فصل: سنة ثمانين وستمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك (نسخة منقحة)



.سنة تسع وسبعين وستمائة:

في يوم الخميس أول المحرم: ركب الملك الكامل سنقر الأشقر بشعار السلطنة من قلعة دمشق إلى الميدان الأخضر، وبين يديه الأمراء مشاة بالخلع، ثم عاد.
وفي يوم الجمعة ثانيه: خطب له على منبر الجامع بدمشق، وكتب إلى الأمير عز الدين الأفرم وهو بالكرك يعتذر عن قيامه، وأتبع الكتاب بعسكر. فلما ورد كتابه جهزه الأفرم إلى السلطان بمصر، فكتب السلطان عند وروده إلى الأشقر يقبح فعله، وكتب أمراء مصر إليه بذلك، ويحثونه على الإذغان وترك الفتنة. وسار بالكتب بلبان الكريمي، فوصل دمشق في ثامنه، وخرج سنقر الأشقر إلى لقائه وأكرمه، ولم يرجع عما هو فيه.
واستقر الأفرم بغزة، فوافاه عسكر سنقر الأشقر بها، فاندفع من قدامهم إلى الرمل، وملك العسكر غزة واطمأنوا، فطرقهم الأفرم وأوقع بهم فانهزموا إلى الرملة، وأسر منهم الأمير بدر الدين كنجك الخوارزمي، الأمير بدر الدين بيليك الحلبي، وبهاء الدين يمك الناصري، وناصر الدين باشقرد الناصري، وعلم الدين سنجر التكريتي، وسنجر البدري، وسابق الدين سليمان صاحب صهيون، وغنم منهم مالا وخيولا وأثقالا كثيرة. وبعث الأفرم بالبشارة على يد ناصر الدين محمد ولد الأمير بكتاش الفخري، فقدم في خامس عشره بالأمراء المأسورين، فعفا السلطان عنهم وأحسن إليهم، وأعادهم على أخبازهم وجعلهم في العسكر.
وفي رابع عشره: مات الأمير علاء الدين كندغدي الحبيشي من ضربة بسكين، ضربه بها سنقر الغتمي الأشقر الأستادار، وقبض عليه وسمر على باب زويلة.
ولما بلغ سنقر الأشقر كسرة عسكره، جمع وحشد وبعث إلى الأمراء بغزة يعدهم ويستميلهم، فقدم عليه شهاب الدين أحمد بن حجي أمير العربان بالبلاد القبلية، والأمير شرف الدين عيسي بن مهنا أمير العربان بالبلاد الشرقية والشمالية، وأتته النجدات من حلب وحماة ومن جبال بعلبك، واستخدم عدة كبيرة وبذل فيهم المال، وكثرت عنده بدمشق الأرجاف أن عسكر مصر قد سار إليه، فاشتد استعداده. وجرد السلطان من القاهرة الأمير بدر الدين بكتاش الفخري أمير سلاح، ومعه الأمير بدر الدين الأيدمري والأمير حسام الدين أيتمش بن أطلس خان في أربعة آلاف فارس. فسار إلى غزه، واجتمعوا مع الأمير عز الدين الأفرم والأمير بدر الدين الأيدمري، وساروا جميعا والمقدم عليهم علم الدين سنجر الحلبي، فرحل عسكر سنقر الأشقر من الرملة إلى دمشق. فخرج سنقر الأشقر في ثاني عشر صفر بعساكره وخيم بالجسورة خارج دمشق، ونزل عسكر مصر الكسوة والعقوة في يوم الإثنين سابع عشره بالجسورة. فوقعت الحرب في تاسع عشره، وثبت سنقر الأشقر وأبلي بلاء عظيما، ثم خامر من عسكره طائفة كبيرة إلى عسكر مصر، وانهزم كثير منهم، ورجع عسكر حلب وحماة عنه إلى بلادهم، وتخاذل عنه عسكر دمشق، وحمل عليه الأمير سنجر الحلبي فانهزم منه. وهرب سنقر الأشقر وتبعه من خواصه الأمير عز الدين أزدمر الحاج، والأمير علاء الدين السبكي، والأمير شمس الدين قراسنقر المعزي، والأمير سيف الدين بلبان الحبيشي، وساروا معه هم والأمير عيسي بن مهنا إلى برية الرحبة وأقاموا بها أياما، وتوجهوا إلى الرحبة، وكان سنقر قبل ذلك قد بعث حرمه وأمواله إلى صهيون. وأسر يومئذ أحد عشر أميرا: منهم بدر الدين سنجق البغدادي، وبدر الدين بيليك الحلبي، وعلم الدين سنجر التكريتي، وبهاء الدين تملك الناصري، وباشقرد الناصري، ونوديه الناصري.
ولما انهزم سنقر الأشقر تفرق عسكره في سائر الجهات، وغلقت أبواب دمشق، وزحف عسكر مصر إليها وأحاطوا بها، ونزلوا في الخيام ولم يتعرضوا لشيء. وأقام الأمير سنجر الحلبي بالقصر الأبلق في الميدان الأخضر خارج دمشق، فلما أصبح أمر فنودي بالأمان. وكان بقلعة دمشق الأمير سيف الدين الجكندار، وهو متولها من جهة سنقر الأشقر، فأفرج عن الأمير ركن الدين بيبرس العجمي الجالق، والأمير حسام الدين لاجين المنصوري، والصاحب تقي الدين توبه، وحلفهم ألا يؤذوه إذا أطلقهم. ثم فتح باب القلعة، ونزل لاجين إلى باب الفرج فوقف عليه، ومنع العسكر من دخول المدينة.
ونودي بإطابة قلوب الناس وزينة البلد، فوقف البشائر بالقلعة. وقدم كثير ممن كان مع سنقر الأشقر فأمنهم الأمير سنجر الحلبي، وحضر أحمد بن حجي بأمان. وقتل في هذه الوقعة الأمير ناصر الدين محمد بن الأتابك وكان شجاعا، ونور الدين على بن الطوري، وكان شجاعاً، وثمانية من جند دمشق، واثنان من عسكر مصر، وجرح الأمير بكتاش الفخري، وكتب إلى السلطان بذلك على يد ناصر الدين محمد ابن الأمير بكتاش الفخري أمير سلاح، فلما قدم على السلطان في أول ربيع الأول أنعم عليه بإمرة عشرة، وهو أول من تأمر من أولاد الأمراء في الدولة المنصورية.
واستقر في نيابة الأمير بدر الدين بكتوت العلائي، واستقر الوزير تقي الدين توبه على حاله، واستقر الأمير علم الدين سنجر الباشقردي في نيابة حلب، بعد الأمير جمال الدين أقش الشمسي نائب حلب.
وفي خامس عشري أبيب وهو في صفر: أخذ قاع النيل، فكان خمسة أذرع وعشرين إصبعا.
وفي رابع عشري صفر: سار الأمير حسام الدين أيتمش بن أطلس خان في عدة من الأمراء ومعه ثلاثة آلاف فارس من دمشق، في طلب شمس الدين سنقر الأشقر، وتبعهم في أول ربيع الأول الأمير عز الدين الأفرم على عسكر آخر. وكان سنقر الأشقر قد أقام عند الأمير شرف الدين عيسي بن مهنا، ثم فارقه وسار إلى الرحبة، وقد تركه كثير ممن كان معه، فامتنع الأمير موفق الدين خضر الرحبي نائب القلعة بالرحبة من تسليمها إلى سنقر الأشقر. فلما أيس منه سنقر كتب إلى الملك أبغا بن هولاكو يحثه على الحضور لأخذ البلاد. الشامية، وكتب معه أيضاً الأمير عيسي بمثل ذلك. فبلغهما خبر توجه العساكر من دمشق، فسار سنقر في البرية إلى صهيون فتحصن بها، ولحق به الأمير عز الدين الحاج أزدمر في طائفة، فبعثه إلى قلعة شيزر فأقام بها، وبلغ ذلك العساكر المتوجهة من دمشق فنازلت شيزر.
وفي هذه المدة أوقعت الحوطة بدمشق على الصاحب مجد الدين إسماعيل بن كسيرات وزير سنقر الأشقر، وعلى جمال الدين بن صصرى ناظر دواوين دمشق، واعتقلا على مال ألزما به.
وضرب الزين وكيل بيت المال، ورسم على قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن خلكان، واتهم بأنه أفتي سنقر الأشقر بجواز قتال السلطان، وورد كتاب السلطان من مصر بشنقه.
ثم ورد بريد من مصر إلى الشام بأمان أهل دمشق، فقام في حق قاضي القضاة شمس الدين الأمير علم الدين الحلبي، وقال: قد ورد كتاب السلطان بأمان من سمعه من أهل دمشق، وقد سمعه ابن خلكان فهو أمن من القتل.
وصرف ابن خلكان عن قضاة دمشق في حادي عشري من صفر، وعرض القضاء على قاضي القضاة عز الدين محمد بن عبد القادر بن عبد الخالق بن خليل بن مقلد بن الصائغ، فامتنع من ذلك، ففوض لنجم الدين أبي بكر بن صدر الدين بن أحمد بن يحيي ابن سني الدولة.
واعتقل ابن خلكان في رابع عشريه بالخانقاه النجيبية، ثم أفرج عنه في تاسع ربيع الأولى بكتاب السلطان. فثار عليه ابن سني الدولة، وألزمه أن يخرج من المدرسة العادلية، ورسم عليه في يوم الأربعاء تاسع عشر ربيع الأول حتى ينتقل عنها، وشدد عليه بسبب ذلك ولم يمهل، فشرع ابن خلكان في نقل كتبه وأمتعته في الرابعة من النهار، وإذا بالطلب قد أتاه فظن أنه من جهة الاستحثاث في النقلة، فأراهم الاهتمام بذلك، فقيل له قد حضر البريد من مصر، فخاف من حلول البلاء به، وتوجه إلى نائب دمشق، فإذا بكتاب السلطان يتضمن إنكار ولاية ابن سني لما به من الصمم، ويقول: إنا قد عفونا عن الخاص والعام، وما يليق أن نخص بالسخط أحدا على انفراده، وغير حاف ما يتعلق بحقوق القاضي شمس الدين بن خلكان وقديم صحبته، وأنه من بقايا الدولة الصالحية، وقد رسمنا بإعادته إلى ما كان عليه من القضاء، فخلع عليه الأمير علم الدين الحلبي، وركب ابن خلكان من ساعته إلى المدرسة العادلية، ونزلها وقت الظهر وباشر الحكم، فعد ذلك من الفرج بعد الشدة، وكانت مدة ابن سني الدولة عشرين يوماً.
وفي حادي عشر شهر ربيع الأول: فوضت نيابة دمشق إلى الأمير حسام الدين لاجين الصغير المنصوري، وقد كتب تقليده وتوجه به بكتوت العلائي، وولي الأمير بدر الدين بكتوت العلائي شد الدواوين بدمشق، والصاحب تقي الدين توبة التكريتي وزارة الشام، وأقطع الأمير فخر الدين عثمان بن مانعن بن هبة، والأمير شمس الدين محمد بن أبي بكر، إقطاع الأمير شرف الدين عيسي بن مهنا، واستقرا في إمرة آل الفضل وآل علي على أن ينزل فخر الدين من الرستن إلى الملوحة، وتكون منزلة شمس الدين من الملوحة إلى الفرات، وأعطي أيضاً الأمير حسام الدين دراج إمرة آل عامر، وتكون منزلته من الرستن إلى العقابيات.
وتوجه شمس الدين سنقر الغتمي وسيف الدين بلبان الخاص تركي من القاهرة إلى الملك منكوتمر في البحر، ومعهما كتاب السلطان إلى الملك غياث الدين كيخسرو بن ركن الدين قلج أرسلان السلجوقي. وتوجه الأمير ناصر الدين بن المحسني الجزري والبطرك أنباسيوس، في الرسالة إلى الملك الأشكري.
وفي ثالث ربيع الآخر: ورد رسول صاحب تونس بكتابه.
وفي سابعه: قدم الأمير عز الدين أزدمر العلائي إلى قلعة الجبل، فأنعم عليه بخبز الأمير قيران البندقداري، المنتقل إليه عن علم الدين سنجر الدواداري.
وفي النصف منه: قدم الأمير بدر الدين بكتوت ابن الأتابك.
وفي ثامن عشريه: كسر الخليج الذي بظاهر المقس، وورد المفرد في ثالث عشريه.
وفي سادس عشريه وهو أول أيام النسيء: وفي النيل ستة عشر ذراعا، فركب السلطان إلى القياس وخلق العمود، ثم ركب في الحراقة وكسر الخليج الكبير، فكان يوما مشهوداً.
ونودي في نهاره إصبعان من ستة عشر ذراعا، وكتبت البشائر بالوفاء على العادة.
وفيه صرف الأمير علم الدين أقش البدري وإلى قلعة الشوبك، وقرر عرضه الأمير علم الدين سنجر الإيغاني.
وفي سابع عشريه: مات الأمير سيف الدين أبو بكر بن أسباسلار وإلى مصر، وأحيط بتركته، وقرر عوضه الأمير عز الدين أيبك الفخري.
وفي أول جمادى الأولى: كان يوم النوروز بمصر.
وفي تاسعه: وصل الأمير سيف الدين الحبيشي إلى قلعة الجبل.
وفي خامس عشريه: انتهت زيادة ماء النيل إلى ثلاثة وعشرين إصبعاً من سبعة عشر ذراعا، وأعطي الأمير بدر الدين بيليك الأيدمري تكملة مائة فارس، ورسم بإيقاع الحوطة على تقي الدين توبة وزير الشام: فقبض على موجوده وسجن.
وفي ثالث جمادى الآخرة: وصل الأمير علم الدين سنجر الحلبي من بلاد الشام، فركب السلطان إلى لقائه وخلع عليه وعلى من كان معه من الأمراء، وأنعم على كل منهم بألف دينار.
وفي سادسه: خلع على الأمير سيف الدين بلبان الرومي، وجعل دوادار العلامة لا غير، مع القاضي فتح الدين بن عبد الظاهر.
وورد الخبر بمسير التتار إلى البلاد الشامية، وأنهم قد افترقوا ثلاث فرق: فرقة سارت من جهة بلاد الروم ومقدمهم صمغار وتنجي وطرنجي، وفرقة من جهة الشرق ومقدمهم بيدو بن طوغاي بن هولاكو وصحبته صاحب ماردين، وفرقة فيها معظم العسكر وشرار المغل منكوتمر بن هولاكو. فخرج من دمشق الأمير ركن الدين إياجي على عسكر، وانضم مع العسكر المحاصر لشيزر، وخرج من القاهرة الأمير بدر الدين بكتاش النجمي على عسكر. واجتمع الجميع على حماة، وراسلوا الأمير سنقر الأشقر في إخماد الفتنة والاجتماع على قتال التتر، فبعث إليهم عسكرا من صهيون أقام حول صهيون، ونزل الحاج أذدمر من شيزر وخيم تحت قلعتها.
ووقعت الجفلة في البلاد الحلبية، فسار منها خلق كثير إلى دمشق في النصف من جمادى الآخرة، وكثر الاضطراب في دمشق وأعمالها، وعزم الناس على تركها والمسير إلى ديار مصر.
فلما كان في حادي عشريه: هجمت طوائف التتار على أعمال حلب، وملكوا عين تاب وبغراص ودربساك، ودخلوا حلب وقد خلت من العسكر، فقتلوا ونهبوا وسبوا، وأحرقوا الجامع والمدارس ودار السلطنة ودور الأمراء. وأقاموا بها يومين يكثرون الفساد بحيث لم يسلم منهم إلا من اختفي في المغائر والأسرية، ثم رحلوا عنها في يوم الأحد ثالث عشريه عائدين إلى بلادهم بما أخذوه، وتفرقوا في مشاتيهم.
