فصل: (كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجوهرة النيرة (نسخة منقحة)



.(كِتَابُ الشَّرِكَةِ):

الشَّرِكَةُ فِي اللُّغَةِ هِيَ الْخُلْطَةُ، وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدٍ بَيْنَ الْمُتَشَارِكَيْنِ فِي الْأَصْلِ وَالرِّبْحِ.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (الشَّرِكَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: شَرِكَةِ أَمْلَاكٍ وَشَرِكَةِ عُقُودٍ؛ فَشَرِكَةُ الْأَمْلَاكِ: الْعَيْنُ يَرِثُهَا الرَّجُلَانِ، أَوْ يَشْتَرِيَانِهَا)؛ لِأَنَّ هَذِهِ أَسْبَابُ الْمِلْكِ وَكَذَا مَا وُهِبَ لَهُمَا، أَوْ أُوصِيَ لَهُمَا بِهِ فَقَبِلَاهُ وَكَذَا إذَا اخْتَلَطَ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَالِ صَاحِبِهِ خَلْطًا لَا يَتَمَيَّزُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ إلَّا بِإِذْنِهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ) لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْإِنْسَانِ فِي مَالِ غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنٍ أَوْ وِلَايَةٍ.
قَوْلُهُ: (وَالضَّرْبُ الثَّانِي) (شَرِكَةُ الْعُقُودِ) وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ، وَالْقَبُولُ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا: شَارَكْتُك فِي كَذَا وَيَقُولَ الْآخَرُ: قَبِلْتُ.
قَوْلُهُ: (وَهِيَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: مُفَاوَضَةٍ وَعِنَانٍ وَشَرِكَةِ الصَّنَائِعِ وَشَرِكَةِ الْوُجُوهِ) وَفِي الْخُجَنْدِيِّ الشَّرِكَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: شَرِكَةٍ بِالْأَمْوَالِ وَشَرِكَةٍ بِالْأَعْمَالِ وَشَرِكَةٍ بِالْوُجُوهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى وَجْهَيْنِ: مُفَاوَضَةٍ وَعِنَانٍ.
قَوْلُهُ: (فَأَمَّا شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ فَهُوَ أَنْ يَشْتَرِكَ الرَّجُلَانِ وَيَتَسَاوَيَا فِي مَالِهِمَا وَتَصَرُّفِهِمَا وَدِينِهِمَا فَتَجُوزَ بَيْنَ الْحُرَّيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ الْبَالِغَيْنِ الْعَاقِلَيْنِ وَلَا تَجُوزَ بَيْنَ الْحُرِّ، وَالْمَمْلُوكِ وَلَا بَيْنَ الصَّبِيِّ، وَالْبَالِغِ وَلَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ، وَالْكَافِرِ) لِأَنَّ مُقْتَضَاهَا التَّسَاوِي فِي الْمَالِ الَّذِي يَصِحُّ عَقْدُ الشَّرِكَةِ عَلَيْهِ كَالْأَثْمَانِ فَأَمَّا مَا لَا يَصِحُّ عَقْدُ الشَّرِكَةِ عَلَيْهِ كَالْعُرُوضِ، وَالْعَقَارِ فَلَا يُعْتَبَرُ التَّفَاضُلُ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَنْعَقِدُ الشَّرِكَةُ عَلَيْهِ فَالتَّفَاضُلُ فِيهِ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا كَالتَّفَاضُلِ فِي الزَّوْجَاتِ، وَالْأَوْلَادِ وَكَذَا إذَا كَانَ مَالُ أَحَدِهِمَا يَفْضُلُ عَلَى مَالِ الْآخَرِ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى إنْسَانٍ آخَرَ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَصِحُّ عَقْدُ الشَّرِكَةِ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْقَاضِي وَلَا تَصِحُّ الْمُفَاوَضَةُ إلَّا بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ؛ لِأَنَّ الْعَامَّةَ لَا يَقِفُونَ عَلَى شُرُوطِهَا فَإِذَا لَمْ يَتَلَفَّظُوا بِهَا لَمْ تَصِحَّ لِعَدَمِ مَعْنَاهَا فَأَمَّا إذَا كَانَ الْعَاقِدُ لَهَا يَعْرِفُ مَعَانِيَهَا صَحَّتْ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ الْمُفَاوَضَةِ؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ لَا تُعْتَبَرُ بِأَلْفَاظِهَا.
وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ مَعَانِيهَا وَيُشْتَرَطُ تَسَاوِيهِمَا فِي التَّصَرُّفِ حَتَّى لَا تَجُوزَ بَيْنَ الْحُرِّ، وَالْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ أَعَمُّ تَصَرُّفًا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ، وَالْعَبْدَ لَا يَمْلِكُهُ، وَلِأَنَّ الْحُرَّ يَتَصَرَّفُ بِغَيْرِ إذْنٍ، وَالْعَبْدَ لَا يَتَصَرَّفُ إلَّا بِإِذْنٍ فَلَمْ تُوجَدْ الْمُسَاوَاةُ وَكَذَا لَا تَجُوزُ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْمُكَاتَبِ وَلَا بَيْنَ حُرٍّ بَالِغٍ وَصَبِيٍّ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي الْكَفَالَةَ، وَكَفَالَةُ هَؤُلَاءِ لَا تَصِحُّ، وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ كَانَتْ عِنَانًا، وَأَمَّا تَسَاوِيهِمَا فِي الدَّيْنِ فَلَا تَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ الْمُفَاوَضَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُمَا حُرَّانِ تَجُوزُ كَفَالَتُهُمَا وَوَكَالَتُهُمَا إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَا يَهْتَدِي إلَى الْجَائِزِ مِنْ الْعُقُودِ يُخَافُ مِنْهُ أَنْ يُطْعِمَهُ الرِّبَا وَلَهُمَا أَنَّ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ لَا يَتَسَاوَيَانِ فِي التَّصَرُّفِ بِدَلِيلِ أَنَّ الذِّمِّيَّ يَتَصَرَّفُ فِي الْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ دُونَ الْمُسْلِمِ وَتَكُونُ عِنَانًا؛ لِأَنَّ الْعِنَانَ يَجُوزُ بَيْنَهُمَا إجْمَاعًا، وَإِنْ تَفَاوَضَ الذِّمِّيَّانِ جَازَتْ مُفَاوَضَتُهُمَا، وَإِنْ اخْتَلَفَ دِينُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي التَّصَرُّفِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كِتَابِيًّا، وَالْآخَرُ مَجُوسِيًّا يَجُوزُ أَيْضًا وَلَا تَجُوزُ الْمُفَاوَضَةُ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ وَلَا بَيْنَ الصَّبِيَّيْنِ وَلَا بَيْنَ الْمُكَاتَبَيْنِ لِانْعِدَامِ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ مِنْهُمْ.
قَوْلُهُ: (وَتَنْعَقِدُ عَلَى الْوَكَالَةِ، وَالْكَفَالَةِ وَمَا يَشْتَرِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكُونُ عَلَى الشَّرِكَةِ إلَّا طَعَامَ أَهْلِهِ وَكِسْوَتَهُمْ) وَكَذَا طَعَامُ نَفْسِهِ وَكِسْوَتُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَصَارَ مُسْتَثْنًى مِنْ الْمُفَاوَضَةِ وَلِلْبَائِعِ أَنْ يُطَالِبَ أَيَّهُمَا شَاءَ بِثَمَنِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ فَيَطْلُبُ أَيَّهُمَا شَاءَ الْمُشْتَرِي بِالْأَصَالَةِ وَصَاحِبُهُ بِالْكَفَالَةِ وَلِلْكَفِيلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِحِصَّتِهِ مِمَّا أَدَّى؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنًا عَلَيْهِ مِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا.
