فصل: سنة خمس وثمانين وسبعمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك (نسخة منقحة)



.سنة خمس وثمانين وسبعمائة:

في يوم السبت الأول المحرم: قدم الأمير يلبغا الناصري نائب حلب، فخرج الأمير سودان النائب إلى لقائه، وصعد به إلى بين يدي السلطان، فقبل له الأرض، وجلس تحت الأمير سودن النائب. ثم نزل إلى بيت أعد له فكان في هذا عبرة، فإنه بلأمس قد كان الناصري من جملة الأمراء الأشرفية، وبرقوق إذ ذاك من جملة مماليك الأسياد، إذا ضمه مجلس مع الناصري قام على رجليه بين يديه، فأصبح ملكا يقبل الناصري له الأرض، أمره ونهيه فسبحان مقلب الأمور.
وقي سادسه: خلع على الأمير يلبغا الناصري خلعة الاستمرار على نيابة حلب، ونزل من القلعة، وعن يمينه الأمير أيتمش، وعن يساره الأمير ألطنبغا الجوباني، ومن وراءه سبعة جنائب من الخيول السلطانية، بسروج ذهب، وكنابيش زركش أخرجت له من الإصطبل. وكان قد حمل إليه السلطان والأمراء من أنواع التقادم ما يجل وصفه.
وفي يوم السبت ثامنه: ركب السلطان ومعه الأمير يلبغا الناصري حتى عدى النيل من بولاق إلى الجيزة وتصيد ثم عاد من آخره.
وفي عاشره: خلع على الناصري خلعة السفر، وتوجه من وقته إلى حلب.
وفي يوم الإثنين سابع عشره:خلع على شمس الدين إبراهيم كاتب أرلان، واستقر في الوزارة بغد سدة تمنعه، وكثرة إبائه، وتشترط عدة شروط، منها أنه لا يلبس تشريف الوزارة، فأجيب إلى كل ما سأله، ولبس خلعة من صوف كخلع القضاة، وأشار له السلطان بأن تكون يده فوق كل أيدي أهل الدولة، وأنه يستبد بالأمور من غير مشاورة، فنزل إلى داره، ولم يمكن أحدًا من الركوب معه كما جرت به العادة، ومضى الناس حتى نزل منزله، وضبط الأمور أشد ضبط. ولم يتناول من معلوم الوزراة، إلا الشيء اليسير، الذي كان لا يرضاه أقل عبيد الوزراء، وأنفق في أرباب الرواتب جاريهم من غير نقص بالغلال، وبيت المال بالأموال وأدار الطواحين السلطانية بجوار الأهراء بمدينة مصر، وعمل الحواصل بسائر الأصناف ولم يمكن أحداً أن يركب معه، وصار يخرج من بيته، ويغلق بابه بيده، ويضع مفاتيحه في كمه، ثم يركب فرسه، ويركب غلامه بغلة، ويردف خلفه الدوادار، وهو حامل الدواة تحت إبطه، ويمضى إلى القلعة، من غير أن يكون معه أحد من الكتاب، ولا الأعوان، فلا يعرفه إلا من له به معرفة. ومنع جميع أرباب الدولة أن يأتوا إلى بيته، وإنما يأتوه بقاعة الصاحب من القلعة. ورفع يد الأمير جركس الخليلي من التحدث في الدولة، وانفرد بالكلمة في الوزارة مع هذا الاقتصاد، ونفذت كلمته، وعظمت مهابته، حتى عند أكابر الأمراء، ولم يجد فيه عدوه سبيلا إلى الطعن عليه بوجه.
وفيه أنعم على الأمير بَهَادر المنجكي الأستادار بتقدمة الأمير قطلوبغا الكوكاي بعد موته.
وخلع على علم الدين الحزين، واستقر في استيفاء الدولة، عوضا عن أمين الدين عبد اللّه جعيص بعد موته.
وفي يوم الخميس ثاني صفر: قدمت رسل السلطان أحمد بن أويس- متملك بغداد- بهدية فيها فهد وصقر وأربع بقج قماش، وتضمن كتابه أنه ملك بغداد بعد أخيه.
وفي سابع عشرة: أفرج عن الأمير قرط.
وفي سلخه: قدم البريد بأن الأمير طُغاي تَمُر القبلاوي- نائب الكرك- تنازع مع الأمير خاطر بسبب أنه كبس عربانا كانوا نزلائه، وقبض عليهم، وآل الأمر إلى اقتتالهما، فانكسر نائب الكرك من خاطر، وتخلص العربان من يده.
وفي أول شهر ربيع الأول: قدم الخبر بأن طائفة من الفرنج شحنوا مراكبهم، وساروا من مدينة الإسكندرية هاربين، فتبعهم المسلمون من الغد، وقاتلوهم، فقتل عدة من المسلمين، وعاد من بقي بغير طائل، فقبض الأمير بلوط النائب على من تأخر بالثغر من الفرنج، وأخذ أموالهم، فتنكر السلطان على النائب، وكتب بقدومه.
وفي سابعه: ضرب قاضي القضاة جمال الدين عبد الرحمن بن خير المالكي عنقي رجلين، ارتدا عن الإسلام، ولم يوافقا على العودة إليه.
وفي عاشره: قدم الأمير بلوط نائب الإسكندرية.
وفي حادي عشره: صُرف الشريف مرتضى عن نيابة نظر وقف الأشراف برغبته عنه، واستقر عوضه صدر الدين عمر بن رزين، أحد خلفاء الحكم.
وفي ثاني عشره: قدم الأمير بلوط تقدمة سنية.
وفي خامس عشره: ضرب قاضي المالكية عنق رجل على الردة عن الإسلام.
وفي سابع عشره: خلع على بلوط خلعة الإستمرار على نيابة الإسكندرية وتوجه إليها، وكتب بالقبض على الأمير طغاي تمر الجركتمري، والأمير ألطنبغا السابقي، وكانا مجردين بالإسكندرية.
وفيه أخرج الأمير إياس السيفي- من العشرات- إلى دمشق، على إمرة بها. وأنعم على كل من سودن العلاي، وإينال الجركسي بإمرة طبلخاناة، وعلى حسن قجا الأسن قجاوي بإمرة عشرة. وقدم البريد بأن الأمير يلبغا الناصري نائب حلب توجه منها بالعسكر في طلب التركمان، فوافاه في أثناء طريقه غالب تركمان الطاعة، فخلع عليهم، وسار حتى وصل دربند بغراص وقدم طائفة من العسكر، فلقيهم التركمان وقاتلوهم، فقتل نائب بغراص، وجرح جماعة، فعاد إلى حلب. ثم قدم البريد بأن الأمير قرا محمد- حاكم الموصل- قد اتفق مع ضياء الملك بن بوز دوغان على محاربة سالم الدكري؛ لما كان منه من قطع الطريق على حجاج الموصل وذبحهم وأخذ أموالهم، وأن الأمير يلبغا الناصري لما بلغه ذلك سار من حلب بالعسكر إلى البيرة، وعدى الفرات في المراكب إلى الرها، فوجد قرا محمد وضياء الملك قد ركبا في زيادة على اثني عشر ألف فارس على سالم، وضربا بيوته، فأخذا مالا يحد كثرة منها، قدر ثلاثين ألف حمل وكان بينهم وقعة عظيمة، قتل فيها من الفريقين خلق كثير، وفر سالم إلى جهة قلعة المسلمين، وقرا محمد في إثره، فلم ينج إلا في نفر قليل، فنهب عسكر قرا محمد تلك النواحي، وأفسدوا، فلم مجد سالم بدا من الترامي على الأمير يلبغا الناصري، وكفنه في عنقه، وعاد به إلى حلب، فكتب بتجهيزه إلى مصر.
وفي عشرينه: أخرج الأمير مقبل الرومي منفيا، وكان قد قدم من الشام، وأنعم عليه بإمرة طبلخاناة فلم يقبلها.
وفي نصف شهر ربيع الآخر: قدمت طائفة من الفرنج إلى الطينة، وأسروا منها سبعة، وقتلوا رجلاً واحداً، فمروا على دمياط وباعوا بها الأسرى السبعة.
وفيه قدم أمير أسد الكردي- أحد أمراء الألوف بحلب- في الحديد، لشكوى بعض التجار عليه أنه أخذ له مملوكا غصبا، فحبس أياما، ثم أفرج عنه، وأخرج على إمرة بطرابلس.
وفيه استقر الأمير تمرباي الدمرداشي في نيابة صفد. وأنعم على الأمير أينال اليوسفي بتقدمة بدمشق.
وفيه استعفي الأمير يلو من نيابة حماة، فأعفي.
وفي تاسع عشره: قدم سالم الدكري من حلب، فأكرمه السلطان، وخلع عليه، وأنعم عليه بإمرة طبلخاناة بحلب.
وفيه أخذ قاع النيل فكان ثمانية أذرع سواء.
وفي يوم الإثنين حادي عشر جمادى الأولى: استقر جمال الدين محمود العجمي المحتسب، في نظر الأوقاف كلها. واستقر الأمير قديد القلمطاوي- شاد الأوقاف- رفيقا له، وخلع عليهما، فشق ذلك على قضاة القضاة.
وفي عشرينه: قدم الخبر بأن سلام ابن التركية عملت له مبارد في رباب أحضرت له، وطلب سواسي خام ليفصلها له تمصانا، فبرد شبابيك البرج الذي هو مسجون فيه، وتدلى منها في تلك السواسي وهرب، فلم يقدر عليه، فغضب السلطان على نائب الإسكندرية، وأمر بإحضاره، ثم أعفي عنه.