وفي يوم الإثنين سابع عشريه: أركب السلطان ولده علاء الدين أبا الفتح عليا بشعار السلطنة، ولقبه بالملك الصالح وجعله ولي عهده، فشق القاهرة من باب النصر إلى قلعة الجبل. وكتب له تقليد بخط القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر من إنشائه، أجاد فيه وأبلغ، وخطب للملك الصالح بعد ذلك على منابر مصر كلها بعد والده، وكتب إلى البلاد الشامية بذلك.
وفي آخره: عزل السلطان الصاحب فخر الدين إبراهيم بن لقمان عن وزارة الديار المصرية، فعاد إلى ديوان الإنشاء، وكتب مع كتاب الإنشاء، وتصرف بأمر صاحب ديوان الإنشاء، وفوضت الوزارة بعده إلى الصاحب برهان الدين الخضر بن الحسن السنجاري.
وتوجه السلطان من مصر بالعساكر إلى البلاد الشامية يريد لقاء التتار، بعد ما أنفق في كل أمير ألف دينار، وفي كل جندي خمسمائة درهم، واستخلف على مصر بقلعة الجبل ابنه الملك الصالح عليا. فسار السلطان إلى غزة، وقدم عليه بغزة من كان في البلاد الشامية من عساكر مصر، وقدم عليه أيضاً طائفة من أمراء سنقر الأشقر فأكرمهم. ولم ينزل السلطان بغزة إلى عاشر شعبان، فرحل منها عائداً إلى مصر، بعد أن بلغه رجوع التتر، وكانت غبيته خمسين يوماً. وولي الأمير بدر الدين درباس ولاية جينين ومرج بني عامر.
وفيها ولي الأمير نجم الدين إبراهيم بن نور الدين على بن السديد ولاية مصر، عوضاً عن الأمير عز الدين أيبك الفخري. وسفر الأمير سيف الدين باسطي نائبا بقلعة صرخد، والأمير عز الدين أيبك الفخري والياً بالقلعة المذكورة.
وفي يوم السبت سادس عشري شهر رمضان: صرف قاضي القضاة صدر الدين عمر بن تاج الدين عبد الوهاب ابن بنت الأعز عن قضاء القضاة بديار مصر، وكان قد سلك في ولايته طريق الخير والصلاح، وتحري الحق والعدل وتصلب في الأحكام، واستقر عوضاً عنه قاضي القضاة تقي الدين محمد بن الحسين بن رزين الحموي.
وفيه خرج الأمير بدر الدين بكتاش النجمي إلى حمص مجردا، وخرج الأمير علاء الدين أيدكين البندقداري الصالحي لحفظ الساحل من الفرنج. وكتب السلطان إلى الأمير سيف الدين بلبان الطباخي نائب حصن الأكراد بغزو الفرنج بالمرقب، لمساعدتهم التتار عند وصولهم حلب، فجمع التركمان وغيرهم، وحمل المجانيق والآلات، ونازل المرقب، فانهزم المسلمون ونهبهم الفرنج، وعدم من المسلمين مقدار مائتي فارس وراجل. فكبر ذلك على السلطان، وتحرك للسفر وخرج في أول ذي الحجة، واستخلف ابنه الملك الصالح، وخيم بمسجد تبر. ورتب السلطان الأمير علم الدين سنجر الشجاعي. في استخراج الأموال وتدبير أمور المملكة، وجعله في خدمة الملك الصالح مع الوزير برهان الدين السنجاري. وأقام القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر بالقاهرة لقراءة البريد وتنفيذ الأشغال، وأقر في نيابة السلطنة بديار مصر الأمير زين الدين كتبغا المنصوري.
وقدم الأمير شرف الدين عيسي بن مهنا من العراق، وترامي على السلطان، فعفا عنه وأكرمه، وركب إلى لقائه وأحسن إليه.

.ومات في هذه السنة:

الشيخ الصالح المعمر طير الجنة، ودفن بقرافة مصر.
ومات الأديب الشاعر جمال الدين أبو الحسن يحيي بن عبد العظيم بن يحيي بن محمد ابن على الجزار، في ثاني عشر شوال.
ومات الأمير الكبير جمال الدين أقوش الشمسي نائب حلب بها، في خامس المحرم، وهو الذي قتل كتبغا نوين مقدم التتار يوم عين جالوت، وهر الذي أمسك الأمير عز الدين أيدمر الظاهري، وولي نيابة حلب بعده علم الدين سنجر الباشقردي.
ومات الأمير على بن عمر الطوري، وقد أناف على تسعين سنة، وكان أحد أبطال المسلمين، وله شهرة عند الفرنج، وتنقل في ولايات عديدة.
ومات الأمير سيف الدين أبو بكر بن أسباسلار وإلى مصر في ربيع الأول، بعد ما ولي مصر عدة سنين، وكان خبيراً عظيم السمن.
وتوفي شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن النن البغدادي الشافعي بالإسكندرية، عن ثمانين سنة.
وتوفي الأمير ناصر الدين محمد بن بركة خان خال الملك السعيد، وهو بدمشق.

.سنة ثمانين وستمائة:

فيها سار السلطان قلاوون من ظاهر القاهرة، فأتته رسل الفرنج وهو بمنزلة الروحا في تقرير الهدنة، فتقررت بين مقدم بيت الإسبتار وسائر الإسبتارية بعكا، وبين السلطان وولده الملك الصالح لمدة عشر سنين وعشرة أشهر وعشرة أيام وعشر ساعات، أولها يوم السبت ثاني عشري المحرم.
وتقررت الهدنة أيضاً مع متملك طرابلس الشام بيتند بن بيمند لمدة عشر سنين، أولها سابع عشري شهر ربيع الأولى. وعادت الرسل، وتوجه الأمير فخر الدين أياز المقري الحاجب لتحليف الفرنج ومقدم الإسبتار على ذلك، فخلفهم.
وفيه بلغ الأمير بدر الدين بيسري الشمسي أن الأمير سيف الدين كوندك الظاهري السعيدي قد وافق عدة من الظاهرية والسعيدية على الفتك بالسلطان عند المخاضة بنهر الشريعة، بعد الرحيل من بيسان، فأعلم السلطان بذلك. واتفق ورود كتب من عكا تتضمن أن السلطان يحترز على نفسه، فإن عنده جماعة من الأمراء قد اتفقوا على قتله، وكاتبوا الفرنج بأنهم لا يصالحون، فإن الأمر لا يبطئ، فاحترز السلطان على نفسه.
وهم كوندك بأن يغتال السلطان وهو بمنزلة الروحا، فوجده قد تحفظ واستعد ثم إن السلطان رحل من الروحا، ولاطف الأمر حتى اجتمع الأمراء عنده في حمراء بيسان، فونج كوندك ومن معه وذكر لهم ما اعتمدوه من مكاتبة الفرنج، فلم ينكروا وسألوا العفو.
فأمر السلطان بهم فقبض عليهم وهم: كوندك، وأيدغمش الحكيمي، وبيبرس الرشيدي، وساطلمش السلاح دار الظاهري، وعلى ثلاثة وثلاثين من الأمراء البرانية والمماليك الجوانية، وفر عشرة أمراء ومائتا فارس فأخذوا من بعلبك وصرخد، وأخذ كوندك الأمير حسام الدين طرنطاي نائب السلطة، ومضى به إلى بحيرة طبرية، وضرب عنقه ثم غرقه بها هو والبقية. فركب الأمير سيف الدين أيتامش السعيدي والأمير سيف الدين بلبان الهاروني، في نحو ثلاثمائة من البحرية الظاهرية والتتار الوافدية، وتوجهوا إلى سنقر الأشقر بصهيون. فخرج الأمير بدر الدين بكتاش الفخري والأمير ركن الدين طقصوا الناصري في أثرهم، فلم يدركهم، وأوقعت الحوطة على موجود من قتل ومن هرب.