قَوْلُهُ: (وَمَا يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الدُّيُونِ بَدَلًا عَمَّا يَصِحُّ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ فَالْآخَرُ ضَامِنٌ لَهُ) لِأَنَّهَا مُنْعَقِدَةٌ عَلَى الْكَفَالَةِ فَكَأَنَّهُ كَفَلَ عَنْهُ بِبَدَلِ ذَلِكَ فَيُطَالَبُ بِهِ، وَالْمُرَادُ بَدَلُ الشَّيْءِ الَّذِي يَصِحُّ الِاشْتِرَاكُ فِيهِ حَتَّى إذَا اشْتَرَى الْعَقَارَ بَطَلَتْ شَرِكَتُهُ وَاَلَّذِي يَصِحُّ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ، وَالْإِجَارَةُ وَاَلَّذِي لَا يَصِحُّ فِيهِ النِّكَاحُ، وَالْخُلْعُ وَالْجِنَايَةُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فَعَلَى هَذَا إذَا تَزَوَّجَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فَذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَقْدُ الشَّرِكَةِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَأْخُذَ شَرِيكَهُ بِالْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَمَّا لَا يَصِحُّ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ وَكَذَا لَوْ جَنَى أَحَدُهُمَا عَلَى آدَمِيٍّ فَهُوَ لَازِمٌ لَهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ لَيْسَتْ مِنْ التِّجَارَةِ، وَإِنْ جَنَى عَلَى دَابَّةٍ، أَوْ ثَوْبٍ لَزِمَ شَرِيكَهُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ بِالضَّمَانِ وَذَلِكَ مِمَّا يَصِحُّ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَلْزَمُهُ كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْآدَمِيِّ وَلَيْسَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً لِلْوَطْءِ، أَوْ لِلْخِدْمَةِ إلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ مِمَّا يَصِحُّ فِيهَا الِاشْتِرَاكُ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فَاشْتَرَاهَا لِيَطَأَهَا فَهِيَ لَهُ خَاصَّةً وَلِلْبَائِعِ أَنْ يُطَالِبَ أَيَّهُمَا شَاءَ بِالثَّمَنِ وَهَلْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا وَيَصِيرُ كَأَنَّ شَرِيكَهُ وَهَبَ لَهُ ذَلِكَ وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا وَرِثَ أَحَدُهُمَا مَا لَا تَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ أَوْ وُهِبَ لَهُ هِبَةٌ فَوَصَلَ إلَى يَدِهِ بَطَلَتْ الْمُفَاوَضَةُ وَصَارَتْ الشَّرِكَةُ عِنَانًا) لِفَوَاتِ الْمُسَاوَاةِ فِيمَا يَصْلُحُ رَأْسَ الْمَالِ؛ إذْ هِيَ شَرْطٌ فِيهِ ابْتِدَاءً، أَوْ بَقَاءً، وَأَمَّا إذَا وَرِثَ مَا لَا يَصِحُّ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ كَالْعَقَارِ، أَوْ الْعُرُوضِ، أَوْ وُهِبَ لَهُ ذَلِكَ فَوَصَلَ إلَى يَدِهِ لَمْ تَبْطُلْ الْمُفَاوَضَةُ لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ فَلَا تَأْثِيرَ لَهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تَنْعَقِدُ الشَّرِكَةُ إلَّا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ) أَمَّا الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ فَلِأَنَّهَا أَثْمَانُ الْأَشْيَاءِ وَيُقَوَّمُ بِهَا الْمُسْتَهْلَكَاتُ وَلِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ بِالْعُقُودِ فَيَصِيرُ الْمُشْتَرِي مُشْتَرِيًا بِأَمْثَالِهَا فِي الذِّمَّةِ، وَالْمُشْتَرِي ضَامِنٌ لِمَا فِي ذِمَّتِهِ فَيَصِحُّ الرِّبْحُ الْمَقْصُودُ؛ لِأَنَّهُ رِبْحُ مَا ضَمِنَهُ، وَأَمَّا الْفُلُوسُ النَّافِقَةُ فَإِنَّهَا تَرُوجُ رَوَاجَ الْأَثْمَانِ فَالْتَحَقَتْ بِهَا قَالُوا وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالنُّقُودِ عِنْدَهُ حَتَّى لَا يَتَعَيَّنَ بِالتَّعْيِينِ وَلَا يَجُوزَ بَيْعُ اثْنَيْنِ مِنْهَا بِوَاحِدٍ بِأَعْيَانِهِمَا عَلَى مَا عُرِفَ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يَجُوزُ الشَّرِكَةُ، وَالْمُضَارَبَةُ بِهَا؛ لِأَنَّ ثَمَنِيَّتَهَا تَتَبَدَّلُ سَاعَةً فَسَاعَةً وَيَصِيرُ سَاعَةً سِلْعَةً، وَلِأَنَّهَا لَا تُقَوَّمُ بِهَا الْمُسْتَهْلَكَاتُ وَلَا يُقَدَّرُ بِهَا أُرُوشُ الْجِنَايَاتِ فَصَارَتْ كَالْعُرُوضِ وَلَا اعْتِبَارَ بِكَوْنِهَا نَافِقَةً؛ لِأَنَّهَا تَنْفُقُ فِي مَوْضِعٍ دُونَ مَوْضِعٍ، وَإِنَّمَا لَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ بِالْعُرُوضِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ فِيهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ الشَّرِكَةُ لَا يَصِحُّ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: بِعْ عَرَضَك عَلَى أَنَّ ثَمَنَهُ بَيْنَنَا لَا يَصِحُّ، وَإِذَا لَمْ تَجُزْ الْوَكَالَةُ لَمْ تَنْعَقِدْ الشَّرِكَةُ بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَإِنَّ التَّوْكِيلَ فِيهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ الشَّرِكَةُ يَصِحُّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: اشْتَرِ بِأَلْفٍ مِنْ مَالِك عَلَى أَنَّ مَا تَشْتَرِيهِ بَيْنَنَا وَأَنَا أَشْتَرِي بِأَلْفٍ مِنْ مَالِي عَلَى أَنَّ مَا اشْتَرَيْته بَيْنَنَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ أَوَّلَ التَّصَرُّفِ فِي الْعُرُوضِ الْبَيْعُ، وَفِي النُّقُودِ الشِّرَاءُ، وَبَيْعُ أَحَدِهِمَا مَالَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ شَرِيكًا فِي ثَمَنِهِ لَا يَجُوزُ وَشِرَاءُ أَحَدِهِمَا شَيْئًا بِمَالِهِ - عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ - جَائِزٌ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ بِمَا سِوَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَتَعَامَلَ النَّاسُ بِالتِّبْرِ وَالنُّقْرَةِ فَتَصِحَّ الشَّرِكَةُ بِهِمَا)؛ لِأَنَّ التِّبْرَ وَالنُّقْرَةَ تُشْبِهُ الْعُرُوضَ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ ثَمَنًا لِلْأَشْيَاءِ وَتُشْبِهُ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَيْهَا صَرْفٌ فَأُعْطِيَتْ الشَّبَهَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَاعْتُبِرَتْ فِيهَا عَادَةُ النَّاسِ فِي التَّعَامُلِ فَإِذَا تَعَامَلُوا بِهَا أُلْحِقَتْ بِالدَّرَاهِمِ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَامَلُوا بِهَا أُلْحِقَتْ بِغَيْرِ الدَّرَاهِمِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَرَادَ الشَّرِكَةَ بِالْعُرُوضِ بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ مَالِهِ بِنِصْفِ مَالِ الْآخَرِ ثُمَّ عَقَدَا الشَّرِكَةَ) صَوَابُهُ: وَإِنْ بَاعَ أَحَدُهُمَا وَصُورَتُهُ: رَجُلَانِ لَهُمَا مَالٌ لَا يَصْلُحُ لِلشَّرِكَةِ كَالْعُرُوضِ، وَالْحَيَوَانِ وَنَحْوه وَأَرَادَا الشَّرِكَةَ فَالطَّرِيقُ فِيهِ أَنْ يَبِيعَ أَحَدُهُمَا نِصْفَ مَالِهِ مُشَاعًا بِنِصْفِ مَالِ الْآخَرِ مُشَاعًا أَيْضًا فَإِذَا فَعَلَا ذَلِكَ صَارَ الْمَالُ شَرِكَةً بَيْنَهُمَا شَرِكَةَ أَمْلَاكٍ، ثُمَّ يَعْقِدَانِ بَعْدَهُ عَقْدَ الشَّرِكَةِ لِيَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ فَإِنْ قِيلَ لَا يُحْتَاجُ إلَى قَوْلِهِ، ثُمَّ عَقَدَا؛ لِأَنَّ بِقَوْلِهِ بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ تَثْبُتُ الشَّرِكَةُ بِالْخَلْطِ قُلْنَا يُحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ بِالْبَيْعِ إنَّمَا حَصَلَ شَرِكَةُ مِلْكٍ وَبِقَوْلِهِ، ثُمَّ عَقَدَا ثَبَتَتْ شَرِكَةُ الْعَقْدِ.
وَفِي الْهِدَايَةِ تَأْوِيلُ الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ قِيمَةُ مَتَاعِهِمَا عَلَى السَّوَاءِ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ يَبِيعُ صَاحِبُ الْأَقَلِّ بِقَدْرِ مَا ثَبَتَتْ بِهِ الشَّرِكَةُ بِأَنْ كَانَ قِيمَةُ عَرَضِ أَحَدِهِمَا أَرْبَعَمِائَةٍ وَقِيمَةُ عَرَضِ الْآخَرِ مِائَةً يَبِيعُ صَاحِبُ الْأَقَلِّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ عَرَضِهِ بِخُمُسِ عَرَضِ الْآخَرِ، وَالْحَاجَةُ إلَى الْعَقْدِ بَعْدَ شَرِكَةِ الْمِلْكِ لِيَثْبُتَ تَوْكِيلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ بِبَيْعِ نَصِيبِهِ.
