فصل: تفسير الآيات (33- 34):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (30):

{فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30)}
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله: {فطوّعت له نفسه قتل أخيه} قال: زيَّنت له نفسه.
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة {فطوّعت له نفسه قتل أخيه} ليقتله، فراغ الغلام منه في رؤوس الجبال، فأتاه يوماً من الأيام وهو يرعى غنماً له وهو نائم، فرفع صخرة فشدخ بها رأسه فمات، فتركه بالعراء ولا يدري كيف يدفن، فبعث الله غرابين أخوين، فاقتتلا فقتل أحدهما صاحبه، فحفر له ثم حثا عليه التراب، فلما رآه قال: يا ويلتا، أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: ابن آدم الذي قتل أخاه لم يدر كيف يقتله، فتمثل له إبليس في صورة طير، فأخذ طيراً فوضع رأسه بين حجرين، فشدخ رأسه فعلمه القتل.
وأخرج عن مجاهد نحوه.
وأخرج ابن جرير عن خيثمة قال: لما قتل ابن آدم أخاه شفت الأرض دمه، فلعنت، فلم تشف الأرض دماً بعد.
وأخرج ابن عساكر عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بدمشق جبل يقال له قاسيون فيه قتل ابن آدم أخاه».
وأخرج ابن عساكر عن عمرو بن خبير الشعباني قال: كنت مع كعب الأحبار على جبل دير المران، فرأى لجة سائلة في الجبل، فقال: هاهنا قتل ابن آدم أخاه، وهذا أثر دمه جعله الله آية للعالمين.
وأخرج ابن عساكر من وجه آخر عن كعب قال: إن الدم الذي على جبل قاسيون هو دم ابن آدم.
وأخرج ابن عساكر عن وهب قال: إن الأرض نشفت دم ابن آدم المقتول فلعن ابن آدم الأرض، فمن أجل ذلك لا تنشف الأرض دماً بعد دم هابيل إلى يوم القيامة.
وأخرج نعيم بن حماد في الفتن عن عبد الرحمن بن فضالة قال: لما قتل قابيل هابيل مسح الله عقله، وخلع فؤاده، تائها حتى مات.
قوله تعالى: {فأصبح من الخاسرين}.
أخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل».
وأخرج ابن المنذر عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما قتلت نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم قاتل الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل».
وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن عمرو قال: إن أشقى الناس رجلاً لابن آدم الذي قتل أخاه ما سفك دم في الأرض منذ قتل أخاه إلى يوم القيامة إلا لحق به منه شيء وذلك أنه أول من سن القتل.
وأخرج الطبراني عن ابن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أشقى الناس ثلاثة: عاقر ناقة ثمود، وابن آدم الذي قتل أخاه ما سفك على الأرض من دم إلا لحقه منه لأنه أول من سن القتل».
وأخرج ابن جرير والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمرو قال إنا لنجد ابن آدم القاتل يقاسم أهل النار قسمة صحيحة العذاب عليه شطر عذابهم.
وأخرج ابن أبي الدنيا كتاب من عاش بعد الموت من طريق عبد الله بن دينار عن أبي أيوب اليماني عن رجل من قومه يقال له عبد الله، أنه ونفراً من قومه ركبوا البحر وإن البحر أظلم عليهم أياماً، ثم انجلت عنهم تلك الظلمة وهم قرب قرية. قال عبد الله: فخرجت ألتمس الماء وإذا أبواب مغلقة تجأجأ فيها الريح فهتفت فيها فلم يجبني أحد فبينا أنا على ذلك إذ طلع عليَّ فارسان، فسألا عن أمري فأخبرتهما الذي أصابنا في البحر وأني خرجت أطلب الماء، فقالا لي: اسلك في هذه السكة فإنك ستنتهي إلى بركة فيها ماء فاستق منها ولا يهولنك ما ترى فيها. فسألتهما عن تلك البيوت المغلقة التي تجأجئ فيها الريح، فقالا: هذه بيوت أرواح الموتى، فخرجت حتى انتهيت إلى البركة فإذا فيها رجل معلق منكوس على رأسه، يريد أن يتناول الماء بيده فلا يناله، فلما رآني هتف بي وقال: يا عبد الله، اسقني فغرفت بالقدح لأناوله فقبضت يدي فقلت: أخبرني من أنت؟ فقال: أنا ابن آدم أول من سفك دماً في الأرض.

.تفسير الآية رقم (31):

{فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)}
أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عطية قال: لما قتله ندم، ضمه إليه حتى أروح، وعكفت عليه الطير والسباع تنتظر متى يرمي به فتأكله، وكره أن يأتي به آدم فيحزنه، فبعث الله غرابين قتل أحدهما الآخر وهو ينظر إليه، ثم حفر به بمنقاره وبرجليه حتى مكَّن له، ثم دفعه برأسه حتى ألقاه في الحفرة، ثم بحث عليه برجليه حتى واراه، فلما رأى ما صنع الغراب {قال يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي}.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: بعث الله غرابين فاقتتلا، فقتل أحدهما الآخر ثم جعل يحثو عليه التراب حتى واراه، فقال ابن آدم القاتل: {يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي}.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: جاء غراب إلى غراب ميت، فحثا عليه التراب حتى واراه، فقال الذي قتل أخاه {يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي}.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: مكث يحمل أخاه في جراب على رقبته سنة، حتى بعث الله الغرابين، فرآهما يبحثان فقال: {أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب} فدفن أخاه.
وأخرج ابن جرير وابن عساكر عن سالم بن أبي الجعد قال: ان آدم لما قتل أحد ابنيه الآخر، مكث مائة عام لا يضحك حزناً عليه، فأتى على رأس المائة فقيل له: حياك الله وبياك وبشر بغلام، فعند ذلك ضحك.
وأخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما قتل ابن آدم، بكى آدم فقال:
تغيرت البلاد ومن عليها ** فلون الأرض مغبر قبيح

تغير كل ذي لون وطعم ** وقل بشاشة الوجه المليح

فأجيب آدم عليه السلام:
أبا هابيل قد قتلا جميعاً ** وصار الحي بالميت الذبيح

وجاء بشره قد كان منه ** على خوف فجاء بها يصيح

وأخرج الخطيب وابن عساكر عن ابن عباس قال: لما قتل ابن آدم أخاه قال آدم عليه الصلاة والسلام:
تغيرت البلاد ومن عليها ** فوجه الأرض مغبر قبيح

تغير كل ذي لون وطعم ** وقل بشاشة الوجه الصبيح

قتل قابيل هابيلاً أخاه ** فوا حزناً مضى الوجه المليح

فأجابه إبليس عليه اللعنة:
تنح عن البلاد وساكنيها ** فبي في الخلد ضاق بك الفسيح

وكنت بها وزوجك في رخاء ** وقلبك من أذى الدنيا مريح

فما انفكت مكايدتي ومكري ** إلى أن فاتك الثمن الربيح

.تفسير الآية رقم (32):

{مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)}
أخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله: {من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل} يقول: من أجل ابن آدم الذي قتل أخاه ظلماً.
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله: {من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً} عند المقتول يقول: في الإثم {ومن أحياها} فاستنقذها من هلكة {فكأنما أحيا الناس جميعاً} عند المستنفذ.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {فكأنما قتل الناس جميعاً} قال: أوبق نفسه كما لو قتل الناس جميعاً وفي قوله: {من أحياها} قال: من سلم من قتلها.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: احياؤها أن لا يقتل نفساً حرمها الله.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: من قتل نبياً، أو إمام عدل، فكأنما قتل الناس جميعاً.
وأخرج ابن سعد عن أبي هريرة قال: دخلت على عثمان يوم الدار فقلت: جئت لأنصرك. فقال: يا أبا هريرة، أيسرك أن تقتل الناس جميعاً وإيار معهم؟ قلت: لا. قال: فإنك إن قتلت رجلاً واحداً فكأنما قتلت الناس جميعاً، فانصرف.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {فكأنما قتل الناس جميعاً} قال: هذه مثل التي في سورة النساء {ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً} [ النساء: 93] يقول: لو قتل الناس جميعاً لم يزد على مثل ذلك العذاب.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن في قوله: {من قتل نفساً بغير نفس... فكأنما قتل الناس جميعاً} قال: في الوزر {ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً} قال: في الأجر.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {ومن أحياها} قال: من أنجاها من غرق أو حرق أو هدم أو هلكة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الحسن في قوله: {ومن أحياها} قال: من قتل حميم فعفا عنه فكأنما أحيا الناس جميعاً.
وأخرج ابن جرير عن الحسن أنه قيل له في هذه الآية: أهي لنا كما كانت لبني إسرائيل؟ قال: اي والذي لا إله غيره.

.تفسير الآيات (33- 34):

{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)}
أخرج أبو داود والنسائي عن ابن عباس في قوله: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله} قال: نزلت في المشركين، منهم من تاب قبل أن يقدر عليه لم يكن عليه سبيل، وليست تحرز هذه الآية الرجل المسلم من الحد إن قتل، أو أفسد في الأرض، أو حارب الله ورسوله، ثم لحق بالكفار قبل أن يقدروا عليه، لم يمنعه ذلك أن يقام فيه الحد الذي أصابه.
وأخرج ابن جرير والطبراني في الكبير عن ابن عباس في هذه الآية قال: «كان قوم من أهل الكتاب بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد وميثاق، فنقضوا العهد وأفسدوا في الأرض، فخيَّر الله نبيه فيهم إن شاء أن يقتل، وإن شاء أن يصلب، وإن شاء أن يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وأما النفي فهو الهرب في الأرض، فإن جاء تائباً فدخل في الإسلام قُبِل منه ولم يؤخذ بما سلف».
وأخرج ابن مردويه عن ابن سعد قال: نزلت هذه الآية في الحرورية {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله} الآية.
وأخرج عبد الرزاق والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر والنحاس في ناسخه والبيهقي في الدلائل عن أنس «أن نفراً من عكل قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا وآمنوا، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها، فقتلوا راعيها واستاقوها، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم في طلبهم، فأتى بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم، ولم يحسمهم وتركهم حتى ماتوا، فأنزل الله: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله...} الآية».
وأخرج أبو داود والنسائي وابن جرير عن ابن عمر قال: نزلت آية المحاربين في العرنيين.
وأخرج ابن جرير قال: «قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم من عرينة مضرورين، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما صحوا واشتدوا قتلوا رعاء اللقاح، ثم صرخوا باللقاح عامدين بها إلى أرض قومهم قال جرير: فبعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من المسلمين، فقدمنا بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وسمل أعينهم، فأنزل الله هذه الآية {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله} الآية».
وأخرج ابن جرير عن يزيد بن أبي حبيب أن عبد الملك بن مروان كتب إلى أنس يسأله عن هذه الآية، فكتب إليه أنس يخبره أن هذه الآية نزلت في أولئك النفر من العرنيين، وهم من بجيلة. قال أنس «فارتدوا عن الإسلام، وقتلوا الراعي، واستاقوا الإبل، وأخافوا السبيل، وأصابوا الفرج الحرام، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عن القضاء فيمن حارب، فقال: من سرق وأخاف السبيل واستحل الفرج الحرام فاصلبه».
وأخرج الحافظ عبد الغني في إيضاح الإشكال من طريق أبي قلابة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله} قال: «هم من عكل».
وأخرج عبد الرزاق عن أبي هريرة قال: «قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجال من بني فزاره قد ماتوا هزالاً، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى لقاحه فسرقوها فطلبوا، فأتى بهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم، قال أبو هريرة: فيهم نزلت هذه الآية {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله} قال: فترك النبي صلى الله عليه وسلم الأعين بعد».
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن سعيد بن جبير قال: «كان ناس من بني سليم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فبايعوه على الإسلام وهم كذبة، ثم قالوا: إنا نجتوي المدينة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذه اللقاح تغدو عليكم وتروح فاشربوا من أبوالها، فبينما هم كذلك إذ جاء الصريخ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قتلوا الراعي، وساقوا النعم، فركبوا في أثرهم، فرجع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أسروا منهم، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم بهم، فأنزل الله: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله} الآية. فقتل النبي صلى الله عليه وسلم منهم، وصلب، وقطع، وسمل الأعين، قال: فما مثَّل النبي صلى الله عليه وسلم قبل ولا بعد، ونهى عن المثلة وقال: لا تمثِّلوا بشيء».
وأخرج مسلم والنحاس في ناسخه والبيهقي عن أنس قال: «إنما سمل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعين أولئك لأنهم سملوا أعين الرعاة».
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله} الآية. قال: «نزلت في سودان عرينة، أتوا النبي صلى الله عليه وسلم وبهم الماء الأصفر، فشكوا ذلك إليه، فأمرهم فخرجوا إلى إبل الصدقة، فقال اشربوا من أبوالها وألبانها، فشربوا حتى إذا صحوا وبرئوا قتلوا الرعاة واستاقوا الإبل، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى بهم، فأراد أن يسمل أعينهم، فنهاه الله عن ذلك، وأمره أن يقيم فيهم الحدود كما أنزل الله».
وأخرج ابن جرير عن الوليد بن مسلم قال: ذكرت لليث بن سعد ما كان من سمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك حسمهم حتى ماتوا، فقال: سمعت محمد بن عجلان يقول: أنزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم معاتبة في ذلك، وعلَّمه عقوبة مثلهم من القطع والقتل والنفي، ولم يسمل بعدهم وغيرهم.
قال: وكان هذا القول ذكر لابن عمر، فأنكر أن تكون نزلت معاتبة، وقال: بل كانت عقوبة ذلك النفر بأعيانهم، ثم نزلت هذه الآية في عقوبة غيرهم ممن حارب بعدهم فرفع عنه السمل.
وأخرج البيهقي في سننه عن محمد بن عجلان عن أبي الزناد «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قطع الذين أخذوا لقاحه وسمل أعينهم، عاتبه الله في ذلك، فأنزل الله: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله..} الآية».
وأخرج الشافعي في الأم وعبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله..} الآية. قال: إذا خرج المحارب فأخذ المال ولم يقتل يقطع من خلاف، واذا خرج فقتل ولم يأخذ المال قتل، وإذا خرج فقتل وأخذ المال قتل وصلب، واذا خرج فأخاف السبيل ولم يأخذ المال ولم يقتل نفي.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه عن ابن عباس في قوله: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله..} الآية. قال: من شهر السلاح في قبة الإسلام، وأفسد السبيل وظهر عليه وقدر فإمام المسلمين مخيَّر فيه، إن شاء قتله، وإن شاء صلبه، وإن شاء قطع يده ورجله، قال: {أو ينفوا من الأرض} يهربوا يخرجوا من دار الإسلام إلى دار الحرب.
وأخرج أبو داود والنسائي والنحاس في ناسخه والبيهقي، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث خصال: زان محصن يرجم، ورجل قتل متعمداً فيقتل، ورجل خرج من الإسلام فحارب، فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض».
وأخرج الخرائطي في مكارم الأخلاق عن ابن عباس «أن قوماً من عرينة جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا وكان منهم مواربة قد شلت أعضاؤهم، واصفرت وجوههم، وعظمت بطونهم، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى إبل الصدقة يشربوا من أبوالها وألبانها، فشربوا حتى صحوا وسمنوا، فعمدوا إلى راعي النبي صلى الله عليه وسلم فقتلوه واستاقوا الإبل، وارتدوا عن الإسلام، وجاء جبريل فقال: يا محمد ابعث في آثارهم، فبعث ثم قال: ادع بهذا الدعاء: اللهم إن السماء سماؤك، والأرض أرضك، والمشرق مشرقك، والمغرب مغربك، اللهم ضيق من مسك حمل حتى تقدرني عليهم. فجاؤوا بهم، فأنزل الله تعالى {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله..} الآية. فأمره جبريل أن من أخذ المال وقتل يصلب، ومن قتل ولم يأخذ المال يقتل، ومن أخذ المال ولم يقتل تقطع يده ورجله من خلاف، وقال ابن عباس هذا الدعاء: لكل آبق، ولكل من ضلت له ضالة من انسان وغيره، يدعو هذا الدعاء، ويكتب في شيء ويدفن في مكان نظيف إلا قدره الله عليه».
