فصل: سنة إحدى وتسعين وسبعمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك (نسخة منقحة)



.سنة إحدى وتسعين وسبعمائة:

أهلت بيوم الخميس.
ففي خامس المحرم: استقر قطلوبك السعدي البريدي والي الشرقية، عوضا عن الأمير شمس الدين محمد بن عيسى العايدي. واستقر ابن عيسى كاشف الشرقية.
وفي ثامنه: قدمت رسل ابن قَرَمان بهدية، فقبلها السلطان، وخلع عليهم.
وفي تاسع عشره: قدمت رسل فرنج جنوة بالخواجا علي وأقارب السلطان ومعه هدية ملكهم، فقبلت، وخلع عليهم.
وفيه قدم الأمير جركس الخليلي من الحجاز بإخوة السلطان.
وفي ثالث عشرينه: قدم البريد من سيس بأن خليل بن دلغادر، ونائب سيس، جمعا تركمان الطاعة وحاربوا سولى بن دلغادر ومنطاش، وقتلوا كثيرا من أصحابهما، وهزماهما، وغنما ما معهما من الأموال والحريم.
وفيه قدم الأمير أقبغا المارداني بالمحمل وبقية الحاج.
وفيه استقر الشيخ جلال الدين نصر الله البغدادي الحنبلي في تدريس المدرسة الظاهرية المستجد بدرس الحديث النبوي، عوضا عن الشيخ أحمد بن أبي يزيد المعروف بمولانا زاده السيرامي. واستقر قاضي القضاة ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن ابن خلدون عوضه في تدريس الحديث بالمدرسة الصَرْغُتمشية، خارج القاهرة.
وفي هذا الشهر: أشيع أن الأمير يلبغا الناصري- نائب حلب- وقع بينه وبين الأمير سودُن المظفري، وكاتب كل منهما في الآخر، فلهج العامة في كل وقت بقولهم: من غلب صاحب حلب، حتى لا تكاد تجد صغيرًا ولا كبيراً إلا ويقول ذلك، حتى كان من غلب الناصري نائب حلب ما يأتي ذكره، فكان هذا من غرائب الاتفاقات.
وفي يوم الأحد خامس صفر: جمع السلطان الأمراء الخاصكية في الميدان تحت القلعة، وشرب معهم القمز، وقرر لشربه يومي الأحد والأربعاء.
وفي سابعه: استقر سيف الدين أبو بكر بن شرف الدين موسى بن الديناري في ولاية قوص، عوضا عن الصارم إبراهيم الشهابي.
وفي عاشره: بعث السلطان هدية الأمير يلبغا الناصري، فيها عدة خيول بقماش ذهب وقباء واستدعاه ليحضر. فلما قدم ذلك عليه خشي أن يفعل به كما فعل بالأمير ألطنبغا الجوباني، فكتب يعتذر عن الحضور بحركهَ التركمان ومنطاش، والخوف على حلب منهم، فلم يقبل السلطان عذره، وكثر تخيله منه. وبعث الأمير تلكتمر المحمدي الدوادار إلى حلب، وعلى يده مثالين ليلبغا الناصري وسودُن المظفري أن يصطلحا بحضرة الأمراء والقضاة. وسير معه خلعتين يلبسانهما بعد صلحهما. وحمله في الباطن عدة ملطفات إلى سودن المظفري، وغيره من الأمراء، بقبض الناصري وقتله إن امتنع من الصلح. وكان مملوك الناصري قد تأخر عن السفر ليفرق كتبًا من أستاذه على الأمراء، يدعوهم إلى موافقته على الثورة بالسلطان. وأخر السلطان جواب الناصري الوارد على يده ليسبقه تلكتمر إلى حلب، فبلغ المملوك ما على يد تلكتمر من الملطفات، وأخذ الجواب، وسار على البريد وجد في السوق حتى دخل حلب قبل تلكتمر. وعرف الناصري الحال كله، ويقال إن تلكتمر كان بينه وبين الشيخ حسن- رأس نوبة الناصري- مصاهرة، فلما قرب من حلب بعث يخبره بما أتى فيه، فتنبه الناصري لما أخبره الشيخ حسن برسالة تلكتمر، واحترز لنفسه. وخرج حتى لقي تلكتمر على العادة، وأخذ منه المثال، وحضر به إلى دار السعادة، وقد اجتمع الأمراء والقضاة وغيرهم لسماع المثال السلطاني. وتأخر سودُن المظفري عن الحضور والرسل تستدعيه، حتى حضر وهو لابس آلة الحرب من تحت ثيابه. فعندما دخل الدهليز جس قازان البرقشي- أمير آخور الناصري- كتفه، فوجد السلاح وقال: يا أمير، الذي يريد الصلح يدخل لابس آلة الحرب. فسبه المظفري، فسل قازان عليه السيف وضربه، وأخذته السيوف من الدين رتبهم الناصري من مماليكه حتى برد، فجرد ممالكيه أيضاً سيوفهم، وقاتلوا مماليك الناصري، فقتل بينهم أربعة. وثارت الفتنة، فقبض الناصري على حاجب الحجاب وأولاد المهمندار، وعدة ممن يخافهم، وركب إلى القلعة وتسلمها. واستدعى التركمان والعربان، وقدم عليه الأمير منطاش معاونا له، وداخلاً في طاعتة. وبعث تلكتمر إلى السلطان، فقدم في خامس عشره وأعلم السلطان بخروج الناصري عن الطاعة، واجتمع الناس معه، وكتب السلطان في سابع عشره إلى الأمير سيف الدين أينال اليوسفي أتابك دمشق بنيابة حلب، وجهز إليه التشريف والتقليد. وطلب السلطان في ثامن عشره القضاة والأعيان وأهل الدولة من الأمراء وغيرهم، وحدثهم بعصيان الناصري واستشارهم في أمره، فوقع الاتفاق على إرسال عسكر لقتاله، فحلف الأمراء كلهم، ثم خرج السلطان إلى القصر الأول، وحلف أكابر المماليك على الطاعة.
وفي تاسع عشره: ضربت خيمة كبيرة بالميدان تحت القلعة، وضرب بجانبها عدة صواوين برسم الأمراء، ونزل السلطان إلى الخيمة، وحلف الأمراء وسائر المماليك. ثم مد لهم سماطاً جليلا، فأكلوا وانفضوا.
وفي رابع عشرينه: قدم البريد من دمشق بأن قرا بغا فرج الله، وبزلار العمري، ودمرداش اليوسفي، وكمشبغا الخاصكي الأشرف، وأقبغا حنجق، اتجمع معهم عدة كبيرة من المماليك المنفيين، وقبضوا على الأمير سيف الدين أسندمر نائب طرابلس، وقتلوا من الأمراء صلاح الدين خليل بن سنجر وابنه وقبضوا على جماعة، ودخلوا في طاعة الناصري.
وفيه عرض السلطان المماليك، وعين منهم أربعمائة وثلاثين للسفر ورسم لمن يذكر من الأمراء بالسفر، وهم: الأمير الكبير أيتمش الأتابك، والأمير جركس الخليلي أمير آخور، والأمير شهاب الدين أحمد بن يلبغا أمير مجلس، والأمير يونس الدوادار، والأمير أيدكار حاجب الحجاب، وهؤلاء أمراء ألوف. ومن أمراء الطبلخانات فارس الصَرْغَتْمُشى، وبَكْلمش رأس نوبة، وجركس المحمدي، وشاهين الصرغتمشى، وأقبغا الصغير السلطاني، وأينال الجركسي أمير آخور، وقديد القلمْطاوي. ومن أمراء العشراوات خضر بن عمر بن بَكتمُر الساقي، وناصر الدين محمد بن محمد بن أقبغا آص وحمل إلى الأمير أيتمشِ مائتا ألف درهم فضة، وعشرة آلاف دينار ذهباً مصرية. وإلى كل من أمراء الألوف مائة ألف درهم وخمسة آلاف دينار ما خلا أيدكار، فإنه حُمل له مبلغ ستين ألف درهم مع الذهب نظيرهم. ولمن عداهم من الأمراء لكل منهم بلغ خمسين ألف درهم، وألف دينار، وأربعمائة دينار.
وفي سادس عشرينه: قدم البريد بأن مماليك الأمير سيف الدين سودن العثماني- نائب حماة- هموا بقتله، ففر إلى دمشق، وأن الأمير سيف الدين بيرم العزي الحاجب بحماة دخل في طاعة الناصري، وملك حماة، فعرض السلطان المماليك وعين منهم أربعة وسبعين، لتتم جملة من يسافر من المماليك خمسمائة.
وورد الخبر باستيلاء الفرنج على جزيرة جَربة.
وفي يوم الجمعة سابع عشرينه: رسم للأمير بجاس والي باب القلعة، فتوجه إلى الخليفة المتوكل، ونقله إلى برج وضيق عليه، ومنع الناس من الدخول إليه خوفاً من الناصري أن يدس من يأخذه، فإنه- أي الناصري- شنع على السلطان بأمور أكبرها سجن الخليفة. فبات الخليفة به ليلة واحدة، ثم أعيد إلى مكانه. ورسم للطواشي مقبل الزمام بالتضييق على الأسياد أولاد الملوك الناصرية، ومنع من يتردد إليهم، والفحص عن أحوالهم، ففعل ذلك.
وفي يوم الإثنين ثاني ربيع الأول: خرج البريد بتقليد الأمير سيف الدين طُغاي تَمُر القبلاوي- أحد أمراء دمشق- نيابة طرابلس.
وفي خامسه: قدم قاصد خليل بن دلغادر بكتاه، يخبر أن سُنْقُر- نائب سيس- توجه إلى الناصري ودخل في طاعته، فلما عاد قبض عليه، وبعث سيفه، فخلع على قاصده.
وفيه أنفق في المماليك نفقة ثانية، فالأولى لكل واحد من الخمسمائة مملوك ألف درهم فضة، والثانية أيضاً ألف درهم، سوى الخيل والجمال والسلاح، فإنه فرق في أرباب الجوامك لكل واحد جملان، ولكل اثنين من أرباب الأخباز ورتب لهم اللحم والجرايات والعليق، فرتب لكل من رءوس النوب في اليوم ست عشرة عليقة، ولكل من أكابر المماليك في اليوم عشر علائق، ولكل من أرباب الجوامك خمس علائق. ورسم لكل مملوك في دمشق بمبلغ خمسمائة درهم.
وفي رابع عشره: استدعى السلطان شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني إلى مسجد رُديني داخل القلعة، واستدعى الخليفة المتوكل على الله فقام إليه وتلقاه، وأخذ في ملاطفته والاعتذار إليه، وتحالفا. ومضى الخليفة إلى موضعه، فبعث إليه السلطان عشرة آلاف درهم، وعدة بقج، فيها صوف وثياب سكندرية، وفرو، لتتمة القيمة عن الجميع ألف دينار. فبعث الخليفة بجزء وافر من ذلك إلى شيخ الإسلام، وإلى والي القلعة.
وتواترت الأخبار بدخول سائر أمراء الشام والمماليك اليلبغاوية والأشرفية، وسولى أمير التركمان، ونعير أمير العربان، في طاعة الناصري على محاربة السلطان. وأنه أقام سناجق خليفتيه، وأخذ جميع القلاع، خلا دمشق وبعلبك والكرك، فكثر الاضطراب بالقاهرة وقلعة الجبل. وخرج الأمراء والمماليك في يوم السبت رابع عشره إلى الريدانية خارج القاهرة بتجمل عظيم واحتفال زائده، فإن الدولة كانت لم تطرق والبلد لم يتغير حاله، والناس في عافية بلا محنة.
وأقاموا في التبريز إلى يوم الإثنين سادس عشره، فكانت أياما مشهودة.
وفيه قدم البريد من صفد بأن وقعة كانت بها من أجل مخامرة بعض الأمراء.
وفيه أنعم على قرابغا الأبو بكري بإمرة صراي الرجي الطويل، وأنعم بإقطاعه على طغايَ تمُر الجَرَكتمُرى.
وفي سابع عشره: عزل موفق الدين أبو الفرج من نظر الجيش، واستقر عوضه جمال الدين محمود القيسري قاضي العسكر الحنفي، واستقر الشيخ شرف الدين عثمان الأشقر إمام السلطان في قضاء العسكر. واستقر القاضي سراج الدين عمر الحنفي العجمي محتسب القاهرة في تدريس التفسير بالقبة المنصورية، عوضاً عن جمال الدين، برغبته له عنه.
وقدم البريد من دمشق بأن سودن العثماني- نائب حماة- جدد له بركا بدمشق، وأقام عسكرا وسار معه الأمير صارم الدين إبراهيم بن هُمُزْ التركماني يريد أخذ حماة، فلقيه الأمير منطاش بعسكر حلب، وقاتله وهزمه إلى حمص، ومعه ابن هُمُز. وفيه أمر السلطان بإبطال الرماية والسلَف على البرسيم والشعير، وإبطال قياس الفصب والقلقاس، والإعفاء بما على ذلك من المقرر السلطاني.
وفي سلخه: عزل مُقْبل الطيبي عن نيابة الوجه القبلي، وأعيد مبارك شاه.
وفي يوم الثلاثاء أول ربيع الآخر: قدم البريد من دمشق بأن كُمُشْبُغا المنجكي- نائب بعلبك- دخل في طاعة الناصري.
وفي خامسه: قدم البريد بأن ثلاثة عشر من أمراء دمشق خرجوا. بمماليكهم إلى حلب نصرة للناصري، فواقعهم النائب بمن معه، وجرح منهم عدة، وساروا إلى حلب. وأن الأمير جركس الخليلي لما قدم إلى غزة، أحس بمخامرة الأمير علاء الدين أقبغا الصفوي نائب غزة، فقبض عليه، وبعثه إلى الكرك، وأقر في نيابة غزة الأمير حسام الدين حسن ابن باكيش.
وفي عاشره: أنعم على بلاط المنجكي بإمرة عشرين، عوضا عن نوغاي العلاي بعد موته.
وفي حادي عشره: عزل ناصر الدين محمد بن العادلي، واستقر عوضه في ولاية منوف أقبغا البَشْتَكي. وعزل الصارم إبراهيم الباشقردي من ولاية أشموم الرمان، واستقر عوضه علاء الدين علي بن المقدم.
وفي تاسع عشره: عزل قنُق السيفي عن كشف الفيوم وولايتها، وكشف البهنسا وأطفيح، واستقر شاهين الكلبكي عوضه. وعزل محمد بن صدقة بن الأعسر من الأشمونين، واستقر عوضه عز الدين أيدَمُر المظفري.
وفي عشرينه: قدم رسول قرا محمد التركماني، ورسول الملك الظاهر صاحب ماردين، بقدومهما إلى الخابور، ويستأذنان في محاربة الناصري، فأجيا بالثناء والشكر، وأنهما ادخرا لأهم من هذا. ودخل العسكر المصري إلى دمشق يوم الإثنين سابع ربيع الآخر، فتلقاه الأمير حسام الدين طُرُنطاَي النائب، واتفقوا على إرسال طائفة من أعيان الفقهاء إلى الناصري ليدخلوا بينه وبين السلطان في الصلح، فساوا في ثاني عشره بكتب الأمراء وهو فيما بين قارا والنبك فلما وصل الجماعة إليه تلقاهم ووعدهم بالجميل وأنزلهم في مكان، ووكل بهم من يحفظهم. وقد سار من حلب بمن معه يريد دمشق. وقد أقبل المماليك السلطانية على الفساد بدمشق، واشتغلوا باللهو حتى نزل عليهم الناصري، في يوم السبت تاسع عشره، خان لاجين- خارج دمشق- فخرج في يوم الأحد ويوم الإثنين حادي عشرينه عساكر مصر ودمشق إلى برزة والتقوا بالناصري علي خان لاجين وقاتلوه قتالا شديداً، انكسر فيه مرتين من المماليك السلطانية. فعندما تنازلوا في المرة الثانية أقلب الأمير أحمد بن يلبغا رمحه، وصاح فرج الله، ولحق بعسكر الناصري، ومعه مماليكه، وتبعه الأمير أيدكار والأمير فارس الصرْغَتْمُشى والأمير شاهين أمير آخور، بمن معهم، وقاتلوا المماليك ومن بقي من أمراء مصر ودمشق، معاونة للناصري، فثبتوا لهم ساعة، ثم انهزموا. فهجم مملوك من عسكر الناصري يقال له يلبغا الزيني الأعور، وضرب الأمير جركس الخليلي فقتله، وأخذ سلبه، وترك رمته بالعراء عارية مدة، إلى أن كفنته امرأة ودفنته. ومدت التراكميين أيديهم ينهبون من انهزم، ويأسرون من ظفروا به. ولحق الأمير أيتَمش بدمشق، وتحصن بقلعتها. وتمزق سائر العسكر، ودخل الناصري دمشق في يومه بعساكره وجموعه، ونزل بالقصر من الميدان، وتسلم القلعة بغير قتال. وأوقع الحوطة على سائر ما للعسكر.
وقيد أيْتَمش وطُرُنَطاي نائب دمشق، وسجنهما بالقلعة. وتتبع بقية الأمراء والمماليك، فقبض من يومه على الأمير بَكلَمش العلاي في عدة من المماليك، واعتقلهم. ومدت الأجناد والتركمان أيديهم إلى النهب، وتبعهم أوغاد الناس، فما عفوا ولا كفوا، وتمادوا على هذا عدة أيام.
وفي رابع عشرينه: عزل سُنْقُر السيفي عن ولاية دمياط واستقر عوضه ركن الدين عمر بن إلياس، قريب قُرُط.
وفي سادس عشرينه: استقر قاضي القضاة ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون في مشيخة الخانقاة الركنية بيبرس، عوضا عن شرف الدين عثمان الأشقر بعد موته.
وفي سابع عشرينه: ورد الخبر من غزة بكسرة الأسراء والممالك في محاربة الناصري، واستيلائه على دمشق، وقتل الخليلي، والقبض على الأمير أيتمش وغيره، فاضطربت الناس بالقاهرة ومصر وظواهرهما اضطرابا عظيما، وغلقت الأسواق، وانتهبت الأخباز، وشغب الزعر، وتجمع أهل الفساد. وكان في البلد وباء، والناس في شغل بدفن موتاهم، فاشتد الخوف، وتزايد الإرجاف، وشنعت القالة.
وفي ثامن عشرينه: صرف سراج الدين عمر بن منصور بن سليمان القرمي العجمي عن حسبة مدينة مصر، واستقر في قضاء العسكر عوضا عن شرف الدين عثمان الأشقر. استقر عوضا عنه في حسبة مصر همام الدين العجمي. واستقر الشيخ شمس الدين محمد بن علي البلالي الحلبي في مشيخة سعيد السعداء، عوضاً عن الشيخ شمس الدين محمد ابن أخي جار الله النيسابوري بعد موته. واستقر شمس الدين محمد القليجي في إفتاء دار العدل عوضا عن النيسابوري.
وفيه خرج السلطان إلى الإيوان، واستدعى المماليك واختار منهم خمسمائة، وأنفق فيهم ذهبا حسابا عن ألف درهم فضة ليتوجهوا إلى دمشق صحبة الأمير سودن الطرنطاي.
وفي تاسع عشرينه: أنفق في خمسمائة مملوك ثم في أربعمائة، لتتمة ألف وأربع مائة مملوك. ثم أنفق في المماليك الكتابية، لكل مملوك مائتي درهم فضة.
وفي يوم الأربعاء أول جمادى الأولى: أنعم على كل من قرابغا الأبو بكري وبجاس النوروزي والي القلعة، وشيخ الصفوي وقرقماس الطشتمري بإمرة مائة وتقدمة ألف، انقلوا إليها من إمرة الطبلخاناه وأنعم على كل من ألجبغا الجمالي الخازندار، وألطنبغا العثماني رأس نوبة، ويونس الأسْعَردي الرماح، وقنق باي الألجاوي اللالا، وأسن بغا الأرغون شاهي، وبغداد الأحمدي، وأرسلان السيفي اللفاف، وأحمد الأرغوني، وجرباش الشيخي، وألطنبغا شادي، وأروس بغا المنجكي، وإبراهيم بن طَشْتمُر العلاي، وقراكسك السيفي، بإمرة طبلخاناه، نقلوا إليها من إمرة العشرة. وأنعم على كل من السيد الشريف بكتمُر الحسني والي القاهرة- كان- وقنق باي الأحمدي بإمرة عشرين. وعلى كل من سيف الدين بطا الطولو تمري، ويلبغا السودوني، وسودن اليحياوي، وتانى بك اليحياوي، وأرغون شاه البيدمري وأقبغا الجمالي الهذباني، وقوزى الشعباني، وتعزي بردي، وبكبلاط السونجي وأردبغا العثماني، وشكرباي العثماني، وأسنبغا السيفي، بإمرة عشرة، وكانوا من جملة المماليك.
وفيه قدم البريد من قطا بأن الأمير أينال اليوسفي، والأمير أينال أمير آخور، وإياس أمير آخور، دخلوا إلى غزة في عسكر، فاشتد الاضطراب، وكثر الخوف، وبدا على السلطان سيماء الزوال. وفي يومه استدعى السلطان القضاة والأعيان وشيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني.
وبعث الأمير سودن الطُرُنْطاي والأمير قُرقُماس الطَشتمُري، فأحضرا الخليفة المتوكل على الله، فقام إليه السلطان وتلقاه وأجلسه، وأشار إلى القضاة فحلفوا كلا منهما للآخر، فحلفا على الموالاة والمناصحة، وخلع على الخليفة، وقيد إليه حجرة شهباء بسرج وكنبوش وسلسلة ذهب، فركب ونزل من القلعة إلى داره، وبين يديه الأمير بجاس النوروزي، وغيره، في موكب جليل إلى الغاية، فكان يوماً مشهوداً. وأًعيدت إقطاعاته ورواتبه، وأخلى له بيت بالقلعة ليسكنه، فنقل إليه حرمه، وسكنه، وصار يركب وينزل لداره، ويسير حيث شاء، من غير ترسيم، إلا أنه لا يبيت إلا بمنزله من القلعة وأفرج فيه أيضاً عن الأمير أسَنْبُغا السيفي ألجاي من خزانة شمايل، وأنعم عليه بإمرة طبلخاناه، وخيل وجمال وثياب وسلاح كبير.
وفيه عرض السلطان المماليك، وهم لابسين آلة الحرب، وقد ركبوا على خيولهم، وتفقد ما يحتاجون إليه، وأنعم عليهم به.
وفي يوم الجمعة: ثالثه قدم الأمير شهاب الدين أحمد بن بقر، أمير عرب الشرقية- ومعه هجان الأمير جركس الخليلي، وحدث السلطان بتفصيل وقعة الأمراء مع الناصري، وأنه فر مع الأمير يونس الدوادار في خمس نفر، فعارضه الأمير عَنْقاء بن شَطِّى أمير آل مرا بالقرب من الخربة، وأخذ يونس الدوادار وقتله، وبعث برأسه إلى الناصري، ووقع الأمير أينال اليوسفي بيد حسن بن باكيش بالقرب من غزة، فبعث به إلى الكرك مقيدا. ففت ذلك في عضد السلطان، واشتد قلقه، وانحط قدره، وزالت مهابته، واستشعر كل أحد ذهاب ملكه منه.
وفي رابعه: نودي في القاهرة ومصر بإبطال سائر المكوس، فتفرق الكتاب وأرباب الشرط من مقاعدهم التي كانوا يجلسون بها لأخذ المكوس.
وفي سادسه: ركب الخليفة المتوكل على الله والأمير سودن الشيخوني- نائب السلطة- وقضاة القضاة، وشيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني، فكان الموكب للخليفة وبجانبه شيخ الإسلام وبين يديه النائب والحجاب والقضاة والأعيان، وداروا، ورجل على فرس أمامهم يقرأ من ورقة، أن السلطان قد أزال المظالم، وهو يأمر الناس بتقوى الله، ولزوم الطاعة، وأنا قد سألنا العدو الباغي في الصلح، فأبى وقد قوي أمره، فاحفظوا دوركم وأمتعتكم، وأقيموا الدروب على الحارات والسكك، وقاتلوا عن أنفسكم وحريمكم فتزايد خوف الناس وقلقهم، وشرعوا في عمل الدروب وشراء الأقوات، والاستعداد للقتال والحصار وكثر كلام العامة وانتقاصهم للدولة، وتجمع الزعر والدُعَّار ينتظرون قيام الفتنة، لينتهبوا الناس. وألزم الوزير الصاحب كريم الدين عبد الكريم بن الغنام مباشري جهات المكس بإحضار مكوس المبيعات، فاعتلوا بأن الناس امتنعوا من إعطاء المكس إعمادا على المناداة بإبطال المكوس، فألزمهم. بمطالبة الباعة بمكس ما أبيع، فكثر بسبب ذلك اضطراب الناس، وتزايد طعنهم وهزؤهم بالدولة، وتناجوا فيما بينهم، وأكثروا من الجهر بقولهم: السلطان من عكسه عاد في مكسه. وبدا من الأمير قرا دمرداش وغيره تخذيل السلطان عن الحركة، وأنه يحصن القلعة، ويقاتل من ورائها. هذا وقد انقطعت الأخبار عن مصر، فإن مأمور نائب الكرك، وابن باكيش- نائب غزة- دخلا في طاعة الناصري ومنعا أحداً أن يرد إلى مصر، فكثر الكلام إلى أن قدم أحد مماليك السلطان الذين حضروا الوقعة، وأخبر بما أخبر به ابن بقر، وذلك في سابعه، فزال الشك وتيقن كل أحد إدبار أمر السلطان.
وفي تاسعه: دمت طوائف من هوارة نجدة للسلطان، ونزلوا تحت القلعة ووقع الشروع في حفر خندق القلعة، ومرمة أسوارها، وتوعير طريق باب القلعة المعروف بياب القرافة، وتوعير باب الحوش، وباب الدرفيل وسدت خوخة أيدغمش حتى صار لا يدخل منها راكب فرس. ونودي بإبطال مكس النشا، ومكس النحاس، ومكس الجلود.
وفي عاشره- وهو يوم الجمعة:- دعى في الخطة بجوامع القاهرة ومصر، للخليفة المتوكل على اللّه قبل السلطان.
وفي ثاني عشره: اجتمع القضاة بالمشهد النفيسي لقراءة تقليد ولد الخليفة المتوكل بنظر المشهد المذكور، ثم توجهوا إلى رباط الآثار النبوية، وقرأوا صحيح البخاري، ودعوا الله تعالى للسلطان، وسألوه إخماد الفتنة.
وفي ثالث عشره: استقر قرا دمرداش أتابك العساكر، عوضا عن أَيتَمش البجاسي، وسودن باق أمير سلاح، وقرقماش الطشتمري الخازندار دوادار عوضاً عن يونس، وقرا بغا الأبو بكري أمير مجلس، عوضا عن أحمد بن يلبغا، وأقبغا المارداني حاجب الحجاب، عوضا عن أيدكار، وتمربغا المنجكي أمير آخور، عوضا عن جركس الخليلي، وخلع عليهم كلهم.
وأنعم على صلاح الدين محمد بن محمد بن تنكز بإمرة طبلخاناه وعلى جلبان الكمشبغاوي الخاصكي بإمرة طبلخاناة.
وفيه كثر الاهتمام بتحصين قلعة الجبل، ونقل الأحجار إليها ليرمى بها في المنجنيق، وأمر سكان القلعة بادخار القوت لشهرين، ورسم بجمع الحجارين لسد فم وادي السدرة بجوار الجبل الأحمر، وأن يبني حائط بين باب الدرفيل وسور القلعة، وأن يبنى أيضاً حائط من جوار باب الدرفيل إلى الجبل.
وفيه أيضاً نودي بأن يركب من له فرس من أجناد الحلقة للحرب، ويخرج من ليس له فرس بنشاب يرمي به مع العسكر، أو يصعد إلى القلعة حتى يرمي من بين شرفاتها، فكثر الهرج، وشنع الكلام، وتزايد القلق، وصارت الشوارع كلها ملآنة بالخيول الملبسة آلة الحرب. وطلبت آلات القتال بكل ثمن، فكسب أربابها مالا جزيلا، وتحاكى الناس عدة منامات روأها، تدل على زوال دولة السلطان، ولهجوا بذلك.
وفي ثامن عشره: استقر الأمير قرا دمرداش الأتابك في نظر المارستان المنصوري بالقاهرة، وخلع عليه، ونزل إليه على العادة وتتبعت عدة طرق تفضي إلى القلعة فسدت.
وفي سادس عشرينه: استقر فخر الدين عبد الرحمن بن مكانس بمفرده في نظر الدولة من غير شريك، بعد وفاة رفيقه تاج الدين بن ريشة.
وفى سابع عشرينه: قدم الأمير علاء الدين الطَشلاقي والي قطيا منهزماً من عساكر الناصري، فرسم للأمير حسام الدين حسين بن على بن الكوراني والي القاهرة، فسد الباب المحروق والباب الحديد- من أبواب القاهرة- وسد باب الدرفيل بجوار القلعة والباب المجاور للقلعة المعروف قديماً بباب سارية ويعرف اليوم بباب المدرج، تحت دار الضيافة. وسد عدة خوخ وأزقة، يتوصل منها إلى القلعة. وركب عند قناطر السباع ثلاثة دروب، أحدهما من جهة مصر، وأخر من طريق قبر الكرماني، وأخر بالقرب من الميدان، وعمل عدة دروب أخر، وحفر خنادق كثيرة. هذا والموت بالطاعون فخبر في الناس.
وأما الناصري فإنه لما استقر بدمشق، نادى في جميع بلاد الشام وقلاعها ألا يتأخر أحد عن الحضور إلى دمشق من النواب والأجناد، ومن تأخر- سوى من عين لحفظ البلاد- قطع خبزه، وسلبت نعمته. فاجتمع الناس إليه بأسرهم، وأنفق فيهم، وخرج من دمشق بعساكر كثيرة جداً، في يوم السبت حادي عشر جمادى الأولى، وأقر في نيابة دمشق الأمير جَنتمُر أخاطاز وسار حتى نزل قطيا، ففر إليه من أمراء السلطان في ليلة الثلاثاء ثامن عشرين جمادى الأولى سيف الدين طُغيتَمنُر الجركتمري، وأرسلان اللفاف، وأزدبغا العثماني، في عدة من المماليك، ولحقوا بالناصري بعد ما صدفوا الأمير عز الدين أندَمُر أبو درقة- ملك الأمراء بالوجه البحري- وقد سار لكشف الأخبار، فضربوه، وأخذوا جميع ما معه، وساقوه معهم، وفرت عنه مماليكه.
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشرينه: أنفق السلطان بالإيوان في العسكر، فأخذ كل من المماليك السلطانية ومماليك الأمراء الألوف وأجنادهم خمسمائة درهم فضة، واستدعاهم طائفة طائفة، وأعطى كل أحد بيده، وسار يحرضهم على القتال معه، وبكى بكاء كثيراً، وفرق جميع الخيول- حتى خيل الخاص- في الأمراء والأجناد.
وفي أثناء ذلك كثرت الشناعة في القاهرة بوصول الناصري ومنطاش، فتزاحم الناس في شراء الخبز، وغلقت الأسواق، ولبس جميع الأمراء آلة الحرب، وركبوا إلى القلعة، ووقفوا بالرميلة، وحمل إلى الأمير أقبغا المارداني جملة مال من السلطان، ليفرق ذلك في الزعر وحملة السلاح من العامة؛ تقوية لهم ليقاتلوا مع العسكر، فاشتد خوف الناس من النهاية وصارت لهم اجتماعات وعصبيات. وافترقوا عدة أحزاب لكل حزب كبير وصاروا يخرجون إلى ظاهر القاهرة ويقتتلون بالحديد والمقاليع، ومن انفردوا من الناس أخذوا ثيابه، فتعطلت الأسواق وشغل كل أحد. مما يترقبه من الخوف والنهب. واستعد الكافة للحصار، وأكثروا من شراء البقسماط والدقيق والدهن ونحو ذلك، ونقل من ذلك ومن الأغنام إلى القلعة شيء كثير جداً. وفي ليلة الأربعاء حضر بهادر والى العرب، وأخبر نزول الناصري إلى الصالحية، ومن معه من العساكر في جهد. وقد وقف لهم في الرمل عدة خيول، واًنه لما وجد الصالحية خالية من العسكر، سر بذلك وسجد للّه شكراً، فإنه كان بحال لو تلقاه عسكر لما وجد فيمن معه منعة يلقى بها، وأن عرب العايد تلقاه بهم الأمير شمس الدين محمد بن عيسى وخدموا على العادة، وأحضروا الشعير وغيره من الإقامات. فرسم للأمير قرا دمرداش أن يتوجه لكشف الأخبار من جهة بركة الحبش؛ خشية أن يأتي أحد من قبل أطفيح، فسار لذلك. ورتب السلطان عسكره نوبتين، نوبة للحفظ بالنهار ونوبة للحفظ بالليل، وسير عدة من الأمراء إلى جهة مرج الزيات طليعة تكشف الخبر.
وفي يوم الأربعاء تاسع عشرينه: أنفق في مماليك أمراء الطبلخاناة والعشراوات، فأعطى كل واحد أربعمائة درهم فضة، وأنفق في الحطبردارية والبزدارية والأوجاقية، وأعطاهم القسى والنشاب، ورتب كثيراً من الأجناد البطالين بين شرفات القلعة ومعهم القسى والنشاب وأنفق فيهم المال، واستدعى رماة قسى الرجل من الإسكندرية فحضروا، وأنفق فيهم، ورتبهم بالقلعة في يوم الأربعاء.
وفيه عاد الأمير سيف الدين قجماس ابن عم السلطان، ومن معه من مرج الزيات، ولم يقفوا على خبر، فخرج ليلة الخميس الأمير سودن الطرنطاي في عدة من الأمراء إلى قبة النصر للحرس، وسارت طائفة أخرى إلى بركة الحبش. وبات السلطان بالإصطبل ساهراً لم ينم، ومعه النائب سودن وقرا دمردش، وعدة من المماليك والأمراء.
وفي يوم الخميس أول جمادى الآخرة: توجه الأمير قرا بغا الأبو بكري إلى قبة النصر، وعاد ولم يقف على خبر. وظل الأمراء نهارهم لابسين آلة الحرب، وهم على ظهور خيولهم بسوق الخيل تحت القلعة، ومعهم مماليكهم، ففر من مماليك السلطان اثنان، ومن ممالك الأمراء نحو الخمسين ولحقوا بالناصري. ودارت النقباء على أجناد الحلقة، فحضروا إلى بيتي الأمير سودن النائب، والأمير أقبغا حاجب الحجاب، ففرقوا على أبواب القاهرة، ورتبوا بها لحفظها. وندب الأمير ناصر الدين محمد بن الدواداري- أحد أمراء الطبلخاناه- ومعه جماعة لحفظ قياسر القاهرة وأسواقها. وأغلق والي القاهرة باب البرقية، وأمر الناس بحفظ الدروب والخوخ، ورتبت النفطية على برج الطبلخاناه وغيره بالقلعة.
وقدم الخبر بنزول طليعة الناصري بلبيس، ومقدمها الطواشي تُقْطاي الطَشْتَمُري. وفي يوم الجمعة ثانيه نزلت عساكر الناصري البير البيضاء، فتسلل إليه العسكر أولاً بأول. فكان أول من يخرج إليه من القاهرة الأمير جبرائيل الخوارزمي، ومحمد بن بَيْدَمُر نائب الشام، والأمير بجمان المحمدي نائب الإسكندرية، وغريب الخاصكي، وأحمد ابن أرغون الأحمدي اللالا.
فنصبت الصناجق السلطانية على برج القلعة، ودقت الكوسات الحربية، فاجتمع الأمراء والمماليك السلطانية والأجناد. وركب السلطان والخليفة المتوكل على الله من القلعة بعد العصر، ووقفا خلف دار الضيافة، وجميع من بقي من العسكر لابسون السلاح. واجتمع حوله من العامة ما لا يقع عليه حصر، ثم سار إلى الإسطبل، وجلس فيه. وصعد الخليفة إلى منزله بالقلعة وقد نزلت الذلة بالدولة، وظهر من جزع السلطان وبكائه ما أبكى الناس شفقة له ورحمة. فلما غربت الشمس صعد إلى القلعة.
وفي يوم السبت ثالثه: نزل الأمير يلبغا الناصري بركة الجب ظاهر القاهرة، ومعه من الأمراء الأمير سيف الدين تمُربغا الأفضلي المدعو منطاش، والأمير سيف الدين بزلار، والأمير سيف الدين كُمُشبغا، والأمير أحمد بن يلبغا الخاصكي، والأمير مأمور، والأمير أيدكار، في آخرين وتقدمت الطلائع إلى مرج الزيات والي مسجد تبر، فغلقت أبواب القاهرة كلها، إلا باب زويلة، وغلقت جميع الدروب والخوخ، وسد باب القرافة، وماج الناس، وانتشر الزعر وأهل الفساد في أقطار المدينة، وأفسدوا.
ونزل السلطان والخليفة من القلعة إلى تحت دار الضيافة، فقدم من الإسكندرية رماة قسى الرجل بالقسى محملة على الجمال، وهم نحو الثلاثمائة رام. ففرق فيهم مائة درهم لكل واحد، ورتبهم في عدة أماكن. ونودي في القاهرة ومصر بإبطال جميع المكوس وفرقت دراهم على العامة. وخرج كثير من العامة إلى بركة الجب، حتى شاهدوا عسكر الناصري وحدثوهم. مما فعله السلطان من تحصين القلعة وغيرها.
وقدم الخبر باًن طليعة الناصري وصلت إلى الخراب طرف الحسينية فلقيهم كشافة السلطان وكسروهم، فسار الأمراء إلى قبة النصر، ونزل السلطان في بعض الزوايا عند دار الضيافة إلى أخر النهار، ثم عاد إلى الإسطبل وعاد إليه الأمراء والمماليك، والكوسات تدق، وهم جميعاً على أهبة اللقاء، ومدافع النفوط لا تفتر، والرميلة قد امتلأت بالزعر والعامة ومماليك الأمراء، فلم يزالوا على ذلك حتى أصبحوا يوم الأحد، فإذا بالأمير علاء الدين أقبغا المارداني- حاجب الحاجب- والأمير جُمق بن الأمير أيتَمُش، والأمير صار الدين إبراهيم بن الأمير طشتمر الدوادار، قد فروا في الليل، ومعهم خمسمائة من مماليك السلطان، ومماليك الأمراء، ولحقوا بالناصري.
وفي يوم الأحد رابعه: فر الأمير قرْقُمَاش الطشتَمُري الدوادار، والأمير ترا دمرداش الأحمدي، والأمير سودن باق، صاروا في جملة الناصري، في عدة وافرة، بحيث لم يتأخر مع السلطان إلا طائفة من خاصكيته، من الأمراء، وابن عمه الأمير قَجْماس، وسودن الشيخوني نائب السلطنة، وسودن الطُرُنطاي، وتَمُربغا المنجكي، وسيدي أبو بكر بن سُنْقُر، وبيبرس التمان تَمُري، وشَنْكل المقدم، وشَيْخ الصفوي.
وفيه أغلق باب زويلة وجميع الدروب والخوخ، وتعطلت الأسواق، وغصت القاهرة بالزعر، واشتد فسادهم، وتلاشت الدولة، واضمحل أمرها. وخاف والي القاهرة على نفسه، فقام من خلف باب زويلة، وسار بمن معه إلى منزله واختفى. وبقي الناس فوضى، فطمع المسجونون بخزانة شمايل، وكسروا قيودهم، وأتلفوا باب الخزانة، وخلصوا على حمية جملة واحدة، فتشبه بهم أهل سجن الديلم والرحبة، وخرجوا أيضاً. واشتد الأمر حتى داخل الخوف كل أحد من الناس على نفسه وماله وأهله، وأمر السلطان من عنده من المماليك، فوقفوا تحت الطبلخاناه، ومنعوا العوام من التوجه إلى يلبغا الناصري؛ لما بلغه من فعلهم بالأمس، فرجمهم العامة بالحجارة، فرماهم المماليك بالنشاب، وقتلوا منهم عدة تزيد على العشرة.
وأقبلت طليعة الناصري، فقاتلهم قجماس ابن عم السلطان، وكثر الرمي عليهم من فوق القلعة بالسهام والنفط والحجارة في المقاليع، وهم يوالون الكر والفر، وأمر السلطان في إدبار، وأصحابه تتفرق عنه شيئاً بعد شيء، وتصير إلى الناصري. وكان السلطان قد فرق في كل من الأمراء الكبار عشرة آلاف دينار، وفي كل من الطبلخاناه خمسة آلاف دينار، وفي كل من العشراوات ألف دينار، وأعطى الأمير قرا دمرداش في ليلة واحدة ثلاثين ألف دينار، وحلفهم ألا يغدروا به، فما أغنى عنه ذلك شيئاً، وفروا عنه، وصاروا مع عدوه عليه، ولم يتأخر عنده إلا من لا غنى فيه. وتكاثر الزعر يريدون نهب القاهرة لكثرة ما كان فيها من حواصل الأمراء، فقاتلهم أهل الحارات والدروب، ومنعوهم، فكان يوماً في غاية الشناعة. فلما كان أخر النهار أراد السلطان أن يسلم نفسه، فمنعه من بقي عنده، وهم قجماس ابن عمه، وسودن النائب، وسودن الطرنطاي، ومحمود الأستادار، وبعض المماليك، وقالوا: نحن نقاتل بين يديك حتى نموت. فلم يثق بذلك منهم، لكنه شكرهم على قولهم.
وقدم بعد العصر من عسكر الناصري الطواشي طُقْطاي الطَشْتُمري، والأمير بزلار العمري، والأمير ألطنبغا الأشرفي، في نحو الألف وخمسمائة فارس، يريدون القلعة، فبرز إليهم الأمير بُطا الخاصكي، والأمير شكربيه في عشرين فارساً، فكسروهم إلى قبة النصر. فلم يغتر السلطان بذلك وعلم أن أمره قد زال، فدبر لنفسه، وبعث الأمير المعروف بسيدي أبو بكر بن سُنقر الحاجب، والأمير بَيْدَمُر المجدي- شاد القصر- بالمنجاة إلى الناصري، ليأخذ له منه الأمان، فساروا في خفية، واجتمعا بالناصري خلوة، فأمنه على نفسه، وأمره بالاختفاء حتى يدبر له أمراً، فإن الفتنة الآن قائمة، والكلمة غير متفقة، فعادا إليه بذلك. فلما صلى العشاء الآخرة قام الخليفة إلى منزله بالقلعة، وبقى في قليل من أصحابه، فأذن لسودن النائب في التوجه إلى منزله، والنظر لنفسه، وفرق البقية، فمضى كل أحد لسبيله. واستقر حتى نزل من الإسطبل، فلم يعرف له خبر، وانفض ذلك الجمع من الأسوار وسكن دق الكوسات، ورمى مدافع النفط. ووقع النهب في حواصل الإسطبل، فاًخذوا منه نحو الألفي أردب من الشعير، ومائتي ألف درهم من الفلوس الجدد، وسائر ما كان فيه. ونهبوا أيضاً ما كان فيه.
ونهبوا أيضاً ما كان بالميدان من الغنم الضأن، وعدتها نحو الألفي رأس. ونبت طباق المماليك بالقلعة، واشتد بأس الزعر، وتخطفوا من مر بهم من المماليك والأجناد، وأخذوا ما عليه وأحاط أصحاب الناصري بالقلعة، وأعلموا الناصري بفرار السلطان، فثبت مكانه.
وزالت دولة الملك الظاهر كأن لم تكن، فكانت مدة تحكمه منذ قبض على الأمير طَشْتَمُر الدوادار في تاسع ذي الحجة سنة تسع وسبعين وسبعمائة، إلى أن جلس على تخت الملك وتلقب بالملك الظاهر في تاسع عشر شهر رمضان سنة أربع وثمانين وسبعمائة، أربع سنين وتسعة أشهر وعشرة أيام.
ويقال له في هذه المدة الأمير الكبير أتابك العساكر. ومن حين تسلطن إلى أن اختفي ست سنين، وثمانية أشهر، وسبعة عشر يوماً فيكون مدة حكمه أميراً وسلطاناً إحدى عشرة سنة وخمسة أشهر وسبعة وعشرين يوماً. وترك ملك مصر وله نحو الألفي مملوك اشتراهم، سوى المستخدمين. وكانت له في مدته هذه آثار فاضلة، منها: إبطاله ما كان يؤخذ من أهل البرلس، وشورى، وبلطيم من أعم المصر شبه الجالية في كل سنة، وهو مبلغ ستين ألف درهم فضة، وما كان يؤخذ على القمح بثغر دمياط من المكس، وما كان يؤخذ من معمل الفراريج بالنحريرية وأعمال الغربية بديار مصر، وما كان يؤخذ على الملح من المكس بعين تاب، وما كان يؤخذ على الدقيق بالبيرة من المكس، وما كان يؤخذ في طرابلس عند قدوم النائب إليها من قضاة البر وولاة الأعمال، عن كل واحد مبلغ خمسمائة درهم، في ثمن بغلة، ويقال لذلك مقرر النائب، وما كان يحمل في كل سنة من الخيل والجمال والبقر والغنم من أهل الشرقية بديار مصر إلى من يسرح إلى العباسة؛ وما كان يؤخذ من مكس الدريس والحلفاء خارج باب النصر من القاهرة، وضمان المغاني بالكرك والشوبك من البلقاء ومنية بني خصيب، وزفتي بديار مصر. وأبطل رمي الأبقار عند فراغ عمل الجسور على أهل النواحي. وأنشأ من العمائر المدرسة بخط بين القصرين من القاهرة. ولم يعمر داخل القاهرة مثلها، ولا بأرض مصر والشام نظيرها، بعد مدرسة السلطان حسن، ولا أكثر معلوماً منها، بعد خانكاة شيخو. وله أيضاً السبيل من الصهريج بقلعة الجبل من أحسن المباني، والسبيل تجاه الإيوان بالقلعة، والطاحون بالقلعة أيضاً، وجسر الشريعة على نهر الأردن، وطوله مائة وعشرون ذراعاً في عرض عشرين ذراعاً. وجدد خزائن السلاح بالإسكندرية، وسور دمنهور بالبحيرة. وعمر الجبال الشرقية بالفيوم، وزريبة البرزخ بدمياط، وقناة بالقدس. وبنى بحيرة برأس وادي بني سالم، قريباً من المدينة النبوية.
وكان حازماً، مهاباً، محباً لأهل الخير والعلم، إذا أتاه أحد منهم قام إليه، ولم يعرف قبله أحد من ملوك الترك يقوم لفقيه، وقل ما كان يمكن قام إليه، وقل ما كان يمكن أحد من تقبيل يديه، إلا أنه كان محباً لجمع المال. وحدث في أيامه تجاهر الناس بالبراطيل، فلا يكاد أن يلي أحد وظيفة ولا عملاً إلا بمال، فترقى للأعمال الجليلة والرتب السنية الأراذل، وفسد بذلك كثير من الأحوال. وكان مولعاً بتقديم الأسافل، وحط ذوي البيوتات، وغيَّر ما كان للناس من الترتيب، وعادى أكابر التركمان والعربان ببلاد الشام ومصر والحجاز.
واشتهر في أيامه ثلاثة أشياء قبيحة: إتيان الذكران، حتى تشبه البغايا لبوارهن بالغلمان، لينفق سوق فسوقهن، وذلك لاشتهاره بتقريب المماليك الحسان، وتهمته وتهمة أمرائه بعمل الفاحشة فيهم. والتظاهر بالبراطيل التي يستأديها، واقتدى الولاة به في ذلك، حتى صار عرفاً غير منكر البتة.
وكساد الأسواق وقلة المكاسب، لشحه وقلة عطائه. وبالجملة فمساوئه أضعاف حسناته. ولقد بعت العبد الصالح جمال الدين عبد الله السَكسيوي المغربي يخبر أبي- رحمهما اللّه- أنه رأى في منامه أن قرداً صعد منبر الجامع الحاكمي، وخطب ثم نزل، ودخل المحراب ليصلي بالناس الجمعة، فثار الناس عليه في أثناء صلاته بهم، وأخرجوه من المحراب. وكانت هذه الرؤيا في أخريات سلطة الملك الأشرف شعبان ابن حسين، وفي سنة ثمان وسبعين وسبعمائة. فكان تقدمه على الناس وسلطنته تأويل هذه الرؤيا، فإنه كان متخلقاً بكثير من أخلاق القردة، شحاً وطمعاً وفساداً ورذالة، ولكن اللّه يفعل ما يريد.

.السلطان الملك الصالح المنصور حاجي:

ابن الملك الأشرف بن حسين بن محمد بن قلاون ولما اختفى الملك الظاهر برقوق في الليل، سار الأمير منطاش بكرة يوم الاثنين خامس جمادى الآخرة إلى باب القلعة، فنزل إليه الخليفة، وسار معه إلى الأمير يلبغا الناصري بقية النصر خارج القاهرة، وقد انضمت أوغاد العامة وزعرانها إلى التركمان من أصحاب الناصري، وتفرقوا على بيوت الأمراء وحواصلهم، فانتهبوا ما وجدوا، وشعثوا الدور، وأخذوا أبوابها وكثيراً من أخشابها، وتطرقوا إلى منازل الناس خارج القاهرة، فانتهبوا كثيراً منها.
وقدم ناصر الدين محمد بن الحسام أستادار أرغون هزكه والي البهنسا، كان من قبل الناصري على أنه والي القاهرة، فوجد باب النصر مغلوقاً، فدخل بفرسه راكباً من الجامع الحاكمي إلى القاهرة، وفتح بابي النصر والفتوح.
واقتحم كثير من عسكر الناصري المدينة، وعاثوا فيها، ومعهم من الزعر وأراذل العامة عالم عظيم، وحاصروا الدروب والحارات والأزقة ليدخلوا إليها وينهبوها، فمنعهم الناس وقاتلوهم جهدهم، فغلب الزعر وأشباههم على حواصل الأمير محمود الأستادار، بالقرب من الجامع الأزهر، وأخذوا منه شيئاً كثيراً، وغلبوا على عدة حوانيت للتجار بشارع القاهرة، ونهبوها، فقاتلهم الناس، وقتلوا منهم أربعة. فمر بالناس من الأهوال ما لا يوصف. وبلغ الخبر الناصري، فندب سيدي أبو بكر أمير حاجب وتنكز بغا رأس نوبة إلى حفظ القاهرة، فدخلا، ونودي بالأمان، وأن من ينهب شيئاً، فلا يلومن إلا نفسه، ونزل تنكز بغا عند الجملون وسط شارع القاهرة، ونزل سيدي أبو بكر عند باب زويلة، فسكن الحال. وعندما أقبل الخليفة إلى وطاق الناصري، قام إليه، وتلقاه، وأجلسه بجانبه، وحضر قضاة القضاة والأعيان للهناء. وأُمر الخليفة فصار إلى خيمة، وأخرج القضاة إلى خيمة أخرى.
واجتمع عند الناصري من معه من الأمراء لتدبير أمرهم، وإقامة أحد في السلطنة، فأشار بعضهم بسلطنة الناصري، فامتنع من ذلك، وانفضوا بغير طائل، فتقدم الناصري بكتابة مرسوم عن الخليفة، وعن الأمير الكبير يلبغا الناصري، بالإفراج عن الأمراء المعتقلين بالإسكندرية، وهم ألطنبغا الجوبانى، وقردم الحسني، وألطنبغا المعلم، وإحضارهم إلى قلعة الجبل وسار البريد بذلك، وأمر بالرحيل من قبة النصر، وركب في عالم كبير من العساكر القادمين معه، وعدتهم فيما يقال نحو الستين ألفاً، وأن عليق جماله في كل ليلة ألف وثلاثمائة أردب. وسار إلى القلعة، فنزل بالإسطبل السلطاني ونزل الخليفة بمنزله من القلعة، ونزلت الأمراء في منازل أمراء الظاهر برقوق، ففي الحال حضر إلى الناصري الوزير الصاحب كريم الدين عبد الكريم بن الغنام وموفق الدين أبو الفرج ناظر الخاص، وجمال الدين محمود ناظر الجيش، وفخر الدين عبد الرحمن بن مكانس ناظر الدولة، والأمير ناصر الدين محمد ابن الحسام شاد الدواوين، وبدر الدين محمد بن فضل الله كاتب السر، وسائر أرباب الوظائف وقاموا بخدمته، فتقدم إلى ابن الحسام بتحصيل الأغنام لمطابخ الأمراء. وإذا بالناس تصرخ تحت القلعة، وتشكوا من كثرة نهب التراكمين والزعر، فأمر الناصري الأمير منكلي الحاجب، وسيدي أبو بكر حاجب الحاجب، وأقبغا المارداني، وبلوط، فنزلوا إلى القاهرة ونودي بأن من نهب من الترك والتركمان والعامة فاقتلوه. ووقف ابن الحسام متولي القاهرة عند باب زويلة لمنع من يدخل إلى القاهرة، وقبض على ثلاثة من التركمان، وسجنوا بخزانة شمايل، فخف الأمر. ونزل أيضاً طائفة من الأمراء لحراسة القاهرة وظاهرها. ورسم للأمير تنكز بغا رأس نوبة بتحصيل مماليك الظاهر برقوق، فأخذ في تتبعهم.
وأصبح الناس يوم الثلاثاء في هرج ومرج وقالات كثيرة في الظاهر برقوق. واستدعى الناصري الأمراء وشاورهم فيمن ينصب في السلطنة، حتى استقر الرأي على إقامة الملك الصالح حاجي بن الأشرف، فإنه خلعه برقوق بغير موجب، فصعدوا من الإصطبل إلى الحوش بالقلعة واستدعوه، وأركبوه بشعار السلطنة من الحوش إلى الإيوان، وأجلسوه على تخت الملك به، ولقبوه بالملك المنصور، وقلده الخليفة أمور الناس على العادة، وقبل الأمراء الأرض بين يديه. ودقت البشاير، وقام إلى القصر وسائر أرباب الدولة بين يديه. ونودي في الحال بالقاهرة بالأمان والدعاء للملك المنصور، والأمير الكبير يلبغا الناصري، وتهديد من نهب، فاطمأن الناس.
ورتب الناصري عند الملك المنصور بالقصر من الأمراء علاء الدين ألطنبغا الأشرفي، وأرسلان اللفاف، وقراكسك، وأردبغا العثماني.
ورسم بمنع الأتراك والتركمان من دخول القاهرة. ونزل سيدي أبو بكر بن سنقر الجمالي، وتنكز بغا رأس نوبة، ونودي بين أيديهما بتهديد من نهب شيئاً، وأقام تنكز بغا عند الجملون وسط القاهرة، وأبو بكر بن سنقر عند باب زويلة، وأخرجا من كان في القاهرة من المماليك والتركمان.
وطلب الأمير حسين بن الكوراني، وخلع عليه عند الناصري باستمراره على ولاية القاهرة، ونزل وقد سر الناس ولايته، فنادى بالأمان، والبيع والشراء، والدعاء للسلطان والأمير الكبير وتعين الصاحب كريم الدين عبد الكريم بن عبد الرزاق بن إبراهيم بن مكانس مشير الدولة، وتعين أخوه فخر الدين عبد الرحمن لنظر الدولة على عادته، وأخوهما زين الدين نصر الله في ديوان الأمير الكبير يلبغا الناصري. فاستدعى الفخر ابن مكانس مباشري الجهات، وأعاد جميع المكوس التي أبطلها الملك الظاهر، فأخذت من الناس على العادة. ونودي بأمان الجراكسة، وأن جميع المماليك والأجناد على حالهم لا يغير على أحد منهم شيء مما هو فيه، ولا يخرج عنه إقطاعه.
وفي يوم الأربعاء سابعه: قدم الجوباني وقردم وألطنبغا المعلم من الإسكندرية على البريد إلى الأمير الكبير، ونودي بأن من ظهر من المماليك الظاهرية فهو باق على إقطاعه، ومن اختفى بعد هذا النداء حل ماله ودمه للسلطان. ورسم لسودن النائب بلزوم بيته بطالاً. وصار الأمير محمود الأستادار إلى ابن مكانس المشير، وترامى عليه، فأصلح حاله على مال يحمله إلى الأمير الكبير، وجمع بينهما، فأمنه الأمير الكبير.
وفي ثامنه: اجتمع الأمراء وغيرهم في القلعة للخدمة السلطانية، فأغلق باب القلعة، وقبض على تسعة من الأمراء المقدمين وهم الأمير سودُن الفخري الشيخوني نائب السلطنة، وسودن باق، وسودن الطرنطاي، وشيخ الصفوي، وقجماس الصالحي ابن عم الظاهر برقوق، وأبو بكر بن سنقر الحاجب، وأقبغا المارديني حاجب الحاجب، وبجاس النوروزي، ومحمود بن على الأستادار، وقبض من أمراء الطبلخاناه على عبد الرحيم بن منكلي بغا الشمسي، وبوري الأحمدي، وتمربغا المنجكي، ومنكلي الشمسي الطرخاني، ومحمد جمق بن الأمير أيتمش، وطوجي، وقرمان المنجكي، وحسن خجا، وبيرس التمان تمري، وأحمد الأرغوني، وأسنبغا الأرغون شاهي، وقنق باي السيفي الجاي، وجرباش الشيخي، وبغداد الأحمدي، ويونس الرماح الأسعردي، وأروس بغا الخليلي، وبطا الطولوتمري، وقوص المحمدي، وتنكز العثماني، وأرسلان اللفاف، وتنكز بغا السيفي، وألطنبغا شادي، وأقبغا اللاشيني، وبلاط المنجكي، وبجمان المحمدي، وألطنبغا العثماني، وعلى بن أقتمر عبد الغني، وإبراهيم بن طشتمر العلاي، وخليل بن تنكزبغا، ومحمد بن الدواداري، وسليمان بن يوسف الشهرزوري، وحسام الدين حسين بن على الكوراني الوالي، وبلبل الرومي الطويل، والطواشي صواب السعدي شنكل المقدم، ومقبل الدواداري الزمام. ومن أمراء العشراوات أزدمر الجوكاني، وقمارى الجمالي، وحلبان أخو مامق، وقلم طاي ابن ألجاي اليوسفي، وأقبغا توز الشيخوني وصلاح الدين محمد بن محمد بن تنكز، وعبدوق العلاي، ويمنشاه الشيخوني، وطولو بغا الأحمدي، ومحمد بن أرغون الأحمدي، وإبراهيم بن الشيخ على ابن قرا، وغريب ابن حاجي، وأسَنْبُغَا السيفي، وأحمد بن حاجي بك بن شادي، وأقبغا الجمالى الهذباني، وأمير زاه بن ملك الكرج، وحلبان الكمشبغاوى، وموسى بن أبى بكر بن سلار أمير طبر، وقنق باي الأحمدي، وأمير حاج بن أيدغمش وكمشبغا اليوسفي، ومحمد بن أقتمر الصاحبي الحنبلي النائب، وأقبغا الناصري حطب، ومحمد بن سنقر المحمدي، وبهادر القجاوي، ومحمد بن طغاي تمر النظامي، ويونس العثماني، وعبد الرحمن بن منكلي بغا الشمسي، وعمر بن يعقوب شاه، وعلى بن بلاط الكبير، ومحمد بن أحمد بن أرغون النائب، ومحمد بن بكتمر الشمسي، وألجبغا الدوادار، ومحمد ابن يونس الدوادار، وخليل بن قرطاي شاد العماير، ومحمد بن قرطاي نقيب الجيش، وقطلربك أمير جندار. وقبض على جماعة من المماليك.
وسفر قجُمْاس ابن عم الظاهر برقرق إلى طرابلس على البريد. وأفرج عن شَنكل المقدم، ومقبل الزمام، وشيخ الصفوي، ومحمد بن يونس الدوادار، وإبراهيم بن طشتمر للدوادار، وعبد الرحيم وعبد الرحمن ابني منكلي بغا، ومحمد بن الدواداري، وخليل ومحمد ابني قرطاي، ويمن شاه، وقماري، وحسين بن الكوراني، وعلي بن أقتمر عبد الغني، وتنكز بغا، وبجمان، وبوري، وأقبغا اللاشيني، وخليل بن تنكزبغا، وسليمان بن يوسف الشهرزوري، وأزدمر الجوكاني، وجامان، وقماري الجمالي، وابن ألجاي اليوسفي، وابن أقتمُر الحنبلي، وابن أيْدَغْمُش، وأحمد بن حاجي بك، وموسى أمير طبر. وسجن البقية بالزردخاناه.
وفيه نودي بالقاهرة ومصر وظواهرهما من أحضر السلطان برقوق وكان عامياً خلع عليه، وأعطى ألف دينار، وإن كان جندياً أعطي إمرة عشرة، وإن كان أمير عشرة أعطي طبلخاناة، وإن كان أمير طبلخاناة، أعطي إمرة مائة، ومن أخفاه بعد النداء شنق، وحل ماله للسلطان، فكثر كلام العامة في ذلك.
وفي ليلة الجمعة: حمل الأمراء المسجونون في الحراريق إلى سجن الإسكندرية خلا الأمير محمود. وعدتهم تسعة وعشرون أميراً، ونفي المماليك.
وفي يوم الجمعة تاسعه: قبض على ابن بقر، وابن عيسى العايدي، وابن حسن السلطاني، وطولبوا بمال قرر عليهم، ثم أطلقوا.
وفي عاشره: أفرج عن أقبغا المارداني بشفاعة صهره أحمد بن يلبغا، فأعيد من الحراقة ومعه محمد بن تنكز، ورسلان اللفاف.
وورد الخبر باجتماع طائفة كبيرة من المماليك الظاهرية بناحية أطفيح، فتوجه إليهم الأمير منطاش، وعاد ولم يلقهم.
وفيه نودي ثانياً على الملك الظاهر، وهدد من أخفاه، فكثر الدعاء من العامة له، وعظم الأسف على فقده وثقلت وطأة أصحاب الناصري على الناس، ونفروا منهم، فصار العامة يلهجون كثيراً، بقولهم: راح برقوق وغزلانه وجاء الناصري وثيرانه.
وفيه قبض على الأمير محمود وولده محمد، وقيد بقيد زنته أربعون رطلاً، وقوائمه عشرة أرطال. وجعل في عنقه ثلاث باشات.
وفي حادي عشره: استقر الشريف بكتمر بن على الحسينى في كشف الجيزة، وابن الطشلاقى في ولاية قطيا على عادته. وقبض على الطواشي بهادر الشهابي مقدم المماليك، كان وقد حضر مع الناصري، وختم على حواصله. وذلك أنه اتهم بأنه أخفى السلطان الملك الظاهر، وأخرج منفيا إلى قلعة المرقب، هو وأسنبغا المجنون.
وفي ثاني عشره: سجن الأمير محمود بالزردخاناه، وهو مقيد. وقبض على شيخ الصفوي، وسجن. وألزم حسين بن الكوراني الوالي بطلب المماليك الظاهرية، فنادى عليهم بالقاهرة ومصر، وهدد من أخفاهم.
وفيه أمر الوالي تجار القاهرة بنقل قماشهم من الحوانيت، وخوفهم من النهب، فاضطرب الناس، وكثر كلامهم، وتوهموا اختلاف الدولة، وقيام الفتنة، وأخذوا في الاحتراز.
وفيه كثر فساد التركمان، وأخذوا النساء من الطرقات، ومن بعض الحمامات، وسلبوا من انفردوا به ثيابه، من غير أن يتجاسر أحد على منعهم.
وكثر أيضاً ضرر الزعر وإخافتهم الناس.
وفيه أمر العسكر بنزع السلاح، وكانوا في هذه الأيام لا يزالوا بالسلاح عليهم وعلى خيولهم، فلا ترى أميراً ولا مملوكاً ولا جندياً إلا لابس آلة الحرب.
وفي يوم الثلاثاء ثالث عشره: غُمز على الملك الظاهر برقوق. وذلك أنه لما نزل من الإصطبل في الليل مختفياً مضى إلى بيت أبى يزيد- أحد أمراء العشراوات- واختفي بداره، فلم يعرف خبره، والطلب له يشتد، وهجم على عدة بيوت بسببه، فلم يوجد. ونكر النداء عليه، فخاف أن يؤخذ باليد، فلا يُبقي عليه، فأعلم الأمير ألطبغا الجوباني بمكانه، فصار إليه، وقيل إنه نزل من الإسطبل ومعه أبو يزيد لا غير، فتبعه نعمان مهتار الطشت خاناه إلى الرميلة، فرده. ومضى هو وأبو يزيد إلى أن أَخلى له مكاناً اختفى فيه. وأخذ الناصري يتتبع أثره حتى سأل المهتار نعمان عنه، فأخبره أنه نزل ومعه أبو يزيد، وإنه لما تبعه رده، فأمر حينئذٍ حسين بن الكوراني بإحضار أبي يزيد، فشدد في طلبه، وهجم بيوتاً كثيرة، فلم يقف له على خبر، فقبض جماعة ممن يعرفه وقررهم، فلم يجد عندهم علماً به. وما زال يفحص حتى دله بعضهم على مملوك أبي يزيد، فقبض على امرأة المملوك وعاقبها، فدلته على أبي يزيد، وعلى الملك الظاهر، وأنهما في بيت رجل خياط بجوار بيت أبي يزيد، فمضى إلى البيت، وبعث إلى الناصري يعلمه، فأرسل إليه الأمراء. وقيل إنه لما نزل من الإسطبل كان نحو نصف ليلة الاثنين، فسار إلى النيل وعدى إلى الجيزة، ونزل عند الأهرام، وأقام ثلاثة أيام ثم عاد إلى بيت أبي يزيد، فأقام عنده إلى يوم الثلاثاء ثالث عشره، حضر مملوك أبي يزيد إلى الناصري، وأعلمه بأن الظاهر في داره أستاذه، فأحضر أبا يزيد وسأله، فاعترف أنه عنده، فأخذه الأمير ألطنبغا الجوباني، وسار به إلى حيث الظاهر، فأوقف الجوباني من معه، وصعد إليه وحده. فلما رآه الظاهر قام له، وهّم أن يقبل يده، فاستعاذ بالله من ذلك. وقال: يا خوند أنت أستاذنا، ونحن مماليكك. ثم ألبسه عمامة وطيلسة، ونزل به وأركبه وشق به الصليبة نهاراً، حتى مر في الرميلة، إلى أن صعد به إلى الناصري في الإصطبل، فحبس بقاعة الفضة من القلعة. وألزم أبو زيد بإحضار ما للظاهر عنده، فأحضر كيساً فيه ألف دينار، فأنعم به عليه، وخلع عليه، وخلى عنه. ورتب لخدمة الظاهر مملوكان وغلامه المهتار نعمان، وقيد بقيد ثقيل.
وفي خامس عشره: أفيض على الخليفة المتوكل تشريف جليل. وخلع على بدر الدين محمد بن فضل الله عند قراءة عهد الملك المنصور، وألبس الأمراء الذين قدموا مع الناصري أقبية مطرزة بذهب. واستقر حسام الدين حسن بن على الكجكني في نيابة الكرك، عوضاً عن مأمور القلمطاوي. وأُنعم على مأمور بإمرة مائة، بديار مصر.
وفي سابع عشره: توجه حسن لنيابة الكرك.
وفي تاسع عشره: قدم البريد من دمشق بأن الأمير أقبغا الصغير، والطنبغا استادار جَنتمُر، اجتمع عليهما نحو الأربعمائة من المماليك الظاهرية ليركبوا على جَنتمُر نائب دمشق، ويملكوا منه البلد. فلما بلغ جَنتمُر ذلك، ركب وكبسهم على حين غفلة، فلم يفلت منهم إلا اليسير، وفيهم أَقْبُغا الصغير.
وفيه أنعم على من يذكر من الأمراء، وخلع عليهم وهم: الأمير سيف الدين بزلار العمري استقر في نيابة دمشق، والأمير سيف الدين كمشبغا الحموي في نيابة حلب، وسيف الدين صنجق السيفي نائب طرابلس، وشهاب الدين أحمد بن محمد ابن المهندار في نيابة حماة.
وفي حادي عشرينه: عرض الأمير ألطُنْبُغا الجوباني المماليك الظاهرية، وأخرج من المستخدمين مائتين وثلاثين لخدمة المنصور، وسبعين من المشتروات، نزلهم بالطباق من القلعة وفرق من عداهم من الأمراء.
وكان الغرض بالإصطبل، وأنعم على كل من أقبغا الجمالي الهذباني أمير أخور ويلبغا السودوني، وتاني بك اليحياوي، وسودن اليحياوي، بإمرة عشرة في حلب، ورسم بسفرهم مع النائب.
وفي ليلة الخميس ثاني عشرينه: رسم بسفر الملك الظاهر بروق إلى الكرك فأخرج من قاعة الفضة ثلث الليل إلى باب الفرافة- أحد أبواب القلعة- ومعه الأمير ألطنبغا الجوباني، فأركبه هجيناً، وعين معه من مماليكه ثلاثة مماليك صغار وهم: سوُدن، وقُطلوبغا، وأقباي. وسار به إلى قبة النصر خارج القاهرة، وأسلمه إلى الأمير شمس الدين محمد بن عيسى العائدي، فتوجه على عجرود إلى مدينة كرك الشوبك، وسلمه إلى الأمير حسام الدين حسن الكجكني نائبها، فأنزله بالقلعة في قاعة النحاس. وكانت ابنة الأمير يلبغا العمري- امرأة مأمور- بالكرك، فقامت له. مما يحتاج إليه من الفرش والآلات. وقدمت له أسمطة تليق به واعتنى حسن الكجكني بخدمته أيضاً، وكان الناصري قد أوصاه له، وقرر معه إن رابه أمر من شيء يبلغه عن منطاش فليفرج عن الظاهر، فاعتمد ذلك، وصار يتلطف به ويعده بالتوجه معه إلى التركمان، فإن له فيهم معارف. وحصن القلعة، وصار لا يبرح عنه، ويأكل معه، حتى أنس به، وركن له، واطمأن إليه.
وفي يوم الخميس: خلع على نواب الشام خلع السفر.
وفيه استقر سيف الدين قُطْلوبُغا الصفوي في نيابة صفد، وسيف الدين بُغاجُق السيفي في نيابة ملطية.
وفيه نودي بالقاهرة ومصر أن المماليك الظاهرية يخدموا مع نواب الشام، وألا يقيم أحد منهم بديار مصر، ومن تأخر بعد النداء حل دمه وماله، ونودي بذلك من الغد.
وفي رابع عشرينه: برز النواب بالريدانية خارج القاهرة للسفر.
وفي سادس عشرينه: أخلع على الأمير يلبغا الناصري، واستقر أتابك العساكر، وعلى الأمير ألطُنْبُغا الجوباني واستقر رأس نوبة النوب، وعلى الأمير سيف الدين قرا دمرداش الأحمدي، واستقر أمير سلاح، وعلى الأمير شهاب الدين أحمد بن يلبغا واستقر أمير مجلس، وعلى الأمير سيف الدين تمرباي الحسني، واستقر حاجب الحجاب.
وخلع على قضاة القضاة الثلاثة: جال الدين عبد الرحمن بن خير المالكي، وشمس الدين محمد الطرابلسي الحنفي، وناصر الدين نصر الله الحنبلي. وخلع على صدر الدين محمد المناوي مفتي دار العدل، وعلى بدر الدين محمد بن على بن فضل الله العمري كاتب السر، وعلى الوزير الصاحب كريم الدين عبد الكريم بن الغنام، وعلى موفق الدين أبي الفرج ناظر الخاص، وعلى جمال الدين محمود القيصري ناظر الجيش، وعلى فخر الدين عبد الرحمن بن مكانس ناظر الدولة، وعلى ناصر الدين محمد بن الحسام شاد الدواوين، وعلى مقدمي الدولة والخاص، باستمرارهم على وظائفهم.
وفيه أعيد السيد الشريف شرف الدين علي بن السيد فخر الدين إلى نقابة الأشراف. وصرف السيد جمال الدين عبد الله الطباطبي. واستقر كُمُشمْبغا الأشرفي الخاصكي نائب قلعة الروم. ولم يخلع على قاضي القضاة ناصر الدين محمد بن بنت ميلق، لتوعكه وانقطاعه.
وفيه رحل النواب من الريدانية، وسافروا إلى البلاد الشامية، وسافر معهم كثير من التركمان وأجناد الشام وأمرائها.
وفيه نودي ألا يتأخر بديار مصر أحد من المماليك الظاهرية، إلا أن يكون في خدمة السلطان أو الأمراء، ومن تأخر شُنق.
وفيه أخذ قاع النيل، فجاء خمسة أذرع وعشرون إصبعاً. ونودي في يومي الأربعاء والخميس أن التركمان والعربان يرجعوا إلى الشام.
وأخلع يوم الخميس تاسع عشرينه على قاضي القضاة ناصر الدين محمد ابن بنت ميلق، وعلى بدر الدين محمد بن شيخ الإسلام البلقيني قاضي العسكِر وعلى أخيه جلال الدين عبد الرحمن مفتي دار العدل، وعلى شهاب الدين أحمد الدَّفري مفتي دار العدل المالكي، وعلى نجم الدين محمد الطَنْبَدي محتسب القاهرة، وعلى همام الدين العجمي محتسب مصر، وعلى شمس الدين محمد الدميري ناظر الأحباس، وعلى بقيه أرباب الوظائف، باستمرارهم على وظائفهم. وأخلع أيضاً على الأمير علاء الدين أقبغا الجوهري واستقر أستادار السلطان، وعلى الأمير آلابغا العثماني واستقر دواداراً كبيراً، وعلى الأمير علاء الدين ألطنبغا الأشرفي واستقر رأس نوبة ثانياً، وعلى الأمير سيف الدين جُلْبان العلاي واستقر حاجباً، وعلى سيف الدين بلاط العلاي واستقر حاجباً، وعلى سيف الدين قطلوبك السيفي واستقر أمير جاندار بإمرة طبلخاناه، وعلى ابن شهري واستقر نائب دُوْركي.
وفيه قدم البريد بوصول الأمير نعير بن حيار بن مهنا أمير العربان إلى دمشق، قاصداً رؤية الملك المنصور. ولم يحضر قط في الأيام الظاهرية.
وفيه قدم فتح الدين محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن الشهيد، كاتب سر دمشق.
وفي سلخه: فرق الناصري المثالات على الأمراء، وجعلهم أربعة وعشرين تقدمة. ونودي في القاهرة ومصر بالأمان، ومن ظُلم أو غُبن، أو قُهر من مدة عشرين سنة فعليه بباب الأمير الكبير يَلبغا أو حاجب الحجاب، حتى يأخذ حقه.
وفيه كُبست بيوت الأسرى، وأُخذ منها جرار الخمر، وكسرت تحت القلعة.
وفي يوم السبت أول شهر رجب: زعق زامر على باب السلسلة تحت الإسطبل- حيث سكن الأمير الكبير- فاجتمع الأمراء والممالك، ولم يعهد هذا الزمر قط بمصر، وذكروا أنها العادة في بلاد حلب، فلما اجتمع العسكر ركب الأمير الكبير يلبغا وسار إلى جهة البحر وعاد.
وفيه عقد مجلس بالمدرسة الصالحية بين القصرين، وحضر القضاة والفقهاء، وجيء بابن سبع من السجن. وقد شُهد عليه بأشياء شَنِعة، وأرد أخصامه إراقة دمه عند القضاة المالكية، فكثر سعيه بالمال حتى فوض أمره للقضاة الشافعية، ليحكموا بحقن دمه، ثم أعيد إلى السجن.
وفي ثالثه: استقر الأمير حسام الدين حسين بن باكيش في نيابة غزة على عادته، وسيف الدين بوري الأحمدي لالا السلطان، وبهاء الدين أرسلان اللفاف السيفي، وسيف الدين قراكسك، وسيف الدين أردبغُا العثماني، رؤوس نوب، واًخلع عليهم.
وفيه رسم أن يكون رؤوس نواب السلحدارية والسقاة والجمدارية ستة لكل طائفة، على ما كانوا أولاً، قبل أن يستقر الملك الأشرف شعبان بهم ثمانية، في سنة ست وسبعين، بزيادة اثنين في كل طائفة. واستقر قُطْلُوبَك السيفي في ولاية قلعة الجبل، عوضاً عن بَجَاس. واستقر زين الدين مْرج السيفي أمير جاندار بإمرة طبلخاناه. وولى شهاب الدين أحمد بن زين الدين عمر القرشي الواعظ قضاء القضاة بدمشق، عوضاً عن سري الدين محمد بن المسلاتي، وأضيف إليه نظر الجامع الأموي، وخلع على الجميع.
وفي خامسه: قدم الأمير نعَيْر، وخرج الأمير الكبير إلى لقائه، ومعه سائر الأمراء، وقدم سرى الدين المسلاتي معه.
وفي سادسه: صعد الأمير نُعَيْر إلى القلعة، وقبل الأرض بحضرة السلطان فخلع عليه، وأنزل بالميدان الكبير تحت القلعة.
وفيه أخلع على الأمير ألابغا الدوادار، واستقر في نظر الأحباس، وعلى قُرْقُماس الطَشْتَمُري، واستقر خازندارا.
وفيه عُقد عند الأمير الكبير مجلس بسبب ابن سبع، وحضر القضاة والفقهاء، وكثر الكلام إلى أن قال قاضي القضاة ولي الدين أبو زيد بن خلدون للأمير الكبير. يا أمير، أنت صاحب الشوكة، وحُكمك ماضٍ في الأمة، ومهما حكمت به نُفذ. فحكم الأمير الكبير بحقن دمه وإطلاقه، فأفرج عنه، ولم يعهد قط أن أحداً من أمراء الترك ولا ملوكهم حكم في شيء من الأمور التي من عادة القضاة الحكم فيها، إلا أن قضية ابن سبع هذا كانت قد شَنُعت وطال أمرها، وكثر التعصب فيها، فقوم يريدون قتله، وقوم يريدون إطلاقه، وجبن القضاة عن إمضاء شيء من ذلك، حتى عُمل ما ذكر، وهى من غريب ما وقع.
وفي ثامنه: أُخلع على الأمير نعير خلعة السفر.
وفي ثالث عشره: أنعم على الطواشي صواب السعدي شنكل بإمرة عشرة، وأخذت منه إمرة الطبلخاناه. ولم يقع مثل ذلك، أن يكون مقدم الممليلك بإمرة عشرة قط. وقبض على الأمير سيف الدين بَهَادُر الأعسر القجاوي المهندار، ونفي إلى غزة.
وفيه أخْلَع الملك المنصور على شخص، وعمله خياط السلطان، فطلبه الأمير الكبير وأخذ منه الخلعة وضربه ضرباً مبرحاً، وأسلمه إلى شاد الدواوين، ثم أفرج عنه بشفاعة أحمد بن يلبغا، فشق ذلك على المنصور وقال: إذا لم ينفذ مرسومي في خياط، فما هذه السلطنة؟ وسكت على مضض.
وفي خامس عشره: قبض على الأمير سيف الدين قراكسك، ونفى.
وفي سابع عشره: رُسم بالإفراج عن الأمراء المسجونين بثغر الإسكندرية، لشفاعة الأمير نُعَيْر فيهم.
وفي ليلة الثلاثاء ثامن عشره: توجه أربعون أميراً من المقدمين والطبلخاناه والعشراوات إلى الشرقية للكبس على العربان الزهيرية، وقد كثر عبثهم، وعظم فسادهم في الريف، وصارت لهم جموع يذبح لهم في بعض الأوقات أربعمائة رأس من الغنم والبقر، حتى يكفيهم أكلة واحدة من كثرتهم.
فسار الأمراء، وفيهم الأمير ألطُنْبُغا، الجوماني ومنطاش، وقرا دمرداش، وشنوا الغارات في السباخ وبلاد أشموم الرمان، وقتلوا جماعة، وأخذوا نحو الثلاثمائة رجل وألف فرس، وعادوا بهم، فسمر منهم في خامس عشرينه نحو الثمانين رجلاً، وطيف بهم على الجمال ومشاة، ثم أفرج عنهم.
وفي سابع عشرينه: استقر طَغَنْجى في نيابة البيرة، وسافر، واستقر بدر الدين محمود الكلُسْتاني السراي في قضاء العسكر، عوضاً عن سراج الدين عمر العجمي. واستقر إمام الدين محمد بن العلاف- وكان مؤدب أطفال مصر ثم اتصل بالناصري بحلب، فصار إمام الأمير الكبير- في حسبة مصر، عوضاً عن همام الدين.
وفي أول شعبان: أُمر المؤذنون بالقاهرة ومصر أن يزيدوا في الآذان لكل صلاة بعد الفراغ منه الصلاة والسلام عليك يا رسول الله عدة مرار.
وسبب هذا أن رجلاً من الفقراء المعتقدين جمع في ليلة الجمعة بعد أذان العشاء الآخرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأعجبه ذلك، وقال لأصحابه. أتحبون أن يعمل هذا في كل أذان؟. قالوا نعم فبات وأصبح، وقد زعم أنه رأى رسول صلى الله عليه وسلم في منامه يأمره أن يقول لنجم الدين الطنْبَدي المحتسب بأمر المؤذنين أن يصلوا عليه عقيب كل أذان، فمضى إلى الطنبَدي- وكان في غاية الجهل- فسره قول هذا الرأي، وأمر بذلك، فاستمر إلى يومنا من سنة عشرين وثمانمائة.
وفي يوم الاثنين ثاني شعبان: استقر علاء الدين على البيري الحلبي- موقع الأمير الكبير- في توقيع الدست، وأخلع عليه. واستقر قطلوبك النظامي، نائب الوجه القبلي، عوضاً عن مبارك شاه. واستقر أَرَسبغا المنجكي كاشف الوجه القبلي، عوضاً عن أبو درقة. واستقر قطلوبغا التركماني والي الفيوم عوضاً عن شاهين العلاي. واستقر تمراز العلاي والي البحيرة، عوضاً عن أَيْدَمُر الشمسي أبو زلطة.
وفيه نودي على النيل ثلاثين إصبعاً.
واستقر مقبل الطيبي والي قوص، عوضاً عن أبي بكر بن موسى بن الديناري. وقبض على أقبغا اللاجيني ونفي إلى الشام. واستقر أمير مَلَك- قريب جَنتمر أخي طاز- في نيابة الرحبة، بتقدمة ألف.
وفيه أنزل بالمماليك السبعين، الذين رتبوا في الطاق بالقلعة، وفرقوا على الأمراء. ورُسم أيضاً بإبطال المقدمين والسوَّاقين والطواشية ونحوهم، وأنزلوا من القلعة، فاتضع أمر الملك المنصور.
وفيه حضر من الإسكندرية الأمير أبو بكر بن سنقر، ومنكلي الطرخاني وطرجي الحسمي، وعبد الرحمن بن منكلي بغا، فسفِّر الطرخاني وطرجي إلى الشام بغير خُبز. ولزم أبو بكر وعبد الرحمن منزلهما بطالين.
وفي خامسه: استقر أقبغا الفيل في ولاية الشرقية، عوضاً عن قطْلُوبك السعدي.
وفي سادسه: نودي بوفاء النيل ستة عشر ذراعاً، وهو سادس مسري أيضاً، ففتح الخيج على العادة.
وفي ثاني عشره: أخلع على الصاحب كريم الدين عبد الكريم بن عبد الرزاق بن إبراهيم بن مكانس، واستقر مشير الدولة. وعلى أخيه زين الدين نصر الله لنظر الإسطبل، واستقر صاحب ديوان الأمير. الكبير، ونزلا وبين أيديهما زامر يزمر، ولم يعهد مثل هذا. بمصر قط.
وفمه أُشيع أن منطاش تنكر مع الأمير الكبير، وتأخر عن الخدمة، وأظهر أنه متضعف؛ ففطن الأمير الكبير بأنه يريد عمل مكيدة، ولم ينزل لعيادته.
وبعث إليه الأمير ألطنْبغا الجوباني في يوم الاثنين سادس عشره، فدخل عليه وقضى حق العيادة، وهمَّ بالقيام، فقبض عليه، وعلى عشرة من مماليكه، وضرب قرقُماس دواداره، فمات من ذلك بعد أيام. وركب منطاش حال مسكه الجوباني في أصحابه إلى باب السلسلة، وأخذ جميع الخيول التي كانت واقفة هناك. وأراد اقتحام الباب ليأخذ الناصري على غفلة، فلم يتمكن من ذلك، وأغلق الباب. ورمى عليه مماليك الناصري من أعلى السور، فعاد ومعه الخيول إلى داره وهى قريب من الرميلة، بجوار مدرسة السلطان حسن، ونهب بيت الأمير أقبغا الجوهري، وأخذ خيله وقماشه، وأصعد إلى مدرسة السلطان حسن الأمير تنكزبغا رأس نوبة، والأمير أَزْدَمُر الجوكاني دوادار الظاهر برقوق في عدة مماليك، وحمل إليها النشاب والحجارة، فرموا على من في الرميلة من أصحاب الناصري من أعلى المأذنتين وجوانب القبة.
وألبس الناصري مماليكه السلاح، وتلاحقت المماليك الأشرفية والظاهرية بمنطاش، وصار في فارس، بعد ما كانت عدة من معه أولاً نحو السبعين فارساً. وأتاه من العامة عالم كبير، فترامى الفريقان واقتتلا.
ونزل الأمير حسام الدين حسين بن الكوراني والي القاهرة، والأمير مأمور الحاجب، من عند الأمير الكبير. ونودي في الناس بنهب مماليك منطاش والقبض على من قدروا عليه، وإحضاره إلى الأمير الكبير، فخرج عليهما طائفة من المنطاشية، وضربوهما وهزموا من معهما، فعادوا إلى الناصري. ولحق الوالي بالقاهرة، وأغلق أبوابها. واشتدت الحرب، وتقرب منطاش من العامة ولاطفهم، وأعطاهم، فتعصبوا له، وتزاحموا على التقاط النشاب الذى يرمي به أصحاب الناصري على منطاش، وأتوه به، وبالغوا في المخاطرهَ معه، حتى كان الواحد بعد الواحد منهم يثب في الهواء، ويختطف السهم وهو مار، ويأتي به منطاش.
ولا يزالون في نقل الحجارة إلى مأذن مدرسة حسن. وأقبل الليل وهم على ذلك، فبات منطاش ليلة الثلاثاء على باب مدرسة حسن، والرمي لا يبطل، وأتاه طوائف من الظاهرية حتى أصبح يوم الثلاثاء، وقد زادت أصحابه على الأف فارس، فأتاه مماليك الأمراء وغيرهم شيئاً بعد شيء، حتى خشن جانبه، واشتد بأسه. فبعث الناصري بالأمير بجمان والأمير قرابُغا الأبو بكري في طائفة كبيرة، ومعهم المعلم أحمد بن الطولوني، وكثير من الحجارين، لينقبوا بيت منطاش من ظهره حتى ينحصر. فبعث إليهم عدة من جماعته قاتلوهم، وأخذوا بجمان والأمير قرابغا وهزموا من معهما، فرتب الناصري عدة رماة على الطبلخاناة، وعلى مدرسة الأشرف، فرموا على منطاش بالمدافع والنشاب، فقتل عدة من العوام، وجرح كثير، ونزل الأمير أحمد بن يلبغا والأمير جمق بن أيمش في جمع كبير، وطردوا العامة، وقتلوا منهم وجرحوا عدداً كبيراً، فحملت العامة في فرسان منطاش عليهم حملة واحدة، وهزموهم أقبح هزيمة.
واستمر ذلك بينهما حتى انقضى النهار، وأقبل إلى منطاش الأمير أقبغا المارداني بطلبه، وصار من جماعته، فتسلل الأمراء عند ذلك واحداً واحداً بعد ذلك، وأتوه. وكل من يأتيه من الأمراء يوكل به من يحفظه، ويبعث به في داره، ويأخذ مماليكه، يقاتل بهم. فلما رأى حسين الكوراني جانب الناصري قد انهضم، خاف واختفى، فطلب منطاش ناصر الدين محمد بن ليلى نائب حسين بن الكوراني، وولاه ولاية القاهرة، وألزمه بتحصيل النشاب. ونزل إلى القاهرة وحمل إليه كثيراً من النشاب. ونادى في القاهرة بالأمان والبيع والشراء وإبطال المكوس والدعاء للأمير منطاش بالنصر، فبعث الناصري الخليفة المتوكل إلى منطاش، فحدثه في الصلح وإخماد الفتنة، فقال: أنا في طاعة السلطان، وموافقة الأمراء. لكن الناصري غريمي، فإنه حلف لي وأنا بسيواس، وحلف لي بحلب وبدمشق، أننا نكون شيئاً واحداً، وأن السلطان يتحكم كيف يشاء. فمنع السلطان من التصرف واستبد هو بالأمر، وأخرج بزلار إلى الشام، وبعثني إلى قتال الفلاحين، ولم يعطني شيئاً من المال، سوى مائة ألف درهم. وأخذ لنفسه أحسن الإقطاعات، وأعطاني أضعفها، تعمل في السنة ستمائة ألف درهم. ووالله ما أنا براجع عنه حتى أقتله أو يقتلني، أو يقيم سلطاناً يستبد بالأمور.
فقام الخليفة وأعاد الجواب على الناصري، فركب. بمن معه ونزل في جمع كبير لقتال منطاش، فبرز إليه وقاتله وكسره، فقوى. وأتاه من الأمراء عبد الرحيم بن منكلي بغا، وصلاح الدين محمد بن تنكز ومعه خمسة أحمال نشاباً، وثمانون حمالاً عليها المآكل، وعشرون ألف درهم، فنزل الأمير قرا دمرداش وأحمد بن يلبغا، وألطنبغا المعلم، ومأمور، في جمع موفور لقتال منطاش، فقاتلهم، واشتد الرمي عليهم من أعلى مدرسة حسن، فرجعوا خائبين. وأتاه العوام بنشاب كثير مما التقطوا من الرميلة، فترقق لهم، وقال أنا واحد منهم ونحو ذلك، وهم يبذلون نفوسهم في خدمته. هذا والرمي شديد من القلعة على مدرسة حسن، ومنها على القلعة. وظفر منطاش بحاصل لجركس الخليلي، وبحاصل لِبَكلمش، فأخذ منهما نشاباً كثيراً، تقوى به.
ونزل إليه الأمير مأمور، وكشلي، وجُمُق بن أيتمش في عدة كبيرة، فبرز إليهم العامة، وأكثروا من رميهم بالحجارة حتى كسروهم مرتين، إلا أن الرمي من القلعة اشتد على من بأعلى المدرسة، وأصاب حجر من حجارة المدافع القبة، خرقها، وقتل مملوكاً من المنطاشية، فبعث منطاش من أحضر إليه ناصر الدين محمد بن الطرابلسي، وكان أستاذاً في الرمي بمدافع النفط. فلما جاءه جرده من ثيابه ليوسطه من أجل تأخره عنه، فاعتذر إليه، ومضى في طائفة من الفرسان، وأحضر الآلات، وصعد أعلى مدرسة حسن، ورمى على الإسطبل حيث سكن الناصري، حتى أحرق جانباً من الخيمة، وفرق ذلك الجمع، وفر السلطان والناصري إلى موضع امتنعا فيه.
ولم يمض النهار حتى بلغت فرسان منطاش نحو الألفين، وبات الفريقان لا يبطلان الرمي، حتى أصبحا في يوم الأربعاء وقد جاء كثير من مماليك الأمراء إلى منطاش، وأتاه الأمير تَمُرباي الحسني حاجب الحجاب، والأمير قُرْدِمُ الحسني في جماعة من الأمراء، وصاروا في جملته. وانتدب لقتاله الأمير قرا دمرداش وأحمد بن يلبغا فهزمهما مراراً عديدة. وفي كل ساعة يتسلل طائفة من أصحاب الناصري إلى منطاش، وتعبث العامة بالأتراك، وصاروا من وجدوه منهم قالوا ناصرى أو منطاشى؟ فإن قال منطاش، تركوه وأتوه به إلى منطاش، وإن قال ناصري أنزلوه عن فرسه وأخذوا ما عليه وسجنوه حتى يأتوا به إلى منطاش. وتكاثروا على بيت الأمير أيدكار حتى أخذوا أيدكار وساقوه إلى منطاش، فأكرمه وأتاه الأمير ألطبغا المعلم أيضاً، فعين لهما جهة يقفا بها ويقاتلا هناك. وبعث إليه الأمير قرا دمرداش يستأذنه في الحضور إليه طائعاً فلم يأذن له وأتاه الأمير بَلوط الصرغتمشي بعدما حاربه عدة مرار، وحضر أيضاً جمق بن أيتمش طائعاً فاعتذر فقبل عذره. فلما أذن العصر اختل أمر الناصري وصار في عدد قليل، فلم يثبت وفر هو وقرا دمرداش، وأقبغا الجوهري، وابن يلبغا، وألابغا الدوادار، وكشلي، في نفر من المماليك، بعد ما أغلق باب الإسطبل. وصعد إلى القلعة وخرج من باب القرافة، فبعث أهل القلعة إلى منطاش بذلك، فسار بمن معه وصعد إلى الإسطبل، ووقع النهب فيه، فأخذ منه من الخيل والقماش والمال شيء كبير جداً. وتفرق الزعر والعامة إلى دور المنهزمين يريدون نهبها، فأخذوا ما قدروا عليه، ومنعهم الناس من عدة مواضع.
وبات منطاش بالإصطبل. وأصبح يوم الخميس تاسع عشره، فصعد القلعة إلى السلطان، وأعلمه أنه في طاعته، وممتثل سائر ما يرسم به، وتقدم إلى رؤوس النوب بجمع المماليك وإنزالهم في الطاق على العادة. ونزل إلى الإسطبل، فأحضر إليه بالأمير أحمد ابن يلبغا، والأمير مأمور، فحبسهما بقاعة الفضة. وأخرج الأمير بجمان المحمدي إلى الإسكندرية، فسجن بها. وكتب بإحضار الأمير سردن الفخري النائب. واستدعى الوزير الصاحب كريم الدين بن الغنام، وبقية المباشرين، وأرباب الدولة، فأتوه. وقبض على كريم الدين بن مكانس، فوكل به من يحفظه، وقبض على الأمير يَلْبُغا الناصري من ناحية سرياقوس، فسجن بقاعة الفضة من القلعة.
وفي العشرين منه: قبض على الأمير قرا دمرداش.
وفيه استقر الأمير سيف الدين دمرداش القَشتَمُري في نيابة الكرك، وخلع عليه، ثم انتقض ذلك من يومه. وقبض أيضاً على الأمير ألطنبغا المعلم، وكشلي القلمطاوي، وأقبغا الجوهري، وألطُنبُغا الأشرفي، وألابغا العثماني، وتمرباي السيفي، وتمرباي الأشرفي، وفارس الصرَغَتْمُشى، وكُمَشبغا شيخ اليوسفي، وعبدوق العلاي، وبعثهم بأجمعهم إلى الإسكندرية.
وفي حادي عشرينه: أنعم على الأمير إبراهيم بن قطلو أقتمر أمير جاندار بإمرة مائة، واستقر أمير مجلس.
وفيه سار البريد بإحضار الأمير قطلوبغا الصفوي نائب صفد، والأمير أسنَدْمُر الشرفي بن يعقوب شاه، والأمير تمان تمر الأشرفي، وعين لكل منهم إمرة مائة.
وفيه ضرب كريم الدين بن مكانس، وعصر مرتين بخزانة شمايل، فحمل مالاً كبيراً من حاصل لجركس الخليلي.
وفي ثاني عشرينه: قبض على الأمير تمرباي الحسني حاجب الحاجب، ويلبغا المنجكي، وإبراهيم بن قطلو أفتمر، أمير مجلس.
وفيه استقر ناصر الدين محمد بن ليلى في ولاية القاهرة، وخلع عليه، وأخرج الطواشي تُقْطَاي الطَشنتَمُري إلى الشام، على إمرة طبلخاناه.
وفي ثالث عشرينه: قبض على الأمير أرسلان اللفاف، وقراكَسَك السيفي، وأيدكار العمري، وقْرْدم الحسني، وأقبغا المارداني، وعدة مماليك.
وفي خامس عشرينه: ظهر فخر الدين بن مكانس ناظر الدولة، والتزم بمال، فخلى عنه، واستمر على وظيفته، وقبض على الطواشي مقبل الدواداري الزمام، وجوهر اليلبغاوي لالا الملك المنصور.
وفيه أنعم على ألطنبغا دوادار الناصري بإمرة في صفد، وعلى بكتمر دواداره أيضاً بإمرة في طرابلس، وعلى رأس نوبته بإمرة في حلب.
وفى سادس عشرينه: نقل قطلوبَكَ النظامي من نيابة الوجه القبلي إلى نيابة صفد، عوضاً عن قطلوبغا الصفوي، وأعيد الأمير مبارك شاه إلى نيابة الوجه القبلي. وأنعم على إبراهيم بن قطلو أقتمر أمير جاندار بإمرة تقدمة في حلب، وأخرج إليها من يومه. وأخرج قراكسك إلى طرابلس على إمرة.
وفيه عذب الطواشي زين الدين صندل المنجكي على ذخائر الملك الظاهر، وعصر مراراً حتى دل عليها. واستقر شمس الدين بن الرويهب في نظر الدولة، رفيقاً للفخر بن مكانس وخلع عليهما.
وفيه ألزم كتاب الدولة بمال فوزع على كل أحد بحسبه. وأعيد همام الدين إلى حسبة مصر، عوضاً عن إمام الدين، وأعيد سراج الدين عمر العجمي إلى قضاء العسكر.
وفي ثامن عشرينه: وصل الأمير سودن النائب من الإسكندرية، فأمر بلزوم داره.
وقدم من الشام الأمير منكلي الشمسي الحاحب، وطوجي الحسني، فأخرجا إلى مدينة قوص منفيين. وحبس الأمير ألطنبغا الجوباني في قاعة الفضة بالقلعة.
وفيه أنفق الأمير منطاش على من قاتل معه، فأعطى مائة منهم ألف دينار لكل واحد، وأعطى جماعة عشرة آلاف لكل منهم، ودونهم لكل واحد خمسة آلاف درهم، ودونهم طائفة لكل منهم ألف درهم، وطائفة لكل واحد خمسمائة درهم، وطائفة لكل منهم مائتي درهم.
وفي تاسع عشرينه: خلع على زين الدين نصر الله بن مكانس، واستمر على نظر الإسطبل. بمال يحمله.
وفي يوم الثلاثاء ثاني شهر رمضان: استدعى منطاش المماليك الظاهرية وأغلق عليهم باب السلسلة، وقبض على نحو مائتي منهم. وبعث بالأمير جلبان الحاجب، والأمير بلاط الحاحب، فقبضا على كثير من الظاهرية.
وأخذ منطاش خيولهم، وقيدوا الجميع، وسجنوا في البرج بالقلعة ونودي من أحضر مملوكاً من مماليك برقوق فله كذا، وهدد من أخفي أحداً منهم، وتتبعت أسبابهم وأتباعهم وألزموا بهم. وقبض أيضاً على الأمير أقبغا المارداني، وقيد بعد ما خلع عليه بولاية الوجه القبلي، عوضاً عن مبارك شاه، ثم عصر حتى يقر على المماليك الظاهرية.
وفي ثالثه: قبض على الأمير سودُن النائب وأُلزم. ممال يحمله، وقبض على الأمير تُردُم الحسني بعد ما أفرج عنه، وقبض على بوري الأحمدي، وأرغون السلامي، وشاهين أمير أخور، وبهادر فطيس أمير أخور، وجماعة من المماليك، واشتد الطلب على الظاهرية. وفي رابعه: ضرب الأمير أقبغا المارداني، وضرب عبد الرحيم ابن الصاحب كريم الدين بن مكانس فحمل مالاً. وألزم سودن النائب بحمل ستمائة ألف درهم، أنعم عليه بها في الأيام الظاهرية.
وفيه نودي بتجهيز الناس للحج مع الأمير أبي بكر بن سنْقُر.
وفيه وقف الناس تحت القلعة، وطلبوا إعادة حسين بن الكوراني إلى الولاية، فإن الزعر اشتدت شوكتهم، وشنع ضررهم، فإن منطاش كان قد استدعاهم، وأنفق فيهم ستين ألف درهم، وجعل عليهم عرفاء.
فأجابهم إلى ذلك، وبعث إليه أماناً، فحضر إليه من اختفائه، واستقر في الولاية، وخلع عليه فنزل في موكب عظيم.
وفي خامسه: نودي على الظاهرية، وهدد من أخفي أحداً منهم، وقبض حسين الوالي على جماعة منهم، وقيدهم، وسجنهم. وتتبع أيضاً الزعر وأخذ ثمانية من كبارهم، ثم أخذ ستة أيضاً، وقطع أيديهم في يوم الأحد سابعه، وشهرهم. وأحضر خفراء الحارات وألزمهم بإحضار الزعر، فأخذوا من كل موضع، وسجنوا بخزانة شمايل، فسكن شرهم.
وفيه قبض على عدة من الظاهرية والناصرية وسجنوا.
وفي ثامنه: قدم الأمير قطلوبغا الصفوي نائب صفد، والأمير أسندَمُر الشرفي بن يعقوب شاه، فأنعم عليهما بالإمرة.
وفيه قبض على من كان في خدمة الأمراء من الناصرية، ومن كان بطالاً، فأخذوا بأجمعهم من البيوت والإصطبلات، وحبسوا بخزانة شمايل في القيود.
وفيه ظفر منطاش بذخيرة للظاهر، كانت بجوار الجامع الأزهر من القاهرة.
وفيه أُفرج عن الأمير محمود الأستادار، وخُلع عليه، وخلى لسبيله.
وفي تاسعه: قبض على الشريف عنان بن مَغَاس، وحبس مقيداً.
وفيه ورد البريد بخروج الأمير نُعير عن الطاعة، غضباً للأمير يلبغا الناصري، واتفق هو وسولي بن دلغادر التركماني، ونهبوا عدة من البلاد الحلبية، وأن الأمير بزلار نائب دمشق خرج عن الطاعة أيضاً.
وفيه استقر أبو بكر بن المزوَّق في ولاية الشرقية، وعزل أقبغا الفيل.
وفي عاشره: قدم من الإسكندرية في النيل إلى بولاق ساحل القاهرة عدة من الأمراء المسجونين، فرسم الأمير منطاش بأن يتوجه منهم ألطنبغا العثماني، وبطا الطولوتَمُري، وألطنبغا شادي، وعبدوق العلاي، إلى دمياط. ويتوجه منهم تمربُغا المنجكي، وقرمان المنجكي، وقُنُق باي السيفي، وبيبرس التمَّان تَمُري، وطوجي الحسني، وقوصون المحمدي، وحسن خُجا، ومُقبل الرومي، وبغداد الأحمدي، ويونس الأسعَردي، وبلاط المنجكي، وطولوبغا الأحمدي، وتتمة خمسة عشر، إلى قوص.
وفيه حمل الأمير سودُن النائب مالاً، واستمر الطلب عليه.
وفي حادى عشره: قبض على الأمير أرغون البحمقدار العثماني، بعد ما كان أخص الناس. منطاش، وقُيد وعُصر.
وفي ثالث عشره: أخرج الطواشي صواب السعدي شَنْكل من القلعة، وأعبد الطواشي جوهر إلى تقدمة المماليك عوضه، واستقر صارم الدين إبراهيم بن بلُرغي في ولاية القلعة، عوضاً عن حمُلْبان أخي مامُق.
وفيه أنعم على كل من يذكر بإمرة مائة وتقدمة ألف وهمِ قُطلوبغا الصفوي، وناصر الدين محمد بن الأمير منطاش، وأسندَمُر بن يعقوب شاه وتمَّان تَمُر الأشرفي، وأيدكار العمري، وأسندمر الشرفي- رأس نوبة منطاش، وجنتمر الأشرفي، ومنكلي بيه الأشرفي، وتُكا الأشرفي، ومنكلي بغا خازندار منطاش، وصراي تَمُر دوادار منطاش. وتمَربُغا الكريمي، وألطبغا الحلبي، ومبارك شاه.
وأنعم على كل ممن يذكر بإمرة طبلخاناه وهم: الشريف بَكتمُر بن على الحسني، وأبو بكر سُنْقُر الجمالي، ودمرداش القَشْتَمُري، وعبد الرحمن بن منكلي بغا، وجُلْبَان السعدي وأروس بغا سلنغر السيفي، وإبراهيم بن طَشتَمُر، وصُربغا الناصري، وتنكز الأعور الأشرفي، وصراي تمَرُ الأشرفي، وأقبغا المنجكي، وتَلَكْتمُر المحمدي، وقرابغا السيفي، وقُطْلُوبُغا الزيني، وتمربغا المنجكي، وأرغون شاه السيفي، ومُقْبل السيفي، ومنطاش أمير سلاح، وطَيْبرَس السيفي رأس نوبة، وبَيْرم خُجا الأشرفي، وألْطبغا الجُرْبغاوي، ومَنْجَك الزيني، وبُزلار الخليلي، ومحمد بن أَسَنْدَمُر العلاي، وطالق بغا السيفي، وإلياس الأشرفي، وقُطْلُوبغا السيفي، وشَيْخو الصرغَتْمُشي وجُلبان السيفي وألطُنبغا الطازي، وإسماعيل السيفي، وحسين بن الكوراني.
وأنعم على كل ممن يذكر بإمرة عشرين، وهم: غريب خطاي، وياينجي الأشرفي، ومنكلي بغا الجوبانى، وقرابغا الأحمدي، وأق كَبَك السيفي، وفرج شاد الدواوين، ورمضان السيفي، ومحمد بن مُغْلَطاي المسعودي والي مصر.
وأنعم على كل ممن يذكر بإمرة عشرة وهم: صلاح الدين محمد بن محمد بن تنكز، وخضر بن عمر بن بَكتمُر الساقي، ومحمد بن يونس الدوادار، وعلى الجركتمري، ومحمد بن رجب بن محمد التركماني، ومحمد بن منكوتَمُر عبد الغني، وجوهر الصلاحي، وإبراهيم بن يوسف بن بلرغي، ولؤلؤ العلاي، وتنكز العثماني، وصُراي تَمُر الشرفي، ومنكلي بغا المنجكي وشيخون الأرغون شاهي، وأقسنقر الأشرفي، وتمربُغا النظامي، وطاز الأشرفي وجركس القرا بغاوي، وأسنبغا التاجي، وسنقر السيفي، وكزل الجوباني، وقرابُغا الشهابي، وقطلوبغا الزيني، وألطنبغا أمير سلاح، وبَكْ بلاط الأشرفي، وكمُشبغا الطشَتُمرى، وبَمبغا العلاى، ويلبغا التركمانى، ورُاسْبُغا الأشرفي، وحاجي اليْلبغاوي، وأرغون الزيني، ويلبغا الزيني، وتمر الأشر وجنبغا الشرفي، وجمق السيفي، وأرغون شاه البكْلَمشي، وألطنبغا الأشقر، وصُراي تمَرُ السيفي، وألطبغا الإبراهيمي، وأقبغا الأشرفي، وألجُبغا السيفي.
وفي خامس عشره: نودي على الزعر، من حمل منهم سيفاً، أو سكيناً، أو شالق بحجر، وُسّط، وتتبعوا، فقطع الوالي في ثامن عشره أيدى ستهَ منهم.
وفي تاسع عشره: قدم قاضي القضاة بدر الدين محمد بن أبي البقاء من دمشق.
وفيه استقر عمر بن خطاب في ولاية الغربية، عوضاً عن أمير فرج بن أيدمر، بحكم انتقاله إلى كشف الوجه البحري: وقبض على الأمير محمود.
وفي عشرينه: قدم البريد باًن الأمير بزلار نائب دمشق قبض عليه الأمير جَنتمُر أخو طاز.
وفيه نزع الأمير منطاش عنه آلة الحرب، وأمر العسكر والأمراء بنزعها فنزعوها. وفي هذه المدة كلها كانوا بأجمعهم لابسين آلة الحرب.
وفي حادى عشرينه: قبض على جمق بن أيتمش، وبيرم العلاي رأس نوبة أيتمش.
وفيه قدم سيف بَزْلار نائب دمشق. وكان من خبره أن منطاش لما غلب على الأمر، كتب يستدعيه في ثلاثة سروج على البريد، فأجاب: لا أحضر إليه إلا في ثلاثين ألفاً فكتب إلى الأمير جَنتمُر، بولاية دمشق أن اقبض عليه. ثم سير إليه التشريف والتقليد، وكتب إليه بأن يكون محمد شاه بن بيدمر أتابك دمشق، وجبرائيل حاجب الحاجب، فتعاون الجماعة عليه وقبضوه، ففر دواداره وأظهر الخلاف، وانضم إليه طائفة كبيرة خارج دمشق.
وفيه قدم البريد من غزة بأن الملك الظاهر برقوق خلص من السجن، واستولى على مدينة الكرك، ووافقه حسن الكجكني النائب، وقام في خدمته وقد حضر إليه ابن خاطر أمير بني عقبة- عرب الكرك- ودخل في طاعته، فاضطرب منطاش.
وكان من خبر الظاهر أن منطاش لما تحكم بمصر بعث شخصاً يعرف بالشهاب البريدي إلى الكرك، ومعه كُتب إلى الأمير حسام الدين حسن الكجكني بقتل الظاهر. وكان هذا الشاب من أهل الكرك، وتزوج بابنة عماد الدين أحمد بن عيسى المقيري قاضي الكرك، ثم شجر بينهما، فما زال به حتى طلقها، وزوجها بغيره. وكانت جميلة، فشق عليه فراقها، وخرج من الكرك. وضرب الدهر ضرباته، فكان من قيام منطاش ما قد ذكرنا، فاتصل به، ووعده بأنه يقتل له الملك الظاهر برقوق. فكتب معه إلى الأمير حسن الكجكني بمعاونته على قتل الظاهر، وأن ينزله بالقلعة، فمضى على البريد ونزل بالمقير، بلد القاضي عماد الدين. ولم يكتم ما في نفسه من الحقد، وقال: والله لأخربن دياره، وأزيد في احكار أملاكه، وأملاك أقاربه بالمقير، فأوحش قلوب الناس منه. وقام في الليل يريد دخول مدينة الكرك، وبعث إلى النائب من يصيح به من تحت السور، فمنعه من ذلك وأحس بالشر. فلما أصبح، أحضره إلى دار السعادة، وقرأ كتاب السلطان، وكتاب الأمير منطاش بأمور أخر. فلما انفض الناس أخرج إليه الكتاب بقتل الظاهر، فقام من فوره ودخل على الملك الظاهر بعد أن أنزل الشهاب في مكان بالقلعة- اختاره قريباً من الموضع الذي فيه الظاهر- وأوقفه على الكتاب، فكاد أن يهلك من الجزع، فحلف عند ذلك بكل يمين أنه لا يسلمه أو يموت. وما زال به حتى سكن روعه.
هذا، وقد اشتهر في المدينة مجيء الشهاب، وكثر الكلام فيه، وثقل على الناس، وخافوا شره. وأخذ يلج في العجلة بقتل الظاهر، والنائب يدافعه إلى أن قال له: هذا ما أفعله بوجه حتى أكتب إلى مصر بما أعرفه.
وبعث البريد بأنه لا يدخل في هذا الأمر، ولكن يحضر إليه من يتسلمه منه، ويفعل فيه ما يرسم له به.
وكان في خدمة الظاهر غلام من أهل الكرك يقال له عبد الرحمن، فنزل إلى جماعة من أوغاد المدينة، وأعلمهم أن الشهاب حضر لقتل الملك الظاهر، فأنفقوا من ذلك، وقاموا إلى القلعة، وهجموا على الشهاب وقتلوه، وجروه برجله إلى باب القاعة التي فيها الظاهر، فلم يشعر- والنائب عنده، وقد ابتدأوا في الإفطار ليلة الأربعاء عاشر شهر رمضان- إلا وجماعة قد اقتحموا عليه، وهم يدعون له بالنصر، وأخذوه بيده حتى أخرجوه، وقالوا: دس بقدمك على رأس عدوك. وأروه الشهاب مقتولاً، ونزلوا به إلى المدينة، فدهش النائب ولم يجد بداً من القيام في خدمته، وتجهيزه. وتسامع به أهل البلاد، فأتوه من كل ناحية.
وفي ثاني عشرينه: استقر محمد بن أسندمر العلاي في نيابة الإسكندرية، عوضاً عن أمير حاج بن مُغْلطاي، واستقر ابن مُغلطاوي أحد الأمراء المقدمين بالقاهرة.
وفيه استقر تاج الدين بهرام بن عبد الله بن عبد العزيز الدميري في قضاء القضاة المالكية بالقاهرة ومصر، بعد وفاة جمال الدين عبد الرحمن بن محمد بن خير الإسكندراني.
وفيه بلغت زيادة ماء النيل إلى ثمانية أصابع من عشرين ذراعاً، وهو يوم عيد الصليب.
وفي خامس عشرينه: قبض منطاش على الأمير قُرقماس الطشتَمُري الخازندار، وعلى الأمير شاهين الصَرْغَتْمُشي أمير أخور، وقُطلوبَك أستادار الأمير أيتمش، وعلى عدة من المماليك الظاهرية. وقَبض على الأمير ناصر الدين محمد بن الحسام شاد الدواوين، وضربه ضرباً كثيراً.
وفيه استقر جلال الدين عبد الرحمن ابن شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني في قضاء العسكر، بعد وفاة أخيه بدر الدين محمد.
وفي تاسع عشرينه: نودي على المماليك الظاهرية، وهدد من أخفي أحداً منهم.
ونودي أيضاً بسفر أجناد غزة من القاهرة إليها.
وفي سلخه: أحضر حسام الدين حسن بن باكيش مملوكاً وبدوياً، حضرا إليه من الكرك تجهيز الإقامات للملك الظاهر وملاقاته، فسحنا بخزانة شمايل.
وفي يوم الأربعاء أول شوال:- وهو عيد الفطر- نزل الملك المنصور وصلى صلاة العيد بالميدان، وحمل الأمير قطلو أقتمر القبة على رأسه.
وفي ثالثه: أفرج عن كريم الدين بن مكانس بعد أن حمل أربعمائة ألف درهم فضة، وانساق حاصل الأمير منطاش على ثلاثماية ألف دينار، وخمسة وثلاثين ألف دينار مصرية، سوى الدراهم وغير ما أنفقه.
وفي خامسه: سُمّر الذين أحضرهما ابن باكيش من الكرك، ونودي ألا يسافر أحد إلى الحجاز من الخاص والعام إلا بورقة فيها إذن الأمير الكبير منطاش.
وفي سادسه: رُسم بسفر أربعة آلاف فارس إلى غزة، وأربعة أمراء هم: أسنَدمُر اليوسفي، وقُطلوبغا الصفوي، ومنكلي بيه الأشرفي، وتَمُر بُغا الكريمي، وأُنفق في كل أمير ماية ألف درهم.
وفيه استقر ناصر الدين محمد بن العادلي في ولاية منوف، وعمر بن قادوس والي أكوم الرمان، وعزل علي بن المقدم.
وفيه عين مائة مملوك للسفر صحبة أمير الركب إلى الحجاز.
وفي سابعه: خُلع بحضرة الملك المنصور على الأمير منطاش، وفوض إليه تدبير الأمور، وصار أتابك العساكر. وعلى قطلوبُغا الصفوي واستقر أمير سلاح. وعلىَ تمان تَمُر الأشرفي، واستقر رأس نوبة النوب. وعلى أسندمر بن يعقوب شاه، واستقر أمير مجلس. وعلى ألطنبُغا الحلبي، واستقر دواداراً. وعلى تكَا الأشرفي، واستقر رأس نوبة. واستقر إلياس الأشرفي أمير أخور بإمرة طبلخاناه، وأرغون شاه السيفي رأس نوبة أيضاً، وتمُربغا المنجكي رأس نوبة رابعاً، وقطلوبغا الأرغوني أستاداراً، وجقمق السيفي شاد الشراب خاناه.
وفي ثامنه: خلع على الأميرَ تمّان تمر رأس نوبة لنظر المارستان المنصوري، وعلى الأمير أَلْطنبغا الحلبي الدوادار لنظر الأحباس.
وفيه بطل أمر التجريدة خوفاً من المماليك أن يخامروا ويذهبوا إلى الملك الظاهر.
وفي تاسعه: استقر الأمير أيدكار العمري حاجب الحجاب، والأمير أصر حاج بن مغلطاي حاجباً ثانياً.
وفيه استدعى الصاحب شمس الدين عبد الله المقسي، وعرض عليه الأمير الكبير منطاش الوزارة ونظر الخاص، وأحضر التشريف ليلبسه فامتنع، واعتذر بأن يديه ورجليه قد بطلت من ضَرَبان المفاصل، وكان قد عصبهما، ولم يحضر إلا محمولاً، فقبل عذره وخلِّى عنه. واستدعى الوزير الصاحب كريم الدين عبد الكريم بن الغنام، وقرر عليه مال، وخلع عليه بالاستمرار. وخلع أيضاً على موفق الدين أبي الفرج ناظر الخاص، وألزم بمال يحمله.
وفيه سُمر أربعة من الأمراء وهم: سودُن الرماح أمير عشرة رأس نوبة وألطبغا أمير عشرة. وأيران من الشام، ووسطوا.
وفي عاشره: أفرج عن ناصر الدين محمد بن الحسام، شاد الدواوين.
وفي حادي عشره: ضرب نجم الدين محمد الطنبدي محتسب القاهرة عند الأمير الكبير، وألزم بمال يحمله.
وفي ثاني عشره: أعيد سراج الدين عمر إلى حسبة القاهرة.
وفيه حمل جهاز خوند بنت الملك الأشرف وأخت الملك المنصور إلى القلعة، لتزف على الأمير الكبير منطاش- وقد عقد عليها- فكان على خمسمائة حمال، وعشرة قُطر بغال. ومشى الحجاب والعسكر معه، فخلع عليهم كلهم. وبنى عليها من ليلته، واهتم للعرس اهتماماً زائداً. وعندما زفت إليه خوند، علق بشربوشها ديناراً زنته مائتا مثقال، ثم ديناراً زنته مائة مثقال. وفتح للقصر باباً من الإسطبل بجوار باب السر.
وفي ثالث عشره: استقر شمس الدين محمد السلاوي الدمشقي في قضاء المدينة النبوية، عوضاً عن الشيخ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي شيخ الحديث.
وقدم البريد بدوادار بزلار نائب دمشق الثائر بها، ومعه أمير أخر، فسجنا.
وفيه استقر تنكز الأعور نائب حماة، عوضاً عن طُغاي تمَرُ القبلاوي.
وأخرج عدة من الظاهرية إلى قوص. وعزل عمر بن قُرُط عن ولاية أسوان، واستقر عوضه أبو درقة.
وفيه قدم البريد بأن الأمراء المقيمين. ممدينة قوص خرجوا عن الطاعة، وقبضوا على الوالي، فندب إلى الخروجَ تمُربغا الناصري، وبيرم خجا، وأروس بغا، من أمراء الطبلخاناه.
وفيه انتهت زيادة ماء النيل إلى تسعة عشر ذراعاً وثمانية عشر أصبعاً، ولم يسمع بمثل ذلك إلا في النادر. وثبت إلى تاسع بابه، ثم انحط.
وفي ثالث عشرينه: قُبض على نور الدين على الحاضري وضُرب، وعُصر وسجق، بسبب تحدثه بمجيء كتب الملك الظاهر، وأنه هو الذى ينتصر.
وفيه قدم البريد بخروج الأمير كمشبغا الحموي نائب حلب عن الطاعة، وأنه حارب إبراهيم بن قُطلو أَقتمُر أمير جاندار، وقبض عليه ووسطه- هو وشهاب الدين أحمد بن عمر بن أبي الرضا الشافعي قاضي حلب- بعد أن قاتلوه ومعهم أهل بانقوسا فلما ظفر بهم قتل عدة كبيرة منهم.
وفيه استقر الأمير أق كَبك السونجة أمير علم بإمرة طبلخاناه.
وفي خامس عشرينه استقر في نظر الخاص الوزير الصاحب كريم الدين بن الغنبم، عوضاً عن موفق الدين أبي الفرج. واستقر عوضه في الوزارة موفق الدين أبو الفرج، وخلع عليهما.
وفيه قدم البريد بأن الأمير حسام الدين حسن بن باكيش نائب غزة، جمع العشير وسار لمحاربة الملك الظاهر.
وقدم البريد بقوة شوكة الأمراء الخارجين بالصعيد، فخرج الأمير أسندمر بن يعقوب شاه في نحو الخمسمائة فارس، وسار في ثامن عشرينه.
وفي سادس عشرينه: أفردت بلاد من الخاص، وتحدث فيها ناصر الدين محمد بن الحسام، فحنق من ذلك الصاحب كريم الدين بن الغنام، واستعفى، فقبض عليه وسجن بقاعة الصاحب من القلعة، وأخذ خطة بثلاثمائة ألف درهم فضة، وقبض على بعض حواشيه.
وفيه استقر أمير علي بن القرماني في ولاية الجيزة وعزل قراجا العلاي. واستقر طشبغا القَشْتَمُري والي دمياط.
وفيه ورد الخبر باتفاق الولاة مع الأمراء بالصعيد. وكان من خبرهم أنه لما استقر أبو درقة في ولاية أسوان سار إلى ابن قرط، واتفقا على المخامرة، وسارا إلى قوص وأفرجا عن الأمراء، وعدتهم زيادة على ثلاثين أميراً في عدة كبيرة من المماليك. فلما بلغ ذلك الأمير مبارك شاه نائب الوجه القبلي- وقد اجتمع معه نحو الثلاثمائة من الظاهرية- وافقهم على المخامرة، واستمال عرب هوارة، وعرب ابن الأحدب، فواقوه واستولوا على البلاد. فلما خرجت التجريدة الأولى من قلعة الجبل، انتهت إلى أسيوط، فقبض عليهم مبارك شاه، وأفرج عمن كان معهم من المماليك الظاهرية، فخرج ابن يعقوب شاه، كما تقدم ذكره، وسار في الشرق.
وفي سابع عشرينه: أضيف نظر الخاص إلى الوزير موفق الدين أبي الفرج، وأفرج عن الصاحب كريم الدين بن الغنام، واستقر في نظر الإسطبلات.
وفيه عين خمسة أمراء من مقدمة الألوف، وثلاثمائة مملوك. ليسيروا إلى الكرك.
وفي ثامن عشرينه: استقر أمير على بن المكَلَلْة في ولاية منفلوط، وعزل محمد أَشَقْتمر.
وفيه ورد الخبر بأن الأمير أسندمر بن يعقوب شاه. ممن معه وصل أخميم، فلقبهم الخارجون عن الطاعة وكسروهم، فرسم بخروج نجدة من المماليك وأجناد الحلقة، ثم عوقوا.
وفي سلخه: استدعى القاضي صدر الدين محمد بن إبراهيم المناوي- مفتي دار العدل- واستقر في قضاء القضاة بديار مصر، عوضاً عن الشيخ ناصر الدين محمد ابن بنت الميلق، وخلع عليه، فنزل ومعه الأمير الدوادار والحجاب إلى المدرسة الصالحية على العادة، وسر الناس بولايته.
وخرج الأمير بلوط الصرغتمشي، والأمير غريب، لكشف أخبار الملك الظاهر.
وفي يوم السبت ثماني ذي القعدة: استقر قاضي القضاة بدر الدين محمد بن أبي البقاء في قضاء القضاة بدمشق، عوضاً عن شهاب الدين أحمد بن عمر القرشي. واستَقر قاضي القضاة سري الدين محمد بن المسلاني خطيب الجامع الأموي، وشيخ الشيوخ بدمشق واستقر موفق الدين بن العجمي في قضاء الحنفية بحلب، عوضاً عن محب الدبن محمد بن محمد بن محمد الشحنة. واستقر بدر الدين محمود السراي الكُلُسْتانى في قضاء الحنفية بدمشق، عوضاً عن نجم الدين الكفري.
وفي ثالثه: توجه قاضي القضاة صدر الدين محمد المناوي إلى مدينة مصر، في موكب جليل على العادة.
وفي سادسه: حضر الأمير حسين بن أخي قرط طائعاً، واعتذر، فقبل عذره، وخلع عليه لولاية قوص، عوضاً عن مقبل الطيبي.
وفي عاشره: قرئ تقليد قاضي القضاة صدر الدين محمد المناوي، فكان الجمع موفوراً.
وفي ثاني عشره: أحضر بالأمير مبارك شاه الكاشف مقيداً، فسجن بخزانة شمايل.
وفي هدا الشهر: كثرت الإشاعات، وقويت الأراجيف، واختلفت الأقوال في الملك الظاهر برقوق، وكان من خبره أنه لما قتل الشهاب بالكرك، وأنزل عوام البلد الملك الظاهر من قلعتها، وقاموا بخدمته، أتته العربان وصار في طائفة، فلم تجد أكابر مدينة الكرك بداً من الموافقة، إلا أنهم قد سقط في أيديهم، وخافوا سوء العاقبة. فلما كثر جمع الظاهر عزم على الخروج من المدينة، وبرّز أثقاله. فاجتمع الأعيان عند العماد أحمد بن عيسى المقيري، قاضي الكرك، وأحالوا الرأي، وخشوا من السلطنة بمصر، فاتفقوا على القيام عليه، وقبضه، وإعلام أهل مصر بذلك، وأنه لم يخرج إلا باجتماع السفهاء منهم، ليكون ذلك خلاصاً لهم من معرة معاداة الدولة. وبعثوا ناصر الدين محمد أخا القاضى، فأغلق باب المدينة، وصار الظاهر وقد حيل بينه وبين أثقاله وعامة أصحابه فلما قام. ليركب ويخرج، بلغه ذلك.
وكان علاء الدين على- أخو القاضى- مباشر الإنشاء بالكرك، فكتب للظاهر في مدة خروجه وخدمه. فلما رأى ما نزل بالظاهر، عندما بلغه اتفاق أهل المدينة في بيت أخيه على قبض الظاهر، حدثه وقوّى جأشه، وسار به، حتى وصل باب المدينة، فإذا به مغلوق، وأخوه ناصر الدين قائم عنده، فما زال به حتى فتح الباب وخرج بالظاهر من المدينة، والتحق ببقية أصحابه من المماليك الذين وصلوا اٍ ليه، والعربان التى اجتمعت عليه، وأخلاط أهل مدينة الكرك. فأقام بالثنية خارج الكرك يومين، ورحل في ثامن عشرين شوال، وسار بهم يريد دمشق- وبها الأمير جَنتمُر أخو طاز، متولي نيابتها- وقد وصل إليه الأمير ألْطُنْبغا الحلبي الدوادار من مصر نائباً على حلب بحكم عصيان كمشبغا الحموي. فاستعدا لقتال الظاهر، وتوجه إليهما الأمير حسام الدين حسين بن باكيش- نائب غزة- بعساكرها وعشيرها.
وأقبل الظاهر. ممن معه، فخرجوا إليه وقاتلوه بشقحب- قريبا من دمشق- قتالاً شديداً، كسروه فيه غير مرة، وهو يعود إليهم ويقاتلهم، إلى أن كسرهم، وانهزموا منه إلى دمشق. وقتل منهم ما ينيف على الألف، فيهم خمسة عشر أميراً، وقتل من أصحابه نحو الستين، ومن أمرائه سبعة. وركب اًقفية المنهزمين، فامتنع جَنتمُر بالقلعة، وتوجه بالقلعة، وتوجه من أمراء دمشق ستة وثلاثون أميراً، ومعهم نحو الثلاثمائة وخمسين فارساً، قد أثخنوا بالجراحات. وأخذوا نائب صفد، وقصدوا ديار مصر. فلم يمض غير يوم واحد حتى وصل ابن باكيش بجمائعه، فقاتله الظاهر وهزمه، وأخذ جميع ما كان معه، فقوي به قوة كبيرة. وأتاه عدة من مماليكه، ومن أمراء الشام، فصار في عسكر كبير، وأقبل إليه الأمير جبرائيل حاجب الحجاب بدمشق، وأمير علي بن أسندمر الزيني، وجَقمَق، ومقبل الرومي، طائعين له، فصاروا في جملته.
ونزل السلطان بوقوق على قبة يلبغا ظاهر دمشق، وقد امتنع أهلها بها، وبالغوا في تحصينها، فحصرها، وأحرق القبيبات، وخربها، وأهلك في الحريق خلقاً كثيراً، وجد أهل المدينة في قتاله، وأفحشوا في سبه، وهو لا يفتر عن قتالهم، فأمده الأمير كمشبغا من حلب بثمانين فارساً من المماليك الظاهرية، فأخرج إليهم الأمير جَنتمُر خمسمائة فارس من دمشق، ليحولوا بينهم وبين الظاهر، فقاتلوهم، فكسرهم الظاهرية، واستولوا على جميع ما معهم.
وأتوا إلى الظاهر، فأقبل الأمير نعير بعربانه، يريد محاربته، فحاربه وكسره فانهزم عنه، وتقوى. مما صار إليه في هذه الوقائع. وصار له برك ويرق، بعدما كان بهيئة رثة، لا يكنه من المطر إلا خيمة صغيرة، ومماليكه في أخصاص كل منهم هو الذى يتولى خدمة فرسه بنفسه.
واستمر الظاهر برقوق على حصار دمشق وقتال أهلها، فورد الخبر بذلك إلى منطاش في خامس عشر ذى القعدة، فتقدم في سابع عشره إلى الصاحب موفق الدين أبي الفرج بتجهيز الملك المنصور للسفر، فلم يجد في الخزائن ما يجهزه به، واعتذر بأن المال انتهب وتفرق في هذه الوقائع، فقبل ذلك، واستدعى القضاة، وسأل قاضي القضاة صدر الدين محمد المناوي أن يقرضه مال الأيتام، فامتنع من ذلك ووعظه، فلم تنجح فيه المواعظ، وختم في يومه على موادع الأيتام، وكانت إذ ذاك عامرة بالأموال. ورسم لحاجب الحجاب وناصر الدين بن قُرطُاى- نقيب الجيش- بتفرقة النقباء على أجناد الحلقة، وحثهم على التجهيز للسفر بعد العرض.
وفي تاسع عشره: قدم البريد بكسرة ابن باكيش وأخذ الملك الظاهر جميع ما كان معه، فاشتد اضطراب الناس، وكثر الإرجاف، ووقع الاجتهاد في الحركة للسفر، وأزعج أجناد الحلقة. واستدعى الأمير منطاش الخليفة المتوكل على اللّه، وقضاة القضاة، وشيخ الإسلام، وأعيان أهل العلم، فرتبوا صورة فتيا في أمر الملك الظاهر، وانفضوا من غير شيء.
وفيه قدم البريد بواقعة صفد، وكَان من خبرها أن مملوك من المماليك الظاهرية- يعرف بيلبغا السالمي- أسلمه الملك الظاهر للطواشي بهادر الشهابي مقدم المماليك، فرتبه خازنداره. واستمر على ذلك إلى أن نفي المقدم كما تقدم ذكره، فخدم يلبغا الطواشي، صواب السعدي شنكل المقدم، وصار دواداره الصغير. فلما قبض الناصري على شنكل، خدم يلبغا عند الأمير قطلوبك النظامي صفد دواداراً، وسار معه إلى صفد، فتحبب إلى الناس بالإحسان إليهم وملاطفتهم، إلى أن قدم إلى صفد خبر مسير الملك الظاهر من الكرك إلى دمشق. وجع النظامي العسكر ليصير إلى نائب دمشق. وقام يلبغا في طائفة من المماليك الذين استمالهم، وأفرج عن الأمير أينال اليوسفي، الأمير قجماس ابن عم الظاهر، ونحو المائتين من المماليك الظاهرية من سجن صفد. ونادى بشعار الملك الظاهر يريد القبض على النظامي. فلم يثبت وفر من صفد في مملوكين، فاستولى يلبغا. ممن معه على مدينة صفد وقلعتها، وصار الأمير أينال قائماً بأمر صفد، ووقف يلبغا في خدمته، وقد تقووا بثقل النظامي وبركة. فلما ورد هذا الخبر، عظم اضطراب الأمير منطاش، وزاد قلقه، وكثرت قالة الناس، وتوالت الأخبار ذلك.
وفي حادي عشرينه: استقر الشريف بَكتمُر في ولاية البحرة ونقل تمراز العلاي إلى كشف الوجه البحري، ورسم لهما بجمع عرب البحيرة لقتال الظاهر.
وفيه قدم الخبر بوصول نائب صفد ونائب حماة، وحمد بن بيدمر أتابك دمشق، في تتمة خمسة وثلاثين أميراً، وجمع كثير من المماليك، وقد انهزموا من الظاهر، فرسم بدخولهم.
وفيه استدعى الخليفة والقضاة والفقهاء بسبب الفتيا، فكتب ناصر الدين محمد بن الصالحي- موقع الحكم- فتيا تتضمن السؤال عن رجل خلع الخليفة والسلطان، وقتل شريفاً في الشهر الحرام والبلد الحرام وهو محرم، واستحل أخذ أموال الناس وقتل الأنفس، وجعلها عشر نسخ.
وفي ثالث عشرينه: قدم سواق من سواقي البريد، وبدوي، وبشرا منطاش بأن الظاهر بعد ما ملك دمشق كبس في الليل، وهرب، فمشى ذلك عليه، وأنعم عليهما. وفيه رسم بفتح سجن قديم بالقلعة، وقد ارتدم، وسجن به عدة مماليك وسجن كثير منهم بأبراج القلعة، وضيق عليهم.
وفيه وجدت ذخيرة بالقاهرة، في بيت عماد الدين إسماعيل بن المشرف أستادار جركس الخليلي، فيها ستمائة ألف درهم، ونحو الخمسين ألف درهم، فأخذها الأمير منطاش، وأخذ لابن جركس الخليلي أيضاً نحو ثلاثمائة ألف دينار مصرية.
وفيه قدم الأمراء والمماليك المنهزمون من الظاهر، وهم: قطلوبك النظامي نائب صفد، وتنكز الأعور نائب حماة، ومحمد بن بيدمر أتابك دمشق، ويلبغا العلاي أحد المقدمين بدمشق، وأقباي الأشرفي نائب قلعة المسلمين، ومن أمراء الطبلخاناة دمرداش الأطروش والي الولاة، وشكر اًحمد، وجوبان الخاصكي، وقطلوبغا جَبْجَق، وجبرائيل. ومن العشرينات أقبغا الوزيري، وأزدمر الأشقَتمري، وقُنُق الزيني، ومنكلي بغا الناصري، وبَمبغا، وطومان، وأقبغا الإينالي، وأحمد بن يانوق.
ومن العشراوات بيبغا العلاي، وطغاي تمر الأشرفي، ومصطفي البيدمري، ويوسف الأطروش، وأقتمر الأشقتمري، وأرغون شاه- دوادار يلبغا المنجكي- وألطنبغا البيدمري، وقر ابغا السيفي.
ومن أمراء صفد تغري بردي الأشرفي، ومنجك الخاصكي، وقجقار السيفي.
ومن أمراء حماة جَنتمُر الأسعردي، وألطبغا المارديني، وبكلمق الأرغوني، وطيبغا القرمي، وأسنبغا الأشرفي، وحسين الأيتمشي.
ومن المماليك عدة مائتين وأحد وعشرين.
وفيه أفرج عن الأمير قرقماس الطشتمري، واستقر خازندارا على عادته.
وأفرج عن شيخ الصفوي الخاصكي، وأرغون السلامي، ويلبغا اليونسي، ونزلوا إلى دورهم.
وفيه رسم على مباشري الأمراء المنفصلين ليجهزوا الأمراء المستجدين للسفر، فلم يسمع بمثل هذا.
وفيه نودي أن الفقهاء والكتاب لا يركب أحد منهم فرساً عربياً، وأن الكتاب الكبار أرباب الوظائف السلطانية، وكتاب الأمراء يركبون البغال.
وفيه أخذت أكاديش الحمالين المعدة للحمل عليها، وأخذت خيرل الطواحين الجياد، وتتبعت المماليك الجراكسة، وطلبهم حسين والي القاهرة، وأخذهم من كل موضع، فقبض منهم على رجل شيخ يقال له يُلوا الأحمدي، وضرب، وأخذ منه مبلغ خمسين ألف درهم فضة، وأفرج عنه وعن طُرنطاي الخطيري، وطولو بغا الأحمدي، واًقبغا البشتكي، ومسافر، لأجل أن لكل منهم في مصر نحو الستين سنة.
وفيه خشبت أيدى المماليك المسجونين، وأرجلهم.
وفي خامس عشرينه: اجتمع الأمراء وأهل الدولة مع الأمير الكبير منطاش، واتفقوا على استبداد السلطان الملك المنصور، وأثبتوا رشده بحضرة القضاة والخليفة. فرسم السلطان بتعليق الجاليش بالطبلخاناة، ليعلم الناس بالسفر إلى الشام، وأفرج عن الأمير محمود الأستادار، وأمر بعرض أجناد الحلقة والمماليك السلطانية، ونودي أن العامة لا يركب أحد منهم فرساً أصيلاً وأن المكارية لا تحمل على أكديش حملاً.
وفيه أحضرت نسخ الفتوى في الملك الظاهر، وزيد فيها: واستعان بالكفار على قتال المسلمين وحضر الخليفة المتوكل وقضاة القضاة الأربع وشيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني وولده جلال الدين عبد الرحمن قاضي العسكر، وقاضي القضاة بدر الدين محمد بن أبي البقاء، وولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون المالكي، وسراج الدين عمر بن الملقن الشافعي، وعدة دون هؤلاء؛ بالقصر الأبلق من القلعة بحضرة الملك المنصور والأمير الكبير منطاش، وقدمت إليهم الفتوى، فكنبوا عليها بأجمعهم وانصرفوا. وفيه نودي على أجناد الحلقة بالعرض، وهدد من تأخر منهم.
وفيه كتب لعرب البحيرة بالحضور للسفر مع العسكر إلى الشام.
وفيه استقر الأمير قُطلبوبغا الزيني أمير جاندار، شريكاً لطوغان العمري.
واستقر أمير حاج بن مُغْلطاي الحاحب أستادار السلطان. وأنعم على كل من أرغون شاه السيفي، وقطلوبغا السيفي بإمرة مائة. وأنعم على الأمراء القادمين من الشام بفرس بقماش ذهب، وخمسين ألف درهم فضة لكل أمير مائة، ولمن عداهم من الأمراء بأقبية مغرية. ورتب لهم اللحم والجرايات والعليق وفيه أعيد مبارك شاه في نيابة الوجه القبلي وخلع عليه.
وفي سابع عشرينه: أخليت خزانة الخاص بالقلعة، وسدت شبابيكها وبابها، وفتح من سقفها طاق، وعملت سجنا.
وفي يوم السبت أول في ذي الحجة: قدم البريد من الصعيد بأن العسكر المجرد مع الأمير أسندمر بن يعقوب شاه واقع الأمراء الخارجين عن الطاعة بمدينة قوص، وقبضوا عليهم كلهم، فدقت البشاير ثلاثة أيام بالقلعة.
وفيه قبض على الصاحب كريم الدين بن الغنام، وألزم بحمل ثلاثمائة ألف درهم فضة، وخمسين فرساً.
وفيه أنفق على كل من الأمراء الألوف مائة ألف درهم فضة، وعلى كل من أمراء الطبلخاناة خمسون ألف درهم.
وفيه سد باب الفرج- أحد أبواب القاهرة- وخوخة أيدغمش، وغير ذلك.
وفي ثالثه: قبض على متى بطرك النصارى، وألزم بمال، وقبض على رئيس اليهود، وألزم بمال. فتقرر على البطرك مائة ألف درهم، وعلى رئيس اليهودي خمسون ألف درهم جبوها وحملوها.
وفيه طلب الشيخ شمس الدين محمد الركراكي المالكي، وألزم بالكتابة على الفتوى في الملك الظاهر، فامتنع، فضرب مائة ضربة، وسجن بالإصطبل.
وفي رابعه: أفرج عن ابن غنام.
وفي سادسه: فتحت خوخة أَيْدُغْمُش.
وفيه خرجت تجريدة إلى الصعيد خوفاً منأخذ العرب الأمراء المماليك الظاهرية المقبوض عليهم.
وفي سابعه: دقت البشائر لكذبة نمقت، وهى أن إينال اليوسفي سار من صفد. ممن معه، فقاتله أهل دمشق، وقتلوه، وجرح الملك الظاهر.
وفي ثالث عشره: تولى الأمير تمان تمر الأشرفي رأس نوبة عرض المماليك السلطانية، وكثرت في أمر الظاهر والأرجاف، تارة بنصرته وتارة بهزيمته، وتحدث كل أحد على مقتضى غرضه.
وفي خامس عشره: عرض الأمير تمان تمر أجناد الحلقة، مَنْ إقطاعه عبرة أربعمائة دينار فما فوقها، وعين جماعة منهم للسفر، وجماعة لحراسة القلعة، وجماعة لحراسة القاهرة وجماعة لحراسة مصر، وعرض مقدمي المماليك، وعرض البحرية والمفاردة.
وفيه برز الأمراء الشاميون بظاهر القاهرة، للتوجه إلى الشام.
وفيه قبض على الخليفة المخلوع زكريا، وأخذ منه العهد الذي عهده إليه أبوه بالخلافة، وأشهد عليه أنه لا حق له في الخلافة.
وفيه قدمت التجاريد من بلاد الصعيد بالخارجين عن الطاعة في القيود، فغرق جماعة من المماليك في النيل ليلاً، وأخرج بستة من الجب بالقلعة، موتى.
وفي سادس عشره: أحضر بالقادمين من الصعيد مع الأمير أسندمر بن يعقوب شاه إلى القلعة، وهم: تمرباي الحسني، وقرابغا الأبو بكري، وبجمان المحمدي، ومنكلي الشمسي، وفارس الصرغتمشي، وتمربغا المنجكي، وطوجي الحسني، وقرمان المنجكي، وبيبرس التمان تمرى، وقراكسك السيفي، وأرسلان اللفاف، ومقبل الرومي، وطوغاي تمر الجركتمري، وجرباش الشيخي، وبغداد الأسعدي، ويونس الأسعردي، وأردبغا العثماني وتنكز العثماني، وبلاط المنجكي، وقراجا السيفي، وكمشبغا اليوسفي، وأقبغا حطب، وقرابغا المحمدي، وعيسى التركماني، وبك بلاط السونجي، فأوقفوا في القيود زماناً ثم سجنوا. وأفرج عن جماعة ممن حضر وهم: قُنُق بيه اللالا، وأقبغا السيفي، وتمرباي الأشرفي، وعز الصرغتمشي، وخلع عليهم. وأفرج أيضاً عن بك بلاط السونجي.
وفيه سجن بخزانة الخاص الأمير محمود، والأمير أقبغا المارداني، وأيدمر أبو زلطة، وشاهين الصرغتمشي أمير أخور، وجُمُق بن أيتمش، وبطا الطولوتمرى، وبهادر الأعسر، وعدة كبيرة من الأمراء والمماليك.
وفيه ألزم سائر مباشري الدواوين بأن يحمل كل واحد خمسمائة درهم ثمن فرس، وقرر ذلك على الوظائف لا على الأشخاص، على أن من كان له عشر وظائف في عدة دواوين تحمل كل وظيفة خمسمائة درهم، فنزل بالناس ما لم يعهدوه، فتوزعوا ذلك بعد أن جبى منهم عدة خيول، فجاء جملة الحمل من المباشرين خيلاً وعينا ألف فرس.
وفيه أحضر من ألزم بالسفر من أجناد الحلقة، وأعفوا من السفر، على أن يحضر كل منهم فرساً جيداً، فأحضروا خيولهم، فأخذ جيادها، ورد ما عداها. وألزم من لم يحضر فرساً بألف درهم عن ثمن فرس، فتضرروا من ذلك، فاستقرت خمسمائة درهم جبيت منهم. وألزم رؤوس نوب الحجاب بحمل كل منهم خمسين ألف درهم، وعدتهم أربعة، ثم استقر على كل واحد أربعة عشر ألف درهم، حملها وأفرج عنه.
وفيه أنفق على مماليك الأمير ناصر الدين محمد بن الأمير منطاش، لكل واحد ألف درهم.
وفي يوم الاثنين سابع عشره: نزل الملك المنصور والأمير الكبير منطاش من قلعة الجبل بالعساكر إلى الريدانية خارج القاهرة. واستدعى قاضي القضاة صدر الدين محمد المناوي إلى الريدانية، وألزم بالسفر فامتنع وسأل الإعفاء، فأعفى. واستقر قاضي القضاة بدر الدين محمد بن أبي البقاء على أنه يعطى مال الأيتام ويحمل من ماله مائة ألف درهم فضة، ثم خلع عليه وعبر إلى القاهرة من باب النصر.
وفيه استقر عبيد الله العجمي في قضاء العسكر، وعزل سراج الدين عمر.
وفيها اعتقل الخليفة المخلوع زكريا، والأمير سودن النائب، بقاعة الفضة من القلعة. وفيه تقرر على سائر المماليك البحرية والمفاردة وأولاد الأمراء المقيمين بالقاهرة- ممن تعين لحفظها وحفظ القلعة ومصر في مدة غيبة السلطان- خيولاً يحملونها إلى الريدانية، وتقرر على موقعي الإنشاء أيضاً خيولاً، وعلى بقية أرباب الوظائف من المتعممين، وأزعجوا بسبب ذلك، فمنهم من قاد العشرة أرءوس، ومنهم من قاد دونها، على قدر ما لزمه، كما تقدم في الكتاب، فاشتد غم الناس، وكثرت حركاتهم، ونزل بهم ما لم يروا مثله.
وفي تاسع عشره: ركب الأمير تُمان تَمُر رأس نوبة في عدة مماليك إلى الرميلة تحت القلعة، وقبض على كل من رآه راكباً على فرس من المتعممين وغيرهم، وأخذ خيولهم ومضى بها إلى داره.
وفيه اشتد الطلب على الأجناد وغيرهم بسبب جباية الخيول وأثمانها، وسلم كثير منهم للأمير حسام الدين حسين بن الكوراني- الوالي- ليخلص ذلك منهم بالعقوبة وفيه نزل الوزير موفق الدين أبو الفرج والأمير ناصر الدين محمد بن الحسام إلى خان مسرور بالقاهرة، حيث مودع الأيتام، وأخذا منه ثلاثمائة ألف درهم، وألزم أمين الحكم بالقاهرة أن يحمل تتمة خمسمائة ألف درهم، وألزم أمين الحكم. ممصر أن يحمل مائة ألف درهم، وألزم أمين الحكم بالحسينية أن يحمل مائة ألف درهم قرضاً، حسب إذن قاضي القضاة بدر الدين محمد بن أبي البقاء في ذلك.
وفيه استدعى قضاة القضاة الأربع إلى الريدانية بكرة النهار، فأجلسوا في خيمة، وتركوا بغير أكل إلى قريب العصر. ثم طلبوا إلى عند السلطان، فعقدوا عقده على خوند بنت أحمد بن السلطان حسن، بصداق مبلغه ألف دينار وعشرون ألف درهم، وعقدوا عقد الأمير قطلوبغا الصفوي على ابنة الأمير أيدمر الدوادار.
وفي عشرينه: رحل طليعة العسكر أربعة أمراء وهم: أسندمر بن يعقوب شاه، والكريمي، وثمان تمر رأس نوبة، وقطلوبغا الصفوي.
وفي ثاني عشرينه: رحل الأمير منطاش في عدة من الأمراء، ثم رحل السلطان والخليفة والقضاة وبقية العسكر، وقد أقيم نائب الغيبة بالقلعة الأمير تكا، ومعه الأمير دمرداش القشتمري، وبالإسطبل الأمير سرايَ تمُر، وبالقاهرة الأمير قُطلوبغا الحاجب، وجعل أمر العزل والولاية إلى الأمير سراي تمر.
وفيه نقل الأمير سودن النائب إلى بيت بالقلعة.
وفيه ألزم قاضي القضاة بدر الدين محمد بن أبي البقاء الشافعي بإحضار عشرة أروس من الخيل. وطلب من كل الأمراء من المقدمين المقيمين عشرة أروس، ومن كل أمير طبلخاناة أربعة أروس، ومن كل أمير عشرة فرسان، فأخذ ذلك من الجميع. وكلب من سائر الولاة المستقرين بأعمال ديار مصر والمعزولين، الخيل. وقرر على كل واحد منهم بحسب حاله، وطلب من سائر الخدام الطواشية خيول، ثم أعفوا.
وفيه استقر الأمير حسام الدين حسين بن الكوراني في ولاية مصر، مضافة إلى ولاية القاهرة، فاستناب في مصر ابن أخيه أمير عمر بن ممدود.
واستقر ناصر الدين محمد بن ليلى في ولاية الجيزة، عوضاً عن قرطاي التاجي بحكم انتقاله لكشف التراب بالجيزية.
وفي ثالث عشرينه: استقر قُطلوبغا السيفي أمير حاجب ثانياً، عوضاً عن أمير حاج ابن مغلطاي. ورسم لفراج السيفي بإمرة عشرة. وأنعم على كل من قراكسك، وأرسلان اللفاف، وبك بلاط السونجي بقباء بفرو، وشق.
وفيه قدم نجاب من الحجاز بموت الطواشي مثقال الساقي الزمام، ببدر.
وفيه رحل السلطان من العكرشا إلى بلبيس، فتقنطر عن الفرس، فتطير الناس من ذلك بأنه يرجع مقهوراً، وكذا كان.
وفي سلخه: سد الأمير صراي تمر باب القصر الذي بالإصطبل، وسد شبابيك الشراب خاناة.
وانقضت هذه السنة والناس في مصر والشام بشر كبير.
واتفق أيضاً في هذه السنة. وقوع حادثة عظيمة ببلاد خراسان، وهى أنه هبت بمدينة نيسابور رياح عاصفة في شهر صفر، ارتجت الأرض من شدة هبوبها، وحدثت زلزلة مهولة، تحركت الأرض منها حركة عنيفة، حتى كان الإنسان وغيره يرتفع عن موضعه قامتين وأكثر، وصارت الأرض تنتقل من موضع إلى موضع، فلم يبق شيء في جميع أقطار المدينة من البيوت والأسواق والمدارس ونحوها إلا واهتز اهتزازاً عظيماً، واستمر الحال كذلك إلى ضحوة نهار اليوم الرابع، فسكنت الزلزلة، وأمن الناس واطمأنوا، وإذا بريح عظيمة هبت في الحال، ثم تحركت الأرض أقوى مما تحركت قبل ذلك، وانقلبت بأهلها، فصار عاليها سافلها، وخربت المدينة، وهلك أهلها، فلم يسلم منهم إلا النادر. وسلم سكان الفوقانيات، وهلك سكان التحتانيات، وسلم قوم كانوا في بعض الحمامات، وقد خرجوا إلى الدهاليز فاحتوى من بقي من الأراذل على أموال من قد هلك من الأماثل، وترأسوا بعدهم. ثم بعد أشهر عمر من بقي عمارات بالقرب من المدينة التي هلكت، وعملوا عاليها من الخشب والخيام.
ومن غريب ما وقع في هذه الحادثة أن قرية انتقلت من مكانها إلى مكان قرية أخرى، فصارت فوقها بحيث لم يبق للتي كانت أولاً أثر يعرف فكانت بين أهل القريتين عدة خصومات ومحاربات.
واتفق أيضاً أن رجلاً كان في بيته، فسقط البيت إلا الموضع الذي فيه الرجل فإنه لم يسقط، وسلم الرجل. وكانت امرأة في الحمام، وقد أخذت لقمة وضعتها في فمها، فسقط الحمام عليها، فهلكت فيمن هلك، فلما نبش عنها، وجدت واللقمة في فيها لم تبلعها، وولدها في حضنها، ومئزرها في وسطها، وقد أدخلت إحدى رجليها في داخل الحمام، ورجلها الأخرى من خارج، لم تهمل حتى تدخلها بل هلكت قبل ذلك، وسلم مع ذلك الوقاد في أتون الحمام، فإنه ممن ألقته الأرض عنها، فحدفته إلى العلو، وصار بالبعد عن موضعه، فسلم. وقد اشتهر عند أهل نيسابور أنها خربت بالزلازل سبع مرات، فكانت هذه المرة أشنع مما مضى؛ لأنها تركت المدينة عاليها سافلها. ولا حول ولا قوة إلا باللّه.

.ومات في هذه السنة:

عالم كبير بالطاعون والسيف، فممن له ذكر من الأعيان: الأمير صارم الدين إبراهيم بن الأمير سيف الدين قُطلو أَقتمُر العلاي، أمير جاندار بحلب، قتله الأمير كُمشبغا الحموي، وقد عصى كمشبغا. وقام إبراهيم بنصرة منطاش، واستمال جماعة وحارب كُمُشبغا، فانتصر عليه ووسطه في شوال.
ومات شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عمر بن أبي الرضا قاضي القضاة الشافعي بحلب. ثار على كمشبغا نائب حلب، وجع أهل بانقوسا وقاتله، وظفر بهم كمشبغا وقتل كثيراً منهم، وفر ابن أبي الرضا، فأخذ قريباً من المعرة. وقتل وعمره زيادة على أربعين سنة. وكان إماماً في عدة علوم، شهماً، صارماً، مهاباً، محباً للحديث وأهله.
ومات برهان الدين إبراهيم بن على المعروف بابن الحلواني، الشامي الأصل، المصري، الواعظ بالقاهرة، في عاشر صفر، ولم يُر بعده من يعمل المواعيد مثله في حسن أدائه، وكان لا يعظ إلا من كتاب.
ومات الشيخ شهاب الدين أحمد بن أبي يزيد بن محمد، ويعرف بمولانا زاده السرائي العجمي، في يوم الأربعاء حادي عشرين المحرم بالقاهرة. وكان فاضلاً في عدة علوم، وهو أول من ولى درس الحديث بالظاهرية المستجدة بين القصرين.
ومات الأمير أرنبغا، مقدم البريدية، وأحد أمراء العشراوات بالقاهرة، في صفر.
ومات الأمير تلكتمر، أحد أمراء الطبلخاناه، وكاشف الجسور. مات بالطاعون في جمادى الأولى.
ومات الأمير جركس الخليلي، أمير أخور. قُتل في محاربة الناصري خارج دمشق، يوم الاثنين حادي عشرين ربيع الآخر. وكان مهاباً، عارفاً، خبراً بالأمور، حسن السياسة، عاقلاً، خيراً. وله بالقاهرة خان يعرف به وقفه على بر يعمل بمكة.
ومات الأمير سيف الدين بزلار العمري نائب دمشق. كان من مماليك الناصر حسن. ربي مع أولاده وتأدب ومهر في الكتابة، وشارك في العلوم، سيما الفلكيات وعلم النجوم. وتقدم في الفروسية، وأتقن أنواع الثقافة، وكان ذكياً فطناً شجاعاً، ولي نيابة الإسكندرية، وتنقل في الرتب. ثم نفي إلى طرابلس. وقدم مع الأمير يلبغا الناصري إلى القاهرة، وولى نيابة دمشق. ثم قبض عليه واعتقل بقلعتها حتى مات، وقد أناف على الخمسين.
ومات الأمير حسام الدين حسن بن الأمير علاء الدين على ابن الأمير سيف الدين قَشْتمر، أحد العشراوات. مات بالطاعون في القاهرة.
ومات الشيخ حسين الخبَّاز، الواعظ المعتقد. صحب الشيخ ياقوت الشاذلي، وتلقن منه، وتزوج ابنته، وترك بيع الخبز، وانقطع بزاويته خارج القاهرة، وجلس للوعظ، فاشتهر، وصار له عدة أتباع، حتى مات في حادي عشرين ربيع الآخر، ودفن بالقرافة ومات الأمير سودن المظفري، مقتولاً بحلب. وكان مشكوراً، فيه خير وبر ومحبة للفقراء، وملازماً للعبادة، وقلة الكلام مع المعرفة، وأصله من مماليك الأمير قُطلوبُغا المظفري، أحد أمراء حلب. وبها نشأ وترقى إلى أن صار خازندار الأمير جرجي الإدريسى نائب حلب. ثم صار أحد الحجاب، وانتقل إلى نيابة حماة، ثم ولي نيابة حلب، وعزل منها، وصار أتابك حلب، إلى أن قتل، وقد أناف على الستين.
ومات الأمير سراي الطويل الرحبي أحد المماليك اليلبغاوية، والأمراء الطبلخاناه. مات خارج القاهرة، ثالث عشر ربيع الأول.
ومات قاضي القضاة جمال الدين عبد الرحمن بن محمد بن خير الإسكندري المالكي، في يوم الأربعاء سابع عشر رمضان.
نشأ بالإسكندرية، وبرع في الفقه، واشتهر بحسن السيرة، فطلب لقضاء المالكية بديار مصر، وباشره أحسن مباشرة.
ومات جمال الدين عبد الله بن الشيخ علاء الدين مغلطاي في ثامن عشرين ربيع الآخرة، بالقاهرة.
ومات الشيخ شرف الدين عثمان بن سليمان بن رسول ابن أمير يوسف بن خليل بن نوح الكراني التركماني الحنفي، المعروف بالأشقر. قدم إلى القاهرة، واتصل بالأمير الكبير برقوق، وحظي عنده، وصار يؤاكله، فلما ولي السلطنة رتبه إماماً يؤم به في الصلوات. ثم ولاه مشيخة الخانقاة الركنية بيبرس، وقضاء العسكر حتى مات، في رابع عضرين ربيع الآخر بالطاعون.
ومات الأمير أشقتمر المارديني نائب حلب، مات بطالاً بالقدس.
ومات علم دار بن عبد الله الناصري بدمشق. وكان خيراً، له مثار جميلة بمصر والشام.
ومات الطواشي سابق الدين مثقال الجمالي الساقي زمام الدور. كان من خدام المجاهد صاحب اليمن، فلما حج نهب وأبيع، فاشتراه حسين بن الناصر محمد، فترقى في الخدم، وصار من الجمدارية. ثم ولى شد الأحواش. فلما مات سابق الدين مثقال الآنوكي، نقل افتخار الدين ياقوت الزمام إلى تقدمة المماليك، وولى مثقال هذا زمام الدور عوضه، ثم صرف بمقبل الدوادري فسافر إلى الحجاز وجاور بالحرمين حتى مات ببدر، ليلة الجمعة تاسع عشر ذي القعدة.
ومات الأمير ناصر الدين محمد بن بزلار، أحد العشراوات. مات بالطاعون في القاهرة.
ومات الشيخ بدر الدين محمد بن شيخ الإسلام سراج الدين عمر بن رسلان بن نصير البلقيني الشافعي، قاضي العسكر، في يوم الجمعة سابع عشرين شعبان، ودفن بمدرسة أبيه من حارة بهاء الدين بالقاهرة، وكان مفتياً في عدة علوم، حاد المزاج، مفرط الذكاء، منهمكاً في اللذات التي تهواها النفوس، متمتعاً بالجاه والمال.
ومات الشيخ شمس الدين بن محمود بن عبد الله النيسابوري، المعروف بابن أخي جار الله الحنفي، في سابع عشرين جمادى الأولى، عن قريب من خمسين سنة. ولي إفتاء دار العدل ومشيخة الخانكاة الصلاحية سعيد السعداء، وعدة تداريس، وكان خيراً.
ومات الشيخ منهاج الدين العجمي في رابع عشر ربيع الأول. درس فقه الحنفية بالجامع الطولوني، وبمدرسة أم الأشرف. وكان قليل العلم جداً، لا يزيد في الدرس على سماع ما يقرأ عليه.
ومات الشيخ محب الدين أحمد السبتي المعتقد، في العشرين من صفر.
ومات الأمير علاء الدين مغلطاي والي القاهرة، في المحرم.
ومات شهاب الدين أحمد بن موسى بن علي، عرف بابن الوكيل الشافعي المكي، بالقاهرة في نصف صفر.
ومات الأمير سيف الدين نوغاي، أحد أمراء العشرينات، وأمير علم.
ومات القاضي تاج الدين ابن ريشة ناظر الدولة في سادس عشرين جمادى الأولى.
ومات الأمير شرف الدين يونس النوروزي الدوادار، أصله من مماليك الأمير جرجي الإدريسي نائب حلب. واستقر من جملة المماليك اليلبغاوية، وصار دوادار الأمير الكبير أسندمر الأتابك. فلما ملك الظاهر برقوق جعله داودارا كبيراً. وكان أخص أمرائه حتى خرج إلى محاربة الناصري وانهزم، فقتله عنقاء بن شطي أمير آل مرا، قريباً من خربة اللصوص، في يوم الثلاثاء ثاني عشرين ربيع الآخر، عن نيف وستين سنة. وكان خيراً، كثير المعروف، صاحب نسك من صوم كثير وصلاة في الليل، مع وفور الحرمة، وقوة المهابة، والإعراض عن سائر الهزل، ومحبة أهل العلم والدين وإكرامهم. وله بالقاهرة قيسارية وربع، وله تربة بقبة النصر، وتربة خارج باب الوزير، ومدرسة خارج دمشق، وخاناً حليلاً خارج غزة، وعدة أحواض سبيل بديار مصر والشام.
وماتت خوند شقراء ابنة الملك الناصر حسن زوجة الأمير أروس، في ثامن عشرين جمادى الأولى.
ومات الأمير قرا محمد صاحب الموصل قتيلاً.
ومات الأمير زامل بن مهنا أمير آل فضل في السنة المذكورة. والله سبحانه وتعالى أعلم.