فصل: السلطان صلاح الدين خليل ابن الملك المنصور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك (نسخة منقحة)



.سنة ثمان ثمانين وستمائة:

في يوم الخميس عاشر المحرم: خيم السلطان بظاهر القاهرة، ورحل في خامس عشره. واستخلف ابنه الملك الأشرف خليلا بالقلعة، والأمير بيدرا نائباً عنه ووزيرا، وكتب عند الرحيل إلى سائر ممالك الشام بتجهيز العساكر لقتال طرابلس.
وسار إلى دمش فدخلها في ثالث عشر صفر، وخرج منها في العشرين منه إلى طرابلس فنانزلها، وقد قدم لنجدة أهلها أربعة شوان من جهة متملك قبرص.
فوالى السلطان الرمي بالمجانيق عليها والزحف والنقوب في الأسوار، حتى افتتحها عنوة في السلعة السابعة من يوم الثلاثاء رابع ربيع الآخر، بعدما أقام عليها أربعة وثلاثين يوما، ونصب عليها تسعة عشر منجنيقاً، وعمل فيها ألف خمسمائة نفس من الحجارين والزرافين. وفر أهلها إلى جزيرة تجاه طرابلس فخاض الناس فرساناً ورجالاً وأسروهما وقتلوهم وغنموا ما معهم، وظفر الغلمان والأوشاقية بكثير منهم كانوا قد ركبوا البحر فألقاهم الريح بالساحل، وكثرت الأسري حتى صار إلى زردخاناه السلطان ألف ومائتا أسير.
واستشهد من المسلمين الأمير عز الدين معن، والأمير ركن الدين منكورس الفارقاني، وخمسة وخمسون من رجال الحلقة.
وأمر السلطان بمدينة طرابلس فهدمت، وكان عرض سورها يمر عليه ثلاثة فرسان بالخيل، ولأهلها سعادات جليلة منها أربعة آلاف نول قزازاة.
وأقر السلطان بلدة حبيل مع صاحبها على مال أخذه منه، وأخذ بيروت، وجبلة وما حولها من الحصون.
وعاد السلطان إلى دمشق في نصف جمادى الأولى، واستقر العسكر على عادته بحصن الأكراد مع نائبه الأمير سيف الدين بلبان الطباخي.
ونزل البزك إلى طرابلس من حصن الأكراد وأضيف إلى الطباخي، واستقر معه خمسمائة جندي وعشرة أمراء طبلخاناه، وخمسة عشر أمراء عشرات، وأقطعوا إقطاعات. ثم عمر المسلمون مدينة بجوار النهر فصارت مدينة جليلة، وهي التي تعرف اليوم بطرابلس.
وقدم على السلطان وهو بطرابلس رسل سيس يسألون مزاحمة، فطلب منهم مرعش وبهنا والقيام بالقطيعة على العادة، وأعادهم وقد خلع عليهم.
وخرج الأمير طرنطاي نائب السلطنة إلى حلب. وأقام الأمير سنجر الشجاعي متحدثا في الأموال بدمشق، فأوقع الحوطة على تقي الدين توبة، وأخذ حواصله وباعها على الناس بأغلى الأثمان حتى جمع من ذلك خمسمائة ألف درهم، فخاف منه الناس وفر كثير. منهم وعاد طرنطاي في سابع رحب.
وورد على السلطان كتاب ولده الأشرف بأن سلامش وخضرا ابني السلطان الظاهر بيبرس قد راسلا الظاهرية، وأنه يخشى عاقبة ذلك. فكتب السلطان بأن يخرجا وأمهما إلى ثغر الإسكندرية، ويحملوا في البحر إلى بلاد الأشكري، فأخرجوا ليلا.
وكان في ذلك أعظم عبرة: فإن الظاهر بيبرس أخرج قاقان وعليا ابني المعز أيبك إلى بلاد الأشكري ومعهما أمهما، فعوقب. بمثل ذلك وأخرج ولداه وأمهما ليجزي الله كل نفس بما كسبت.
وخرج السلطان من دمشق في ثاني شعبان، ومعه تقي الدين توبة مقيدا، وقد نال أهل دمشق ضرر كبير.
فدخل السلطان قلعة الجبل في آخر شعبان، وجرد الأمير عز الدين أيبك الأفرم أمير جاندرا إلى بلاد النوبة، ومعه من الأمراء قبجاق المنصوري وبكتمر الجوكندار وأيدمر وإلى قوص، وأطلاب كثير من الأمراء، وسائر أجناد المراكز بالوجه القبلي ونواب الولاة، ومن عربان الوجهين القبلي والبحري عدة أربعين ألف راجل، ومعهم متملك النوبة وجريس فساروا في ثامن شوال، وصحبتهم خمسمائة مركب ما بين حراريق ومراكب كبار وصغار تحمل الزاد والسلاح والأثقال. فلما وصلوا ثغر أسوان مات متملك النوبة، فدفن باسوان. فطالع الأمير عز الدين الأفرم السلطان بموته، فجهز إليه من أولاد أخت الملك داود رجلا كان بالقاهرة ليملكه، فأدرك العسكر على خيل البريد بأسوان وسار معه. وقد انقسموا نصفين: أحدهما الأمير عز الدين الأفرم وقبجاق في نصف العسكر من الترك والعرب في البر الغربي، وسار الأمير أيدمر وإلى قوص والأمير بكتمر بالبقية على البر الشرقي، وتقدمهم جريش نائب ملك النوبة ومعه أولاد الكنز ليؤمن أهل البلاد ويجهز الإقامات. فكان العسكر إذا قدم إلى بلد خرج إليه المشايخ والأعيان، وقبلوا الأرض وأخذوا الأمان وعادوا، وذلك من بلد الدو إلى جزائر ميكائيل، وهي ولاية جريس وأما ما عدا ذلك من البلاد التي لم يكن لجريس عليها ولاية، من جزائر ميكائيل إلى دمقلة، فإن أهلها جلوا عنها طاعة لمتملك النوبة. فنهبها العسكر وقتلوا من وجدوه بها، ورعوا الزروع وخربوا السواقي إلى أن وصلوا مدينة دمقلة، فوجدوا الملك قد أخلاها حتى لم يسبق بها سوي شيخ واحد عجوز، فأخبرا أن الملك نزل بجزيرة في بحر النيل بعدها عن دمقلة خمسة عشر يوماً. فتتبعه وإلى قوص، ولم يقدر مركب على سلوك النيل هناك لتوعر النيل بالأحجار. وقال في ذلك الأديب ناصر الدين بن النقيب، وكان ممن جرد إليها:
يا يوم دمقلة ويوم عبيدها ** من كل ناحية وكل مكان

من كل نوبي يقول لأخته ** نوحي قد سكوا قفا السودان

.ومات في هذه السنة من الأعيان:

كاتب الإنشاء بحماة نجم الدين أبو محمد عبد الغفار بن محمد بن محمد بن نصر الله ابن المغيزل العبدي الحموي بها، عن أربع وستين سنة.
وتوفي العلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمود بن عباد الأصبهاني، عن اثنين وسبعين سنة بالقاهرة.
وتوفي الأديب شمس الدين محمد بن العفيف أبي الربيع سليمان بن على بن عبد الله ابن على بن ياسين العابدي التلمساني.
وتوفي علم الدين أبو العباس أحمد بن يوسف عبد الله بن على الشهير بابن الصاحب صفي الدين بن شكر، بعدما تغير عقله، وقد أناف على الستين.