وسار السلطان إلى دمشق فدخلها في تاسع عشر المحرم، وهو أول قدومه إليها في سلطنته، فكان يوماً مشهوداً، وقد اجتمع له عسكر عدته خمسون ألفاً.
وفي ثاني عشري المحرم: صرف ابن خلجان عن قضاء دمشق، وأعيد عز الدين محمد بن الصائغ. واستقر في قضاء الحنابلة بدمشق نجم الدين أحمد بن شمس الدين عبد الرحمن الحنبلي، وكان قضاء الحنابلة قد شغر من دمشق منذ عزل نفسه قاضي القضاة شمس الدين، فاستقر ابنه نجم الدين بتعيين والده.
وفي عاشر المحرم: مات قاضي القضاة صدر الدين عمر بن تاج الدين عبد الوهاب ابن بنت الأعز الشافعي بمصر، فاستقر عوضه في نظر التربة الصالحية بخط بين القصرين الطواشي حسام الدين بلال المغيثي اللالا.
واستقر في نظر المشهد الحسيني بالقاهرة القاضي برهان الدين بن الطرائفي كاتب الإنشاء، فورد مرسوم السلطان من دمشق بولاية الأمير علاء الدين كشتغدي الشمسي الأستادار نظر المشهد الحسيني، وولاية القاضي تقي الدين عبد الرحمن بن عبد الوهاب ابن بنت الأعز المدرسة الصالحية والتربة الصالحية عوضاً عن أخيه، مضافاً لما بيده من نظر الخزائن المعمورة، وأن يكتفي بمعلوم المدرسة والتربة والمناصب التي كانت بيد أخيه، وبتوفر معلومه عن نظر الخزائن.
وفي ربيع الأول: صرف الصاحب برهان الدين الخضر السنجاري عن الوزارة بمصر، وقبض عليه وعلى ولده واعتقلا بقلعة الجبل.
وفي صفر: جرد السلطان من دمشق الأمير عز الدين أيبك الأفرم والأمير علاء الدين كشتغدي الشمسي في عدة من الأجناد، فساروا إلى شيزر، فبعث سنقر الأشقر يطلب الصلح على أن يسلم شيزر، ويعوض عنها الشغر وبكاس وكانتا قد أخدتا منه ومعهما فامية وكفر طلب وأنطاكية وعدة ضياع، مع ما بيده من صهيون وبلاطنس ونرزية واللاذقية، وشرط أيضاً أن يكون أميراً بستمائة فارس، ويؤمر من عنده من الأمراء، فأجيب إلى ذلك.
وحضر في رابع ربيع الأول الأمير علم الدين سنجر الدواداري، ومعه رسول سنقر الأشقر بنسخة يمينه على ما تقرر، فحلف له السلطان وكتب له تقليدا بالبلاد المذكورة، ونعت فيه بالأمير وخوطب في مكاتباته بالمقر العالي المولوي السيدي العالي العادلي الشمسي، ونودي في دمشق باجتماع الكلمة. وجهزت رسل سنقر الأشقر، ومعهم الأمير فخر الدين أياز المقري الحاجب والأمير شمس الدين قراسنقر المنصوري، فحلفاه وعادا في ثاني عشره، فضربت البشائر.
وبعث السلطان إلى سنقر الأشقر من الأقمشة والأواني وغيرها شيئاً كثيراً، وعادت العساكر من شيزر إلى دمشق.
وفي يوم الخميس أول شهر ربيع الأول وهو خامس عشري بؤونة: كان قاع النيل بمصر ستة أذرع وثمانية عشر إصبعاً.
وقدمت رسل الملك المسعود حضر بن الظاهر صاحب الكرك في طلب الصلح والزيادة على الكرك، ليكون له ما كاد للناصر صلاح الدين داود فلم يجب السلطان إلى ذلك، فترددت الرسل بينهما إلى أن تقرر أن يكود له من حد الموجب إلى الحسا، وأن تجهز إليه إخوته الذكور والإناث، وترد عليهم الأملاك الظاهرية.
وتوجه الأمير بدر الدين بيليك المحسني السلاح دار والقاضي عماد الدين بن الأثير ليحلفاه، فانبرم الصلح في أوائل شهر ربيع الأول، وشهر النداء بذلك في دمشق.
وفي هذا الشهر: دارت الجهة المفردة بدمشق وأعمالها وضمنت بألفي ألف درهم في كل سنة.
فلما كان يوم الأحد خامس عشريه: خرج مرسوم بإراقة الخمور وإبطال هذه الجهة الخبيثة، فبطل ذلك.
وفيه عزل برهان الدين الخضر السنجاري عن الوزارة وصودر وأهين.
وفي يوم الأربعاء تاسع عشره: وصلت أم الملك السعيد ناصر الدين محمد بن بركة قان ابن الملك الظاهر بيبرس وهو معها في تابوت إلى ظاهر دمشق، فرفع في ليلة الخميس العشرين منه بحبال إلى أعلى السور، وأرخي وحمل إلى تربة والده الملك الظاهر، وألحده مع أبيه قاضي القضاة عز الدين بن الصائغ.
فلما كمان بكرة يوم الخميس: حضر السلطان والأمراء وسائر الأعيان وكثير من القراء والوعاظ إلى القبر، فكان وقتاً مشهوداً.
وفي هذا اليوم: أوفي النيل بمصر ستة عشر ذراعا وثلاثة أصابع، ووافقه رابع عشر مسري، فكتب إلى السلطان بذلك.
وفي شهر ربيع الآخر، ولي نظر الإسكندرية كمال الدين بن سلامة، بعد وفاة رشيد الدين بن بصاقة.
وفي جمادى الأولى. شنق بالقاهرة رجلان. أحدهما مر به سقاء فزحمه بحمله حتى أتلف ثيابه فضربه بسكين قتله، فشنق، والآخر جندي طالب خياطا بمتاع له عنده، فلما مطله ضربه فمات، فشنق أيضاً.
وفيه مات رسول ملك الفرنج، فأحيط بموجوده. وفيه قبض على شخص يعرف بالكريدي في طريق مصر كان يقطع الطريق على الناس، فسمر على جمل وأقام أياماً يطاف به أسواق مصر والقاهرة، فقطع عنه الموكل به الأكل والشرب، فلما طالب بذلك قال له الموكل به: إنما أردت أن أهون عليك لتموت سريعاً، حتى تستريح مما أنت فيه، فقال له: لا تقل كذا، فإن شر الحياة خير من الموت، فناوله ما أكله وسقاه. فاتفق إنه وقعت فيه شفاعة فأطلق وسجن، فعاش أياما ثم مات في السجن.
وفي عاشر جمادى الآخرة وهو تاسع عشري توت: انتهت زيادة ماء النيل إلى ثمانية عشر ذراعا وأربعة أصابع.
وفي هذا الشهر: ثار العشير ونهبوا مدينة غزة، وقتلوا خلقا كثيرا وأفسدوا، فبعث السلطان الأمير علاء الدين أيدكين الفخري على عسكر من دمشق، وخرج من القاهرة الأمير شمس الدين سنقر البدوي على عسكر.
وفيه ورد الخبر بدخول منكوتمر أخي ابغا بن هولاكو بن طلوي بن جنكزخان إلى بلاد الروم بعساكر المغل، وأنه نزل بين قيسارية والأبلستين. فبعث السلطان الكشافة، فلقوا طائفة من التتر أسروا منهم شخصا وبعثوا به إلى السلطان، فقدم إلى دمشق في العشرين من جمادى الأولى، فآتاه السلطان ولم ينزل به حتى أعلمه أن التتر في نحو ثمانين ألفا، وإنهم يريدون بلاد الشام في أول رجب.
فشرع السلطان في عرض العساكر، واستدعى الناس، فحضر الأمير أحمد بن حجي من العراق في جماعة كبيرة من آل مراتكون زهاء أربعة آلاف فارس، شاركين في السلاح على الخيول المسومة، وعليهم القزغندات الحمر من الأطلس المعدني والديباج الرومي، وعلى رءوسهم البيض مقلدين سيوفهم وبأيديهم الرماح، وأمامهم العبيد تميل على الركائب وترقص بتراقص المهاري وبأيديهم الجناب ووراءهم الظعائن والحمول ومعهم مغنية تعرف بالحضرمية سافرة في الهودج، وهي تغني:
وكنا حسبنا كل بيضاء شحمة ** ليالي لاقينا جذام وحميرا

ولما لقينا عصبة تغلبية ** يقودون جرداً للمنية ضمرا

فلما قرعنا النبع بالنبع بعضه ** ببعض أبت عيدانه أن تنكسرا

سقيناهم كأسا سقونا بمثلها ** ولكنهم كانوا على الموت أصبرا

فقال رجل: هكذا يكون ورب الكعبة. فكان كما قال، فإن الكسرة كانت أولا على المسلمين، ثم كانت النصرة لهم، واستحر القتل بالتتار كما ستراه. وقدمت نجدة من الملك المسعود خضر، وقدمت عساكر مصر وسائر العربان والتركمان وغيرهم. فوردت الأخبار. بمسير التتر، وأنهم انقسموا فسارت فرقة مع الملك أبغا بن هولاكو إلى الرحبة ومعه صاحب ماردين، وفرقة أخرى من جانب آخر، فخرج بجكا العلائي في طائفة من الكشافة إلى جهة الرحبة. وجفل الناس من حلف إلى حماة وحمص حتى خلت من أهلها، وعظم الإرجاف. وتتابع خروج العساكر من دمشق إلى يوم الأحد سادس عشري جمادى الآخرة، فخرج السلطان إلى المرج. بمن بقي من العساكر وأقام به إلى سلخ الشهر، ثم رحل يريد حمص فنزل عليها في حادي عشر رجب ومعه سائر العساكر، وحضر الأمير سنقر الأشقر من صهيون ومعه أيتمش السعدي، وأزدمر الحاج، وسنجر الدواداري، وبيجق البغدادي، وكراي، وشمس الدين الطنطاش، ومن معهم من الظاهرية، فسر السلطان بذلك وأكرمهم وأنعم عليهم، وكان ذلك في ثاني عشره فنزل سنقر الأشقر على الميسرة، وقويت الأراجيف بقرب العدو.
وفي ثالث عشره: اجتمع الناس بأسرهم في جامع دمشق، وتضرعوا إلى الله وضجوا وبكوا، وحملوا المصحف العثماني على الرءوس، وخرجوا من الجامع إلى المصلى خارج البلد وهم يسألون الله النصر على الأعداء.
ووصل التتار إلى أطراف بلاد حلب، وقدم منكوتمر إلى عين تاب، ونازل الملك أبغا قلعة الرحبة في سادس عشرى جمادى الآخرة، ومعه نحو ثلاثة آلاف فارس. وتقدم منكوتمر قليلاً قليلا حتى وصل حماة، وأفسد نواحيها وخرب جواسق الملك المنصور صاحب حماة وبستانه فورد الخبر إلى السلطان بذلك وهو على حمص، وأن منكوتمر في خمسين ألفا من المغل وثلاثين ألفا من الكرج والروم والأرمن والفرنجة، وأنه قد قفز إليه مملوك الأمير ركن الدين بيبرس العجمي الجالق ودله على عورات المسلمين.
ثم ورد الخبر بأن منكوتمر قد عزم أن يرحل عن حماة، ويكون اللقاء في يوم الخميس رابع عشر رجب. واتفق عند رحيله أن يدخل رجل منهم إلى حماة وقال للنائب: اكتب الساعة إلى السلطان على جناح الطائر بأن القوم ثمانون ألف مقاتل، في القلب منهم أربعة وأربعون ألفا من المغل وهم طالبون القلب، وميمنتهم قوية جدا، فيقوي ميسرة المسلمين، ويحترز على السناجق. فسقط الطائر بذلك وعلم بمقتضاه، وبات المسلمون على ظهور خيولهم.
وعند إسفار الصباح من يوم الخميس رابع عشر شهر وجب: ركب السلطان ورتب العساكر: فجعل في الميمنة الملك المنصور صاحب حماة، والأمير بدر الدين بيسري، والأمير علاء الدين طيبرس الوزيري، والأمير عز الدين أيبك الأفرم، والأمير علاء الدين كشتغدي الشمسي، ومضافيهم، وجعل في رأس الميمنة الأمير شرف الدين عيسي بن مهنا، وآل فضل وآل مرا وعربان الشام، ومن انضم إليهم، وجعل في الميسرة الأمير سنقر الأشقر ومن معه من الأمراء، والأمير بدر الدين بيليك الأيدمري، والأمير بدر الدين بكتاش أمير سلاح، والأمير علم الدين سنجر الحلبي، والأمير بجكا العلائي، والأمير بدر الدين بكتوت العلائي، والأمير سيف الدين حيرك التتري، ومضافيهم، وجعل في رأس الميسرة التركمان بجموعهم، وعسكر حصن الأكراد، وجعل في الجاليش وهو مقدمة القلب الأمير حسام الدين طرنطاي نائب السلطنة بديار مصر، ومن معه من مضافيه والأمير ركن الدين أياجي الحاجب والأمير بدر الدين بكتاش بن كرمون، والمماليك السلطانية ووقف السلطان تحت الصناجق، ومعه خاصته وألزامه وأرباب الوظائف، فكانت عمدة حلقته أربعة آلاف فارس وهي أقوي وأشد، وعدة مماليك السلطان ثمانمائة مملوك. وكان في العسكر حشو كثير من الأمراء الأكراد والتركمان سوي أمراء مصر والشام. ثم اختار السلطان من مماليكه مائتي فارس، وانفرد عن العصائب ووقف على تل، فكان إذا رأي طلبا قد اختل أردفه بثلاثمائة من مماليكه.
فأشرفت كراديس التتار وهم مثلا عساكر المسلمين، ولم يعتدوا منذ عشرين سنة مثل هذه العدة، ولا جمعوا مثل جمعهم هذا، فإن أبغا عرض من سيره صحبة أخيه منكوتمر فكانوا خمسة وعشرين ألف فارس منتخبة. فالتحم القتال بين الفريقين بوطاة حمص، قريبا من مشهد خالد بن الوليد، ويوم الخميس رابع عشر رجب، من ضحوة النهار إلى آخره، وقيل من الساعة الرابعة. فصدمت ميسرة التتار ميمنة المسلمين صدمة شديدة ثبتوا لها ثباتا عظيما، وحملوا على ميسرة التتار فانكسرت وانتهت إلى القلب وبه منكوتمر. وصدمت ميمنة التتر ميسرة المسلمين، فانكسرت الميسرة وانهزم من كان فيها، وانكسر جناح القلب الأيسر. وساق التتر خلف المسلمين حتى انتهو إلى تحت حمص وقد غلقت أبوابها، ووقعوا في السوقة والعامة والرجالة والمجاهدين والغلمان بظاهر حمص، فقتلوا منهم خلقا كثيرا وأشرف الناس على التلاف.
ولم يعلم المسلمون من أهل الميسرة. بما جري للمسلمين أهل الميمنة من النصر ولا علم التتار الذين ساقوا خلف المسلمون ما نزل. بميسرتهم من الكسوة، ووصل إلى بعض المنهزمين إلى صفد، وكثير منهم دخل دمشق، ومر بعضهم إلى غزة، فاضطرب الناس بهذه البلاد وانزعجوا انزعاجاً عظيما.
وأما التتر الذين ساقوا خلف المنهزمين من المسلمين أصحاب الميسرة، فإنهم نزلوا عن خيولهم وأيقنوا بالنصر، وأرسلوا خيولهم توعي في مرج حمص، وأكلوا ونهبوا الأثقال والوطاقات والخزانة وهم يحسبون أن أصحابهم ستدركهم، فلما أبطأوا عليهم بعثوا من يكشف الخبر، فعادت كشافتهم وأخبرتهم أن منكوتمر هرب، فركبوا وردوا راجعين. هذا ما كان من أمر ميمنة التتار وميسرة المسلمين.
وأما ميمنة المسلمين فإنها ثبتت وهزمت ميسرة التتار حتى انتهت إلى القلب، إلا الملك المنصور قلاوون فإنه ثبت تحت الصناجق، ولم يبق معه غير ثلاثمائة فارس، والكوسات تضرب. وتقدم سنقر الأشقر، وبيسري، وطيبرس الوزيري، وأمير سلاح، وأيتمش السعدي، ولاجين نائب دمشق، وطرنطاي نائب مصر، والدواداري، وأمثالهم من أعيان الأمراء، إلى التتار، وأتاهم عيسي بن مهنا فيمن معه، فقتلوا من التتار مقتلة عظيمة.
وكان منكوتمر مقدم التتار قائماً في جيشه، فلما أراده الله من هزيمته نزل عن فرسه ونظر من تحت أرجل الخيل، فرأي الأثقال والدواب فاعتقد أنها عساكر، ولم يكن الأمر كذلك، بل كان السلطان قد تفرقت عنه عساكره ما بين منهزم ومن تقدم القتال، حتى بقي معه نحو الثلاثمائة فارس لا غير. فنهض منكوتمر من الأرض ليركب فتقنطر عن فرسه، فنزل التتر كلهم لأجله وأخذوه. فعندما رآهم المسلمون قد ترجلوا حملوا عليهم واحدة كان الله معهم فيها، فانتصروا على التتار.
وقيل إن الأمير عز الدين أزدمر الحاج حمل في عسكر التتار وأظهر أنه من المنهزمين، فقدمهم وسال أن يوصل إلى منكوتمر، فلما قرب منه حمل عليه وألقاه عن فرسه إلى الأرض، فلما سقط نزل التتار إليه من أجل إنه وقع، فحمل المسلمون عليهم عند ذلك، فلم يثبت منكوتمر وانهزم وهو مجروح، فتبعه جيشه وقد افترقوا فرقتين: فرقة أخذت نحو سلمية والبرية، وفرقة أخذت جهة حلب والفرات.
وأما ميمنة التتار التي كسرت ميسرة المسلمين، فإنها لما رجعت من تحت حمص كان السلطان قد أمر أن تلف الصناجق ويبطل ضرب الكوسات، فإنه لم يبق معه إلا نحو الألف، فمرت به التتار ولم تعرض له، فلما تقدموه قليلا ساق عليهم، فانهزموا هزيمة قبيحة لا يلوون على شيء. وكان ذلك تمام النصر، وهو عند غروب الشمس من يوم الخميس. ومر هؤلاء المنهزمون من التتار نحو الجبل يريدون منكوتمر، فكان ذلك من تمام نعمة الله على المسلمين، وإلا لو قدر الله أنهم رجعوا على المسلمين لما وجدوا فيهم قوة، ولكن الله نصر دينه، وهزم عدوه مع قوتهم وكثرتهم. وانجلت هذه الواقعة عن قتلي كثيرة من التتر لا يحصى عددهم.
وعاد السلطان في بقية يومه إلى منزلته بعد انقضاء الحرب، وكتب البطائق بالنصرة ولم يفقد كثير شيء من ماله، فإنه كان قد فرق ما في الخزائن على مماليكه أكياسا في كل كيس ألف دينار ليحملوه على أوساطهم فسلم له المال. وبات ليلة الجمعة إلى السحر في منزلته، فثار صياح لم يشك الناس في عود التتار، فبادر السلطان وركب وسائر العساكر، فإذا العسكر الذي تبع التتار وقت الهزيمة قد عاد.
وقتل من التتار في الهزيمة أكثر ممن قتل في المصاف، واختفي كثير منهم يجانب الفرات. فأمر السلطان أن تضرم النيران بالأزوار التي على الفرات، فاحترق منهم طائفة عظيمة، وهلك كثير منهم في الطريق التي سلكوها من سلمية.
وفي يوم الجمعة: خرج من العسكر طائفة في تتبع التتار، مقدمهم الأمير بدر الدين بيليك الأيدمري، ورحل السلطان من ظاهر حمص إلى البحيرة ليبعد عن الجيف. وقتل من التتار صمغار، وهو من أكبر مقدميهم وعظمائهم، وكانت له إلى الشام غارات عديدة.
واستشهد من المسلمين زيادة على مائتي رجل: منهم الأمير عز الدين أزدمر الحاج وهو الذي جرح منكوتمر مقدم التتار وألقاه عن فرسه وكان سبب هزيمتهم، وكان من أعيان الأمراء، وتحدثه نفسه أنه يملك فعوضه الله الشهادة، والأمير سيف الدين بلبان الرومي الدوادار الظاهري، وعلم الدين سنجر الإربلي، وبدر الدين بكتوت الخازندار، وشمس الدين سنقر العرسي، وشهاب الدين توتل الشهرزوري، وسيف الدين بلبان الحمصي، وناصر الدين محمد بن جمال الدين صبرم الكاملي، وعلاء الدين على ابن الأمير سيف الدين بكتمر الساقي العزيزي، وناصر الدين محمد بن أيبك الفخري، وبدر الدين بيليك الشرفي، وشرف الدين بن علكان، وصاحب الموصل، والقاضي شمس الدين بن قريش كاتب الدرج وقد عدم فلم يعرف له خبر، وهو آخر من مات من كتاب الملك الكامل محمد بن العادل، وكان قد كتب له ولابنيه العادل والصالح ولمن بعدهما من المملوك.
وأما أهل دمشق فإنه لما كان بعد صلاة الجمعة، في اليوم الثاني من الوقعة، سقط الطائر بالنصرة، ودقت البشائر بقلعة دمشق وسر الناس سروراً كبيراً، وزينت القلعة والمدينة. فلما كان بعد نصف الليل من ليلة السبت وصل جماعة كثيرة من المنهزمين وأخبروا. بما شاهدوا من الكسرة، ولم يكن عندهم علم. بما تجدد بعدهم من النصرة، فارتجت دمشق واضطرب الناس، وأخذوا في أسباب الرحيل، وفتحت أبواب دمشق، ولم يبق إلا خروج الناس منها على وجوههم هاربين فورد بعد ساعة البريد يخبر النصر، وكانت موافاته عند أذان الفجر، فقرئ كتابه بالجامع فاطمأن الناس.
وورد الخبر إلى مصر في يوم الخميس حادي عشري شهر رجب، على جناح الطائر في بطاقة من قاقون، بأن جماعة من ميسرة العساكر المنصورة وصلوا منهزمين من العدو المخذول، ووصل بعض الأمراء إلى قطيا منهم ابن الأيدمري.
وقد كان أهل مصر صاروا يقنتون في صلواتهم، وكثرت قراءة صحيح البخاري، وأقبل الناس على تلاوة القرآن، وتجمعوا في المشهد الحسيني وفي الجوامع والمساجد، وكثر ضجيجهم ودعاؤهم. فاشتد القلق عند ورود هذا الخبر، وجرد الملك الصالح في الحال عسكراً عليه الأمير صارم الدين أربك الفخري في كثير من العربان إلى قطيا، لرد المنهزمين وإعادتهم إلى السلطان، ومنع أحد منهم أن يعبر إلى القاهرة، فاعتمد ذلك.
ولم يستمر قلق الناس غير ساعات من النهار، وإذا بالطيور قد وقعت محلقة تحمل البطائق المخلقة، وتخبر فيها بالبشائر العظمي من كسر التتار.
وقدمت البريدية بكتب البشائر أيضاً، فدقت البشائر وزينت القاهرة ومصر وقلعة الجبل، وكتب إلى أعمال مصر بالزينة. وكتب الملك الصالح إلى السلطان والده يشفع في المنهزمين ويسأل العفو عنهم، وكتب أيضاً إلى الأمير بدر الدين بيسري يؤكد عليه في الشفاعة فيهم.
واتفق أن الأمير طرنطاي النائب وقع على جماعة من أصحاب منكوتمر، فأسرهم وفيهم حامل حرمدانة، فوجد في الحرمدار كتبا من الأمراء مثل سنقر الأشقر، وأيتمش السعدي، وغيرهم ممن كان مع سنقر الأشقر إلى التتار، يحرضونهم على دخول الشام، ويعدونهم بالمساعدة على أخذها فشاور طرنطاي السلطان عليها، فأمر بغسلها فغسلت، ولم يطلع عليها أحد.
وأما السلطان فإنه وادع الأمير سنقر الأشقر، ورده ومن حمص إلى عمله بصهيون على عادته، ورد معه من كان عنده من الأمراء. وهم أيتمش السعدي، وسنجر الدواداري، وكراي التتري، وغيرهم.
ورحل السلطان إلى دمشق، فقدمها يوم الجمعة ثاني عشري رجب، فكان يوما عظيما إلى الغاية عظم فيه سرور الناس وكثر فرحهم، وقال فيه الشعراء عدة قصائد.
وفي سابع: ورد الخبر إلى القاهرة. يعود السلطان إلى دمشق، وأنه عندما استقر بها جرد العسكر مع الأمير بدر الدين الأيدمري إلى الرحبة، ليدفع من عليها من التتار.
وأما أبغا بن هولاكو ملك التتار فإنه لم يشعر وهو على الرحبة إلا وقد وقعت بطاقة من السلطان إلى نائب الرحبة،. بما من الله به من النصر وكسرة التتار فعندما بلغه ذلك بدق بشائر القلعة رحل إلى بغداد.
ووصل الأمير بدر الدين الأيدمري إلى حلب، وبعث في طلب التتار إلى الفرات، ففروا من الطلب وغرق منهم خلق كثير. وعبرت طائفة منهم على قلعة البيرة، فأتلهم أهلها وقتلوا منهم خمسمائة، وأسروا مائة وخمسين. وتوجه منهم ألف وخمسمائة فارس إلى بغراس، وفيهم أكابر أصحاب سيس وأقاربهم فخرج عليهم الأمير شجاع الدين السيناني بمن معه، فقتلهم وأسرهم عن آخرهم بحيث لم يفلت منهم إلا دون العشرين. وتوجه منهم على سلمية نحو أربعة آلاف، فأخذ عليهم نواب الرحبة الطرقات والمعابر، فساروا في البرية فماتوا عطشا وجوعا، ولم يسلم منهم إلا نحو ستمائة فارس.
فخرج إليهم أهل الرحبة فقتلوا أكثرهم، وأحضروا عدة منهم إلى الرحبة ضربت أعناقهم بها. وأدرك بقية التتر الملك أبغا، وفيهم أخوه منكوتمر وهو مجروح، فغضب عليه وقال: لم لا مت أنت والجيش ولا انهزمت وغضب أيضاً على المقدمين. فلما دخل أبغا بغداد سار منها إلى جهة همذان وتوجه منكوتمر إلى بلاد الجزيرة فنزل بجزيرة ابن عمر، وكانت الجزيرة لأمه قد أعطاها إياها أبوه هولاكو لما أخذها.
وفي يوم الإثنين حادي عشريه: قدم الأمير بدر الدين الأيدمري بمن معه من العسكر، بعدما أنكي في التتار. ورسم السلطان أن تكون البشائر إنعاماً على من ذكر. وهي القاهرة ومصر على يد الأمير حسام الدين لاجين السلاح دار الرومي، وقوض والوجه القبلي خلا الفيوم على يد الأمير بدر الدين بيدر المنصوري أمير مجلس، والفيوم على يد الأمير علم الدين سنجر أمير خور، والإسكندرية على يد الأمير علم الدين سنجر أمير جاندار، ودمياط على يد الأمير بدر الدين بيليك أبو شامة المحسني، والغربية على يد الأمير أيبك السلاح دار المنصوري، وأشموم على يد الأمير شمس محمد بن الجمقدار نائب أمير جاندار.
وورد كتاب السلطان إلى قلعة الجبل ليجهز إلى الملك المظفر شمس الدين بن رسول باليمن. بما من الله به من النصر على التتار، فكتب قريبه الملك الصالح كتابا من إنشاء محيي الدين بن عبد الظاهر، خوطب فيه: أعز الله أنصار المقام العالي المظفري الشمسي.
وفي شهر رجب: رتب السلطان غرس الدين بن شاور في ولاية لد والرملة، عوضاً عن سعد الدين بن قلج، بحكم انتقاله منها إلى ولاية بلد الخليل عليه السلام. ورتب تقي الدين توبة في نظر النظار بالشام، شريكا للقاضي تاج الدين عبد الرحيم بن تقي الدين عبد الوهاب بن الفضل بن يحيي السنهوري. ورتب الأمير علم الدين سنجر الدواداري شاداً ومدبراً من غزة إلى الفرات.
وفيه ثارت العشران ونهبوا نابلسي، وقتلوا مقتلة عظيمة، مركب الأمير علاء الدين أيدكين الفخري من غزة وقبض على جماعة منهم، وشنق اثنين وثلاثين من أكابرهم، وسجن كثيراً منهم بصفد، ورتب الأمير علاء الدين أيدغدي الصرخدي نائبا بالبلاد الغزاوية والساحلية لردع العشرين.
وفيه قرر الشيخ تفي الدين محمد بن دقيق العيد في تدريس المدرسة بجوار قبة الشافعي من قرافة مصر، على عادة القاضي تقي الدين بن رزين بعد وفاته.
واستقر الشيخ علم الدين ابن بنت العراقي في تدريس المشهد الحسيني بالقاهرة.
وفيه وصل الأمير شهاب الدين أحمد ابن وإلى القلعة أمير شكار من دمشق لتحريج الجوارح وإصلاحها.
وفيه استقر الأمير سيف الدين بازي المنصوري نائباً بحمص، ومعه الأمير صارم الدين الحمصي، مساعداً له.
واستقر الأمير جمال الدين أقش الحمصي نائبا في مدينة نابلس، عوضاً عن زين الدين قراجا البدري.
وفيه افرج عن الأمير سيف الدين قطز المنصوري، والأمير سنجر الحموي أبو خرص.
وفيه كانت وقعة في صحراء عيذاب بين عرب جهينة ورفاعة قتل فيها جماعة، فكتب إلى الشريف علم الدين صاحب سواكن بأن يوفق بينهم ولا يعين طائفة على أخرى، خوفا على فساد الطريق.
وفيه ولي زين الدين بن القماح نظر البحيرة، عوضاً عن موفق الدين بن الشماع. واستقر شمس الدين محمد بن القاضي علم الدين بن القماح في الإعادة. بمدرسة الشافعي من القرافة، بتوقيع شريف.
وفي شعبان: افترق بنو صورة بناحية المنوفية من أعمال مصر فرقتين، وحشدوا وركبوا بآلات الحرب، فخرج إليهم عدة من أجناد الحلقة، ورسم بأخذ خيلهم وسلاحهم، فسكن ما كان بينهم.
وفي يوم الأحد ثاني شعبان: سار السلطان من دمشق، وكتب إلى مصر بتجهيز الزينة ونصب القلاع، وأن يتقدم إلى نواب الأمراء بالشروع في تقسيم المواضع لقلاعهم والاهتمام بالزينة. فرتبت الإقامات في عاشره على يد الأمير علم الدين سنجر الشجاعي، وجعل في كل منزلة من الدقيق ستين قطعة، وشعيرا أربعمائة أردب، وأغناما مائة رأس، ودجاجا مائتي طائر، وحماما خمسين طائرا، وأثبانا مائة حمل، وحطب سنطٍ مائة قنطار.