قَوْلُهُ: (وَأَمَّا شَرِكَةُ الْعِنَانِ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الْوَكَالَةِ دُونَ الْكَفَالَةِ) يَعْنِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكُونُ وَكِيلًا لِصَاحِبِهِ فِيمَا هُوَ فِيهِ مِنْ شَرِكَتِهِمَا وَلِذَلِكَ جَازَتْ مِمَّنْ هُوَ أَهْلٌ لِلتَّوْكِيلِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْكَفَالَةِ حَتَّى إنَّ أَحَدَهُمَا لَوْ كَانَ صَبِيًّا مَأْذُونًا لَهُ، أَوْ كِلَاهُمَا كَذَلِكَ، أَوْ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ، أَوْ كِلَاهُمَا كَذَلِكَ فَإِنَّهُ تَجُوزُ شَرِكَةُ الْعِنَانِ بَيْنَهُمَا.
قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ التَّفَاضُلُ فِي الْمَالِ) لِأَنَّهَا لَا يَقْتَضِي التَّسَاوِيَ.
قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الْمَالِ وَيَتَفَاضَلَا فِي الرِّبْحِ).
وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ لِأَحَدِهِمَا أَكْثَرُ مِنْ رِبْحِ مَالِهِ لَنَا أَنَّ الرِّبْحَ تَارَةً يُسْتَحَقُّ بِالْمَالِ وَتَارَةً بِالْعَمَلِ بِدَلَالَةِ الْمُضَارَبَةِ فَإِذَا جَازَ أَنْ يُسْتَحَقَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَازَ أَنْ يُسْتَحَقَّ بِهِمَا جَمِيعًا وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَحْذَقَ وَأَهْدَى، أَوْ أَكْثَرَ عَمَلًا فَلَا يَرْضَى بِالْمُسَاوَاةِ، وَإِنْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا فِي الْمَالَيْنِ وَلَمْ يَعْمَلْ الْآخَرُ لِعُذْرٍ، أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ صَارَ كَأَنَّهُمَا عَمِلَا جَمِيعًا وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ.
قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِبَعْضِ مَالِهِ دُونَ بَعْضٍ) لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي الْمَالِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهَا.
قَوْلُهُ: (وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُفَاوَضَةَ تَصِحُّ بِهِ) يَعْنِي أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا بِالنَّقْدَيْنِ وَلَا تَصِحُّ بِالْعُرُوضِ.
قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَا وَمِنْ جِهَةِ أَحَدِهِمَا دَنَانِيرُ، وَالْآخَرِ دَرَاهِمُ) وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ، لَنَا أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ قَدْ أُجْرِيَا مَجْرَى الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فِي الزَّكَاةِ فَصَارَ الْعَقْدُ عَلَيْهِمَا كَالْعَقْدِ عَلَى الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الدَّنَانِيرِ تَزِيدُ عَلَى الدَّرَاهِمِ كَمَا إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلِلْآخَرِ مِائَةُ دِينَارٍ قِيمَتُهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ وَمِائَةٌ لَمْ تَصِحَّ الْمُفَاوَضَةُ وَكَانَتْ عِنَانًا؛ لِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ، وَالْعِنَانَ لَا يَقْتَضِيهَا.
قَوْلُهُ: (وَمَا اشْتَرَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلشَّرِكَةِ طُولِبَ بِثَمَنِهِ دُونَ الْآخَرِ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهَا تَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ دُونَ الْكَفَالَةِ، وَالْوَكِيلُ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْحُقُوقِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْهُ) يَعْنِي إنْ أَدَّى مِنْ مَالِ نَفْسِهِ أَمَّا إذَا نَقَدَ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ لَا يَرْجِعُ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى فَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ أَنَّهُ أَدَّى مِنْ مَالِ نَفْسِهِ إلَّا بِقَوْلِهِ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي وُجُوبَ الْمَالِ فِي ذِمَّةِ الْآخَرِ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا هَلَكَ مَالُ الشَّرِكَةِ، أَوْ أَحَدُ الْمَالَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَا شَيْئًا بَطَلَتْ الشَّرِكَةُ) لِأَنَّهَا قَدْ تَعَيَّنَتْ بِهَذَيْنِ الْمَالَيْنِ فَإِذَا هَلَكَ أَحَدُهُمَا بَطَلَتْ فِي الْهَالِكِ لِعَدَمِهِ وَبَطَلَتْ فِي الْآخَرِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يَرْضَ أَنْ يُعْطِيَهُ شَيْئًا مِنْ رِبْحِ مَالِهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِمَالِهِ وَهَلَكَ مَالُ الْآخَرِ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَالْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا) لِأَنَّ الْمِلْكَ حِينَ وَقَعَ وَقَعَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا لِقِيَامِ الشَّرِكَةِ وَقْتَ الشِّرَاءِ فَلَا يُعْتَبَرُ الْحُكْمُ بِهَلَاكِ الْمَالِ بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ الشَّرِكَةُ شَرِكَةُ عَقْدٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ حَتَّى إنَّ أَيَّهُمَا بَاعَ جَازَ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ قَدْ تَمَّتْ فِي الْمُشْتَرَى فَلَا تَنْتَقِضُ بَعْدَ تَمَامِهَا وَعِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ شَرِكَةُ مِلْكٍ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ إلَّا بِإِذْنِهِ.
قَوْلُهُ: (وَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ ثَمَنِهِ) لِأَنَّهُ اشْتَرَى نِصْفَهُ بِوَكَالَتِهِ وَنَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ.
قَوْلُهُ: (وَتَجُوزُ الشَّرِكَةُ، وَإِنْ لَمْ يَخْلِطَا الْمَالَ) وَأَيُّهُمَا هَلَكَ قَبْلَ الْخَلْطِ بَعْدَ الشَّرِكَةِ هَلَكَ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ إذَا شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً مِنْ الرِّبْحِ) لِأَنَّ هَذَا يُخْرِجُهَا مِنْ عَقْدِ الشَّرِكَةِ وَيَجْعَلُهَا إجَارَةً، وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ يُوجِبُ انْقِطَاعَ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَحْصُلُ الْقَدْرُ الْمُسَمَّى لِلْآخَرِ.
قَوْلُهُ: (وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَشَرِيكَيْ الْعِنَانِ أَنْ يُبْضِعَ الْمَالَ وَيَدْفَعَهُ مُضَارَبَةً وَيُوَكِّلَ مَنْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ وَيَدُهُ فِي الْمَالِ يَدُ أَمَانَةٍ) وَلَهُ أَنْ يُودِعَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ شَرِكَةَ عَنَانٍ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ شَرِيكُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالْعَقْدِ مِثْلَهُ وَلَيْسَ لِشَرِيكِ الْعِنَانِ أَنْ يُكَاتِبَ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَيْسَتْ مِنْ التِّجَارَةِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَبِيعَ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ وَكَذَا يَجُوزُ بِمَا عَزَّ وَهَانَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ إلَّا بِمِثْلِ قِيمَتِهِ، أَوْ بِنُقْصَانٍ لَا يُتَغَابَنُ فِيهِ، وَإِنْ بَاعَ أَحَدُهُمَا حَالًّا وَأَجَّلَهُ الْآخَرُ لَمْ يَصِحَّ تَأْجِيلُهُ فِي النَّصِيبَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ فِي نَصِيبِهِ، وَإِنْ أَجَّلَهُ الَّذِي وَلِيَ الْعَقْدَ جَازَ فِي النَّصِيبَيْنِ إجْمَاعًا وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُقْرِضَ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ تَبَرُّعٌ، وَإِذَا أَقَالَ أَحَدُهُمَا فِيمَا بَاعَهُ الْآخَرُ جَازَتْ الْإِقَالَةُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الشِّرَاءَ عَلَى شَرِيكِهِ، وَالْإِقَالَةُ فِيهَا مَعْنَى الشِّرَاءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ.
قَوْلُهُ: (وَأَمَّا شَرِكَةُ الصَّنَائِعِ) وَتُسَمَّى شَرِكَةَ الْأَبْدَانِ وَشَرِكَةَ الْأَعْمَالِ وَشَرِكَةَ التَّقَبُّلِ.
قَوْلُهُ: (فَالْخَيَّاطَانِ وَالصَّبَّاغَانِ يَشْتَرِكَانِ عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَا الْأَعْمَالَ وَيَكُونَ الْكَسْبُ بَيْنَهُمَا فَيَجُوزَ ذَلِكَ) وَسَوَاءٌ اتَّفَقَتْ أَعْمَالُهُمْ، أَوْ اخْتَلَفَتْ فَالشَّرِكَةُ جَائِزَةٌ كَالْخَيَّاطَيْنِ، وَالْإِسْكَافَيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا خَيَّاطٌ، وَالْآخَرُ إسْكَافٌ، أَوْ صَبَّاغٌ.
وَقَالَ زُفَرُ لَا تَصِحُّ إذَا اخْتَلَفَتْ الْأَعْمَالُ وَقَدْ تَكُونُ هَذِهِ الشَّرِكَةُ مُفَاوَضَةً وَقَدْ تَكُونُ عِنَانًا أَمَّا الْمُفَاوَضَةُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَا جَمِيعًا مِنْ أَهْلِ الْكَفَالَةِ وَأَنْ يَشْتَرِطَا أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَأَنْ يَتَلَفَّظَا بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ، وَأَمَّا الْعِنَانُ فَيَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْكَفَالَةِ، أَوْ لَمْ يَكُونَا فَإِذَا تَقَبَّلَ أَحَدُهُمَا فَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ شَرِيكُهُ وَيَجُوزُ اشْتِرَاطُ الرِّبْحِ بَيْنَهُمَا سَوَاءً، وَعَلَى التَّفَاضُلِ فَإِنْ أَطْلَقَا الشَّرِكَةَ فَهِيَ عِنَانٌ فَإِنْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ وَالشَّرِكَةُ عِنَانٌ، أَوْ مُفَاوَضَةٌ فَالْأَجْرُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا فَإِنْ جَنَتْ يَدُ أَحَدِهِمَا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا يَأْخُذُ صَاحِبُ الْعَمَلِ أَيَّهُمَا شَاءَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَتْ عِنَانًا، أَوْ مُفَاوَضَةً.
قَوْلُهُ: (وَمَا يَتَقَبَّلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْعَمَلِ يَلْزَمُهُ وَيَلْزَمُ شَرِيكَهُ)؛ لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَ لَهُ وَلِنَفْسِهِ وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ يُطَالَبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْعَمَلِ وَيُطَالِبُ أَحَدُهُمَا بِالْأُجْرَةِ وَيَبْرَأُ الدَّافِعُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ مُفَاوَضَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ عِنَانًا فَإِنَّمَا يُطَالِبُ مَنْ بَاشَرَ السَّبَبَ دُونَ صَاحِبِهِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ) سَوَاءٌ كَانَتْ عِنَانًا، أَوْ مُفَاوَضَةً فَإِنْ شَرَطَا التَّفَاضُلَ فِي الرِّبْحِ حَالَ مَا تَقَبَّلَا جَازَ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ عَمَلًا مِنْ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُمَا يَسْتَحِقَّانِ الرِّبْحَ بِالضَّمَانِ فَمَا حَصَلَ مِنْ أَحَدِهِمَا مِنْ زِيَادَةِ عَمَلٍ فَهُوَ إعَانَةٌ لِصَاحِبِهِ.
قَوْلُهُ: (وَأَمَّا شَرِكَةُ الْوُجُوهِ فَالرَّجُلَانِ يَشْتَرِكَانِ وَلَا مَالَ لَهُمَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا بِوُجُوهِهِمَا وَيَبِيعَا فَتَصِحَّ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى ذَلِكَ) وَقَدْ تَكُونُ هَذِهِ مُفَاوَضَةً وَعِنَانًا فَأَمَّا الْمُفَاوَضَةُ أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الْكَفَالَةِ وَيَتَلَفَّظَا بِلَفْظِهَا وَيَكُونَ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا وَكَذَا ثَمَنُهُ، وَأَمَّا الْعِنَانُ فَيَتَفَاضَلَانِ فِي ثَمَنِ الْمُشْتَرَى وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الضَّمَانِ فَإِذَا أُطْلِقَتْ تَكُونُ عِنَانًا.
قَوْلُهُ: (وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلٌ لِلْآخَرِ فِيمَا يَشْتَرِيهِ فَإِنْ شَرَطَا أَنَّ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَالرِّبْحُ كَذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَفَاضَلَا فِيهِ، وَإِنْ شَرَطَا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فَالرِّبْحُ كَذَلِكَ) لِأَنَّ هَذِهِ شَرِكَةٌ مُنْعَقِدَةٌ عَلَى الضَّمَانِ وَالضَّمَانُ يُسْتَحَقُّ بِهِ الرِّبْحُ بِمِقْدَارِ مَا ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْعَقْدِ فَإِنْ شَرَطَ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ رِبْحٌ شُرِطَ لَهُ مِنْ غَيْرِ مَالٍ وَلَا عَمَلٍ فَلَا يَجُوزُ، وَلِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الرِّبْحِ فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ بِالضَّمَانِ وَالضَّمَانُ عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ فِي الْمُشْتَرَى فَكَانَ الرِّبْحُ الزَّائِدُ عَلَيْهِ رِبْحَ مَا لَمْ يُضْمَنْ فَلَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ فِي الِاحْتِطَابِ وَالِاصْطِيَادِ وَالِاحْتِشَاشِ)؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ مُتَضَمِّنَةٌ مَعْنَى الْوَكَالَةِ وَالتَّوْكِيلُ فِي أَخْذِ الْمُبَاحِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْمُوَكِّلِ بِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَالْوَكِيلُ يَمْلِكُهُ بِدُونِ أَمْرِهِ فَلَا يَصْلُحُ نَائِبًا عَنْهُ، وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمْلِكُ مَا أَخَذَهُ بِالْأَخْذِ فَلَا يَكُونُ لِصَاحِبِهِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ.
قَوْلُهُ: (وَمَا اصْطَادَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَوْ احْتَطَبَهُ فَهُوَ لَهُ دُونَ الْآخَرِ) هَذَا إذَا لَمْ يَخْلِطَاهُ أَمَّا إذَا خَلَطَاهُ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ يَمِينِهِ عَلَى دَعْوَى الْآخَرِ إلَى تَمَامِ النِّصْفِ، وَإِنْ خَلَطَاهُ وَبَاعَاهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُكَالُ وَيُوزَنُ قُسِمَ الثَّمَنُ عَلَى قَدْرِ الْكَيْلِ الَّذِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمَا قُسِمَ عَلَى قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صُدِّقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي النِّصْفِ فَإِنْ ادَّعَى أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ الْيَدَ تَقْتَضِي التَّسَاوِيَ فَإِنْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا وَأَعَانَهُ الْآخَرُ بِأَنْ حَطَبَ أَحَدُهُمَا وَشَدَّهُ الْآخَرُ حُزَمًا أَوْ جَمَعَهُ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ نِصْفَ ثَمَنِ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَإِنْ أَعَانَهُ بِنَصْبِ الشِّبَاكِ وَنَحْوِهِ فَلَمْ يُصِبْ شَيْئًا لَهُ قِيمَةٌ كَانَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا كَلْبٌ فَأَرْسَلَاهُ جَمِيعًا عَلَى صَيْدٍ كَانَ مَا أَصَابَ الْكَلْبُ لِصَاحِبِهِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ إرْسَالَ غَيْرِ الْمَالِكِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ مَعَ إرْسَالِ الْمَالِكِ، وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَلْبٌ فَأَرْسَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَلْبَهُ فَأَصَابَا صَيْدًا كَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَإِنْ أَصَابَ كَلْبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَيْدًا عَلَى حِدَةٍ كَانَ لَهُ خَاصَّةً.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ اشْتَرَكَا وَلِأَحَدِهِمَا بَغْلٌ وَلِلْآخَرِ رَاوِيَةٌ لِيَسْتَقِيَا عَلَيْهِمَا الْمَاءَ عَلَى أَنَّ الْكَسْبَ بَيْنَهُمَا لَمْ تَصِحَّ الشَّرِكَةُ، وَالْكَسْبُ كُلُّهُ لِلَّذِي اسْتَقَى وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الرَّاوِيَةِ إنْ كَانَ صَاحِبَ الْبَغْلِ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ الرَّاوِيَةِ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِ الْبَغْلِ) أَمَّا فَسَادُ الشَّرِكَةِ فَلِانْعِقَادِهَا عَلَى إحْرَازِ الْمُبَاحِ وَهُوَ الْمَاءُ، وَأَمَّا وُجُوبُ الْأُجْرَةِ فَلِأَنَّ الْمُبَاحَ إذَا صَارَ مِلْكًا لِلْمُسْتَقِي فَقَدْ اسْتَوْفَى مِلْكَ الْغَيْرِ وَهُوَ مَنْفَعَةُ الْبَغْلِ وَالرَّاوِيَةِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَيَلْزَمُهُ أُجْرَتُهُ.
قَوْلُهُ: (وَكُلُّ شَرِكَةٍ فَاسِدَةٍ فَالرِّبْحُ فِيهَا بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الْمَالِ وَيَبْطُلُ شَرْطُ التَّفَاضُلِ) لِأَنَّ الرِّبْحَ فِيهِ تَابِعٌ لِلْمَالِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ، أَوْ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ الشَّرِكَةُ) لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ، وَالْوَكَالَةُ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَكَذَا بِاللَّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ، وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ يَتَصَرَّفُ بِالْإِذْنِ، وَالْمَوْتُ يَقْطَعُ الْإِذْنَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا عَلِمَ الشَّرِيكُ بِمَوْتِ صَاحِبِهِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ فَإِنْ رَجَعَ الْمُرْتَدُّ مُسْلِمًا بَعْدَ لَحَاقِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ لَمْ تَبْطُلْ الشَّرِكَةُ، وَإِنْ كَانَ رُجُوعُهُ بَعْدَمَا قَضَى بِلَحَاقِهِ فَلَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَضَى بِلَحَاقِهِ زَالَتْ أَمْلَاكُهُ فَانْفَسَخَتْ الشَّرِكَةُ فَلَا تَعُودُ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ.
قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ مَالٍ الْآخَرِ إلَّا بِإِذْنِهِ)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ التِّجَارَةِ فَلَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهَا.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَذِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاتَهُ فَأَدَّاهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَالثَّانِي ضَامِنٌ عَلِمَ بِأَدَاءِ الْأَوَّلِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا يَضْمَنُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ وَهَذَا إذَا أَدَّيَا عَلَى التَّعَاقُبِ أَمَّا إذَا أَدَّيَا مَعًا ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَ الْآخَرِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمَأْمُورُ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ إذَا تَصَدَّقَ عَلَى الْفَقِيرِ بَعْدَمَا أَدَّى الْآمِرُ بِنَفْسِهِ لَهُمَا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّمْلِيكِ مِنْ الْفَقِيرِ وَقَدْ أَتَى بِهِ فَلَا يَضْمَنُ لِلْمُوَكِّلِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ فِي وُسْعِهِ التَّمْلِيكَ لَا وُقُوعَهُ زَكَاةً لِتَعَلُّقِهِ بِنِيَّةِ الْمُوَكِّلِ، وَإِنَّمَا يُطْلَبُ مِنْهُ مَا فِي وُسْعِهِ وَصَارَ كَالْمَأْمُورِ بِذَبْحِ دَمِ الْإِحْصَارِ إذَا ذَبَحَ بَعْدَمَا زَالَ الْإِحْصَارُ وَحَجَّ الْآمِرُ لَمْ يَضْمَنْ الْمَأْمُورُ عَلِمَ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْمُؤَدَّى لَمْ يَقَعْ زَكَاةً فَصَارَ مُخَالِفًا وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْآمِرِ إخْرَاجُ نَفْسِهِ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَلْتَزِمُ الضَّرَرَ وَهَذَا الْمَقْصُودُ حَصَلَ بِأَدَائِهِ وَعُرِّيَ أَدَاءُ الْمَأْمُورِ عَنْهُ فَصَارَ مَعْزُولًا عَلِمَ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ.

.(كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ):

الْمُضَارَبَةُ فِي اللُّغَةِ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ السَّفَرُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} أَيْ يُسَافِرُونَ لِطَلَبِ رِزْقِ اللَّهِ، وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ يَكُونُ مِنْ أَحَدِهِمَا الْمَالُ وَمِنْ الْآخَرِ التِّجَارَةُ فِيهِ وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا.
وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ، وَالْقَبُولُ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: دَفَعْتُ إلَيْك هَذَا الْمَالَ مُضَارَبَةً، أَوْ مُعَامَلَةً، أَوْ خُذْ هَذَا الْمَالَ وَاعْمَلْ فِيهِ مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَنَا نِصْفَانِ فَيَقُولَ الْمُضَارِبُ: قَبِلْتُ أَوْ أَخَذْتُ، أَوْ رَضِيتُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (الْمُضَارَبَةُ عَقْدٌ عَلَى الشَّرِكَةِ بِمَالٍ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ وَعَمَلٍ مِنْ الْآخَرِ) مُرَادُهُ الشَّرِكَةُ فِي الرِّبْحِ، ثُمَّ الْمُضَارَبَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى أَحْكَامٍ مُخْتَلِفَةٍ فَإِذَا دَفَعَ الْمَالَ فَهُوَ أَمَانَةٌ كَالْوَدِيعَةِ إلَى أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِأَمْرِ مَالِكِهِ فَإِذَا اشْتَرَى بِهِ فَهُوَ وَكَالَةٌ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِأَمْرِهِ فَإِذَا رَبِحَ صَارَ شَرِيكًا فَإِذَا فَسَدَتْ صَارَتْ إجَارَةً؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا أَجْرُ الْمِثْلِ فَإِذَا خَالَفَ الْمُضَارِبُ شَرْطَ رَبِّ الْمَالِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ فَيَكُونُ الْمَالُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَيَكُونُ الرِّبْحُ لِلْمُضَارِبِ وَلَكِنَّهُ لَا يَطِيبُ لَهُ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَطِيبُ لَهُ، فَإِذَا أَرَادَ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَجْعَلَ الْمَالَ مَضْمُونًا عَلَى الْمُضَارِبِ فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقْرِضَهُ الْمُضَارِبَ وَيُسَلِّمَهُ إلَيْهِ وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَأْخُذَهُ مِنْهُ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ، أَوْ الثُّلُثِ، ثُمَّ يَدْفَعَهُ إلَى الْمُسْتَقْرِضِ وَيَسْتَعِينَ بِهِ فِي الْعَمَلِ حَتَّى إنَّهُ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ فَالْقَرْضُ عَلَيْهِ، وَإِذَا رَبِحَ وَلَمْ يَهْلِكْ يَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيُّ فَصَارَ لِلْمُضَارِبِ خَمْسُ مَرَاتِبَ: هُوَ فِي الِابْتِدَاءِ أَمِينٌ، فَإِذَا تَصَرَّفَ فَهُوَ وَكِيلٌ، فَإِذَا رَبِحَ فَهُوَ شَرِيكٌ، فَإِذَا فَسَدَتْ فَهُوَ أَجِيرٌ، فَإِذَا خَالَفَ فَهُوَ غَاصِبٌ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ إلَّا بِالْمَالِ الَّذِي بَيَّنَّا أَنَّ الشَّرِكَةَ تَصِحُّ بِهِ) يَعْنِي أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَأَمَّا الْفُلُوسُ فَعَلَى الْخِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ فِي الشَّرِكَةِ وَهُوَ أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجُوزُ الْمُضَارَبَةُ بِهَا وَعِنْدَهُمَا لَا تَجُوزُ وَإِنْ قَالَ: اقْبِضْ مَا لِي عَلَى فُلَانٍ مِنْ الدَّيْنِ وَاعْمَلْ بِهِ مُضَارَبَةً جَازَ إذَا قَبَضَهُ وَعَمِلَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْمُضَارَبَةَ إلَى الْمَقْبُوضِ وَذَلِكَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَهُوَ مُقْتَضَى الْمُضَارَبَةِ، وَإِنْ قَالَ اعْمَلْ بِمَا لِي عَلَيْك مِنْ الدَّيْنِ مُضَارَبَةً لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَا اشْتَرَاهُ الْمُضَارِبُ بِذَلِكَ يَكُونُ لَهُ رِبْحُهُ وَعَلَيْهِ خَسَارَتُهُ وَلَا يَبْرَأُ مِنْ دَيْنِ الطَّالِبِ؛ لِأَنَّ الْمَدْيُونَ لَا يَبْرَأُ مِنْ الدَّيْنِ إلَّا بِقَبْضِ الطَّالِبِ، أَوْ وَكِيلِهِ، أَوْ بِإِبْرَائِهِ عَنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ فَبَقِيَ الدَّيْنُ بِحَالِهِ وَلِأَنَّ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ أَمَانَةً فِي يَدِهِ وَالدَّيْنُ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَذَلِكَ يُنَافِيهَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تَجُوزُ الْمُضَارَبَةُ وَيَبْرَأُ الْمُضَارِبُ مِنْ الدَّيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَكُون الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا مُشَاعًا لَا يَسْتَحِقُّ أَحَدُهُمَا مِنْهُ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً) لِأَنَّ شَرْطَ ذَلِكَ يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَحْصُلَ مِنْ الرِّبْحِ إلَّا تِلْكَ الدَّرَاهِمُ الْمُسَمَّاةُ قَالَ فِي شَرْحِهِ: إذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ فَلِلْمُضَارِبِ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَالْمُضَارَبَةُ فَاسِدَةٌ فَإِنْ عَمِلَ فِي هَذَا فَرَبِحَ، أَوْ لَمْ يَرْبَحْ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى عَمَلَهُ عَنْ عَقْدٍ فَاسِدٍ بِبَدَلٍ فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ إلَيْهِ الْبَدَلَ رَجَعَ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ شَيْءٌ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهُ الْأَجْرُ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَرْبَحْ لَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ الْفَاسِدَةَ لَا تَكُونُ أَقْوَى مِنْ الصَّحِيحَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُضَارِبَ فِي الصَّحِيحَةِ إذَا لَمْ يَرْبَحْ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا فَفِي الْفَاسِدَةِ أَوْلَى.