فصل: سنة خمس وثمانمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك (نسخة منقحة)



.سنة أربع وثمانمائة:

أهل المحرم بيوم الخميس: فيه كان وفاء النيل ستة عشر ذراعاً، ففتح الخليج على العادة. وأما الذهب فإن الدينار المختوم بستة وثلاثين درهماً، والأفرنتي بأربعة وثلاثين. والأردب القمح من خمس إلى ما دونها، والشعير بخمسة وعشرين، والأرز بمائه وتسعين الأردب، والكتان كل رطل بدرهمين ونصف بعد درهم، والحملة الحطب- وهي مائة وعشرة أرطال- بعشرة دراهم بعد درهمين.
وفي ثانيه: توجه الأمير زين الدين عبد الرحمن المهتار إلى بلاد الشام، في مهم سلطاني.
وفي تاسعه: استقر الأمير أركماس الظاهري نائب عين تاب في نيابة ملطية، كان الأمير دمرداش نائب حلب قد عزله من نيابة عين تاب، فقدم إلى القاهرة واستقر علاء الدين صهر يلبك في كشف البحيرة، وخلع على سعد الدين بن غراب عند تكملة النفقة على المماليك السلطانية.
وفي سادس عشره: استقر شمس الدين محمد بن البنا في نظر الأحباس، وصرف بدر الدين حسن بن الداية. واستقر الصارم في ولاية مصر، وعزل الضاني.
وفي حادي عشرينه: أو لم الأمير الكبير نوروز لعرسه على سارة ابنة الملك الظاهر، فذبح ثلاثمائة رأس من الغنم، وستة عشر فرساً.
وفي ثالث عشرينه: استقر الأمير أبو يزيد- أحد الحجاب- بإمرة عشرة.
وفي سابع عشرينه: استقر شهاب الدين أحمد بن الجواشني في قضاء الحنفية بدمشق، عوضاً عن شمس الدين محمد بن القطب.
وفي أول صفر: قدم الخبر بأن الأمير تغري بردى نائب دمشق اختفى.
وذلك أن السلطان كان قد كتب إلى أمراء دمشق بالقبض عليه، فلما أحس بذلك، فر من دمشق في ليلة الجمعة ثاني عشرين المحرم، في نفر يسير فتعين لنيابة دمشق عوضاً عنه الأمير أقبغا الجمالي أتابك دمشق، والأمير تمربغا المنجكي لنيابة صفد، عوضاً عن دقماق. ونقل دقماق لنيابة حلب، وعزل دمرداش عنها. فورد الخبر بالتحاق تغري بردى بدمرداش في حلب.
وفي خامسه: كتب توقيع باستمرار نجم الدين عمر بن حجي في قضاء القضاة الشافعية بحماة وتوقيع بنقل علاء الدين علي بن مغلي قاضي الحنابلة بحماة، إلى قضاء الحنابلة بحلب.
وفي عشرينه: جهز تشريف الأمير آقبغا بنيابة دمشق، على يد غنجق.
وفي رابع عشرينه: خلع على الصاحب علم الدين يحيى- المعروف بأبو كم- خلعة استمرار. وذلك أنه كان لكثرة طلب كلف الدولة منه، وعجزه، اختفي، فلما ظهر خلع عليه. وورد الخبر أن دمرداش نائب حلب قبض على الأمير خليل بن قراحا بن دلغادر- زعيم التركمان- وسجنه. فلما قدم عليه تغري بردى- نائب دمشق- شفع فيه، فافرج عنه وعن من معه، وهم نحو الخمسين رجلاً.
وفيه رسم للأمير سودن الحمزاوي بنيابة صفد وسبب ذلك أنه اختلف مع الأمراء الكبار وهم: نوروز، وحكم، وسودن طاز، وتمربغا المشطوب، وقاني باي العلاي، فانقطعوا عن الخدمة السلطانية من أول صفر، وعزموا على إثارة الحرب. فلبس الحمزاوي للحرب في داره، واجتمع إليه من يلوذ به. وكان الأمراء قد عينوا للخروج من ديار مصر ثمانية أنفس وهم: الحمزاوي، وسردن بقجة، وهما من أمراء الطبلخاناة، ورءوس نوب، وأزبك الدوادار، وسودن بشتا، وهما من أمراء العشراوات، وقاني باي الخازندار، وبردى باك، وهما من الخاصكية، وآخرين من المماليك الخاصكية، ثم مشى الحال بينهم وبين الأمراء، واصطلحوا على خروج الحمزاوي لنيابة صفد، وإقامة الباقين من غير حضورهم الخدمة، وحلف الأمراء والممالك السلطانية على الطاعة والاتفاق. وفيه سار القاصد بتشريف دقماق لنيابة حلب.
وفي خامس عشرينه: استقر حسن بن قراجا في ولاية الجيزة وعزل عمر بن الكوراني.
وفي سابع عشرينه: خلع على سودن الحمزواي لنيابة صفد، عوضاً عن دقماق المنتقل لنيابة حلب. وفيه قدم الأمير ألطنبغا العثماني نائب صفد، والأمير بهاء الدين عمر بن الطحان نائب غزة من أسر تمرلنك، وذكروا أنهما فارقاه من أطراف بغداد.
وفي هذا الشهر: كانت كائنة طرابلس وذلك أنه قدم إليها في يوم الاثنين عاشره مركب فيه عدة من الفرنج، فخرج الناس لحربهم، وكان بالميناء مراكب لتجار الفرنج، فاجتمعوا على مراكب المسلمين التي قد شحنت بالبضائع لتسير إلى أرض، وأخذوا منها مركبين، فيهما مال كبير، وأسروا خمسة وثمانين مسلماً بعدما قاتلوا قتالاً شديداً وغرق جماعة وفر جماعة، وأصبحوا من الغد على الحرب، فوقع الاتفاق على فكاك من أسروه بمال يحمل إليهم فلما حمل إليهم بعض المال أسروا الرجل، ومضوا في ليلة الخميس خامس عشره، ونزلوا على قرية هناك فقاتلهم أميرها، وقبضهم وجاء بهم إلى طرابلس، فسجنوا، وأخذ المسلمون مركبهم.
شهر وبيع الأول، أوله الاثنين: في خامسه: لبس آقبغا خلعة بنيابة الشام، وقد وصلت إليه من القاهرة إلى دمشق، وقوي تقليده.
وفي عاشره: قدم الأمير دقماق من صفد إلى دمشق، يريد حلب وقد استقر في نيابتها، فخرج الأمير أقبغا إلى لقائه، وأنزله بالميدان، وصحبة متسفره كتاب السلطان يطلب الأمير دمرداش نائب حلب إلى مصر، وبتوجه الأمير تغري بردى نائب الشام إلى القدس، بعد ما أحيط بموجوده في دمشق. وفي ثاني عشره: سار دقماق من دمشق يريد حلب.
وفي نصفه: طلع الأمير نوروز إلى الخدمة، بعدما انقطع عنها زيادة على شهر، فخلع عليه وعلى الأمير سودن طاز، وخلع على الأمير ألطبغا العجمي وإلى دمياط، واستقر كاشف الوجه القبلي، عوضاً عن الأمير جنتمر الطرنطاي بحكم رفاته.
وفي ثاني عشره: طلع الأمير جكم إلى الخدمة، بعدما انقطع عنها مدة شهرين، وخلع عليه.
وفيه استقر شمس الدين محمد الشاذلي الإسكندراني في حسبة القاهرة، وعزل البخانسي.
وفيه نودي في دمشق بخروج العسكر لقتال دمرداش بحلب.
وفي يوم الخميس خامس عشرينه: استقر فخر الدين ماجد بن غراب في نظر الخاص برغبة أخيه سعد الدين إبراهيم بن غراب له عن ذلك.
وفي سابع عشرينه: استقر تاج الدين بن الحزين مستوفي الدولة، في الوزارة بدمشق.
شهر ربيع الآخر، أوله الثلاثاء: في ثالثه: استقر تاج الدين محمد بن أحمد بن علي- عرف بابن المكللة- ربيب ابن جماعة، في حسبة مصر، وعزل نور الدين البكري.
وفي خامسه: استقر الأمير جمق رأس نوبة دواداراً ثانياً، عوضاً عن الأمير جركس المصارع، واستقر تنباك الخاصكي دواداراً.
وفي سابعه: استقر في نظر الأحباس بدر الدين محمود العينتابي، عوضاً عن شمس الدين بن البنا، بحكم وفاته. وخلع على الأمير سلمان لنيابة الكرك، عوضاً عن الأمير جركس والد تنم.
وفي خامس عشره: كتب توقيع شمس الدين محمد بن عباس الصلتي نائب قاضي غزة باستقراره في قضاء القضاة الشافعية بدمشق، عوضاً عن شمس الدين محمد بن الأخناي.
وفي سابع عشره: استقر الأمير مبارك شاه- الحاجب وكاشف الجيزة- وزيراً، وصرف علم الدين يحمي أبوكم، وقبض عليه، وسلم إلى شاد الدواوين ليعاقبه.
وفي حادي عشرينه: استقر أقتمر- أحد المماليك السلطانية- في ولاية القاهرة، وعزل الأمير ناصر الدين محمد بن الطلاوي.
وفي هذا الشهر: فر من كان مع الأمير دقماق من التراكمين، وقد قرب دقماق من حلب، فعاد بمن بقي معه إلى حماة، واستنجد الأمير آقبغا نائب دمشق فأمده بطائفة. فسار دمرداش من حلب، ولقي دقماق على حماة في يوم الخميس ثاني جمادى الأولى، فانكسر بعد قتال طول النهار، وكثرت فيه الجراحات. فلم يمكن دمرداش العود إلى حلب، من أجل أن الأمراء بها أخذوها للسلطان، ومر على وجهه، فعاد عسكر دمشق إليها، وسار دقماق إلى حلب فتسلمها.
وفي ثاني عشره: قبض بدمشق على شمس الدين محمد الأخناي قاضي دمشق، ونودي بالكشف عليه، فكثر شاكوه باستيلائه على أملاك الناس وأوقافهم.
وقدم في سادس عشرينه: إلى دمشق شمس الدين محمد بن عباس الصلتي- نائب قاضي غزة متوليا القضاء عن الأخناي، وأفرج عن الأخناي، في أول جمادى الآخرة.
وفي ليلة الجمعة تاسعه: ركب الأمير صروق نائب غزة. واقتتل هو والأمير سلامش الحاجب، والأمير جركس نائب الكرك فقتل بينهم عشرة أنفس، وجرح جماعة، وفر سلامش، وأخذ جوكس أسيراً، فجمع سلامش لحرب صروق، واستنجد بعمر بن فضل أمير حزم، فقام معه، وقدما في جمع كبير إلى غزة في رابع عشره، واقتتلوا مع صروق، فانهزم منهم في يوم الخميس خامس عشره، فتبعوه، وقبضوا عليه، وقيدوه ونهبت غزة. وقتل بينهم نحو الخمسين رجلاً، وجرح نحو ثلاثمائة.
وفي يوم الجمعة سادس عاشرين شعبان: أقيمت الجمعة بالجامع الأموي بدمشق، وهو خراب منذ أحرقه التفرية، بعد ما نودي فيه الناس بذلك، فشهدها جماعة. هذا وجميع مدينة دمشق خراب، لا ساكن بها. وقد بني الناس خارجها، وسكنوا هناك، وصاروا ينقلون ما عساه يوجد بالمدينة من الأحجار ونحوها، وببني بذلك في ظاهر المدينة، حتى أزالوا ما بقي من أثار الحريق، وصارت مدينة دمشق كيماناً.
وفي هذا الشهر: كتب باستقرار الأمير صروق في كشف بلاد الشام، لدفع العربان عنها، فأوقع بهم، وأكثر من القتل فيهم.
وفي ثامن عشر رمضان: خرج الأمير دقماق نائب حلب لقتال الأمير دمرداش، وقدم دمرداش في جمائع التركمان، فأقبل الأمير نعير لقتاله أيضاً، فانهزم، وأخذت أكثر أثقاله.
وفي يوم الاثنين خامس جمادى الآخرة: صرف قاضي القضاة ناصر الدين محمد بن الصالحي عن قضاء القضاة بديار مصر. واستقر القاضي جلال الدين عبد الرحمن بن شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني قاضي العسكر في قضاء القضاة بديار مصر.
وفي ثامنه: استقر الأمير ألطنبغا العثماني في نيابة غزة، عوضاً عن الأمير صروق.
وفي طول هذه الأيام: كثر تنافر الأمراء واختلافهم، وانقطع نورور، وجكم، وقنباي عن الخدمة. ودخل شهر رمضان: وانقضي، فلم يحضروا للهناء بالعيد، ولا صلوا صلاة العيد مع السلطان.
فلما كمان يوم الجمعة ثاني شوال: ركبوا للحرب، فنزل السلطان من القصر إلى الإسطبل عند سودن طاز، ووكب نوروز وجكم وقنباي، وقرقماس الرماح. ووقعت الحرب من بكرة النهار إلى العصر. ورأس الأمراء نوروز وجكم، وخصمهم سودن طاز. فلما كان آخر النهار: بعث السلطان بالخليفة المتوكل على الله وقضاة القضاة الأربع إلى الأمير الكبير نوروز في طلب الصلح، فلم يجد بداً من ذلك، وترك القتال وخلع عنه آلة الحرب، فكف الأمير جكم الدوادار أيضاً عن الحرب. وعد ذلك مكيدة من سودن طاز، فإنه خاف أن يغلب ويسلمه السلطان إلى الأمراء، فأشار عليه بدلك حتى فعله، فتمت مكيدته بعدما كاد أن يؤخذ، لقوة نوروز وجكم عليه، وبات الناس في هدوء.
فلما كان يوم السبت الغد: ركب الخليفة وشيخ الإسلام البلقيني، وحلفوا الأمراء بالسمع والطاعة للسلطان، وإخماد الفتنة، فطلع الأمير نوروز إلى الخدمة في يوم الاثنين خامسه، وخلع عليه، وأركب فرساً خاصاً بسرج، وكنفوش ذهب. وطلع الأمير جكم في ثامنه وهو خائف. ولم يطلع قنباي، ولا قرقماس، وطلبا فلم يوجدا، مجهز إليهما خلعتان، على أن يكون قنباي نائباً بحماة، وقرقماس حاجباً بدمشق. ونزل جكم بغير خلعة حنقاً وغضباً، فما هو إلا أن استقر في داره، ونزل إليه سرماش رأس نوبة، وبشباي الحاجب بطلب قنباي، ظناً أنه اختفي ليلبس الخلعة بنيابة حماة، فأنكر أن يكون عنده، وصرفهما، وركب من ليلته بمن معه من الأمراء والمماليك وأعيانهم: قمش الخاصكي الخازندار، ويشبك الساقي، ويشبك العثماني، وألطبغا جاموس، وجانباي الطيبي، وبرسبغا الدوادار، وطرباي الدوادار، وصاروا كلهم على بركة الحبش خارج مصر. ولحق به الأمير قنباي، وقرقماس الرماح، وأرغز، وغنجق، ومحو الخمسمائة من مماليك السلطان. وأقاموا إلى ليلة السبت عاشره، فأتاهم الأمير نوروز، والأمير سودن من زاده رأس نوبة، والأمير تمربغا المشطوب، في نحو الألفين، فسر بهم وأقاموا جميعاً إلى ليلة الأربعاء، وأمرهم يزيد ويقوى بمن يأتيهم من الأمراء والمماليك. فنزل السلطان من القصر في ليلة الأربعاء رابع عشره إلى الإسطبل عند سودن طاز. وركب بكرة يوم الأربعاء فيمن معه، وسار من باب القرافة، بعد ما نادى بالعرض، واجتمع إليه العسكر كله. وواقع جكم ونوروز، وكسرهما، وأسر تمربغا المشطوب، وسودن من زاده، وعلى بن أينال، وأرغر. وفر نوروز وجكم في عدة كبيرة يريدون بلاد الصعيد. وعاد السلطان ومعه الأمير سودن طاز إلى القلعة مظفراً منصوراً. وبعث بالأمراء المأسورين إلى الإسكندرية، في ليلة السبت سابع عشره. وانتهي نوروز وجكم إلى منية القائد وعادوا إلى طموه، ونزلوا على ناحية منبابه من بر الجيزة، تجاه القاهرة. فمنع السلطان المراكب أن تعدى بأحد منهم في النيل، وطلب الأمير يشبك الشعباني من الإسكندرية. فقدم يوم الاثنين تاسع عشره إلى قلعة الجبل، ومعه عالم كبير ممن خرج إلى لقائه، فباس الأرض ونزل إلى داره.
وفي ليلة الثلاثاء عشرينه: ركب الأمير نوروز نصف الليل، وعدي النيل، وحضر إلى بيت الأمير الكبير بيبرس الأتابك. وكان قد تحدث هو والأمير إينال باي بن قجماس له مع السلطان، حتى أمنه ووعده بنيابة دمشق. وكان ذلك من مكر سودن طاز، فمشى ذلك عليه، حتى حضر، فاختل عند دلك أمر جكم وتفرق عنه من معه، وفر عنه قنباي وصار فريداً. فكتب إلى الأمير بيبرس الأتابك يستأذنه في الحضور، فبعث إليه الأمير أزبك الأشقر رأس نوبة والأمير بشباي الحاجب، وقدما به ليلة الأربعاء حادي عشرينه إلى باب السلسلة من الإصطبل السلطاني، فتسلمه عدوه الأمير سودن طاز وأصبح وقد حضر يشبك وسائر الأمراء للسلام عليه. فلما كانت ليلة الخميس ثاني عشرينه قيد وحمل في الحراقة إلى الإسكندرية، فسجن بها حيث كان الأمير يشبك مسجوناً.
وفي يوم الخميس: هذا خرج المحمل وأمير الحاج نكباي الأزدمري، أحد أمراء الطبلخاناه. وكان قد ألبس الأمير نوروز تشريف نيابة دمشق في بيت الأمير بيبرس يوم الأربعاء، فقبض عليه من الغد يوم الخميس، وحمل إلى باب السلسلة، وقيد، وأخرج في ليلة الجمعة ثالث عشرينه إلى الإسكندرية، فسجن بها أيضاً. وغضب الأميران بيبرس وإينال باي، وتركا الخدمة السلطانية أياماً، ثم أرضيا. واختفى الأميران قانباي وقرقماس، فلم يعرف خبرهما.
وفي سابع عشرينه: كتب تقليد الأمير شيخ المحمودي باستقراره في كفالة السلطة بالشام، عوضاً عن الأمير أقبغا الأطروش.
شهر ذي القعدة، أوله السبت: في ثالثه: أنعم بإقطاع على الأمير إينال العلاي حطب رأس نوبة، وأخذ منه النحريرية. وبإقطاع قنباي على علان الأقطع. وبإقطاع تمربغا المشطوب على الأمير بشباي الحاجب، فلم يرض به، فاستقر باسم قطلوبغا الكركي، على عادته أولا. وبقي بشباي على طبلخانته. وأنعم بإقطاع جكم على الأمير يشبك العثماني على عادته أولا، وأنعم على بيغوت بإمرة طبلخاناه، بعدما كان أمير عشرة. وعلى أسنبغا المصارع بطبلخاناه. وعلى سودن بشتا بطبلخاناه، نقلوا كلهم من العشراوات.
وفي سادسه: قدم الأمراء من سجن الإسكندرية، وهم: أقباي وقطلوبغا- الكركيان- وجركس المصارع، وصعدوا إلى القلعة، فباسوا الأرض على العادة، ونزلوا إلى منازلهم. وفيه استقر بدر الدين حسن بن آمدي- أحد الأجناد- في مشيخة خانقاه سرياقوس، وعزل الفقيه أنبياء التركماني.
وفي ثامنه: خلع على الأمراء القادمين من الإسكندرية.
وفي تاسعه: قدم كتاب السلطان بعزل الأمير آقبغا، فانعزل. وكانت مدة نيابته تسعة أشهر تنقص خمسة أيام. وتوجه إلى القدس بطالا في سابع عشره، فقدم متسلم الأمير شيخ لدمشق، وأمر الناس بملاقاة شيخ بالسلاح وهيئة القتال.
وفي ثامن عشره: لعب الأمراء بالأكرة في بيت الأمير الكبير بيبرس، فاجتمع من المماليك السلطانية فوق الألف تحت القلعة، يريدون الفتك بسودن طاز. فعند ما خرج من بيت بيبرس هموا به، فساق ولحق بباب السلسلة، وامتنع بالإصطل. وفيه نفي الأمير يلبغا السالمي إلى دمياط.
وفي رابع عشرينه: خلع على الأمير الكبير بيبرس الأتابك خلعة الاستمرار على الأتابكية، وخلع على الأمير يشبك، واستقر دوادار السلطان عوضاً عن جكم. وخلع على ناصر الدين محمد الطناحي إمام السلطان ومؤدبه، واستقر في نظر الأحباس عوضاً عن البدر محمود العينتابي. وفيه توجهت الأمراء إلى عرب تروجة، وتأخر الأمير بيبرس والأمير بشباي، وقدموا ليلة عيد النحر من غير شيء.
وفي أول ذي الحجة: كتب إلى الأمير قرايوسف يخير في مكان يأوي إليه هو وجماعته، ليكتب له به. وجهز إليه فوقاني حرير بوجهين، وطراز زركش عرض ذراع، وألف دينار، وتعبئة قماش عدة خمسين قطعة، ولإخوته فرعلي وترعلي، ولولده محمد شاه، ولألزامه أقبية حرير بطرز زركش.
وفي يوم السبت رابع عشر ذي الحجة: استقر الأمير أقباي الكركي خازنداراً على عادته.
وفيه قدم الأمير شيخ المحمودي نائب الشام إلى دمشق من غير مدافع، فنزل بها، وولي جماعة من أصحابه عدة وظائف.
وفي سادس عشره: خلع على الأمير يشبك الدوادار بنظر الأحباس، على عادته.
وفي ثالث عشرينه: استقر الأمير ناصر الدين محمد بن علي بن كلفت التركماني في ولاية القاهرة والحجوبية، وصرف أقتمر. واستقر ناصر الدين محمد بن ليلى في ولاية مصر، عوضاً عن ناصر الدين محمد الضاني.
وفي سادس عشرينه: استقر ولي الدين عبد الرحمن بن خلدون المغربي في قضاء المالكية، وصرف جال الدين يوسف بن خالد بن نعيم مقدم بن محمد بن حسن بن غانم ابن محمد بن على البساطي.
وفي يوم الاثنين سلخه: استقر الأمير جمق الدوادار في نيابة الكرك، عوضاً عن سلمان. واستقر الأمير علان الأقطع أحد المقدمين في نيابة حماة، وعزل عنها يونس الحافظي، فشق ذلك على سودن طاز، من أجل أنهما كانا عضديه، وكتب باستقرار الأمير دمرداش المحمدي في نيابة طرابلس، والأمير على باك بن دلغادر في نيابة عين تاب، والأمير عمر بن الطحان في نيابة ملطية. وكانت الأخبار وردت بتجمع التركمان مع دمرداش ونزولهم على حلب، وأن دقماق نائب حلب اجتمع هو ونائب حماة والأمير نعير، وأن تمرلنك نزل على مدينة سيواس.
ولم يحج في هذه السنة أحد من الشام ولا العراق.

.ومات في هذه السنة:

الشيخ فخر الدين عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان البلبيسي الضرير، إمام الجامع الأزهر، وشيخ القراءات بديار مصر، في ثاني ذي القعدة.
ومات شرف الدين عبد الوهاب بن تاج الدين محمد بن محمد بن عبد المنعم البارنباري، موقع الدرج، في حادي عشر ذي الحجة، وكان أبوه تاج الدين كاتب السر بطرابلس.
ومات شمس الدين محمد بن البنا ناظر الأحباس في خامس ربيع الآخر.
ومات الأمير جنتمر التركماني الطرنطاي، كاشف الوجه القبلي، في منتصف صفر، قتله هوارة الصعيد، طائفة الأمير محمد بن عمر بن عبد العزيز الهواري، في نحو المائتين من عسكره، ونهبوا سائر ما كان معه.
وكان أولاً من أمراء الشام وولي نيابة حمص وبعلبك، وأسر مع تمرلنك، ثم قدم بعد أسره إلى القاهرة، وولي كشف الصعيد. وكان سمحاً طائشاً، عسوفاً، جباراً، ظالماً، مفسداً.
ومات الأمير علاء الدين علي الشهير بابن الملكة والي منفلوط، في أخر ربيع الأول، قتله عرب بني كلب.
وماتت الست خوند شقراء بنت حسين بن محمد بن قلاوون، أخت الملك الأشرف شعبان بن حسين، ليلة الاثنين ثامن عشر المحرم. ودفنت من الغد بمدرسة أم السلطان الأشرف بالتبانة خارج القاهرة.
ومات الشيخ لاجين الجركسي، في رابع ربيع الآخر، عن ثمانين سنة. وكان عظيماً عند الجراكسة، يزعمون أنه يملك مصر، ويشيعونه، فلا يتكتم هو ذلك. ويعد أنه إذا ولي أبطل الأوقاف التي أوقفت على المساجد والمدارس، وأخرج الإقطاعات عن الأجناد والأمراء، ويحرق كتب الفقه، ويعاقب الفقهاء. وعين جماعة لعدة وظائف، وحذر وأنذر، فأخذه الله دون ذلك.
ومات الشيخ المعتقد شهاب الدين أحمد بن محمد بن محمد بن الناصح بالنوب في سابع عشرين رمضان. حدث بمسلم عن ابن عبد الهادي، وبأبي داود والترمذي عن الميدومي. وكان وجيهاً عند الملوك، وللناس فيه اعتقاد كثير.
ومات المسند شهاب الدين أحمد، بن المحدث بدر الدين حسن بن محمد بن محمد بن زكريا بن محمد بن يحيى القدسي.

.سنة خمس وثمانمائة:

أهل المحرم يوم الأربعاء، والأردب القمح بستين درهماً، والأردب الشعير بأربعين درهماً، والمثقال الذهب بخمسين درهماً، والدينار الأفرنتي بسبعة وأربعين درهماً.
وفيه كانت وقعة الطاغية تيمور كركان ملك الشرق مع خوند كار أبي يزيد بن مراد عثمان ملك الروم. وملخص ذلك أنه سار من العراق إلى جهة بلاد الروم، فجمع ابن عثمان عساكره وعوضهم على مدينة آقشهر- يعني المدينة البيضاء- فبلع عدد الفرسان نحو السبعمائة ألف فارس، وثلاثمائة ألف راجل. ومات يوم العرض تحت الأقدام من الدوس في الازدحام خمسة وعشرون رجلاً. وسار يريد لقاءه نحو الخمسة عشر يوماً. فبعث إليه تمرلنك يخدعه ويقول: أنت رجل مجاهد غازي في سبيل الله، وليس غرضي قتالك، ولكني أريد منك أن تقنع بالبلاد التي كانت مع أبيك وجدك، وآخذ أنا بلاد الأمير أرطنا أمير الروم أيام السلطان أبي سعيد. فانخدع لذلك ومال إلى الصلح، فلم يشعر إلا بالخبر قد ورد عليه أن تمرلنك نزل على كماخ وقتل أهلها وسباهم وخربها، فعلم أنه ما أراد إلا مخادعته، وسار إليه حتى قرب منه، فكاده تمرلنك ورجع، فظن أبو يزيد أنه قد خافه. وإذا به سلك طريقاً من وراء أبي يزيد، وساق في بلاد الروم مسيرة ثمانية أيام، ونزل على عمورية- ويقال لها اليوم أنكورية- وحاصرها، وألقي فيها النيران، فبلغ ذلك ابن عثمان فساق في عساكره إليه مدة ثمانية أيام، إلى أن أشرف عليه، وقد جهده التعب، وتقطعت عساكره، وتلفت خيولهم. فعندما وصل ركب تمرلنك إلى حربه في أول يوم من المحرم هذا، وقد علم أنه وعساكره في غاية التعب، فلم يجد بداً من محاربته، فاقتتل كل منهما مع الآخر في يوم الأحد خامسه من أول النهار إلى العصر، وتمرلنك مشرف على مكان مرتفع يرتب عساكره. وثبت كل من الفريقين حتى قتل بينهما على ما قيل نحو الثمانين ألفاً، وتعين الغلب للروم على عساكر تمرلنك، حتى هموا بالهزيمة. فلما كان في آخر النهار خرج كمن لتمرلنك، فيه نحو المائة ألف، وصدم الأمير سلمان بن أبي يزيد بن عثمان، فانكسر ولحق بأبيه في ثلث العسكر، فانكشفت الميمنة، وانقلبت على القلب، ففر الأمير سلمان في نحو مائة ألف يريد مدينة برصا تخت الملك. وأحاطت عساكر تمرلنك عند ذلك بابن عثمان ومن ثبت معه، وأخذوه أسراً، وجاءوا به إلى تمرلنك، وقد تفرقت جمائعه، وتمزقوا كل ممزق، فلو لم يحل بينهم الليل، لما أبقي التمرية منهم أحداً، ولما جيء بابن عثمان إلى تمرلنك أوقفه وأبنه، ثم وكل به. وبعث من الغد في تتبع المنهزمين، فأحضر إليه من الجرحى نحو الثلاثة آلاف. وتفرقت التمرية في بلاد الروم، تعبث وتفسد وتنهب، وتنوع العذاب على الناس، وأحرقوا مدينة برصا. ومكثوا ستة أشهر يقتلون ويأسرون وينهبون ويفسدون. وعدى الأمير سلمان بن أبي يزيد بن عثمان إلى بر القسطنطينية.
وفي ثالث المحرم: أنعم لإقطاع علان نائب حماة على الأمير جركس المصارع، وبإقطاع جمق نائب الكرك على الأمير آقباي الخازندار الكركي، وزيد عليه سمسطا.
وفي سابعه: الأمير سودن طاز أمير أخور من الإصطبل السلطاني بأهله وحاشيه إلى داره، وعزل نفسه عن الأمير أخوريه، وصار من جملة الأمراء.
وفي ثامنه: توجه الأمير عبد الرحمن المهتار إلى جهة الكرك في مهمات.
وفي عاشره: استقر علاء الدين على بن أبي البقاء في قضاء القضاة بدمشق، عوضاً عن ابن عباس، واستقر صدر الدين على بن الآدمي في كتابة السر بدمشق، عوضاً عن الشريف علاء الدين علي بن عدنان.
وفي خامس عشره: أوفي النيل، وذلك في ثاني عشرين مسرى.
وفي سادس عشره: قدم الأمير تغري بردى- نائب الشام كان- إلى دمشق، وقد فارق دمرداش ورغب في الطاعة، فأنزله الأمير شيخ وأكرمه.
وفي سابع عشره: خرج علان وجمق من القاهرة وخيما بالريدانية، وسارا إلى نيابتهما في ليلة السبت تاسع عشره. وعندما نزل الحاج إلى منزلة نخل قبض على الأمير نكباي أمير الحاج في عدة من المماليك السلطانية، وسفروا إلى الكرك فسجنوا بها.
وفي خامس عشرينه: قدمت ولاية علاء الدين علي بن أبي البقاء إلى دمشق باستقراره في قضائها، عوضاً عن ابن عباس.
وفي ثامن عشرينه: ظهر الأمير قرقماس الرماح، وصعد إلى قلعة الجبل، فعفا السلطان عنه، ونزل إلى داره. وفيه قبض بدمشق على الأمير أسن بيه أتابكها، وعلى الأمير حقمق حاجب الحجاب وغيره، فسجنوا بالصبيبة.
شهر صفر، أوله الأربعاء: في أوله: سار الأمير تغري بردى من دمشق إلى القاهرة، فقدم في أخره.
وفي ليلة الاثنين ثالث عشره: خرج الأمير سودن طاز بمماليكه وحواشيه إلى المرج والزيات خارج القاهرة، ونزل هناك ليقيم الفتنة. وذلك أنه لما ثقل عليه الأميران نوروز وجكم، ودبر في إخراجهما من مصر- كما ذكر- ظن أنه ينفرد بأمور الدولة، فنزل عليه الأمير يشبك وجماعته، وانحصر لمجيئهم من الإسكندرية، وتحكمهم في الدولة، وتلاشي أمره. وكان الأمير أقباي الكركي مع ذلك يعاديه قديماً. فما زال يدبر عليه حتى نزل من الإصطبل، خوفاً على نفسه من كثرة جموع يشبك وجرأة أقباي، وميل السلطان معهم عليه. فعندما نزل، شق عليه فطامه عن التحكم، وكفه عن الأمر والنهي، فخرج ليأتي إليه المماليك السلطانية وغيرهم، ويحارب بهم يشبك وطائفته، ويخرجهم من مصر، أو يقبض عليهم، ويستبد بعدهم بالأمر، فجاء حساب الدهر غير حسابه، ولم يخرج إليه أحد، وولي السلطان عوضه في الإصطبل الأمير إينال باي بن قجماس، وخلع عليه في يوم الاثنين عشرينه، واستقر أمير أخور، وسكن في الحراقة بباب السلسلة على العادة في ذلك.
وبعث السلطان إلى سودن طاز بالأمير قطلوبغا الكركي يأمره بالعود على أمريته من غير إقامة فتنة، وإن أراد البلاد الشامية فله ما يختار من نيابات السلطة بها، فامتنع وقال: لابد من إخراج أقباي الكركي أولاً إلى بلاد الشام، ثم إذا خرج كان في طاعة السلطان، فإن شاء أقره على إمرته، وإن شاء أخرجه، وإن شاء حبسه. فلم يوافق السلطان على إخراج أقباي، وبعث إليه ثانياً الأمير بشباي الحاجب فلم يوافق، فبعث إليه مرة ثالثة، وهو مقيم على ما قال. فلما أيس منه السلطان أن يوافق ركب بالعساكر من قلعة الجبل، وقد لبسوا للحرب، ونزل في يوم الأربعاء سادس ربيع الأول، فلم يثبت سودن طاز، ورحل بمن معه، وهم نحو الخمسمائة من المماليك السلطانية ومماليكه. وقد ظهر الأمير أقباي، ولحق به من نحو عشرة أيام، وصار من حزبه وفريقه، فتبعه. السلطان، وهو يظن أنه توجه نحو بلبيس وعندما حاذى سرياقوس مضى إليها، وسلك على الخليج إلى جهة القاهرة، وعبر من باب البحر بالمقدس إلى الميدان. وهجم قنباي في عدة كبيرة على الرميلة تحت القلعة، ليأخذ باب السلسلة، فلم يقدر على ذلك.
ومر السلطان وهو سائق على طريق بلبيس، فتفرقت عنه العساكر، وتاهوا في عدة طرق، فبلغ السلطان وهو سائق أن سودن طاز قد نزل يحاصر القلعة فرجع مسرعاً، وسار يريد القلعة حتى وصل إليها بعد العصر، وقد بلغ منه التعب بلغاً عظيماً، ونزل بالمقعد المطل على الرميلة وسوق الخيل. وندب الأمراء والمماليك لقتال سودن طاز، فقاتلوه في الأزقة طعناً بالرماح ساعة، فلم يثبت وانهزم، وقد جرح من الفريقين كثير، فحال الليل بين عساكر السلطان وبينه. وتفرق من كان معه في الدور، وبات السلطان ومن معه على تخوف.
فلما كان يوم الخميس سابعه: لم يظهر لسودن طاز وقنباي خبر إلى الليل، فلم يشعر الأمير يشبك بعد عشاء الآخرة إلا بسودن طاز قد دخل عليه داره في ثلاثة أنفس، وترامى عليه، فقبله، وبالغ في إكرامه، وأنزله عنده.
وأصبح يوم الجمعة: فكتب وصيته، وأقام في ليلة الأحد عاشره، فأنزله في الحراقة، وحمل إلى دمياط بغير قيد، ورتب له بها ما يكفيه، وأنعم عليه الأمير يشبك بألف دينار ذهباً مكافأة له على ما كان من سعيه في إخراجه من سجن الإسكندرية، وعوده إلى رتبته بعد نوروز وجكم. وأما قنباي فإنه اختفى، فلم يوقف له على خبر.
وفي رابع عشره: خلع على الأمير يلبغا السودني، أحد أمراء حلب، واستقر أتابك دمشق، عوضاً عن الأمير أسن باي التركماني بعد القبض عليه. وخلع أيضاً على الأمير سودن الظريف نائب الكرك، واستقر حاجب الحجاب بدمشق عوضاً عن الأمير جقمق الصفوي بعد القبض عليه أيضاً.
وقدم الخبر بأن الأمير دمرداش نائب حلب نزل إلى طرابلس واستقر بها عوضاً عن الأمير شيخ المحمودي. وكان قد خرج قصاد السلطان بطلب كل من دمرداش نائب حلب، وتغري بردى نائب دمشق من عند التركمان، وقد نزلا في جواريهم بعد عزلهما، فتوجه الأمير سودن بقجة رأس نوبة إلى دمرداش، وأظهر له ولاية طرابلس، وسار به إليها. وأما تغري بردى فإنه قدم إلى قلعة الجبل في أخر صفر.
وفي خامس عشر ربيع الأول: توجه الشريف جماز بن هبة بن جاز الحسيني من القاهرة إلى المدينة النبوية أميراً بها، عوضاً عن ابن عمه ثابت بن نعير. وكان جماز قد عزل في سنة تسع وثمانين وسبعمائة، وحمل قلعة الجبل إلى وسجن بها، وولي عوضه ثابت. فلم يزل في السجن إلى أن أفرج عنه وعن الشريف عنان بن مغامس الحسني أمير مكة. وخلع على جماز بإمرة المدينة. ومرض عنان فمات في مرضه.
وفي خامس عشرينه: قدم الأمير سودن الحمزاوي من صفد إلى قلعه الجبل باستدعاء، مع الطواشي عبد اللطيف اللالا، وسعى الأمير أقباي الكركي له لصداقة بينهما، حتى يقوى به عضده.
وفي يوم الجمعة ثالث عشر وبيع الآخر: أعيد أنبياء التركماني إلى مشيخة خانقاه سرياقوس، عوضاً عن بدر الدين حسن بن علي بن آمدي.
وفي سادس عشره: خلع على الأمير شيخ السليماني شاد الشراب خاناه، واستقر في نيابة صفد عوضاً عن سودن الحمزاوي. وأنعم على سودن الحمزاوي بإمرة مائة وتقدمة ألف بديار مصر، فصار من جملة الأمراء الأكابر. وأنعم أيضاً على الأمير تعري بردى نائب الشام بتقدمة ألف بديار مصر.
وفي سابع عشره: أخرج الأمير قرقماس الرماح إلى دمشق، على إمرة الأمير صروق.
وفي عشرينه: خلع على سودن الحمزاوي، واستقر شاد الشراب خاناه عوضاً عن الشيح السليماني.
وفي يوم الخميس ثالث جمادى الآخرة: استقر كريم الدين محمد بن نعمان الهوى في حسبة القاهرة، وصرف شمس الدين محمد الشاذلي.
وفي هذا الشهر: ارتفعت الأسعار، فبلغ الدينار الهرجة خمسة وستين درهماً، والدينار المشخص ستين درهماً، وسبب ذلك تنقيص الفلوس، فإن القفة من الفلوس كان وزنها مائة رطل وخمسة عشر رطلاً، عنها خمسمائة درهم، كل درهم أربعة وعشرين فلساً، رنة الفلس مثقال، فصارت القفة زنتها خمسين رطلاً. وغلت الأصناف، فبيع البدن من الفرو السنجاب- وهو أربع شقاق- بما ينيف على ألف درهم، بعد مائتين وخمسين درهماً. وكان قدم في أوله خواجا نظام الدين مسعود الكحجاني بكتاب تمرلنك، يتضمن أشياء، منها أنه إن وصل إليه أطلمش سار إلى سمرقند، فأفرج عن أطلمش في آخره. وأنعم عليه بمال وقماش، وجهز مع الرسول المذكور، وخرج من القاهرة يوم الثلاثاء أول جمادى الآخرة إلى الريدانية، ورحل منها يوم الخميس، وسار إلى تمرلنك، بعد أن أقام مسجوناً نحو عشر سنين.
وفي يوم الاثنين سابع جمادى الآخرة: خلع على سودن الحمزاوي شاد الشراب خاناه، واستقر خازنداراً عوضاً عن أقباي الكركي بعد وفاته.
وفي عاشره: استقر الأمير قطلوبك- المعروف بأستادار أيتمش- في كشف الجيزية، وعزل الأمير مبارك شاه. ثم عزل قطلوبك عن ذلك، في سابع عشره بالأمير بشباي الحاجب، فاستعفي بعد أيام، وأعفي.
وفي ثاني عشرينه: قدمت ولاية شمس الدين محمد بن عباس قضاء دمشق، مولى عوضاً عن علاء الدين علي بن أبي البقاء، وسعى شخص بالأمير قنباي أنه في دار فكبس عليه الأربعاء ثالث عشرينه، وقبض وقيد، وحمل إلى الإسكندرية في سابع عشرينه، فسجن بها.
وفيه ورد الخبر بأن سودن طاز خرج من ثغر دمياط يوم الخميس رابع عشرينه في طائفة، فخرج إليه في يوم الاثنين تاسع عشرينه الأمير تغري بردى، والأمير تمراز، والأمير يلبغا الناصري، والأمير سودن الحمزاوي في عدة أمراء، فبلغهم أنه نزل عند الأمير علم الدين سليمان بن بقر بالشرقية، ليساعده على غرضه، فعندما أتاه أرسل يعلم به، فطرقه الأمراء وقبضوا عليه، وأحضروه إلى قلعة الجبل يوم الأربعاء سلخه.
وفي يوم الخميس أول شهر وجب: سمر خمسة من المماليك السلطانية، ممن كان مع سودن طاز، أحدهم سودن الجلب، فاجتمع المماليك لإقامة الفتنة بسبب ذلك، فخلى عنهم، وقيدوا، وسجنوا بخزانة شمايل، ونفي سودن الجلب إلى بلاد الفرنج من الإسكندرية.
وفي ثالثه: حمل سودن طاز مقيداً في الحراقة إلى الإسكندرية، وسجن بها. وفيه خلع على القضاة الأربع خلع الاستمرار.
وفي يوم الاثنين ثاني عشره: دار المحمل بالقاهرة ومصر، على العادة في ذلك. وفيه قدم الأمير جقمق إلى دمشق، وقد أفرج عنه من سجنه بالصبيبة، بكتاب سلطان.
وفي نصفه: سكن الأمير شيخ نائب الشام بدار السعادة من دمشق، بعدما عمرها، كانت قد احترقت في نوبة تمرلنك.
وفي يوم الجمعة سادس عشره: عقد للأمير سودن الحمزاوي على خوند زينب ابنة الملك الظاهر برقوق وأخت الملك الناصر، وعمرها نحو الثماني سنين.
وفي هذا الشهر: ارتفعت الأسعار ارتفاعاً لم يعهد مثله بمصر، فبلغ القمح إلى سبعين درهماً الأردب، وزاد سعر الشعير على القمح، وبلغ الفول تسعين درهماً، والحمل التبن إلى سبعين درهما بعد خمسة دراهم، والفدان البرسيم الأخضر ستمائة درهم بعد تسعين درهماً، والقنطار السمن ستمائة درهم بعد مائة وعشرين درهماً، والسكر إلى ألفي درهم القنطار المكرر بعد ثلاثمائة درهم، والقنطار الفستق بأربعة آلاف درهم بعد مائتين وخمسين، والقنطار الزيت خمسمائة بعد مائة درهم ودونها، والدبس أربعمائة درهم بعد أربعين درهماً، وزيت الزيتون أربعمائة درهم بعد خمسين درهماً. والصابون خمسمائة درهم القنطار، بعد ما كان بمائة درهم. ولحم الضان ثلاثة دراهم الرطل، بعد نصف وربع درهم، ولحم البقر درهمين، بعدما كان بنصف درهم الرطل.
وارتفع أيضاً سعر الثياب، فبلغ الثوب القطن البعلبكي أربعمائة درهم، بعدما كان بستين درهماً، والثوب القطن البطانة بمائة درهم بعد ثلاثين درهماً ودونها، والثوب الصوف المربع ألف وخمسمائة درهم بعد ثلاثمائة درهم وسرى الغلاء في كل ما يباع.
وفي يوم الاثنين سادس عشرينه: استقر كمال الدين عمر بن جمال الدين إبراهيم ابن العديم قاضي حلب الحنفي في قضاء القضاة الحنفية بديار مصر، على مال. وصرف قاضي القضاة أمين الدين عبد الوهاب بن الطرابلسي، وكان مشكور السيرة.
وفي ليلة الأربعاء سابع عشرينه: سار إلى الإسكندرية أقبردي وتنباك من أمراء العشراوات في ثلاثين من المماليك السلطانية، فقدموا إليها في تاسع شعبان، وأخرجوا الأمير نوروز الحافظي، والأمير جكم، والأمير قنباي، والأمير سودن طاز، وأنزلوهم في البحر الملح وساروا بهم إلى البلاد الشامية، فحبس نوروز وقنباي في قلعة الصبيبة من عمل دمشق، وحبس جكم في حصن الأكراد من عمل طرابلس. وحبس سودن طاز في قلعة المرقب من عمل طرابلس أيضاً. ولم يبق بسجن الإسكندرية من الأمراء غير تمربغا المشطوب وسودن من زاده، ثم حول جكم إلى قلعة المرقب فاستمر بها هو وسودن طاز في الاعتقال.
وأهل شعبان بيوم الأحد: ففي تاسعه: استقر شهاب الدين الأموي في قضاء المالكية بدمشق.
وفي يوم الثلاثاء ثاني عشر شعبان: استقر شمس الدين محمد بن شعبان الجابي في حسبة القاهرة، وعزل الهوى.
وفي حادي عشرينه: تفاوض الأمير سودن الحمزاوي مع القاضي الأمير سعد الدين إبراهيم بن غراب في مجلس السلطان، وأغلظ كل منهما على صاحبه وقاما. فعندما نزل ابن غراب من القلعة، تجمع عليه عدة من المماليك السلطانية ضربوه بالدبابيس، حتى سقطت عمامته عن رأسه، وسقط على الأرض، فحمله مماليكه إلى باب السلسلة، واحتمي منهم بالأمير إينال باي أمير أخور حتى تفرقوا، ثم صار إلى داره، فانقطع عن الخدمة السلطانية أياماً لما به.
وفي يوم الثلاثاء رابع رمضان: خلع على الأمير الشريف علاء الدين علي البعدادي، واستقر في الوزارة عوضاً عن الوزير فخر الدين ماجد بن غراب. وبقي فخر الدين بن غراب على نظر الخاص فقط. وخلع أيضاً عن الأمير قجماس كاشف الشرقية، واستقر في كشف البحيرة.
وفي عاشره: خلع على الأمير بهاء الدين رسلان، واستقر أحد الحجاب، بعد عزله من الحجوبية مدة بشهاب الدين أحمد بن المعلم ناصر الدين محمد بن سلام الإسكندراني القزاز.
وفي حادي عشره: ضرب الأمير يشبك الدوادار محمد بن شعبان محتسب القاهرة زيادة على أربعين عصا، لسوء سيرته، فتولى ضربه والي القاهرة بحضرة الناس في دار الأمير.
وفي ثاني عشره: قبض على سعد الدين إبراهيم بن غراب وأخيه فخر الدين ماجد، واعتقلا بالزردخاناه في القلعة. وقبض على زين الدين صدقة، ومحمد بن الوارث المغربي، ومحمد بن الشيخة صباح، وجمال الدين يوسف أستادار بجاس، وغير هؤلاء من ألزام بي غراب.
وفي رابع عشرينه: خلع على تاج الدين أبي بكر بن محمد بن عبد الله، بن أبي بكر بن محمد بن الدماميني الإسكندراني، واستقر في وظيفة نظر الجيش، عوضاً عن سعد الدين إبراهيم بن غراب على مال كبير. وخلع على تاج الدين عبد الله ابن الوزير سعد الدين نصر الله بن البقري، واستقر في نظر الخاص عوضاً عن فخر الدين ماجد ابن غراب.
وفيه رسم بقطع جوامك المماليك السلطانية المستجدة بالديوان المفرد، بعد موت الظاهر برقوق، وقطع عليق خيولهم أيضاً، فقطع نحو الألف ومائتي مملوك، ثم أعيدوا بشفاعات الأمراء، ما عدا مائتين وثلاثين لم يوجد من يعتني بهم، فاستمر منعهم.
وفي يوم الاثنين سابع عشرينه: خلع على الأمير الوزير ركن الدين عمر بن قايماز، واستقر أستادار السلطان عوضاً عن سعد الدين بن غراب.
وفيه أفرج عن جمال الدين يوسف المعروف بأستادار بجاس، واستقر أستادار الأمير الكبير بييرس، عوضاً عن ركن الدين عمر بن قايماز، فصار يباشر أستادارية سودن الحمزاوي، وهو يومئذ شرارة الدولة، وأستادارية الأمير بيبرس- وهو أكبر الأمراء- فاشتهر ذكره وبعد وصيته، وصار يعد من أعيان البلد.
وفي تاسع عشرينه: خلع على الأمير أزبك الأشقر الرمضاني رأس نوبة، واستقر أمير الحاج، عوضاً عن الأمير بيسق الشيخي، لتقلق الحاج منه.
وفي يوم الخميس رابع شوال: خلع على الأمير مبارك شاه الحاجب وكاشف الجيزة، واستقر في الوزارة عوضاً عن الشريف علاء الدين علي البغدادي، بعد القبض عليه.
وفي ثامنه: أخرج الأمير ألجيبغا أحد الحجاب في الأيام الظاهرية إلى دمشق ليكون نائب ملطية وأخرج سرماش أحد الأمراء أخورية لنيابة سيس وكانت ملطية وسيس قد تغلب عليهما التركمان من واقعة تمرلنك.
وفي ليلة النصف منه: اختفي الوزير مبارك شاه، لعجزه عن كلف الوزارة.
وفي هذه الأيام: نزل الدينار الهرجة من سبعين درهماً إلى ستين، والدينار المشخص من ستين إلى خمسة وأربعين درهماً.
وفي ثامن عشره: استقر سودن الحمزاوي رأس النوبة كبيراً عوضاً عن سودن المارديني، واستقر المارديني أمير مجلس عوضاً عن تمراز. واستقر تمراز أمير سلاح عوضاً عن بكتمر الركني. واستقر بكنمر رأس نوبة الأمراء، وهو ثاني أتابك العساكر في المنزلة والرتبة. وخلع على الجميع، وعلى الأمير يلبغا السالمي، واستقر مشير الدولة، وكان قد استدعى من دمياط فقدم. وفيه خرج المحمل، وأمير الحاج أزبك الرمضاني إلى الريدانية، للمسير إلى الحجاز على العادة.
وفي ثاني عشرينه: خلع على الأمير الوزير تاج الدين رزق الله المعروف بوالي قطيا، واستقر في الوزارة عوضاً عن مبارك شاه، وهذه وزارته الثانية. وفيه نودي أن يكون الذهب المختوم بستين المثقال، والأفرنتي بخمسة وأربعين درهماً الدينار، ونودي من قبل السالمي بإبطال مكس البحيرة، وهو ما يذبح من الغنم والبقر.
وفي ثالثه عشرينه: أعيد ناصر الدين محمد بن الصالحي إلى قضاء القضاة بديار مصر. وصرف قاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن بن شيخ الإسلام الشافعية البلقيني.
وفي خامس عشرينه: خلع على الأمير طوخ، واستقر خازنداراً كبيراً، عوضاً عن الحمزاوي.
وفي تاسع عشرينه: خلع علي الحمزاوي لنظر خانقاه شيخو، عوضاً عن سودن المارديني.
وفي يوم الثلاثاء سلخه: خلع على تاج الدين عبد الله بن سعد الدين نصر الله بن البقري بوظيفة نظر الجيش، عوضاً عن تاج الدين أبي بكر بن محمد الدماميني، لعجزه عن المباشرة، فباشر وظيفتي نظر الخاص والجيش.
وأهل ذو القعدة يوم الأربعاء: وفي ثانيه: كتب توقيع ناصر الدين محمد بن خطب نقيرين، بقضاء القضاة بدمشق، عوضاً عن ابن عباس.
وفي تاسعه: نقل الأمير تاج الدين عبد الرزاق بن أبي الفرج جمال الدين عبد الله من الوزارة إلى كشف الوجه البحري، عوضاً عن الأمير قجماس. واستقر فيه ألطبغا العجمي في كشف الشرقية.
وفي رابع عشره: ورد الخبر بحركة الفرنج على السواحل، فخرج من الأمراء الألوف بكنمر رأس نوبة، ويلبغا الناصري، وجركس المصارع، وأقباي حاجب الحجاب، وسودن المارديني أمير مجلس، وتمراز أمير سلاح وتغري بردى. ومن الطبلخاناة سودن بقجة، وبشباي الحاجب. وساروا إلى دمياط وإسكندرية.
وفي خامس عشرينه: أفرج عن سعد الدين إبراهيم بن غراب وأخيه فخر الدين، ونزلا إلى دورهما بعد أن تسلمهما الأمير ركن الدين عمر بن قايماز، وضرب فخر الدين فالتزم سعد الدين بألف ألف درهم، وفخر الدين بثلاثمائة ألف درهم. فنقلا إلى الأمير يلبغا السالمي ليقتلهما، فاتقى الله في أمرهما، ولم يتبع هوى نفسه، ولا انتقم منهما، وخاف سوء العاقبة، فعاملهما من الإكرام بما لم يكن ببال أحد. وما زال يسعى لهما حتى نقلا من عنده إلى بيت شاد الدواوين ناصر الدين محمد بن جلبان الحاجب، فرفق بهما حتى خلصا من غير أن يمسهما سوء، بخلاف ما فعلا مع السالمي.
وفي سابع عشرينه: ارتجع السلطان الزيادات من سائر الأمراء، ما خلا ابن عمته الأمير الكبير بيبرس، فإنه أبقي الزيادة بيده.
وفيه استقر الأمير يلبغا السالمي استادار السلطان، وعزل ابن قايماز، وهذه ولاية السالمي الاستادارية الثانية، وتحدث أيضاً في الوزارة. وفيه عزل الأمير ألطبغا العثماني عن نيابة غزة واستقر خاير بك أحد أمراء دمشق بها.
وفي يوم الأحد ثالث ذي الحجة: قدم الأمراء المجردون، ولم يلقوا أحداً.
وفي هذا الشهر: بلغ القنطار الصابون سبعمائة درهم، والأردب القمح خمسة وتسعين درهماً، والشعير زيادة على ستين، والفول ثمانين درهماً، والأرز إلى مائتين وخمسين الأردب. وورد الخبر برخاء البلاد الشامية.
وفي سابع عشره: أخرج إلى دمشق الأمير أسنبغا المصارع، والأمير نكباي الأزدمري، وهما من الطبلخاناة، وأينال جيا من أمراء العشرين، وإينال المظفري من أمراء العشراوات. وعمل لهم هناك اقطاعات، فساروا من القاهرة.
وفي تاسمع عشرينه: اغلق المماليك السلطانية باب القصر السلطاني من القلعة على من حضر من الأمراء، وعوقوهم بسبب تأخر نفقاتهم وجوامكهم، فأقاموا ساعة، ثم نزلوا من باب السر إلى الإصطبل، ولحقوا بدورهم، وقد اشتد خوفهم. وطلب السالمي فاختفى، ثم طمر به وعوق بباب السلسلة من الإصطبل عند الأمير أينال باي، ووكل به حتى يكمل نفقة المماليك. ولم يحج أحد في هذه السنة من الشام ولا العراق ولا اليمن.
وفي هذه السنة: ثار على السلطان أحمد بن أويس ولده طاهر وحاربه، ففر من الحلة إلى بغداد فأخذ وديعة له كانت بها، فهجم عليه طاهر وأخذ منه المال، ففر أحمد من ابنه، وأتاه قرايوسف بطلبه له وأعانه على ابنه، وحاربه معه، ففر طاهر اقتحم بفرسه دجلة فغرق بها، ولحق بربه.

.ومات في هذه السنة:

شيخ الإسلام سراج الدين عمر بن رسلان بن نصير بن صالح بن شهاب الدين ابن عبد الخالق العسقلاني، المعروف بالبلقيني، يوم الجمعة عاشر ذي القعدة، عن إحدى وثمانين سنة وثلاثة أشهر إلا ثلاثة عشر يوماً. وقد انتهت إليه رياسة العلم في أقطار الأرض، ودفن بمدرسة من حارة بهاء الدين بالقاهرة.
ومات قاضي القضاة تاج الدين بهرام بن عبد الله بن عبد العزيز بن عمر بن عوض الدميري المالكي، في يوم الاثنين سابع جمادى الآخرة عن سبعين سنة، وكان عين المالكية بديار مصر.
ومات قاضي القضاة المالكية بدمشق، علم الدين محمد بن محمد بن محمد القفصي، في حادي عشرين المحرم، وقد قارب السبعين، وكان مشكور السيرة.
ومات قاضي قضاة الحنابلة بدمشق، شمس الدين محمد بن أحمد بن عمود النابلسي الحنبلي بدمشق، في ثاني عشر المحرم، وكان فقيهاً نحوياً.
ومات شيخ الشيوخ بدر الدين حسن بن علي بن آمدي، خارج القاهرة في أول شعبان. وكان يعتقد فيه الخير.
ومات الأمير الشريف عنان بن مغامس بن رميثة الحسني بالقاهرة في أول ربيع الأول.
ومات الأمير أقباي الكركي، في ليلة السبت رابع عشر جمادى الأولى بعد مرض طويل، ودفن بالحوش الظاهري خارج باب النصر.
ومات الأمير يلبغا السودني. حاجب الحجاب بدمشق في جمادى الآخرة، فاستقر عوضه جركس والد تنم، نقل إليها من حجوبية طرابلس. واستقر عوضه في حجوبية طرابلس مراد.
ومات الأمير شهاب الدين أحمد بن الوزير ناصر الدين محمد بن رجب أحد أمراء العشراوات والحجاب، في حادي عشر وجب، بالقاهرة، وكان شاباً جميلاً شجاعاً.
ومات الأمير قرقماس الرماح الأينالي، قتل بدمشق في أخر رمضان بأمر السلطان وكان لما أخرج من القاهرة على إقطاع الأمير صروق بدمشق ولي كشف رملة لد، ثم تحدث بالقبض عليه، ففر إلى جهة حلب، فأخذ عند بعلبك، وحمل إلى دمشق، وقتل بسجنها في عدة من المماليك.
ومات نور الدين محمود بن هلال الدولة الدمشقي بالقاهرة، في آخر رجب، ومولده سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة. وكان من أدباء دمشق وموقعيها.
ومات عبد الجبار رئيس الفقهاء عند تمرلنك، في ذي القعدة.
ومات خوندكار أبو يزيد بن الأمير مراد بن الأمير أوره خان ابن الأمير عثمان ملك بلاد الروم، وهو في الأسر عند تمرلنك في ذي القعدة.
ومات جال الدين عبد الله بن الخطب شهاب الدين أحمد القسطلاني، خطيب جامع عمرو بمصر في العشر الآخر من رمضان بعدما اختلط وقد أناف على السبعين، وخطب هو وأبوه بالجامع نحو خمسين سنة، وعنه أخذت الخطابة.
ومات الفقير المعتقد شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن عمر، المعروف بابن الزيات، الأنصاري الشافعي، في المحرم، ودفن في القرافة. وعلى يده سلك صاحبنا الشاب النائب.