فصل: تفسير الآيات (28- 29):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (27):

{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27)}
أخرج ابن جرير عن ابن مسعود عن ناس من الصحابة. أنه كان لا يولد لآدم مولود ألا ولد معه جارية، فكان يزوّج غلام هذا البطن لجارية البطن الآخر، ويزوّج جارية هذا البطن غلام هذا البطن الآخر، حتى ولد له ابنان يقال لهما قابيل وهابيل، وكان قابيل صاحب زرع، وكان هابيل صاحب ضرع، وكان قابيل أكبرهما وكانت له أخت أحسن من أخت هابيل، وإن هابيل طلب أن ينكح أخت قابيل فأبى عليه وقال: هي اختي ولدت معي وهي أحسن من أختك وأنا أحق أن أتزوّج بها. فأمره أبوه أن يتزوّجها هابيل فأبى، وإنهما قَرَّبَا قرباناً إلى الله أيهما أحق بالجارية، وكان آدم قد غاب عنهما إلى مكة ينظر إليها، فقال آدم للسماء: احفظي ولدي بالأمانة فأبت، وقال للأرض فأبت، وقال للجبال فأبت، فقال لقابيل فقال: نعم، تذهب وترجع وتجد أهلك كما يسرك. فلما انطلق آدم قربا قرباناً، وكان قابيل يفخر عليه فقال: أنا أحق بها منك، هي أختي وأنا أكبر منك وأنا وصي والدي، فلما قربا قرب هابيل جذعة سمينة، وقرب قابيل حزمة سنبل، فوجد فيها سنبلة عظيمة ففركها فأكلها، فنزلت النار فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل، فغضب وقال: لأقتلنك حتى لا تنكح أختي. فقال هابيل {إنما يتقبل الله من المتقين، إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك} يقول: إثم قتلي إلى إثمك الذي في عنقك.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر بسند جيد عن ابن عباس قال: نهى أن ينكح المرأة أخاها توأمها، وأن ينكحها غيره من اخوتها، وكان يولد له في كل بطن رجل وامرأة، فبينما هم كذلك ولد له امرأة وضيئة وأخرى قبيحة ذميمة، فقال أخو الذميمة: انكحني أختك وأنكحك أختي. قال: لا، أنا أحق بأختي، فقربا قرباناً، فجاء صاحب الغنم بكبش أبيض وصاحب الزرع بصبرة من طعام، فتقبل من صاحب الكبش فخزنه الله في الجنة أربعين خريفاً وهو الكبش الذي ذبحه إبراهيم، ولم يقبل من صاحب الزرع، فبنو آدم كلهم من ذلك الكافر.
وأخرج إسحاق بن بشر في المبتدأ وابن عساكر في تاريخه من طريق جويبر ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس قال: ولد لآدم أربعون ولداً، عشرون غلاماً وعشرون جارية، فكان ممن عاش منهم هابيل، وقابيل، وصالح، وعبد الرحمن، والذي كان سماه عبد الحارث، وود، وكان يقال له شيث، ويقال له هبة الله، وكان اخوته قد سودوه، وولد له سواع، ويغوث، ونسر، وإن الله أمره أن يفرق بينهم في النكاح، ويزوج أخت هذا من هذا.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: كان من شأن ابني آدم أنه لم يكن مسكين يتصدق عليه، وإنما كان القربان يقربه الرجل، فبينا ابنا آدم قاعدان إذ قالا: لو قربنا قرباناً، وكان أحدهما راعياً والآخر حراثاً، وإن صاحب الغنم قرب خير غنمه واسمنها، وقرب الآخر بعض زرعه، فجاءت النار فنزلت فأكلت الشاة وتركت الزرع، وإن ابن آدم قال لأخيه: أتمشي في الناس وقد علموا أنك قربت قرباناً فتقبل منك وردَّ عليَّ؟ فلا والله لا ينظر الناس إليّ وإليك وأنت خير مني، فقال: لأقتلنك.
فقال له أخوه: ما ذنبي {إنما يتقبل الله من المتقين، لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك} لا أنا مستنصر ولأمسكن يدي عنك.
وأخرج ابن جرير عن ابن عمر قال: إن ابني آدم اللذين قربا قرباناً، كان أحدهما صاحب حرث والآخر صاحب غنم، وأنهما أُمِرَا أن يُقَرِّبَا قرباناً وأن صاحب الغنم قرب أكرم غنمه وأسمنها وأحسنها طيبة بها نفسه، وإن صاحب الحرث قرب شر حرثه الكردن والزوان غير طيبة بها نفسه، وإن الله تقبل قربان صاحب الغنم ولم يقبل قربان صاحب الحرث، وكان من قصتهما ما قص الله في كتابه، وايم الله إن كان المقتول لأشد الرجلين، ولكنه منعه التحرج أن يبسط يده إلى أخيه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {واتل عليهم نبأ ابني آدم} قال: هابيل وقابيل لصلب آدم، قرب هابيل عناقاً من أحسن غنمه وقرب قابيل زرعاً من زرعه، فتقبل من صاحب الشاة، فقال لصاحبه: لأقتلنك... ! فقتله. فعقل الله إحدى رجليه بساقه إلى فخذها من يوم قتله إلى يوم القيامة، وجعل وجهه إلى اليمن، حيث دارت عليه حظيرة من ثلج في الشتاء، وعليه في الصيف حظيرة من نار، ومعه سبعة أملاك كلما ذهب ملك جاء الآخر.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن في قوله: {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق} قال: كانا من بني إسرائيل ولم يكونا ابني آدم لصلبه، وإنما كان القربان في بني إسرائيل وكان أوّل من مات.
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء قال: لأن استيقن ان الله تقبل مني صلاة واحدة أحب إليّ من الدنيا وما فيها، إن الله يقول {إنما يتقبل الله من المتقين}.
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التقوى عن علي بن أبي طالب قال: لا يقل عمل مع تقوى، وكيف يقل ما يتقبل؟...
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عمر بن عبد العزيز. أنه كتب إلى رجل: أوصيك بتقوى الله الذي لا يقبل غيرها، ولا يرحم إلا عليها، ولا يثيب إلا عليها، فإن الواعظين بها كثير، والعاملين بها قليل.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن يزيد العيص: سألت موسى بن أعين عن قوله عز وجل {إنما يتقبل الله من المتقين} قال: تنزهوا عن أشياء من الحلال مخافة أن يقعوا في الحرام، فسماهم الله متقين.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن فضالة بن عبيد قال: لأن أكون اعلم أن الله يقبل مني مثقال حبة من خردل، أحب إليَّ من الدنيا وما فيها، فإن الله يقول {إنما يتقبل الله من المتقين}.
وأخرج ابن سعد وابن أبي الدنيا عن قتادة قال: قال عامر بن عبد قيس آية في القرآن أحب إليّ من الدنيا جميعاً أن أعطاه أن يجعلني الله من المتقين، فإنه قال: {إنما يتقبل الله من المتقين}.
وأخرج ابن أبي الدنيا، عن همام بن يحيى قال: بكى عامر بن عبد الله عند الموت فقيل له: ما يبكيك؟ قال: آية في كتاب الله. فقيل له: أيّة آية؟! قال: {إنما يتقبل الله من المتقين}.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يقبل عمل عبد حتى يرضى عنه».
وأخرج ابن أبي شيبة عن ثابت قال: كان مطرف يقول: اللهم تقبَّل مني صيام يوم، اللهم اكتب لي حسنة، ثم يقول {إنما يتقبل الله من المتقين}.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك في قوله: {إنما يتقبل الله من المتقين} قال: الذين يتقون الشرك.
وأخرج ابن عساكر عن هشام بن يحيى عن أبيه قال: دخل سائل إلى ابن عمر فقال لابنه: اعطه ديناراً فاعطاه، فلما انصرف قال ابنه: تقبل الله منك يا أبتاه فقال: لو علمت أن الله تقبل مني سجدة واحدة أو صدقة درهم لم يكن غائب أحب إلي من الموت، تدري ممن يتقبل الله؟ {إنما يتقبل الله من المتقين}.

.تفسير الآيات (28- 29):

{لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29)}
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله: {لئن بسطت إلي يدك...} الآية. قال: كان كتب عليهم إذا أراد الرجل رجلاً تركه ولا يمتنع منه.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في الآية. قال: كانت بنو إسرائيل كتب عليهم إذا الرجل بسط يده إلى الرجل لا يمتنع عنه حتى يقتله أو يدعه، فذلك قوله: {لئن بسطت} الآية.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {إني أريد أن تبوأ بإثمي وإثمك} قال: بقتلك إياي {وإثمك} قال: بما كان منك قبل ذلك.
وأخرج عن قتادة والضحاك. مثله.
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل {إني أريد أن تبوأ بإثمي وإثمك} قال: ترجع بإثمي وإثمك الذي عملت فتستوجب النار. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت الشاعر يقول:
من كان كاره عيشه فليأتنا ** يلقى المنية أو يبوء عناء

وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن سعد بن أبي وقاص: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنها ستكون فتنة، القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي، قال: أفرأيت إن دخل علي بيتي فبسط إليّ يده ليقتلني؟ قال: كن كابن آدم، وتلا {لئن بسطت إلىّ يدك لتقتلني} الآية».
وأخرج أحمد ومسلم والحاكم عن أبي ذر قال: «ركب النبي صلى الله عليه وسلم حماراً وأردفني خلفه فقال: يا أبا ذر أرأيت إن أصاب الناس جوع لا تستطيع أن تقوم من فراشك إلى مسجدك، كيف تصنع؟ قلت: الله ورسوله أعلم! قال: تعفف يا أبا ذر، أرأيت إن أصاب الناس موت شديد يكون البيت فيه بالعبد يعني القبر؟ قلت: الله ورسوله أعلم! قال: اصبر يا أبا ذر. قال: أرأيت إن قتل الناس بعضهم بعضاً حتى تغرق حجارة الزيت من الدماء، كيف تصنع؟ قلت: الله ورسوله أعلم! قال: اقعد في بيتك واغلق بابك. قلت: فإن لم أترك؟ قال: فائت من أنق منهم فكن فيهم. قلت: فآخذ سلاحي؟ قال: إذن تشاركهم فيما هم فيه، ولكن إن خشيت أن يروّعك شعاع السيف فالق طرف ردائك على وجهك حتى يبوء بإثمه وإثمك فيكون من أصحاب النار».
وأخرج البيهقي عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اكسروا سيفكم يعني في الفتنة، واقطعوا أوتاركم، والزموا أجواف البيوت، وكونوا فيها كالخير من ابني آدم».
وأخرج ابن مردويه عن حذيفة قال: لئن اقتتلتم لأنتظرن أقصى بيت في داري فلألجنَّه فلئن دخل عليَّ فلأقولن: ها بؤ بإثمي وإثمك كخير ابني آدم.
وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن أبي نضرة قال: دخل أبو سعيد الخدري يوم الحرة غاراً، فدخل عليه الغار رجل ومع أبي سعيد السيف، فوضعه أبو سعيد وقال: بؤ بإثمي وإثمك وكن من أصحاب النار، ولفظ ابن سعد وقال: {إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار} قال أبو سعيد الخدري: أنت...؟! قال: نعم. قال: فاستغفر لي. قال: غفر الله لك.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن ابني آدم ضربا مثلاً لهذه الأمة فخذوا بالخير منهما».
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا أيها الناس ألا إن ابني آدم ضربا لكم مثلاً، فتشبهوا بخيرهما ولا تتشبهوا بشرهما».
وأخرج ابن جرير من طريق المعتمر بن سليمان عن أبيه قال: قلت لبكر بن عبد الله: أما بلغك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله ضرب لكم ابني آدم مثلاً، فخذوا خيرهما ودعوا شرهما؟.. قال بلى».
وأخرج الحاكم بسند صحيح عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا إنها ستكون فتن، ألا ثم تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي إليها، فإذا نزلت فمن كان له إبل فليلحق بإبله، ومن كان له أرض فليلحق بأرضه. فقيل: أرأيت يا رسول الله إن لم يكن له ذلك؟ قال: فليأخذ حجراً فليدق به على حد سيفه، ثم لينج إن استطاع النجاة، اللهم هل بلغت ثلاثاً. فقال رجل: يا رسول الله، أرأيت إن أكرهت حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين، فيرميني رجل بسهم أو يضربني بسيف فيقتلني؟ قال يبوء بإثمه وإثمك فيكون من أصحاب النار. قالها ثلاثاً».
وأخرج الحاكم وصححه عن حذيفة أنه قيل له: ما تأمرنا إذا قتل المصلون؟ قال: آمرك أن تنظر أقصى بيت في دارك فتلج فيه، فإن دخل عليك فتقول له: بُؤْ بإثمي وإثمك فتكون كابن آدم.
وأخرج أحمد والحاكم عن خالد بن عرفطة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا خالد إنه سيكون بعدي أحداث وفتن واختلاف، فإن استطعت أن تكون عبد الله المقتول لا القاتل فافعل».
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «يكون فتنة النائم فيها خير من المضطجع، والمضطجع خير من القاعد، والقاعد خير من الماشي، والماشي خير من الساعي، قتلاها كلها في النار. قال: يا رسول الله، فيم تأمرني إن أدركت ذلك؟ قال: ادخل بيتك. قلت: أفرأيت إن دخل عليَّ؟ قال: قل بؤ بإثمي وإثمك، وكن عبد الله المقتول».
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان وابن عساكر عن الأوزاعي قال: من قتل مظلوماً كفَّر الله كل ذنب عنه، وذلك في القرآن {إني أريد أن تبوأ بإثمي وإثمك}.
وأخرج ابن سعد عن خباب بن الأرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنه ذكر فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، فإن أدركت ذلك فكن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل».
وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يعجز أحدكم أتاه الرجل أن يقتله أن يقول هكذا، وقال بإحدى يديه على الأخرى، فيكون كالخير من ابني آدم، وإذا هو في الجنة وإذا هو في الجنة وإذا قاتله في النار».