلِهَذَا قَالَ: نَرْجُو وَالثَّانِي أَنَّ الرَّجَاءَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: رَجَاءِ طَمَعٍ وَرَجَاءِ تَوَاضُعٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الرَّجَاءُ تَوَاضُعًا لِلَّهِ تَعَالَى قَالَ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ: وَلَا يَكُونُ اللَّغْوُ إلَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ أَمَّا إذَا حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ صَادِقٌ فَإِذَا هُوَ كَاذِبٌ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَكَذَا إذَا حَلَفَ بِنَذْرٍ لَزِمَهُ ذَلِكَ قَوْلُهُ (وَالْعَامِدُ فِي الْيَمِينِ وَالنَّاسِي وَالْمُكْرَهُ سَوَاءٌ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالْيَمِينُ» وَكَذَلِكَ الْخَاطِئُ كَمَا إذَا أَرَادَ أَنْ يُسَبِّحَ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ الْيَمِينُ فَهُوَ كَالْعَامِدِ قَوْلُهُ (وَمَنْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا فَهُوَ سَوَاءٌ) لِأَنَّ الْفِعْلَ الْحَقِيقِيَّ لَا يَنْعَدِمُ بِالْإِكْرَاهِ وَهُوَ الشَّرْطُ وَكَذَا إذَا فَعَلَهُ وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مَجْنُونٌ لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ فَإِنْ قِيلَ: الْكَفَّارَةُ شُرِعَتْ لِأَجْلِ سَتْرِ الذَّنْبِ وَلَا ذَنْبَ لِلْمَجْنُونِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجِبَ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ إذَا فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ حَالَةَ الْجُنُونِ قُلْنَا: الْحُكْمُ وَهُوَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ دَائِرٌ مَعَ دَلِيلِ الذَّنْبِ وَهُوَ الْحِنْثُ لَا مَعَ حَقِيقَةِ الذَّنْبِ كَوُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ فَإِنَّهُ دَائِرٌ مَعَ دَلِيلِ شُغْلِ الرَّحِمِ وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ لَا مَعَ حَقِيقَةِ الشُّغْلِ حَتَّى أَنَّهُ يَجِبُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الشُّغْلُ أَصْلًا بِأَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِكْرًا أَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ امْرَأَةٍ قَوْلُهُ (وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ كَالرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) لِأَنَّ تَعْظِيمَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَاجِبٌ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: أَسْمَاءُ اللَّهِ عَلَى ضَرْبَيْنِ مِنْهَا مَا لَا اشْتِرَاكَ فِيهِ مِثْلُ اللَّهِ وَالرَّحْمَنِ فَالْحَلِفُ يَنْعَقِدُ بِهِ بِكُلِّ حَالٍ وَمِنْهَا مَا هُوَ مُشْتَرَكٌ مِثْلُ الْكَبِيرِ وَالْعَزِيزِ وَالْقَادِرِ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْيَمِينَ كَانَ يَمِينًا وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْيَمِينَ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ الْقِسْمَيْنِ فَجَعَلَهُمَا يَمِينًا وَلَمْ يَفْصِلْ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْحَالِفَ قَصَدَ يَمِينًا صَحِيحَةً.
قَوْلُهُ: (أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ كَقَوْلِهِ وَعِزَّةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ) اعْلَمْ أَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: صِفَاتِ الذَّاتِ وَصِفَاتِ الْفِعْلِ فَمَا كَانَ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ كَانَ بِهِ حَالِفًا وَمَا كَانَ مِنْ صِفَاتِ فِعْلِهِ لَا يَكُونُ بِهِ حَالِفًا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ مَا وُصِفَ اللَّهُ بِهِ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُوصَفَ بِضِدِّهِ فَهُوَ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْقُوَّةِ وَمَا جَازَ أَنْ يُوصَفَ بِهِ وَبِضِدِّهِ فَهُوَ مِنْ صِفَاتِ فِعْلِهِ كَرَحْمَتِهِ وَغَضَبِهِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا قُلْنَا مَنْ حَلَفَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ أَوْ بِعَظَمَتِهِ أَوْ بِعِزَّتِهِ أَوْ بِقُوَّتِهِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ كَانَ بِهِ حَالِفًا كَالْحَالِفِ بِاسْمِهِ تَعَالَى وَإِذَا قَالَ: وَقُدْرَةِ اللَّهِ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ الْقَادِرِ قَوْلُهُ (إلَّا قَوْلَهُ وَعِلْمِ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا) وَكَانَ الْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ يَمِينًا لِأَنَّهُ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ إلَّا أَنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا أَنْ لَا يَكُونَ يَمِينًا لِأَنَّ الْعِلْمَ قَدْ يُرَادُ إذْنُهُ الْمَعْلُومُ يُقَالُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا عِلْمَك فِينَا أَيْ مَعْلُومَك وَمَعْلُومُ اللَّهِ غَيْرُهُ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا قَالُوا: إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْعِلْمَ الَّذِي هُوَ الصِّفَةُ فَإِنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا لِزَوَالِ الِاحْتِمَالِ وَإِنْ قَالَ: وَوَجْهِ اللَّهِ فَهُوَ يَمِينٌ لِأَنَّ الْوَجْهَ يُرَادُ بِهِ الذَّاتُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا قَالَ: وَحَقِّ اللَّهِ وَوَجْهِ اللَّهِ لَا يَكُونُ يَمِينًا فِيهِمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَكُونُ يَمِينًا فِيهِمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي قَوْلِهِ وَحَقِّ اللَّهِ: لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ حَقَّهُ عَلَى عِبَادِهِ طَاعَتُهُ وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ فِي وَجْهِ اللَّهِ شَيْءٌ وَرَوَى الْكَرْخِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي وَجْهِ اللَّهِ يَكُونُ يَمِينًا وَلَوْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا لَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَهَا وَكَذَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ لَأَفْعَلَن وَكَذَا بِسْمِ اللَّهِ إذَا عَنَى بِهِ الْيَمِينَ كَانَ يَمِينًا وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ بِسْمِ اللَّهِ يَمِينٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِوُجُودِ حَرْفِ الْقَسَمِ وَلَوْ قَالَ: وَمَلَكُوتِ اللَّهِ وَجَبَرُوتِ اللَّهِ فَهُوَ يَمِينٌ لِأَنَّهُ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ وَإِنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ لَا أُكَلِّمَ فُلَانًا فَلَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهَا فَإِنْ نَوَى بِهَا الْيَمِينَ ثُمَّ كَلَّمَهُ حَنِثَ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ كَغَضَبِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ لَمْ يَكُنْ حَالِفًا) لِأَنَّ الْغَضَبَ وَالسَّخَطَ هُوَ الْعِقَابُ وَالنَّارُ وَذَلِكَ لَيْسَ بِيَمِينٍ وَكَذَا قَوْلُهُ وَرَحْمَةِ اللَّه لِأَنَّ الرَّحْمَةَ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الْجَنَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} وَقَدْ يُرَادُ بِالرَّحْمَةِ أَيْضًا وَذَلِكَ كُلُّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ حَالِفًا كَالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنِ وَالْكَعْبَةِ) أَمَّا إذَا قَالَ: هُوَ بَرِيءٌ مِنْ النَّبِيِّ أَوْ مِنْ الْقُرْآنِ كَانَ حَالِفًا لِأَنَّ التَّبَرِّي مِنْهُمَا كُفْرٌ قَوْلُهُ (وَالْحَلِفُ بِحُرُوفِ الْقَسَمِ وَحُرُوفُهُ الْوَاوُ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ وَالْبَاءُ كَقَوْلِهِ بِاَللَّهِ وَالتَّاءُ كَقَوْلِهِ تَاللَّهِ) فَالْبَاءُ أَعَمُّ مِنْ الْوَاوِ وَالتَّاءِ لِأَنَّهَا تَدْخُلُ عَلَى الْمُظْهَرِ وَالْمُضْمَرِ فَتَقُولُ حَلَفْت بِاَللَّهِ وَحَلَفْت بِهِ وَالْوَاوُ أَعَمُّ مِنْ التَّاءِ لِأَنَّهَا تَدْخُلُ عَلَى جَمِيعِ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَالتَّاءُ مُخْتَصَّةٌ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى دُونَ سَائِرِ أَسْمَائِهِ تَقُولُ تَاللَّهِ وَلَا تَقُولُ تَالرَّحْمَنِ قَوْلُهُ (وَقَدْ تُضْمَرُ الْحُرُوفُ فَيَكُونُ حَالِفًا كَقَوْلِهِ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا) وَيُقَالُ: إذَا حُذِفَ حَرْفُ الْقَسَمِ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إنْ سَكَّنَ حَرْفَ الْإِعْرَابِ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَإِنْ كَسَرَهُ يَكُونُ يَمِينًا وَإِنْ نَصَبَهُ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ يَكُونُ يَمِينًا وَإِنْ قَالَ وَاَللَّهِ أَوْ بِاَللَّهِ أَوْ تَاللَّهِ فَهُوَ يَمِينٌ سَوَاءٌ نَصَبَ أَوْ كَسَرَ أَوْ سَكَّنَ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِحَرْفِ الْقَسَمِ وَإِنْ قَالَ لِلَّهِ كَانَ يَمِينًا لِأَنَّ اللَّامَ قَدْ تُقَامُ مَقَامَ الْبَاءِ وَتُبْدَلُ مِنْهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ} وَفِي آيَةٍ أُخْرَى {آمَنْتُمْ بِهِ} وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا قَالَ: وَحَقُّ اللَّهِ فَلَيْسَ بِحَالِفٍ) وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَإِذَا كَانَ الْحَقُّ عِبَارَةً عَنْ الطَّاعَاتِ وَالْعِبَادَاتِ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ وَالْعِبَادَاتِ لَأَفْعَلَنَّ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ قَوْلَهُ وَحَقِّ اللَّهِ يَمِينٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُوصَفُ بِأَنَّهُ الْحَقُّ فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَاَللَّهِ الْحَقِّ وَلَوْ قَالَ: وَالْحَقِّ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا قَالَ ابْنُ أَبِي مُطِيعٍ: يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ الْحَقَّ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَوْ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} وَقَالَ تَعَالَى {وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ}.
وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ الْحَقَّ يُعْرَفُ بِهِ الْحُقُوقُ وَفِي الْهِدَايَةِ هُوَ يَمِينٌ وَإِذَا قَالَ: حَقًّا لَأَفْعَلَنَّ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ الْحَقَّ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَالْمُنْكَرُ يُرَادُ بِهِ تَحْقِيقُ الْوَعْدِ قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ: أُقْسِمُ أَوْ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ أَوْ أَحْلِفُ أَوْ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَوْ أَشْهَدُ أَوْ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ فَهُوَ حَالِفٌ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْحَلِفِ وَهَذِهِ الصِّيغَةُ لِلْحَالِ حَقِيقَةً وَتُسْتَعْمَلُ لِلِاسْتِقْبَالِ بِقَرِينَةٍ فَيَكُونُ حَالِفًا فِي الْحَالِ وَالشَّهَادَةُ يَمِينٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَالُوا: نَشْهَدُ إنَّك لَرَسُولُ اللَّهِ} ثُمَّ قَالَ {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} وَالْحَلِفُ بِاَللَّهِ هُوَ الْمَعْهُودُ الْمَشْرُوعُ وَبِغَيْرِهِ مَحْظُورٌ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَلِهَذَا قِيلَ: لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْهَا لِاحْتِمَالِ الْعِدَّةِ وَالْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ وَإِنْ قَالَ: آلَيْت لَأَفْعَلَنَّ كَذَا فَهُوَ يَمِينٌ لِأَنَّ الْأَلِيَّةَ هِيَ الْيَمِينُ قَالَ الشَّاعِرُ:
قَلِيلُ الْأَلَايَا حَافِظٌ لِيَمِينِهِ ** إذَا نَدَرَتْ مِنْهُ الْأَلِيَّةُ بَرَّتْ

قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ فَهُوَ يَمِينٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ} فَجَعَلَ الْعَهْدَ يَمِينًا وَالْمِيثَاقُ عِبَارَةٌ عَنْ الْعَهْدِ وَكَذَا إذَا قَالَ: عَلَيَّ ذِمَّةُ اللَّهِ فَهُوَ يَمِينٌ لِأَنَّهَا كَالْعَهْدِ أَمَّا إذَا قَالَ: وَعَهْدِ اللَّهِ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: هُوَ يَمِينٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ وَحَقِّ اللَّهِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ عَهْدَ اللَّهِ هُوَ أَمْرُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ} وَقَالَ {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إلَى آدَمَ} فَصَارَ كُلُّهُ قَالَ: وَأَمْرُ اللَّهِ كَذَا فِي شَرْحِهِ قَوْلُهُ (وَعَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ نَذْرُ اللَّهِ عَلَيَّ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «مَنْ نَذَرَ نَذْرًا سَمَّاهُ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُسَمِّهِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» وَكَذَا إذَا قَالَ: عَلَيَّ يَمِينٌ أَوْ يَمِين اللَّهِ عَلَيَّ فَهُوَ حَالِفٌ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِإِيجَابِ الْيَمِينِ عَلَى نَفْسِهِ وَالْيَمِينُ لَا يَكُونُ إلَّا بِاَللَّهِ تَعَالَى قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ أَوْ كَافِرٌ أَوْ مُشْرِكٌ كَانَ يَمِينًا) حَتَّى إذَا حَنِثَ فِي ذَلِكَ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَكَذَا إذَا قَالَ هُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ مِنْ الْإِسْلَامِ إنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ يَمِينٌ وَكَذَا إذَا قَالَ: هُوَ بَرِيءٌ مِنْ هَذِهِ الْقِبْلَةِ أَوْ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَهُوَ يَمِينٌ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا حَلَفَ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ أَمَّا إذَا حَلَفَ عَلَى الْمَاضِي مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ كَافِرٌ إنْ كَانَ فَعَلَ كَذَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ فَعَلَهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ: يَكْفُرُ لِأَنَّ كَلَامَهُ خَرَجَ مَخْرَجَ التَّحْقِيقِ وَكَتَبَ نُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى إلَى ابْنِ شُجَاعٍ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَا يَكْفُرُ لِأَنَّ الْكُفْرَ بِالِاعْتِقَادِ وَهُوَ لَمْ يَعْتَقِدْ الْكُفْرَ وَإِنَّمَا قَصَدَ أَنْ يُصَدَّقَ فِي مَقَالَتِهِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيْهِ غَضَبُ اللَّهِ أَوْ سَخَطُهُ فَلَيْسَ بِحَالِفٍ) وَكَذَا إذَا قَالَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ أَوْ عِقَابُهُ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا زَانٍ أَوْ شَارِبُ خَمْرٍ أَوْ آكِلُ رِبًا أَوْ مَيْتَةً فَلَيْسَ بِحَالِفٍ) لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ وَمُرْتَكِبُهَا لَا يَكُونُ كَافِرًا وَلِأَنَّ الْمَيْتَةَ قَدْ أُبِيحَتْ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَأَمَّا إذَا قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا مُسْتَحِلٌّ لِلْخَمْرِ أَوْ لِلْمَيْتَةِ أَوْ لِلرِّبَا فَإِنَّهُ يَكُونُ حَالِفًا لِأَنَّ مُعْتَقِدَ ذَلِكَ كَافِرٌ فَهُوَ كَمَا إذَا قَالَ: فَأَنَا يَهُودِيٌّ وَمَنْ أَدْخَلَ بَيْنَ اسْمَيْنِ حَرْفَ عَطْفٍ كَانَ يَمِينَيْنِ مِثْلُ وَاَللَّهِ وَاَللَّهِ أَوْ وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَطْفٍ مِثْلُ وَاَللَّهِ اللَّهِ أَوْ وَاَللَّهِ الرَّحْمَنِ فَهُوَ يَمِينٌ وَاحِدٌ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك فَهُمَا يَمِينَانِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا قَالَ: هُوَ يَهُودِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا وَهُوَ مَجُوسِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا الشَّيْءُ وَاحِدٌ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ يَمِينٌ وَإِنْ قَالَ: هُوَ يَهُودِيٌّ هُوَ نَصْرَانِيٌّ هُوَ مَجُوسِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا لِشَيْءٍ وَاحِدٍ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ يَمِينٌ وَإِنْ قَالَ: هُوَ بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِيَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ قَالَ: بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَبَرِيءٌ مِنْ رَسُولِهِ فَهُمَا يَمِينَانِ وَفِيهِمَا كَفَّارَتَانِ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ: الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ إذَا كَانَ مَظْلُومًا وَإِنْ كَانَ ظَالِمًا فَعَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَأَوْجَبَ لَهُ النَّارَ قِيلَ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا قَالَ وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ» قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ أَمَّا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ فَعَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ سَوَاءٌ كَانَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا قَوْلُهُ (وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ عِتْقُ رَقَبَةٍ يَجْرِي فِيهَا مَا يَجْرِي فِي الظِّهَارِ) يَعْنِي يُجْزِئُهُ عِتْقُ الرَّقَبَةِ الْمُؤْمِنَةِ وَالْكَافِرَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ فَإِنْ قِيلَ: الصَّغِيرُ لَا مَنَافِعَ فِي أَعْضَائِهِ فَهُوَ كَالزَّمِنِ قُلْنَا: مَنَافِعُ أَعْضَائِهِ كَامِلَةٌ وَإِنَّمَا فِيهَا ضَعْفٌ فَهُوَ كَالْكَبِيرِ الضَّعِيفِ وَإِنْ أَعْتَقَ حَمْلًا لَا يَجُوزُ وَإِنْ وُلِدَ بَعْدَ يَوْمٍ حَيًّا لِأَنَّهُ نَاقِصُ الْخَلْقِ مَا لَمْ يَنْفَصِلْ لِأَنَّهُ لَا يُبْصِرُ فَهُوَ كَالْأَعْمَى وَإِنْ أَعْتَقَ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ لَمْ يُجْزِئْهُ لِأَنَّ رِقَّهُمْ نَاقِصٌ بِدَلِيلِ امْتِنَاعِ بَيْعِهِمْ وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ إنْ كَانَ قَدْ أَدَّى شَيْئًا لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا جَازَ وَيَجُوزُ عِتْقُ الْآبِقِ وَالْأَعْوَرِ وَمَقْطُوعِ إحْدَى الْيَدَيْنِ أَوْ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ أَوْ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ خِلَافٍ وَلَا يُجْزِيهِ مَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ وَلَا مَقْطُوعُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَكَذَا لَا يُجْزِيهِ عِتْقُ الْمَجْنُونِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ فَإِنْ كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ أَجْزَأَهُ وَيَجُوزُ الْأَصَمُّ إذَا كَانَ بِحَيْثُ إذَا صِيحَ فِي أُذُنِهِ يَسْمَعُ وَإِلَّا فَلَا وَلَا يَجُوزُ الْمُقْعَدُ وَلَا يَابِسُ الشِّقِّ وَلَا الزَّمِنُ وَلَا أَشَلُّ الْيَدَيْنِ وَلَا مَقْطُوعُ الْإِبْهَامِ وَلَا الْأَعْمَى وَلَا الْأَخْرَسُ وَإِنْ أَعْتَقَ مُبَاحَ الدَّمِ أَجْزَأَهُ إلَّا الْمُرْتَدَّ وَإِنْ اشْتَرَى أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ أَوْ ابْنَهُ يَنْوِي بِالشِّرَاءِ الْعِتْقَ عَنْ يَمِينِهِ أَجْزَأَهُ وَيَجُوزُ مَقْطُوعُ الْأُذُنَيْنِ وَالْأَنْفِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ السَّمْعِ وَالشَّمِّ بَاقِيَةٌ وَإِنَّمَا فَاتَتْ الزِّينَةُ وَيَجُوزُ مَقْطُوعُ الذَّكَرِ لِأَنَّ عَدَمَهُ أَصْلًا لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ بِأَنْ كَانَ أُنْثَى وَيَجُوزُ الْخُنْثَى وَالْخَصِيُّ وَالْعِنِّينُ وَالرَّتْقَاءُ وَلَا يُجْزِئُ الذَّاهِبُ الْأَسْنَانِ وَلَا مَقْطُوعُ الشَّفَتَيْنِ إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْأَكْلِ فَإِنْ قَدَرَ أَجْزَأَهُ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ شَاءَ كَسَا عَشَرَةَ مَسَاكِينَ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَوْبًا فَمَا زَادَ وَأَدْنَاهُ مَا تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ) وَلَا يُجْزِيهِ الْعِمَامَةُ وَالْقَلَنْسُوَةُ وَالْخُفَّانِ لِأَنَّهُمَا لَا يُسَمَّيَانِ كِسْوَةً وَأَمَّا السِّرْوَالُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ثَوْبٍ يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ وَسَائِرَ بَدَنِهِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يُجْزِيهِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَجُوزُ فِيهِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَسَا رَجُلًا أَمَّا إذَا كَسَا امْرَأَةً فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَزِيدَهَا خِمَارًا لِأَنَّ رَأْسَهَا عَوْرَةٌ وَلَا يَجُوزُ لَهَا الصَّلَاةُ مَعَ كَشْفِهِ وَلَوْ أَعْطَى عَشَرَةَ مَسَاكِينَ ثَوْبًا وَاحِدًا وَهُوَ يُسَاوِي عَشَرَةَ أَثْوَابٍ لَا يُجْزِيهِ إلَّا عِنْدَ أَبِي طَاهِرٍ الدَّبَّاسِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ إطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ أَجْزَأَهُ عَنْ الْإِطْعَامِ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُجْزِيهِ مَا لَمْ يَنْوِهِ عَنْ الْإِطْعَامِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَأَمَّا إذَا أَعْطَاهُمْ دَرَاهِمَ وَهِيَ لَا تَبْلُغُ قِيمَةَ الْكِسْوَةِ وَتَبْلُغُ قِيمَةَ الطَّعَامِ فَإِنَّهُ يُجْزِيهِ عَنْ الطَّعَامِ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ لَا تَبْلُغُ قِيمَةَ الطَّعَامِ وَتَبْلُغُ قِيمَةَ الْكِسْوَةِ جَازَ عَنْ الْكِسْوَةِ وَلَوْ كَسَا خَمْسَةً وَأَطْعَمَ خَمْسَةً أَجْزَأَهُ قَوْلُهُ (وَإِنْ شَاءَ أَطْعَمَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ) وَيُجْزِئُ فِي الْإِطْعَامِ التَّمْلِيكُ وَالتَّمْكِينُ فَالتَّمْلِيكُ أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ دَقِيقِهِ أَوْ سَوِيقِهِ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ دَقِيقِهِ أَوْ سَوِيقِهِ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ.
وَأَمَّا الزَّبِيبُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَالْحِنْطَةِ يُجْزِئُ مِنْهُ نِصْفُ صَاعٍ وَفِي رِوَايَةٍ كَالشَّعِيرِ وَأَمَّا مَا عَدَا هَذِهِ الْحُبُوبُ كَالْأُرْزِ وَالذُّرَةِ وَالدُّخْنِ فَلَا يُجْزِيهِ إلَّا عَلَى طَرِيقِ الْقِيمَةِ أَيْ يُخْرِجُ مِنْهَا قِيمَةَ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ قِيمَةَ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي سَائِرِ الْحُبُوبِ تَمَامُ كَيْلِهِ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ فِيهَا وَأَمَّا التَّمْكِينُ فَهُوَ أَنْ يُغَدِّيَهُمْ وَيُعَشِّيَهُمْ فَيَحْصُلُ لَهُمْ أَكْلَتَانِ مُشْبِعَتَانِ أَوْ يُعَشِّيَهُمْ عَشَاءَيْنِ أَوْ يُغَدِّيَهُمْ غَدَاءَيْنِ أَوْ يُعَشِّيَهُمْ وَيُسَحِّرَهُمْ فَإِنْ أَطْعَمَهُمْ بِغَيْرِ إدَامٍ لَا يُجْزِيهِ إلَّا فِي خُبْزِ الْحِنْطَةِ لَا غَيْرُ فَإِنْ أَطْعَمَهُمْ خُبْزًا أَوْ تَمْرًا أَوْ سَوِيقًا لَا غَيْرُ أَجْزَأَهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ طَعَامِ أَهْلِهِ وَإِنْ أَطْعَمَ مِسْكِينًا وَاحِدًا عَشَرَةَ أَيَّامٍ غِذَاءً وَعَشَاءً أَجْزَأَهُ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ فِي كُلِّ أَكْلَةٍ إلَّا رَغِيفًا وَاحِدًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إشْبَاعُهُ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ التَّقْدِيرُ فِي التَّمْلِيكِ وَإِنْ غَدَّى عَشَرَةً وَعَشَّى عَشَرَةً غَيْرَهُمْ لَمْ يُجْزِيهِ وَكَذَا إذَا غَدَّى مِسْكِينًا وَعَشَّى غَيْرَهُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ لَمْ يُجْزِيهِ لِأَنَّهُ فَرَّقَ طَعَامَ الْعَشَرَةِ عَلَى عِشْرِينَ فَلَمْ يَحْصُلْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْمِقْدَارُ الْمُقَدَّرُ كَمَا إذَا فَرَّقَ حِصَّةَ الْمِسْكِينِ وَلَوْ غَدَّى مِسْكِينًا وَأَعْطَاهُ قِيمَةَ الْعَشَاءِ فُلُوسًا أَوْ دَرَاهِمَ أَجْزَأَهُ وَكَذَا إذَا فَعَلَهُ فِي عَشَرَةِ مَسَاكِينَ فَغَدَّاهُمْ وَأَعْطَاهُمْ قِيمَةَ عَشَائِهِمْ فُلُوسًا أَوْ دَرَاهِمَ قَالَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ: لَوْ غَدَّى مِسْكِينًا عِشْرِينَ يَوْمًا أَوْ عَشَّاهُ فِي رَمَضَانَ عِشْرِينَ لَيْلَةً أَجْزَأَهُ لِأَنَّ سَدَّ الْجَوْعَةِ فِي أَيَّامٍ لِوَاحِدٍ كَسَدِّ الْجَوْعَةِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ لِجَمَاعَةٍ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ.
وَإِنْ أَعْطَى مِسْكِينًا وَاحِدًا طَعَامَ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّ تَكْرَارَ الدَّفْعِ مُسْتَحَقٌّ كَمَا إذَا رَمَى الْجَمْرَةَ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ دُفْعَةً وَاحِدَةً لَمْ يُجْزِهِ إلَّا عَنْ وَاحِدَةٍ كَذَا هَذَا وَلَوْ صَامَ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِهِ وَفِي مِلْكِهِ عَبْدُهُ قَدْ نَسِيَهُ أَوْ طَعَامٌ قَدْ نَسِيَهُ ثُمَّ تَذَكَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ الصَّوْمُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَيَّدَ ذَلِكَ بِعَدَمِ الْوُجُودِ وَهَذَا وَاحِدٌ وَلَا يَجُوزُ صَرْفُ الْكَفَّارَةِ إلَى مَنْ لَا يَجُوزُ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَيْهِ كَالْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودَيْنِ وَغَيْرِهِمْ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ إلَى فُقَرَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ عِنْدَهُمَا بِخِلَافِ الزَّكَاةِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَيْهِمْ كَالزَّكَاةِ وَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا فِي كَفَنِ الْمَوْتَى وَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ) هَذِهِ كَفَّارَةُ الْمُعْسِرِ وَالْأُولَى كَفَّارَةُ الْمُوسِرِ وَحَدُّ الْيَسَارِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أَنْ يَكُونَ لَهُ فَضْلٌ عَنْ كِفَايَةٍ مِقْدَارُ مَا يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ عَيْنُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ أَمَّا إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ ذَلِكَ لَا يُجْزِيهِ الصَّوْمُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي مِلْكِهِ عَبْدٌ أَوْ كُسْوَةٌ أَوْ طَعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَمْ لَا وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ حِينَئِذٍ يُعْتَبَرُ الْيَسَارُ وَالْإِعْسَارُ.
قَالَ فِي شَرْحِهِ: إذَا مَلَكَ عَبْدًا وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لَمْ يُجْزِهِ الصَّوْمُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ عِتْقُهُ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلرَّقَبَةِ فَلَا يُجْزِيهِ الصَّوْمُ وَالْمُعْتَبَرُ عِنْدَنَا فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ بِوَقْتِ الْأَدَاءِ لَا بِوَقْتِ الْوُجُوبِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُوسِرًا وَقْتَ الْوُجُوبِ ثُمَّ أَعْسَرَ جَازَ لَهُ الصَّوْمُ وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا وَقْتَ الْوُجُوبِ ثُمَّ أَيْسَرَ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَقَوْلُهُ مُتَتَابِعَاتٍ التَّتَابُعُ شَرْطٌ عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ فَرَّقَ الصَّوْمَ لَا يَجُوزُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إنْ شَاءَ فَرَّقَ وَإِنْ شَاءَ تَابَعَ وَمِنْ شَرْطِ هَذَا الصَّوْمِ النِّيَّةُ مِنْ اللَّيْلِ فَإِنْ شَرَعَ فِيهِ ثُمَّ أَيْسَرَ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُتِمَّ صَوْمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَإِنْ أَفْطَرَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ عِنْدَنَا.
وَقَالَ زُفَرُ: يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَالْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ مُعْسِرَةً فَلِزَوْجِهَا مَنْعُهَا مِنْ الصَّوْمِ لِأَنَّ كُلَّ صَوْمٍ وَجَبَ عَلَيْهَا بِإِيجَابِهَا فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ وَكَذَلِكَ فِي الْعَبْدِ إلَّا إذَا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ لَيْسَ لِلْمَوْلَى مَنْعُهُ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمَرْأَةِ إذْ لَا يَصِلُ إلَيْهَا إلَّا بِالْكَفَّارَةِ قَوْلُهُ (فَإِنْ قَدَّمَ الْكَفَّارَةَ عَلَى الْحِنْثِ لَمْ يَجُزْ) هَذَا عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ إلَّا إذَا كَفَّرَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ حَلَفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ مِثْلُ أَنْ لَا يُصَلِّي أَوَّلًا يُكَلِّمَ أَبَاهُ أَوْ لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَنِّثَ نَفْسَهُ وَيُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ ثُمَّ لِيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» وَلِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ الْبِرِّ إلَى الْجَابِرِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ وَلَا جَابِرَ لِلْمَعْصِيَةِ فِي ضِدِّهِ وَحُكِيَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ سَأَلَ الشَّعْبِيَّ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ هَذِهِ يَمِينٌ فِي مَعْصِيَةٍ فَقَالَ: أَلَيْسَ جَعَلَ اللَّهُ الظِّهَارَ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا وَأَوْجَبَ فِيهِ الْكَفَّارَةَ فَقَالَ لَهُ الشَّعْبِيُّ: أَنْتَ مِنْ الْأرَائِيِّينَ أَيْ مِمَّنْ يَقُولُ بِالرَّأْيِ وَقَوْلُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَنِّثَ نَفْسَهُ أَيْ يُكَلِّمَ أَبَاهُ وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَيَعْزِمَ عَلَى تَرْكِ الْقَتْلِ وَيُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ فَإِنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يُكَلِّمْ أَبَاهُ وَقَتَلَ فُلَانًا فَهُوَ عَاصٍ وَعَلَيْهِ التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ وَأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ مُؤَقَّتَةً أَمَّا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ.