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة وعطاء الخراساني في قوله: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله..} الآية. قال: هذا الذي يقطع الطريق فهو محارب، فإن قتل وأخذ مالاً صلب، وإن قتل ولم يأخذ مالاً قتل، وإن أخذ مالاً ولم يقتل قطعت يده ورجله، وإن أخذ قبل أن يفعل شيئاً من ذلك نفي، وأما قوله: {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم} فهؤلاء خاصة، ومن أصاب دماً ثم تاب من قبل أن يقدر عليه أهدر عنه ما مضى.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن عطاء ومجاهد قالا: الإمام في ذلك مخير، إن شاء قتل، وإن شاء قطع، وإن شاء صلب، وإن شاء نفى.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب والحسن والضحاك في الآية قالوا: الإمام مخيَّر في المحارب يصنع به ما شاء.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الضحاك فال «كان قوم بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم ميثاق، فنقضوا العهد وقطعوا السبل، وأفسدوا في الأرض، فخير الله نبيه فيهم إن شاء قتل، وإن شاء صلب، وإن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أو ينفوا من الأرض. قال: هو أن يطلبوا حتى يعجزوا، فمن تاب قبل أن يقدروا عليه قبل ذلك منه».
وأخرج أبو داود في ناسخه عن الضحاك قال: نزلت هذه الآية في المشركين.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: نفيه أن يطلبه الإمام حتى يأخذه، أقام عليه إحدى هذه المنازل التي ذكر الله بما استحل.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في قوله: {أو ينفوا من الأرض} قال: من بلد إلى بلد.
وأخرج ابن جرير عن الحسن قال: ينفى حتى لا يقدر عليه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الزهري في قوله: {أو ينفوا من الأرض} قال: نفيه أن يطلب فلا يقدر عليه، كلما سمع به أرض طلب.
وأخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس في الآية قال: يخرجوا من الأرض، أينما أدركوا خرجوا حتى يلحقوا بأرض العدو.
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير في الآية قال: من أخاف سبيل المؤمنين نفي من بلد إلى غيره.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله: {ويسعون في الأرض فساداً} قال: الزنا، والسرقة، وقتل النفس، وهلاك الحرث، والنسل.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي وسعيد بن جبير قالا: ان جاء تائباً لم يقطع مالاً، ولا سفك دماً، فذلك الذي قال الله: {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم}.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في كتاب الأشراف وابن جرير وابن أبي حاتم عن الشعبي قال: كان حارثة بن بدر التميمي من أهل البصرة، قد أفسد في الأرض وحارب، وكلم رجالاً من قريش أن يستأمنوا له علياً فأبوا، فأتى سعيد بن قيس الهمذاني، فأتى علياً فقال: يا أمير المؤمنين ما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً؟ قال: أن يقتلوا، أو يصلبوا، أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أو ينفوا من الأرض، ثم قال: {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم} فقال سعيد: وإن كان حارثة بن بدر؟ فقال: هذا حارثة بن بدر قد جاء تائباً فهو آمن؟ قال: نعم.
قال: فجاء به إليه، فبايعه وقَبِل ذلك منه وكتب له أماناً.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن الأشعث عن رجل قال: صلى رجل مع أبي موسى الأشعري الغداة، ثم قال: هذا مقام العائذ التائب، أنا فلان بن فلان، أنا كنت ممن حارب الله ورسوله وجئت تائباً من قبل أن يقدر عليَّ، فقال أبو موسى: إن فلان ابن فلان كان ممن حارب الله ورسوله وجاء تائباً من قبل أن يقدر عليه، فلا يعرض له أحد إلا بخير، فإن يكن صادقاً فسبيلي ذلك، وإن يك كاذباً فلعل الله أن يأخذه بذنبه.
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء أنه سئل عن رجل سرق سرقة فجاء تائباً من غير أن يؤخذ عليه، هل عليه حد؟ قال: لا، ثم قال: {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم...} الآية.
وأخرج أبو داود في ناسخه عن السدي في قوله: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله} قال: سمعنا انه إذا قَتَلَ قُتِلَ، واذا أخذ المال ولم يقتل قطعت يده بالمال، ورجله بالمحاربة، وإذا قتل وأخذ المال قطعت يده ورجلاه وصلب {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم} فإن جاء تائباً إلى الإمام قبل أن يقدر عليه فأمنه الإمام فهو آمن، فإن قتله إنسان بعد أن يعلم أن الإمام قد أمنه قتل به، فإن قتله ولم يعلم أن الإمام قد أمنه كانت الدية.