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهُ الْأَجْرُ رَبِحَ، أَوْ لَمْ يَرْبَحْ؛ لِأَنَّهَا إذَا فَسَدَتْ صَارَتْ إجَارَةً، وَالْإِجَارَةُ يَجِبُ فِيهَا الْأَجْرُ رَبِحَ، أَوْ لَمْ يَرْبَحْ، وَالْمَالُ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْهَلَاكِ اعْتِبَارًا بِالْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي الْكَرْخِيِّ لَا يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ لَا يَضْمَنُ وَعَلَى قَوْلِهِمَا هُوَ مَضْمُونٌ عَلَى أَصْلِهِمَا فِي تَضْمِينِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ، وَالْمُضَارَبَةُ الْفَاسِدَةُ قَدْ صَارَتْ إجَارَةً بِدَلَالَةِ وُجُوبِ أَجْرِ الْمِثْلِ فِيهَا، وَالْمُضَارِبُ فِي حُكْمِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ إلَّا بِالْعَمَلِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مُسَلَّمًا إلَى الْمُضَارِبِ لَا يَدَ لِرَبِّ الْمَالِ فِيهِ) أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْعَمَلَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فَإِنْ شَرَطَ عَمَلَ رَبِّ الْمَالِ فَسَدَتْ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَمْنَعُ خُلُوصَ يَدِ الْمُضَارِبِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ إذَا دَفَعَا مَالَ الْيَتِيمِ مُضَارَبَةً وَشُرِطَ عَمَلُهُمَا حَيْثُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَالِكَيْنِ لِلْمَالِ فَصَارَا كَالْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَأْخُذَ مَالَ الصَّغِيرِ مُضَارَبَةً فَإِنْ شَرَطَ عَمَلَ الصَّغِيرِ فَسَدَتْ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَالِكُ لِلْمَالِ، وَالْمُكَاتَبُ إذَا شَرَطَ عَمَلَ مَوْلَاهُ لَمْ تَفْسُدْ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ أَكْسَابَ مُكَاتَبِهِ فَهُوَ فِيهَا كَالْأَجْنَبِيِّ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا صَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ مُطْلَقَةً) أَيْ غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ بِالزَّمَانِ، وَالْمَكَانِ، وَالسِّلْعَةِ (جَازَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَشْتَرِيَ وَيَبِيعَ وَيُسَافِرَ وَيُبْضِعَ وَيُودِعَ وَيُوَكِّلَ) لِإِطْلَاقِ الْعَقْدِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الِاسْتِرْبَاحُ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالتِّجَارَةِ فَيَنْتَظِمُ مَا هُوَ مِنْ صُنْعِ التُّجَّارِ وَالتَّوْكِيلُ، وَالْإِبْضَاعُ، وَالْإِيدَاعُ مِنْ صُنْعِهِمْ وَعَادَتِهِمْ، وَلِأَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ فِي الْمَالِ بِعِوَضٍ فَإِذَا أَبْضَعَ حَصَلَ الْمَالُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَهُوَ أَوْلَى وَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَعْمَلُ مَعَهُ مِنْ الْأُجَرَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ بِنَفْسِهِ وَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ بَيْتًا يَحْفَظُ فِيهِ الْمَتَاعَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَصَّلُ إلَى حِفْظِهِ إلَّا بِذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الدَّوَابَّ لِحَمْلِهِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ يَحْصُلُ بِنَقْلِ الْمَتَاعِ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ، وَأَمَّا الْمُسَافَرَةُ بِالْمَالِ فِي الْمُضَارَبَةِ الْمُطْلَقَةِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ وَلَهُ أَنْ يَتَّجِرَ فِي جَمِيعِ التِّجَارَاتِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِالْمَالِ فِي الْمُضَارَبَةِ الْمُطْلَقَةِ فِي بَرٍّ، أَوْ بَحْرٍ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِ الْمَالِ وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِهِ إلَى مَوْضِعٍ يَقْدِرُ عَلَى الرُّجُوعِ مِنْهُ إلَى أَهْلِهِ فِي لَيْلَتِهِ فَيَبِيتُ مَعَهُمْ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ بِالْمَالِ فِيهِ خَطَرٌ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِ الْمَالِكِ.
وَقَوْلُهُ: وَيُسَافِرَ بِالْمَالِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ، وَيُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ فِي السَّفَرِ دُونَ الْحَضَرِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَإِنْ أَنْفَقَ مِنْ الْمَالِ فِي الْحَضَرِ ضَمِنَ وَنَفَقَةُ طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَكِسْوَتُهُ وَرُكُوبُهُ وَعَلَفُ الدَّوَابِّ الَّتِي يَرْكَبُهَا فِي سَفَرِهِ وَيَتَصَرَّفُ عَلَيْهَا فِي حَوَائِجِهِ، وَغَسْلُ ثِيَابِهِ وَدُهْنُ السِّرَاجِ، وَفِرَاشٌ يَنَامُ عَلَيْهِ وَشِرَاءُ دَابَّةٍ لِلرُّكُوبِ وَاسْتِئْجَارُهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا بُدَّ مِنْهَا، وَأَمَّا الدَّوَاءُ، وَالْحِجَامَةُ، وَالْفَصْدُ وَالِادِّهَانُ وَالِاخْتِضَابُ وَمَا يَرْجِعُ إلَى إصْلَاحِ الْبَدَنِ فَهُوَ فِي مَالِهِ دُونَ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَفِي الْكَرْخِيِّ الدُّهْنُ فِي مَالِ نَفْسِهِ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ كَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَأَمَّا الْفَاكِهَةُ فَالْمُعْتَادُ مِنْهَا يَجْرِي مَجْرَى الطَّعَامِ، وَالْإِدَامِ، وَأَمَّا اللَّحْمُ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ كَمَا كَانَ يَأْكُلُ فِي الْعَادَةِ، وَإِذَا رَجَعَ الْمُسَافِرُ إلَى مِصْرِهِ وَمَعَهُ مِنْ الثِّيَابِ الَّذِي اكْتَسَاهَا وَمِنْ الطَّعَامِ الَّذِي اشْتَرَاهُ لِلنَّفَقَةِ شَيْءٌ رَدَّهُ إلَى مَالِ الْمُضَارَبَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ فِي ذَلِكَ)، أَوْ يَقُولَ لَهُ: اعْمَلْ بِرَأْيِك؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْقُوَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ، أَوْ التَّفْوِيضِ الْمُطْلَقِ إلَيْهِ كَمَا فِي التَّوْكِيلِ فَإِنَّ الْوَكِيلَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ إلَّا إذَا قِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك بِخِلَافٍ فِي الْإِيدَاعِ، وَالْإِبْضَاعِ؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ فَيَتَضَمَّنُهُ وَبِخِلَافِ الْإِقْرَاضِ حَيْثُ لَا يَمْلِكُهُ، وَإِنْ قِيلَ لَهُ: اعْمَلْ بِرَأْيِك؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ بَلْ هُوَ تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ أَمَّا الدَّفْعُ مُضَارَبَةً فِي قَوْلِهِ: اعْمَلْ بِرَأْيِك فَهُوَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ خَصَّ لَهُ رَبُّ الْمَالِ التَّصَرُّفَ فِي بَلَدٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ فِي سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ ذَلِكَ)؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ فَيُتَخَصَّصُ وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ بِضَاعَةً إلَى مَنْ يُخْرِجُهَا مِنْ تِلْكَ الْبَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِخْرَاجَ بِنَفْسِهِ فَلَا يَمْلِكُ تَفْوِيضَهُ إلَى غَيْرِهِ فَإِنَّهُ خَرَجَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ، أَوْ دَفَعَ الْمَالَ إلَى مَنْ أَخْرَجَهُ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْإِخْرَاجِ حَتَّى يَشْتَرِيَ بِهِ خَارِجَ الْبَلَدِ فَإِنْ هَلَكَ الْمَالُ قَبْلَ التَّصَرُّفِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ أَعَادَهُ إلَى الْبَلَدِ عَادَتْ الْمُضَارَبَةُ كَمَا كَانَتْ عَلَى شَرْطِهَا، وَإِنْ اشْتَرَى بِهِ قَبْلَ الْعَوْدِ صَارَ مُخَالِفًا ضَامِنًا وَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِ الْمَالِ فَيَكُونُ لَهُ رِبْحُهُ وَعَلَيْهِ وَضِيعَتُهُ وَلَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَإِنْ اشْتَرَى بِبَعْضِهِ وَأَعَادَ بَقِيَّتَهُ إلَى الْبَلَدِ ضَمِنَ قَدْرَ مَا اشْتَرَى بِهِ وَلَا يَضْمَنُ قَدْرَ مَا أَعَادَ وَأَلْفَاظُ التَّخْصِيصِ وَالتَّقْيِيدِ أَنْ يَقُولَ خُذْ هَذَا مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِهِ فِي الْكُوفَةِ أَوْ فَاعْمَلْ بِهِ فِي الْكُوفَةِ أَمَّا إذَا قَالَ وَاعْمَلْ بِهِ فِي الْكُوفَةِ بِالْوَاوِ لَا يَكُونُ تَقْيِيدًا وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا، وَفِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْوَاوَ حَرْفُ عَطْفٍ وَمَشُورَةٍ وَلَيْسَ مِنْ حُرُوفِ الشَّرْطِ.
قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ إذَا وَقَّتَ لِلْمُضَارَبَةِ مُدَّةً مَعْلُومَةً بِعَيْنِهَا جَازَ وَبَطَلَ الْعَقْدُ بِمُضِيِّهَا)؛ لِأَنَّهَا تَوْكِيلٌ فَتَوَقَّتَ بِمَا وَقَّتَهُ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْعُمُومِ، وَالْخُصُوصِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الْعُمُومَ وَلَوْ قَالَ: اعْمَلْ بِهِ فِي سُوقِ الْكُوفَةِ فَعَمِلَ فِي الْكُوفَةِ فِي غَيْرِ سُوقِهَا جَازَ، وَإِنْ قَالَ: لَا تَعْمَلْ إلَّا فِي سُوقِ الْكُوفَةِ فَعَمِلَ فِي غَيْرِ سُوقِهَا فَهُوَ مُخَالِفٌ وَيَكُونُ مَا اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ قَالَ عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ مِنْ فُلَانٍ، أَوْ تَبِيعَ مِنْهُ صَحَّ التَّقْيِيدُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّاهُ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا التَّقْيِيدِ فَائِدَةً وَهُوَ الثِّقَةُ بِفُلَانٍ فِي الْمُعَامَلَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَشْتَرِيَ أَبَا رَبِّ الْمَالِ وَلَا ابْنَهُ وَلَا مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ) بِقَرَابَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا مِثْلُ أَنْ يَحْلِفَ رَبُّ الْمَالِ عَلَى عَبْدٍ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ إذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الرِّبْحُ وَذَلِكَ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَبِدُخُولِهِمْ فِي مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ يَعْتِقُونَ فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِمْ وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَنْ قَدْ وَلَدَتْ مِنْ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِرَبِّ الْمَالِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهَا وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ خَمْرًا وَلَا جُلُودَ الْمَيْتَةِ فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ اشْتَرَاهُمْ كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ دُونَ الْمُضَارَبَةِ) لِأَنَّ الشِّرَاءَ مَتَى وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْمُشْتَرِي نَفَذَ عَلَيْهِ وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا شِرَاءً فَاسِدًا مِمَّا يُمْلَكُ إذَا قَبَضَ فَلَيْسَ بِمُخَالِفٍ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي الشِّرَاءِ عَامٌّ فِي الصَّحِيحِ، وَالْفَاسِدِ وَذَلِكَ مِمَّا يُمْكِنُ بَيْعُهُ بَعْدَ قَبْضِهِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى نَفْسِهِ) لِأَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ نَصِيبُهُ وَيَفْسُدُ نَصِيبُ رَبِّ الْمَالِ، أَوْ يَعْتِقُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ، فَيُمْنَعُ التَّصَرُّفَ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ اشْتَرَاهُمْ ضَمِنَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ)؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ فَيَضْمَنُ بِالنَّقْدِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَهُمْ) لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ؛ إذْ لَا شَرِكَةَ لَهُ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهِمْ بِحُكْمِ الْمُضَارَبَةِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُمْ عَتَقَ نَصِيبُهُ مِنْهُمْ وَلَمْ يَضْمَنْ لِرَبِّ الْمَالِ شَيْئًا) لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ مِنْ جِهَتِهِ فِي زِيَادَةِ الْقِيمَةِ وَلَا فِي تَمَلُّكِهِ الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّ هَذَا شَيْءٌ ثَبَتَ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ فَصَارَ كَمَا إذَا وَرِثَهُ مَعَ غَيْرِهِ وَيَكُونُ وَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا عَتَقَ كُلُّهُ وَوَلَاؤُهُ لِلْمُضَارِبِ وَيَسْعَى فِي رَأْسِ الْمَالِ وَحِصَّةِ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ.
قَوْلُهُ: (وَيَسْعَى الْمُعْتَقُ فِي قَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْهُ) لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ قَدْ سَلِمَ لَهُ بِالْعِتْقِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهِ وَإِنْ كَانَ الَّذِي دَفَعَ الْمَالَ امْرَأَةٌ فَاشْتَرَى بِهِ الْمُضَارِبُ زَوْجَهَا صَحَّ الشِّرَاءُ وَبَطَلَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ دَخَلَ فِي مِلْكِهَا بِالشِّرَاءِ وَلَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ عَبْدًا، وَفِيهِ فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ نَحْوُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفًا فَاشْتَرَى بِهِ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفَيْنِ ظَهَرَ لِلْمُضَارِبِ فِيهِ نَصِيبٌ وَهُوَ رُبُعُ الْعَبْدِ وَذَلِكَ نِصْفُ الرِّبْحِ حَتَّى إنَّ الْمُضَارِبَ لَوْ أَعْتَقَهُ نَفَذَ عِتْقُهُ فِي رُبُعِهِ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ رَبُّ الْمَالِ نَفَذَ عِتْقُهُ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي قِيمَةِ الْعَبْدِ فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ فَلَيْسَ لِلْمُضَارِبِ فِيهِ نَصِيبٌ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهُ لَا يَعْتِقُ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ رَبُّ الْمَالِ عَتَقَ وَصَارَ مُسْتَوْفِيًا لِرَأْسِ مَالِهِ.
وَإِنْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ عَبْدَيْنِ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِثْلُ رَأْسِ الْمَالِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكُونُ مَشْغُولًا بِرَأْسِ الْمَالِ وَلَا يَظْهَرُ لِلْمُضَارِبِ فِيهِ نَصِيبٌ حَتَّى إنَّ الْمُضَارِبَ لَوْ أَعْتَقَهُمَا مَعًا، أَوْ مُتَفَرِّقًا لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ أَعْتَقَهُمَا رَبُّ الْمَالِ نَظَرْتَ: إنْ أَعْتَقَهُمَا مَعًا عَتَقَا جَمِيعًا وَيَضْمَنُ لِلْمُضَارِبِ خَمْسَمِائَةٍ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا، وَوَلَاؤُهُمَا جَمِيعًا لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَى الْمُضَارِبِ نَصِيبَهُ مِنْ الرِّبْحِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ فَكَانَ ذَلِكَ ضَمَانَ إتْلَافٍ فَيَضْمَنُ مُوسِرًا كَانَ، أَوْ مُعْسِرًا، وَإِنْ أَعْتَقَهُمَا مُتَفَرِّقًا فَإِنَّ الْعَبْدَ الْأَوَّلَ يَعْتِقُ كُلُّهُ وَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِرَأْسِ الْمَالِ وَيَتَعَيَّنُ الْعَبْدُ الْآخَرُ لِلرِّبْحِ فَإِذَا أَعْتَقَهُ نَفَذَ عِتْقُهُ فِي نِصْفِهِ وَيَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِ عَبْدٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا) (دَفَعَ الْمُضَارِبُ الْمَالَ مُضَارَبَةً وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ رَبُّ الْمَالِ) فِي ذَلِكَ أَيْ لَمْ يَقُلْ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك (لَمْ يَضْمَنْ بِالدَّفْعِ وَلَا يَتَصَرَّفُ الْمُضَارِبُ الثَّانِي حَتَّى يَرْبَحَ فَإِذَا رَبِحَ ضَمِنَ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ لِرَبِّ الْمَالِ) وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إذَا عَمِلَ بِهِ ضَمِنَ رَبِحَ، أَوْ لَمْ يَرْبَحْ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ زُفَرُ يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ عَمِلَ، أَوْ لَمْ يَعْمَلْ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ يَضْمَنُ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَذْكُرْ الثَّانِيَ فَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ الثَّانِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي مُودَعِ الْمُودَعِ وَقِيلَ رَبُّ الْمَالِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ، أَوْ الثَّانِيَ إجْمَاعًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَهَذَا ظَاهِرٌ عِنْدَهُمَا وَكَذَا عِنْدَهُ، وَالْفَرْقُ لَهُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مُودَعِ الْمُودَعِ أَنَّ الْمُودَعَ الثَّانِيَ يَقْبِضُ لِمَنْفَعَةِ الْأَوَّلِ فَلَا يَكُونُ ضَامِنًا وَهُنَا يَعْمَلُ الْمُضَارِبُ الثَّانِي لِنَفْعِ نَفْسِهِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ ضَامِنًا، ثُمَّ إنْ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ صَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ مِنْ حِينِ خَالَفَ بِالدَّفْعِ إلَى غَيْرِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا دَفَعَ مَالَ نَفْسِهِ، وَإِنْ ضَمَّنَ الثَّانِيَ رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ وَتَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا؛ لِأَنَّ قَرَارَ الضَّمَانِ عَلَى الْأَوَّلِ فَكَأَنَّهُ ضَمِنَهُ ابْتِدَاءً وَيَطِيبُ الرِّبْحُ لِلثَّانِي وَلَا يَطِيبُ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ يَسْتَحِقُّهُ بِعَمَلِهِ وَلَا خُبْثَ فِي الْعَمَلِ، وَالْأَوَّلَ يَسْتَحِقُّهُ بِمِلْكِهِ الْمُسْتَنِدِ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ وَهُوَ لَا يَعْرَى عَنْ نَوْعِ خُبْثٍ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا دَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ وَقَدْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ مُضَارَبَةً فَدَفَعَهُ بِالثُّلُثِ فَإِنْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ قَالَ لَهُ اعْمَلْ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ بَيْنَنَا نِصْفَانِ فَلِرَبِّ الْمَالِ نِصْفُ الرِّبْحِ وَلِلْمُضَارِبِ الثَّانِي ثُلُثُ الرِّبْحِ وَلِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ السُّدُسُ)؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَى الثَّانِي مُضَارَبَةً قَدْ صَحَّ لِوُجُودِ الْأَمْرِ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ، وَرَبُّ الْمَالِ شَرَطَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ جَمِيعِ مَا رَزَقَ اللَّهُ فَلَمْ يَبْقَ لِلْأَوَّلِ إلَّا النِّصْفُ وَقَدْ جُعِلَ مِنْ ذَلِكَ بِقَدْرِ ثُلُثِ الْجَمِيعِ لِلثَّانِي فَلَمْ يَبْقَ لَهُ إلَّا السُّدُسُ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ قَالَ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَك اللَّهُ بَيْنَنَا نِصْفَانِ فَلِلْمُضَارِبِ الثَّانِي الثُّلُثُ وَمَا بَقِيَ بَيْنَ رَبِّ الْمَالِ، وَالْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ نِصْفَانِ) لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهِ التَّصَرُّفَ وَجَعَلَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ مَا رَزَقَ اللَّهُ الْأَوَّلَ وَقَدْ رَزَقَهُ اللَّهُ الثُّلُثَيْنِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ لِنَفْسِهِ هُنَاكَ نِصْفَ جَمِيعِ الرِّبْحِ فَافْتَرَقَا، وَلَوْ كَانَ قَالَ لَهُ: فَمَا رَبِحْتَ مِنْ شَيْءٍ فَبَيْنِي وَبَيْنَك نِصْفَانِ وَقَدْ دَفَعَ إلَى غَيْرِهِ بِالنِّصْفِ فَلِلثَّانِي النِّصْفُ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْأَوَّلِ وَرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ شَرَطَ لِلثَّانِي نِصْفَ الرِّبْحِ وَذَلِكَ مُفَوَّضٌ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ رَبِّ الْمَالِ فَيَسْتَحِقُّهُ وَقَدْ جَعَلَ رَبُّ الْمَالِ لِنَفْسِهِ نِصْفَ مَا رَبِحَ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَرْبَحْ إلَّا النِّصْفَ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ فَلِي نِصْفُهُ وَدَفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَلِلثَّانِي نِصْفُ الرِّبْحِ وَلِرَبِّ الْمَالِ نِصْفُ الرِّبْحِ وَلَا شَيْءَ لِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ) وَكَذَا إذَا قَالَ لَهُ: فَمَا كَانَ مِنْ فَضْلٍ فَبَيْنِي وَبَيْنَك نِصْفَانِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ جَعَلَ لِنَفْسِهِ مُطْلَقَ الْفَضْلِ فَيَكُونُ لِلثَّانِي النِّصْفُ بِالشَّرْطِ وَيَخْرُجُ الْأَوَّلُ بِغَيْرِ شَيْءٍ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ شَرَطَ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي ثُلُثَيْ الرِّبْحِ فَلِرَبِّ الْمَالِ النِّصْفُ وَلِلْمُضَارِبِ الثَّانِي النِّصْفُ وَيَضْمَنُ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي سُدُسَ الرِّبْحِ فِي مَالِهِ) لِأَنَّهُ شَرَطَ لِلثَّانِي شَيْئًا هُوَ مُسْتَحَقٌّ لِرَبِّ الْمَالِ فَلَمْ يَنْفُذْ فِي حَقِّهِ لَكِنَّ التَّسْمِيَةَ فِي نَفْسِهَا صَحِيحَةٌ لِكَوْنِ الْمُسَمَّى صَحِيحًا فِي عَقْدٍ يَمْلِكُهُ فَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَلَوْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ لِلْمُضَارِبِ: اعْمَلْ بِهَذَا الْمَالِ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ فَلَكَ ثُلُثُهُ وَلِي ثُلُثُهُ وَلِعَبْدِي ثُلُثُهُ فَهُوَ جَائِزٌ وَالثُّلُثَانِ لِرَبِّ الْمَالِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ، أَوْ لَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَ الْعَبْدِ، وَإِنْ شَرَطَ عَمَلَهُ كَانَ عَلَى مَا شَرَطَ لِلْعَبْدِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْمَوْلَى كَسْبَهُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مَا شَرَطَ لَهُ فَهُوَ لِمَوْلَاهُ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَإِنْ قَالَ لَهُ اعْمَلْ بِهَذَا الْمَالِ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ فَلَكَ ثُلُثُهُ وَلِعَبْدِك ثُلُثُهُ وَلِي ثُلُثُهُ فَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا وَالثُّلُثَانِ لِلْمُضَارِبِ وَالثُّلُثُ لِرَبِّ الْمَالِ وَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَالْمَشْرُوطُ لَهُ مَشْرُوطٌ لِلْمُضَارِبِ.
وَإِنْ كَانَ مَدْيُونًا إنْ شَرَطَ عَمَلَهُ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَكُونُ ذَلِكَ لِلْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ لَا يَمْلِكُ كَسْبَهُ إذَا كَانَ مَدْيُونًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَهُ فَهُوَ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِالْعَمَلِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَشْرُوطٍ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ وَيَكُونُ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَسْكُوتِ عَنْهُ فَيَسْتَحِقُّهُ بِرَأْسِ مَالِهِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَكُونُ لِلْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ كَسْبَ عَبْدِهِ، وَإِنْ كَانَ مَدْيُونًا يَعْنِي فِيمَا إذَا شَرَطَ عَمَلَهُ، وَإِنْ شَرَطَ الثُّلُثَ لِابْنِ الْمُضَارِبِ، أَوْ لِزَوْجَتِهِ فَالْمُضَارَبَةُ جَائِزَةٌ وَمَا شَرَطَ لَهُمَا فَهُوَ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ ابْنَ الْمُضَارِبِ وَزَوْجَتَهُ لَا يَسْتَحِقَّانِ الرِّبْحَ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ وَلَا مَالٍ فَصَارَ الْمَشْرُوطُ لَهُمَا كَالْمَسْكُوتِ عَنْهُ وَمَا سُكِتَ عَنْهُ مِنْ الرِّبْحِ اسْتَحَقَّهُ رَبُّ الْمَالِ بِرَأْسِ مَالِهِ، وَإِنْ أَعْطَاهُ الْمَالَ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ كُلَّهُ لِلْمُضَارِبِ فَهُوَ قَرْضٌ فَيَكُونُ لِلْمُضَارِبِ رِبْحُهُ، وَإِنْ قَالَ عَلَى أَنَّ رِبْحَهُ لِي فَهُوَ بِضَاعَةٌ، وَإِنْ قَالَ خُذْ هَذَا الْمَالَ عَلَى أَنَّ لَك نِصْفَ الرِّبْحِ، أَوْ ثُلُثَهُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا فَالْمُضَارَبَةُ جَائِزَةٌ وَلِلْمُضَارِبِ مَا شَرَطَ لَهُ، وَالْبَاقِي لِرَبِّ الْمَالِ، وَإِنْ قَالَ: خُذْهُ عَلَى أَنَّ لِي نِصْفَ الرِّبْحِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا فَالِاسْتِحْسَانُ أَنَّهَا جَائِزَةٌ وَيَكُونُ لِلْمُضَارِبِ النِّصْفُ، وَإِنْ قَالَ: عَلَى أَنَّ نِصْفَ الرِّبْحِ لِي وَلَك ثُلُثُهُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا فَالثُّلُثُ لِلْمُضَارِبِ، وَالْبَاقِي لِرَبِّ الْمَالِ، وَإِنْ قَالَ: عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ بَيْنَنَا فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْبَيْنَ كَلِمَةُ الْقِسْمَةِ وَهِيَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ فَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَإِنْ قَالَ: عَلَى أَنَّنَا شَرِيكَانِ فِي الرِّبْحِ جَازَ وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ}، وَإِنْ قَالَ لِلْمُضَارِبِ عَلَى أَنَّ لَك شِرْكًا فِي الرِّبْحِ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ لِأَنَّ الشِّرْكَ مُشْتَقٌّ مِنْ الشَّرِكَةِ وَالشَّرِكَةَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: الْمُضَارَبَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ الشِّرْكَ عِبَارَةٌ عَنْ النَّصِيبِ وَهُوَ مَجْهُولٌ.