وَأَمَّا النَّذْرُ إذَا كَانَ فِي الْمُبَاحِ أَوْ فِي الْمَعْصِيَةِ لَا يَلْزَمُهُ كَمَا إذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْهَبَ إلَى السُّوقِ أَوْ أَعُودَ مَرِيضًا أَوْ أُطَلِّقَ امْرَأَتِي أَوْ أَضْرِبَ أَوْ أَشْتُمَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَإِنْ نَذَرَ ذَبْحَ وَلَدِهِ لَزِمَهُ ذَبْحُ شَاةٍ اسْتِحْسَانًا عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ» وَلَهُمَا أَنَّ ذَبْحَ الْوَلَدِ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ ذَبْحِ الشَّاةِ بِدَلِيلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ نَذَرَ ذَبْحَ وَلَدِهِ أَنْ يَفِيَ بِنَذْرِهِ ثُمَّ أَمَرَهُ بِذَبْحِ شَاةٍ وَقَالَ {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالذَّبْحِ يَتَنَاوَلُ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِالِاقْتِدَاءِ بِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ تَعَالَى {وَاتَّبِعْ مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} وَإِنْ نَذَرَ ذَبْحَ عَبْدِهِ فَعِنْدَهُمَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ شَاةٌ لِأَنَّهُ أَمْلَكُ لِعَبْدِهِ مِنْ ابْنِهِ وَإِنْ نَذَرَ ذَبْحَ نَفْسِهِ فَكَذَا عِنْدَهُمَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ شَاةٌ لِأَنَّ مَا جَازَ أَنْ يَلْزَمَهُ عَنْ ابْنِهِ جَازَ أَنْ يَلْزَمَهُ عَنْ نَفْسِهِ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ النَّذْرِ بِذَبْحِ وَلَدِهِ وَعَبْدِهِ وَنَفْسِهِ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجِبُ شَاةٌ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَنْوَاعِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا شَيْءَ فِيهَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ شَاةٌ فِي الْوَلَدِ خَاصَّةً وَوَلَدُ الِابْنِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ وَأَمَّا فِي الْأَبِ وَالْجَدِّ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إجْمَاعًا قَالَ الْخُجَنْدِيُّ: هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ تَنْفِيذَ الْيَمِينِ أَمَّا إذَا أَرَادَ تَنْفِيذَ الْفِعْلِ فِي الْيَمِينِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ نَذْرٌ فِي مَعْصِيَةٍ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ الْكَافِرُ ثُمَّ حَنِثَ فِي حَالِ الْكُفْرِ أَوْ بَعْدَ إسْلَامِهِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْيَمِينِ لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ لِتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مَعَ الْكُفْرِ لَا يَكُونُ مُعَظِّمًا وَلَا هُوَ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مِنْ شَرْطِهَا النِّيَّةُ فَلَا تَصِحُّ مِنْهُ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَأَمَّا إذَا حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ لَزِمَهُ وَإِنْ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ صَحَّ إيلَاؤُهُ حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْرَبْهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ بَانَتْ مِنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يَصِحُّ إيلَاؤُهُ قَوْلُهُ (وَمَنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا مِمَّا يَمْلِكُهُ لَمْ يَصِرْ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ إنْ اسْتَبَاحَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) بِأَنْ يَقُولَ: هَذَا الطَّعَامُ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ حَرَامٌ عَلَيَّ أَكْلُهُ فَإِنْ أَكَلَهُ حَنِثَ وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَصَارَ كَمَا إذَا حَرَّمَ أَمَتَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ إنْ اسْتَبَاحَهُ يُنَاقِضُ قَوْلَهُ لَمْ يَصِرْ مُحَرَّمًا لِأَنَّ الِاسْتِبَاحَةَ تَقْتَضِي الْحُرْمَةَ قُلْنَا: لَمْ يَصِرْ مُحَرَّمًا حَرَامًا لِعَيْنٍ وَالْمُرَادُ مِنْ الِاسْتِبَاحَةِ أَنْ يُعَامَلَ مُعَامَلَةَ الْمُبَاحِ لِأَنَّ الْمُبَاحَ يُؤْكَلُ وَقَدْ أَكَلَهُ بَعْدَ مَا حَلَفَ فَيَكُونُ مُعَامَلًا مُعَامَلَةَ الْمُبَاحِ لَا أَنَّ الْمُرَادَ صَارَ حَلَالًا بَعْدَ أَنْ كَانَ حَرَامًا إذَا فَعَلَ مِمَّا حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا حَنِثَ وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ الِاسْتِبَاحَةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ إذَا ثَبَتَ تَنَاوَلَ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الطَّعَامَ فَإِنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا إنْ كَانَ طَعَامًا مَا يَقْدِرُ عَلَى أَكْلِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً كَالرَّغِيفِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ بَعْضِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَكْلَهُ مَرَّةً حَنِثَ بِأَكْلِ بَعْضِهِ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذِهِ الرُّمَّانَةَ فَأَكَلَهَا إلَّا حَبَّةً أَوْ حَبَّتَيْنِ حَنِثَ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَإِنْ تَرَكَ نِصْفَهَا أَوْ ثُلُثَهَا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِآكِلٍ لِجَمِيعِهَا وَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ لَحْمَ هَذَا الْجَزُورِ أُوَلًا يَبِيعُ هَذِهِ الْخَابِيَةَ الزَّيْتَ فَبَاعَ نِصْفَهَا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْبَيْعَ يُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ عَلَى الْكُلِّ فَحُمِلَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْحَقِيقَةِ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: كُلُّ حَلَالٍ عَلَيَّ حَرَامٌ فَهُوَ عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ ذَلِكَ) فَائِدَتُهُ أَنَّ امْرَأَتَهُ لَا تَدْخُلُ فِي يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهَا فَإِذَا نَوَاهَا كَانَ إيلَاءً وَلَا تُصْرَفُ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَكَذَا اللِّبَاسُ لَا يَدْخُلُ فِي يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ وَإِنْ قَالَ: كُلُّ حَلَالٍ عَلَيَّ حَرَامٌ يَنْوِي امْرَأَتَهُ كَانَ عَلَيْهَا وَعَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لِأَنَّ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ يَلْزَمُهُ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ وَتَحْرِيمُ الْمَرْأَةِ يَلْزَمُهُ بِنِيَّتِهِ وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: أَنْتُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ يَنْوِي فِي إحْدَاهُمَا الطَّلَاقَ وَفِي الْأُخْرَى الْإِيلَاءَ كَانَتَا طَلْقَتَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّ اللَّفْظَ الْوَاحِدَ لَا يُحْمَلُ عَلَى أَمْرَيْنِ فَإِذَا أَرَادَ أَحَدَهُمَا حُمِلَ عَلَى الْأَغْلَظِ مِنْهُمَا وَهُوَ الطَّلَاقُ وَكَذَا إذَا قَالَ لَهُمَا: أَنْتُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ يَنْوِي فِي أَحَدِهِمَا ثَلَاثًا وَفِي الْأُخْرَى وَاحِدَةً يُطَلَّقَانِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ اللَّفْظَ الْوَاحِدَ لَا يُحْمَلُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ: فَيُحْمَلُ عَلَى أَشَدِّهِمَا كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ قَوْلُهُ (وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا مُطْلَقًا فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ) بِأَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ عَشْرُ حِجَجٍ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ سَنَةٍ فَكَذَا أَيْضًا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ وَلَا يُجْزِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُجْزِيهِ وَيُرْوَى أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ إلَى هَذَا الْقَوْلِ وَقَوْلُهُ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «مَنْ نَذَرَ نَذْرًا سَمَّاهُ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُسَمِّهِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى: هُنَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ أَحَدُهُمَا أَنْ يُطْلِقَ النَّذْرَ فَيَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ نَذْرٌ لِلَّهِ عَلَيَّ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ الثَّانِيَةُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ فَهُوَ مُطْلَقٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْهُ بِشَرْطٍ الثَّالِثَةِ أَنْ يُعَلِّقَ نَذْرَهُ بِشَرْطٍ وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي الْكِتَابِ بَعْدَ هَذِهِ الرَّابِعَةِ أَنْ يَقُولَ: عَلَيَّ نَذْرٌ إنْ فَعَلْت كَذَا فَهَذِهِ تَنْعَقِدُ يَمِينًا وَمُوجِبُهَا مُوجِبُ الْيَمِينِ قَوْلُهُ (وَإِنْ عَلَّقَ نَذْرَهُ بِشَرْطٍ فَوُجِدَ الشَّرْطُ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِنَفْسِ النَّذْرِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ إذَا قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ حَجَّةٌ أَوْ صَوْمُ سَنَةٍ أَوْ صَدَقَةُ مَا أَمْلِكُ أَجْزَأَهُ عَنْ ذَلِكَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ) وَيَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِمَا سَمَّى أَيْضًا وَهَذَا إذَا كَانَ شَرْطًا لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ بِأَنْ قَالَ: إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَمَالِي صَدَقَةٌ أَوْ عَلَيَّ حَجَّةٌ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ الْمَنْعُ وَهُوَ بِظَاهِرِهِ نَذْرٌ فَيَتَخَيَّرُ وَيَمِيلُ إلَى أَيِّ الْجِهَتَيْنِ شَاءَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ شَرْطًا يُرِيدُ كَوْنَهُ كَقَوْلِهِ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ رَدَّ غَائِبِي فَشَفَى اللَّهُ مَرِيضَهُ أَوْ رَدَّ غَائِبَهُ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْوَفَاءَ بِالنَّذْرِ بِلَا خِلَافٍ لِانْعِدَامِ مَعْنَى الْيَمِينِ فِيهِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ: إذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَدَقَةٌ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا تَصَدَّقَ بِنِصْفِ صَاعٍ وَإِنْ قَالَ: إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا لَزِمَهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فَدَخَلَ الْكَعْبَةَ أَوْ الْمَسْجِدَ أَوْ الْبِيعَةَ أَوْ الْكَنِيسَةَ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ هَذِهِ لَا تُسَمَّى بُيُوتًا فِي الْعَادَةِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْأَيْمَانِ الِاسْمُ وَالْعَادَةُ وَلِأَنَّ الْبَيْتَ هُوَ مَا أُعِدَّ لِلْبَيْتُوتَةِ وَهَذِهِ الْبِقَاعُ مَا بُنِيَتْ لَهَا وَلَا يُقَالُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الْمَسَاجِدَ بُيُوتًا فَقَالَ تَعَالَى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْمُعْتَادُ دُونَ تَسْمِيَةِ الْقُرْآنِ قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ فَقَرَأَ الْقُرْآنَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَتْ بِكَلَامٍ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «إنَّ هَذِهِ صَلَاتَنَا لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَإِنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا يُؤْتَى بِهِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ الْأَذْكَارِ لَيْسَ بِكَلَامٍ فَلَا يَحْنَثُ وَكَذَا إذَا سَبَّحَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ هَلَّلَ أَوْ كَبَّرَ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَوْ كَبَّرَ أَوْ هَلَّلَ أَوْ سَبَّحَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ حَنِثَ لِأَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ وَقِيلَ: فِي عُرْفِنَا لَا يَحْنَثُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُتَكَلِّمًا بَلْ يُسَمَّى قَارِئًا أَوْ مُسَبِّحًا وَإِنْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ فَصَلَّى لَمْ يَحْنَثْ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ بِالْيَمِينِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا فَصَلَّى خَلْفَهُ فَسَهَا الْإِمَامُ فَسَبَّحَ بِهِ الْحَالِفُ أَوْ فَتَحَ عَلَيْهِ بِالْقِرَاءَةِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ هَذَا لَا يُسَمَّى كَلَامًا عَلَى الْإِطْلَاقِ لِأَنَّ الْكَلَامَ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَهَذَا لَا يُبْطِلُهَا وَإِنْ فَتَحَ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ حَنِثَ لِأَنَّهُ كَلَامٌ وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ هُوَ الْحَالِفُ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ خَلْفَهُ فَسَلَّمَ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ سَلَامَ الصَّلَاةِ لَيْسَ بِكَلَامٍ كَتَكْبِيرِهَا وَالْقِرَاءَةِ فِيهَا.
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ كِتَابَ فُلَانٍ فَنَظَرَ فِيهِ وَفَهِمَهُ وَلَمْ يَنْطِقْ فِيهِ بِشَيْءٍ لَا يَحْنَثُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِعْلُ اللِّسَانِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَحْنَثُ لِأَنَّهُ مَجَازٌ مُتَعَارَفٌ وَالْأَيْمَانُ تَقَعُ عَلَى الْعُرْفِ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ فَنَظَرَ فِيهَا حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهَا لَا يَحْنَثُ بِالِاتِّفَاقِ فَأَبُو يُوسُفَ سَوَّى بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَقْرَأُ كِتَابَ فُلَانٍ وَمُحَمَّدٌ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: الْمَقْصُودُ مِنْ قِرَاءَةِ كِتَابِ فُلَانٍ فَهْمُ مَا فِيهِ وَقَدْ حَصَلَ بِالنَّظَرِ وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فَالْمَقْصُودُ مِنْهَا عَيْنُ الْقِرَاءَةِ إذْ الْغَرَضُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الثَّوَابُ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِتَحْرِيكِ اللِّسَانِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ سُورَةً فَتَرَكَ مِنْهَا كَلِمَةً حَنِثَ وَإِنْ كَانَ آيَةً كَامِلَةً لَا يَحْنَثُ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ كِتَابَ فُلَانٍ فَقَرَأَهُ إلَّا سَطْرًا حَنِثَ وَكَأَنَّهُ قَرَأَهُ كُلَّهُ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ الْوُقُوفُ عَلَى مَا فِيهِ فَإِنْ قَرَأَ نِصْفَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ قَالَ: يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِأَنَّ اسْمَ الْيَوْمِ إذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ يُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ وَالْكَلَامُ لَا يَمْتَدُّ وَإِنْ عَنَى بِهِ النَّهَارَ خَاصَّةً دُيِّنَ فِي الْقَضَاءِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمُتَعَارَفِ وَأَنْ قَالَ: لَيْلَةَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَهُوَ عَلَى اللَّيْلِ خَاصَّةً لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا وَهُوَ لَابِسُهُ فَنَزَعَهُ فِي الْحَالِ لَمْ يَحْنَثْ) وَقَالَ زُفَرُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ جُعِلَ لَابِسًا مِنْ وَقْتِ الْيَمِينِ إلَى أَنْ نَزَعَهُ وَلَنَا أَنَّ الْأَيْمَانَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ وَقَصْدُ الْإِنْسَانِ فِي الْعَادَةِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى مَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَبَقَاءُ الثَّوْبِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْيَمِينِ إلَى أَنْ يَنْزِعَهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ يَمِينِهِ فَلِهَذَا لَمْ يَحْنَثْ وَلِأَنَّ الْيَمِينَ لَا تُعْقَدُ عَلَى مَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَحْلِفُ لِيَبَرَّ لَا لِيَحْنَثَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا بَيْنَ الْيَمِينِ وَالنَّزْعِ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَكَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى مَا سِوَاهُ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يَرْكَبُ هَذِهِ الدَّابَّةَ وَهُوَ رَاكِبُهَا فَنَزَلَ مِنْ سَاعَتِهِ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ لَبِثَ سَاعَةً حَنِثَ) لِأَنَّ الْبَقَاءَ عَلَى اللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ لُبْسٌ وَرُكُوبٌ فَإِذَا تَرَكَ النَّزْعَ وَالنُّزُولَ بَعْدَ يَمِينِهِ جُعِلَ رَاكِبًا وَلَابِسًا فَحَنِثَ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَكْسُو فُلَانًا شَيْئًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَكَسَاهُ قَلَنْسُوَةً أَوْ خُفَّيْنِ أَوْ نَعْلَيْنِ حَنِثَ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِمَّا تُكْسَى وَلِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْفِعْلِ فَحَنِثَ بِوُجُودِ الْيَسِيرِ مِنْهُ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْكِسْوَةَ عِبَارَةٌ عَمَّا يُجْزِئُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَكْسُو فُلَانًا ثَوْبًا فَأَعْطَاهُ دَرَاهِمَ يَشْتَرِي بِهَا ثَوْبًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَمْ يَكْسُهُ وَإِنَّمَا وَهَبَ دَرَاهِمَ وَشَاوَرَهُ فِيمَا يَفْعَلُ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ فِيهَا لَمْ يَحْنَثْ بِالْقُعُودِ حَتَّى يَخْرُجَ ثُمَّ يَدْخُلَ) لِأَنَّ الدُّخُولَ لَا دَوَامَ لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ انْفِصَالٌ مِنْ الْخَارِجِ إلَى الدَّاخِلِ وَلَيْسَ الْمُكْثُ دُخُولًا أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ دَخَلَ دَارًا يَوْمَ الْخَمِيسِ وَمَكَثَ إلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ لَا يَقُولُ دَخَلْتهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَسَوَاءٌ دَخَلَهَا رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا أَوْ مَحْمُولًا بِأَمْرِهِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ اسْمَ الدُّخُولِ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ فَإِنْ أُدْخِلَهَا مُكْرَهًا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَاخِلٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُدْخَلٌ فَإِنْ أَدْخَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ وَلَمْ يُدْخِلْ الْأُخْرَى لَا يَحْنَثُ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ دَاخِلًا بِإِحْدَى رِجْلَيْهِ جَعَلْنَاهُ خَارِجًا بِالْأُخْرَى فَلَا يَكُونُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ دَاخِلًا وَخَارِجًا وَإِنْ أَدْخَلَ رَأْسَهُ وَلَمْ يُدْخِلْ قَدَمَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِدُخُولٍ عَلَيْهِ عَادَةً وَإِنَّمَا الدُّخُولُ الْمُعْتَادُ فِي الْبُيُوتِ خَاصَّةً وَلَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ فَأَمَرَ إنْسَانًا فَحَمَلَهُ وَأَخْرَجَهُ حَنِثَ وَإِنْ أَخْرَجَهُ مُكْرَهًا لَا يَحْنَثُ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ إلَى مَكَّةَ فَخَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ يُرِيدُهَا ثُمَّ رَجَعَ حَنِثَ لِوُجُودِ الْخُرُوجِ عَلَى قَصْدِ مَكَّةَ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْتِي مَكَّةَ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَدْخُلَهَا لِأَنَّ الْإِتْيَانَ عِبَارَةٌ عَنْ الْوُصُولِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ} وَإِنْ حَلَفَ لَا يَذْهَبُ إلَى مَكَّةَ فَهُوَ كَالْإِتْيَانِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ كَالْخُرُوجِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا خَرَابًا لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُعَيِّنْ الدَّارَ كَانَ الْمُعْتَبَرُ فِي يَمِينِهِ دَارًا مُعْتَادًا دُخُولُهَا وَسُكْنَاهَا إذْ الْأَيْمَانُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعَادَةِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ قَمِيصًا فَارْتَدَى بِهِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ اللُّبْسُ الْمُعْتَادُ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَهَا بَعْدَ مَا انْهَدَمَتْ وَصَارَتْ صَحْرَاءَ حَنِثَ) لِأَنَّهُ لَمَّا عَيَّنَهَا تَعَلَّقَ ذَلِكَ بِبَقَاءِ اسْمِهَا وَالِاسْمُ فِيهَا بَاقٍ كَمَا لَوْ انْهَدَمَتْ سُقُوفُهَا وَبَقِيَتْ حِيطَانُهَا وَعَلَى هَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الْقَمِيصَ بِعَيْنِهِ فَارْتَدَى بِهِ حَنِثَ لِأَنَّ الْيَمِينَ وَقَعَتْ عَلَى الِاسْمِ لَا عَلَى الْمُعْتَادِ مِنْ اللُّبْسِ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الصِّفَةَ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ وَفِي الْغَائِبِ شَرْطٌ وَقِيَامُ الِاسْمِ شَرْطٌ فِيهِمَا جَمِيعًا بَيَانُهُ إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ وَأَشَارَ إلَيْهَا أَوْ دَارًا بِعَيْنِهَا فَدَخَلَهَا بَعْدَ مَا انْهَدَمَتْ وَصَارَتْ صَحْرَاءَ حَنِثَ لِأَنَّ الِاسْمَ بَاقٍ إذْ الدَّارُ اسْمٌ لِلسَّاحَةِ وَالْبِنَاءُ وَصْفٌ فِيهَا وَالصِّفَةُ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ وَإِنْ جُعِلَتْ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا أَوْ بُسْتَانًا فَدَخَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الِاسْمَ قَدْ زَالَ فَلَوْ بَنَاهَا دَارًا أُخْرَى بَعْدَمَا جَعَلَهَا مَسْجِدًا فَدَخَلَهَا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهَا غَيْرُ الدَّارِ الْأُولَى وَإِنْ بَنَاهَا دَارًا بَعْدَ مَا صَارَتْ صَحْرَاءَ فَدَخَلَهَا حَنِثَ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا بِغَيْرِ عَيْنِهَا فَدَخَلَ دَارًا قَدْ هُدِمَتْ وَصَارَتْ صَحْرَاءَ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الصِّفَةَ فِي الْغَائِبِ شَرْطٌ إلَّا إذَا كَانَتْ حِيطَانُهَا قَائِمَةً حِينَئِذٍ يَحْنَثُ وَأَمَّا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْبَيْتَ فَدَخَلَهُ بَعْدَمَا انْهَدَمَ سَقْفُهُ حَنِثَ لِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ غَيْرُ الْوَصْفِ وَإِنْ زَالَتْ حِيطَانُهُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ زَالَ الِاسْمُ وَلَا يُسَمَّى بَيْتًا بَعْدَ زَوَالِ الْحِيطَانِ بِخِلَافِ الدَّارِ قَالَ الشَّاعِرُ:
الدَّارُ دَارٌ وَإِنْ زَالَتْ حَوَائِطُهَا ** وَالْبَيْتُ لَيْسَ بِبَيْتٍ بَعْدَ تَهْدِيمٍ

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْبَيْتَ فَدَخَلَهُ بَعْدَمَا انْهَدَمَ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ الْبَيْتَ اسْمٌ لِلْمَبْنِيِّ فَإِذَا زَالَ الْبِنَاءُ لَمْ يُسَمَّ بَيْتًا وَإِنْ كَانَ انْهَدَمَ سَقْفُهُ وَبَقِيَتْ حِيطَانُهُ فَدَخَلَ حَنِثَ لِأَنَّهُ يُبَاتُ فِيهِ وَالسَّقْفُ وَصْفٌ فِيهِ وَلِأَنَّهُ بِهَدْمِ السَّقْفِ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ اسْمُ الْبَيْتِ مَا دَامَتْ الْحِيطَانُ بَاقِيَةً وَإِنَّمَا يُقَالُ: بَيْتٌ خَرَابٌ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فَدَخَلَ بَيْتًا لَا سَقْفَ لَهُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْبِنَاءَ وَصْفٌ فِيهِ وَالْوَصْفُ فِي الْغَائِبِ شَرْطٌ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْبَيْتَ فَانْهَدَمَ وَبَنَى بَيْتًا آخَرَ فَدَخَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الِاسْمَ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ الِانْهِدَامِ قَوْلُهُ (وَلَوْ) (حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زَوْجَةَ فُلَانٍ فَطَلَّقَهَا فُلَانٌ) أَيْ طَلَاقًا بَائِنًا (ثُمَّ كَلَّمَهَا) (حَنِثَ) هَذَا إذَا كَانَ الْيَمِينُ عَلَى زَوْجَةٍ مُعَيَّنَةٍ مُشَارٍ إلَيْهَا بِأَنْ قَالَ زَوْجَةَ فُلَانٍ هَذِهِ وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ صَدِيقَ فُلَانٍ وَعَيَّنَهُ فَعَادَاهُ فُلَانٌ ثُمَّ كَلَّمَهُ حَنِثَ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُونَا مُعَيَّنَيْنِ لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَحْنَثُ وَأَمَّا الْعَبْدُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا لَمْ يَحْنَثْ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا فَكَذَا أَيْضًا لَا يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَحْنَثُ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ عَبْدَ فُلَانٍ أَوْ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَبَاعَ فُلَانٌ عَبْدَهُ أَوْ دَارِهِ فَكَلَّمَ الْعَبْدَ أَوْ دَخَلَ الدَّارَ لَمْ يَحْنَثْ) هَذَا قَوْلُهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَحْنَثُ قَاسَهُ عَلَى صَدِيقِ فُلَانٍ وَزَوْجَةِ فُلَانٍ وَلَهُمَا أَنَّ امْتِنَاعَهُ مِنْ كَلَامِ الْعَبْدِ لِأَجْلِ مَوْلَاهُ إذْ لَوْ أَرَادَ الْعَبْدَ بِعَيْنِهِ لَمْ يُضِفْهُ إلَى الْمَوْلَى فَلَمَّا أَضَافَ الْمِلْكَ فِيهِ إلَى الْمَوْلَى زَالَتْ يَمِينُهُ عَنْهُ بِزَوَالِ مِلْكِهِ وَكَذَا الدَّارُ لَا تُعَادَى وَلَا تُوَالَى فَإِذَا حَلَفَ عَلَى دُخُولِهَا مَعَ الْإِضَافَةِ صَارَ الِامْتِنَاعُ بِالْيَمِينِ لِأَجْلِ صَاحِبِهَا فَإِذَا زَالَ الْمِلْكُ زَالَتْ الْيَمِينُ وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبَ فُلَانٍ أَوَّلًا يَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ فَبَاعَهُمَا فَلَبِسَ الثَّوْبَ وَرَكِبَ الدَّابَّةَ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْهَا إلَّا لِمَعْنًى فِي الْمَالِكِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: مَا دَامَا مِلْكًا لِفُلَانٍ وَكَذَا الْعَبْدُ لَا يُعَادَى وَلَا يُوَالَى لِخَسَاسَتِهِ وَسُقُوطِ مَنْزِلَتِهِ وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْهُ لِأَجْلِ مَوْلَاهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الصَّدِيقُ وَالزَّوْجَةُ وَالزَّوْجُ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ يُعَادَوْنَ وَيُوَالَوْنَ لِأَنْفُسِهِمْ فَعُلِمَ أَنَّهُ قَصَدَهُمْ بِالْيَمِينِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَدَخَلَ دَارًا يَسْكُنُهَا فُلَانٌ بِمِلْكٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ حَنِثَ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ بِنْتَ فُلَانٍ فَوُلِدَتْ لَهُ بِنْتٌ بَعْدَ الْيَمِينِ فَتَزَوَّجَهَا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِنْتَ فُلَانٍ يَقْتَضِي بِنْتًا مَوْجُودَةً فِي الْحَالِ وَإِنْ قَالَ بِنْتًا لِفُلَانٍ أَوْ بِنْتًا مِنْ بَنَاتِ فُلَانٍ وَلَا بَنَاتَ لَهُ وَقْتَ الْيَمِينِ ثُمَّ وُلِدَ لَهُ بَعْدَ الْيَمِينِ بِنْتٌ فَتَزَوَّجَهَا حَنِثَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ طَعَامِ فُلَانٍ فَأَكَلَ مِنْ طَعَامٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَالِفِ حَنِثَ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ يُسَمَّى طَعَامًا فَقَدْ أَكَلَ مِنْ طَعَامِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ صَاحِبَ هَذَا الطَّيْلَسَانِ فَبَاعَهُ ثُمَّ كَلَّمَهُ حَنِثَ) لِأَنَّ هَذِهِ الْإِضَافَةَ لَا تَحْتَمِلُ إلَّا التَّعْرِيفَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُعَادَى لِمَعْنًى فِي الطَّيْلَسَانِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَشَارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الشَّابَّ فَكَلَّمَهُ وَقَدْ صَارَ شَيْخًا حَنِثَ) لِأَنَّ الْحُكْمَ تَعَلَّقَ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ إذْ الصِّفَةُ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ وَإِنْ قَالَ: لَا أُكَلِّمُ شَابًّا أَوْ شَيْخًا أَوْ صَبِيًّا بِلَفْظِ النَّكِرَةِ تَقَيَّدَ بِهِ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ هَذَا الْحَمَلِ فَصَارَ كَبْشًا فَأَكَلَهُ حَنِثَ) لِأَنَّ يَمِينَهُ تَعَلَّقَتْ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ) فَهُوَ عَلَى ثَمَرِهَا لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى أَكْلُهَا فَكَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى مَا يَحْدُثُ مِنْهَا فَإِنْ أَكَلَ مِنْ عَيْنِهَا لَمْ يَحْنَثْ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا أَكَلَ مِنْ ثَمَرِهَا أَوْ جُمَّارِهَا أَوْ طَلْعِهَا أَوْ دِبْسِهَا يَحْنَثُ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنْهَا وَالْمُرَادُ بِالدِّبْسِ الَّذِي لَمْ يُطْبَخْ أَمَّا إذَا طُبِخَ لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِهِ فَإِنْ شَرِبَ مِنْ خَلِّهَا أَوْ نَبِيذِهَا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ هَذَا قَدْ تَغَيَّرَ بِصَنْعَةٍ جَدِيدَةٍ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْكَرْمِ شَيْئًا فَهُوَ عَنْ عِنَبِهِ وَزَبِيبِهِ وَعَصِيرِهِ وَالْكَرْمُ بِمَنْزِلَةِ النَّخْلِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ فَهُوَ عَلَى لَحْمِهَا خَاصَّةً دُونَ مَا يُتَّخَذُ مِنْ اللَّبَنِ وَالزَّبَدِ وَالْجُبْنِ وَالْأَقِطِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الشَّاةَ مَأْكُولَةٌ فِي نَفْسِهَا فَحُمِلَتْ الْيَمِينُ عَلَى لَحْمِهَا دُونَ غَيْرِهِ بِخِلَافِ النَّخْلَةِ فَإِنَّهَا غَيْرُ مَأْكُولَةٍ فِي نَفْسِهَا فَحُمِلَتْ الْيَمِينُ عَلَى مَا يَحْدُثُ مِنْهَا وَلَوْ نَظَرَ إلَى عِنَبٍ فَحَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ فَهُوَ عَلَى الْعِنَبِ فِي نَفْسِهِ دُونَ زَبِيبِهِ لِأَنَّ الْعِنَبَ مَأْكُولٌ فِي نَفْسِهِ فَانْصَرَفَ يَمِينُهُ إلَيْهِ كَالشَّاةِ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْبُسْرِ فَصَارَ رُطَبًا فَأَكَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ الْيَمِينَ إذَا تَعَلَّقَتْ بِعَيْنٍ بَقِيَتْ بِبَقَاءِ اسْمِهِ وَزَالَتْ بِزَوَالِهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ انْتِقَالَهُ إلَى الرُّطَبِ يُزِيلُ عَنْهُ اسْمَ الْبُسْرِ وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ فَأَكَلَ مِنْ جُبْنٍ صُنِعَ مِنْهُ أَوْ مَصْلٍ أَوْ أَقِطٍ أَوْ شِيرَازِ الْمَصْلُ الْمَوَّاهُ وَالشِّيرَازُ الْجَدَابَةُ وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْبَيْضَةِ فَأَكَلَ مِنْ فَرْخٍ خَرَجَ مِنْهَا أَوَّلًا يَذُوقَ هَذِهِ الْخَمْرَ فَصَارَتْ خَلًّا فَشَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَحْنَثْ فَإِنْ نَوَى مَا يَكُونُ مِنْ ذَلِكَ حَنِثَ لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبُسْرٍ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا فَأَكَلَ بُسْرًا مُذَنَّبًا حَنِثَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَوَافَقَهُ مُحَمَّدٌ فِي ذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ اخْتَصَّ بِاسْمٍ يَخْرُجُ بِهِ مِنْ اسْمِ الرُّطَبِ وَلَهُمَا أَنَّ الْمُنْتَقَى بِيَمِينِهِ أَكْلُ الرُّطَبِ وَالْبُسْرُ الْمُذَنَّبُ فِيهِ الرُّطَبُ وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا فِيهِ بُسْرٌ يَسِيرٌ حَنِثَ عِنْدَهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الَّذِي فِي الرُّطَبِ لَا يُسَمَّى بُسْرًا فِي الْغَالِبِ وَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ الْغَلَبَةَ فَإِنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ حَنِثَ وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ لَمْ يَحْنَثْ فَصَارَ هُنَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ بُسْرًا مُذَنَّبًا أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا فَأَكَلَ رُطَبًا بِهِ بُسْرٌ يَسِيرٌ فَعِنْدَهُمَا يَحْنَثُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الرُّطَبَ فَأَكَلَهُ بَعْدَ مَا صَارَ تَمْرًا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ زَالَ الِاسْمُ وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْبُسْرَ فَأَكَلَهُ بَعْدَ مَا صَارَ رُطَبًا لَا يَحْنَثُ لِهَذَا الْمَعْنَى هَذَا كُلُّهُ فِي الْيَمِينِ عَلَى الْأَكْلِ أَمَّا فِي الشِّرَاءِ إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بُسْرًا أَوْ رُطَبًا فَاشْتَرَى بُسْرًا مُذَنَّبًا فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ إجْمَاعًا فَإِنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ حَنِثَ إجْمَاعًا فَأَبُو يُوسُفَ سَوَّى بَيْنَهُمَا وَهُمَا فَرَّقَا بَيْنَ الْأَكْلِ وَالشِّرَاءِ فَقَالَا: إنَّ الشِّرَاءَ يُصَادِفُ الْجُمْلَةَ وَالْمَغْلُوبُ تَابِعٌ فَيَتْبَعُ الْقَلِيلُ فِيهِ الْكَثِيرَ وَفِي الْأَكْلِ يُصَادِفُهُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْصُودًا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي رُطَبًا فَاشْتَرَى كِبَاسَةَ بُسْرٍ فِيهَا رُطَبٌ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ يُصَادِفُ الْجُمْلَةَ وَالْمَغْلُوبُ تَابِعٌ وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي شَعِير أَوْ أَوْ لَا يَأْكُلُهُ فَاشْتَرَى حِنْطَةً فِيهَا حَبَّاتٌ شَعِيرًا وَأَكَلَهَا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ فِي الْأَكْلِ دُونَ الشِّرَاءِ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ تَمْرًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَأَكَلَ قَسْبًا أَوْ رُطَبًا لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ السَّمَكَ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ اللَّحْمِ لَا يَتَنَاوَلُهُ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ وَلَا اعْتِبَارَ بِتَسْمِيَتِهِ لَحْمًا فِي الْقُرْآنِ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ لَا تُحْمَلُ عَلَى أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يُخَرِّبُ بَيْتًا فَخَرَّبَ بَيْتَ الْعَنْكَبُوتِ أَوَّلًا يَرْكَبُ دَابَّةً فَرَكِبَ كَافِرًا لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ كَانَ قَدْ سَمَّى الْكَافِرَ دَابَّةً فِي قَوْله تَعَالَى {إنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا} وَكَذَا جَمِيعُ مَا فِي الْبَحْرِ حُكْمُهُ حُكْمُ السَّمَكِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَيُّ لَحْمٍ أَكَلَهُ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ غَيْرَ السَّمَكِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ مُحَرَّمُهُ وَمُبَاحُهُ وَمَطْبُوخُهُ وَمَشْوِيُّهُ وَعَلَى أَيِّ حَالٍ أَكْلُهُ فَإِنْ أَكَلَ مَيْتَةً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ أَوْ لَحْمَ إنْسَانٍ حَنِثَ فِي الْجَمِيعِ، ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُسَمَّى لَحْمًا وَهَذَا فِي الْيَمِينِ عَلَى الْأَكْلِ أَمَّا إذَا كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى الشِّرَاءِ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَى اللَّحْمِ الَّذِي يَجُوزُ شِرَاؤُهُ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ كَبِدًا أَوْ كِرْشًا أَوْ رَأْسًا أَوْ الْكَلَأَ أَوْ الرَّيَّةَ أَوْ النَّشَّاشَةَ أَوْ الْأَمْعَاءَ أَوْ الطِّحَالَ حَنِثَ فِي هَذَا كُلِّهِ وَأَمَّا شَحْمُ الْبَطْنِ فَلَيْسَ بِلَحْمٍ وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ وَكَذَا الْأَلْيَةُ حُكْمُهَا حُكْمُ الشَّحْمِ وَإِنْ أَكَلَ شَحْمَ الظَّهْرِ أَوْ مَا عَلَى اللَّحْمِ حَنِثَ لِأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ: لَحْمٌ سَمِينٌ فَإِنْ أَكَلَ لَحْمَ الطُّيُورِ أَوْ لَحْمَ صَيُودِ الْبَرِّ حَنِثَ وَكَذَا لَحْمُ الرَّأْسِ لِأَنَّ الرَّأْسَ عُضْوٌ مِنْ الْحَيَوَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لَحْمًا فَاشْتَرَى رَأْسًا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ: اشْتَرَى لَحْمًا وَإِنَّمَا يُقَالُ اشْتَرَى رَأْسًا وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لَحْمًا وَلَا شَحْمًا فَاشْتَرَى أَلْيَةً لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِلَحْمٍ وَلَا شَحْمٍ وَإِنَّمَا هِيَ نَوْعٌ ثَالِثٌ قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ دِجْلَةَ فَشَرِبَ مِنْهَا بِإِنَاءٍ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَكْرَعَ فِيهَا كَرْعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَهُوَ أَنْ يُبَاشِرَ الْمَاءَ بِفِيهِ فَإِنْ أَخَذَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِإِنَاءٍ لَمْ يَحْنَثْ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَحْنَثُ بِالْكَرْعِ وَالِاغْتِرَافِ بِالْيَدِ وَالْإِنَاءِ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْيَمِينَ عِنْدَهُ إذَا كَانَتْ لَهَا حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ وَمَجَازٌ مُتَعَارَفٌ مُسْتَعْمَلٌ حُمِلَتْ عَلَى الْحَقِيقَةِ دُونَ الْمَجَازِ وَعِنْدَهُمَا يُحْمَلُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكَرْعَ فِي الدِّجْلَةِ هُوَ الْحَقِيقَةُ وَهِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ مُتَعَارَفَةٌ يَفْعَلُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وَالْمَجَازُ أَيْضًا مُتَعَارَفٌ وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا بِإِنَاءٍ فَحُمِلَتْ عِنْدَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَعِنْدَهُمَا عَلَى الْأَمْرَيْنِ فَإِنْ شَرِبَ مِنْ نَهْرٍ يَأْخُذُ مِنْ دِجْلَةَ لَمْ يَحْنَثْ إجْمَاعًا سَوَاءٌ كَرَعَ فِيهِ أَوْ شَرِبَ مِنْهُ بِإِنَاءٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَبْ مِنْ دِجْلَةَ وَإِنَّمَا شَرِبَ مِنْ غَيْرِهِ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْكُوزِ أَوْ مِنْ هَذَا الْإِنَاءِ فَحَوَّلَ مَاءَهُ إلَى كُوزٍ آخَرَ أَوْ إنَاءٍ آخَرَ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِشُرْبِ ذَلِكَ أَمَّا إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ فَكَرَعَ فِي نَهْرٍ يَأْخُذُ مِنْهَا حَنِثَ إجْمَاعًا لِأَنَّ مَاءَ دِجْلَةَ مَوْجُودٌ فِي النَّهْرِ الَّذِي يَأْخُذُ مِنْهَا وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ فَاسْتَقَى لَهُ مِنْ نَهْرٍ يَأْخُذُ مِنْهَا فَشَرِبَهُ حَنِثَ لِأَنَّ يَمِينَهُ عَلَى الْمَاءِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي هَذَا النَّهْرِ قَوْلُهُ (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ فَشَرِبَ مِنْهَا بِإِنَاءٍ حَنِثَ) لِأَنَّهُ شَرِبَ مَاءً مُضَافًا إلَى دِجْلَةَ فَحَنِثَ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً مِنْ دِجْلَةَ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَشَرِبَهُ مِنْهَا بِإِنَاءٍ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَضَعَ فَاهُ فِي الدِّجْلَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ مِنْ وَهِيَ لِلتَّبْعِيضِ صَارَتْ الْيَمِينُ عَلَى النَّهْرِ فَلَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِالْكَرْعِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْجُبِّ فَإِنْ كَانَ مَمْلُوءًا فَهُوَ عَلَى الْكَرْعِ لَا غَيْرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَى الْكَرْعِ وَالِاغْتِرَافِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَمْلُوءٍ فَعَلَى الِاغْتِرَافِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْبِئْرِ أَوْ مِنْ مَاءِ هَذَا الْبِئْرِ فَهُوَ عَلَى الِاغْتِرَافِ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ غَيْرُ مُتَعَارَفَةٍ فِيهَا فَحُمِلَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمَجَازِ فَإِنْ تَكَلَّفَ وَكَرَعَ مِنْ أَسْفَلِهَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ فَأَكَلَ مِنْ خُبْزِهَا لَمْ يَحْنَثْ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنَّمَا يَحْنَثُ إذَا قَضَمَهَا لِأَنَّ لَهَا حَقِيقَةً مُسْتَعْمَلَةً فَإِنَّهَا تُغْلَى وَتُقْلَى وَتُؤْكَلُ قَضْمًا وَالْحَقِيقَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَجَازِ وَعِنْدَهُمَا يَحْنَثُ إذَا أَكَلَهَا خُبْزًا أَوْ قَضْمًا وَهُوَ الصَّحِيحُ لِعُمُومِ الْمَجَازِ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَمَّا إذَا نَوَى أَنْ يَأْكُلَهَا حَبًّا فَأَكَلَ مِنْ خُبْزِهَا لَمْ يَحْنَثْ إجْمَاعًا وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ فَأَكَلَ مِنْ سَوِيقِهَا لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْيَمِينَ تُحْمَلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَحَقِيقَتُهَا أَنْ تُؤْكَلَ حَبًّا وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحْنَثُ كَمَا فِي الْخُبْزِ عَلَى أَصْلِهِ وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ مَعَ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْخُبْزِ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْخُبْزِ وَالسَّوِيقِ لِأَنَّ الْخُبْزَ يُسَمَّى حِنْطَةً مَجَازًا يُقَالُ خُبْزُ حِنْطَةٍ وَالسَّوِيقُ لَا يُسَمَّى بِذَلِكَ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ فَزَرَعَهَا وَأَكَلَ مِنْ غَلَّتِهَا لَمْ يَحْنَثْ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الدَّقِيقِ فَأَكَلَ مِنْ خُبْزِهِ حَنِثَ) لِأَنَّ الْعَادَةَ أَكْلُهُ هَكَذَا وَلَيْسَ لَهُ حَقِيقَةٌ تُعْرَفُ غَيْرُ ذَلِكَ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَإِنْ نَوَى أَنْ يَأْكُلَهُ بِعَيْنِهِ لَمْ يَحْنَثْ إذَا أَكَلَ مِنْ خُبْزِهِ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ قَوْلُهُ (وَلَوْ اسْتَفَّهُ كَمَا هُوَ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِاسْتِعْمَالِهِ كَذَلِكَ لِأَنَّ مَالَهُ مَجَازٌ مُسْتَعْمَلٌ وَلَيْسَتْ لَهُ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ تَنَاوَلَتْ الْيَمِينُ الْمَجَازَ بِالْإِجْمَاعِ وَالدَّقِيقُ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الْغَزْلَ فَتَعَمَّمَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يُنْسَجَ لَمْ يَحْنَثْ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا اللَّبَنَ أَوْ هَذَا الْعَسَلَ أَوْ هَذَا الْخَلَّ فَأَكَلَهُ بِخُبْزٍ أَوْ تَمْرٍ حَنِثَ وَإِنْ شَرِبَهُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الشُّرْبَ لَا يُسَمَّى أَكْلًا وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْخُبْزَ فَجَفَّفَهُ وَدَقَّهُ وَشَرِبَهُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ هَذَا شُرْبٌ وَلَيْسَ بِأَكْلٍ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ عِنَبًا فَجَعَلَ يَمُصُّهُ وَيَرْمِي بِثُفْلِهِ وَيَبْلَعُ مَاءَهُ لَمْ يَحْنَثْ فِي الْأَكْلِ وَلَا فِي الشُّرْبِ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِأَكْلٍ وَلَا بِشُرْبٍ وَإِنَّمَا هُوَ مَصٌّ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سُكَّرًا فَجَعَلَ فِي فِيهِ سُكَّرَةً وَجَعَلَ يَبْلَعُ مَاءَهَا حَتَّى ذَابَتْ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ حِينَ أَوْصَلَهَا إلَى جَوْفِهِ وَصَلَتْ وَهِيَ مِمَّا لَا يَتَأَتَّى فِيهَا الْمَضْغُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَذُوقُ الْمَاءَ فَتَمَضْمَضَ لِلْوُضُوءِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ التَّطْهِيرُ دُونَ مَعْرِفَةِ الطَّعْمِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا فَأَكَلَ خُبْزًا أَوْ لَحْمًا أَوْ تَمْرًا وَفَاكِهَةً حَنِثَ لِأَنَّ الطَّعَامَ كُلُّ مَا يُطْعَمُ وَيُؤْكَلُ بِنَفْسِهِ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ وَالْإِدَامُ يُسَمَّى طَعَامًا فَيَحْنَثُ بِهِ وَإِنْ أَكَلَ أَهْلِيلَجَةً أَوْ مَحْمُودَةً لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى طَعَامًا وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا مِنْ طَعَامِ فُلَانٍ فَأَكَلَ مِنْ خَلِّهِ أَوْ زَيْتِهِ أَوْ مِلْحِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا يَأْكُلُهُ بِطَعَامِ نَفْسِهِ حَنِثَ وَإِنْ أَخَذَ مِنْ نَبِيذِهِ أَوْ مَائِهِ فَأَكَلَ بِهِ خُبْزًا لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا فَأَكَلَ سَوِيقًا مَلْتُوتًا بِسَمْنٍ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَإِنْ كَانَ السَّوِيقُ بِحَيْثُ إذَا عُصِرَ سَالَ مِنْهُ السَّمْنُ حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا فَكَلَّمَهُ وَهُوَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ إلَّا أَنَّهُ نَائِمٌ حَنِثَ) لِأَنَّهُ قَدْ كَلَّمَهُ وَوَصَلَ إلَى سَمْعِهِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ لِنَوْمِهِ كَمَا لَوْ كَلَّمَهُ وَهُوَ غَافِلٌ وَكَذَا إذَا نَادَاهُ وَهُوَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ لِغَفْلَتِهِ وَكَذَا لَوْ دَقَّ عَلَيْهِ الْبَابَ فَقَالَ الْحَالِفُ: مَنْ هَذَا أَوْ أَنْتَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ مُكَلِّمٌ لَهُ وَلَوْ نَادَاهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: لَبَّيْكَ حَنِثَ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَؤُمُّ أَحَدًا فَافْتَتَحَ الصَّلَاةَ لِنَفْسِهِ فَجَاءَ قَوْمٌ فَاقْتَدُوا بِهِ حَنِثَ قَضَاءً لَا دِيَانَةً لِأَنَّهُ فِي الظَّاهِرِ أَمَّهُمْ فَحَنِثَ قَضَاءً لَكِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إمَامَتَهُمْ فَلَمْ يَحْنَثْ دِيَانَةً إنْ أَمَّهُمْ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ لَمْ يَحْنَثْ لَا قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً فِي كُلِّ الْوُجُودِ لِأَنَّ الْيَمِينَ عِنْدَ الْإِمَامَةِ تُصْرَفُ إلَى الصَّلَاةِ الْمَعْهُودَةِ الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ لَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى كَلَّمَهُ حَنِثَ) هَذَا عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ زَيْدٌ فَمَاتَ زَيْدٌ قَبْلَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فَعِنْدَهُمَا يَسْقُطُ يَمِينُهُ فَإِنْ كَلَّمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَحْنَثُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مَتَى كَلَّمَهُ حَنِثَ وَلَوْ قَالَ إنْ ضَرَبْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ فَضَرَبَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا يَحْنَثُ وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَكْسُوهُ فَهُوَ عَلَى الْحَيَاةِ أَيْضًا حَتَّى لَوْ كَفَّنَهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِالْكُسْوَةِ السَّتْرَ وَإِنْ قَالَ: إنْ غَسَّلْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ فَغَسَّلَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ حَنِثَ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ أَوَّلًا يَدْخُلُ عَلَيْهِ فَفَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا يَحْنَثُ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا اسْتَحْلَفَ الْوَالِي رَجُلًا لِيُعْلِمَهُ بِكُلِّ دَاعِرٍ خَبِيثٍ دَخَلَ الْبَلَدَ فَهُوَ عَلَى حَالِ وِلَايَتِهِ خَاصَّةً) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ دَفْعُ شَرِّهِ بِزَجْرِهِ فَلَا يُفِيدُ فَائِدَتُهُ بَعْدَ وِلَايَتِهِ وَالزَّوَالُ بِالْمَوْتِ وَكَذَا بِالْعَزْلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنْ عُزِلَ ثُمَّ عَادَ وَالِيًا لَمْ تَعُدْ الْيَمِينُ وَتَبْقَى الْيَمِينُ مَا لَمْ يَمُتْ الْوَالِي أَوْ يُعْزَلُ وَصُورَتُهُ اسْتَحْلَفَ رَجُلًا لَيَرْفَعَنَّ إلَيْهِ كُلَّ مَنْ عَلِمَ بِهِ مِنْ فَاسِقٍ أَوْ سَارِقٍ فِي مَحَلَّتِهِ فَلَمْ يَعْلَمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ حَتَّى عُزِلَ الْعَامِلُ مِنْ عَمَلِهِ ثُمَّ عَلِمَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْفَعَهُ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ يَمِينِهِ.
وَبَطَلَتْ عَنْهُ الْيَمِينُ فَإِنْ عَادَ الْعَامِلُ بَعْدَ عَزْلِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنْ يَرْفَعَهُ إلَيْهِ وَقَدْ بَطَلَتْ بِيَمِينِهِ الدَّاعِرُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ الْفَاجِرُ الْخَبِيثُ قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ فَرَكِبَ دَابَّةَ عَبْدِهِ لَمْ يَحْنَثْ) الْمُرَادُ عَبْدُهُ الْمَأْذُونُ سَوَاءٌ كَانَ مَدْيُونًا أَمْ لَا وَهُوَ قَوْلُهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لِأَنَّ الدَّابَّةَ مِلْكُ الْمَوْلَى وَإِنْ أُضِيفَتْ إلَى الْعَبْدِ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَمَا فِي يَدِهِ لِمَوْلَاهُ قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَوَقَفَ عَلَى سَطْحِهَا أَوْ دَخَلَ دِهْلِيزَهَا حَنِثَ) لِأَنَّ سَطْحَهَا مِنْهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُعْتَكِفَ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ بِصُعُودِهِ إلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ وَكَذَا الدِّهْلِيزُ مِنْ الدَّارِ لِأَنَّ الدَّارَ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الدَّائِرَةُ وَقِيلَ: فِي عُرْفِنَا لَا يَحْنَثُ بِالصُّعُودِ إلَى السَّطْحِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ قَوْلُهُ (فَإِنْ وَقَفَ عَلَى طَاقِ الْبَابِ بِحَيْثُ إذَا غُلِقَ الْبَابُ كَانَ خَارِجًا لَمْ يَحْنَثْ) وَإِنْ كَانَ دَاخِلَ الْبَابِ إذَا غُلِقَ حَنِثَ وَإِنْ أَدْخَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ وَلَمْ يُدْخِلْ الْأُخْرَى إنْ كَانَتْ الدَّارُ مُنْهَبِطَةً حَنِثَ وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَوِيَةً لَا يَحْنَثُ وَفِي الْكَرْخِيِّ لَا يَحْنَثُ سَوَاءٌ كَانَتْ مُنْهَبِطَةً أَوْ مُسْتَوِيَةً وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ أَدْخَلَ رَأْسَهُ وَلَمْ يُدْخِلْ قَدَمَيْهِ أَوْ تَنَاوَلَ مِنْهَا شَيْئًا بِيَدِهِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِدُخُولٍ أَلَا تَرَى أَنَّ السَّارِقَ لَوْ فَعَلَهُ لَمْ يُقْطَعْ قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الشِّوَاءَ فَهُوَ عَلَى اللَّحْمِ دُونَ الْبَاذِنْجَانِ وَالْجَزَرِ) لِأَنَّ الشِّوَاءَ يُرَادُ بِهِ اللَّحْمُ حَتَّى لَوْ أَكَلَ سَمَكًا مَشْوِيًّا لَا يَحْنَثُ فَإِنْ نَوَى كُلَّ مَا يُشْوَى مِنْ بَيْضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الطَّبِيخَ فَهُوَ عَلَى مَا يُطْبَخُ مِنْ اللَّحْمِ) اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ فَإِنْ أَكَلَ سَمَكًا مَطْبُوخًا لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ أَكَلَ لَحْمًا مَقْلِيًّا لَا مَرَقَ فِيهِ لَمْ يَحْنَثْ فَإِنْ طَبَخَ لَحْمًا لَهُ مَرَقٌ وَأَكَلَ مِنْ مَرَقِهِ حَنِثَ لِأَنَّ الْمَرَقَ فِيهِ أَجْزَاءُ اللَّحْمِ.
وَفِي الْيَنَابِيعِ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا اللَّحْمِ شَيْئًا فَأَكَلَ مِنْ مَرَقِهِ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْمَرَقَ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الطَّبِيخَ فَأَكَلَ شَحْمًا مَطْبُوخًا حَنِثَ فَإِنْ طَبَخَ عَدَسًا بِوَدَكٍ أَوْ بِشَحْمٍ أَوْ أَلْيَةٍ فَهُوَ طَبِيخٌ وَإِنْ طَبَخَهُ بِسَمْنٍ أَوْ زَيْتٍ لَمْ يَكُنْ طَبِيخًا وَلَا يَكُونُ الْأُرْزُ طَبِيخًا قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الرُّءُوسَ فَيَمِينُهُ عَلَى مَا يُكْبَسُ فِي التَّنَانِيرِ وَيُبَاع فِي الْمِصْرِ) الْكَبْسُ هُوَ الضَّمُّ وَكَانَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ عَلَى رُءُوسِ الْإِبِل وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ خَاصَّةً ثُمَّ رَجَعَ عَنْ رُءُوسِ الْإِبِلِ وَجَعَلَهَا عَلَى رُءُوسِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ خَاصَّةً.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هِيَ عَلَى رُءُوسِ الْغَنَمِ خَاصَّةً وَفِي الْخُجَنْدِيِّ إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي رَأْسًا فَهُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى رُءُوسِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَعِنْدَهُمَا عَلَى رُءُوسِ الْغَنَمِ لَا غَيْرُ وَلَا يَقَعُ عَلَى رُءُوسِ الْإِبِلِ بِالْإِجْمَاعِ وَهَذَا فِي الشِّرَاءِ أَمَّا فِي الْأَكْلِ يَقَعُ عَلَى الْكُلِّ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْيَمِينِ رُءُوسُ الْجَرَادِ وَالسَّمَكِ وَالْعَصَافِيرِ إجْمَاعًا لَا فِي الْأَكْلِ وَلَا فِي الشِّرَاءِ وَكَذَا رُءُوسُ الْإِبِلِ لَا تَدْخُلُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بَيْضًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهُوَ عَلَى بَيْضِ الطَّيْرِ كُلِّهِ الْإِوَزِّ وَالدَّجَاجِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَحْنَثُ فِي بَيْضِ السَّمَكِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا فَيَمِينُهُ عَلَى مَا يَعْتَادُ أَهْلُ الْمِصْرِ أَكْلَهُ خُبْزًا) مِثْلُ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ وَالدَّخَنِ وَكُلِّ مَا يُخْبَزُ عَادَةً فِي الْبِلَادِ قَوْلُهُ (فَإِنْ أَكَلَ الْقَطَائِفَ أَوْ خُبْزَ الْأُرْزِ بِالْعِرَاقِ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَادٍ عِنْدَهُمْ وَإِنْ أَكَلَهُ فِي طَبَرِسْتَانَ أَوْ فِي بَلَدٍ عَادَتُهُمْ يَأْكُلُونَ الْأُرْزَ خُبْزًا حَنِثَ قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ وَلَا يَشْتَرِي وَلَا يُؤَجِّرُ فَوَكَّلَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ) إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ لِأَنَّ حُقُوقَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَرْجِعُ إلَى الْعَاقِدِ دُونَ الْآمِرِ فَأَمَّا إذَا نَوَى ذَلِكَ حَنِثَ لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ هُوَ الْحَالِفُ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ حُقُوقَ هَذَا الْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ مِمَّنْ جَرَتْ عَادَتُهُ أَنْ لَا يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ مِثْلُ السُّلْطَانِ وَنَحْوِهِ فَأَمَرَ غَيْرَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ حَنِثَ لِأَنَّ يَمِينَهُ عَلَى الْآمِرِ بِهِ فَإِنْ نَوَى أَنْ لَا يَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ دِينَ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ أَوْ لَا يُطَلِّقُ أَوْ لَا يُعْتِقُ فَوَكَّلَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ حَنِثَ) وَكَذَا الْخُلْعُ وَالْكِتَابَةُ وَالصُّلْحُ مِنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالنَّفَقَةِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ وَلِهَذَا لَا يُضِيفُهُ إلَى نَفْسِهِ لَا يَقُولُ: تَزَوَّجْت وَإِنَّمَا يَقُولُ: زَوَّجْت فُلَانًا وَطَلَّقْت امْرَأَةَ فُلَانٍ وَحُقُوقُ الْعَقْدِ رَاجِعَةٌ إلَى الْآمِرِ لَا إلَيْهِ فَإِنْ قَالَ الْآمِرُ نَوَيْت أَنْ آلِي ذَلِكَ بِنَفْسِي لَا يُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ وَيُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ عَبْدَهُ أَوَّلًا يَذْبَحُ شَاتَه فَأَمَرَ إنْسَانًا فَفَعَلَ ذَلِكَ حَنِثَ وَإِنْ قَالَ: نَوَيْت أَنْ أَلِيَهُ بِنَفْسِي دِينَ فِي الْقَضَاءِ.
وَفِي الْهِدَايَةِ إذَا حَلَفَ لَا يَضْرِبُ وَلَدَهُ فَأَمَرَ إنْسَانًا فَضَرَبَهُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ ضَرْبِ الْوَلَدِ عَائِدَةٌ إلَى الْوَلَدِ وَهُوَ التَّأْدِيبُ وَالتَّثْقِيفُ فَلَمْ يُنْسَبْ فِعْلُهُ إلَى الْآمِرِ بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِضَرْبِ الْعَبْدِ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ الِائْتِمَارُ بِأَمْرِهِ فَيُضَافُ الْفِعْلُ إلَيْهِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يُزَوِّجُ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ فَأَمَرَ رَجُلًا يُزَوِّجُهَا أَوْ زَوَّجَهَا رَجُلٌ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَأَجَازَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ بِالْعَاقِدِ فَتَعَلَّقَتْ بِالْمُجِيزِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُؤَخِّرُ عَنْ فُلَانٍ حَقَّهُ شَهْرًا فَلَمْ يُؤَخِّرْهُ شَهْرًا بَلْ سَكَتَ عَنْ تَقَاضِيهِ حَتَّى مَضَى الشَّهْرُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ هُوَ التَّأْجِيلُ وَتَرْكُ التَّقَاضِي لَيْسَ بِتَأْجِيلٍ.
وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً بِكْرًا حَلَفَتْ أَنْ تَأْذَنَ فِي تَزْوِيجِهَا وَهِيَ بِكْرٌ فَزَوَّجَهَا أَبُوهَا فَسَكَتَتْ فَإِنَّهَا لَا تَحْنَثُ وَالنِّكَاحُ لَازِمٌ لَهَا لِأَنَّ السُّكُوتَ لَيْسَ بِإِذْنٍ وَإِنَّمَا قِيَم مَقَامَ الْإِذْنِ بِالسُّنَّةِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَهَبُ لَهُ شَيْئًا أَوْ لَا يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ فَوَهَبَ لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَقْبَلْ حَنِثَ وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يُعِير ثُمَّ قَالَ: أَعَرْتُك حَنِثَ سَوَاءٌ قَبِلَ أَمْ لَا لِأَنَّ الْمِلْكَ هُنَا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ لَا مِنْ جَانِبَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَبِيعُ أَوْ لَا يُؤَجِّرُ أَوْ لَا يُكَاتِبُ فَفَعَلَ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَقْبَلَ الْآخَرُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِذَلِكَ حُصُولُ الْعِوَضَيْنِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَإِنْ بَاعَ بَيْعًا فِيهِ خِيَارٌ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي حَنِثَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِوُجُوبِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْبَيْعُ وَلَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَأَمَّا الْقِرَاضُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ كَالْبَيْعِ وَفِي رِوَايَةٍ كَالْهِبَةِ وَالطَّحَاوِيُّ جَعَلَهُ كَالْبَيْعِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ وَلَا يُصَلِّي فَهُوَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ ذَلِكَ دُونَ الْفَاسِدِ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يُمْلَكُ بِفَاسِدِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ الْمِلْكُ وَهُوَ يَقَعُ بِفَاسِدِهِ وَكَذَا الصَّلَاةُ الْغَرَضُ مِنْهَا التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ بِالْفَاسِدِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي فَكَبَّرَ وَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ وَإِنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُصَلِّي صَلَاةً لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي صَلَاةً فَصَلَّى صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي الظُّهْرَ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَتَشَهَّدَ فِي الرَّابِعَةِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَصُومُ فَأَصْبَحَ نَاوِيًا لِلصَّوْمِ وَصَامَ سَاعَةً ثُمَّ أَفْطَرَ حَنِثَ وَأَنْ قَالَ: لَا أَصُومُ صَوْمًا لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَصُومَ يَوْمًا كَامِلًا: قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى الْأَرْضِ فَجَلَسَ عَلَى بِسَاطٍ أَوْ حَصِيرٍ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى جَالِسًا عَلَى الْأَرْضِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا لِبَاسُهُ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ فَلَا يُعْتَبَرُ حَائِلًا وَلِأَنَّ الْجَالِسَ عَلَى الْأَرْضِ هُوَ مَنْ بَاشَرَهَا وَلَمْ يَحُلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَائِلٌ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى سَرِيرٍ) أَيْ عَلَى هَذَا السَّرِيرِ (فَجَلَسَ عَلَى سَرِيرٍ فَوْقَهُ بِسَاطٌ) أَوْ حَصِيرٌ (حَنِثَ) لِأَنَّهُ يُعَدُّ جَالِسًا عَلَيْهِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَلَى سَرِيرٍ أَيْ عَلَى هَذَا السَّرِيرِ وَلِهَذَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ فَجَعَلَ فَوْقَهُ سَرِيرًا آخَرَ لَا يُتَصَوَّرُ آخَرُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْبِقَهُ مِثْلُهُ قَوْلُهُ (وَإِنْ جَعَلَ فَوْقَهُ سَرِيرًا آخَرَ فَجَلَسَ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ) هَذَا إذَا كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى سَرِيرٍ مُعَرَّفٍ بِأَنْ قَالَ عَلَى هَذَا السَّرِيرِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْعُدْ عَلَى هَذَا السَّرِيرِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا قَعَدَ عَلَى غَيْرِهِ فَلَا يَحْنَثُ أَمَّا إذَا كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى سَرِيرٍ مُنَكَّرٍ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ وَعَلَى هَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى هَذَا السَّطْحِ فَبَنَى عَلَيْهِ سَطْحًا آخَرَ فَجَلَسَ عَلَى الثَّانِي لَا يَحْنَثُ لِمَا بَيَّنَّا وَلَوْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ إلَى هَذَا الْحَائِطِ فَهُدِمَ ثُمَّ بَنَى بِنَقْضِهِ لَمْ يَحْنَثْ بِالْجُلُوسِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمَّا انْهَدَمَ زَالَ الِاسْمُ عَنْهُ وَهَذَا حَائِطٌ آخَرُ لَمْ يَحْلِفْ عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَكْتُبُ بِهَذَا الْقَلَمِ فَكَسَرَهُ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي بَرَاهُ ثُمَّ بَرَاهُ ثَانِيًا لَمْ يَحْنَثْ إذَا كَتَبَ بِهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ فَنَامَ عَلَيْهِ وَفَوْقَهُ قِرَامٌ حَنِثَ) لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْفِرَاشِ فَيُعَدُّ نَائِمًا عَلَيْهِ وَالْقِرَامُ الْمَجْلِسُ قَوْلُهُ (فَإِنْ جَعَلَ فَوْقَهُ فِرَاشًا آخَرَ لَمْ يَحْنَثْ) هَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى هَذَا الْفِرَاشِ وَإِنَّمَا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ مِثْلَ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ تَبَعًا لَهُ وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَحْنَثُ لِأَنَّ ذَلِكَ يُفْعَلُ لِزِيَادَةِ التَّوْطِئَةِ فَصَارَ نَائِمًا عَلَى الْفِرَاشِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الْقَمِيصَ فَلَبِسَهُ فَوْقَ قَمِيصٍ آخَرَ أَنَّهُ يَحْنَثُ لِذَلِكَ كَذَا هَذَا قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ يَمِينًا وَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا بِيَمِينِهِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ) سَوَاءٌ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مُقَدَّمًا أَوْ مُؤَخَّرًا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مَوْصُولًا وَكَذَا إذَا قَالَ إذَا شَاءَ اللَّهُ أَوْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ أَوْ بِقَضَاءِ اللَّهِ أَوْ بِقُدْرَةِ اللَّهِ أَوْ بِمَا أَحَبَّ اللَّهُ أَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَوْ إنْ أَعَانَنِي اللَّهُ أَوْ بِمَعُونَةِ اللَّهِ يُرِيدُ الِاسْتِثْنَاءَ فَهُوَ مُسْتَثْنٍ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَيَأْتِيَنه إنْ اسْتَطَاعَ فَهُوَ عَلَى اسْتِطَاعَةِ الصِّحَّةِ دُونَ الْقُدْرَةِ) يَعْنِي اسْتِطَاعَةَ الْحَالِ وَمَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَمْرَضْ أَوْ يَجِئْ أَمْرٌ يَمْنَعُهُ مِنْ إتْيَانِهِ فَلَمْ يَأْتِهِ حَنِثَ فَإِنْ نَوَى اسْتِطَاعَةَ الْقَضَاءِ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ وَقِيلَ: يُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ أَيْضًا لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ وَيَكْفِيهِ فِي الْإِتْيَانِ أَنْ يَصِلَ إلَى مَنْزِلِهِ لَقِيَهُ أَمْ لَا وَكَذَا عِيَادَةُ الْمَرِيضِ إذَا حَلَفَ بِأَنْ يَعُودَهُ فَعَادَهُ وَلَمْ يُؤْذِنْ لَهُ بَرَّ فِي يَمِينِهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا حِينًا أَوْ زَمَانًا أَوْ الْحِينَ أَوْ الزَّمَانَ فَهُوَ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَمَّا إذَا نَوَى شَيْئًا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى وَإِنْ قَالَ: دَهْرًا أَوْ الدَّهْرَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ لَهُ نِيَّةُ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَمَا أَدْرِي مَا الدَّهْرُ وَعِنْدَهُمَا إذَا قَالَ: دَهْرًا فَهُوَ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَإِنْ قَالَ: الدَّهْرَ فَهُوَ عَلَى الْأَبَدِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: لَا خِلَافَ فِي الدَّهْرِ أَنَّهُ الْأَبَدُ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَمَّا الْحِينُ وَالزَّمَانُ فَتَارَةً يَكُونَانِ لِأَقَلِّ الْأَوْقَاتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} وَأَرَادَ بِهِ صَلَاةَ الْعَصْرِ وَصَلَاةَ الصُّبْحِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُرَادَ الْحَالِفِ إذْ لَوْ أَرَادَهُ لَامْتَنَعَ مِنْ كَلَامِهِ بِغَيْرِ يَمِينٍ وَتَارَةً يَقَعُ عَلَى أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنْ الدَّهْرِ} يَعْنِي أَرْبَعِينَ سَنَةً وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُرَادَ الْحَالِفِ أَيْضًا إذْ لَوْ أَرَادَهُ لَقَالَ أَبَدًا وَتَارَةً يَقَعُ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي النَّخْلَةِ {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} أَيْ كُلَّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّ مِنْ وَقْتِ انْقِطَاعِ الرُّطَبِ إلَى وَقْتِ خُرُوجِ الطَّلْعِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَهَذَا أَوْسَطُ مَا قِيلَ: فِي الْحِينِ فَكَانَ أَوْلَى قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «خَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا» وَكَذَا الزَّمَانُ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْحِينِ يُقَالُ مَا رَأَيْته مُنْذُ زَمَانٍ وَمُنْذُ حِينٍ بِمَعْنَى وَاحِدٍ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ الدَّهْرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ) يَعْنِي إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ دَهْرًا فَعِنْدَهُمَا يَقَعُ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَلَمْ يُقَدِّرْ فِيهِ تَقْدِيرًا وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الْمُنَكَّرِ هُوَ الصَّحِيحُ أَمَّا الْمُعَرَّفُ بِالْأَلْفِ وَاللَّامِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْأَبَدُ فِي قَوْلِهِمْ الْمَشْهُورُ عَلَى يَعْنِي جَمِيعَ عُمُرِهِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الدَّهْرَ وَدَهْرًا سَوَاءٌ لَا يُعْرَفُ تَفْسِيرُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ حُقْبًا فَهُوَ عَلَى ثَمَانِينَ سَنَةً وَإِنْ قَالَ إلَى بَعِيدٍ فَهُوَ شَهْرٌ فَصَاعِدًا وَإِنْ قَالَ: إلَى قَرِيبٍ فَمَا دُونِ الشَّهْر وَلَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُهُ عَاجِلًا فَهُوَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ شَهْرٍ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ أَيَّامًا فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) اعْتِبَارًا لِأَقَلِّ الْجَمْعِ وَإِنْ قَالَ أَيَّامًا كَثِيرَةً قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فَهُوَ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَعِنْدَهُمَا هُوَ عَلَى أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ وَإِنْ قَالَ: بِضْعَ عَشَرَةَ يَوْمًا فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ لِأَنَّ الْبِضْعَ مِنْ ثَلَاثَةٍ إلَى تِسْعَةٍ فَيُحْمَلُ عَلَى أَقَلِّهَا قَوْلُهُ (وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الْأَيَّامَ فَهُوَ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا عَلَى أَيَّامِ أُسْبُوعٍ) وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الشُّهُورَ فَهُوَ عَلَى عَشَرَةِ أَشْهُرٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الْجُمَعَ أَوْ السِّنِينَ فَهُوَ عَلَى عَشْرِ جُمَعٍ وَعَشْرِ سِنِينَ فَصَاعِدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا عَلَى جَمِيعِ الْعُمُرِ وَإِنْ قَالَ لَا أُكَلِّمُهُ سِنِينَ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ قَالَ جُمَعًا فَهُوَ ثَلَاثُ جُمَعٍ بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الْجُمَعَ أَوْ جُمَعًا فَلَهُ أَنْ يُكَلِّمَهُ فِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَكَذَا إذَا نَذَرَ صَوْمَ الْجُمَعِ لَمْ يَلْزَمْهُ صَوْمُ مَا بَيْنَهَا قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الشُّهُورَ فَهُوَ عَلَى عَشَرَةِ أَشْهُرٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا) وَقَدْ بَيَّنَّاهُ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك مَا دَامَ أَبَوَاك حَيَّيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ كَلَّمَهَا لَا يَحْنَثُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا فَكَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا فَكَلَّمَهُ الرَّسُولُ أَوْ أَوْمَأَ إلَيْهِ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ لَا يَحْنَثُ وَالْكَلَامُ يَقَعُ عَلَى النُّطْقِ دُونَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يُحَدِّثُ فُلَانًا فَهُوَ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ (وَإِذَا حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا تَرَكَهُ أَبَدًا) لِأَنَّ يَمِينَهُ وَقَعَتْ عَلَى النَّفْيِ وَالنَّفْيُ لَا يُتَخَصَّصُ بِزَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ فَحُمِلَ عَلَى التَّأْبِيدِ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا فَفَعَلَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً بَرَّ فِي يَمِينِهِ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إيجَادُ الْفِعْلِ وَقَدْ وَجَدَهُ وَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِوُقُوعِ الْيَأْسِ مِنْهُ وَذَلِكَ بِمَوْتِهِ أَوْ بِفَوْتِ مَحَلِّ الْفِعْلِ قَوْلُهُ (وَمَنْ) (حَلَفَ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ لَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً فَخَرَجَتْ) وَرَجَعَتْ (ثُمَّ خَرَجَتْ مَرَّةً أُخْرَى بِغَيْرِ إذْنِهِ) (حَنِثَ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الْإِذْنِ فِي كُلِّ خُرُوجٍ) فَإِنْ نَوَى الْإِذْنَ مَرَّةً وَاحِدَةً يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً وَفِي الْكَرْخِيِّ يُصَدَّقُ دِيَانَةً أَوْ قَضَاءً وَالْحِيلَةُ فِي عَدَمِ الْحِنْثِ أَنْ يَقُولَ: أَذِنْت لَك بِالْخُرُوجِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَوْ أَذِنْت لَك كُلَّمَا خَرَجْت وَإِنْ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ لَهَا مِنْ حَيْثُ لَا تَسْمَعُ فَخَرَجَتْ بَعْدَ الْإِذْنِ حَنِثَ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَحْنَثُ وَقَوْلُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِذْنِ فِي كُلِّ خُرُوجٍ أَوْ يَقُولُ أَذِنْت لَك كُلَّمَا خَرَجْت قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ إلَّا أَنْ آذَنَ لَك فَأَذِنَ لَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً فَخَرَجَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَحْنَثْ) وَكَذَا إذَا قَالَ حَتَّى أَرْضَى أَوْ إلَّا أَنْ أَرْضَى فَإِنْ نَوَى الْإِذْنَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَتَغَدَّى فَالْغَدَاءُ هُوَ الْأَكْلُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الظُّهْرِ وَالْعَشَاءُ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ) لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ أَكْلِ الْعَشِيِّ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ وَهَذَا فِي عُرْفِهِمْ أَمَّا فِي عُرْفِنَا فَوَقْتُ الْعَشَاءِ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ الْغَدَاءُ وَالْعَشَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَكْلِ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الشِّبَعُ فِي الْعَادَةِ فِي كُلِّ بَلَدٍ فِي غَالِبِ عَادَتِهِمْ حَتَّى أَنَّ أَهْلَ الْحَضَرِ إذَا حَلَفُوا عَلَى تَرْكِ الْغَدَاءِ فَشَرِبُوا اللَّبَنَ لَمْ يَحْنَثُوا لِأَنَّهُمْ لَا يَقْصِدُونَ الشِّبَعَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْعَادَةِ وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي الْبَادِيَةِ حَنِثُوا لِأَنَّهُ غَدَاءٌ عِنْدَهُمْ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَغَدَّى فَأَكَلَ فَاكِهَةً أَوْ تَمْرًا حَتَّى شَبِعَ لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَا لَحْمًا بِغَيْرِ خُبْزٍ لِأَنَّ الْغَدَاءَ فِي غَيْرِ الْبَوَادِي لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى الْخُبْزِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي أَكْلِ الْأُرْزِ وَالْهَرِيسَةِ وَالْفَالُوذَجِ الْحِنْثُ وَعَنْهُ أَيْضًا فِي الْهَرِيسَةِ وَالْحَلْوَى لَا يَحْنَثُ وَغَدَاءُ كُلِّ بَلَدٍ مَا يَتَعَارَفُونَهُ وَيُشْتَرَطُ فِي الْغَدَاءِ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الشِّبَعِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَصَبَّحُ قَالَ مُحَمَّدٌ: التَّصَبُّحُ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَبَيْنَ ارْتِفَاعِ الضُّحَى الْأَكْبَرِ.
قَوْلُهُ: (وَالسَّحُورُ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ) وَفِي الْكَرْخِيِّ مِنْ بَعْدِ نِصْفِ اللَّيْلِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْتَدِمُ فَالْإِدَامُ كُلُّ شَيْءٍ يُصْبَغُ بِهِ الْخُبْزُ وَيُؤْكَلُ مَعَهُ مُخْتَلِطًا بِهِ كَاللَّبَنِ وَالْخَلِّ وَالزَّيْتِ وَالْمَرَقِ وَالْعَسَلِ.
وَأَمَّا مَا لَا يُصْبَغُ بِهِ فَلَيْسَ بِإِدَامٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ مِثْلُ الشِّوَاءِ وَالْجُبْنِ وَالْبَيْضِ وَاللَّحْمِ غَيْرِ الْمَطْبُوخِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ إدَامٌ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ وَالْمِلْحُ إدَامٌ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ بِانْفِرَادِهِ بِخِلَافِ اللَّحْمِ وَمَا يُضَاهِيهِ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ وَحْدَهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ وَإِنْ ثُرِدَ خُبْزٌ بِمَاءٍ وَمِلْحٍ لَمْ يَكُنْ إدَامًا لِأَنَّهُ خِلَافُ الْعُرْفِ وَأَمَّا السَّمْنُ فَذَكَرَ الْخُجَنْدِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِدَامٍ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ إدَامٌ وَالْفَاكِهَةُ لَيْسَتْ بِإِدَامٍ إجْمَاعًا وَالْبَقْلُ وَالْبِطِّيخُ وَالْعِنَبُ لَيْسَ بِإِدَامٍ وَالتَّمْرُ وَالْجَوْزُ لَيْسَ بِإِدَامٍ لِأَنَّ التَّمْرَ يُفْرَدُ بِالْأَكْلِ فِي الْغَالِبِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ التَّمْرَ إدَامٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ «أَخَذَ لُقْمَةً بِيَدِهِ وَتَمْرَةً بِيَدِهِ الْأُخْرَى وَقَالَ: هَذِهِ إدَامٌ» هَذِهِ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ فَاكِهَةً فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فِي وَجْهٍ يَحْنَثُ إجْمَاعًا وَهُوَ مَا إذَا أَكَلَ الْمِشْمِشَ أَوْ الْفِرْسِكَ أَوْ السَّفَرْجَلَ أَوْ الْإِجَّاصَ أَوْ التِّينَ أَوْ الْبِطِّيخَ أَوْ نَحْوَهَا وَكَذَا قَصَبُ السُّكَّرِ وَفِي وَجْهٍ لَا يَحْنَثُ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ مَا إذَا أَكَلَ الْقِثَّاءَ أَوْ الْخِيَارَ أَوْ الْجَزَرَ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَفِي وَجْهٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُوَ الرُّمَّانُ وَالرُّطَبُ وَالْعِنَبُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَحْنَثُ بِهِ لِأَنَّ الْفَاكِهَةَ عِنْدَهُ مَا يَقْصِدُ بِأَكْلِهِ التَّفَكُّهَ دُونَ الشِّبَعِ وَالرُّطَبُ يُؤْكَلُ لِلشِّبَعِ وَالرُّمَّانُ لَا يُقْصَدُ أَكْلُهُ وَإِنَّمَا يُمَصُّ.