وخرج السلطان من غزة بكرة يوم الخميس ثالث عشره، ووصل قطيا يوم الإثنين سابع عشره، وقد تأخرت العساكر وراءه، ونزل غيفة يوم الخميس العشرين منه وخيم بها.
ودخل الأمير شرف الدين الجاكي المهمندار من الدهليز السلطاني لترتيب رسل الملوك الذين بالقاهرة، وخروجهم إلى لقاء السلطان.
وخرج الملك الصالح والأمير زين الدين كتبغا نائب السلطنة إلى الملتقي، واستمر الأمير علم الدين سنجر المنصوري بقلعة الجبل.
فصعد السلطان إلى قلعته في يوم السبت ثاني عشريه تحت صناجقه، وأسري التتار بين يديه، وقد حمل بعضهم الصناجق التترية وهي مكسورة. فبعث السلطان بالأسري وطبول التتار وحتر منكوتمر من جهة باب النصر حتى شقوا القاهرة إلى باب زويلة، وساروا إلى القلعة، ولم يشق السلطان القاهرة، وكان يوما مشهوداً اجتمع الناس فيه من الأقطار، وكثر فرحهم وسرورهم.
وفي يوم الأحد ثالث عشري شعبان: أفرج السلطان عن الأمير ركن الدين منكورس الناصر الفارقاني.
وفيه دخل السلطان إلى الخزانة الشريفة، ورتب الخلع لسائر الأمراء والخواص والكتاب بالدرد الذين كانوا في الخدمة.
وفي يوم الخميس سابع عشريه: جلس السلطان، وأحضرت هدية الملك المظفر شمس الدين يوسف بن عمر بن على بن رسول صاحب اليمن على يد رسله: وهم مجد الدين بن أبي القاسم، والقاضي محيي الدين يحيي بن البيلقاني. فقبل السلطان هديته، وكانت من طرائف اليمن، من العود والعنبر والصيني ورماح القنا وغير ذلك.
وفي تاسع عشريه: أعيد إقطاع الأمير سيف الدين أيتمش السعدي إليه، وهوناي وطنان وإمرة مائة فارس، وكان قد أخذه عند توجهه إلى سنقر الأشقر الأمير عز الدين أيبك الأفرم، وأعيد على الأفرم إقطاعه القديم ممن أخذه.
وفيه أقر الأمير سيف الدين قطز.
وفيه فوض قضاء الشافعية إلى وجيه الدين عبد الوهاب بن حسين المهلبي الهنسي في سابع شعبان، عوضاً عن تقي الدين محمد بن رزين بحكم وفاته.
وفيه قبض على الأمير ركن الدين بيبرس الحلبي المعروف بأياجي الحاجبي، من أجل أنه انهزم على حمص.
وفي يوم السبت سادس رمضان: حضرت رسل الملك المظفر شمس الدين يوسف ابن عمر بن على بن رسول متملك اليمن، وسألوا أن يكتب لمرسلهم أمان على قميص، وتعلم عليه العلامة السلطانية، فأجيبوا إلى ذلك. وجهزت إليه هدايا وتحف فيها قطعة زمرد، وعدة من أكاديش التتار وشيء من عددهم.
وفيه عملت نسخة حلف السلطان للملك الأشكري صاحب القسطنطنية، وكانت رسله قد وصلت بنسخة يمينه في تاريخ موافق آخر المحرم سنة ثمانين وستمائة.
وفيه ولي الأمير بهاء الدين قراقوش قوص وأخميم، عوضاً عن الأمير بيبرس مملوك علاء الدين حرب دار.
وفي شوال: سار المحمل إلى الحجاز على العادة.
وفي يوم الخميس أول ذي القعدة: استقر عز الدين أيبك الفخري والياً بقوص وأخميم، عوضاً عن قراقوش.
وفي خامسه: قبض على الأمير أيتمش السعدي وعلى عدة من الأمراء واعتقلوا، وقبض أيضاً بدمشق على الأمير سيف الدين بلبان الهاروني وسيقران الكردي وغيرهما، وذلك لأنهم كانوا ممن كان مع سنقر الأشقر.
وفيه سافر الأمير ناصر الدين محمد بن المحسني الجزري الحاجب والقاضي شرف الدين إبراهيم بن فرج كاتب الدرج، إلى اليمن من جهة عيذاب، في الرسالة عن السلطان.
وفي ذي القعدة: أخرج السلطان جميع نساء الملك الظاهر بيبرس وخدامه من القاهرة، وبعثهم إلى الكرك.
وفي أول ذي الحجة: فوض قضاء المالكية بديار مصر إلى تقي الدين أبي على الحسين ابن الفقيه شرف الدين أبي الفضل عبد الرحيم بن الفقيه الإمام مفتي الفرق جلال الدين أبي محمد بن عبد الله بن شاس الجذامي السعدي المالكي، عوضاً عن قاضي القضاة نفيس الدين محمد بن سكر، بحكم وفاته.

.ومات في هذه السنة من الأعيان:

القان أبغا بن هولاكو بن طلوي بن جنكزخان بنواحي همذان عن نحو خمسين سنة، منها مدة ملكه سبع عشرة سنة، وقام في الملك بعده أخوه تكدار بن هولاكو.
ومات الأمير عز الدين أيبك الشجاعي بدمشق عن خمس وثمانين سنة.
ومات الأمير شمس الدين سنقر الألفي نائب السلطنة بديار مصر، في السجن بالإسكندرية عن نحو أربعين سنة.
وتوفي قاضي القضاة تقي الدين أبو عبد الله محمد بن الحسين بن رزين بن موسى ابن عيسي بن موسى بن نصر الله العامري الحموي الشافعي، عن سبع وسبعين سنة: وتوفي قاضي دمشق نجم الدين أبو بكر محمد بن أحمد بن يحيي بن هبة الله بن الحسن بن يحيي بن سني الدولة الشافعي، عن أربع وستين سنة بدمشق.
وتوفي قاضي القضاة صدر الدين أبو حفص عمر بن تاج الدين أبي محمد عبد الوهاب بن خلف بن أبي القاسم ابن بنت الأعز العلامي الشافعي، عن خمس وخمسين سنة.
وتوفي موفق الدين أبو العباس أحمد بن يوسف بن الحسن بن رافع الشيباني الموصلي الكواشي، عن تسعين سنة بالموصل.
وتوفي الحافظ شمس الدين أبو حامد محمد بن على بن محمود بن أحمد بن على بن الصابوني المحمودي، بدمشق عن ست وسبعين سنة.
وتوفي المسند شمس الدين أبو الغنائم مسلم بن محمد بن مسلم بن مكي بن خلف بن علان القيسي الدمشقي ناظر الدواوين بدمشق، عن ست وثمانين سنة بها.
وتوفي الشريف شهاب الدين أبو جعفر أحمد بن على بن محمد بن على بن محمد بن عبد الله بن جعفر بن زيد بن جعفر بن أبي إبراهيم محمد الممدوح الحسني، كاتب الإنشاء بحلب، عن خمس وثلاثين سنة بها.
وتوفي الأديب الكاتب الحاسب علاء الدين أبو الحسن على بن محمود بن الحسن بن نبهان اليشكري، عن خمس وثمانين سنة بدمشق.
وتوفي الأديب شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن مكتوم البعلبكي، في وقعة حمص شهيدا.
وتوفي الأديب بدر الدين أبو المحاسن بن يوسف بن لؤلؤ بن عبد الله الذهبي الدمشقي، عن ثلاث وسبعين سنة بدمشق.
ومات منكوتمر بن هولاكو بن طلوي بن جنكزخان، بجزيرة ابن عمر مكموداً عقب كسرته على حمص.
ومات علاء الدين عطا ملك بن محمد الجويني صاحب الديوان ببغداد، بعدما نقم عليه الملك أبغا ونسبه إلى مواطأة المسلمين، فقبض عليه وأخذ أمواله. وكان صدراً كبيراً فاضلا، وله شعر حسن، وولي بعده بغداد ابن أخيه هارون بن محمد الجويني.