فصل: تفسير الآيات (36- 37):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (35):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35)}
أخرج عبد بن حميد والفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله: {وابتغوا إليه الوسيلة} قال: القربة.
وأخرج الحاكم وصححه عن حذيفة في قوله: {وابتغوا إليه الوسيلة} قال: القربة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله: {وابتغوا إليه الوسيلة} قال: تقربوا إلى الله بطاعته والعمل بما يرضيه.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي وائل قال: {الوسيلة} في الإيمان.
وأخرج الطستي وابن الأنباري في الوقف والابتداء، عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: اخبرني عن قوله عز وجل {وابتغوا إليه الوسيلة} قال: الحاجة، قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت عنترة وهو يقول:
إن الرجال لهم إليك وسيلة ** إن يأخذوك تكللي وتخضبي

.تفسير الآيات (36- 37):

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (37)}
أخرج مسلم وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج من النار قوم فيدخلون الجنة» قال يزيد بن الفقير: فقلت لجابر بن عبد الله: يقول الله: {يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها} قال: اتل أول الآية {إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعاً ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة} ألا إنهم الذين كفروا.
وأخرج البخاري في الأدب المفرد وابن مردويه والبيهقي في الشعب، عن طلق بن حبيب قال: كنت من أشد الناس تكذيباً للشفاعة حتى لقيت جابر بن عبد الله، فقرأت عليه كل آية أقدر عليها يذكر الله فيها خلود أهل النار. قال: يا طلق، أتراك أَقْرَأ لِكِتابِ الله وأَعْلَم لِسُنَّةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم مني؟ إن الذين قرأت هم أهلها، هم المشركون، ولكن هؤلاء قوم أصابوا ذنوباً ثم خرجوا منها، ثم أهوى بيديه إلى أذنيه فقال: صمتا ان لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يخرجون من النار بعدما دخلوا» ونحن نقرأ كما قرأت.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة أن نافع بن الأزرق قال لابن عباس {وما هم بخارجين منها} فقال ابن عباس: ويحك... ! اقرأ ما فوقها، هذه للكفار.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال: إن الله إذا فرغ من القضاء بين خلقه أخرج كتاباً من تحت عرشه فيه: رحمتي سبقت غضبي وأنا أرحم الراحمين. قال: فيخرج من النار مثل أهل الجنة، أو قال مثلي أهل الجنة، مكتوب هاهنا منهم- وأشار إلى نحره- عتقاء الله تعالى، فقال رجل لعكرمة: يا أبا عبد الله، فإن الله يقول {يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها} قال: ويلك.. ! أولئك هم أهلها الذين هم أهلها.
وأخرج ابن المنذر والبيهقي في الشعب عن أشعث قال: قلت: أرأيت قول الله: {يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها} فقال: إنك والله لا تسقط على شيء، إن للنار أهلاً لا يخرجون منها كما قال الله تعالى.
وأخرج أبو الشيخ عن أبي مالك قال: ما كان فيه عذاب مقيم، يعني دائم لا ينقطع.

.تفسير الآية رقم (38):

{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)}
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن نجدة الحنفي قال: سألت ابن عباس عن قوله: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} أخاص أم عام؟ قال: بل عام.
وأخرج عبد بن حميد عن نجدة بن نفيع قال: سألت ابن عباس عن قوله: {والسارق والسارقة..} الآية. قال: ما كان من الرجال والنساء قطع.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ من طرق، عن ابن مسعود أنه قرأ {فاقطعوا أيمانهما}.
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن إبراهيم النخعي. أنه قال: في قراءتنا، وربما قال: في قراءة عبد الله {والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهم}.
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {جزاءً بما كسبا نكالاً من الله} قال: لا ترثوا لهم فيه، فإنه أمر الله الذي أمر به قال: وذكر لنا أن عمر بن الخطاب كان يقول: اشتدوا على الفساق واجعلوهم يداً يداً ورجلاً رجلاً.
وأخرج البخاري ومسلم عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعداً».
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال: «إن أول حد أقيم في الإسلام لرجل أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم سرق فشهدوا عليه، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع، فلما حف الرجل نظر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأنما سفى فيه الرماد، فقالوا: يا رسول الله، كأنه اشتد عليك قطع هذا!.. قال: وما يمنعني وأنتم أعون للشيطان على أخيكم! قالوا: فأرسله. قال: فهلا قبل أن تأتوني به، إن الإمام إذا أتى بحد لم يسغ له أن يعطله».

