فصل: تفسير الآية رقم (61):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (61):

{وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61)}
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وإذا جاؤوكم قالوا آمنا...} الآية. قال: «اناس من اليهود، وكانوا يدخلون على النبي صلى الله عليه وسلم فيخبرونه أنهم مؤمنون راضون بالذي جاء به، وهم متمسكون بضلالتهم وبالكفر، فكانوا يدخلون ويخرجون به من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وإذا جاؤوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به} فإنهم دخلوا وهم يتكلمون بالحق وتسر قلوبهم الكفر، فقال: {دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به}.
وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال: هؤلاء ناس من المنافقين كانوا يهوداً يقول: دخلوا كفاراً وخرجوا كفاراً.

.تفسير الآيات (62- 63):

{وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63)}
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {وترى كثيراً منهم يسارعون في الإثم والعدوان} قال: هؤلاء اليهود {لبئس ما كانوا يعملون، لولا ينهاهم الربانيون} إلى قوله: {لبئس ما كانوا يصنعون} ويعملون واحد. قال: هؤلاء لم ينهوا كما قال لهؤلاء حين عملوا.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {وترى كثيراً منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت} قال: كان هذا في أحكام اليهود بين أيديكم.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {لولا ينهاهم الربانيون والأحبار} وهم الفقهاء والعلماء.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في قوله: {لولا ينهاهم} العلماء والأحبار.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {لبئس ما كانوا يصنعون} قال: حيث لم ينهوهم عن قولهم الإثم وأكلهم السحت.
وأخرج ابن أبي حاتم أن علي رضي الله عنه أنه قال في خطبته: أيها الناس، إنما هلك من هلك قبلكم بركوبهم المعاصي ولم ينههم الربانيون والأحبار، فلما تمادوا في المعاصي ولم ينههم الربانيون والأحبار أخذتهم العقوبات، فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقطع رزقاً ولا يقرِّب أجلاً.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: ما في القرآن آية أشد توبيخاً من هذه الآية {لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم العدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون} هكذا قرأ.
وأخرج ابن المبارك في الزهد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الضحاك ابن مزاحم قال: ما في القرآن آية أخوف عندي من هذه الآية {لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون} أساء الثناء على الفريقين جميعاً.
وأخرج عبد بن حميد من طريق سلمة بن نبيط عن الضحاك {لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت} قال: {الربانيون والأحبار} فقهاؤهم وعلماؤهم قال: ثم يقول الضحاك: وما أخوفني من هذه الآية.
وأخرج أبو داود وابن ماجة عن جرير. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من قوم يكون بين أظهرهم من يعمل من المعاصي هم أعز منه وأمنع من أن يغيروا إلا أصابهم الله منه بعذاب».

.تفسير الآية رقم (64):

{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)}
أخرج ابن إسحاق والطبراني في الكبير وابن مردويه عن ابن عباس. قال رجل من اليهود يقال له النباش بن قيس: إن ربك بخيل لا ينفق. فأنزل الله: {وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء}.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس {وقالت اليهود يد الله مغلولة} نزلت في فنحاص رأس يهود قينقاع.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله: {وقالت اليهود يد الله مغلولة...} الآية. قال: نزلت في فنحاص اليهودي.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس {وقالت اليهود يد الله مغلولة} قال: أي بخيلة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وقالت اليهود يد الله مغلولة} قال: لا يعنون بذلك أن يد الله موثوقة ولكن يقولون: إنه بخيل أمسك ما عنده، تعالى الله عما يقولون علوّاً كبيراً.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله: {مغلولة} يقولون: إنه بخيل ليس بجواد. وفي قوله: {غلت أيديهم} قال: أمسكت عن النفقة والخير.
وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن أنس مرفوعاً: «أن يحيى بن زكريا سأل ربه فقال: يا رب، اجعلني ممن لا يقع الناس فيه. فأوحى الله يا يحيى هذا شيء لم أستخلصه لنفسي كيف أفعله بك؟ اقرأ في المحكم تجد فيه {وقالت اليهود عزيز ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله} [ التوبة: 30]. وقالوا {يد الله مغلولة} وقالوا وقالوا...».
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن جعفر بن محمد قال: إذا بلغك عن أخيك شيء يسوءك فلا تغتم، فإنه إن كان كما يقول كانت عقوبة أجلت، وإن كانت على غير ما يقول كانت حسنة لم تعملها. قال: وقال موسى: يا رب، أسالك أن لا يذكرني أحد إلا بخير. قال: «ما فعلت ذلك لنفسي».
وأخرج أبو نعيم عن وهب قال: قال موسى: يا رب، أسألك أن لا يذكرني أحد إلا بخير. قال: «ما فعلت ذلك لنفسي».
وأخرج أبو نعيم عن وهب قال: قال موسى: يا رب، احبس عني كلام الناس. فقال الله عزوجل لو فعلت هذا بأحد لفعلته بي.
قوله تعالى {بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء}.
أخرج أبو عبيد في فضائله وعبد بن حميد وابن أبي داود وابن الأنباري معاً في المصاحف وابن المنذرعن ابن مسعود قرأ {بل يداه مبسوطتان}.
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة، سخاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه. قال: وعرشه على الماء، وفي يده الأخرى القبض يرفع ويخفض».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة {وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً} قال: حملهم حسد محمد والعرب على أن تركوا القرآن وكفروا بمحمد ودينه، وهم يجدونه عندهم مكتوباً.
وأخرج أبو الشيخ عن الربيع قال: قالت العلماء فيما حفظوا وعلموا: أنه ليس على الأرض قوم حكموا بغير ما أنزل الله إلا ألقى الله بينهم العداوة والبغضاء، وقال: ذلك في اليهود حيث حكموا بغير ما أنزل الله: {وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة} قال: اليهود والنصارى. وفي قوله: {كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله} قال: حرب محمد صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي {كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله} قال: كلما اجمعوا أمرهم على شيء فرّقه الله وأطفأ حدهم ونارهم، وقذف في قلوبهم الرعب.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة {كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله} قال: أولئك أعداء الله اليهود، كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله، فلن تلقى اليهود ببلد إلا وجدتهم من أذل أهله، لقد جاء الإسلام حين جاء وهم تحت أيدي المجوس، وهم أبغض خلق الله تعمية وتصغيراً باعمالهم أعمال السوء.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وفي قوله عن الحسن {كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله} قال: كلما اجتمعت السفلة على قتل العرب.

.تفسير الآية رقم (65):

{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65)}
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا} قال: آمنوا بما أنزل الله، واتقوا ما حرم الله.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مالك بن دينار قال: {جنات النعيم} بين جنات الفردوس وجنات عدن، وفيها جوار خلقن من ورد الجنة. قيل فمن سكنها؟ قال: الذين هموا بالمعاصي فلما ذكروا عظمة الله جل جلاله راقبوه.

.تفسير الآية رقم (66):

{وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66)}
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل...} الآية. قال: أما اقامتهم التوراة والإنجيل فالعمل بهما، وأما {ما أنزل إليهم من ربهم} فمحمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل عليه، وأما {لأكلوا من فوقهم} فأرسلت عليه مطراً، وأما {من تحت أرجلهم} يقول: لأنبت لهم من الأرض من رزقي ما يغنيهم {منهم أمة مقتصدة} وهم مسلمة أهل الكتاب.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس {لأكلوا من فوقهم} يعني لأرسل عليهم السماء مدراراً {ومن تحت أرجلهم} قال: تخرج الأرض من بركاتها.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية يقول: لأكلوا من الرزق الذي ينزل من السماء، والذي والذي ينبت من الأرض.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة {لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم} يقول لأعطتهم السماء بركاتها والأرض نباتها {منهم أمة مقتصدة} على كتاب الله قد آمنوا، ثم ذم أكثر القوم فقال: {وكثير منهم ساء ما يعملون}.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الربيع بن أنس قال: الأمة المقتصدة. الذين لا هم فسقوا في الدين ولا هم غلوا. قال: والغلو الرغبة، والفسق التقصير عنه.
وأخرج أبو الشيخ عن السدي {أمة مقتصدة} يقول: مؤمنة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن جبير بن نفير. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يوشك أن يرفع العلم. قلت: كيف وقد قرأنا القرآن وعلمناه أبناءنا؟ فقال: ثكلتك أمك يا ابن نفير إن كنت لأراك من أفقه أهل المدينة! أوليست التوراة والإنجيل بأيدي اليهود والنصارى؟ فما أغنى عنهم حين تركوا أمر الله، ثم قرأ {ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل} الآية».
وأخرج أحمد وابن ماجة من طريق ابن أبي الجعد عن زياد بن لبيد قال: «ذكر النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً فقال: وذلك عند ذهاب أبنائنا يا رسول الله، وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن، ونقرئه أبناءنا، ويقرئه أبناؤنا أبناءهم، إلى يوم القيامة؟ قال: ثكلتك أمك يا ابن أم لبيد. ! إن كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة، أوليس هذه اليهود والنصارى يقرؤون التوراة والإنجيل، ولا ينتفعون مما فيهما بشيء».
وأخرج ابن مردويه من طريق يعقوب بن زيد بن طلحة عن زيد بن أسلم عن أنس بن مالك قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر حديثاً قال: ثم حدثهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «تفرَّقت أمة موسى على إحدى وسبعين ملة، سبعون منها في النار وواحدة منها في الجنة. وتفرقت أمة عيسى على اثنين وسبعين ملة، واحدة منها في الجنة وإحدى وسبعون في النار. وتعلوا أنتم على الفريقين جميعاً بملة واحدة في الجنة واثنتان وسبعون في النار، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: الجماعات الجماعات»قال يعقوب بن زيد: كان علي بن أبي طالب إذا حدث بهذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا فيه قرآناً {ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا} إلى قوله: {ساء ما يعملون} وتلا أيضاً {وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون} [ الأعراف: 181] يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم.