فصل: تفسير الآية رقم (42):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (42):

{سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42)}
أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {سمَّاعون للكذب أكَّالون للسحت} وذلك أنهم أخذوا الرشوة في الحكم وقضوا بالكذب.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: {سمَّاعون للكذب أكَّالون للسحت} قال: تلك أحكام اليهود يسمع كذبه ويأخذ رشوته.
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن مسعود قال: السحت الرشوة في الدين. قال سفيان: يعني في الحكم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال: من شفع لرجل ليدفع عنه مظلمته أو يرد عليه حقاً، فاهدى له هدية فقبلها فذلك السحت. فقيل: يا أبا عبد الرحمن إنا كنا نعد السحت الرشوة في الحكم، فقال عبد الله: ذلك الكفر {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [ المائدة: 44].
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني في سننه عن ابن عباس أنه سئل عن السحت فقال: الرشا. قيل: في الحكم؟ قال: ذلك الكفر، ثم قرأ {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [ المائدة: 44].
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ والبيهقي عن ابن مسعود أنه سئل عن السحت، أهو الرشوة في الحكم؟ قال: لا. {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} [ المائدة: 45] الفاسقون، ولكن السحت أن يستعينك رجل على مظلمة فيهدي لك فتقبله، فذلك السحت.
وأخرج ابن المنذر عن مسروق قال: قلت لعمر بن الخطاب: أرأيت الرشوة في الحكم، أمن السحت هي؟ قال: لا، ولكن كفراً، إنما السحت أن يكون للرجل عند السلطان جاه ومنزلة ويكون إلى السلطان حاجة، فلا يقضي حاجته حتى يهدي إليه هدية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رشوة الحكام حرام، وهي السحت الذي ذكر الله في كتابه».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به. قيل: يا رسول الله، وما السحت؟ قال: الرشوة في الحكم».
وأخرج عبد بن حميد عن زيد بن ثابت. أنه سئل عن السحت فقال: الرشوة.
وأخرج عبد بن حميد عن علي بن أبي طالب. أنه سئل عن السحت فقال: الرشا. فقيل له: في الحكم؟ قال: ذاك الكفر.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن ابن عمر قال: بابان من السحت يأكلهما الناس. الرشا في الحكم، ومهر الزانية.
وأخرج أبو الشيخ عن علي قال: أبواب السحت ثمانية: رأس السحت رشوة الحاكم، وكسب البغي، وعَسَبُ الفحل، وثمن الميتة، وثمن الخمر، وثمن الكلب، وكسب الحجام، وأجر الكاهن.
وأخرج عبد الرزاق عن طريف قال: مر علي برجل يحسب بين قوم بأجر، وفي لفظ: يقسم بين ناس قسماً فقال له علي: إنما تأكل سحتاً.
وأخرج الفريابي وابن جرير عن أبي هريرة قال: من السحت مهر الزانية، وثمن الكلب إلا كلب الصيد، وما أخذ من شيء في الحكم.
وأخرج عبد الرزاق وابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هدايا الأمراء سحت».
وأخرج ابن مردويه والديلمي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ست خصال من السحت: رشوة الإمام وهي أخبث ذلك كله، وثمن الكلب، وعسب الفحل، ومهر البغي، وكسب الحجام، وحلوان الكاهن».
وأخرج عبد بن حميد عن طاوس قال: هدايا العمال سحت.
وأخرج عبد بن حميد عن يحيى بن سعيد قال: «لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة إلى أهل خيبر أهدوا له فروة، فقال: سحت».
وأخرج عبد الرزاق والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي».
وأخرج أحمد والبيهقي عن ثوبان قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش، يعني الذي يمشي بينهما».
وأخرج الحاكم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ولي عشرة فحكم بينهم بما أحبوا أو كرهوا جيء به مغلولة يده، فإن عدل ولم يرتش ولم يحف فك الله عنه، وإن حكم بغير ما أنزل الله ارتشى وحابى فيه شدت يساره إلى يمينه ثم رمي في جهنم، فلم يبلغ قعرها خمسمائة عام».
وأخرج ابن مردويه عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ستكون من بعدي ولاة يستحلون الخمر بالنبيذ، والبخس بالصدقة، والسحت بالهدية، والقتل بالموعظة، يقتلون البريء لتوطى العامة لهم فيزدادوا إثماً».
وأخرج الخطيب في تاريخه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من السحت: كسب الحجام، وثمن الكلب، وثمن القرد، وثمن الخنزير، وثمن الخمر، وثمن الميتة، وثمن الدم، وعسب الفحل، وأجر النائحة، وأجر المغنية، وأجر الكاهن، وأجر الساحر، وأجر القائف، وثمن جلود السباع، وثمن جلود الميتة، فإذا دبغت فلا بأس بها، وأجر صور التماثيل، وهدية الشفاعة، وجعلة الغزو».
وأخرج عبد بن حميد عن عبد الله بن شقيق قال: هذه الرغف التي يأخذها المعلمون من السحت.
وأخرج ابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: آيتان نسختا من هذه السورة- يعني من المائدة- آية القلائد، وقوله: {فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مخيراً، إن شاء حكم بينهم، وإن شاء أعرض عنهم فردهم إلى أحكامهم، فنزلت {وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتَّبع أهواءهم} [ المائدة: 49] قال: فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحكم بينهم بما في كتابنا.
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} قال: نسختها هذه الآية {وأن احكم بينهم بما أنزل الله} [ المائدة: 49].
وأخرج عبد الرزاق عن عكرمة. مثله.
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عن ابن شهاب. أن الآية التي في سورة المائدة {فإن جاؤوك فاحكم بينهم} كانت في شأن الرجم.
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه من طريق عكرمة عن ابن عباس «أن الآيات من المائدة التي قال الله فيها {فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} إلى قوله: {المقسطين} إنما أنزلت في الدية من بني النضير وقريظة، وذلك أن قتلى بني النضير كان لهم شرف يريدون الدية كاملة، وأن بني قريظة كانوا يريدون نصف الدية، فتحاكموا في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله ذلك فيهم، فحملهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحق، فجعل الدية سواء».
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: كانت قريظة والنضير، وكان النضير أشرف من قريظة، فكان إذا قتل رجل من النضير رجلاً من قريظة أدى مائة وسق من تمر، وإذا قتل رجل من قريظة رجلاً من النضير قتل به، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل رجل من النضير رجلاً من قريظة، فقالوا: ادفعوه إلينا نقتله، فقالوا: بيننا وبينكم النبي صلى الله عليه وسلم فأتوه، فنزلت {وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط} والقسط. النفس بالنفس، ثم نزلت {أفحكم الجاهلية يبغون} [ المائدة: 50].
وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله: {فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} قال: يوم نزلت هذه الآية كان في سعة من أمره، إن شاء حكم وإن شاء لم يحكم، ثم قال: {وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئاً} قال: نسختها {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم} [ المائدة: 49].
وأخرج عبد بن حميد والنحاس في ناسخه عن الشعبي في قوله: {فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} قال: إن شاء حكم بينهم وإن شاء لم يحكم.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبو الشيخ عن إبراهيم والشعبي قالا: إذا جاؤوا إلى حاكم من حكام المسلمين، إن شاء حكم بينهم، وإن شاء أعرض عنهم، وإن حكم بينهم حكم بما أنزل الله.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن عطاء في الآية قال: هو مخيَّر.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير في أهل الذمة يرتفعون إلى حكام المسلمين قال: يحكم بينهم بما أنزل الله.
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد قال: أهل الذمة إذ ارتفعوا إلى المسلمين حكم عليهم بحكم المسلمين.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وأبو الشيخ والبيهقي عن إبراهيم التيمي {وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط} قال: بالرجم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مالك في قوله: {إن الله يحب المقسطين} قال: المعدلين في القول والفعل.
وأخرج عبد الرزاق عن الزهري في الآية قال: مضت السنة أن يردوا في حقوقهم ومواريثهم إلى أهل دينهم، إلا أن يأتوا راغبين في حد يحكم بينهم فيه، فيحكم بينهم بكتاب الله، وقد قال لرسوله {وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط}.

.تفسير الآية رقم (43):

{وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43)}
أخرج ابن مردويه عن البراء بن عازب قال: «مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودي محمم قد جلد، فسألهم ما شأن هذا؟ قالوا: زنى. فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود: ما تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قالوا؛ نجد حده التحميم والجلد. فسألهم أيكم أعلم؟ فوركوا ذلك إلى رجل منهم، قالوا: فلان. فارسل إليه فسأله، قال: نجد التحميم والجلد، فناشده رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قال: نجد الرجم، ولكنه كثر في عظمائنا، فامتنعوا منهم بقومهم ووقع الرجم على ضعفائنا، فقلنا نضع شيئاً يصلح بينهم حتى يستووا فيه، فجعلنا التحميم والجلد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه»، فأمر به فرجم. قال: ووقع اليهود بذلك الرجل الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم وشتموه، وقالوا: لو كنا نعلم أنك تقول هذا ما قلنا انك أعلمنا. قال: ثم جعلوا بعد ذلك يسألون النبي صلى الله عليه وسلم: ما تجد فيما أنزل إليك حد الزاني؟ فأنزل الله: {وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله} يعني حدود الله، فأخبره الله بحكمه في التوراة قال: {وكتبنا عليهم فيها} [ المائدة: 45] إلى قوله: {والجروح قصاص} [ المائدة: 45].
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: {وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله} يقول: عندهم بيان ما تشاجروا فيه من شأن قتيلهم.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مقاتل بن حيان في قوله: {وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله} يقول: فيها الرجم للمحصن والمحصنة، والإيمان بمحمد والتصديق له {ثم يتولون} يعني عن الحق {من بعد ذلك} يعني بعد البيان {وما أولئك بالمؤمنين} يعني اليهود.

.تفسير الآية رقم (44):

{إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)}
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مقاتل في قوله: {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور} يعني هدى من الضلالة، ونور من العمى {يحكم بها النبيون} يحكمون بما في التوراة من لدن موسى إلى عيسى {للذين هادوا} لهم وعليهم، ثم قال ويحكم بها {الربانيون والأحبار} أيضاً بالتوراة {بما استحفظوا من كتاب الله} من الرجم والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم {وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس} في أمر محمد صلى الله عليه وسلم والرجم يقول: اظهروا أمر محمد والرجم {واخشون} في كتمانه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار} قال: أما الربانيون. ففقهاء اليهود، وأما الأحبار. فعلماؤهم. قال: وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال لما أنزلت هذه الآية: نحن نحكم على اليهود وعلى من سواهم من أهل الأديان.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن الحسن في قوله: {يحكم بها النبيون الذين أسلموا} قال: النبي صلى الله عليه وسلم ومن قبله من الأنبياء يحكمون بما فيها من الحق.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله: {والربانيون والأحبار} قال: الفقهاء والعلماء.
وأخرج عن مجاهد قال: {الربانيون} العلماء الفقهاء، وهم فوق الأحبار.
وأخرج عن قتادة قال: {الربانيون} فقهاء اليهود {والأحبار} العلماء.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال: «كان رجلان من اليهود أخوان يقال لهما ابنا صوريا، قد اتبعا النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسلما، وأعطياه عهداً أن لا يسألهما عن شيء في التوراة إلا أخبراه به، وكان أحدهما ربيّا والآخر حبراً، وإنما الأمر كيف حين زنى الشريف وزنى المسكين وكيف غيروه، فأنزل الله: {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا} يعني النبي صلى الله عليه وسلم {والربانيون والأحبار} هما ابنا صوريا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الربانيون. الفقهاء العلماء.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {والربانيون} قال: هم المؤمنون {والأحبار} قال: هم القراء {كانوا عليه شهداء} يعني الربانيون والأحبار هم الشهداء لمحمد صلى الله عليه وسلم بما قال أنه حق جاء من عند الله، فهو نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم أتته اليهود فقضى بينهم بالحق»
.
وأخرج ابن المنذر وابن جريج {فلا تخشوا الناس واخشون} لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن عساكر عن نافع قال: كنا مع ابن عمر في سفر فقيل إن السبع في الطريق قد حبس الناس، فاستحث ابن عمر راحلته، فلما بلغ اليه برك فعرك أذنه وقعده، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما يسخط على ابن آدم من خافه ابن آدم، ولو أن ابن آدم لم يخف إلا الله لم يسلط عليه غيره، وإنما وكل ابن آدم عن رجال ابن آدم، ولو أن ابن آدم لم يرج إلا الله لم يكله إلى سواه».
وأخرج ابن جرير عن السدي {فلا تخشوا الناس} فتكتموا ما أنزلت {ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً} على أن تكتموا ما أنزلت.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله: {ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً} قال: لا تأكلوا السحت على كتابي.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله} فقد كفر، ومن أقر به ولم يحكم به فهو ظالم فاسق.
وأخرج سعيد بن منصور والفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} [ المائدة: 45] {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} [ المائدة: 47] قال: كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق.
وأخرج سعيد بن منصور وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال: إنما أنزل الله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} والظالمون، والفاسقون، في اليهود خاصة.
وأخرج ابن جرير عن أبي صالح قال: الثلاث الآيات التي في المائدة {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} هم الظالمون، هم الفاسقون، ليس في أهل الإسلام منها شيء، هي في الكفار.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} هم الظالمون، هم الفاسقون، نزلت هؤلاء الآيات في أهل الكتاب.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن إبراهيم النخعي في قوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله...} الآيات. قال: نزلت الآيات في بني إسرائيل، ورضي لهذه الأمة بها.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن في قوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون...} قال: نزلت في اليهود، وهي علينا واجبة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن الشعبي قال: الثلاث آيات التي في المائدة {ومن لم يحكم بما أنزل الله} أولها في هذه الأمة، والثانية في اليهود، والثالثة في النصارى.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} قال: من حكم بكتابه الذي كتب بيده وترك كتاب الله، وزعم أن كتابه هذا من عند الله فقد كفر.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن حذيفة أن هذه الآيات ذكرت عنده {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} والظالمون، والفاسقون، فقال رجل: ان هذا في بني إسرائيل. قال حذيفة: نعم الأخوة لكم بنو إسرائيل، إن كان لكم كل حلوة ولهم كل مرة، كلا والله لتسلكن طريقهم قدر الشراك.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال: نعم القوم أنتم إن كان ما كان من حُلو فهو لكم، وما كان من مُر فهو لأهل الكتاب، كأنه يرى أن ذلك في المسلمين {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}.
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن أبي مجلز {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} قال: نعم. قالوا {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} قال: نعم. قالوا: فهؤلاء يحكمون بما أنزل الله. قال: نعم، هو دينهم الذي به يحكمون، والذي به يتكلمون وإليه يدعون، فإذا تركوا منه شيئاً علموا أنه جور منهم، إنما هذه اليهود والنصارى والمشركون الذين لا يحكمون بما أنزل الله.
وأخرج عبد بن حميد عن حكيم بن جبير قال: سألت سعيد بن جبير عن هذه الآيات في المائدة {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون}، {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} فقلت: زعم قوم أنها نزلت على بني إسرائيل ولم تنزل علينا قال: اقرأ ما قبلها وما بعدها، فقرأت عليه فقال: لا، بل نزلت علينا، ثم لقيت مقسماً مولى ابن عباس، فسألته عن هذه الآيات التي في المائدة، قلت: زعم قوم أنها نزلت على بني إسرائيل ولم تنزل علينا. قال: إنه نزل على بني إسرائيل ونزل علينا، وما نزل علينا وعليهم فهو لنا ولهم، ثم دخلت على علي بن الحسين فسألته عن هذه الآيات التي في المائدة، وحدثته أني سألت عنها سعيد بن جبير ومقسماً قال: فما قال مقسم؟ فأخبرته بما قال. قال صدق، ولكنه كفر ليس ككفر الشرك، وفسق ليس كفسق الشرك، وظلم ليس كظلم الشرك، فلقيت سعيد بن جبير فأخبرته بما قال: فقال سعيد بن جبير لابنه: كيف رأيته، لقد وجدت له فضلاً عليك وعلى مقسم.
وأخرج سعيد بن منصور عن عمر قال: ما رأيت مثل من قضى بين إثنين بعد هذه الآيات.
وأخرج سعيد قال: استُعمل أبو الدرداء على القضاء، فأصبح يهينه. قال: تهينني بالقضاء وقد جعلت على رأس مهواة منزلتها أبعد من عدن وأبين، ولو علم الناس ما في القضاء لأخذوه بالدول رغبة عنه وكراهية له، ولو يعلم الناس ما في الأذان لأخذوه بالدول رغبة فيه وحرصاً عليه.
وأخرج ابن سعد عن يزيد بن موهب. أن عثمان قال لعبد الله بن عمر: اقض بين الناس، قال: لا أقضي بين إثنين ولا أؤم إثنين قال: لا، ولكنه بلغني أن القضاة ثلاثة. رجل قضى بجهل فهو في النار، ورجل حاف ومال به الهوى فهو في النار، ورجل اجتهد فأصاب فهو كفاف لا أجر له ولا وزر عليه. قال: إن أباك كان يقضي؟ قال: إن أبي إذا أشكل عليه شيء سأل النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا أشكل على النبي صلى الله عليه وسلم سأل جبريل، وإني لا أجد من أسأل أما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من عاذ بالله فقد عاذ بمعاذ؟ فقال عثمان: بلى. قال: فاني أعوذ بالله أن تستعملني، فأعفاه وقال: لا تخبر بهذا أحداً».
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن عبد العزيز بن أبي رواد قال: بلغني أن قاضياً كان في زمن بني إسرائيل، بلغ من اجتهاده أن طلب إلى ربه أن يجعل بينه وبينه علماً، إذا هو قضى بالحق عرف ذلك. فقيل له: ادخل منزلك، ثم مد يدك في جدارك، ثم انظر كيف تبلغ أصابعك من الجدار، فاخطط عنده خطاً، فإذا أنت قمت من مجلس القضاء فارجع إلى ذلك الخط، فامدد يدك إليه فانك متى كنت على الحق فانك ستبلغه، وإن قصرت عن الحق قصر بك، فكان يغدو إلى القضاء وهو مجتهد، وكان لا يقضي إلا بالحق، وكان إذا فرغ لم يذق طعاماً ولا شراباً، ولا يفضي إلى أهله بشيء حتى يأتي ذلك الخط، فإذا بلغه حمداً لله وأفضى إلى كل ما أحل الله له من أهل أو مطعم أو مشرب، فلما كان ذات يوم وهو في مجلس القضاء أقبل إليه رجلان بدابة، فوقع في نفسه أنهما يريدان يختصمان إليه، وكان أحدهما له صديقاً وخدنا، فتحرك قلبه عليه محبة أن يكون له فيقضي له به، فلما إن تكلما دار الحق على صاحبه فقضى عليه، فلما قام من مجلسه ذهب إلى خطه كما كان يذهب كل يوم، فمد يده إلى الخط فإذا الخط قد ذهب وتشمر إلى السقف وإذا هو لا يبلغه، فخر ساجداً وهو يقول: يا رب، شيء لم أتعمده، فقيل له: أتحسبن أن الله لم يطلع على جور قلبك حيث أحببت أن يكون الحق لصديقك فتقضي له به، قد أردته وأحببته ولكن الله قد رد الحق إلى أهله وأنت لذلك كاره.
وأخرج الحكيم والترمذي عن ليث قال: تقدم إلى عمر بن الخطاب خصمان فأقامهما، ثم عادا ففصل بينهم، فقيل له في ذلك فقال: تقدما إليَّ، فوجدت لأحدهما ما لم أجد لصاحبه فكرهت أن افصل بينهما، ثم عادا فوجدت بعض ذلك فكرهت، ثم عادا وقد ذهب ذلك ففصلت بينهما.