.سنة تسع وثمانين وستمائة:

في المحرم: سار الأمير طرنطاي النائب إلى بلاد الصعيد ومعه عسكر كبير، فوصل إلى طوخ تجاه قوص، وقتل جماعة من العربان، وحرق كثيرا منهم بالنار، وأخذ خيولاً كثيرة وسلاحا ورهائن من أكابرهم. وعاد بمائة ألف رأس من الغنم وألف ومائتي فرس وألف جمل، وسلاح لا يقع عليه حصر.
وفيه توجه الأمير سيف الدين التقوي ومعه ستمائة فارس لينزل بطرابلس وهو أول جيش استخدم بطرابلس بعد فتحها، وكان العسكر قبل ذلك بالحصون.
وفي ربيع الأول استدعى الأمير سنقر الأعسر شاد الدواوين بدمشق إلى القاهرة على البريد، فلما حضر أكرمه السلطان وأكد عليه في تحصيل الأموال، وأضاف إليه الحصون بسائر الممالك الشامية والساحل وديوان الجيش، وخلع عليه. فعاد إلى دمشق في العشرين من ربيع الآخر، وقد زاد تجبره وكثر تعاظمه.
وفي جمادى الأولى: قبض على الأمير سيف الدين حرمك الناصري لمطاوصة جرت بينه وبين الأمير طرنطاي النائب، أغلظ عليه فيها بحضرة الأمراء.
وفي أول جمادى الآخرة: استقر شرف الدين حسن بن أحمد بن أبي عمر بن قدامه المقدسي في قضاة الحنابلة بدمشق، بعد وفاة قاضي القضاة نجم الدين أحمد بن عبد الرحمن القدسي الحنبلي، بأمر السلطان. وكتب توقيعه عن الأمير حسام الدين نائب الشام، في تاسع الشهر.
وفيه وصل وإلى قوص. ممن معه إلى تجاه الجزيرة التي بها عامون ملك النوبة، فرأوا بها عدة من مراكب النوبة، فبعثوا إليه في الدخول في الطاعة وأمنوه فلم يقبل. فأقام العسكر تجاهه ثلاثة أيام، فخاف من مجيء الحراريق والمراكب إليه، فانهزم إلى جهة الأبواب، وهي خارجة عن مملكته وبينها وبين الجزيرة التي كان فيها ثلاثة أيام. ففارقة السواكرة وهم الأمراء وفارقه الأسقف والقسوس، ومعهم الصليب الفضة الذي كان يحمل على رأس الملك وتاج الملك، وسألوا الأمان فأمنهم وإلى قوص وخلع على أكابرهم، وعادوا إلى مدينة دمقلة وهم جمع كبير.
فعند وصولهم عدي الأمير عز الدين الأقرم وقبجاق إلى البر الشرقي، وأقام العسكر مكانه. واجتمع الأمراء بدمقلة، ولبس العسكر آلة الحرب وطلبوا من الجانبين، وزينت الحراريق في البحر ولعب الزراقون بالنفلط. ومد الأمراء السماط في كنيسة أسوس أكبر كنائس دمقلة وأكلوا، ثم ملكوا الرجل الذي بعثه السلطان قلاوون وألبسوه التاج، وحلفوا وسائر الأكابر، وقرروا البقط المستقر أولا، وعينوا طائفة من العسكر تقيم عندهم وعليها بيبرس العزي مملوك الأمير عز الدين وإلى قوص. وعاد العسكر إلى أسوان بعدما غاب عنها ستة أشهر، وساروا إلى القاهرة في آخر جمادى الأولى بغنائم كثيرة. وأما سمامون فإنه عاد بعد رجوع العسكر إلى دمقلة مختفياً، وصار بطريق باب كل واحد من السواكرة ويستدعيه، فإذا خرج ورآه قبل له الأرض وحلف له، فما طلع الفجر حتى ركب معه سائر عسكره. وزحف عامون بعسكره على دار الملك، وأخرج بيبرس العزي ومن معه إلى قوص، وقبض على الذي تملك موضعه وعراه من ثيابه، وألبسه جلد ثور كما ذبح بعدما قده سيوراً ولفها عليه، ثم أقامه مع خشبة وتركه حتى مات، وقتل جريس أيضاً. وكتب عامون إلى السلطان يسأله العفو، وأنه يقوم بالبقط المقرر وزيادة، وبعث رقيقا وغيره تقدمة فقبل منه، وأقره السلطان بعد ذلك بالنوبة.
وفي ثاني عشري جمادى الآخرة: كتب بالكشف على ناصر الدين بن المقدسي وكيل السلطان بالشام، فظهرت له أفعال منكرة، وقبض عليه في تاسع رجب وضرب بالقارع وألزم بمال. ثم رسم بحمله إلى القاهرة، فوجد في يوم الجمعة ثالث شعبان وقد شنق نفسه فحضر أولياء والقضاء والشهود وشاهدوه على تلك الصورة، وكتبوا محضرا بذلك، ودفن واستراح الناس من شره.
وفي رابع رجب: استقر الأمير عز الدين أيبك الموصلي في تقدمة العسكر بغزة والساحل، عوضاً عن الأمير آقسنقر كرتيه.
وفي شعبان: خرج مرسوم السلطان ألا يستخدم أحد من أهل الذمة اليهود والنصارى في شيء من المباشرات الديوانية، فصرفوا عنها.
وفيه ثار أهل عكا بتجار المسلمين وقتلوهم، فغضب السلطان وكتب إلى البلاد الشامية بعمل مجانيق وتجهيز زردخاناة لحصار عكا. وذلك أن الظاهر بيبرس هادنهم، فحملوا إليه وإلى الملك المنصور هديتهم في كل سنة، ثم كثر طمعهم وفسادهم وقطعهم الطريق على التجار، فأخرج لهم السلطان الأمير شمس الدين سنقر المساح على عسكر، ونزلوا اللجون على العادة في كل سنة، فإذا بفرسان من الفرنج بعكا قد خرجت فحاربوهم، واستمرت الحرب بينهم وبين أهل عكا مدة أيام. وكتب إلى السلطان بذلك، فأخذ في الاستعداد لحربهم. فضرع الأمير شمس الدين سنقر الأعسر في عمل ذلك، وقرر على ضياع المرج وغوطة. دمشق مالاً على كل رجل ما بين ألفي درهم إلى خمسمائة درهم، وجبي أيضاً من ضياع بعلبك والبقاع. وسار إلى واد بين جبال عكا وبعلبك لقطع أخشاب المجانيق، فسقط عليه ثلج عظيم كاد أن يهلكه، فركب وساق وترك أثقاله وخيامه لينجو بنفسه، فطمها الثلج تحته إلى زمن الصيف، فتلف أكثرها. وفي سادس شوال: أفرج عن الأمير الكبير علم الدين سنجر الحلبي، فكانت مدة اعتقاله خمس سنين وتسعة أشهر وأياما.
وفي آخر شوال: برز السلطان بظاهر القاهرة، ونزل. بمخيمه بمسجد تبر، يريد فتح عكا. فأصابه وعك في أول ليلة وأقام يومين بغير ركوب، ثم اشتد مرضه وصار الأشرف ينزل إليه كل يوم من القلعة ويقيم عنده إلى بعد العصر ويعود. فكثرت القالة وانتشرت حتى ورد الخبر بحركة العرب ببلاد الصعيد، فأخرج النائب طرنطاي قراقوش الظاهري والأمير أبا شامة لتدارك ذلك. واشتد مرض السلطان إلى أن مات بمخيمه تجاه مسجد تبر خارج القاهرة في ليلة السبت سادس ذي القعدة، فحمل إلى القلعة ليلا، وعادت الأمراء إلى بيوتها. وكانت مدة سلطنته إحدى عشرة سنة وشهرين وأربعة وعشرين يوما، وعمره نحو سبعين سنة. وترك ثلاثة أولاد ذكورا أشهر وأياماً: وهم الملك الأشرف خليل الذي ملك بعده، والملك الناصر محمد وملك أيضاً، والأمير أحمد وقد مات في سلطة أخيه الأشرف. وترك من البنات ابنتين: وهما ألتطمش وتعرف بدار مختار وأختها دار عنبر، وزوجة واحدة وهي أم الناصر محمد. وناب عنه بمصر الأمير عز الدين أيبك الأفرم ثم استعفي، فاستقر بعده حسام الدين طرنطاي حتى مات السلطان. وكان نائبة بدمشق بعد سنقر الأشقر الأمير حسام الدين لاجين السلاح دار المعروف بالصغير، ونوابه بحلب الأمير جمال الدين أقش الشمسي، فلما مات جمال الدين استقر الأمير علم الدين سنجر الباشقردي، وصرف بالأمير قراسنقر الجوكندار. وناب عنه بحصن الأكراد بلبان الطباخي، وبصفد علاء الدين الكبكي، وبالكرك أيبك الموصلي ثم بيبرس الدودار. ووزر له الصاحب برهان الدين خضر السنجاري مرتين، وفخر الدين إبراهيم بن لقمان، ونجم الدين حمزة الأصفوني، وقاضي القضاة تقي الدين عبد الرحمن ابن بنت الأعز، ثم الأمير علم الدين سنجر الشجاعي وكان يلي شد الدواوين. فإذا لم يكن في الدولة وزير تحدث في الوزارة، ثم استقل بالوزارة بعد الأصفواني، وكان جباراً عسوفاً مهيباً يجمع المال من غير وجهه، فكرهه كل أحد وتمنوا زوال دولة المنصور من أجله ثم الأمير بدر الدين بيدرا، ومات المنصور وبيدرا وزير. وبلغت عدة ممالكيه اثنا عشر ألف مملوك، وقيل سبعة آلاف وهو الصحيح. تأمر منهم كثير، وتسلطنت جماعة. وكان قد أفرد من مماليكه ثلاثة آلاف وسبعمائة من الآص والجركس، وجعلهم في أبراج القلعة وسماهم البرجية. وكان جميل الصورة مهيباً، عريض المنكبين قصير العنق، فصيحاً بلغة الترك والقبجاق، قليل المعرفة بالعربية.

.السلطان صلاح الدين خليل ابن الملك المنصور:

السلطان الملك الأشرف صلاح الدين خليل ابن الملك المنصور سيف الدين قلاوون الألفي الصالحي النجمي جلس على تخت الملك بقلعة الجبل يوم الأحد سابع ذي القعدة سنة تسع وثمانين وستمائة، وجدد العسكر له الحلف في يوم الاثنين ثامنه.
وطلب السلطان الملك الأشرف من القاضي فتح الدين بن عبد الظاهر تقليده بولاية العهد، فأخرجه إليه مكتوبا بغير علامة الملك المنصور. وكان ابن عبد الظاهر قد قدمه إليه ليعلم عليه فلم يرض، وتكرر طلب الأشرف له، وابن عبد الظاهر يقدمه والمنصور يمتنع إلى أن قال له: يا فتح الدين أنا ما أولي خليلا على المسلمين فلما رأي الأشرف التقليد بغير علامة قال: يا فتح الدين إن السلطان امتنع أن يعطيني، وقد أعطاني الله، ورمي إليه التقليد، فما زال عند ابن عبد الظاهر.
ثم إن الأشرف خلع على سائر أرباب الدولة، وركب بشعار السلطنة في يوم الجمعة ثاني عشره بعد الصلاة، وسير إلى الميدان الأسود تحت القلعة بالقرب من سوق الخيل والأمراء والعساكر في خدمته. وعاد إلى القلعة قبل العصر مسرعا، فإنه بلغه أن الأمير حسام الدين طرنطاي يريد الفتك به إذا قرب من باب الإصطبل. فلما سير أربعة ميادين، وقد وقف طرنطاي ومن وافقه عند باب سارية، وحاذي السلطان باب الإسطبل، وفي الظن إنه يعطف إلى نحو باب سارية ليكمل التيسير على العادة، حرك فرسه يريد القلعة وعبر من باب الإسطبل، فساق طرنطاي بمن معه سوقا حثيثا ليدركه ففاته. وبادر الأشرف بطلب طرناي، فمنعه الأمير زين الدين كتبغا أن يدخل إليه وحذره منه، فقال: والله لو كنت نائما ما جسر خليل ينبهني، وغره إعجابه بنفسه وكثرة أيام سلامته، ودخل ومعه الأمير زين الدين كتبغا. فعندما وصل إلى حضرة الأشرف قبض عليه وعلى كتبغا وسجنا، وقتل طرنطاي في يوم الإثنين خامس عشره وقيل يوم الخميس ثامن عشره بعد عقوبة شديدة، وترك بعد قتله في مجلسه ثمانية أيام، ثم أخرج ليلة الجمعة سادس عشريه في حصير على جنوية إلى القرافة، فغسل بزاوية أبي السعود وكفنه شيخنا صدقة عنه، ودفنه بظاهر الزاوية ليلا. فلما تسلطن كتبغا نقله إلى مدرسته بالقاهرة ودفنه بها، وهو إلى اليوم هناك.
وكان سبب قتله كراهة الأشرف له من أيام أبيه، فإن طرنطاي كان يطرح جانب الشرف، ويهين نوابه ومن ينسب إليه، ويرجح أخاه الملك الصالح عليه. ولم يتلاف ذلك بعد موت الصالح، بل جري على عادته في إهانة من ينسب إليه، وأغري الملك المنصور بشمس الدين السلعوس ناظر ديوان الملك الأشرف حتى ضربه وصرفه. ثم وشي به إلى الأشرف أنه يريد القبض عليه عند ركوبه إلى الميدان، ويقال إنه لما دخل عليه وجد لابساً عدة الحرب، وعندما قبض على طرنطاي نزل الشجاعي- وكان عدوه- إلى داره، وأوقع الحوطة على موجوده، فوجد له من الذهب العين ألف ألف وستمائة ألف دينار مصرية، ومن الفضة سبعة عشر ألف رطل ومائة رطل بالمصري، ومن العدد والقماش والخيول والمماليك والبغال والجمال والغلال، والآلات والأملاك والنحاس المكفت والمطعم والزردخاناه والسروج واللجم، وقماش الطشتخاناه والركاب خاناه والفراش خاناه، والحوائص والبضائع والمقارضات والودائع، والقنود والأعسال ما لا يحصر.
ولما حملت أموال طرنطاي إلى الأشرف قال: من عاش بعد عدوه يوما فقد بلغ المني، وبعد أيام من مقتل طرنطاي سئل ولده الحضور، فلما وقف بين يدي الأشرف إذا هو أعمي، فبكي ومد يده كهيئة السؤال وقال: شيء وذكر أن لأهله أياما ما عندهم ما يأكلون، فرق له السلطان، وأفرج عن أملاك طرنطاي، وقال: تبلغوا بريعها.
وفيه ولي شرف الدين الحسين بن قدامة في قضاء الحنابلة بدمشق، بعد موت نجم الدين أحمد بن قدامة، وتحدث الأمير علم الدين سنجر الشجاعي في النيابة بعد طرنطاي، من غير أن يخلع عليه، ولا كتب له تقليد النيابة، ثم استقر في نيابة السلطنة الأمير بدر الدين بيدرا، وخلع عليه.
وفي تاسع عشر ذي القعدة: طلب الأمير سنقر الأعسر شاد الدواوين بالشام، فحضر في ذي الحجة، فأمر الأشرف بضربه فعوقب مراراً. واستقر عوضه سيف الدين طوغان المنصوري، وأعيد تقي الدين توبة إلى وزارة الشام، فأوقع الحوطة على موجود سنقر الأعسر.
وفيه أحضر الأمير بدر الدين بكتوت العلائي من حمص إلى القاهرة، وتوجه الأمير حسام الدين سنقر الحسامي بتقليد الأمير حسام الدين لاجين نائب الشام واستمراره على عادته، فوصل في ثامن عشره.
وفي هذه السنة: أكثر السلطان من تفرقة الأموال، وأبطل عدة حوادث، ومنها ما كان قد تجدد على الغلة ببلاد الشام، وسامح ما تأخر من البراقي بأرض مصر والشام.

.ومات فيها من الأعيان:

قاضي الحنابلة بدمشق نجم الدين أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن الشيخ أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، عن نحو أربعين سنة بدمشق.
وتوفي قاضي الشافعية بحلب مجد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عبد الرحمن بن مكي عن أربع وستين سنة بدمشق.
وتوفي رشيد الدين أبو حفص عمر بن إسماعيل ابن مسعود الفارقاني الشافعي، عن تسعين سنة، خارج دمشق مخنوقا.
وتوفي عز الدين أبو محمد عبد العزيز بن أحمد بن سعيد الدميري الديريني الشافعي.
وتوفي فخر الدين أبو الطاهر إسماعيل بن على بن محمد بن عبد الواحد بن القضاة، بدمشق عن ستين سنة.
وتوفي المحدث شمس الدين محمد بن عبد الرزاق بن أبي بكر بن المحدث الرسعني الحنبلي، غريقاً بنهر الأردن، وهو عائد من مصر لدمشق، عن ثمان وستين سنة.
وفيها كانت حرب بين أمير الركب الفارقاني وبين أهل مكة عند ورود الثنية، قتل فيه رجل من بني حسن، ثم قدم أبو خرص يبشر بسلطة الأشرف خليل، فكانت وقعة أخرى بعد الحج، فبادر الحجاج إلى الرحيل وخرجوا سالمين.

.سنة تسعين وستمائة:

في سادس المحرم: أفرج عن الملك العزيز فخر الدين عثمان بن المغيث فتح الدين عمر بن العادل أبي بكر بن الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب، وكان قد اعتقله الملك الظاهر بيبرس في رابع عشر ربيع الأول سنة تسع وستين، فأقام في الاعتقال عشرين سنة وتسعة أشهر واثنين وعشرين يوما، ورتب الأشرف له ما يقوم بحاله، ولزم داره واشتغل بالمطالعة والنسخ، وانقطع عن السعي إلا للجمعة أو الحمام أو ضرورة لا بد منها.
وفيه كتب الأشرف إلى شمس الدين محمد بن السلعوس وهو بالحجاز كتابا، وكتب بخطه بين الأسطر: يا شقير يا وجه الخير عجل السير فقد ملكنا، فلما أتاه الكتاب وهو عائد من الحج انضم الناس إليه، وتوددوا له وبالغوا في إكرامه، حتى وصل قلعة الجبل يوم عاشوراء.
وكان الأمير سنجر الشجاعي قد تحدث في الوزارة منذ تسلطن الأشرف، من غير أن يخلع عليه ولا كتب له تقليداً، فلما كان يوم الخميس ثاني عاشره استقر ابن السلعوس في الوزارة، وخلع عليه وفوض إليه سائر أمور الدولة، وجرد معه عدة من المماليك السلطانية يركبون في خدمته ويترجلون في ركابه، ويقفون بين يديه ويمتثلون أمره فتمكن تمكنا لم يتمكنه وزير قبله في الدولة التركية، وصار إذا أراد الركوب إلى القلعة اجتمع ببابه نظار الدولة ومشد الدواوين ووالي القاهرة ومصر، ومستوفو الدولة ونظار الجهات ومشدو المعاملات، ونحوهم من الأعيان، ثم يحضر قضاة القضاة الأربعة وأتباعهم فإذا تكامل الجميع ببابه دخل إليه حاجبه وقال: أعز الله مولانا الصاحب، قد تكمل الموكب، كان علامة تكملة الموكب ببابه حضور القضاة الأربعة، فيخرج حينئذ ويركب والناس سائرون بين يديه على طبقاتهم ومقربهم إليه قاضي القضاة الشافعي وقاضي القضاة المالكي، ومسيرهما معا بين يديه أمام فرسه، وقدام المذكورين قاضي القضاة الحنفي وقاضي القضاة الحنبلي، ثم نظار الدولة ثم المستوفون بالدولة ثم نظار الجهات على قدر مراتبهم، فلا يزالون حتى يستقر بمجلسه من قلعة الجبل فينصرف القضاة، ثم يعودون عشية النهار إلى القلعة، ويركبون معه إلى أن يصل داره.
واتفق ليلة إنه تأخر في القلعة إلى عشاء الآخرة وأغلق باب القلعة، فانقلب الموكب إلى جهة باب الإسطبل، ووقف القضاة على بغلاتهم بظاهر باب الإسطبل حتى خرج وساروا في خدمته إلى داره ولم يجسر أحد أن يتأخر قط عن الركوب في موكبه، وكان مع ذلك لا ينتصب قائماً لأحد، ولما عظم موكبه وصار الأكابر يزدحمون في طول الشارع بالقاهرة، ويضيق بهم لكثرة من معه، وتزدحم الغلمان أيضاً، تحول من القاهرة وسكن بالقرافة، وتعاظم في نفسه واستخف بالناس، وتعدي طور الوزراء، فكان أكابر الأمراء يدخلون إلى مجلسه فلا يستكمل قائماً لأحد منهم، ومنهم من لا يلتفت إليه، وإذا استدعى أميراً قال: فلان أمير جاندار، أو فلان الأستادار باسمه من غير نعته، ثم ترقي حتى استخف بنائب السلطنة الأمير بيدرا، وعارضه وتحدث فيما يتحدث فيه، فلم يقدر على إظهار الغضب لما يعلم من ميل السلطان إليه.
واتفق أنه قام يوما من مجلس الوزارة بالقلعة يريد الدخول إلى الخزانة، فصادف خروج الأمراء من الخدمة مع النائب بيدرا، فبادر الأمراء الأكابر إليه وخدموه وقبل بعضهم يده، وفسحوا بأجمعهم له وهموا بالمشي قدامه، فأشار إليهم أن ينصرفوا، فلما وطئ عتبة باب القلعة برجله وافي هناك الأمير بيدرا، وسلم كل منهما على الآخر وأومأ بالخدمة، إلا أن النائب بيدرا خدم الوزير أكثر مما خدمه الوزير، فرجع بيدرا معه ولم يكن يسامته في المشي، بل كان النائب يتقدم قليلا ويميل بوجهه إليه إذا حدثه الوزير، حتى انتهيا إلى باب الخزانة، فأمسك ابن السلعوس بيد بيدرا النائب، وأشار إليه بالرجوع، وقال: بسم الله يا أمير بدر الدين ولم يزده على ذلك.
وفي هذا الشهر: قدمت رسل عكا يسألون العفو، فلم يقبل منهم ما اعتذروا به، وقدم أمراء العربان من كل جهة: فقدم الأمير مهنا بن عيسي أمير آل فضل وسابق الدين عبية أمير بني عقبة، وقدما التقادم، فأنعم عليهم جميعاً: وأعيدوا، وقدم الملك المظفر صاحب حماة، فحمل إليه ما جرت به العادة، وكتب تقليده.
وفي يوم الجمعة سابع صفر: قبض على الأمير شمس الدين سنقر الأشقر، والأمير جرمك الناصري، وعد على سنقر الأشقر إنه أفشي سر طرنطاي حتى قبض عليه، بعدما أحسن إليه طرنطاي غاية الإحسان، ومنع الملك المنصور من القبض عليه مرارا، فلم يرع له ذلك.
وفيه أفرج عن الأمير كتبغا وأعيد إلى إمرته، وأنعم عليه إنعاما زائداً.
وفي هذا الشهر: شرع السلطان في الاهتمام بفتح عكا، وبعث الأمير عز الدين أيبك الأفرم أمير جاندار إلى الشام لتجهيز أعواد المجانيق، فقدم دمشق في سلخه وجهزت أعواد المجانيق من دمشق، وبرزت في أول ربيع الأول وتكاملت في ثاني عشره، وسار بها الأمير علم الدين سنجر الدواداري أحد أمراء الشام، ثم فرقت على الأمراء مقدمي الألوف، فتوجه كل أمير ومضافيه بما أمر بنقله منها، وتوجه الأمير حسام الدين لاجين نائب الشام بالجيش من دمشق في العشرين منه، وخرج من القاهرة الأمير سيف الدين طغريل الأيغاني إلى استنفار الناس من الحصون بممالك الشام: فوصل المظفر صاحب حماة إلى دمشق في ثالث عشريه، بعسكره وبمجانيق وزردخاناه، ووصل الأمير سيف الدين بلبان الطباخي نائب الفتوحات بعساكر الحصون وطرابلس، وبالمجانيق والزردخاناه في رابع عشريه، وسار جميع النواب بالعساكر إلى عكا.
وأما السلطان الملك الأشرف، فإنه لما عزم على التوجه إلى عكا، أمر فجمع العلماء والقضاة والأعيان والقراء بالقبة المنصورية، بين القصرين من القاهرة عند قبر أبيه، في ليلة الجمعة ثامن عشري صفر، فباتوا هناك وعمل مهم عظيم، وحضر الأشرف بكرة يوم الجمعة إلى القبة المنصورية، وتصدق بجملة كبيرة من المال والكساوي، وفرق على القراء والفقراء مالاً كثيراً، وفرق في أهل المدارس والزوايا والخوانك والربط مالاً وثيابا، وعاد إلى القلعة.
وفي يوم الثلاثاء ثالث ربيع الأول: توجه السلطان بالعساكر يريد أخذ عكا، وسير حريمه إلى دمشق فوصلوا إليها في سابع ربيع الآخر، وسار السلطان فنزل عكا في يوم الخميس ثالث ربيع الآخر، ووصلت المجانيق يوم ثاني وصوله وعدتها اثنان وتسعون منجنيقاً، فتكامل نصبها في أربعة أيام، وأقيمت الستائر ووقع الحصار، وقد أتت جمائع الفرنج إلى عكا أرسالاً من البحر، صار بها عالم كبير، فاستمر الحصار إلى سادس عشر جمادى الأولى، وكثرت النقوب بأسوار عكا، فلما كان يوم الجمعة سابع عشره عزم السلطان على الزحف، فرتب كوساته على ثلاثمائة جمل، وأمر أن تضرب كلها دفعة واحدة، وركب السلطان وضربت فهال ذلك أهل عكا، وزحف بعساكره ومن اجتمع معه قبل شروق الشمس، فلم ترتفع الشمس حتى علت الصناجق الإسلامية على أسوار عكا، وهرب الفرنج في البحر وهلك منهم خلق كثير في الازدحام، والمسلمون يقتلون ويأسرون وينهبون فقتلوا ما لا يحصي عده كثرة، وأخذوا من النساء والصبيان ما يتجاوز الوصف، وكان عند فتحها أن أقبل من الفرنج نحو عشرة آلاف في هيئة مستأمنين، ففرقهم السلطان على الأمراء فقتلوهم عن آخرهم.
وكانت مدة حصار عكا أربعة وأربعين يوما، واستشهد من المسلمين الأمير علاء الدين كشتغدي الشمسي ودفن بجلجولية، وعز الدين أيبك العزي نقيب العساكر، وسيف الدين أقمش الغتمي، وبدر الدين بيليك المسعودي، وشرف الدين قيران السكزي، وأربعة من مقدمي الحلقة وجماعة من العسكر.
وفي يوم السبت ثامن عشره: وقع الهدم في مدينة عكا، فهدمت الأسوار والكنائس وغيرها وحرقت، وحمل كثير من الأسري بها إلى الحصون الإسلامية.
وفتحت صور وحيفا وعثليث وبعض صيدا بغير قتال، وفر أهلها خوفا على أنفسهم، فتسلمها الأمير علم الدين سنجر الشجاعي في بقيه جمادى الأولى، فقدمت البشائر بتسليم مدينة صور في تاسع عشره، وبتسليم صيدا في العشرين منه، وأن طائفة من الفرنج عصوا في برج منها، فأمر السلطان بهدم صور وصيدا وعثليث وحيفا، فتوجه الأمير شمس الدين نبا الجمقدار ابن الجمقدار في حادي عشريه لهدم صور، واتفق أمر عجيب. وهو أن الفرنج لما قدموا إلى صور كان بها عز الدين نبا واليا عليها من قبل المصريين، فباع صور للفرنج بمال، وصار إلى دمشق، فقدر الله خرابها على يد الأمير شمس الدين نبا بن الجمقدار واتفق أيضاً أن الشيخ شرف الدين، البوصيري رأي في منامه قبل أن يخرج الأشرف إلى عكا قائلا ينشده:
قد أخذ المسلمون عكا ** وأشبعوا الكافرين صكا

وساق سلطاننا إليهم ** خيلا تدك الجبال دكا

وأقسم الترك منذ سارت ** لا تركوا للفرنج ملكا

فأخبر بذلك جماعة، ثم سار الأشرف بعد ذلك وفتح عكا وخربها، لم يدع في بقية الساحل أحداً من الفرنج، وقال محيي الدين بن عبد الظاهر في ذلك:
يا بني الأصفر قد حل بكم ** نقمة الله التي لا تنفصل

قد نزل الأشرف في ساحلكم ** فأبشروا منه بصفع متصل

وقد أكثر الشعراء في ذكر هذا الفتح، وقال الشهاب محمود الحلبي كاتب الإنشاء لما عاين في جوانب عكا، وقد تساقطت أركانها:
مررت بعكا بعد تخريب سورها ** وزند أوار النار في وسطها واري

وعاينتها بعد التنصر قد غدت ** مجوسية الأبراج تسجد للنار

وقال ابن ضامن الضبع بعكا:
أدمي الكنائس إن تكن عبثت بكم ** شم الأنوف جحاجح أبطال

فلطالما سجدت لكن فوارض ** الليالي أو تغير حال

فعزاء عن هذا المصاب فإنه ** يوم بيوم والحروب سجال

هذا بذاك ولا نعير دهرنا ** ولكل دهر دولة ورجال

وفي هذه المدة وشي الأمير علم الدين سنجر الحموي المعروف بأبي خرص إلى السلطان بالأمير حسام الدين لاجين نائب الشام، ثم أوهم لاجين بأن السلطان يريد القبض عليه، فركب لاجين من الوطاق بعكا ليلا يريد الفرار، فساق خلفه الأمير علم الدين سنجر الدواداري وأدركه، وقال له: بالله لا تكن السبب في هلاك المسلمين، فإن الناس قد أشرفوا على أخذ عكا، وإن بلغ الفرنج فرارك، وأن العسكر قد ركب خلفك قويت نفوسهم وفتر الحصار فرجع معه وظن أن الأمر لا يبلغ السلطان، وكان ذلك في ثامن جمادى الأولى، فلما كان في صبيحة هذه الليلة خلع السلطان عليه وطيب خاطره، ثم قبض عليه في ثاني يوم الخلعة، وبعثه إلى قلعة صفد ثم حمل إلى قلعة الجبل بمصر.
ورحل السلطان إلى دمشق، فدخلها في ثاني عشر جمادى الآخرة، وقد زينت دمشق منذ فتحت عكا فكان يوما عظيما.
وفيه استقر الأمير علم الدين سنجر الشجاعي في نيابة دمشق، وزاد السلطان في إقطاعه وراتبه عما كان لنواب الشام، وأذن له أن يطلق من الخزائن ما أراد من غير مشاورة، وجعل له في كل يوم ثلاثمائة درهم على دار الطعم، واستقر أيضاً الأمير جمال الدين أقش الأشرفي في نيابة الكرك، عوضاً عن ركن الدين بيبرس، ونقل بيبرس إلى إمرة بمصر، وقبض أيضاً على الأمير علم الدين سنجر أرجواش نائب قلعة دمشق، وضرب بحضرة السلطان ضرباً كثيراً، وألبس عباءة واستعمل مع الأسري في العمل، وأخرق به وأهين إلى الغاية، ووقعت الحوطة على موجوده، ثم حبس بالقلعة، ثم حمل على البريد إلى مصر، ثم رد من أثناء الطريق بشفاعة بعض الأمراء وأفرج عنه، ثم أعيد لنيابة القلعة، وسبب هذا أن الأمير شرف الدين بن الخطير كان يمزح بحضرة السلطان مع الأمراء، ويومئ إليه السلطان بذلك فيحتمل منه ما يتكلم به، وكان أرجواش على النمط الأول من البعد عن المجون، فقال له ابن الخطير وهو واقف بين يدي الأشرف: يا مولانا السلطان كان عند والدك الملوك ببلاد الروم حمار أشهب أعور، أشبه شيء بهذا الأمير علم الدين أرجواش فضحك الأشرف، وغضب أرجواش وقال: هذه صبيانية فحنق منه الأشرف وعمل ما ذكر.
وفي ثامن عشره: عزل طوغان عن شد الدواوين بدمشق، وعيد إلى ولاية البر، واستقر سنقر الأعسر في شد الدواوين بدمشق.
وفي ثاني رجب: عزل تقي الدين توبة عن وزارة دمشق، واستقر فيها محيي الدين ابن النحاس، ومنع أن يقال له وزير ولكن ناظر الشام.
وفي ثامن عشره: استقر شرف الدين أحمد بن عيسي بن السيرجي في حسبة دمشق، وعزل تاج الدين بن الشيرازي.
وفي يوم الأربعاء تاسع عشره: سار السلطان من دمشق إلى مصر، فدخل إلى القاهرة من باب النصر في بكرة يوم الإثنين تاسع شعبان، وخرج من باب زويلة إلى القلعة وقد زينت قبل وصوله بأيام، فكانت زينة لم يسمع بمثلها، وكثر سرور الناس ولعبهم.
وكان الأمير سنجر الشجاعي نائب الشام قد سار في رابع رجب إلى صيدا، وحاصر البرج حتى فتحه في خامس عشره، وعاد إلى دمشق يوم رحيل السلطان منها، ثم توجه إلى بيروت، فتلقاه أهلها طائعين فنزل بقلعتها، وقبض على الرجال وقيدهم وألقاهم في الخندق، وافتتحها في ثالث عشري رجب، وعاد إلى دمشق في سابع عشري رمضان، ولم يبق في جميع الساحل من الفرنج أحد.
وفي شعبان: أوقف الملك الأشرف على القبة المنصورية بين القصرين من قري عكا الكابرة وتل الميشوح وكردانة، ومن ساحل صور معركة وصريفين، وأوقف أيضاً على المدرسة الأشرفية بجوار السيدة نفيسة قرية الفرح من عكا، وقرية شعر عمر وقرية الحمراء منها، ومن ساحل صور قرية طبرية.
وفي ثامن عشره: أفرج السلطان عن الأمير بدر الدين بيسري الشمسي الصالحي، وكان السلطان الملك المنصور قلاوون قد اعتقله في أوائل دولته كما تقدم ذكره، فأفرج الأشرف عنه، وكتب إفراجه وجعل في كيس حرير أصفر، وختم عليه بخاتم السلطان، وتوجه به إلى الجب الأمير بدر الدين بيدرا النائب والأمير زين الدين كتبغا وعدة من الأمراء، وأخرجوه وقرءوا عليه الإفراج، وأحضروا تشريفة وهموا بكسر قيده، فقال: لا يفك القيد من رجلي، ولا ألبس التشريف، إلا بعد أن أتمثل بين يدي السلطان وصمم على ذلك فأعلم السلطان به، فأمر بإحضاره بعد فك قيده وهو بملبوسه الذي عليه في الجب، فكسر حينئذ قيده ومشي إلى السلطان، فلما عاينه قام إليه وأكرمه وألبسه التشريف وأجلسه بجانبه، وأنعم عليه بالأموال وأنواع الثياب، وأعطاه في مجلسه إمرة مائة فارس، وعين له إقطاعا وافرا: منه منية بني خصيب دربستا بجواليها ومواريثها الحشرية ونزل إلى داره، فصار ينتسب إلى الملك الأشرف ويكتب بيسري الأشرفي، بعدما كان يكتب الشمسي.
وفي رابع رمضان: أفرج عن الأمير الدين شمس سنقر الأشقر، والأمير حسام الدين لاجين الصغير نائب الشام، والأمير ركن الدين بيبرس طقصوا، والأمير شمس الدين سنقر الطويل، وأمروا على عادتهم، وقبض على الأمير علم الدين سنجر الدواداري بدمشق، وحمل إلى قلعة الجبل مقيدا، فوصل في سابع عشره.
وفي هذا الشهر: عزم السلطان على صرف قاضي القضاة تقي الدين عبد الرحمن ابن بنت الأعز عن وظيفة القضاء وسائر ما بيده من المناصب، بكثرة حط الوزير ابن السلعوس عليه.
وخرج البريد في يوم تاسع رمضان بطلب بدر الدين محمد بن إبراهيم بن سعد الله ابن جماعة خطيب القدس، ليلي القضاء بمصر وكان السبب في طلبه أن ابن بنت الأعز لما عزل استدعى السلطان أعيان الفقهاء الشافعية بمصر والقاهرة، وجعل كل واحد في مكان فلم يعلم واحد منهم بالبقية، وأحضرهم واحدا واحدا وسأله عن الجماعة من يصلح فيهم لولاية القضاء، فما منهم إلا من أساء القول في أصحابه ورماه بما لا يليق فانصرفوا وقد انكف السلطان عن ولايتهم، وأعلم وزيره ابن السلعوس بما قال بعضهم في حق بعض من الفحش، فأشار السلعوس عليه بولاية ابن جماعة خطيب القدس لصحبة تقدمت له معه، فوصل إلى القاهرة في يوم الإثنين رابع عشره، وأفطر عند الوزير وبالغ الوزير في خدمته، وسار في موكبه يوم الخميس سابع عشره إلى القلعة ودخل به على السلطان، فعزل ابن بنت الأعز، وولي ابن جماعة قضاء القضاة، وفوض إليه تدريس المدرسة الصالحية بين القصرين وخطابة الجامع الأزهر، فكتم ابن جماعة الولاية وأفطر ليلة الجمعة عند الوزير، فصار يخاطبه بقاضي القضاة، وأعلن بعزل ابن بنت الأعز فهنأ الناس ابن جماعة، وعندما خرج ابن جماعة من دار الوزير وصل إليه التقليد مع ابن عز الدين الحنبلي بالخلعة فلما أصبح يوم الجمعة ثامن، عشره لبس الخلعة، ومشي الشهود في خدمته فركب بالخلعة إلى دار الوزير وخدمه ثم سار إلى منزله وركب إلى الجامع الأزهر بالخلعة، فخطب وصلي بالناس وعاد إلى منزله، ثم تحول إلى الصالحية يوم الجمعة خامس عشريه، ودرس بالصالحية في يوم الأحد ثاني عشري شوال وكان درساً حفلا ويوماً مشهوداً.
وأما ابن الأعز فإن الأمير علم الدين سنجر الشجاعي دخل به إلى السلطان وقرر معه أن يوليه قضاء الشام، فلما شعر بذلك ابن السلعوس خشي أن يبقي له حاله فيتمكن بها في الدولة فرتب له عدة من الناس ليثوروا به. فلما جلس السلطان بدار العدل رسم لابن سعلوس أن يجهز ابن بنت الأعز قاضياً في دمشق، ويعني بتشريفه ويكتب تقليده فما انفصل مجلس دار العدل حتى أحضر الشريف ابن ثعلب وادعي على ابن بنت الأعز بما قرره معه الوزير ابن السلعوس قبل ذلك، وكان قد جهز آخر إلى أن يفتي بتعزيزه وآخر ليشهد بفسقه. فانتدب السلطان لمرافعته جماعة، ورموه بعظائم بغياً منهم وعدواناً من تحت ثيابه، وأنه نصراني وما زال، حتى رسم السلطان أن يركب حماراً ويشهر. فقبض عليه الوزير ونكل به ورسم عليه وطالبه بمال كثير وشنع في إهانته وأراد ضربه فحماه الله منه.
ومازال ابن بنت الأعز في الإهانة إلى أن أخذ يوماً بالترسيم إلى القلعة وهو ماش والأعوان تحتاطه، فرأي ثلاثة من خواص الأمراء نازلين من القلعة، فقال لهم: يا أمراء أما تنظرون في حالي وما أنا فيه من الإهانة مع هؤلاء الرسل؟ فساءهم ذلك وجردوا دبابيسهم وحطموا يريدون ضرب الرسل، وقالوا: قاضي القضاة ماش، وأنتم ركاب؟ فقالوا: الصاحب أمرنا بهذا، ما لنا ذنب ولا نريد هذا الفعل فشق عليهم ما رأوا وعادوا إلى السلطان، وألقوا سيوفهم وقالوا: يا خوند قد بلغ الأمر من حال قاضي القضاة أن يمشي والرسل ركاب وذكروا ما هو فيه من الإهانة، فقال لهم السلطان: يستأهل أكثر من هذا، لأنهم قالوا عنه إنه كافر يشهد الزنار من تحت ثيابه. فقالوا: يا خوند إن كان قاضي القضاة كافراً فابن السلعوس مسلم، إما تهبه لنا، وإما تمكنا من ابن السلعوس، وإما أن تنفينا.
وكان الأمير بدر الدين بكتاش الفخري أمير سلاح له عناية به أيضاً، فتحدث مع الأمير بيدرا النائب، وكان بيدرا بينه وبين ابن بنت الأعز شحناء، فقال بيدرا لبكتاش: تحدث مع السلطان في أمر سنجر الحموي أبي خرص أن يطلقه، وأنا أشفع في ابن بنت الأعز! فاتفقا على ذلك، وشفع بيدرا في ابن بنت الأعز، وشفع بكتاش في أبي خرص، فأفرج السلطان عنهما معا.
ولزم ابن بنت الأعز في داره، ولم يترك بيده شيء من الوظائف، وكان بيده سبعة عشر منصبا وهي قضاء القضاة بديار مصر كلها وخطابة الجامع الأزهر، ونظر الخزانة، ونظر الأحباس، ومشيخة الشيوخ، ونظر التركة الظاهرية بيبرس وأولاده وأوقافه وأملاكه، وعدة تداريس، وكان عندما عزل قد رسم عليه في شوال، وألزم بالإقامة في زواية الشيخ نصر المنبجي خارج القاهرة حتى قام بما قرر عليه من المال، بعدما باع ورهن واقترض، ثم انتقل إلى القرافة إلى أن تحدث له الأمير بدر الدين بيدرا في تدريس المدرسة الناصرية بجوار ضريح الإمام الشافعي، فوليه وتحول إلى المدرسة المذكورة، فكان هذا سببا لمحنته الثانية، ويقال إنه حمل من جهته مبلغ ثمانية وثلاثين ألفا.
وفي خامس عشري رمضان: أفرج السلطان عن الخليفة الحاكم بأمر الله أحمد بن الأمير أبي على الفتي بن الأمير أبي بكر بن الإمام المسترشد بالله العباسي، ورسم له أن يخطب في يوم الجمعة، فخطب يوم الجمعة رابع عشر شوال، فخرج بسواده وهو متقلد سيفا محلي، وخطب بجامع القلعة وذكر الخطبة التي خطب بها في أيام الملك الظاهر بيبرس وهي من إنشاء شرف الدين وإلا إنه ذكر فيها الملك الأشرف، وكان بين الخطتين مدة ثلاثين سنة وتسعة أشهر وثلاثة وعشرين يوما، فلما فرغ من الخطبة لم يصل بالناس، وقدم قاضي القضاة بدر الدين محمد بن جماعة فصلي بهم صلاة الجمعة، واستمر الخليفة يخطب بجامع القلعة، واستناب عنه بالجامع الأزهر صدر الدين عبد البر بن قاضي القضاة تقي الدين محمد بن رزين.
وفي تاسع شوال: قبض على الأمير سيف الدين قرا رسلان المنصوري والأمير جمال الدين أقوش الأفرم بدمشق، واعتقلا بقلعتها، وأقطع عز الدين أزدمر العلائي إقطاع قرا رسلان، وسنقر المساح إقطاع الأفرم.
وفي ليلة الاثنين رابع ذي القعدة: عمل ختم بالقبة المنصورية، حضره الأمير بيدرا النائب والوزير شمس الدين بن السلعوس، ونزل إليه السلطان والخليفة بكرة يوم الإثنين، فخطب وعليه سواده خطبة بليغة حرض فيها على أخذ العراق، وكان يوماً مشهوداً، فرقت فيه صدقات وكتب إلى نائب الشام بعمل ختم، فاجتمع الناس في ليلة الثلاثاء حادي عشره بالميدان الأخضر خارج دمشق وختموا القرآن، وحضر الوعاظ والأعيان.
وفي هذا الشهر: قبض بدمشق على الشيخ سيف الدين الرجيجي وهو من أولاد الشيخ يونس، وحمل إلى قلعة الجبل على البريد.
وفي هذه السنة: كملت عمارة قلعة حلب، وكتب عليها اسم الملك الأشرف.
وفيها أخرج بولدي الملك الظاهر بيبرس، وهما المسعود نجم الدين خضر والعادل بدر الدين سلامش من الاعتقال، ونفيا إلى ملك الفرنج فسار بهما- ومعهما والدتهما- الأمير عز الدين أيبك الموصلي الأستادار إلى الإسكندرية، وحملهم في البحر إلى القسطنطينية، فلما وصلوا أكرمهم الأشكري متملكها وأجري عليهم ما يقوم بهم، وكانت حرمهم معهم.
وفيها كملت عمارة قلعة حلب، وكان الأمير قرا سنقر نائب حلب قد شرع في عمارة حلب، فأحكم بنيانها وأدار سورها وأقام شعائر جامعها، وكان لها منذ خربها هولاكو ثلاث وثلاثين سنة خراباه ووقع الشروع في عمارة دمشق من شوال، فبنيت بها الأدر السلطانية والطارمة والقبة الزرقاء، وتوفي ذلك الأمير علم الدين سنجر الشجاعي وبالغ في تحسينها، فكانت جملة ما عمل في سقوفها أربعة آلاف مثقال ذهب.
وفيها لم يحج الشريف أبو نمي خوفاً من المصريين.
وفي شهر ربيع الأول منها: مات ملك الططر بفارس، وهو أرغون بن أبغا بن هولاكو بن طلو بن جنكزخان، وملك بعده أخوه كيختو بن أبغا، وترك أرغون ولدين وهما قازان وخربندا، وكانا بخراسان فأفحش كيختو في الفسق بنسوان المغل واللواط بولدانهم، حتى أبغضته رعيته وفيها مات قتيلا تلابغا بن منكوتمر بن طوغان، قتله نغيه بن معل بن ططر بن دوشي خان بن جنكزخان. وقام بعده في الملك طقطغا بن منكوتمر بن طوخان، وهو ابن عم تلابغا، فرتب نغيه إخوة طقطغا معه، وهم بزلك وصراي بغا وتدان.

.ومات في هذه السنة من الأعيان:

السلطان الملك العادل سلامش بن الظاهر بيبرس، ببلد اسطنبول عن اثنتين وعشرين سنة ومات القان أرغون بن أبغا بن هولاكو بن طلوي بن جنكزخان، ملك التتار بفارس في ربيع الأول، عن نحو سبع سنين من ملكه، وقام من بعده أخوه كيختو بن أبغا.
وتوفي تاج الدين أبو محمد عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع الفزاري الشافعي فقيه الشام، عن ست وستين سنة بدمشق.
وتوفي المسند فخر الدين أبو الحسن على بن أحمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن بن إسماعيل بن منصور المعروف ابن البخاري المقدسي السعدي عن أربع وتسعين سنة بدمشق، وقد انفرد بعلو الإسناد.
وتوفي خطيب حلب شمس الدين أبو العباس أحمد بن عبد الله بن الزبير بن أحمد بن سليمان الشيباني الخابوري الشافعي، عن تسعين سنة بحلب.
وتوفي خطيب حماة وفقيهها بدر الدين أبو محمد عبد اللطيف بن محمد بن محمد بن نصر الله بن المغيزل العبدي الحموي بها، عن سبعين سنة، قدم القاهرة.
وتوفي علاء الدين أبو الحسن على بن الكمال أبي محمد عبد الواحد بن عبد الكريم ابن خلف بن نبهان بن الزملكاني الأنصاري الشافعي، بدمشق عن نيف وخمسين سنة.
وتوفي محيي الدين أبو يعلى محمد بن عمر بن عبد المنعم بن عبد الله بن محمد بن عبد الباقي بن أمين الدولة الرعباني الحلبي الحنفي، عن نيف وثمانين سنة بحلب.
وتوفي العفيف أبو الربيع سليمان على بن عبد الله بن على بن ياسين التلمساني العابدي عن ثمانين سنة بدمشق.
وتوفي طبيب الشام عز الدين أبو إسحاق إبراهيم بن نجم بن طرخان الأنصاري الدمشقي، عن تسعين سنة.
وتوفي الأديب شرف الدين عيسي بن فخر الدين أياز بن عبد الله الوالي.