وَكَذَا الْعِنَبُ وَعِنْدَهُمَا كُلُّ ذَلِكَ فَاكِهَةٌ لِأَنَّهُ مِنْ أَعَزِّ الْفَوَاكِهِ وَالتَّنَعُّمُ بِهِ يَفُوقُ التَّنَعُّمَ بِغَيْرِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} فَعَطَفَهُمَا عَلَى الْفَاكِهَةِ وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى {حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا} ثُمَّ قَالَ وَفَاكِهَةً فَعَطَفَ الْفَاكِهَةَ عَلَى الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ وَالْمَعْطُوفُ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَإِنْ نَوَى بَدَلَهُ لَا آكُلُ فَاكِهَةَ الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ وَالرُّمَّانِ حَنِثَ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْحَلْوَى فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حُلْوٍ لَيْسَ فِي جِنْسِهِ حَامِضٌ كَالْخَبِيصِ وَالْعَسَلِ وَالسُّكَّرِ فَإِنْ أَكَلَ عِنَبًا حُلْوًا أَوْ رُمَّانًا حُلْوًا أَوْ بِطِّيخًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ فِي جِنْسِ الْعِنَبِ وَالرُّمَّانِ مَا هُوَ حَامِضٌ وَكَذَا الزَّبِيبُ لَيْسَ مِنْ الْحَلْوَى لِأَنَّهُ فِي جِنْسِهِ حَامِضٌ فَإِنْ أَكَلَ تِينًا أَوْ رُطَبًا فَعَنْ مُحَمَّدٍ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي جِنْسِهِ حَامِضٌ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ حَلَاوَةً فَهُوَ مِثْلُ الْحَلْوَى أَوْ إنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا فَلَبِسَ خَاتَمًا مِنْ الْفِضَّةِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ لَيْسَ بِحُلِيٍّ حَتَّى أُبِيحَ لِلرِّجَالِ وَإِنْ كَانَ مِنْ الذَّهَبِ حَنِثَ لِأَنَّهُ حُلِيٌّ حَتَّى لَا يُبَاحَ لِلرِّجَالِ وَإِنْ لَبِسَ عُقَدَ لُؤْلُؤٍ غَيْرَ مُرَصَّعٍ لَا يَحْنَثُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَحْنَثُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّهُ حُلِيٌّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا}
قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ إلَى قَرِيبٍ فَهُوَ دُونَ الشَّهْرِ) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَمَّا إذَا كَانَتْ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى مَا لَمْ يُكَذِّبْهُ الظَّاهِرُ وَكَذَا لَأَقْضِيَنَّكَ عَاجِلًا وَلَوْ حَلَفَ لَيُعْطِيَنَّهُ حَقَّهُ إذَا صَلَّى الظُّهْرَ فَلَهُ وَقْتُ الظُّهْرِ إلَى آخِرِهِ وَلَوْ حَلَفَ لَيُعْطِيَنَّهُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ الدَّاخِلِ فَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ نِصْفُهُ فَإِنْ مَضَى نِصْفُهُ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهُ حَنِثَ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ إلَى بَعِيدٍ فَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ الشَّهْرِ) لِأَنَّ مَا دُونَهُ يُعَدُّ قَرِيبًا قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ فَخَرَجَ مِنْهَا بِنَفْسِهِ وَتَرَكَ أَهْلَهُ وَمَتَاعَهُ فِيهَا حَنِثَ) لِأَنَّهُ يُعَدُّ سَاكِنًا بِبَقَاءِ أَهْلِهِ وَمَتَاعِهِ فِيهَا عُرْفًا وَمَنْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ فِي بَلَدٍ فَخَرَجَ مِنْهُ وَتَرَكَ أَهْلَهُ فِيهِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ لِمَنْ بِالْبَصْرَةِ أَنَّهُ سَاكِنٌ فِي الْكُوفَةِ بِخِلَافِ الدَّارِ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ إذَا حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ فَإِنَّهُ لَا يَبَرَّ حَتَّى يَنْتَقِلَ عَنْهَا بِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَأَوْلَادِهِ الَّذِينَ مَعَهُ وَمَتَاعِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ وَلَمْ يَأْخُذْ فِي النُّقْلَةِ مِنْ سَاعَتِهِ وَهُوَ يُمْكِنُهُ حَنِثَ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ نَقْلِ كُلِّ الْمَتَاعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى لَوْ بَقِيَ فِيهَا وَتَدٌ حَنِثَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُعْتَبَرُ نَقْلُ الْأَكْثَرِ لِأَنَّ نَقْلَ الْكُلِّ قَدْ يَتَعَذَّرُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُعْتَبَرُ نَقْلُ مَا يَقُومُ بِهِ كَتْخُدَا بَيْتِهِ أَيْ أَثَاثُ بَيْتِهِ لِأَنَّ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ السُّكْنَى وَهَذَا أَرْفَقُ بِالنَّاسِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ بِلَا تَأَخُّرٍ حَتَّى يَبَرَّ فَإِنْ تَنَقَّلَ إلَى السِّكَّةِ أَوْ إلَى الْمَسْجِدِ قَالُوا: لَا يَبَرُّ فَإِنْ كَرِهَتْ الْمَرْأَةُ الِانْتِقَالَ مَعَهُ فَخَرَجَ هُوَ وَلَمْ يَعُدْ لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَا إذَا وَجَدَ الْبَيْتَ مَغْلُوقًا وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى فَتْحِهِ فَخَرَجَ وَتَرَكَ مَتَاعَهُ لَمْ يَحْنَث وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فَلَمْ يُمْكِنْهُ الْخُرُوجُ حَتَّى يُصْبِحَ أَوْ كَانَتْ أَمْتِعَتُهُ كَثِيرَةً فَخَرَجَ وَهُوَ يَنْقُلُهَا بِنَفْسِهِ وَيُمْكِنُهُ اسْتِئْجَارُ الدَّوَابِّ وَالْحَمَّالِينَ فَلَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَا إذَا خَرَجَ لِدَابَّةٍ يَطْلُبُهَا لِيَنْقُلَ عَلَيْهَا الْمَتَاعَ لَمْ يَحْنَثْ قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ أَوْ لَيَقْلِبَنَّ هَذَا الْحَجَرَ ذَهَبًا انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ وَحَنِثَ عَقِيبَهَا) أَيْ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْيَمِينِ وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَنْعَقِدُ يَمِينُهُ لِأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ عَادَةً فَأَشْبَهَ الْمُسْتَحِيلَ حَقِيقَةً وَلَنَا أَنَّ الْبِرَّ مُتَصَوَّرٌ حَقِيقَةً لِأَنَّ الصُّعُودَ إلَى السَّمَاءِ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ وَقَدْ صَعِدَتْ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمَلَائِكَةُ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ وَإِنَّمَا يَنْقُصُ قُدْرَةُ غَيْرِهِمْ وَهَذَا إذَا أَطْلَقَ الْيَمِينَ أَمَّا إذَا وَقَّتَهَا لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَمْضِيَ الْوَقْتُ كَمَا إذَا قَالَ: لَأَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ الْيَوْمَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَحْنَثُ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُتَرَقَّبْ فِي الْيَمِينِ بِرٌّ حَنِثَ فِي الْحَالِ وَلَوْ حَلَفَ لَيَشْرَبَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ وَلَا مَاءَ فِيهِ لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ مَاءٌ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ لَا مَوْجُودٌ وَلَا مُتَوَهَّمٌ فَلَمْ يَنْعَقِدْ يَمِينُهُ وَلَيْسَ هَذَا كَمَنْ حَلَفَ لَيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ أَوْ لَيَقْلِبَنَّ هَذَا الْحَجَرَ ذَهَبًا لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ مُتَوَهَّمٌ وُجُودُهَا لِأَنَّهَا قَدْ تَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَةِ قَادِرٍ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَصْعَدُونَ السَّمَاءَ فِي كُلِّ وَقْتٍ إنَّمَا يَنْقُصُ قُدْرَةُ غَيْرِهِمْ فَإِذَا كَانَتْ الْيَمِينُ مُتَوَهَّمًا وُجُودُهَا انْعَقَدَتْ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَحْنَثُ فِي الْحَالِ لِأَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ يُؤَكِّدُ شَرْطَ الْحِنْثِ هَذَا إذَا لَمْ يُؤَقِّتْ أَمَّا إذَا قَالَ لَأَشْرَبَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ وَلَا مَاءَ فِيهِ فَهُمْ كَذَلِكَ أَيْضًا عِنْدَهُمْ لَا يَحْنَثُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحْنَثُ فِي الْحَالِ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْيَمِينَ الْمُؤَقَّتَةَ إذَا لَمْ يَتَرَقَّبْ لَهَا بِرٌّ مُنْعَقِدَةٌ فِي الْحَالِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَأَشْرَبَنَّ الْمَاءَ السَّاعَةَ وَلَا مَاءَ فِيهِ فَيَحْنَثُ فِي الْحَالِ هَذَا كُلُّهُ إذَا حَلَفَ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْكُوزِ مَاءٌ أَمَّا إذَا قَالَ: لَأَشْرَبَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ وَفِيهِ مَاءٌ فَانْصَبَّ حَنِثَ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْيَمِينَ تَنَاوَلَتْ مَعْقُودًا عَلَيْهِ مَوْجُودًا فَإِذَا انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ ثُمَّ عُدِمَ شَرْطُ الْبِرِّ فَحَنِثَ فَإِنْ وَقَّتَ فَقَالَ: لَأَشْرَبَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ وَفِيهِ مَاءٌ فَانْصَبَّ قَبْلَ الْغُرُوبِ لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الْيَمِينَ لَمْ يَنْعَقِدْ لِأَنَّ الْمُؤَقَّتَةَ يَتَعَلَّقُ انْعِقَادُهَا بِآخِرِ الْوَقْتِ عِنْدَهُمَا فَكَأَنَّهُ قَالَ عِنْدَ الْغُرُوبِ: لَأَشْرَبَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ وَلَا مَاءَ فِيهِ لِأَنَّ يَمِينَهُ لَا تَنْعَقِدُ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَحْنَثُ عِنْدَ الْغُرُوبِ وَأَمَّا لَوْ انْصَبَّ بَعْدَ الْغُرُوبِ يَحْنَثُ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْيَمِينَ انْعَقَدَتْ بِالِاتِّفَاقِ ثُمَّ عُدِمَ شَرْطُ الْبِرِّ فَحَنِثَ قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا دَيْنَهُ الْيَوْمَ فَقَضَاهُ ثُمَّ وَجَدَ فُلَانٌ بَعْضَهُ زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةَ أَوْ مُسْتَحَقَّةً لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ الزِّيَافَةَ عَيْبٌ وَالْعَيْبُ لَا يُعْدِمُ الْجِنْسَ وَلِهَذَا لَوْ تَجَوَّزَ بِهَا صَارَ مُسْتَوْفِيًا وَقَبْضُ الْمُسْتَحَقَّةِ صَحِيحٌ وَلَا يَرْتَفِعُ بِرَدِّهَا الْبِرُّ الْمُتَحَقِّقُ، الزُّيُوفُ مَا رَدَّهُ بَيْتُ الْمَالِ وَهِيَ دَرَاهِمُ فِيهَا غِشٌّ وَالنَّبَهْرَجَةُ مَا ضُرِبَ فِي غَيْرِ دَارِ الضَّرْبِ قَوْلُهُ (وَإِنْ وَجَدَهَا سَتُّوقَةً أَوْ رَصَاصًا حَنِثَ) لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ، السَّتُّوقَةُ صُفْرٌ مُمَوَّهٌ بِالْفِضَّةِ وَهِيَ الْمُشَبَّهَةُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَإِنْ بَاعَهُ بِدَيْنِهِ عَبْدًا وَقَبَضَهُ بَرَّ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ طَرِيقُهُ الْمُقَاصَّةُ وَقَدْ تَحَقَّقَتْ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ وَإِنْ وَهَبَ لَهُ الدَّيْنَ لَمْ يَبَرَّ لِعَدَمِ الْمُقَاصَّةِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ فِعْلُهُ وَالْهِبَةُ إسْقَاطٌ مِنْ صَاحِبِ الدَّيْنِ فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْبِرِّ قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَقْبِضُ دَيْنَهُ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ فَقَبَضَ بَعْضَهُ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَقْبِضَ جَمِيعَهُ مُتَفَرِّقًا) لِأَنَّ الشَّرْطَ قَبْضُ الْكُلِّ لَكِنَّهُ بِوَصْفِ التَّفْرِيقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَضَافَ الْقَبْضَ إلَى دَيْنٍ مَعْرُوفٍ مُضَافٍ إلَيْهِ فَيَنْصَرِفُ إلَى كُلِّهِ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِهِ وَلِأَنَّ يَمِينَهُ وَقَعَتْ عَلَى جَمِيعِ دَيْنِهِ أَنْ لَا يَقْبِضَهُ مُتَفَرِّقًا فَإِنْ أَخَذَ بَعْضَهُ لَمْ يَكُنْ آخِذًا لِجَمِيعِهِ مُتَفَرِّقًا فَلَا يَحْنَثُ وَإِنْ أَخَذَ بَقِيَّتَهُ وَقَدْ كَانَ أَخَذَ بَعْضَهُ مُتَفَرِّقًا حَنِثَ لِأَنَّهُ عَدِمَ شَرْطَ الْبِرِّ وَلَوْ كَانَ قَالَ: إنْ قَبَضْت مِنْهُ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ فَعَبْدِي حُرٌّ فَقَبَضَ بَعْضَهُ وَمَضَى حَنِثَ لِأَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: إنْ أَخَذْت بَعْضَهُ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ وَقَدْ فَعَلَ حَنِثَ مُتَفَرِّقًا لِأَنَّهُ عَدِمَ شَرْطَ الْبِرِّ وَإِنْ قَالَ: إنْ قَبَضْت الْيَوْمَ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ فَأَخَذَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ بَعْضَهُ وَأَخَذَ الْبَاقِيَ فِي آخِرِ النَّهَارِ حَنِثَ لِأَنَّ يَمِينَهُ وَقَعَتْ عَلَى أَنْ يَأْخُذَهُ مُتَفَرِّقًا فِي الْيَوْمِ وَقَدْ أَخَذَهُ فَحَنِثَ وَلَوْ جَعَلَ يَزِنُهُ أَوَّلًا فَأَوَّلًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ هَذَا لَا يُعَدُّ مُتَفَرِّقًا لِأَنَّهُ هَكَذَا تُسْتَوْفَى الدُّيُونُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُفَارِقُ غَرِيمَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مِنْهُ مَالَهُ عَلَيْهِ فَهَرَبَ أَوْ غَالَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَنَعَهُ إنْسَانٌ مِنْهُ أَوْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ يَمِينَهُ وَقَعَتْ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مُفَارَقَتُهُ بِنَفْسِهِ فَإِنْ قَالَ: لَا يُفَارِقُنِي حَتَّى أَسْتَوْفِيَ مِنْهُ حَقِّي فَوَجَدَ ذَلِكَ مِنْهُ حَنِثَ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ وَقَدْ وُجِدَ شَرْطُ الْحِنْثِ فَحَنِثَ كَذَا فِي شَرْحِهِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ قَبَضَ دَيْنَهُ فِي وَزْنَيْنِ لَمْ يَتَشَاغَلْ بَيْنَهُمَا إلَّا بِعَمَلِ الْوَزْنِ لَمْ يَحْنَثْ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِتَفْرِيقٍ) لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ قَبْضُ الْكُلِّ دُفْعَةً وَاحِدَةً فَيَصِيرُ هَذَا الْقَدْرُ مُسْتَثْنًى مِنْهُ وَلِأَنَّ الدُّيُونَ هَكَذَا تُقْبَضُ قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَيَأْتِيَنَّ الْبَصْرَةَ فَلَمْ يَأْتِهَا حَتَّى مَاتَ حَنِثَ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ) لِأَنَّ الْبِرَّ قَبْلَ ذَلِكَ مَرْجُوٌّ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ: حَتَّى أَنَّهُ إذَا حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا إذَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمِيرَاثُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْفَارِّ وَلَوْ مَاتَتْ هِيَ لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّ شَرْطَ الْبِرِّ لَمْ يَتَعَذَّرْ بِمَوْتِهَا قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ: إذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ تَأْتِ الْبَصْرَةَ وَمَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَهَا لَمْ تَطْلُقْ وَإِنْ مَاتَتْ هِيَ قَبْلَ الزَّوْجِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهَا وَلَمْ يَرِثْ الزَّوْجُ مِنْهَا لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ بِالطَّلَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