.تفسير الآيات (39- 40):

{فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40)}
أخرج أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمر «أن امرأة سرقت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقطعت يدها اليمنى. فقالت: هل لي من توبة يا رسول الله؟ قال: نعم، أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمك، فأنزل الله في سورة المائدة {فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم}».
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه} يقول: الحد كفارته.
وأخرج عبد الرزاق عن محمد بن عبد الرحمن عن ثوبان قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل سرق شملة، فقال: ما أخاله سرق أو سرقت؟ قال: نعم. قال: اذهبوا به فاقطعوا يده ثم احسموها ثم ائتوني به، فأتوه به فقال: تبت إلى الله؟ فقال: إني أتوب إلى الله. قال: اللهم تب عليه.
وأخرج عبد الرزاق عن ابن المنكدر أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع رجلاً ثم أمر به فحسم وقال: تب إلى الله، فقال أتوب إلى الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «إن السارق إذا قطعت يده وقعت في النار، فإن عاد تبعها، وإن تاب استشلاها، يقول: استرجعها».

.تفسير الآية رقم (41):

{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41)}
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر} قال: هم اليهود {من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم} قال: هم المنافقون.
وأخرج أحمد وأبو داود وابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال: إن الله أنزل {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [ المائدة: 44] الظالمون، الفاسقون، أنزلها الله في طائفتين من اليهود قهرت إحداهما الأخرى في الجاهلية حتى ارتضوا واصطلحوا، على أن كل قتيل قتلته الغريزة من الذليلة فديته خمسون وسقاً، وكل قتيل قتلته الذليلة من الغريزة فديته مائة وسق، فكانوا على ذلك حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فنزلت الطائفتان كلتاهما لمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ لم يظهر عليهم، فقامت الذليلة فقالت: وهل كان هذا في حيين قط دينهما واحد، ونسبهما واحد، وبلدهما واحد، ودية بعضهم نصف دية بعض، إنما أعطيناكم هذا ضيماً منكم لنا وفرقاً منكم، فاما إذ قدم محمد صلى الله عليه وسلم فلا نعطيكم ذلك، فكادت الحرب تهيج بينهم، ثم ارتضوا على أن يجعلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم، ففكرت الغريزة فقالت: والله ما محمد بمعطيكم منهم ضعف ما يعطيهم منكم، ولقد صدقوا، ما أعطونا هذا إلا ضيماً وقهراً لهم، فدسوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاخبر الله رسوله بأمرهم كله وماذا أرادوا، فأنزل الله: {يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر} إلى قوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون}، ثم قال: «فيهم- والله- أنزلت».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن عامر الشعبي في قوله: {لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر} قال: رجل من اليهود قتل رجلاً من أهل دينه، فقالوا لحلفائهم من المسلمين: سلوا محمداً صلى الله عليه وسلم فإن كان يقضي بالدية اختصمنا إليه، وإن كان يقضي بالقتل لم نأته.
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عن أبي هريرة أن أحبار اليهود اجتمعوا في بيت المدراس حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وقد زنى رجل بعد احصانه بامرأة من اليهود وقد أحصنت، فقالوا: ابعثوا هذا الرجل وهذه المرأة إلى محمد فاسألوه كيف الحكم فيهما وولوه الحكم فيهما، فإن حكم بعملكم من التجبية، والجلد بحبل من ليف مطلي بقار، ثم يسود وجوههما، ثم يحملان على حمارين وجوههما من قبل أدبار الحمار، فاتبعوه فإنما هو ملك سيد القوم، وإن حكم فيهما بالنفي فإنه نبي فاحذروه على ما في أيديكم أن يسلبكم.
فأتوه فقالوا: يا محمد. هذا رجل قد زنى بعد إحصانه بامرأة قد أحصنت، فاحكم فيهما فقد وليناك الحكم فيهما، فمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى أحبارهم في بيت المدراس فقال: «يا معشر يهود، أخرجوا إليَّ علماءكم، فأخرجوا إليه عبد الله بن صوريا، وياسر بن أخطب، ووهب بن يهودا»، فقالوا: هؤلاء علماؤنا. فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حصل أمرهم إلى أن قالوا لعبد الله بن صوريا: هذا أعلم من بقي بالتوراة، فخلا رسول الله صلى الله عليه وسلم به وشدد المسألة وقال: «يا ابن صوريا، أنشدك الله وأذكرك أيامه عند بني إسرائيل، هل تعلم أن الله حكم فيمن زنى بعد إحصانه بالرجم في التوراة؟» فقال: اللهم نعم، أما والله يا أبا القاسم، إنهم ليعرفون أنك مرسل ولكنهم يحسدونك، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بهما فرجما عند باب المسجد، ثم كفر بعد ذلك ابن صوريا وجحد نبوّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: {يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر} الآية.
وأخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال أول مرجوم رجمه رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود، زنى رجل منهم وامرأة، فقال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه نبي بعث بتخفيف، فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند الله، وقلنا: فتيا نبي من أنبيائك. قال: فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد وأصحابه، فقالوا: يا أبا القاسم ما ترى في رجل وامرأة منهم زنيا؟ فلم يكلمه كلمة حتى أتى مدراسهم، فقام على الباب فقال: «أنشدك الله الذي أنزل التوراة على موسى، ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن؟» قالوا يحمم ويجبه ويجلد، والتجبية أن يحمل الزانيان على حمار، ويقابل أقفيتهما، ويطاف بهما، وسكت شاب، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم سكت، ألظ النشدة فقال: اللهم نشدتنا فإنا نجد في التوراة الرجم، ثم زنى رجل في أسرة من الناس، فأراد رجمه فحال قومه دونه، وقالوا: والله ما نرجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه، فاصطلحوا بهذه العقوبة بينهم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فإني أحكم بما في التوراة، فأمر بهما فرجما». قال الزهري: فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا} [ المائدة: 44] فكان النبي صلى الله عليه وسلم منهم.
وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي والنحاس في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن البراء بن عازب قال: مر على النبي صلى الله عليه وسلم يهودي محمم مجلود، فدعاهم فقال: «أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قالوا: نعم، فدعا رجلاً من علمائهم فقال: أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى: أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قال: اللهم لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجد حد الزاني في كتابنا الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، فقلنا: تعالوا نجعل شيئاً نقيمه على الشريف والوضيع، فاجتمعنا على التحميم والجلد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه»، وأمر به فرجم، فأنزل الله: {يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر} إلى قوله: {إن أوتيتم هذا فخذوه} وإن أفتاكم بالرجم {فاحذروا} إلى قوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} قال في اليهود {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} [ المائدة: 45] قال: في النصارى إلى قوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} [ المائدة: 47] قال: في الكفار كلها.
وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر قال: «إن اليهود جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له رجلاً منهم وامرأة زنيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:»ما تجدون في التوراة؟ قالوا: نفضحهم ويجلدون. قال عبد الله بن سلام: كذبتم ان فيها آية الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقال ما قبلها وما بعدها، فقال عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده فإذا آية الرجم. قالوا: «صدق، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما».
وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا} قال «هم اليهود، زنت منهم امرأة وقد كان حكم الله في التوراة في الزنا الرجم، فنفسوا أن يرجموها وقالوا: انطلقوا إلى محمد فعسى أن تكون عنده رخصة، فإن كانت عنده رخصة فاقبلوها، فأتوه فقالوا: يا أبا القاسم إن امرأة منا زنت، فما تقول فيها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فكيف حكم الله في التوراة في الزاني؟ قالوا: دعنا مما في التوراة، ولكن ما عندك في ذلك؟ فقال: ائتوني بأعلمكم بالتوراة التي أنزلت على موسى. فقال لهم: بالذي نجاكم من آل فرعون، وبالذي فلق لكم البحر فانجاكم وأغرق آل فرعون، إلا أخبرتموني ما حكم الله في التوراة في الزاني؟ قالوا: حكمه الرجم، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمت».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر وأبو الشيخ عن جابر بن عبد الله في قوله: {من الذين هادوا سماعون للكذب} قال: يهود المدينة {سماعون لقوم آخرين لم يأتوك} قال: يهود فدك {يحرفون الكلم} قال: يهود فدك {يقولون} ليهود المدينة {إن أوتيتم هذا} الجلد {فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا} الرجم.
وأخرج الحميدي في مسنده وأبو داود وابن ماجة وابن المنذر وابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال: زنى رجل من أهل فدك، فكتب أهل فدك إلى ناس من اليهود بالمدينة اسألوا محمداً عن ذلك، فإن أمركم بالجلد فخذوه عنه، وإن أمركم بالرجم فلا تأخذوه عنه، فسألوه عن ذلك فقال: أرسلوا إليَّ أعلم رجلين منكم، فجاؤوا برجل أعور يقال له ابن صوريا وآخر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهما «أليس عندكما التوراة فيها حكم الله؟ قالا: بلى. قال: فانشدك بالذي فلق البحر لبني إسرائيل، وظلل عليكم الغمام، ونجاكم من آل فرعون، وأنزل التوراة على موسى، وأنزل المن والسلوى على بني إسرائيل، ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ فقال أحدهما للآخر: ما نشدت بمثله قط: قالا: نجد ترداد النظر زنية، والاعتناق زنية، والقبل زنية، فإذا شهد أربعة أنهم رأوه يبدئ ويعيد كما يدخل الميل في المكحلة فقد وجب الرجم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فهو كذلك، فأمر به فرجم، فنزلت {فإن جاؤوك فاحكم بينهم} إلى قوله: {يحب المقسطين} [ المائدة: 42]».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: {لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر} قال: نزلت في رجل من الأنصار، زعموا أنه أبو لباتة أشارت اليه بنو قريظة يوم الحصار ما الأمر على ما ننزل، فأشار إليهم أنه الذبح.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {ومن الذين هادوا سماعون للكذب} قال: هم أبو يسرة وأصحابه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في قوله: {سماعون لقوم آخرين} قال: يهود خيبر.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {سمَّاعون لقوم آخرين} قال: هم أيضاً سماعون ليهود.
وأخرج أبو الشيخ عن إبراهيم النخعي في قوله: {يحرِّفون الكلم عن مواضعه} [ المائدة: 13] قال: كان يقول بني إسرائيل: يا بني أحباري، فحرفوا ذلك فجعلوه يا بني أبكاري، فذلك قوله: {يحرفون الكلم عن مواضعه} وكان إبراهيم يقرأها {يحرفون الكلم من مواضعه}.
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {يحرفون الكلم من بعد مواضعه..} الآية. قال: ذكر لنا أن هذا كان في قتيل بني قريظة والنضير، إذ قتل رجل من قريظة قتله النضير، وكانت النضير إذا قتلت من بني قريظة لم يقيدوهم، إنما يعطونهم الدية لفضلهم عليهم في أنفسهم تعوذاً، فقدم نبي الله صلى الله عليه وسلم المدينة فسألهم، فأرادوا ان يرفعوا ذلك إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهم، فقال لهم رجل من المنافقين: إن قتيلكم هذا قتيل عمد، وإنكم متى ترفعون أمره إلى محمد أخشى عليكم القود، فإن قبل منكم الدية فخذوه وإلا فكونوا منهم على حذر.
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه} قال: إن وافقكم وإن لم يوافقكم {فاحذروه} يهود تقول: للمنافقين.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: {يحرفون الكلم} يعني حدود الله في التوراة. وفي قوله: {يقولون إن أوتيتم هذا} قال: يقولون إن أمركم محمد بما أنتم عليه فاقبلوه وإن خالفكم فاحذروه. وفي قوله: {ومن يرد الله فتنته} قال: ضلالته {فلن تملك له من الله شيئاً} يقول: لن تغني عنه شيئاً.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {لهم في الدنيا خزي} قال: أما خزيهم في الدنيا، فإنه إذا قام الهدى فتح القسطنطينية فقتلهم فذلك الخزي.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن عكرمة في قوله: {لهم في الدنيا خزي} مدينة تفتح بالروم فيسبون.
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة في قوله: {لهم في الدنيا خزي} قال: يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون.