فصل: سنة خمس وتسعين وسبعمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك (نسخة منقحة)



.سنة خمس وتسعين وسبعمائة:

أهل المحرم يوم الأحد: ففي ثانيه أعيد صدر الدين محمد بن إبراهيم المناوي إلى قضاء القضاة الشافعية بديار مصر، عوضاً عن العماد أحمد الكركي، ونزل بالتشريف من قلعة الجبل إلى المدرسة الصالحية على العادة، وبين يديه عالم عظيم، منهم الأمير أبو يزيد الدوادار، وبدر الدين محمد بن فضل الله كاتب السر، ورأس نوبة، وحاجب الحجاب.
وفيه استقر علاء الدين على بن غلبك بن المكللة في كشف الفيوم والبهنسا والأطفيحية، عوضاً عن طيبغا الزيني.
وفي تاسعه: قبض على الوزير الصاحب تاج الدين عبد الرحيم بن أبى شاكر وتسلمه أمير فرج شاد الدواوين؛ ليعاقبه على المال. وأعيد موفق الدين أبو الفرج إلى الوزارة.
وفي حادي عشره: قرئ تقليد قاضي القضاة صدر الدين محمد المناوي بمدرسة السلطان.
وفي ثالث عشره: قدم البريد بموت الأمير كمشبغا الخاصكي نائب دمشق فاستقر عوضه تاني بك الأمير، المعروف بتنم الحسني أتابك دمشق، وأنعم بإمرته على فخر الدين إياس الجرجاوي نائب طرابلس. ونقل دمرداش المحمدي نائب حماة إلى نيابة طرابلس. واستقر أقبغا الصغير في نيابة حماة.
وفيه استقر حسن المؤمني والي الجيزة في ولاية قطا، وعزل على الطشلاقي واستقر على بن قراجا في ولاية الجيزة.
وفي يوم الخميس رابع صفر: استقر أسَنْبُغا السيفي في ولاية قوص.
وقدم الخبر من الحجاز بأن جنتمر التركماني أمير ركب الشام هجم على أشراف المدينة النبوية ليأخذ منهم صقراً يصطاد به، وفهداً، فدافعوه، وقتل منهم شريفين. وكادت الحرب تقع لولا ركب الأمير ثابت بن نعير أمير المدينةَ، وكف عن القتال. وأن الشريف علي بن عجلان قبض على سبعين من بني حسن بمكة.
وفيه استقر محمد في ولاية قطيا، وعزل حسن المؤمني.
وفي تاسع عشرين جمادى الأول: قدم محمد بن قارا، ومملوك نائب دمشق على البريد، بأن منطاش ونعر أمير العرب. وابن بزدغان التركماني، وابن أينال التركماني، حضروا في عساكر كثيرة جحا إلى سلمية، فلقيهم محمد بن قارا على شيزر بالتراكمين، فقاتلهم، فقتل ابن بزدغان، وابن أينال وجرح منطاش وسقط عن فرسه، فلم يعرف لأنه حلق شاربه ورمى شعره، ثم أنه أدركه ابن نعير وأردفه خلفه، وانهزم بعد أن قتل من الفريقين عالم كبير. وحُملت رأس بن بزدغان وابن أينال إلى دمشق، وعلفتا على قلعتها.
وفيه استقر يلبغا الزيني في ولاية الأشمونين، وعزل محمد بن الأعسر.
وفي سلخه: استقر الحاج سلطان مهتار الركاب خاناه، وعزل المهتار خليل بن أحمد بن الشيخي.
وفي يوم الأربعاء ثالث جمادى الآخرة: قبض على الشريف عنان بن مغامس، وسجن بالبرج في القلعة.
وقدم الخبر بموت الطواشي زين الدين مقبل الرومي الشهابي، شيخ الخدام بالمسجد النبوي، فكتب باستقرار الطواشي زين الدين مسرور الحبشي البشتكي الناصري، عوضه.
وفي ثامنه: قدم البريد بأن نعير بن حيار ومنطاش، كبسا حماه في عسكر كبير، فقاتلهم نائبي حماه وطرابلس، فانكسرا، ونهبت حماه، وأن جلبان نائب حلب سار بعسكر إلى أبيات نعير عندما بلغه ذلك، وأخذ ما قدر عليه من المال والخيل والجمال والنساء والأطفال، وأضرم النار فيما بقي، وأكمن كميناً، فما هو إلا أن سمع نعير بما نزل ببيوته رجع إليها بجمائعه، فخرج الكمين وقتل من العربان وأسر كثيراً، وقتل من عسكر حلب نحو المائة فارس، وعدة من الأمراء.
وفي عاشره: أفرج عن الأمير ألطنبغا المعلم، ونفي إلى دمياط، وأفرج عن الأمير قطلوبغا السيفي الحاجب في أيام منطاش.
وفي رابع عشره: قدم البريد بموت الأمير يلبغا الأشقتمري نائب غزة.
وفي خامس عشره: استقر الأمير علاء الدين ألطنبغا العثماني في نيابة غزة.
وفي تاسع عشرينه: استقر الحسام حسن صهر أبي عرقة في ولاية أسوان، وعزل إبراهيم الشهابي.
وفي يوم الخميس ثالث رجب: استقر الأمير قَلَمْطاي دواداراً، بعد وفاة أبى يزيد.
وفي رابع عشره: توجه ألطنبغا العثماني إلى نيابته بغزة، وأنعم على تمراز الناصري رأس نوبة بطبلخاناه العثماني، وأنعم على شرف الدين موسى بن قماري أمير شكار بعشرة تمراز، زيادة على عشرته.
وفي عشرينه: ابتدأ بالسلطان وعك اشتد به، وأفرط عليه الإسهال الدموي، وكثر الإرجاف إلى سادس عشرينه. وأبل من مرضه، فنودي بالزينة، فزينت القاهرة ومصر، وجلس للحكم بين الناس في يوم الأحد سابع عشرينه على عادته. وركب من الغد وشق القاهرة من باب النصر، وخرج من باب زويلة إلى بيت الأمير الكبير أيتمش، ودخل إليه يعوده من مرض به، وركض إلى القلعة.
وفيه قبض على الأمير ناصر الدين محمد بن محمد بن أقبغا آص، كاشف الجيزة، وضرب بالمقارع؛ لشكوى الفلاحين منه، وسلم لابن الطبلاوي والي القاهرة.
وفيه استقر الأمير يلبغا الأحمدي الظاهري- المعروف بالمجنون- في كشف الوجه البحري، وعزل قطْلُوبُغا الطشتمري، واستقر في كشف الجيزية، عوضاً عن ابن أقبغا آص.
وفي رابع شعبان: نقل ابن أقبغا آص من بيت ابن الطبلاوي إلى الأمير جمال الدين محمود الأستادار ليأخذ منه مائة ألف درهم، فوقف عدة من الفلاحين إلى السلطان في يوم الأحد سابعه، وشكوا منه أموراً قبيحة من أخذ نسائهم، وأولادهم، وفجوره بهم، وحاققوه في وجهه على ذلك، وعلى أموال أخذها منهم، فضرب بالمقارع وسلم إلى والي القاهرة ليخلص منه أموال الفلاحين، فضربه أيضاً بحضرة أخصامه.
وفي ثامنه: أخذ قاع النيل، فكان ستة أذرع، واثني عشر إصبعاً.
وفيه استقر أوناط اليوسفي نائب الوجه البحري، وكاشف البحيرة، وواليها. وعزل دمرداش السيفي، وأعيد محمد بن حسن بن ليلى إلى ولاية قطا، بعد موت محمد بن أشقتمر. واستقر أسندمر العمري نقيب الجيش بعد أن كان في ولاية بلبيس، وعزل على بن الطشلاقي.
وفي ثاني عشرينه: استقر برهان الدين إبراهيم بن نصر الله في قضاء القضاة الحنابلة بالقاهرة ومصر، بعد وفاة أبيه قاضي القضاة ناصر الدين.
وفي سابع عشرينه: قدم عامر بن ظالم بن حيار بن مهنا- ولد أخي الأمير نعير- مغاضباً لعمه، فأقبل السلطان عليه وأجلسه، وخلع عليه.
وقدم البريد من دمشق بوصول أبى بكر وعمر ولدي نعير، مفارقين لأبيهما، ومعهما عدة من أكابر عربانه.
وفي تاسع عشرينه: قدمت رسل القان طَقْتمش خان ملك الدشت.
وفي يوم الاثنين ثالث رمضان: قدم البريد من حلب بقبض منطاش، وذلك أن الأمير جلبان نائب حلب لم يزل يبذل جهده في أمر منطاش، حتى وافقه الأمير نعير على ذلك. وكان في طول هذه المدة مقيماً عنده ويغزو معه، فبعث جلبان شاد شراب خاناته كمشبغا إلى نعير في خمسة عشر فارساً، بعدما التزم له بإعادة إمرة العرب إليه. فلما قرب من أبيات نعير نزل وبعث يأمره بقبضه، فندب نعير أحد عبيده إلى منطاش يستدعيه إليه، فأحس بالشر، وهم بالفرار، فقبض العبد عنان فرسه وأدركه عبد آخر، وأنزلاه عن فرسه وأخذا سيفه، فبدر إلى سكين معه ضرب نفسه بها أربع ضربات، وأغشى عليه، وحمل إلى كمشبغا ومعه فرسه وأربع جمال، فسار به إلى حلب في أربعمائة فارس من عرب نعير. فكان لدخوله يوماً مشهوداً، وسجن بقلعتها. فسر السلطان بذلك سروراً عظيماً، وأنعم على كمشبغا الواصل بالبشرى بخمسة آلاف درهم، وقباء مطرز بنصب، وتقدم إلى سائر الأمراء بخلعهم عليه، ودقت البشائر، ونودي بالزينة فزينت القاهرة ومصر، ونودي من الغد بأن منطاش قد قبض عليه.
وفي خامسه: قرئ تقليد قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم الحنبلي على العادة.
وفيه توجه الأمير سيف الدين طولو من علي باشا- أحد العشراوات- على البريد لإحضار منطاش، فسار إلى حلب، وعصره ليقر فلم يعترف بشيء، ثم ذبح، وحملت رأسه على رمح وطيف بها حلب، وسائر مدن الشام، حتى قدمت قلعة الجبل صحبة طُولُو في يوم الجمعة حادي عشرينه، علقت على باب القلعة، ثم طيف بها- على رمح- القاهرة ومصر، وعلقت على باب زويلة ثلاثة أيام. ثم حطت وسلمت إلى زوجته أم ولده. فدفنت في سادس عشرينه.
وفيه قلعت الزينة، وخرج يَلبغَا السالمي على البريد إلى الأمير نعير.
وفي هذا الشهر: هجم الفرنج على ناحية نَسْتَراوه في أربعة غربان، وسبوا ونهبوا، وأقاموا ثلاثة أيام.
وفي تاسع عشرينه: أوفى النيل ستة عشر ذراعاً، وافقه سادس عشر مسري فركب السلطان إلى المقياس، وفتح الخليج على العادة.
وقدم رسل متملك دهلك بفيل وزرافة، وعدة من الجواري والخدم، وغير ذلك.
وفي يوم الاثنين سادس عشر شوال: خرج المحمل إلى الحجاز مع الأمير سيف الدين فارس من قطلو شاه، أحد أمراء الطبلخاناه.
وفيه ابتدأ الناس في العمارة على الكبش، فبنوا الدور والأصطبل.
وفي تاسع عشره: قدم رسول الملك الظاهر مَجْد الدين عيسى- صاحب ماردين- بأن تَيْمور لنك أخذ تبريز، وبعث إليه يستدعيه إلى عنده بها، فاعتذر بمشاورة السلطان مصر، فلم يقبل منه وقال: ليس لصاحب مصر عليك حكم، ولأسلافك دهر بهذا لأقليم، وأرسل إليه خلعة، وصكة ينقش بها الذهب والدنانير.
وفيه قدم رسول صاحب بسطام بأن تيمور قتل شاه منصور متملك شيراز، بعث برأسه إلى بغداد، وبعث بالخلعة والصكة إلى السلطان أحمد بن أويس متملك بغداد، فلبس الخلعة وضرب الصكة. ثم أن تيمور مَلَكَ بغداد في يوم السبت حادي عشرينه، وذلك أن ابن أويس كان قد أسرف في قتل أمراء دولته، وبالغ في ظلم رعيته، وانهمك في الفجور، فكاتب أهل بغداد تيمور، بعد استيلائه على تبريز، يحثونه على المسير إليهم، فتوجه إليها بعساكره حتى بلغ الدربند، وهو عن بغداد مسيرة يومين. فبعث إليه ابن أويس بالشيخ نور الدين الخراساني، فأكرمه تيمور وقال: أنا أترك بغداد لأجلك. ورحل يريد السلطانية، فبعث الشيخ نور الدين كتبه بالبشارة إلى بغداد، وقدم في إثرها. وكان تيمور قد سار يريد بغداد من طريق أخر فلم يشعر ابن أويس- وقد اطمأن- إلا تيمور قد نزل غربي بغداد، قبل أن يصل إليها الشيخ نور الدين، فدهش عند ذلك ابن أويس وأمر بقطع الجسر، ورحل بأمواله وأولاده وقت السحر من ليلة السبت المذكور. وترك البلاد فدخل إليها تيمور، وأرسل ابنه في إثر ابن أويس، فأدركه بالحلة، ونهب ماله، وسبى حريمه، وقتل وأسر كثيراً ممن معه. ونجا ابن أويس في طائفة، وهم عراة. فقصد حلب، وتلاحق به من تبقى من أصحابه.
وفي عشية يوم الجمعة. عشرينه- وهو أول توت-: أمطرت السماء بالقاهرة مطراً غزيراً، حتى خاض الناس في المياه، وهذا من غريب ما يحكى.
وفي يوم الخميس ثالث ذي القعدة: قدم البريد بأخذ تيمور بغداد.
وفي رابعه: قدم البريد بنزول ابن أويس الرحبة، في نحو ثلاثمائة فارس. وقدم كتابه وكتاب الأمير نعير، فأجيب اًحسن جواب، وكتب بإكرامه والقيام. مما يليق به، وتوجه إليه الأمير نعير، فعندما عاين ابن أويس نزل وقبل الأرض، وسار به إلى بيوته، وأضافه، ثم سيره إلى حلب، فقدمها ومعه أحمد شكر، ونحو الألفي فارس، فأنزله الأمير جلبان نائب حلب بالميدان، وقام له. مما يليق به. وكتب مع البريد إلى السلطان بذلك، وتشفع في الأمير نعير، وفي شكر أحمد. وكتب أيضاً ابن أويس يستأذن في القدوم، فجمع السلطان الأمراء للمشورة في أمر ابن أويس، فاتفقوا على إحضاره، وأن يخرج إلى مجيئه الأمير عز الدين اًزْدَشير ومعه ثلاثمائة ألف درهم فضة وألف دينار، برسم النفقة على ابن أويس.
وفي رابع عشرينه: ركب السلطان إلى مطعم الطور خارج القاهرة، وعاد من يومه.
وفي سادس عشرينه: توجه الأمير أزدمر على البريد، لإحضار ابن أويس.
وفيه سلم الصاحب تاج الدين عبد الرحيم بن أبي شاكر إلى والي القاهرة، فضربه بالمقارع، وبالغ في إهانته، وأخرجه نهاراً على حمار، وفي عنقه الحديد، وثيابه مضمخة بالدماء، فترامى على الناس، وطرح نفسه على الأبواب، يسأل شيئاً يستعين به في مصادرته.
وفيه قدمت رسل أبي يزيد بيك، بن مراد بيك، بن عثمان، متملك الروم، مع الأمير حسام الدين حسن الكجكني، بهدية سنية، منها باز أبيض، وسأل الرسل تجهيز طبيب من أطباء القاهرة إلى ابن عثمان ليداويه من مرض به، فتعين الطبيب شمس الدين محمد بن محمد الصغير، وجُهز وأعطى من الأدوية والعقاقير ما يحتاج إليه ابن عثمان.
وأما تَيمور فإنه لما مَلَك بغداد صادر أهلها ثلاث مرات في كل مرة منهم ألف تومان، وخمسمائة تومان وكل تومان مبلغ ثلاثين ألف دينار عراقية، والدينار العراقي بقدر درهم مصر الفضة، حتى أفقرهم كلهم. وكان جملة ما أخذ منهم نحو مائة ألف ألف وخمسة وثلاثين ألف ألف درهم، بعد أن تنوع في عقوبتهم، وسقاهم الملح والماء، وشواهم على النار، ولم يبق لهم ما يستر عوراتهم. وصاروا يخرجون فيلتقطون الخرق من الطرقات حتى تستر عوراتهم وتغطى رؤوسهم. ثم إنه بعث ابنه إلى الحلّة، فوضع في أهلها السيف يوماً وليلة، وأضرم فيها النار حتى احترقت، وفنى معظم أهلها ويقال إنه قتل في العقوبة من أهل بغداد ثلاثة آلاف نفس. وبعث تيمور من بغداد العساكر إلى البصرة، فلقيهم صاحبها الأمير صالح بن جولان، وحاربهم وأسر ابن تيمور، وقتل منهم خلقاً كثيراًً، فبعث إليه عسكراً آخر في دجلة، فظفر بهم صالح أيضاً.
وفيه قدم الخبر من الحجاز بأن جماز بن هبة حصر المدينة النبوية، فقاتله ابن عمه الشريف ثابت بن نعير، وقتل بينهما جماعة.
وفي أول ذي الحجة: أفرج عن صاحب تاج الدين عبد الرحيم بن أبي شاكر وقد بقي عليه مما ألزم به شيء، وكان الذي صودر عليه مبلغ خمسين ألف درهم.
وفي خامس عشره: استقر في نظر الإصطبلات.
وفي سادس عشره: توجه السلطان إلى منزلة سرياقوس على العادة.
وفيه قدم البريد بأن الأمير يونس نائب الكرك ركب ليأخذ غنماً للعشير، فلما أحاط بها، وقبض على عشرة من العشير، ثاروا به وقتلوه. وكان قد خرج إليهم بغير عسكر، ليس معه إلا عشرة مماليك.
وفي ثامن عشره: أخرج شكر باي العثماني، أميراً بحلب.
وفي خامس عشرينه: قدم مبشرو الحاج، وأخبروا بالأمن والرخاء، وأنه لم يحضر أحد من حاج العراق.
وفي تاسع عشرينه: أمر في القاهرة ومصر بتجهيز الناس للسفر لقتال تيمور لنك، فإنه قصد أخذ البلاد، وقتل العباد، وهتك الحريم، وقتل الأطفال، وأحرق الديار، فاشتد بكاء الناس، وعظم خوفهم، وكان من الأيام الشنعة.
وفيه قدم الخبر بأن أربعة من رهبان النصارى خرجوا بمدينة القدس، ودعوا الفقهاء لمناظرتهم، فلما اجتمع الناس لهم جهروا بالسوء من القول، وصرحوا بذم الملة الإسلامية، والأزراء على القائم بها، وأنه كذاب وساحر وما الحق إلا في دين عيسى، فقبض عليهم وقتلوا وحرقوا بالنار، فكان من الأيام المشهورة بالقدس.

.ومات في هذه السنة من الأعيان:

الصارم إبراهيم بن طشتمر الدوادار، في خامس رمضان، بالإسكندرية.
ومات القاضي شهاب الدين أحمد بن الضياء محمد بن إبراهيم المناوي الشافعي، شيخ الجاولية، وأحد نواب القضاة بالقاهرة، في ثامن عشرين ربيع الآخر.
ومات شهاب الدين أحمد بن محمد بن مخلوف الحنفي، نقيب القضاة الشافعية، في عشرين رجب.
ومات الأديب الشاعر زين الدين أبو بكر عثمان بن العجمي، في سادس عشر ذي الحجة.
ومات الأمير زين الدين أبو يزيد بن مراد الخازن، دوادار السلطان، في سلخ جمادى الآخرة، وحضر السلطان جنازته.
ومات الحاج صبيح الغواصي، مهتار الطشتخاناه، بعدما أسنَّ وطالت عطلته، في ثامن عشرين ربيع الآخر.
ومات الوزير الصاحب شمس الدين أبو الفرج عبد اللّه المقسي القبطي، في رابع شعبان، ودفن بجامع المقس الذي جدده على الخليج.
ومات علم الدين عبد الله بن الصاحب كريم الدين عبد الكريم بن شاكر بن الغنام، ناظر البيوت، في ثامن ربيع الأول، وكان حشماً.
ومات الأمير زين الدين أبو يزيد الأرزنكاني الدوادار، وكان عفيفاً عاقلاً عارفاً يكتب الخط المليح، ويشارك في عدة علوم.
ومات شهاب الدين أحمد بن صالح الزهري، الفقيه الشافعي، بدمشق.
ومات الشيخ علاء الدين على بن محمد الأقفهسي، الفقيه الشافعي، في ثاني عشرين شوال، قرأ على الكمال النشائي، وبرع في الفقه، وأفتى ودرس بالجامع الخطيري وغيره، وناب في الحكم بالقاهرة.
ومات الشيخ علاء الدين على بن محمد بن سبع، الفقيه الشافعي، بعدما خرف وقارب المائة سنة، في سادس عشرين رمضان، عن غير وارث.
ومات الأمير سيف الدين قُطلوبغا الأسنقجاوي، ويقال له أبو عرقة، كاشف الوجه المجري.
ومات الشيخ صلاح الدين محمد بن الأعمى الحنبلي في ليلة الأربعاء سادس ربيع الآخر، وقد درس بالمدرسة الظاهرية المستجدة وغيرها، وأفتى وتعين لقضاء الحنابلة بالقاهرة.
ومات الأمير ناصر الدين محمد بن الأمير ناصر الدين محمد بن الأمير سيف الدين أقبغا آص شاد الدواوين، في يوم الأربعاء ثامن عشرين شوال، وهو من بيت الإمارة، وأُنعم عليه في حياة أبيه- أيام الملك الأشرف شعبان بن حسين- بإمرة طبلخاناه. ثم لما سخط الملك الأشرف على أبيه وأخذت منه الإمرة، وتعطل، وعق أباه وحكيت عنه في عقوقه أمور شنعة، ثم سافر إلى اليمن وعاد إلى القاهرة، وولي شد الدواوين بإمرة عشرة، وصودر وعوقب عقوبة شديدة، وكان من شرار الخلق والمتجاهرين بالمنكر.
ومات الأمير ناصر الدين محمد بن اًشقتمر الخوارزمي- والي قطيا- هو وأبوه، مات في ؟؟.
ومات الطواشي زين الدين مقبل الرومي الشهابي شيخ الخدام بالحرم النبوي. أصله من خدام الملك الصالح عماد الدين إسماعيل بن محمد بن قلاوون، وجانداره. وتنقل في الخدم، واختص بالأمير شيخو العمري، وخدم السلطان حسن بن محمد. ثم حج وجاور بالمدينة النبوية، وخدم الحجرة الشريفة في جملة الخدام، وصار ينوب عن الطواشي افتخار الدين ياقوت الرسولي الخازندار الناصري شيخ الخدام، حتى مات، فولي بعده المشيخة إلى أن مات بالمدينة الشريفة في ؟؟؟.
ومات قاضي القضاة ناصر الدين أبو الفتح نصر الله أحمد بن محمد بن أبى الفتح بن هاشم بن إسماعيل بن إبراهيم الكناني العسقلاني الحنبلي، ولد قريبا من سنة عشرين وسبعمائة، وبرع في الفقه والحديث والعربية والأصول والميقات، وناب في الحكم بالقاهرة عن الموفق عبد الله الحنبلي نحو العشرين سنة. ثم ولي قضاء القضاة بعده في محرم سنة تسع وستين، حتى مات ليلة الأربعاء حادي عشرين شعبان، وكان من خيار المسلمين.
ومات نجم الدين محمد بن جماعة خطيب القدس، في يوم الأربعاء تاسع ذي القعدة، بالقاهرة، ودفن خارج باب النصر.
ومات سعد الدين إبراهيم بن عبد الوهاب بن النجيب أبي الفضايل الميموني القبلي، كاتب العرب، ومباشر ديوان الجيوش.
وتَوفي الشيخ المسلك عبد الرحمن بن ؟؟ الشريشي، أحد مريدي الشيِخ يوسفي العجمي في ؟؟.

.سنة ست وتسعين وسبعمائة:

أهل المحرم يوم الاثنين: والسلطان بقصور سرياقوس، وعساكره معه، ففي رابعه عاد إلى القلعة.
وفي سادسه: قبض على فرج شاد الدواوين، وألزم بمال.
وفي سابعه: استقر في نيابة الكرك الأمير شهاب الدين أحمد بن الشيخ على أحد أمراء دمشق.
وفي ثامنه: أفرج عن أمير فرج، وبقي في وظيفة شد الدواوين، بعد التزامه بمائتي ألف درهم فضة.
وفي تاسعه: عدى السلطان إلى بر الجيزة وتصيد، وعاد من يومه.
وفي عاشره: قدم الحاج محمد وزير ماردين على البريد بأن الأكراد قد دخلوا في طاعة تيمور لنك.
وفي حادي عشره: نفي الأمير قُنُقْباي إلى القدس.
وفي ثاني عشره: نزل السلطان وعدى إلى بر الجيزة وتصيد، وعاد في يومه.
وفي سادس عشره: ركب إلى المطرية، وتصيد بطان، وعاد.
وفي ثامن عشره: عدى إلى بر الجيزة، وعاد في الغد.
وفيه استقر خليل الجشاري في ولاية قطيا، وعزل أحمد الأرغوني.
وفي ثالث عشرينه: قدم المحمل بالحاج.
وفي خامس عشرينه: ركب السلطان وتصيد، وعاد من يومه، وركب من الغد، وتصيد بالجيزة، وعاد في ثامن عشرينه، وكان البريد قد ورد بحضور رسل تيمور لنك بهدية إلى أول حدود المملكة، فكتب بقتلهم، فلما كان سلخه، قدمت رسل النواب بهدية تيمور لنك وهي: تسعة مماليك، وتسع جواري وغير ذلك، فوجد من جلة المماليك ابن وزير بغداد، وابن قاضيها، وابن محتسبها، وليس فيهم سوى مملوك واحد، فتركهم لحالهم، وتزي ابن القاضي بزي الفقهاء.
وفي يوم السبت أول صفر: ابتدأ الأمير سودن النائب بعرض أجناد الحلقة، ثم أبطله.
وفي ثالثه: ركب السلطان للصيد ببركة الحاج، وعاد.
وفي خامسه: تولى الأمير قلمطاي الدوادار عرض أجناد الحلقة بمار الأمير سودن النائب، وألزم أرباب الأخبار الثقيلة العبرة، الكثيرة المتحصل، بالسفر إلى قتال تيمور، واستمر العرض أربعة أيام في الأسبوع وهي: السبت والأحد والثلاثاء والأربعاء.
وفي سادسه: ركب السلطان وتصيد ببركة الحاج، ودخل إلى القاهرة من باب القنطرة، وخرج من باب زويلة إلى القلعة، وركب إلى الجيزة في ثامنه، وعاد في عاشره.
وفيه استقر حسن بن قراجا في ولاية قطيا، بعد وفاة الصارم إبراهيم الباشقردي.
وفي ثالث عشره: ركب السلطان وتصيد بالبركة، وعاد وركب في سابع عشره إلى الجيزة. وعاد في تاسع عشره وركب في ثاني عشرينه إلى الصيد بالبركة وعاد.
وفي رابع عشرينه: خرج المطبخ إلى لقاء ابن أويس.
وفي خامس عشرينه: استقر شمس الدين محمد بن الدميري في نظر الأحباس، بعد وفاة تاج الدين محمد المليجي، واستقر زين الدين طاهر بن حبيب الحلبي- موقع الدست- في نظر الخزانة، عوضاً عن المليِجي.
وفي سابع عشرينه: ركب السلطان للصيد بالبركة، وعاد وركب في تاسع عشرينه إلى الصيد بالجيزة، وعاد في يوم الثلاثاء ثالث ربيع الأول.
وفي خامسه: عمل السلطان المولد النبوي على العادة.
وفي سابعه: ركب السلطان وتصيد بالبركة وعاد.
وفي حادي عشره: انتهى عرض أجناد الحلقة.
وفي ثاني عشره: نودي بالقاهرة ومصر أن من عرض على النائب والدوادر من أجناد الحلقة وتَعين للسفر، فليحضر للعرض على السلطان في يومي الخميس والاثنين. وفيه طرحت البضائع على التجار، وأخرج القمح من الأمراء، لعمل البشماط برسم السفر.
وفي ثالث عشره: نودي على أجناد الحلقة أيضاً بالعرض على السلطان وفيه قدم البريد بأخذ تيمور لنك قلعة تكريت، وتخريبها وقتل من بها.
وفيه خرج عدة من الأمراء لملاقاة القان غياث الدين أحمد بن أويس.
وفي رابع عشره: استقر موسى بن على- شاد دواليب الخاص- في ولاية البهنسا، وعزل قرطاي.
وفي يوم الثلاثاء سابع عشره: نزل السلطان إلى لقاء ابن أويس في جميع العساكر، وقعد بمسطبة مطعم الطيور من الريدانية خارج القاهرة إلى أن قرب منه ابن أويس، ونزل عن فرسه عدة خطوات، فمضى إليه الأمير بدخاص حاجب الحاجب، ومن بعده الأمراء للسلام عليه، والأمير بدخاص يعرفه اسم كل أمير ووظيفته، وهم يقبلون يده حتى أقبل الأمير أحمد بن يلبغا، فقال للأمير بدخاص: هذا ابن أستاذ السلطان. فعانقه ابن أويس، ولم يدعه يقبل يده. ثم جاء بعده الأمير بكلمش أمير سلاح فعانقه أيضاً، ثم بعده الأمير الكبير أيتمش رأس نوبة فعانقه، ثم الأمير سودن النائب فعانقه، ثم الأمير كمشبغا الحموي أتابك العساكر، فعانقه. وانقضى سلام الأمراء، فقام عند ذلك السلطان ونزل عن المسطبة، ومشى نحو العشرين خطوة، وهرول ابن أويس حتى التقيا، فأومأ ابن أويس لتقبيل يد السلطان فلم يمكنه وعانقه، وبكيا ساعة. ثم مضيا، والسلطان يطيب خاطره، وبعده يعوده إلى ملكه، ويده في يده، حتى صعدا إلى المسطبة، وجلسا معاً على البساط من غير كرسي وتحادثا طويلاً. ثم قدم قباء من حرير بنفسجي بفرو فاقم، وطرز ذهب عريضة، فألبسه ابن أويس. وقدم له فرساً من الخيل الخاص، بسرج وكنفوش، وسلسلة من ذهب، فركبه من حيث يركب السلطان، وركب السلطان بعده. وسارا يتحادثان، والأمراء والعساكر سائرة ميمنة وميسرة، وتارة يتقدم السلطان حتى يحجب ابن أويس، إلى أن قربا من القلعة، وقد خرج معظم الناس لمشاهدة ابن أويس، فكان يوماً مشهوداً. وعندما ترجل العسكر على العادة، صار ابن أويس مواكباً للسلطان، حتى بلغا حد موضع الطبلخاناه، أومأ إليه السلطان بالتوجه إلى المنزل الذي أعده له على بركة الفيل، وجدد عمارته وزخرفته وملأه بالفرش والآلات، فسار إليه وجميع الأمراء في خدمته، وصعد السلطان إلى القلعة. فلما دخل ابن أويس إلى منزله ومعه الأمراء، مد الأمير جمال الدين محمود الأستادار بين يديه سماطاً جليلاً فأكل وأكل معه الأمراء، وانصرفوا. فبعث إليه السلطان مائتي ألف درهم فضة، ومائتي قطعة قماش سكندري، وثلاثة أفراس بقماش ذهب، وعشرين مملوكاً حساناً، وعشرين جارية. فلما كان الليل قدم حريم ابن أويس وثقله.
وفي ثامن عشره: استقر محمد الضاني والياً بأشموم الرمان، عوضاً عن محمد بن غرلوا.
وفي يوم الخميس تاسع عشره: عمل السلطان الخدمة بالإيوان المعروف بدار العدل، على العادة. وصعد القان أحمد بن أويس إلى القلعة ليحضر الخدمة بالإيوان. وعبر من باب الجسر الذي يقال له باب السر، وجلس تجاه الإيوان حتى خرج إليه رأس نوبة، ومضى به إلى القصر فأخذه السلطان. وخرج به إلى الإيوان وأقعده رأس الميمنة فوق الأمير الكبير كمشبغا الأتابك. فلما قام القضاة ومد السماط قام الأمراء على عادتهم، فهمّ ابن أويس بالقيام معهم ووقف، فأشار له السلطان فجلس حتى فرغ الموكب. ولما انقضت خدمة الإيوان دخل مع السلطان إلى القصر، وحضر خدمة القصر أيضاً، ثم خرج، والأمراء بين يديه حتى ركب، وقدامه جاويشيته، ونقيب جيشه، فسار الأمراء بخدمته إلى منزله.
وفيه علق الجاليش بالطبلخاناه، إشارة للسفر، فشرع الناس في التَجهيز.
وفي حادي عشرينه: ركب السلطان ومعه ابن أويس إلى مدينة مصر، وعديا النيل إلى بر الجيزة، ونزلا بالخيام ليتصيدا.
وفيه قبض على الصاحب سعد الدين نصر الله بن البقري ناظر الدولة، وعلى ولده تاج الدين عبد اللّه، وجماعة من المباشرين وسلموا لشاد الدواوين.
وفي رابع عشرينه: قدم البريد من حلب برجل تتري، يقال له دولات خجا، مقيد بالحديد، من أصحاب تيمور لنك، قبض عليه سالم الذكر.
وفيه قدم السلطان من الصيد إلى القلعة.
وفي خامس عشرينه: عرض التتري على السلطان، فسأله عن أشياء فلم يعترف، فسلم لوالي القاهرة ليعاقبه، فأقر أن بالقاهرة عدة جواسيس، قبض على سبعة أنفس، ما بين تجار وغيرهم من العجم.
وفيه أفرج عن ابن البقري وولده، على حمل خمسين ألف درهم، وعن بقية المباشرين على مائة ألف في درهم.
وفي تاسع عشرينه: استقر محمد بن صدقة بن الأعسر في ولاية منوف.
وفي سلخه: قدم البريد من حلب بتوجه الأمير ألطبغا الأشرفي، والأمير دقماق بعسكر من حلب إلى الرها، ومواقعتهم طلايع تيمور لنك، وهزيمتهم بعد أن قتل منهم خلق كثير، وأسر جماعة، وعودهم إلى حلب بمائة رأس من التمرية، وعدة من المأسورين.
وفيه استقر اسنبغا السيفي في ولاية قليوب، وعُزل محمد بن مؤمن الشمسي.
وفيه ألزم سائر مباشري ديوان الخاص والدولة ومباشري الأمراء بإحضار البغال من كل منهم، أو أخذ ثمن البغلة على قدر حال كل أحد، فوقع الشروع في ذلك.
وفيه أفرج عن المماليك المعتقلين في البرج بالقلعة، ولم يتأخر سوى الشريف عنان ومملوك واحد من الجوبانية، يقال له أسنبغا.
وفي يوم الخميس ثالث ربيع الآخر: حمل الأمير جال الدين محمود الأستادار السلاح على ثمانمائة حمال، فيه ثلاثمائة لبس كامل للفارس وفرسه.
وفيه ابتدئ بالنفقة في المماليك لكل واحد من المشتراوات مبلغ ألفي درهم، ولكل واحد من المستخدمين ألف وسبعمائة درهم، وعدتهم خمسة آلاف، فبلغت النفقة في المماليك خاصة عشرة آلاف ألف درهم فضة، سوى النفقة في الأمراء، وسوى ما حمل في الخزائن، وما جهز به فضة، سوى النفقة في الأمراء، وسوى ما حمل في الخزائن، وما جهز به الإقامات.
وفيه قدم كتاب تيمور لنك يتضمن الإرعاد والإبراق، وينكر قتل رسله، ونصه: {قُل اللهُم فَاطِرِ السمَواتِ وَالأرْض عَاِلمَ الْغَيْبِ وَالشهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُم بَينَ عَبادِكَ فِيمَا كانوا فِيهِ يَختَلِفَون}. اعلموا أنا جند اللّه مخلوقون من سخطه، مسلطون على من حل عليه غضبه، لا نرق لشاكي، ولا نرحم باكي، قد نزع الله الرحمة من قلوبنا، فالويل ثم الويل لمن لم يكن من حزبنا، ومن جهتنا. فقد خربنا البلاد وأيتمنا الأولاد، وأظهرنا في الأرض الفساد، وذلت لنا أعزتها، وملكنا بالشوكة أزمتها، فإن خيل ذلك على السامع وأشكل وقال إن فيه عليه مشكل، فقل له: {إِن الملُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَريةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزةَ أَهْلِهَا أَذِلة}، وذلك لكثرة عددنا وشدة بأسنا، فخيولنا سوابق، ورماحنا خوارق، وأسنتنا بوارق، وسيوفنا صواعق وقلوبنا كالجبال، وجيوشنا كعمد الرمال، ونحن أبطال، وأقيال، وملكنا لا يرام، وجارنا لا يضام، وعزنا أبداً بالسؤدد مقام، فمن سالمنا سلم، ومن رام حربنا ندم، ومن تكلم فينا بما لا يعلم جهل، وأنتم فإن أطعتم أمرنا وقبلتم شرطنا فلكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن أنتم خالفتم وعلى بغيكم تماديتم فلا تلوموا إلا أنفسكم، فالحصون منا، مع تشييدها لا تمنع، والمدائن بشدتها لقتالنا لا ترد ولا تنفع ودعاؤكم علينا لا يستجاب فينا، ولا يسمع، وكيف يسمع الله دعاءكم وقد أكلتم الحرام، وضيعتم جميع الأنام، وأخذتم أموال الأيتام، وقبلتم الرشوة من الحكام، وأعددتم لكم النار، وبئس المصير، {إن الذِينَ يأكلون أَمْوَالَ اليتامى ظُلماً إِنمَا يَأْكُلُون في بُطُونِهِمْ نَاراً وَسيصلون سعِيَراً}. فلما فعلتم ذلك وأردتم أنفسكم موارد المهالك. وقد قتلتم العلماء، وعصيتم رب الأرض والسماء، وأرقتم دم الأشراف، وهذا واللّه هو البغي والإسراف، فأنتم بذلك في النار خالدون، وفي غد ينادي عليكم {الْيوَمَ تُجزون عَذَابَ الهَون بمَا كنتم تستَكْبِرُون في الأَرضِ بغَيْرِ الْحَق} {وَبمَا كُنتم تَفْسقُون} فأبشروا بالمذلة والهوان، يا أهل البغي وَالعدوان، وقد غلب عندكم أننا كفرة، وثبت عندنا أنكم واللّه الكفرة الفجرة. وقد سلطنا عليكم إله له أمور مقدرة، وأحكام مدبرة، فعزيزكم عندنا ذليل، وكثيركم لدينا قليل، لأننا ملكنا الأرض شرقاً وغرباً، وأخذنا منها كل سفينة غصباً. وقد أوضحنا لكم الخطاب، فأسرعوا برد الجواب قبل أن ينكشف الغطاء، وتضرم الحرب نارها، وتضع أوزارها، وتصير كل عين عليكم باكية، وينادي منادي الفراق: هل ترى لهم من باقية؟ ويسمعكم صارخ الغناء، بعد أن يهزكم هزاً، {هلْ تُحِس مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تسمع لَهُم رِكزاً}، وقد أنصفناكم إذ راسلناكم، فلا تقتلوا المرسلين كما فعلتم بالأولين، فتخالفوا كعادتكم سنن الماضين، وتعصوا رب العالمين، فما على الرسول إلا البلاغ المبين. وقد أوضحنا لكم الكلام، فأسرعوا برد جوابنا، والسلام.
فكنب جوابه بعد البسملة: {قُل اللْهُم هَالِكَ المُلْكِ تؤتي الملك مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزَع الْمُلْك ممن تَشَاء وتُعِز مَنْ تَشَاءُ وَتُذل مَن تَشَاء}، حصل الوقوف على ألفاظكم الكفرية، ونزعاتكم الشيطانية، فكتابكم يخبرنا عن الحضرة الجنابية، وسيرة الكفرة الملاكية، وأنكم مخلوقون من سخط الله، ومسلطون على من حل عليه غضب الله، وأنكم لا ترقون لشاك، ولا ترحمون عسيرة باك، وقد نزع الله الرحمة من قلوبكم، فذاك أكبر عيوبكم، وهذه من صفات الشياطين، لا من صفات السلاطين، ويكفيكمِ هذه الشهادة الكافية وبما وصفتم به أنفسكم ناهية {قُل يَا أيهَا الكافرون لاَ أَعبدُ مَا تعبدون وَلاَ أنتم عَابدون مَا أَعبد وَلاَ أَنَا عَابد مَا عَبَدتُمْ لكُمْ دِينُكُمْ وَليَ دِين}، ففي كل كتاب لعَنتم، وعلى كل لسان كل مرسل نعيتم، وبكل قبيح وصفتم، وعندنا خبركم من حين خرجتم، إنكم كفرة، ألا لعنة اللّه على الكافرين، من تمسك بالأصول فلا يبالي بالفروع، نحن المؤمنون حقاً، لا يدخل علينا عيب ولا يضرنا ريب، القرآن علينا نزل، وهو سبحانه بنا رحيم لم يزل، فتحققنا نزوله، وعلمنا ببركته تأويله. فالنار لكم خلقت، ولجلودكم أضرمت، إذا السماء انفطرت. ومن أعجب العجب تهديِد الرتوت بالتوت، والسباع بالضباع، والكماة بالكراع. نحن خيولنا برقية، وسهامنا عربية، وسيوفنا يمانية، وليوثنا مضرية، وأكفنا شديدة المضارب، وصفتنا مذكورة في المشارق والمغارب، إن قتلناكم فنعم البضاعة، وإن قتل منا أحد فبينه وبين الجنة ساعة. {لاَ تَحْسبَن الذِينَ قُتِلُوا في سبيلِ اللّه أَموَاتاً بَل أَحياء عِندَ رَبهم يرزقون فَرحِينَ بمَا أتَاهُمُ اللّه مِنْ فَضله ويستبشرونَ بِالذِينَ لَمْ يَلحقُوا بِهم مِنْ خَلفِهِم ألا خوْفٌ عَلَيْهم وَلاَ هُم يَحزَنُون يستبشرون بنعمَةٍ مِنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَن اللّه لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المْؤْمِنِين}. وأما قولكم قلوبنا كالجبال، وَعمدنا كالرمال، فالقصَّاب لا يبالي بكثرة الغنم، وكثير الحطب يفنيه القليل من الضرم، {فكم مِنَ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَت فِئَةً كَثِيرة بِإذنِ اللّهِ واللّه مَعَ الصابِرِين}. الفرار الفرار من الرزايا وحلول البلايا. واعلموا أن هجوم المنية عندنا غاية الأمنية، وإن عشنا عشنا سعداء، وإن قتلنا قتلنا شهداء، ألا إن حزب اللّه هم الغالبون. أبعد أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين تطلبون منا طاعة. لا سمع لكم ولا طاعة، وطلبتم أن نوضح لكم أمرنا قبل أن ينكشف الغطاء، ففي نظمه تركيك، وفي سلكه تلبيك، لو كشف الغطاء لبان القصد بعد بيان، أكفر بعد إيمان. أم اتخذتم إلهاً ثان. وطلبتم من معلوم رأيكم أن نتبع ربكم، {لَقَدْ جئتمْ شَيئاً إِدا تكادُ السمَوات يَتَفَطرْن مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْض وَتَخِرُّ الجبالُ هَدا}، قل لكَاتبك الذي وضع رسالته، ووصف مقالته: وصل كتابك كضرب رباب، أو كطنين ذباب. كلا سنكتب ما يقول، ونمد له من العذاب مدا، ونرثه ما يقول إن شاء اللّه تعالى. {وسيَعْلَمُ الذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلبٍ يَنْقَلِبُون}. لقد لبكتم في الذي أرسلتم. والسلام.
وفي سادسه: عرض السلطان أجناد الحلقة الذين عينوا للسفر، واختار منهم أربعمائة فارس للسفر معه، وعرض رأس نوبة الأجناد البحرية، وعين منهم مائتي فارس للسفر.
وفي سابعه: خرجت مدورة السلطان، ونصبت بالريدانية خارج القاهرة.
وفي يوم الأربعاء تاسعه، عقد السلطان على الخاتون تندي، بنت حسين بن أويس، ابنة أخي القان أحمد بن أويس، ومبلغ الصداق ثلاثة آلاف دينار، صرف الدينار يومئذ ستة وعشرون درهماً، ونصف درهم، وبنى عليها في ليلة الخميس عاشره.
وفيه نزل السلطان من القلعة إلى الإصطبل، وخرج من باب السلسلة بالرميِلة، وقد وقف القان أحمد بن أويس وجميع الأمراء وسائر العساكر، وقد لبسوا للحرب ومعهم أطلابهم، فسار السلطان وعليه قرقل بغير أكمام، وكلفته على رأسه، وتحته فرس بعرقية من صوف سمك إلى باب القرافة، والعساكر قد ملأت الرميلة، فرتَب بنفسه أطلاب الأمراء، ومر في صفوفهم عوداً وبدءاً، حتى ترتبت أحسن ترتيب، ومضى إلى قبر الإمام الشافعي فزاره، وتصدق على الفقراء. وسار إلى مشهد السيدة نفسية، فزاره وتصدق وعاد إلى الرميلة. وأشار إلى الطلب السلطاني فسار إلى الريحانية في أعظم قوة، وأبهج زي، وأفخر هيئة، وجر فيه مائتي جنيب من عتاق الخيل، عليها من الأسلحة والذهب ما يقصر الوصف عن حكايته. وسار في موكب تهتز له الأرض، وإلى جانبه ابن أويس على فرس بقماش ذهب، وبجانب ابن أويس الأمير كمشبغا الأتابك. وتبع العساكر من ورائها طلب الأمير كمشبغا، ثم طلب الأمير قَلَمْطاي الدوادار، ثم أطلاب بقية الأمراء فكان يوماً لم ير مثله، وقد حشر الناس في كل موضع، ونزل السلطان، وابن أويس بالمخيم من الريدانية.
وفي رابع عشره: أعيد بدر الدين محمد بن أبي البقاء الشافعي إلى قضاء القضاة بديار مصر، وصرف الصدر محمد المناوي، ودخل من الريدانية إلى القاهرة، ومعه من الأمراء تغري بردي رأس نوبة، وقَلَمطاي الدوادار، وأقبغا اللكاش رأس نوبة، في آخرين وعليه التشريف.
وفيه استقر الأمير ناصر الدين محمد بن رجب بن كلفت التركماني في الوزارة وعزل الموفق أبو الفرج. واستقر سعد الدين نصر الله بن البقري ناظر الدولة، عوضاً عن بدر الدين محمد بن الأقفهسي. واستقر الصاحب كريم الدين عبد الكريم بن غنم في نظر البيوت على عادته. واستقر الصاحب علم الدين عبد الوهاب سن إبرة في استيفاء الدولة شريكاً للصاحب تاج الدين عبد الرحيم بن أبي شاكر، ودخل الجميع القاهرة بالخلع.
وفي سابع عشره: قبض على الشريف محمود العُنابي، وذلك أنه كان من العنابة خارج دمشق، فتوصل إلى السلطان وهو بها، وجاراه في أمور من المغيبات صادف وقوعها. وكان السلطان له تطلع إلى ذلك، فأكرمه، وقدم به معه إلى القاهرة، وأجرى عليه ألف درهم فضة في كل شهر، وصار إذا حضر مع القضاة يجلسه فوقهم بجانبه.
فلما كان يوم الثلاثاء خامس عشره: بعث الأمير شرف الدين موسى بن الأمير شمس الدين محمد بن عيسى العائدي من خزانة شمايل ورقة إلى الأمير علاء الدين على ابن الطبلاوي والي القاهرة، وكان السلطان قد سخط على بني عيسى وسجنهم بخزانة شمايل، فإذا في الورقة أن الشريف العنابي بعث إليه أن يأمر عربانه بالنزول قريباً من القاهرة ليملكها بهم في غيبة السلطان فلم يقنع ابن الفبلاوي بهذا من ابن عيسى، وقال لقاصده: لما إذا قيل هذا للشريف ينكره، لكن حصل إلى خطة بذلك فسير إليه في يوم الخميس سابع عشره ورقة زعم أنها من الشريف إليه، وفيها: إنك ترسل إلى عربان البحيرة، وعربان الصعيد بالركوب على الولاة والكشاف وقتلهم، ونهب البلاد ليشتغلوا عنا بأنفسهم، وابعث إلى عربك أن يكونوا بقرب القاهرة، فإذا عدَّى الغريم قطيا أركب أنا وأنت، ومعي خمسمائة مملوك، وتحضر عربانك وتأخذ القاهرة، والنصر لنا إن شاء اللّه تعالى. وتولى الأمير شهاب الدين بن قايماز الأتابكية، وأتولى أنا الخلافة، ونفعل ما ينبغي فعله. فقام ابن الطبلاوي من وقته إلى الريدانية، وأوصل الورقة للسلطان، فكتم ذلك، وبعث يلبغا السالمي ليحضر العنابي، فلم يجده، وقيل هرب، فألزم السلطان ابن الطبلاوي بتحصيله، فعاد إلى القاهرة، وبحث عنه حتى علم أن يخله عند شهاب الدين أحمد بن قايماز، فأكمن عدة من ثقاته حتى قبضوا على عبد العنابي، وضرب بالمقارع، حتى دله على أستاذه، فقبض عليه، وعلى ابن قايماز، وحملهما إلى الريحانية، فأمر بعقوبتهما حتى يعترفا على من معهما على ما قصداه، فعاد بهما، وسوط العنابي فاعترف أن الورقة بخطه، ثم عصره ليقر على أحد، فلم يعترف بشيء إلا أن معه طائفة من مماليك بركة، فأخذ خطه بذلك، وأن ابن قايماز معه، فأنكر ابن قايماز، وحاققه العنابي، فتمادى في الإنكار.
وفيه قبض على الأمير ركن الدين عمر بن قايماز بسبب أخيه أحمد.
وفيه نودي بحضور الأجناد البطالين إلى بيت الأمير قلمطاوي الدوادار ليستخدموا.
وفي عشرينه: قبض ما وقع الاتفاق عليه من مال الأيتام، وذلك أن السلطان احتاج إلى المال بسبب السفر، فسأل قاضي القضاة صدر الدين محمد المناوي أن يقرضه من مال الأيتام، فامتنع كما امتَنع من قرض منطاش. فلما سمع ذلك البحر محمد بن أبي البقاء وجد سبيلاً إلى ولايته، ووعد على عوده إلى القضاء بمال يقوم به هو، وأن يقرض السلطان خمسمائة ألف وستين ألف درهم من مال الأيتام، فأجيب، واستقر كما ذكر. ونزل إليه الأمير الوزير ناصر الدين محمد بن رجب في يومه هذا، وقبض المبلغ المذكور. وفيه قرئ تقليد بدر الدين محمد بن أبي البقاء على العادة.
وفي حادي عشرينه: قدم الأمير قَلَمْطاي الدوادار من الريدانية إلى داره لعرض الأجناد البطالين، بعدما تكرر النداء عليهم مراراً، وتهديد من تأخر منهم عن العرض. فإذا بهم قد اجتمع منهم نحو الخمسمائة، فكتب أسماءهم ثم قال لهم: أحضروا تراكيشكم التي فيها القسي والنشاب، وأحضروا سيوفكم، فتوجهوا لإحضار بذلك، طمعاً منهم في أنهم يأخذون النفقة، فما هو إلا أن حضروا بذلك، أحيط بهم. وكان قد أعد لهم والي القاهرة الحديد ليقيدوا به، فقبض على ثلاثة وسبعين منهم، وفر من بقي. وقتل ثلاثة أنفس، وجرح جماعة. وتسلم الوالي المقبوض عليهم في الأغلال، ومضى بهم إلى خزانة شمايل، فسجنوا بها، وكان يوماً مهولاً من كثرة بكاء نسائهم وأولادهم.
وفيه قدم ولد الأمير نعير، ومعه محضر، بأن أباه أخذ بغداد وخطب بها للسلطان، فأنعم عليه بتشريف.
وفيه أفرج عن الأمير ألطبغا المعلم، وكتب بإحضاره من دمياط.
وفيه خلع على الأمير سودن النائب، وجعل مقيماً بالقاهرة مدة الغيبة، وخلع على الأمير محمود الأستَادار وولده، وعلى الأمير بجاس، وأُلزم بالإقامة في القلعة، وخلع على برهان الدين إبراهيم المحلى التاجر، وشهاب الدين أحمد بن محمد بن مسلم، ونور الدين علي بن الخروبي؛ لأنه اقترض منهم السلطان مبلغ ألف ألف درهم.
وفيه أفرج عن الأمير قُنُقْباي الأسعدي، وكتب بإحضاره من القدس إلى غزة، ورسم لمباشريه بتجهيز بَرقه، وتعبئة طلبه.
وفي ثاني عشرينه: عرض الأمير علاء الدين على بن الطلاوي البطالين، الذين سجنوا بالخزانة، بدار الأمير محمود الأستادار وأفرج عن مائتي رجل منهم، ونفي ثلاثة وسبعين- كانوا غُرَّاباً غير معروفين- إلى عدة جهات.
وفيه أفرج عن الأمير ركن الدين عمر بن قايماز، على مال التزم بحمله.
وفي ثالث عشرينه: رحل السلطان من الريدانية، وكانت عدة الجمال التي فرقت في المماليك أربعة عشر ألف جمل، وعدة الخيل المفرقة في المماليك السلطانية ألفين وخمسمائة فرس، سوى ما عندهم من الخيل، وهي أضعاف ذلك، وهذه الخيول والجمال في المماليك خاصة.
وأما السلطان والأمراء فيكون معهم ما يزيد على مائة ألف، ما بين فرس وجمل. ومما حمل برسم خرط الشطرنج خمسة قناطير من العاج والأبنوس؛ ليلعب به السلطان. والرسم أنه إذا لعب بشطرنج أخذ أرباب النوبة، وجدد غيره.
وفي سابع عشرينه: قدم البريد من السلطان بقتل بني عيسى، فوسطوا على باب خزانة شمايل، وعدتهم أحد وعشرون رجلاً، منهم موسى بن محمد بن عيسى، وعمه مهنا بن عيسى وسلموا لغلمانهم، فأقيمت المناحة عليهم بالصحراء عدة أيام.
وفيه قتل الشريف محمود العنابي أيضاً.
وفي ثامن عشرينه: ثارت عرب بني عيسى بقليوب يريدون قتل الوالي ففر منهم إلى القاهرة.
وفيه قدم البريد بطلب بدر الدين محمود الكلستاني إلى السلطان، فخرج في غاية الخوف من القتل؛ لأنه كان من إلزام ألطنبغا الجوباني، فجاءه من العز ما لم يخطر له ببال، كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.
وفيه استقر عمر بن إلياس في نيابة الوجه البحري، وعزل أوناط.
وفي يوم الأحد ثاني عشر جمادى الأولى: توجه الأمير محمود بالخزانة إلى السلطان.
وفي عشرينه قدم البريد برحيل السلطان عن غزة في ثاني عشره، وأنه أنعم على ألطنبغا المعلم بإمرة مائة في طرابلس، وعلى قردم الحسني بنيابة القدس وأن قنقباي الأسعدي استعفي من الإمرة.
وفي ثالث عشرينه: قدم إلى مدينة دمشق رسل طقتمش خان، صاحب كرسي أزبك خان ببلاد القبجاق، بأنه يكون عوناً مع السلطان على تيمور لنك.
وفي ثامن عشرينه: قدم البريد بدخول السلطان إلى دمشق في عشرينه.
وقدم الخير بأن تيمور لنك رجع إلى بلاده، فدقت البشائر ثلاثة أيام.
وفيه قدم إلى القاهرة رسل ابن عثمان متملك الروم.
وفي أول شهر رجب: أخذ الفرنج عدة مراكب تحمل الغلال إلى الشام.
وفي سابع عشره: برزت العساكر من دمشق تريد حلب، وفيها الأمير الكبير كمشبغا الحموي أتابك العساكر، والأمير بكلمش أمير سلاح، وأحمد بن يلبغا، وبيبرس ابن أخو السلطان، ونائب صفد ونائب غزة.
وفيه سار البريد من دمشق بتشريف الأمير نعير، واستقراره في إمرة العرب على عادته.
وفيه قدم الأمير سالم الذكرى أمير التركمان، فخلع عليه.
وفي سلخه: قدم جلال الدين عبد الرحمن ابن شيخ الإسلام البلقيني قاضي العسكر من دمشق إلى القاهرة. وقد نزل له والده عن تدريس الزاوية الخشابية بجامع عمرو بن العاص بمصر، وعن مشيخة التفسير والميعاد بالمدرسة الظاهرية المستجدة بين القصرين، وأقام والده مع السلطان.
وفيه كبس الأمير شرف الدين موسى بن طي متولي البهنسا على سفط ميدون، فقتله العرب بها، فاستقر عوضه إبراهيم الشهابي.
وفي يوم الاثنين أول شعبان: توجه القان غياث الدين أحمد بن أويس من دمشق إلى بغداد. وقد قام له السلطان بجميع ما يحتاج إليه، وعند وداعه خلع عليه أطلسين بشاش متمر، وسيف بسقط ذهب. وأعطى تقليداً بنيابة السلطنة ببغداد، فأراد أن يقبل الأرض، فلم يمكنه السلطان من ذلك إجلالاً له، ويقال إن الذي حمل إليه من النقد خمسمائة ألف درهم، سوى ما حمل إليه من الخيل والجمال والسلاح، وغير ذلك.
وفي ثالث عشره: سار من ظاهر دمشق.
وفيه أنعم على الأمير أقبغا طولو تَمُري- الذي يقال له اللكاش- بإمرة ألف، بعد وفاة بيليك المحمدي.
وفي عشرينه: أخذ قاع النيل، فكان ستة أذرع.
وفي ثاني عشرينه قدم البريد باستقرار سيدي أبى بكر بن سنقر الجمالي، حاجباً ثالثاً.
وتوقف النيل عن الزيادة تسعة أيام متوالية من سلخ بؤونة- وهو رابع عشرين شعبان- إلى ثامن أبيب، فلم يناد عليه سوى إصبع واحد في كل يوم.
وفيه استقر قطلوبغا الطشتمري في كشف الفيوم، والبهنساوية، والأطفيحية، مضافاً لما معه من كشف الجيزية.
وفي ليلة الثلاثاء- الثلاثين من شعبان-: تراءى الناس هلال رمضان، فلم ير أحد الهلال مع كثرة عمرهم، فأصبح الناس على أخر شعبان، وأكلوا إلى الظهر، فقدم الخبر بأن الهلال رؤى ببلبيس، فنودي بالإمساك قبيل العصر.
وفي ثالثه: زاد النيل بعد توقفه.
وفي خامسه: نقل أمير فرج بن أيدمر من ولاية الغربية إلى نيابة الوجه البحري، عوضاً عن عمر بن إلياس قريب قُرُط، واستقر أخوه محمد بن أيدمر في ولاية الغربية.
وفيه قدم البريد بالقبض على نصر الله بن شَنْطيَّة مستوفي المرتجع، وإيداعه خزانة شمايل على مال، وإحضار محمد بن صدقة الأعسر والي المنوفية، فسار إليه البريد وأحضره إلى القاهرةَ، فهرب، واستقر عوضه أحمد الأرغوني.
وفيه أخصب البطيخ العبدلي، حتى أبيع كل مائة رطل بدرهم.
وفي يوم الجمعة تاسع شوال- الموافق تاسع مسري-: توقف النيل عن الزيادة، وأقام بغير زيادة إلى ثاني عشره، فزاد على العادة، واستمرت الزيادة.
وفي ثاني عشرينه: استقر بدر الدين محمود السرائي الكلستاني في كتابة السر، عوضاً عن بدر الدين محمد بن فضل اللّه العمري بعد وفاته، وخلع عليه بدمشق.
وفي ثامن عشرينه- وهو ثامن عشر مسري-: أو في النيل ستة عشر ذراعاً، وفتح الخليج على العادة.
وقدم الخبر على السلطان من القان أحمد بن أويس، أنه لما وصل إلى ظاهر بغداد، خرج إليه نائب تيمور بها، وقاتله فانكسر، ودخل بغداد، وأطلق المياه على عسكر ابن أويس ليغرقه، فأعانه الله وتخلص منها بعد يومين، وعبر بغداد، وقد هرب التمرية منها، فاستولى عليها، واستخدم جماعة من التركمان والعربان، فلما بلغ ذلك تيمور جهز أمراءه بالأموال إلى سمرقندي.
وقدمت رسل ابن عثمان على السلطان بأنه جهز لنصرة السلطان مائتي ألف، وأنه ينتظر ما يرد عليه ليعتمده.
وقدم رسول القاضي برهان الدين أحمد صاحب سيواس بأنه في الطاعة، يترقب ورود المراسيم عليه بالمسير لجهة تعين له.
وفي أول ذي القعدة: سار السلطان من دمشق يريد حلب.
واتفق بالقاهرة ومصر وظواهرهما أنه أشيع بأن امرأة طال دوام رمد عينها، وأيس الأطباء من برئها، فرأت في منامها كأنها تشكو ما بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأنه أمرها أن تمضي إلى سفح جبل المقطم، وتأخذ من حصى هناك وتكتحل به بعد سحقه، وأنها عملت ذلك، فزال ما في عينيها من الرمد، فلم يبق من الناس إلا من أخذ من الحصى الذي بالجبل واكتحل به، وعملوا منه في الإثمد وغيره، حتى أفنوا من ذلك لما لا يقدر قدره، وأقاموا على هذا مدة، وزعموا أنه شفي به خلق كثير.
