فصل: تدبير الأمراء بعد قتل الملك المنصور لاجين الأمر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك (نسخة منقحة)



.سنة ثمان وتسعين وستمائة:

في أول المحرم: قدم الخبر بأن التتر على عزم الحركة إلى الشام، فخرجت العساكر، ثم خرج الأمير أقش الأفرم. وتوجه حمدان بن صلغاي وعلاء الدين أيدغدي شقير على البريد لإخراج الأمير قبجق نائب الشام بالعسكر إلى حلب، فوصلا إلى دمشق في سابعه، فشرع قبجق في الاهتمام للسفر، وخرج بعسكرها وبالبحرية في يوم الأربعاء رابع عشره، وتأخر جاغان بدمشق. وعلم قبجق أن الأمر بخلاف ما أشيع من حركة التتار، وإنما القصد عمل مكيدة به وبغيره من الأمراء، فكان ذلك سببا لفراره إلى بلاد التتر.
وملخص ذلك أن الأمير منكوتمر نائب السلطنة ثقلت عليه وطأة الأمراء بديار مصر والشام، فأراد إزاحتهم عنه وإقامة غيرهم من مماليك السلطان ليتمكن من مراده، فما زال بالسلطان حتى قبض على أمراء مصر، ثم أخذ في التدبير على من ببلاد الشام من الأمراء، فبعث أيدغدي شقير، ثم أردفه بحمدان بن صلغاي وعلى يده ملطفات إلى بلبان الطاخي نائب حلب بالقبض على الأمير بكتمر السلاح دار وهو مجرد على حلب، وعلى الأمير فارس الدين الألبكي الساقي نائب صفد والأمير عز الدين طقطاي والأمير سيف الدين بزلار والأمير سيف الدين عزاز، ومن عجز عن القبض عليه سقاه، وأن يبحث الحسام الأستادار بمفرده على البريد إلى مصر.
وقدم حمدان دمشق وأوقف الأمير جاغان شاد الدواوين على ما جاء فيه، وأمره ألا يمكن قبجق نائب دمشق من الدخول إليها إلا بمرسوم. وخرج حمدان يريد حلب، فصادف الأمير قبجق بالقرب من حمص واجتمع به، فتخيل قبجق من قدومه، وبعث إلى بكتمر السلاح دار وغيره من الأمراء يوصيهم بالاحتراز، وبعث نجابا إلى أصحابه بمصر يستعلم منهم الخبر. فلما قدم حمدان حلب وأوقف الأمير بلبان الطباخي على أمره توقف فيه، فأخذ حمدان وأيدغدي شقير يستحثانه على قبض الأمراء. فاتفق موت الأمير طقطاي، واتهم حمدان بسقيه. فبعث حمدان وأيدغدي إلى منكوتمر بتوقف نائب حلب في مسك الأمراء، فغضب من ذلك وأراد عزل بلبان عن حلب وتولية أيدغدي شقير عوضه، فخوف من ذلك حتى كف منه. وكتب منكوتمر إلى الأمير بلبان الطباخي نائب حلب يستحثه في مسك الأمراء، وكتب إلى الأمير بكتمر بنيابة طرابلس، وكان ذلك خديعة من منكوتمر قصد بها أنه إذا حضر بكتمر بلبس الشريف يقبض عليه وعلى الأمراء، وقدم الأمير الحسام الأستاداري إلى مصر، فعزم منكوتمر على مسكه، ثم انتظر ما يرد عن الأمراء بحلب.
وبلغ بلبان الطباخي أن أيدغدي شقير قد عين لنيابه حلب، وبلغ قبجق نائب الشام أن خروجه من دمشق إنما كان حيلة عليه، وأن جاغان يستقر في نيابة دمشق عوضه، فكتما كل منهما ذلك، وأخذ الحسامية في الإلحاح على نائب حلب في قبض الأمراء عند حضورهم السماط يوم الموكب، فبعث سراً إلى الأمراء يعلمهم ذلك فاستعدوا لأنفسهم، وركبوا في يوم الموكب على العادة إلا الأمير بكتمر السلاح دار فإنه تأخر واعتذر بعارض فلم يمكن الحسامية القبض على من حضر خوفا من فوات الأمر فيمن تأخروا، واتفقوا على أن ذلك يكون في موكب الآخر، فبعث الطباخي نائب حلب يعرفهم ذلك، فكتب بكتمر السلاح دار إلى قبجق نائب دمشق وقد بلغه خروجه إلى حمص يعرفه بما هم فيه، فلما كان الموكب الثاني ركب الأمراء ليقرأ عليهم كتاب السلطان باستقرار الأمير بكتمر في نيابة طرابلس، وقد احترزوا على أنفسهم، وتأخر بكتمر أيضاً عن الركوب واعتذر بوجع فؤاده، فعزموا على مسك من حضر، ثم أخذ بكتمر من خيمته.
وكانت العادة أنهم يقفون تحت القلعة على خيولهم، فإذا قرىء الكتاب نزلوا وقبلوا الأرض، فبيت الحسامية أن الأمراء إذا نزلوا لتقبيل الأرض داسوهم وأخذوهم باليد. فعندما قرئ الكتاب ترجل نائب حلب على العادة، وتبعه بقية الأمراء وقد أوقفوا مماليكهم على خيولهم ليحموهم، ونزل كل منهم وعنان فرسه في يده ومماليكه محيطة به، وقبل الأرض ووثب سريعا على فرسه، ومضوا يداً واحدة.
فانخرم الأمر على الحسامية، وأخذوا يلومون نائب حلب في كونه لم يقبض عليهم، وهر يهول الأمر عليهم، إلى أن اتفقوا على الإرسال إلى الأمراء ليجتمعوا بدار النيابة في الليل، وأن يبدءوا بالإرسال إلى بكتمر أمير سلاح. فلما كان بعد عشاء الآخرة توجه الحاجب إلى أمير سلاح يعلمه بأن قصادا قد قدموا من البلاد، فيحضر للمشهورة مع الأمراء، فلم يمكن الحاجب من الاجتماع به، واعتذر بوجع رجله، فمضى الحاجب إلى الأمير كرتاي وابن قرمان، وبلغهما الرسالة، فضحكا وقال كل منهما: ما أبرد ذقن الأبعد، وذقن من أرسله متى سمعت مشورة تكون ثلث الليل؟ إلى غد نحضر مع الأمراء.
ثم إن الأمير سيف الدين بكتمر السلاح دار والأمير فارس الدين ألبكي والأمير سيف الدين عزاز اجتمعوا، وركبوا من ليلتهم يريدون حمص ولقاء الأمير قبجق، فخرج قبجق إلى لقائهم، واتفقوا على العبور إلى بلاد غازان، فأمهلهم قبجق حتى يرد عليه جواب الأمراء من مصر، فنزلوا معه. وقدم جواب قبجق من كرجي وطغجي أنهم عن قريب يقضون الشغل، فليقم بموضعه حتى الخبر، فلم يوافقه الأمراء على الإقامة خوفاً من مجيء العساكر إليهم، وساروا ليلة الثلاثاء من ربيع الآخر وقصدوا سلمية.
وكان الأمير قبجق لما قدم عليه الأمراء من حلب قد بعث على البريد الأمير سيف الدين بلغاق بن كونجك الخوارزمي إلى السلطان يعلمه حضور الأمراء إليه، ويسأل الأمان لهم وتطييب خواطرهم. ثم سار الأمير قبجق من حمص ليلة السبت خامس ربيع الأول، وبعث علاء الدين بن الجاكي إلى دمشق يستدعي من الأمير جاغان مالا وخلعا من الخزانة للنفقة على الأمراء وتطييب خواطرهم، فامتنع جاغان من ذلك، وكتب يلومه على إغفاله القبض عليهم، وكتب إليه أيضاً أيدغدي شقير وسيف الدين كجكن بالإنكار، وأنه إن لم يقبض عليهم ركبوا عليه وقبضوه، فزاده ذلك نفوراً. وتبين لعسكر دمشق مخالفة قبجق، فتسللوا عنه طائفة بعد طائفة، وعادوا من حمص إلى دمشق، فشكرهم جاغان على مفارقتهم إياه، فبقي قبجق في قلة من المال والرجال.
وأما أهل حلب، فإن الأمراء لما شاروا في الليل ركب من بكرة النهار أيدغدي شقير وحمدان بن طغان والأمراء الحسامية إلى نائب حلب، وبطقوا إلى الأعمال بالقبض على الأمراء، وتوجه أيدغدي شقير في عسكر إلى جهة الفرات، وسار عسكر إلى جهة حماة، ونهبت أثقال الأمراء. فورد الخبر بوصولهم إلى قبجق نائب دمشق، وأنهم ساروا على طريق سلمية، فقام العزاء والنواح بحلب. وخرج العسكر في طلبهم نحو الفرات، وأوقع جاغان الحوطة بدمشق على بيت قبجق في خامس عشره، وتكامل مجيء العسكر الذي كان مع قبجق في سابع عشره.
وانتهى سيف الدين كجكن وأيدغدي شقير إلى الفرات، فوجدا الأمراء قد قطعوا الفرات إلى رأس عين فورد الخبر إلى حلب بقتل السلطان ونائبه منكوتمر، فركب سيف الدين بلبان البريدي ولحق الأمير قبجق برأس عين وأعلمه بذلك، فظن أنها حيلة عليه ولم يرجع.
وأما السلطان فإن منكوتمر لم يزل يدبر بشؤم رأيه حتى قتل، وذلك أن الأمير طغجي قدم من الحجاز أول صفر، وقد قرر منكوتمر خروجه إلى نيابة طرابلس، فلما استراح من تعب السفر استدعاه السلطان، وتلطف به في الخروج إلى طرابلس، فاعتذر بأنه لا يصلح للنيابة. وقام الأمير طغجي فأعلم كرجي وبيبرس الجاشنكير بذلك، فاتفقوا على التحدث مع السلطان في صرفه عن تسفيره، ودخلوا عليه وما زالوا به حتى أعفاه. فشق ذلك على منكوتمر، وأنكر على كرجي وتجهم له، وتكلم فيه وفي من تحدث معه في إعفاء طغجي من السفر، وبالغ في إهانتهم، فحرك ذلك من كرجي كوامن كانت في نفسه من منكوتمر. وانقطع منكوتمر من الخدمة حنقاً من إعفاء طغجي، فداراه السلطان وبعث إليه قاضي القضاة حسام الدين الحسن بن أحمد بن الحسن الرومي ليحضره، فما زال به حتى حضر بشريطة أن يخرج طغجي من مصر ويمسك كرجي أن يخرج أيضاً.
واتفق مع ذلك وصول قاصد الأمير قبجق نائب دمشق في السر إلى طغجي وكرجي بما تقدم ذكره، فأوقفوا بيبرس وسلار وغيره ممن يثقون به على ذلك، واتفقوا على الفتك بالسلطان. وشرعوا في السعي بين الأمراء المماليك المنصورية والأشرفية يستميلونهم، وأخذ كرجي يستميل المماليك أرباب النوب فإنه كان مقدما عليهم، حتى أحكموا أمرهم. هذا ومنكوتمر مقيم على إخراج طغجي، وبعث يأمره أن يتجهز للسفر، وتمادى الحال إلى يوم الخميس عاشر ربيع الآخر.
ففي ذلك اليوم: أصبح السلطان صائماً، وأفطر ثم جلس يلعب بالشطرنج وعنده إمامه نجم الدين بن العسال وقاضي القضاة حسام الدين، فدخل الأمير كرجي على عادته وأعلمه بأنه قد بيت البرجية وغيرهم من المماليك في أماكنهم وغلق عليهم الأبواب وكان قد رتب قبل دخوله جماعة في أماكن بالدهاليز فشكره السلطان وأثنى عليه، وقال لقاضي القضاة: لولا الأمير سيف الدين كرجي ما وصلت إلى السلطة. فقبل كرجي الأرض وجلس على عادته، ثم قام ليصلح الشمعة فأصلحها، وألقى فوطة خدمة كانت بيده على نمجاه السلطان ليسترها عنه، وكان سلاح دار النوبة تلك الليلة الأمير سيف الدين نغاي الكرموني السلاح دار قد وافق كرجي على ما هو فيه. ثم قال كرجي للسلطان: ما يصلي مولانا السلطان العشاء؟ فقال: نعم وقام يريد الصلاة، فأخذ السلاح دار النمجاه من تحت الفوطة، وعند ذلك جرد كرجي سيفه وضرب السلطان على كتفه فالتفت السلطان يريد بالنمجاه فلم يجدها فقبض على كرجي وألقاه إلى الأرض، فضرب نوغاي رجل السلطان بالمنجاه فقطع رجله. وانقلب السلطان على ظهره، فأخذته السيوف من كل جانب حتى صار كوم لحم، وفر ابن العسال إلى خزانة، وصرخ القاضي حسام الدين: لا يحل هذا لكم فهم به كرجي ثم كفه الله عنه.
وخرج كرجي وأغلق الباب على المقتول والقاضي، فإذا بالأمير طغجي قد استعد وقعد في عدة من البرجية بداركاه القلعة ينتظر ما يكون من كرجي. فعندما رآه طغجي قال: قضيت الشغل؟ قال: نعم وأعلمه الخبر. فوقع الصوت في القلعة بقتل السلطان، وطار من وقته إلى المدينة. فركب الأمير جمال الدين قتال السبع في عدة من الأمراء إلى خارج المدينة، ووقعت الصرخة تحت القلعة فركب أكثر العسكر.
وأما طغجي فإنه استدعى بقية الأمراء المقيمين بالقلعة، وبسط باب القلة. فلم يشعر منكوتمر وهو بدار النيابة إلا بالصرخة قد قامت، وباب القله قد فتح، والأمراء قد اجتمعت، والشموع توقد، والضجيج يزداد. ففطن منكوتمر بقتل السلطان، وأغلق الأبواب، وألبس مماليكه فصار في أربعمائة ضارب سيف وأزيد، ولكن الله خذله فجاءه الحسام أستادار وعرفه من تحت الشباك بقتل السلطان، وتلطف به حتى خرج إليه وسار معه إلى باب القلة، فقبل يد طغجي. فقام إليه طغجي وأجلسه، ثم أمر به أن يمضى إلى الجب فأخذ وأرخي فيه، فقام إليه الأمير شمس الدين سنقر الأعسر والأمير عز الدين أيبك الحموي نائب الشام وغيرهما ممن كان بالجب، ولما عاينوه أنكروا ذلك، فقال منكوتمر: قد غضب على السلطان وحلف أن يحبسني، وقصد بذلك دفعهم عنه لئلا يقتلوه.
فلم يكن غير بعض ساعة إلا وقد أرخيت القفة من رأس الجب، وصاحوا على منكوتمر فقام وجلس بها، وفي ظن أهل الجب أن السلطان قد رضي عنه. فعندما صار برأس الجب وجد كرجي واقعاً في طائفة من المماليك، فضربه كرجي بلت من حديد صرعه، وذبحه عند الجب وانصرف، وذلك أنه لما حضر منكوتمر إلى طغجي لم يكن كرجي حاضراً، فلما بلغه مجيئه أقبل يريده فأعلم أنه في الجب، فصاح على الأمراء، فقال: إيش عمل بي السلطان حتى قتلته؟ والله لقد أحسن إلي وكبرني وأنشأني، ولو علمت أني إذا قتلت منكوتمر يبقيني بعده والله ما قتلته. وما أحوجني أقتله إلا ما كان يقع من منكوتمر ومضى مسرعاً إلى الجب حتى قتله، ونهبت داره.
وكان منكوتمر عفيفاً عن الأموال، ضابطا لناموس المملكة متيقظاًً، وهو أول من نزل عن إقطاعات الجند التي كانت في ديوان النيابة، ومتحصلها في السنة مائة ألف أردب غلة، فتركها لله تعالى. وكان بعيداً عن اللهو مهيباً مصمما، لم يسمع منه قط أنه شتم أحدا، ولا جرى على لسانه فحش، مع كثرة التحري ورفع المظالم. إلا إنه كان صبي العقل عظيم الكبر محتقراً للأمراء، فمقتوه وعلموا أنهم لا يصلون إلى ازاحته إلا بقتل السلطان، فاجتمعوا على قتله حتى كان ما كان.
وكان الذين اتفقوا على قتل السلطان من الأمراء سيف الدين كرجي، وسيف الدين نوغاي، وقرا طرنطاي، وحجك، وأرسلان، وأقوش، وبيليك الرسولي.
وكانت مدة سلطة لاجين منذ فارق الملك العادل كتبغا الدهليز بمنزلة العوجاء، وحلف الأمراء في يوم الإثنين ثامن عشري المحرم سنة ست وتسعين، وإلى أن قتل سنتين وشهرين وثلاثة عشر يوما، ومنذ خلع كتبغا نفسه بدمشق، واجتمعت الكلمة بمصر والشام على لاجين في يوم السبت رابع عشري صفر منها، وإلى أن قتل، سنتين وشهرين غير ثلاثة عشر يوما، وقتل السلطان لاجين وله من العمر نحو الخمسين سنة، وكان أشقر أزرق العين معرق الوجه، طوالا مهيباً شجاعا مقداما، عاقلا متديناً يحب العدل، ويميل إلى الخير ويحب أهله، جميل العشرة مع تقشف وقلة أذى. وأبطل عدة مكوس، وقال: إن عشت لا تركت مشمسا ألبتة. وكان يحب مجالسة الفقهاء والعامة ويأكل طعامهم، وكان أكولا. ولم يعب بشيء سوى انقياده إلى مملوكه ونائبه الأمير منكوتمر، ورجوعه إلى رأيه وموافقته له واتباعه لكل ما يهواه من شدة حبه له، حتى أدى ذلك إلى قتلهما، ثم إلى خراب البلاد بمجيء غازان، فإن قبجق ومن معه من الأمراء حملهم بغضهم في منكوتمر وخوفهم منه على اللحاق بغازان وتحريضه على المسير إلى الشام، حتى كان منه ما يأتي ذكره إن شاء الله.
وكان لاجين منذ قتل الملك الأشرف يستشعر أنه لابد أن يقتل، حتى أنه في يوم الخميس الذي قتل في مسائه أحضر إليه بعد العصر بندب فارس ميداني من السلاح خاناه، فجعل يفتل فردة بعد فردة وهو يقول: من قتل قتل ويكرر هذا مراراً، فكان الفأل موكلا بالمنطق، إذ قتل بعد أربع ساعات من كلامه.
ونظير هذا أن الملك الأشرف وقف في حلقة صيد، والنوبة يومئذ في حمل السلاح خلفه للاجين هذا فجاء لاجين إلى بدر الدين بكتوت العلائي وله أيضاً النوبة في حمل السلاح، وقد تقدم إلى مكانه من الحلقة وأعطاه سلاح السلطان، وأمره بالتوجه إلى السلطان فإنه أمر بذلك. فأخذ بكتوت السلاح وتوجه به إلى الخدمة، ووقف لاجين حيث كان بكتوت واقفا. فلما جاء بكتوت وجد الأشرف على فرسه، وقد جعل طرف عصاة مقرعته تحت جبهته، واتكأ برأسه عليها وهي ثابتة بحذاء سرجه، وكأنه في غيبة من شدة الفكر. ثم التفت الأشرف وقال: يا بكتوت والله لقد التفت فرأيت لاجين خلفي وهو يحمل السلاح والسيف في يده، فتخيلت أنه يضربني به، فنظرت إليه وقلت يا شقير أعط السلاح لبكتوت يحمله، وقف أنت مكانه. فقال بكتوت: أعيذ مولانا السلطان بالله أن يخطر هذا بباله، ولاجين أقل من هذا وأضعف نفساً أن يقع هذا بباله، فضلا عن أن يقدم عليه. وهو مملوك السلطان، ومملوك مولانا السلطان الشهيد وتربية بيته الشريف. فقال الأشرف: والله ما عرفتك إلا ما خطر لي وتصورته. قال بكتوت: فخشيت على لاجين كون السلطان تخيل هذا فيه وأردت نصحه، فقلت له في تلك الليلة: بالله تجنب السلطان ولا تكثر حمل السلاح ولا تنفرد معه وأخبرته الخبر، فضحك ضحكا كثيراً وتعجب. فقلت: والله هذا يبكي منه فقال: ما ضحكي إلا من إحساسه. والله لما نظر إلى وقال يا شقير، كنت على عزم من تجريد سيفه وقتله به. قال بكتوت: فعجب من ذلك غاية العجب ومن العجب أيضاً أن الضرب الذي كان في الملك الأشرف عند قتله وجد مثله سواء في لاجين لما قتل.
وكان لاجين في سلطنته كثيراً ما يقف إذا أراد أن يصلي، ويكشف رأسه ويسأل أن يمد في عمره حتى يلقي غازان، ثم يقول: لكن أنا خائف أن يدركني الأجل قبل لقائه فكان كذلك.
وكان في شبابه منهمكا على الخمر، حتى صار وهو بدمشق يعاقر أعيان أهلها وينعم في مجالس اللهو عليهم، بحيث لما أفرط في اللهو قال الشجاعي للملك المنصور قلاوون إنه قد أبخس حرمة السلطان بمعاشرته عامة دمشق وانهماكه في الشرب. فبعث إليه قلاوون على لسان الأمير طرناي نائب السلطنة ينهاه ويهدده، وكتب إليه أيضاً بذلك. وكان ألاجين كثير الحركة، بحيث يغيب في الصيد الشهر والشهرين ومعه أرباب الملاهي، فلما تسلطن أعرض عن اللهو، وسار أحسن سيرة من العدل والإنصاف والعطاء والإنعام، وأحبه الأمراء والأجناد والعامة، فأفسد ذلك مملوكه منكوتمر بسوء تدبيره.
واتفق أن لاجين لما اختفى هو وقرا سنقر بعد قتل الملك الأشرف، رأى قرا سنقر رؤيا فبعث إلى لاجين ليحضر إليه بسببها، وكان كل منهما يعرف موضع الآخر. فجاءه لاجين في صندوق حمل إلى دار قراسنقر بحارة بهاء الدين من القاهرة حيث كان مختفياً، فتحادثا، ثم قال له قرا سنقر: يا شقير رأيت رؤيا أنا خائف أن أقصها فتطمع نفسك وتتغير نيتك وتغدر بي فحلف له أنه لا يخونه. فقال قراسنقر: رأيت كأنك قد ركبت وبين يديك خيول معقودة الأذناب مضفورة المعارف مجللة بالرقاب الذهب على عادة ركوب الملوك، ثم نزلت وجلست على منبر وأنت لابس خلعة الخلافة، واستدعتني وأجلستني على ثالث درجة من المنبر وتحدثت معي قليلا. ثم دفعتني برجلك فسقطت من المنبر، وانتبهت عند سقوطي. وهذا يدل على قربي منك ورميك لي وأنا والله يا شقير نحس قد خلفتك، وما أدري هل تصدق أو لا؟ فضحك لاجين. وكان كذلك، فإنه استناب قراسنقر لما تسلطن قليلا، ثم كان من أمره ما تقدم ذكره من سجنه له. فكان قراسنقر كل قليل يبعث إليه برسول وهو سجين، ويقول: يا أخي اجعل في نظير بشارتي بما آتاك الله أن تفرج عني وتنفيني حيث أردت فيبتسم لاجين، ويقول للرسول: سلم عليه وقل له إن شاء الله بقي القليل.
واتفق أن لاجين رأى في المنام كأنه بباب القلة من القلعة وقد جلس في موضع النائب، والنائب قدامه وقف وشد وسطه، فلما قام من مكانه صعد درجا، وإذا برجل وهو كرجي وقد طعنه برمح فصار كوم رماد. فاستدعى لاجين علاء الدين ابن الأنصاري عابر الرؤيا، وقص رؤياه عليه، فقال: تدل هذه الرؤيا على أن السلطان يستشهد على يد كرجي. فقال لاجين: الله المستعان وأوصاه بكتمان ذلك، وأعطاه خمسين دينارا وانصرف ابن الأنصاري فإذا قاصد الأمير منكوتمر ينتظره، فلما دخل عليه سأله عن رويا السلطان فكتمها عنه، وقال: شيء يتعلق بالحريم. فقال منكوتمر: قد رأيت أنا أيضاً كأني خرجت من الخدمة إلى دار النيابة، فإذا بالدهليز عمود رخام فوقه قاعدة، فجذبت سيفي وضربت رأس العمود فألقيته، ففار من العمود دم عظيم ملأ الدهليز. فعمى ابن الأنصاري عليه، وقال: قد انقطع الكلام برؤية الدم خوفاً من شره، وانصرف متعجباً من اتفاق تأويل المنامين فلما كان بعد أحد عشر يوماً من رؤياهما، حضر إليه خادم بورقة فيها أن امرأة السلطان وهي ابنة الملك الظاهر رأت السلطان جالساً، وإذا بطائر كالعقاب انقض عليه واختطف فخذه الأيسر وطار إلى أعلى الدار، فإذا غراب قد أشرف على الدار وصاح كرجي ثلاث مرات. فقال ابن النصاري: هذا منام لا يفسر حتى تمضى ثلاث جمع وأراد بذلك الدفع عن نفسه، فقتل لاجين في الجمعة الثانية من هذا المنام على يد كرجي.
وبعث الأمير علم الدين سنجر الدواداري وراء ابن الأنصاري، واستحكاه عن تأويل رؤيا لاجين، فإنه كان حاضراً عندما قصها عليه، ثم قام حتى لا يسمع تأويله. فأخبره ابن الأنصاري بما قاله له، وبمنامي منكوتمر وامرأة لاجين. فقال له الأمير علم الدين: لما قمت من عند السلطان لاجين استدعاني وأخبرني بما قال لك، وقال عرفت من الذي طعنني بالرمح؟ قلت لا، فأشار إلى كرجي. ثم استدعاني بعد أيام وذكر لي أنه أعلم منكوتمر بأن خاطره ينفر من كرجي، فقال له منكوتمر بحنق: والله لا تبرح تتهاون في أمرك حتى يقتلوك ويقتلوني وتموت مماليكك في الحبس، وما لهذا القواد إلا قتله يعني كرجي وحلف أنه كلما رأي كرجي يود لو ضربه بسيفه، ونهض وهو مصمم على قتله فحال الله بينهما وبين كرجي، حتى أمضى فيهما على يده ما قدره من قتلهما.
وذلك أن الاتفاق كان قد وقع بين السلطان وبين منكوتمر على مسك كرجي وطغجي وشاورشي في جماعة من الأمراء وقت الخدمة يوم الإثنين، فعرف منكوتمر ثقاته بذلك. واشتد فكر السلطان واضطراب رأيه فيما قرره مع منكوتمر، فتارة يعزم على إمضائه، وتارة يرجع عنه حتى يرد عليه خبر الأمراء المجردين وهل قبض عليهم أو لا. فلما أصبح استدعى الأمير سيف الدين سلار أمير مجلس، وبعثه إلى منكوتمر يأمره ألا يفعل شيئاً مما قرره مع السلطان حتى يعرفه، فإنه خطر في نفسه شيء أوجب تأخيره فلما ذكر سلار هذا لمنكوتمر ظن أن السلطان أعلمه بالأمر على وجهه، وأخذ ينكر على السلطان تأخيره ما اتفقا عليه، وشرح له الحال كله ولم يكتمه شيئاً فسكن سلار من حنقه، وأعاد الجواب على السلطان بالسمع والطاعة، وكتم ما أطلعه منكوتمر عليه، ومضى إلى كرجي وطغجي ومن معهما، وأعلمهم بالأمر كله، فشمروا للحرب، وكان ما كان.
واتفق أيضاً أن في الليلة التي قتل فيها لاجين ظهر في السماء نجم له ذنب، يخيل لمن رآه أنه قد وصل إلى الأرض. فلما رآه لاجين تعجب منه، وتمعر وجهه، وقال لقاضي القضاة حسام الدين، وهو معه: ترى ما يدل عليه هذا النجم؟ فقال: ما يكون إلا خير. فسكت لاجين، ثم قال له: يا قاضي حديث كل قاتل مقتول صحيح وتغير تغيراً زائداً. فشرع الحسام يبسطه ويطيب خاطره، وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون وجلس وكررها، فقتل في مجلسه ذلك.
واتفق أيضاً أنه أحضر إليه في تلك الليلة بعض السلاح دارية سيفا من الخزانة، فقلبه وأعجب به، فأخذ كرجي يشكر منه، فقال له لاجين: كأنك تريده قال: نعم والله يا خوند فقال لاحين: هذا ما يصلح لك والتفت إلى طغاي وناوله إياه وقال: خذ هذا اقتل به عدوك فكان أول ما ضرب به لاحين بعد ساعة فأطار يده.
واتفق أيضاً أن لاجين دفن في تربة بجانب تربة العادل كتبغا من القرافة، فكان أولاد كتبغا يأتون قبره ويضربونه بالنعال ويسبونه، وأقاموا على هذا مدة يشفون أنفسهم بذلك.
وكان لاجين معظما للشرع وأهله منفذاً لأوامره، ومن ذلك أنه طلب أموال الأيتام من الأمراء وكانت تحت أيديهم، ونقلها إلى مودع حديد لمال الأيتام استجده، وكتب توقيعا بأن من مات وله ورثة صغار ينقل ميراثهم إلى مودع الحكم ويتحدث فيه قاضي القضاة الشافعي، فإن كان للميت وصي فيقيم القاضي الشافعي معه عدولا من جهته ورد لاجين عدة أملاك كانت قد أخذت بغير حق إلى ملاكها، منها قرية ضمير من عمل دمشق، وكانت وقف الملك الزاهر على أولاده. ورد على عز الدين بن القلانسي ما أخذ منه في الأيام المنصورية قلاوون من المال بغير طريق شرعي. ووضع عن أهل بلقس الأشراف ما كان عليهم من المظالم، وهو يبلغ ثلاثين ألف درهم في كل سنة، وعوض مقطعيه بدل ذلك. ورد وقف قراقوش على الفقراء، وكان قد أقطع منذ سنين، فتسلمه القاضي الشافعي وبلغه في السنة عشرة آلاف درهم، وعوض مقطعيه عنه ورد الدار القطبية إلى من وقفت عليه من جهة الملك الكامل، وكانت بيد أحد مقدمي الحلقة وورثته من نحو ستين سنة. وكانت عدة من الإقطاعات بيد الأمراء فردها إلى أربابها، وكانت العساكر من ذلك في مضرة، لأنهم لا يحصل لهم من دواوين الأمراء كبير شيء، ويبقي الإقطاع في حمي الأمير يأوي إليه كل مفسد وقاطع طريق.
وكان لاجين شجاعا مقدما على أقرانه في الفروسية وأعمالها، كثير الوفاء لمعارفه وخدامه، ومنع من لبس الكلفتاه الزركش والطرزكش وملابس الذهب، وشدد في المنع من المحرمات كلها، وحد في الخمر بعض أولاد الأمراء، وكان يصوم رجب وشعبان، ويقوم الليل، ويكثر من الصدقات، مع لين الجانب وخفض الجناح.

.تدبير الأمراء بعد قتل الملك المنصور لاجين الأمر:

ولما قتل الملك المنصور لاجين ونائبه الأمير منكوتمر اتفق من كان بالقلعة من الأمراء وهم عز الدين أيبك الخازندار المنصوري، وركن الدين بيبرس الجاشنكير وسيف الدين سلار الأستادار، وحسام الدين لاجين الرومي الأستادار الواصل من حلب، وجمال الدين أقوش الأفرم، وبدر الدين عبد الله السلاح دار، والأمير كرت الحاجب مع الأمير طغجى وكرجي على مكاتبة الملك الناصر محمد بن قلاوون واحضاره من الكرك واقامته في السلطنة، وأن يكون طغجى نائب السلطنة، وألا يقع أمر من الأمور إلا بموافقة الأمراء عليه وتحالفوا على ذلك في ليلة الجمعة. فلما طلع النهار فتح باب القلعة، وركب الأمير جمال الدين أقوشق قتال السبع وبقية الأمراء إلي القلعة، وكتبوا إلى الأمير قبجق نائب الشام والأمير بلبان الطباخي نائب حلب. مما وقع، وطلبوا منهما القبض على أيدغدي شقير وجاغان وحمدان بن صلغاي والأمراء الحسامية. وسار البريد بذلك على يد الأمير بلغاق من أمراء دمشق، وكان قد حضر بكتاب الأمير قبجق في يوم السبت ثاني عشره بعد قتل لاحين، فأخذ طغجى منه الكتاب.
وجلس طغجى مكان النيابة وبقية الأمراء يمنة ويسرة، ومد السماط السلطاني على العادة. ودار الكلام في الإرسال إلي الملك الناصر، فقام كرجي وقال: يا أمراء أنا الذي قتلت السلطان لاجين وأخذت ثأر أستاذي، والملك الناصر صغير ما يصلح، ولا يكون السلطان إلا هذا وأشار لطغجى وأنا أكون نائبه، ومن خالف فدونه فسكت الأمراء كلهم إلا كرت الحاجب فإنه قال: يا خوند الذي فعلته أنت قد علمه الأمراء، ومهما رسمت ما ثم من يخالف وانفضوا، وتأخر الإرسال إلي الملك الناصر.
فبعث طغجي إلي التاج عبد الرحمن الطويل مستوفي الدولة وسأله عن إقطاع النيابة فذكره له، فقال طغجي: هذا كثير، أنا لا أعطيه لنائب ورسم أن توفر منه جملة تستقر للخاص. فلما خرج التاج عبد الرحمن الطويل من عنده استدعاه كرجي وسأله عن إقطاع النيابة، فلما ذكره له استقله وقال: هذا ما يكفيني ولا أرضي به وعين بلادا يطلبها زيادة على إقطاع منكوتمر، فأخذ التاج يتعجب منهما في استعجمالهما بذلك قبل انعقاد الأمر لهما.
وفي ليلة الأحد: وقع الطائر بنزول الأمير بدر الدين بكتاش الفخري أمير سلاح بيلبيس بالعسكر المجرد إلى سيس فسر الأمراء بذلك، وكتبوا إليه وإلى من معه بجميع ما وقع واتفاق طغجي وكرجي مفصلا. وصار أهل الدولة قسمين: الأمراء ورأيهم معدوق. مما يشير به الأمير بكتاش إذا حضر، وأما طغجي وكرجي وشاورشي والمماليك الأشرفية فإنهم يد واحدة على سلطنة طغجى ونيابة كرجي، وإنهم لا ينزلون إلي لقاء الأمير بكتاش، بل يقيمون مع طغجي بالقلعة حتى يحضر بكتاش. ممن معه وكان رأي الأمراء النزول إلى لقائهم.
فلما كان يوم الأحد ثالث عشره: نزل الأمير بكتاش بركة الحاج، وشرع الأمراء بالقلعة في التجهيز إلي لقائه. فامتنع كرجي من أن ينزل إليه أحد، بل أشار أن ينزل كل أحد إلي بيته، ويطلع الجميع من الغد القلعة، فيلبس طغجي خلعة السلطنة، وانفضوا على ذلك. فعلم الأمراء إنهم ما لم ينزلوا إلى لقاء الأمير بكتاش فاتهم ما دبروه، فلما اجتمعوا بعد العصر اخذوا مع طغجى وكرجي في تحسين النزول للقاء، فإن الأميربكتاش قديم هجرة وأتابك العساكر، وقد أثر في سبيل الله أثاراً جميلة وملك إحدى عشرة قلعة، وله غائب بالعسكر نحو سنة ونصف، فإن لم يتلقهم الأمراء صعب عليهم، ولو كان السلطان حياً لخرج إلي لقائهم. هذا وطغجى وكرجي يقولان: لا نزول، وأما أنتم فانزلوا إن اخترتم فلما طال تحاورهم استحيا طغحى من الأمراء وقال لكرجي: الصواب فيما قاله الأمراء، والرأي أن أركب معهم ومعي مماليك السلطان ونلقي الأمير بكتاش، وتقيم أنت بالقلعة في طائفة من المماليك، فاتفقوا على ذلك. وعرض طغحى المماليك ومعه كرجي، وعينا أربعمائة تركيب مع طغجى، وأخرجت لهم الخيول من الإسطبل، وأن يقيم مع كرجي بقيتهم بالقلعة، وباتوا على ذلك.
وأما دمشق فان بلغاق قدم إليها يوم السبت تاسع عشره، وقد بلغه تسحب الأمير قبجق. بمن معه إلي جهة الفرات فاخفي أمره وتوجه إلي حلب وأوقف الأمير بلبان الطاخبي على الخبر، فقبض الأمير بلبان من وقته على حمدان صلغاي وسجنه بالقلعة، وبعث البريد في طلب قبجق ومن معه، وكتب يعرفه بقتل لاجين ومنكوتمر. فصدف البريدي أيدغدي شقير وكجكن وبالوج في الطائفة الحسامية، وقد خرجوا في طلب قبجق ومن معه، فأنكروا أمره وفتشوه، فإذا في الكتب التي معه شرح ما وقع بمصر، فخاف أيدغدي شقير من نائب حلب لسوء ما عامله به، ودفع الكتب إلي البريدي وخلاه لسبيله، فمضى إلي قبجق، وتحير أيدغدي في أمره، ثم قوي عليه كجكن حتى سار به إلي حلب، فلم يتعرض إليه الأمير بلبان النائب بل عزاه وتوجع له.
وقام بدمشق الأمير بهاء الدين قرا أرسلان المنصوري، وقبض على الأمير سيف الدين جاغان الحسامي الشاد، وعلى الأمير حسام الدين لاجين الحسامي وإلي البر، وقدم الأمير كجكن من حلب فقبفر عليه أيضاً، وسلمهم جميعًا لأرجواش نائب القلعة. وتحدث الأمير بهاء الدين قرا أرسلان المنصوري حديث نواب السلطة، وصار يركب بالعصائب والجاويش، ويجلس بدار السعادة وترفع له القصص على هيئة النواب، أوقع الحوطة على أبواب الأمراء المقتولين وحواصلهم، وحلف العسكر للملك الناصر. فلم تطل مدته، ومات في ثاني جمادى الأولى بقولنج وصارت دمشق بغير نائب ولا مشد ولا محتسب.
وكان خبر قيام قرا أرسلان قد ورد إلي الأمراء بمصر، فخرج البريد في سادس عشرى ربيع الآخر باستقرار سيف الدين قطوبك المنصوري في الشد عوضاً عن جاغان، فعاشر ذلك يوم الأحد خامس جمادى الأولى، عند قدوم البريد إلي دمشق.
وأما قبجق نائب دمشق، فإنه توجه ومعه الأمير بكتمر السلاح دار وفارس الدين ألبكي وسيف الدين عزاز وسيف الدين بزلار يريدون غازان، فمات بزلار قريباً من سنجار. وتسامع بهم المغل، فركب جنكلي بن البابا أمير ديار بكر من قبل غازان وبالغ في إكرامهم، وتلقاهم صاحب ماردين وقام بأمرهم. فلحقه بريد نائب حلب بها، وأوقفه على الكتب المتضمنة لقتل لاجين ومنكوتمر، فبكى قبجق والأمراء نادماً على سرعة مفارقتهم بلاد الشام، ولم يعجبهم العود، فكتبوا الجواب بالاعتذار.
وكان غازان فد بلغه مجيئهم إليه، فبعث أميراً يتلقاهم، وسار بهم إلى الأردوا فركب غازان في موكبه وتلقاهم وأكرمهم، وضرب لهم الخركاوات وأمر لهم. مما يصلح لهم. ثم استدعاهم وباسطهم، فلما انصرفوا حمل إلي قبجق عشرة آلاف دينار ولبكتمر مثلها، ولعزاز والألبكي ستة آلاف دينار لكل منهما. وأنعم غازان عليهم وعلى من معهم بالخيول وغيرها، وتقدم إلي أمرائه بأن يعمل كل منهم لهم ضيافة، فأقامت الأفراح في الأردوا بسبب ضيافتهم عدة أيام، وصار قبجق قي غاية المسمرة، فإنه أتاه طائفة من أهله وأقاربه، وأما بكتمر فإنه لم تطب نفسه بالإقامة.
ومن غريب الاتفاق أن السلطان الملك المنصور قلاوون جري مرة عنده أمر تجريد عسكر إلي حلب، فذكر له قبجق هذا أن بجرد، فقال: أعوذ بالله أن أجرد قبجق إلي نحو الشام، فإنني ما أمنه أن يدخل البلاد، ويظهر لي من وجهه الميل إلي المغل. ثم التفت قلاوون إلى سنقر المساح، وقال: إن عشت يا أمير، وخرج قبجق إلي الشام، فستذكر قولي لك فكان كذلك.
ويقال إنه كان مدة نيابته لدمشق يكاتب غازان، وعندما عزم على اللحاق به استدعى منه طمغا البريد التي يركب بها الأمراء عندهم، فبعثها غازان إليه، وصارت عنده حتى ركب من ماردين فحملها إليه، وكان هو أكبر أسباب قدوم غازان إلي دمشق، كما يأتي ذكره إن شاء الله.

.سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون:

ثانيًا:
وكان من خبر ذلك أن الأمير سيف الدين الحاج آل ملك الجوكندار والأمير علم الدين سنجر الجاولي قدما إلى الكرك، فوجد الملك الناصر يتصيد بالغور، فوجها إليه. ودخل الأمير جمال الدين أقوش الأفرم نائب الكرك إلي أم السلطان ليبشرها، فخافت أن تكون مكيدة من لاجين، وتوقفت في المسير وابنها إلي مصر، فما زال بها حتى أجابت. ووصل الأميران إلي الملك الناصر فقبلا الأرض بين يديه وأعلماه الخبر، فأتي إلي المدينة وأخذ في تجهيز أحواله، والبريد يتواتر من مصر باستحثاثه على القدوم إليها، إلى أن هيا له نائب الكرك ما يليق به، وسار به إلي القاهرة فخرج الأمراء والعساكر إلي لقائه، وكادت القاهرة ومصر ألا يتأخر بها أحد من الناس فرحا بقدومه، وخرجوا إليه عامة مي يوم السبت رابع جمادى الأولى.
وجلس السلطان الملك الناصر على سرير الملك في يوم الإثنين سادسه، وجددت له البيعة، وكتب شرف الدين محمد بن فتح الدين القيسراني عهده عن الخليفة الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد.
وفيه استقر الأمير سيف الدين سلار في نيابة السلطة بديار مصر، والأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير أستادار، والأمير جمال الدين أقوش الأفرم الداوداري المنصوري نائب دمشق عوضاً عن الأمير قبجق المنصوري، والأمير سيف الدين كرت الحاجب في نيابة طرابلس، واستقر عوضه حاجبًا سيف الدين قطلوبك وأفرج عن الأمير قرا سنقر، والأمير عز الدين أيبك الحموي، والوزير شمس الدين سنقر الأعسر، واستقر قرا سنقر في نيابة قلعة الصبيبة، وخلع على سائر أهل الدولة، وكتب إلي الأعمال بذلك، ودقت البشائر وزينت الممالك على العادة.
وفي ثامنه: ركب السلطان بخلعة الخلافة والتقليد بين يديه، وعمره أربع عشرة سنة، وأقر الوزير فخر الدين عمر بن الخليلي في الوزارة. وسار الأمير أقش الأفرم على البريد إلي دمشق، فقدمها في ثاني عشريه، ولبس من الغد التشريف، وقبل عتبة باب القلعة على العادة، ومد السماط بدار السعادة، وأخرج الأمير سيف الدين قطلوبك إلي مصر.
وفي تاسع عشريه: افرج الأمير أقش الفرم عن جاغان الحسامي وبعثه على البريد إلي مصر، فرده السلطان من طريقه، وجعله أحد أمراء دمشق. وقدم البريد من حلببدخول قبجق ومن معه إلي بلاد المغل. ووقع بالقاهرة مطر، وسال المقطم إلي القرافة فافسد عدة ترب، ووصل الماء إلي باب النصر من القاهرة، وأفسد السيل هناك عدة ترب أيضاً.
وصار الأمراء يجتمعون بقلعة الجبل في يوم الموكب عند السلطان، ويقررون الأمور مع بيبرس وسلار فتصدر الأحوال عنهما، وشرعا في تقديم حواشيهما وألزامهما.
واستقر الأمير سيف الدين بكتمر أمير جاندار، وأنعم على أمير موسى بن الصالح على ابن قلاوون بإمرة، وعلى كل من عز الدين أيدمر الخطيري وبدر الدين بكتوت الفتاح وعلم الدين سنجر الجاولي وسيف الدين تمر وعز الدين أيدمر النقيب بإمرة. وأنعم على ناصر الدين محمد بن الشيخي وإلى القاهرة بإمرة، واستقر واليًا بالجيزة وأعمالها مع ولاية القاهرة، وأنعم على كل من لاجين أخي سلار وأقطاي الجمدار وبكتوت القرماني بإمرة وقبض على الأمير، العمري والأقوش وقراقوش الظاهري ومحمد شاه الأعرج وعد على قراقوش ومحمد شاه من الذنوب قتلهما طغجى وكرجي.
وإلي يوم الخميس خامس عشر جمادى الآخرة: ألبس الأمير أقش الأفرم نائب دمشق الأمراء والأعيان الخلع، وفيه قدم طلبه وأثقاله من مصر، فتلقاها والأمراء في خدمته وعليه التشاريف، ودخل دخولاً حسنًا.
وفيه كتب عن السلطان تقليد الملك المظفر تقي الدين محمود بنيابة حماة.
وفي شهر رجب: توجه الأمير كرت الحاجب إلي نيابة طرابلس.
وفي ثاني عشره: قبض بدمشق على الأمير سيف الدين كجكن واعتقل بالقلعة وورد البريد من حلب بمحاربة نغاي وطقطاي، وإنه قتل بينهما من المغل خلق كثير، وأن غازان بن أرغون بن أبغا بن هولاكو بن طولو بن جنكزخان قتل وزيره نوروز، وأنه تأهب لعبور الشام وبعث في جمع المغل، وإنه بعث سلامش بن أفال بن بيجو التتري إلى بلاد الروم، على عسكر يبلغ نحو الخمسة وعشرين ألف فارس. فاهتم الأمراء بتجريد العسكر، واتفقوا على تجهيز الأمير سيف الدين بلبان الحبيشي، والأمير جمال الدين عبد الله السلاح دار، والأمير مبارز الدين سوارالرومى أمير شكار، ومقدمهم الأمير جمال الدين أقش قتال السبع، وصحبتهم من أمراء الطبلخاناه عشرون أميراً. وكتب إلى دمشق بتجريد أربعة أمراء مقدمين، فساروا وقدموها في سابع رجب.
وقدم البريد من دمشق بورود نحو ثلاثين بطسة في البحر إلى ساحل بيروت، في كل بطسة منها نحو سبعمائة، وقصدوا أن يطلعوا من مراكبهم إلى البر، وتحصل إغارتهم على الساحل. فاجتمع الناس لقتالهم، فبعث الله ريحًا كسرت المراكب وألقتها بالشاطئ، فأخذ أهل بيروت منها ما بقى من الغرق، وأسروا ثمانين إفرنجياً، وذلك أخريات شعبان. وقويت شوكة البرجية بديار مصر، وصارت لهم الحمايات الكبيرة، وتردد الناس إليهم في الأشغال. وقام بأمرهم الأمير بيبرس الجاشنكير وأمر منهم عدة، وصار في قبالته الأمير سيف الدين الدين سلار ومعه الصالحية والمنصورية، إلا أن البرجية أكثر وأقوى، وشرهوا جميعاً إلى أخذ الإقطاعات، ووقع الحسد بين الطائفتين، وصار بيبرس إذا أمر أحداً من البرجية وقفت أصحاب سلار وطلبت منه أن يؤمر منهم واحداً. وأخذ الأمير سيف الدين برلغي يشارك بيبرس وسلار في الأمر والنهي، وقويت شوكته والتف عليه المماليك الأشرفية.
وفي يوم الخميس ثاني عشر شعبان: وصل سلامش بن أفال نائب الروم إلى دمشق، مع الأمير عز الدين الزردكاش نائب بهسنا، في عشرين من أصحابه. فتلقاه عسكر دمشق وأهلها مع النائب وقد اهتم للقائه وبالغ في التجمل الزائد، فكان يوما بهجاً. وأنزله على الميدان وقام. مما يليق به، وأحضر في ليلة النصف ليرى الوقيد بجامع بنى أمية.
وفي ليلة الإثنين سادس عشره: أركبه البريد هو وأخوه قطقطوا، فقدما إلى قلعة الجبل ومعهما مخلص الدين الرومي فأكرمهم الأمراء وقاموا بواجبهم.
وكان من خبر سلامش أن غازان لما بعثه لأخذ بلاد الروم خرج عن طاعته، وحسن في رأيه الاستبداد. بملك الروم فاستخدم عشرة آلاف، وكاتب ابن فرمان أصر التركمان، وكتب إلى الملك المنصور لاجين سلطان مصر يطلب نجدة على قتال غازان على يد مخلص الدين الرومي. فأجيب في شهر رحب بالشكر والثناء، وكتب إلى دمشق بخروج العسكر لنصرته.
وكان غازان قد وصل إلى بغداد، فبلغه خروج سلامش عن طاعته، فأعرض عن المسير إلى الشام، وجهز العساكر إلى بلاد الروم، وأخرجهم أول جمادى الآخرة وعدتهم نحو الخمسة وثلاثين ألفاً وعليهم بولاي وعاد غازان إلى تبريز، ومعه الأمير قبجق وبكتمر السلاح دار والألبكي وبزلار، وسار بولاي إلى سنجار ونزل على رأس عين، ثم توجه إلى أمد.
وجمع سلامش نحو الستين ألفًا، وامتنع عليه أهل سيواس وهو يحاصرهم، فلما قرب منه بولاي بعساكر غازان فر عنه من كان معه من التتار إلى بولاي في أول ليلة من رجب، ثم التحق به أيضاً عسكر الروم، وفر التركمان إلى الجبال. ولم يبق مع سلامش إلا نحو الخمسمائة، فإنهزم عن سيواس إلى جهة سيس، ووصل بهسنا آخر رجب. فورد خبره إلى دمشق في خامس شعبان والأمراء بها على عزم الخروج لنجدته، فتوقفت الحركة عن تسيير العساكر. فما كان بعض أيام إلا وسلامش قد وصل إلى دمشق، فخرج إليه عساكر دمشق والتقوه في موكب عظيم، ووصل صحبته من بهسنا الأمير بدر الدين الزردكاش نائب السلطنة بها.
ثم توجه سلامش وأخوه قطقطوا إلى الأبواب السلطانية، في يوم الأحد خامس عشر شعبان على خيل البريد، فلما قدم إلى قلعة الجبل أنعم على أخيه قطقطوا بإقطاع، ورتب لمخلص الدين الرومي جار، وخير سلامش بين المقام بالديار المصرية أو الشام أو أن يعود إلى بلاده، فسال أن يجرد معه جيش ليعود إلى بلاده ويحضر بعياله، ويرجع إلى خدمه السلطان. فوافقه السلطان على ذلك، فركب البريد إلى حلب، ورسم أن يخرج معه الأمير بكتمر الجلمي. فقدم سلامش دمشق في حادي عشر رمضان، وخرج من الغد ومعه الأمير بدر الدين الزردكاش، ولما وصل إلى حلب جرد معه الأمير بكتمر حسب المرسوم إلى جهة سيس، بعدما مر بحلب وخرج منها بعسكر. ففطن به التتار فقاتلوه، فقتل الأمير بكتمر، وفر سلامش إلى بعض القلاع فقبض عليه وحمل إلى غازان فقتله.
وكان سلامش هذا من أكبر الأسباب في حركة غازان إلى بلاد الشام: وذلك إنه نهب بعسكر حلب ماردين في شهر رمضان حتى أخذ ما كان بجامعها، وفعل أفعالاً قبيحة، فحرك فعله ما عند غازان وجعله حجة لمسيره.
وفي شعبان: انعم على الأمير قرا سنقر بنيابة الصبيبة وبانياس، فسار إليهما وتسلمهما فيه.
وفي رمضان: قدم الأمير علاء الدين كجكن إلى القاهرة مقيداً، هو وحمدان بن صلغاي وقد وكل بهما مائة فارس من عسكر الشام. فأرسل بحمدان إلى صفد، فكان آخر العهد به. وقدمت رسل صاحب سيس وصاحب القسطنطينية بهدايا في سادسه. واستقر الأمير شمس الدين سنقر الأعسر في الوزارة عوضاً عن الصاحب فخر الدين عمر بن الخليلي، فضرب التاج بن سعيد الدولة بالمقارع فأسلم، وكان مستوفيا. واستقر شمس الدين أحمد السروجي في قضاء القضاة الحنفية بالقاهرة ومصر، عوضاً عن حسام الدين حسن بن أحمد بن الحسن الرومي، في أول ذي الحجة. ونقل الحسام إلى قضاء الحنفية بدمشق، عوضاً عن والده جلال الدين أحمد بن الحسن.
وفي آخر ذي القعدة: نقل الأمير قرا سنقر من نيابة الصبيبة إلى نيابة حماة، بعد وفاة الملك المظفر تقي الدين. واستناب الأمير بيبرس الجاشنكير في الأستادارية الأمير علم الدين سنجر الجاولي، وحكمه في سائر أمورها، فترك الملك الناصر الاستدعاء لما يريده من مأكل أو مشرب لشدة الحجر عليه، وصار ليس له من المملكة سوى الاسم. وذلك إنهم يجلسونه في يومي الخميس والإثنين، وتحضر الأمراء الأكابر ويقف الأمير سلار النائب والأمير بيبرس الأستادار، ويعرض سلار عليه ما يريده، ثم يشاور فيه الأمراء ويقول: السلطان قد رسم بكذا، فيمضى ذلك. ثم يخرج الجمع، فيجلس سلار وبيبرس ويتصرفان في سائر أمور المملكة، ويتفقان على قلة مصروف السلطان.
وقدم البريد بتحرك غازان وجمعه على السير إلى الشام، فكتب إلى الأمير كزناي والأمير قطلوبك الحاجب بالخروج واللحاق بالأمراء المجردين، فقدموا دمشق في رابع عشرى ذي الحجة. ووقع العزم على سفر السلطان والأمراء، واستدعيت الجند من بلاد مصر، وألزم الوزير سنقر الأعسر بتجهيز الأموال، فتحسن سعر الخيل والجمال والسلاح وآلات السفر. وانتظر العسكر النفقة فيهم، فاجتمع الأمراء لذلك، فلم يوافق بيبرس وسلار على النفقة خوفا من تلاف المال، وقصدا تأخيرها إلى غزة، فلم ترض بقية الأمراء بذلك، وانفضوا على غير رضى. وخرج السلطان في رابع عشرى ذي الحجة بالعساكر ونزل خارج القاهرة، واستناب في غيتبه الأمير ركن الدين بيبرس المنصوري الدوادار.
ووقع في هذه السنة بأرض مصر آفة عظيمة من الفار.

.ومات في هذه السنة ممن له ذكر:

الأمير عز الدين أيبك الموصلي نائب طرابلس، في صفر.
ومات نجم الدين أيوب ابن الملك الأفضل نور الدين على ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، في رابع عشر ذي الحجة بدمشق.
ومات الأمير جمال الدين أقش المغيثي نائب البيرة بها. وقد أقام في نيابتها أربعين سنة ومات الأمير سيف الدين بكتمر الجلمي قتل على سيس.
ومات الأمير بدر الدين بدر الصوافي أحد أمراء الدوادار. أصله من الغرب، فولاه المنصور لاجين دوادارا، وأقامه على تجديد عمارة جامع ابن طولون. واتفق أن شرف الدين عبد الوهاب بن فضل الله كاتب السر مرض، فبعث إليه السلطان بدر الدين وقال: ما بقى يجيء منه شىء، فبعد أسبوع مات بدر الدين، وطلع كاتب السر إلى الخدمة وقد عوفي، وعزى السلطان في الدوادار، فقال السلطان: لا اله إلا الله كان في ظن الدوادار إنه يعزينا في كاتب السر عزانا كاتب السر فيه.
ومات الأمير سيف الدين تمر بغا، وله مسجد بالقرب من الميدان التحتاني بين القاهرة ومصر، وكان كريما. وكان قد توجه مع الملك الناصر إلى الكرك، ثم نقل إلى طرابلس فمات بها.
ومات بحلب من المجردين الأمير سيف الدين البسطي وأحمد شاه، ومحمد بن سنقر الأقرع، وعين الغزال، وكيكلدى بن السرية ومات بناحية سمنود- وكان قد توجه إليها- الأمير سيف الدين طقطاي.
ومات شهاب الدين يوسف بن الصاحب محي الدين محمد بن يعقوب بن إبراهيم ابن هبة الله سالم بن طارق النحاس بن الأسدي الحلبي، في ثالث عشر ذي الحجة بدمشق، وقد قدم القاهرة مراراً.
ومات أمين الدين سالم بن محمد بن سالم بن الحسن بن هبة الله بن محفوظ بن صصري التغلبي، ناظر الدواوين بدمشق، في ثامن عشرى ذي الحجة، وهو مصروف. ومات الأمير علم الدين سنجر المسروري والي القاهرة، وهو المعروف بالخياط.