فصل: سورة العنكبوت:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (83- 84):

{تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (84)}
أخرج المحاملي والديلمي في مسند الفردوس عن أبي هريرة رضي الله عنه «عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً} قال: التجبر في الأرض، والأخذ بغير الحق».
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مسلم البطين رضي الله عنه في قوله: {للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً} قال: العلو التكبر في الأرض بغير الحق. والفساد الأخذ بغير الحق.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله: {لا يريدون علواً في الأرض} قال: بغيا.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {للذين لا يريدون علواً في الأرض} قال: تعظماً وتجبراً {ولا فساداً} قال: بالمعاصي.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه في قوله: {تلك الدار الآخرة...} قال: نجعل الدار الآخرة {للذين لا يريدون علواً في الأرض} قال: التكبر وطلب الشرف والمنزلة عند سلاطينها وملوكها {ولا فساداً} قال: لا يعملون بمعاصي الله، ولا يأخذون المال بغير حقه {والعاقبة للمتقين} قال: الجنة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {لا يريدون علواً في الأرض} قال: الشرف والعز عند ذوي سلطانهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي معاوية الأسود في قوله: {لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً} قال: لم ينازعوا أهلها في عزها، ولا يجزعوا من ذلها.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: إن الرجل ليحب أن يكون شسع نعله أفضل من شسع نعل صاحبه، فيدخل في هذه الآية {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً}.
وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. أنه كان يمشي في الأسواق وحده وهو وال، يرشد الضال، ويعين الضعيف، ويمر بالبقال والبيع فيفتح عليه القرآن، ويقرأ {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً} ويقول: نزلت هذه الآية في أهل العدل والتواضع، في الولاة وأهل القدرة من سائر الناس.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما، نحوه.
وأخرج ابن مردويه عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: «لما دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ألقى إليه وسادة فجلس على الأرض فقال: أشهد أنك لا تبغي علواً في الأرض ولا فساداً فأسلم».

.تفسير الآيات (85- 87):

{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (85) وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ (86) وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آَيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (87)}
أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه قال: لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة فبلغ الجحفة، اشتاق إلى مكة، فأنزل الله: {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد} إلى مكة.
وأخرج ابن مردويه عن علي بن الحسين بن واقد رضي الله عنه قال: كل القرآن مكي أو مدني غير قوله: {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد} فإنها أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجحفة حين خرج مهاجراً إلى المدينة. فلا هي مكية ولا مدنية، وكل آية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة فهي مكية. فنزلت بمكة أو بغيرها من البلدان، وكل آية نزلت بالمدينة بعد الهجرة فإنها مدنية. نزلت بالمدينة أو بغيرها من البلدان.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {لرادك إلى معاد} قال: إلى مكة. زاد ابن مردويه {كما أخرجك منها}.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه {لرادك إلى معاد} قال: إلى مولدك؛ إلى مكة.
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك رضي الله عنه، مثله.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما {لرادك إلى معاد} قال: الموت.
وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه {لرادك إلى معاد} قال: الموت.
وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه وأبو يعلى وابن جرير عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه {لرادك إلى معاد} قال: الآخرة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما {لرادك إلى معاد} قال: إلى يوم القيامة.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه، مثله.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد} قال: يحييك يوم القيامة.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه {لرادك إلى معاد} قال: إن له معاداً يبعثه الله يوم القيامة، ثم يدخله الجنة.
وأخرج الحاكم في التاريخ والديلمي عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم {لرادك إلى معاد} قال: الجنة.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري في تاريخه وأبو يعلى وابن المنذر عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه {لرادك إلى معاد} قال: معاده الجنة، وفي لفظ {معاده} آخرته.
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما {لرادك إلى معاد} قال: إلى معدنك من الجنة.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد} قال: لرادك إلى الجنة، ثم سائلك عن القرآن.
وأخرج الفريابي عن أبي صالح رضي الله عنه في قوله: {لرادك إلى معاد} قال: إلى الجنة.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {لرادك إلى معاد} قال: هذه مما كان يكتم ابن عباس رضي الله عنهما.
وأخرج ابن أبي حاتم عن نعيم القاري رضي الله عنه {لرادك إلى معاد} قال: إلى بيت المقدس.

.تفسير الآية رقم (88):

{وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88)}
أخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه قال: لما نزلت {كل من عليها فان} [ الرحمن: 26] قالت الملائكة: هلك أهل الأرض، فلما نزلت {كل نفس ذائقة الموت} [ آل عمران: 18] قالت الملائكة: هلك كل نفس، فلما نزلت {كل شيء هالك إلا وجهه} قالت الملائكة: هلك أهل السماء وأهل الأرض.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما {كل نفس ذائقة الموت} قال: لما نزلت قيل: يا رسول الله فما بال الملائكة؟ فنزلت {كل شيء هالك إلا وجهه} فبين في هذه الآية فناء الملائكة والثقلين من الجن والانس وسائر عالم الله، وبريته من الطير والوحش والسباع والأنعام، وكل ذي روح أنه هالك ميت.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل رضي الله عنه {كل شيء هالك إلا وجهه} يعني الحيوان خاصة من أهل السموات والملائكة ومن في الأرض وجميع الحيوان، ثم تهلك السماء والأرض بعد ذلك، ولا تهلك الجنة والنار وما فيهما، ولا العرش، ولا الكرسي.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما {كل شيء هالك إلا وجهه} إلا ما يريد به وجهه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه {كل شيء هالك إلا وجهه} قال: إلا ما أريد به وجهه.
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن سفيان قال: {كل شيء هالك إلا وجهه} قال: إلا ما أريد به وجهه من الأعمال الصالحة.
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التفكر عن ابن عمر رضي الله عنهما. أنه كان إذا أراد أن يتعاهد قلبه، يأتي الخربة يقف على بابها فينادي بصوت حزين: أين أهلك؟ ثم يرجع إلى نفسه فيقول {كل شيء هالك إلا وجهه}.
وأخرج أحمد في الزهد عن ثابت رضي الله عنه قال: لما مات موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام جالت الملائكة عليهم السلام في السموات يقولون: مات موسى عليه السلام فأي نفس لا تموت!

.سورة العنكبوت:

.تفسير الآيات (1- 3):

{الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)}
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الشعبي رضي الله عنه في قوله: {الم} {أحسب الناس أن يتركوا..} قال: أنزلت في أناس بمكة قد اقروا بالإِسلام، فكتب إليهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة لما نزلت آية الهجرة: إنه لا يقبل منكم قرار ولا إسلام حتى تهاجروا قال: فخرجوا عامدين إلى المدينة، فأتبعهم المشركون فردوهم، فنزلت فيهم هذه الآية، فكتبوا إليهم أنه قد نزلت فيكم آية كذا وكذا فقالوا: نخرج فإن اتبعنا أحد قاتلناه. فخرجوا فاتبعهم المشركون، فقاتلوهم فمنهم من قتل ومنهم من نجا، فأنزل الله فيهم {ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم} [ النحل: 110].
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {الم} {أحسب الناس...} قال نزلت في أناس من أهل مكة خرجوا يريدون النبي صلى الله عليه وسلم فعرض لهم المشركون فرجعوا، فكتب إليهم إخوانهم بما نزل فيهم من القرآن فخرجوا، فقتل من قتل وخلص من خلص، فنزل القرآن {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه قال: نزلت هذه الآيات في القوم الذين ردهم المشركون إلى مكة، وهؤلاء الآيات العشر مدنيات، وسائرها مكي.
وأخرج ابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن عساكر عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: نزلت في عمار بن ياسر يعذَّب في الله {أحسب الناس أن يتركوا..}.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: سمعت ابن عمير وغيره يقولون: كان أبو جهل لعنه الله يعذب عمار بن ياسر وأمه، ويجعل على عمار درعاً من حديد في اليوم الصائف، وطعن في حياة أمه برمح. ففي ذلك نزلت {أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون}.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وهم لا يفتنون} قال: لا يبتلون في أموالهم وأنفسهم {ولقد فتنا الذين من قبلهم} قال: ابتلينا.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة {أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون} قال: يبتلون {ولقد فتنا الذين من قبلهم} قال: ابتلينا الذين من قبلهم {فليعلمن الله الذين صدقوا} قال: ليعلم الصادق من الكاذب، والطائع من العاصي، وقد كان يقال: إن المؤمن ليضرب بالبلاء كما يفتن الذهب بالنار، وكان يقال: إن مثل الفتنة كمثل الدرهم الزيف يأخذه الأعمى ويراه البصير.
وأخرج ابن أبي حاتم عن علي رضي الله عنه أنه كان يقرأ {فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين} قال: يعلمهم الناس.
وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال: كان الله يبعث النبي إلى أمته فيلبث فيهم إلى انقضاء اجله في الدنيا، ثم يقبضه الله إليه فتقول الأمة من بعده، أو من شاء الله منهم: إنا على منهاج النبي وسبيله، فينزل الله بهم البلاء فمن ثبت منهم على ما كان عليه فهو الصادق، ومن خالف إلى غير ذلك فهو الكاذب.
وأخرج ابن ماجة وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: أول من أظهر اسلامه سبعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وسمية أم عمار، وعمار، وصهيب، وبلال، والمقداد، فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم ادراع الحديد، فإنه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه، فأخذوه فأعطوه الولدان، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول: أحد أحد... والله تعالى أعلم.