وفي يوم الأحد سادسه- وهو سادس عشر توت-: انتهت زيادة النيل إلى أحد عشر إصبعاً من الذراع الثامن عشر، وانحط، فارتفعت الأسعار. وبلغ الأردب القمح أربعين درهماً، والفول والشعر عشرين درهماً، والبطة الحقيق وزنتها خمسون رطلاً إلى اثني عشر درهماً. وضج الناس على البهاء محمد بن البرجي المحتسب، فرسم الأمير سودن النائب للأمير علاء الدين الطلاوي بالتحدث في السعر، فنادى بفتح المخازن والبيع بسعر اللّه تعالى، وهدد من لا يفتح مخزنه ويبيع بالنهب. وفتح مباشرو الأمراء الشون وباعوا، فانحل السعر قليلاً. ثم شحت الأنفس بالبيع، وكثر الخوف من القحط؛ لكثرة ما شرق من الأراضي ولم يزرع.
وفي يوم الخميس رابع ذي الحجة: قدم البريد بعزل قطلوبغا من كشف الفيوم، بطيبغا الزيني، واستمر على كشف الجيزية كما كان.
وفي حادي عشره: وصل الأمير شيخ الصفوي من الشام، وهو مريض.
وفي ثالث عشره: زاد ماء النيل، وغرق بعض ما زرع، ثم انحط.
وقدم البريد بأن الأمير تغري بردي استقر في نيابة حلب، عوضاً عن جلبان. وأنعم على جلبان بإقطاع تغري بردي. وأن الأمير محمد بن قارا خرج عن الطاعة، والتحق بنعير، وصار بعربانه في جملته، وأن ناصر الدين محمد بن قاضي القضاة كمال الدين بن المعري استقر في قضاء طرابلس، عوضاً عن مسعود. وأن السلطان خرج من حلب يريد دمشق في خامس عشره. وأنه قلد أرغون شاه الإبراهيمي نائب صفد نيابة طرابلس، عوضاً عن دمرداش المحمدي، وأنعم على أقبغا الجمالي أحد أمراء حلب بنيابة صفد وأعلى إمرته لدمرداش المحمدي. وأن عامر بن ظالم انهزم من عرب زبيد بمن معه من آل مهنا إلى الفرات، فغرق، وغرق معه سبعة عشر من أمراء آل مهنا، وقتل ممن معه خلق كثير جداً.
وفي ثاني عشرينه: استقر علي بن غلبك بن المكللة في ولاية منوف، وعزل أحمد الأرغوني.
وفي تاسع عشرينه: قدم مبشرو الحاج بحسن سيرة قديد أمير الحاج، وكثرة الأمن والرخاء. واستقر علاء الدين علي بن قاضي القضاة شهاب الدين أبي البقاء في قضاء الشافعية بدمشق، عوضاً عن الشهاب أحمد الباعوني. واستقر نجم الدين أحمد بن قاضي القضاة عماد الدين إسماعيل بن محمد بن أبي العز في قضاء الحنفية بدمشق، عوضاً عن التقي عبد الله الكفري. واستقر علم الدين القفصي في قضاء المالكية، عوضاً عن البرهان إبراهيم الصنهاجي. واستقر ناصر الدين محمد بن أبي الطيب في كتابة السر بحلب، عوضاً عن ناصر الدين محمد بن صلاح الدين صالح بن أحمد بن السفاح.

.ومات في هذه السنة ممن له ذكر:

سوى من قتل إبراهيم ابن السلطان، في عشرين جمادى الأولى، ودفن بالمدرسة الظاهرية المستجدة.
ومات الصارم إبراهيم الباشقردي- والي قطيا- بها فجأة، في ثامن صفر.
ومات الأمير سيف الدين أبرك المحمودي، شاد الشراب خاناه، ودفن بدمشق.
ومات الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد الهادي بن أحمد بن أبي العباس الشاطر، الأديب الشاعر، في خامس عشرينه جمادى الأولى.
ومات الوزير الصاحب موفق الدين أبو الفرج الأسلمي القبطي، تحت العقوبة، في يوم الاثنين حادي عشرينه ربيع الآخر، وكان أسوأ الوزراء سيرة، وكثرت في أيامه المصادرات، وتسلط السفهاء بالسعاية إليه على الناس حتى عم الخوف، وفقد الأمن، وبه اقتدى في الظلم من بعده، وعجل الله له في الدنيا من العذاب ما لا يمكن وصفه، إلى أن أهلكه الله وأدخله سعيرا، فإنه لم يؤمن بالله قط، بل أكره حتى قال كلمة الإسلام، ولبس العمامة البيضاء فتسلط على الناس بذنوبهم، ومن العجب أنه لما كان يتظاهر بالنصرانية، ويباشر الحوائج خاناه، كان مشكوراً بكثرة بره ورعايته للناس، فلما تظاهر بالإسلام جاء عذاباً واصباً على عباد الله.
ومات بدر الدين حسن بن العَيْذَابي رئيس المؤذنين، في سلخ جمادى الأولى، وكان من العجائب في النهمة وكثرة الأكل.
ومات الشيخ المعتَقد رشيد الأسود التكروري، في المارستان، في يوم السبت ثالث عشرين جمادى الآخرة، وكان يقيم بجامع راشدة خارج مصر، وهو أخر من سكنه.
ومات الأمير سلام- بتشديد اللام- بن محمد بن سليمان بن فايد، بالفاء، المعروف بابن التركية، أمير خفاجة بالصعيد، في سابع ربيع الآخر.
ومات الأمير زين الدين عبد الرحمن بن منكلي بغا الشمسي، وابن أخت الملك الأشرف شعبان بن حسين، في عاشر شعبان.
ومات الرئيس علاء الدين علي بن عبد الواحد بن محمد بن صغير رئيس الأطباء، وهو بحلب، في يوم الجمعة تاسع عشر ذي الحجة، ودفن بها، ثم نقل إلى القاهرة، وكان من محاسن الدنيا.
ومات بدر الدين محمد بن علي بن يحيى بن فضل الله العمري، كاتب السر، في يوم الثلاثاء العشرين من شوال بدمشق.
ومات القاضي الدين محمد بن محمد بن محمد المليجي، المعروف بصائم الدهر، ناظر الأحباس ومحتسب القاهرة، وخطيب مدرسة حسن، في تاسع عشر صفر، عن نحو سبعين سنة، وكان خيراً ديناً، كثير النسك، ساكناً، قليل الكلام، بهيج الزي، جميل الهيئة، يسرد الصوم دائماً.
ومات ناصر الدين محمد بن مقبل الجندي الظاهري، في يوم الأربعاء ثالث عشر جمادى الآخرة. كان يتظاهر يحف شاربه، ورفع يديه في كل خفض ورفع في الصلاة، ولا يكتم الاقتداء بمذهب أهل الظاهر، وكتب بخطه كثيراً، واشتغل بالحديث.
ومات ناصر الدين محمد بن شرف الدين موسى بن سيف الدين أرقطاي، في ليلة الأربعاء سادس عشرين ذي القعدة. كان حجه وأبوه من أمراء الألوف، وهو من أمراء العشراوات، ويحب الحديث، ويواظب سماعه على المشايخ.
ومات الأمير سيف الدين منكلي الطرخاني الشمسي، أحد الأمراء، ونائب الكرك. وتوفي ليلة العاشر من المحرم.
ومات جمال الدين عبد الله بن محمد بن العمري، المعروف بكاتب أيتمش، وبكاتب السمسرة، في يوم الثلاثاء تاسع عشر ربيع الآخر.
ومات أمين الدين يحيى بن محمد الحنبلي العسقلاني ليلة الأربعاء ثاني ربيع الأول. وماتت زبيدة بنت قاضي القضاة زين الدين عمر بن عبد الرحمن بن أبى بكر البسطامي الحنفي.
وماتت أم قاضي القضاة صدر الدين محمد بن إبراهيم المناوي، في ليلة يوم السبت تاسع المحرم، ودفنت بالقرافة.
وماتت الشيخة الصالحة شيخة رباط البغدادية، في يوم السبت ثاني عشرين جمادى الآخرة. وكانت على قدم فاضلة من العبادة، وتذكير النساء في وعظها إياهن، وتَعليمهن الخير.
ومات متملك تونس أبو العباس أحمد بن محمد بن أبى بكر بن يحيى بن إبراهيم بن يحيى بن عبد الواحد بن عمر بن يحيى بن عمر بن ونُودَين الحفصي، في ليلة الخميس رابع شعبان، فكانت مدة ملكه أربعاً وعشرين سنة وثلاثة أشهر ونصف. وقام من بعده ابنه أبو فارس عبد العزيز.
ومات صاحب فاس السلطان أبو العباس أحمد بن أبي سالم إبراهيم بن أبي الحسن المريني، ملك المغرب، في محرم. وأقيم بعده ابنه أبو فاس عبد العزيز بن أبي العباس.