فصل: سنة أربع وثمانين وستمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك (نسخة منقحة)



.سنة ثلاث وثمانين وستمائة:

في المحرم: توجه عسكر إلى الكرك، وعليه الأمير بدر الدين بكتاش الفخري والأمير طقصوا، فضايقوا الكرك ورعت خيولهم مزارعها.
وفي ثاني عشره: ولي الشيخ معز الدين النعمان الحنفي تدريس المدرسة الصالحية بين القصرين، بعد موت عز الدين المارديني.
واستقر سيف الدين في ولاية قوص، عوضاً عن بهاء الدين قراقوش.
واستقر مجد الدين عمر بن عيسي الحرامي في ولاية سميوط، عوضاً عن سيف الدين.
استقر عز الدين أيدمري الكوجي في ولاية أخميم، عوضاً عن بلبان الفارسي.
واستقر شهاب الدين قرطاي الجاكي في ولاية قليوب، عوضاً عن حسان الدين لؤلؤ الكهاري.
وفي ثاني عشريه: استقر الأمير شمس الدين إبراهيم بن خليل الطوري في ولاية الروحا والطرق السالكة إلى الفرنج وإلى عثليث وحيفا وعكا، عوضاً عن الأمير نور الدين، وأقطع إمرة عشرة.
وفي أول صفر: توجه الأمير سيف الدين المهراني إلى ولاية البهنسا والأشمونين، عوضاً عن كيكلدي وإلى البهنسا، وعن فخر الدين بن التركماني وإلى الأشمونين.
وورد الخبر بقتل القان ثكدار ويدعي أحمد أغا سلالان بن هولاكو، وتملك أرغون ابن أبغا بن هولاكو من بعده.
وفي أول ربيع الآخر: ورد الخبر بحركة الفرنج لأخذ الشام، فتجهز السلطان للسفر وركب بعساكره في يوم الأحد ثامن جمادى الأولى، وتوجه من قلعة الجبل إلى دمشق.
وفي يوم الأربعاء حادي عشره: حضر الموفق أحمد بن الرشيد أبي حليقة إلى الدهليز السلكاني، وأسلم وتسمي بأحمد.
فخلع السلطان عليه، ورسم له بمساواة أخويه في العلوم لما أسلما، وكتب له بذلك.
وفي رابع عشره: كتب بولاية الأمير عماد الدين أحمد بن قباخل البحيرة.
وفي يوم السبت ثاني عشر جمادى الآخرة: دخل السلطان إلى دمشق، فقدم القصاد من بلاد التتار بقتل أحمد أغا وولاية أرغون.
وفي تلك الليلة: ألبس السلطان ألفاً وخمسمائة من مماليكة أقبيه أطلس أحمر بطرز وكلفتات زركش وحوائص ذهب، وأشعل بين يديه ألفا وخمسمائة شمعة مع كل مملوك شمعة. واستدعى عبد الرحمن الموصلي في السنة الماضية من بلاد التتار، فحضر ومعه رفقته الأمير صمداغو التتري والصاحب شمس الدين محمد ابن الصاحب شرف الدين التبتي المعروف بابن الصاحب وزير ماردين. فقدموا للسلطان تحفاً منها نحو ستين حبل لؤلؤ كبارا، وحجر ياقوت أصفر زنته ما ينيف على مائتي مثقال، وحجر ياقوت أحمر، وقطعة بلخش زنتها اثنان وعشرون درهما، وأدوا رسالة الملك أحمد أغا، فلما فرغوا ردهم السلطان إلى مكانهم، ثم استدعاهم واستعادهم كلامهم، ثم ردهم إلى مكانهم، وأحضرهم مرة ثالثة وسألهم، عن أشياء، فلما علم ما عندهم أخبرهم أن مرسلهم الذي بعثهم قد قتل، وتملك بعده أرغون بن أبغا. ثم ردهم إلى قاعة بقلعة دمشق، ونقلهم من قاعة رضوان التي كانوا بها منذ وصلوا إلى دمشق، واقتصر من راتبهم على قدر الكفاية، وطولبوا. بما معهم من المال لأحمد أغا، فأنكروا أن يكون معهم مال فتوجه إليهم الأمير شمس الدين سنقر الأعسر الأستادار، وقال: قد رسم السلطان بانتقالكم إلى غير هذا المكان، فليجمع كل أحد قماشه فقاموا يحملون أمتعتهم وخرجوا فأوقفهم في دهليز الدار وفتشهم، وأخذ منهم جملة كبيرة من الذهب واللؤلؤ ونحوه، منها سبحة لؤلؤ كانت للشيخ عبد الرحمن قومت. بمائة ألف درهم، واعتقلوا فمات عبد الرحمن في ثامن عشري رمضان بالسجن، وضيق على البقية ثم أطلقوا، ما خلا الأمير شمسي الدين محمد ابن الصاحب فإنه نقل إلى قلعة الجبل. بمصر واعتقل بها.
وفيه عزل الأمير علم الدين سنجر الدويداري من شد الدواوين بدمشق، وأضيف إلى الأمير شمس الدين سنقر الأعسر الأستادار بدمشق.
ونقل ناصر الدين الحراني من ولاية مدينة دمشق إلى نيابة حمص، وأضيفت ولاية دمشق إلى الأمير طوغان وإلى البر.
وفيه خرج السلطان من دمشق يريد مصر، بظاهر دمشق.
فلما كانت ساعات من يوم الأربعاء حادي عشري شعبان: حطم سيل بعد مطر عظيم، فحمل أثقال الأمراء والأجناد وخيولهم وجمالهم، فعدم للأمير بدر الدين بكتاص ما تزيد قيمته على أربعمائة ألف وخمسين ألف درهم، وانتهي السيل إلى باب الفراديس، فكسر أقفاله وما خلفه من المتاريس. ودخل الماء إلى إلى المدرسة المقدمية، وبقي كذلك حتى ارتفع النهار.
ثم حدث بعد يومين: مطر شديد هدم عدة مساكن بدمشق وظواهرها، فتلف للناس ما لا يحصي، فأنعم السلطان على الأجناد كل واحد بأربعمائة درهم.
ورحل السلطان من دمشق في رابع عشريه، فوصل قلعة الجبل في يوم الثلاثاء ثامن عشر رمضان. فقدم الخبر من مكة بأن الشريف أبا نمي طرد جند اليمن واستبد بها، وكان من خبره أن مكة كانت بينه وبين قتادة، وكان يؤخذ من حاج اليمن على كل جمل مبلغ ثلاثين درهما، ومن حاج مصر على الجمل مبلغ خمسين درهما مع كثرة النهب والعسف في جباية ما ذكر، فمازال الظاهر بيبرس حتى صار يؤخذ من حاج مصر مبلغ ثلاثين درهما على كل جمل. فجرد المظفر صاحب اليمن إلى مكة عسكرا عليه أسد الدين جغريل، فملكها بعد حرب، فجمع قتادة وأبو نمي العرب لحربه، موقع الاتفاق بينهما أن تكون مكة بينهم نصفين ثم اختلفا بعد مدة، وانفرد أبو نمي وقوي وأخرج عسكر اليمن، واشتد على الحجاج في الجباية. فرسم السلطان بسفر ثلاثمائة فارس صحبة الأمير علاء الدين سنجر الباشقردي، وأنفق في كل فارس ثلاثمائة درهم، وكتب بخروج مائتي فارس من الشام فتوجهوا صحبة الحاج. فكانت بينهم وبين أبي نمي وقعة، وأخربوا الدرب. وكان الحاج كثيرا، فإنها كانت وقفة الجمعة.
وورد الخبر بموت الملك المنصور محمد ابن المظفر تقي الدين محمود ابن المنصور محمد ابن المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب، صاحب حماة، وكانت وفاته في حادي عشر شوال، ففوضت حماة لولده الملك المظفر تقي الدين محمود، وجهز إليه الثقليد والتشريف صحبة الأمير جمال الدين أقش الموصي الحاجب، ومعه عدة تشاريف لجماعة من أهل بيته.
وفي ذي القعدة: قبض على الأمير علم الدين سنجر الحلبي، واعتقل بقلعة الجبل.
وورد الخبر بوفاة الأمير شرف الدين عيسي بن مهنا بن مانع بن حديثة بن عضبة بن فضل بن ربيعة، وكانت وفاته في تاسع ربيع الأول، فاستقر في إمرة العرب ابنه حسام الدين مهنا بن عيسى.
وفي هذه السنة: نجزت عمارة المارستان الكبير المنصوري والمدرسة والقبة.
وفي النصف من ذي الحجة: توجه السلطان إلى دمشق.
وفي هذه السنة: سرح الملك الصالح على ومعه أخوه خليل إلى العباسة، ومعهما الأمير بيبرس الفارقاني وإليه يومئذ أمر رماة البندق، فأقاموا أياماً في الصيد، ومعهم جماعة كثيرة من الرماة. فصرع الصالح طيراً خطته الرماة، وصرع أخوه خليل بعده طيراً آخر. فبعث الفارقاني يبشر السلطان بذلك، ويستأذنه لمن يدعي في الرمي الملك الصاع، فرسم أن يدعي للمنصور صاحب حماة.
فسفر طير الصاع إلى حماة، ومعه هدية سنية وكتاب السلطان وكتاب ابنه الصالح. فخلع المنصور على البريدي القادم بذلك، ووضع الطير على رأسه، وبعث هدية فيها عشرة أنداب بندق ذهب كل ندب خمس بندقات، زنة كل بندقة عشرة دنانير، وعشرون ندب فضة زنة البندقة مائة درهم، وبدلة حرير غيار زركش فيها ألف دينار، وحياصة مكللة، وجراوة زركش فيها البندق المذكور، وعشرون قوسا، وعدة تحف بلغت قيمة ذلك ثلاثين ألف دينار.
وفيها كانت حرب بمكة سببها أن أبا نمي بلغه توجه العسكر، فلم يخرج إلى لقاء الحاج وبعث قواده فقط، فلم يرض الباشقردي إلا بحضوره واستعد للحرب، وقد وقف أبو نمي. بمن معه ليمنع من دخول مكة، وروموا بالحجارة فرماهم الترك بالنشاب، وأحرق الباب ودخل العسكر. فقام البرهان خضر السنجاري حتى أخمد الفتنة، وحملت خلعة أبي نمي إليه، وقضي الناس حجهم.

.ومات في هذه السنة من الأعيان:

صاحب حماة الملك المنصور محمد ابن المظفر محمود بن المنصور محمد ابن المظفر عمر بن شاهنشاه بن أيوب بن شادي، عن إحدى خمسين سنة.
ومات الأمير عيسي بن مهنا بن مانع بن حديثة بن عضبة بن فضل بن البيعة، بعد عشرين سنة من إمارته.
ومات القان تكدار ويدعي أحمد سلطان بن هولاكو بن طلوي بن جنكزخان، عن سبع وثلاثين سنة بالأردو، منها مدة ملكه سنة وأشهر.
وتوفي قاضي دمشق عز الدين أبو المفاخر محمد بن عبد القادر بن عبد الخالق بن خليل بن مقلد بن جابر بن الصائغ الأنصاري الشافعي، وهو معزول، عن خمس وخمسين سنة.
وتوفي قاضي حلب نجم الدين أبو حمص عمر بن العفيف أبي المظفر نصر بن منصور الأنصاري البيساني الشافعي وهو معزول، عن نيف وثمانين سنة بدمشق.
وتوفي قاضي حماة شمس الدين أبو الطاهر إبراهيم بن المسلم بن هبة الله بن حسان ابن محمد بن منصور بن أحمد بن البارزي الجهني الحموي الشافعي، قريبا من المدينة النبوية، ودفن بالبقيع، عن خمس وسبعين سنة.
وتوفي قاضي الإسكندرية ناصر الدين أحمد بن وجيه الدين أبي المعالي محمد بن منصور بن أبي بكر بن القاسم بن المنير الجذامي الإسكندرية المالكي بها، عن ثلاث وستين سنة.
وتوفي الشيخ أبو عبد الله محمد بن موسى بن النعمان التلمساني بمصر، عن سبع وسبعين سنة.
وقتل الدعي أحمد بن مرزوق بن أبي عماد المسيلي الخياط، متملك تونس، وكان قد قدم من أطرابلس، وزعم أنه الواثق أبو زكريا يحيي بن المستنصر، وقتل إبراهيم بن يحيي، فمشي أمره على الناس مدة سنة وستة أشهر.
وبويع بعده الأمير أبو حفص عمر بن يحيي بن عبد الواحد في رابع عشري ربيع الآخر.

.سنة أربع وثمانين وستمائة:

في يوم السبت سادس عشر المحرم: ولد الملك الناصر محمد بن قلاوون، في الساعة السابعة بطالع برج السرطان، وكان مولده بقلعة الجبل، فقدمت البشارة بذلك على أبيه وهو بمنزلة خربة اللصوص قبل قدومه إلى دمشق.
وقدم السلطان دمشق في ثاني عشريه، ثم سار منها ونازل حصن المرقب وهو حصن الإسبتار ثمانية وثلاثين يوما، حتى أخذه من الفرنج عنوة يوم الجمعة تاسع عشر ربيع الأول، وأخرج من فيه إلى طرابلس.
وبعث السلطان إلى سنقر الأشقر بتاج الدين أحمد بن سعيد بن الأثير، يلومه على مكاتبة التتار والاستنجاد بهم ويدعوه إلى الحضور، فوبخه تاج الدين ولامه حتى أناب ووعد بإرسال ولده.
وفي ثامن ربيع الآخر: استقر الشيخ المهذب أبو الحسن بن الموفق بن النجم بن المهذب أبي الحسن بن شمويل الطيب في رئاسة اليهود، وكتب له توقيع برئاسة سائر طوائف اليهود من الربانيين والقرائين والسامرة، بالقاهرة ومصر وسائر ديار مصر.
وفي سابع جمادى الأولى: قدم السلطان إلى دمشق، وفوض وزارة دمشق للقاضي محيي محمد بن النحاس ناظر الخزانة، عوضاً عن تقي الدين توبة التكريتي.
وفي خامس عشره: عزل طوغان عن ولاية دمشق، وبقي على ولاية البر، واستقر في ولاية دمشق عز الدين محمد بن أبي الهيجاء.
وسار السلطان من دمشق يوم الإثنين ثامن عشره، فوصل قلعة الجبل يوم الثلاثاء تاسع عشري شعبان، وكان قد أقام في تل العجول مدة أيام.
وفي سابع رمضان: قدمت رسل الفرنج بتقادم من عند الأنبرور، ومن عند الجنوية، ومن عند الأشكري.
وفي حادي عشره: استقر القاضي مهذب الدين محمد بن أبي الوحش المعروف بابن أبي حليقة في رئاسة الأطباء، ومعه أخواه علم الدين إبراهيم وموفق الدين أحمد، وكتب بذلك توقيع سلطاني، واستقر مهذب الدين في تدريس الطب بالمارستان.
وفي خامس عشره: استقر القاضي تقي الدين أبي الحسن على ابن القاضي شرف الدين أبي الفضل عبد الرحيم ابن الشيخ جلال الدين أبي محمد عبد الله بن شاس المالكي السعدي، في تدريس المدرسة المنصورية.
وفي أول ذي القعدة: وصلت رسل صاحب اليمن بتقادمه: وهي ثلاثة عشر طواشياً، وعشرة أفراس وفيل وكركدن وثماني نعاج، وثمانية طيور ببغاء، وثلاث قطع عود تحمل كل قطعة على رجلين، وحمل رماح قنا، وبهار حمل سبعين جملا، وقماش حمل على مائة قفص، ومن تحف اليمن مائة طبق. فقبل ذلك، وأنعم على رسله وعليه كالعادة.
وفي سادس ذي الحجة: احترقت الخزانة السلطانية والقاعة الصالحية من قلعة الجبل.
وفيه استقر الشيخ شمس الدين محمد بن أبي بكر محمد الأيكي الفارسي في مشيخة الشيوخ بخانقاه سعيد العداء، بعد وفاة الشيخ صاين الدين حسن البخاري.
وفيها استقر شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن بهرام الشافعي في قضاء الشافعية بحلب، عوضاً عن مجد الدين إسماعيل بن عبد الرحمن بن مكي المارديني.

.ومات في هذه السنة من الأعيان:

الأمير علاء الدين أيدكين البندقدار الصالحي نائب حلب، وهو من جملة أمراء مصر بالقاهرة.
وتوفي رشيد الدين أبو محمد شعبان بن على بن سعيد البصراوي الحنفي، بدمشق عن نحو ستين سنة.
وتوفي رضي الدين أبو عبد الله محمد بن على بن يوسف الشاطبي الأنصاري النحوي اللغوي الأديب المؤرخ، وقد أناف على الثمانين بالقاهرة.
وتوفي الحافظ علاء الدين أبو القاسم على بن بلبان الناصري عن اثنتين وسبعين سنة بدمشق، قدم القاهرة.
وتوفي الواعظ زين الدين أبو العباس أحمد بن الأشبيلي بالقاهرة.
وتوفي الأمير مجيد الدين أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن تميم الدمشقي بحماة.

.سنة خمس وثمانين وستمائة:

في ثاني المحرم: سار الأمير حسام الدين طرنطاي نائب السلطنة بعسكر كثيف إلى الكرك، فتلقاه عسكر دمشق صحبة الأمير بدر الدين الصوابي، فتوجه معه إليها، وضايقها وقطع الميرة عنها حتى بعث الملك المسعود خضر ابن الظاهر بيبرس يطلب الأمان. فبعث إليه السلطان الأمير ركن الدين بيبرس الدوادار من قلعة الجبل بالأمان فنزل الملك المسعود وأخوه بدر الدين سلامش إلى الأمير طرنطاي في خامس صفر. واستقر الأمير عز الدين أيبك الموصلي نائب الشوبك في نيابة الكرك.
ووردت البشارة بأخذ الكرك إلى قلعة الجبل في ثامنه. وقدم الأمير طرنطاي بأولاد الظاهر إلى القاهرة، فخرج السلطان إلى لقائه في ثاني عشر ربيع الأول.
وأكرم السلطان الملك المسعود وسلامش، وأمر كل منهما إمرة مائة فارس، وصارا يركبان في الموكب والميادين، ورتبا يركبان مع الملك الصالح علي.
وفيه قدم راجح وزير أبي نمي يشكو من الباشقردي، ويتعذر عن تأخر حضوره فقبل السلطان عذره وطلب منه خجرة وضربا للسلطان، ووعد بإرسال ثمنها إليه.
وفي يوم الخميس رابع عشر صفر: حصل وقت العصر بناحية الغسولة من معاملة مدينة حمص أمر غريب: وهو أن سحابة سوداء أرعدت رعداً شديداً، وخرج منها دخان أسود اتصل بالأرض على هيئة ثعبان في ثخن العمود الكبير الذي لا يحضنه إلا عدة من الرجال، رأسه في عنان السماء وذنبه يلعب في الأرض، شبه الزوبعة الهائلة. وصار يحمل الأحجار الكبار ويرفعها في السماء مثل رمية سهم وأزيد، فتقع على الأرض وتصدم بعضها بعضا، فيسمع لها أصوات مرعبة وتبلغ من هو عنها ببعيد.
واتصل ذلك بأطراف العسكر المجرد بحمص، وعليه الأمير بدر الدين بكتوت العلائي وهم زيادة على ألفي فارس، فما مر بشيء إلا رفعه في الهواء كرمية سهم وأكثر: فحمل السروج والجواشن وآلات الحرب وسائر الثياب، وحمل خرجا من أدم فيه تطاببق ندال للخيل من حديد حتى علا رمية سهم، ورفع الجمال بأحمالها حتى ارتفعت قدر رمح عن الأرض، وحمل كثيرا من الجند والغلمان، فتلف شيء كثير جدا.
ثم غاب الثعبان وقد توجه في البرية نحو المشرق، ووقع بعده مطر.
وفي سلخه: عزل محيي الدين محمد بن يعقوب بن إبراهيم بن النحاس عن وزارة دمشق، وأعيد تقي الدين توبة.
وفي سابع رجب: توجه السلطان إلى الكرك، فوصلها وعرض حواصلها ورجالها وشحن بها ألفي غرارة قمح، وقرر بها بحرية ورتب أمورها، ونظف البركة، وجعل في نيابة الكرك الأمير ركن الدين بيبرس الدوادار، ونقل عز الدين أيبك إلى نيابة غزة، ثم نقله إلى نيابة صفد.
وانتهت زيادة ماء النيل في حادي عشري شعبان إلى سبعة عشر ذراعا وإصبعين.
وسار السلطان من الكرك وأقام في غاية أرسوف حتى وقع الشتاء وأمن حركة العدو، ثم عاد إلى مصر فوصل قلعة الجبل في رابع عشر شوال، فأفرج عن الأمير بدر الدين بكتوت الشمسي والأمير جمال الدين أقش الفارسي.
وفي يوم الأربعاء خامس عشر جمادى الأولى: استقر تقي الدين عبد الرحمن ابن بنت الأعز قضاء مصر والوجه القبلي بعد وفاة وجيه الدين البهنسي. واستمر شهاب الدين محمد الخولي على قضاء القاهرة واستقر في قضاء القضاة المالكية زين الدين على ابن مخلوف ناظر الخزانة، عوضاً عن تفي الدين حسين بن عبد الرحيم بن شاس.
وفي ذي الحجة: استقر الأمير علم الدين أبو خرص الحموي نائباً بحماة. وفيها كانت وقعة بين الأمير بلبان الطباخي نائب حصن الأكراد وبين أهل حصن المرقب، بسبب أخذهم قافلة تجارة قتلة فيها عدة من مماليكه وجرح هو في كتفه، فكتب بمنازلة، فخرج إليه عاكز الشام، ولم تزل عليه حتى أخذته بعد حروب شديدة في يوم الجمعة تاسع عشر ربيع الأول، واستقر الطباخي نائباً به.
وفيها شنع موت الأبقار بأرض مصر، حتى إن شخصاً كان له ثلاثمائة وأربعين رأساً ماتوا بأجمعهم في نحو شهر، وارتفع سعر البقر بزيادة ثلث أثمانها.

.ومات في هذه السنة من الأعيان:

قاضي دمشق بهاء الدين أبو الفضل يوسف بن محيي الدين يحيي بن محمد بن على ابن محمد بن على بن عبد العزيز بن الزكي الأموي الشافعي، عن ست وأربعين سنة بدمشق.
وتوفي قاضي القضاة وجيه الدين أبو محمد عبد الوهاب بن سديد الدين أبي عبد الله الحسيني المهلبي البهنسي الشافعي، في مستهل جمادى الآخرة.
وتوفي جمال الدين أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله البكري الوائلي الشريشي المالكي بدمشق، عن أربع وثمانين سنة، قدم القاهرة.
وتوفي ناصر الدين أبو محمد عبد الله ابن إمام الدين أبي حفص عمر بن على الشيرازي البيضاوي الشافعي قاضي شيراز، بمدينة تبريز.
وتوفي قاضي القضاة تقي الدين أبو على الحسين بن شوف الدين أبي الفصل عبد الرحيم بن عبد الله شاس السعدي المالكي، عن ثمانين سنة.
وتوفي المسند بدر الدين أبو العباس أحمد بن شيبان بن تغلب بن حيدرة الشيباني الصالحي، عن ثمان وثمانين سنة بدمشق، قدم القاهرة.
وتوفي الأديب معين الدين أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عبد الرحمن بن أحمد القهري، عن ثمانين سنة بالقاهرة.
وتوفي الأديب شهاب الدين أبو عبد الله محمد بن عبد المنعم بن محمد بن الخيمي الأنصاري، وقد أناف على الثمانين بالقاهرة.
وفيها مات ملك المغرب أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق بن محيو بن أبي بكر حمامة المريني، في آخر المحرم. وقام من بعده ابنه أبو يعقوب يوسف بن يعقوب. وكانت مدة ملكه ثمانيا وعشرين سنة.