وفي خامس عشرينه: أنعم على دمر خان بن موسى بن قرمان، بطبلخاناة أبيه بعد موته.
وكان النيل في أول مسرى على اثني عشر ذراعاً، وأربع أصابع، فزاد في رابعه- وهو سادس عشرين جمادى الأولى- أربعين أصبعا، وفي الغد أربعة وثلاثين أصبعا، ثم زاد أربعا، فوفى ستة عشر ذراعا، وزاد أصبعين من سبعة ذراعا، فركب السلطان في نهاره- وهو خامس مسرى- وفتَح الخليج على العادة، ولم يعهد بعد الملك الظاهر بيبرس ملك ركب حتى خلق المقياس، وفتح الخليج سوى السلطان برقوق.
وفي هذا الشهر: اتفق بناحية برما من الغربية أن طائفة من مسلمة النصارى، صنعوا عُرسًا جمعوا فيه عدة من أرباب الملاهي، فلما صعد المؤذن ليسبح اللّه تعالى في الليل على العادة، سبوه وأهانوه، ثم صعدوا إليه وأنزلوه، بعدما ضربوه فثار خطيب الجامع بهم، ليخلصه منهم، فأوسعوه سباً ولعناً وهموا بقتله وقتل من معه، فقدم إلى القاهرة في طائفة، وشكوا أمرهم إلى الأمير سودن النائب، فبعث بهم إلى الأمير جركس الخليلي، من أجل أن ناحية وبرما من جملة إقطاعه، فلم يقبل قوالهم، وسجن عدة منهم، فمضى من بقي منهم إلى أعيان الناس، كالبلقيني وأمثاله، وتوجه الحافظ المعتمد ناصر الدين محمد فيق إلى الخليلي، وأغلظ عليه حتى أفرج عمن سجنه، فغضب كثير من أهل برما واستغاثوا بالسلطان، فأنكر على الخليلي ما وقع منه. وبعث الأمير أبدكار الحاجب للكشف عما جرى في برما، فتبين له قبح سيرة المسألة فحملهم معه إلى السلطان، فأمر بهم وبغرمائهم أن يتحاكموا إلى قاضي القضاة المالكية، فادعى عليهم بقوادح، وأقيمت البينات بها فسجنهم.
واتفق أن الخليلي وقع- في شونة قصب له- نار أحرقها كلها وفيها جملة من المال، وحدث به ورم في رجله، اشتد ألمه فلم يزل به حتى مات وذلك عقوبة له لمساعدة أهل الزندقة.
وفي أول جمادى الآخرة: قدم البريد بأن الأمير تمربادي الدمرداشي نائب صفد قدمها وأقام بها خمسة أيام، ومات فيها. وفيه استقر الأمير صنجق السيفي في نيابة حماة، عوضا عن يلو.
وفيه قدمت رسل الفرنج.
وقدم البريد من الكرك بأن نائبها الأمير طغاي تمر، صالح الأمير خاطر حتى اطمأن له، ودخل إليه ومعه إبناه، فقبض عليهم، وذبحهم ثلاثتهم.
وفي تاسعه: استقر الأمير كْمُشبغا الحموي في نيابة صفد.
وفي رابع عشرينه: أعيد ابن وزير بيته إلى نظر الإسكندرية، واستقر جمال الدين عبد اللّه بن عزيز الإسكندراني- تاجر السلطان- بها.
وفي يوم الخميس سادس عشرينه: اجتمع الأمير سودن النائب، وقضاة القضاة الأربع، بشباك المدرسة الصالحية بين القصرين، وقدمت رسل مسلمة أهل برمة- وهم ستة- وضربت أعناقهم على الزندقة، ثم غسلوا وكفنوا، ودفنوا. بمقابر المسلمين.
وفي يوم الإثنين أول شهر رجب:طلع الأمير صلاح الدين محمد بن محمد بن تكنز- نائب الشام- بالسلطان، ونقل له عن الخليفة المتوكل على الله أبي عبد اللّه محمد أنه اتفق مع الأمير قُرُط بن عمر التركماني والأمير إبراهيم بن الأمير قُطْلو أَقتمر العلاي أمير جاندار، وجماعة قرط من التركمان والأكراد، وهم نحو الثماني مائة فارس، على أن السلطان إذ نزل من القلعة إلى الميدان في يوم السبت للعب بالكرة، وترجل الأمراء والمماليك كلهم، ومشوا في ركاب السلطان على العادة، عند قربه من الميدان، خرجوا جميعاً وقتلوا السلطان والأمراء، وأركبوا الخليفة، وصعدوا به إلى القلعة، ومكنوه من القيام بالسلطنة، فإن عارضه معارض، فر به قرط إلى الفيوم، ودعا عربان الصعيد للقيام بنصرته، وأن الخليفة قد كتب إلى بدر الدين بن سلام أن يقوم له في البحيرة بالدعوة. فحلف السلطان ابن تنكز على صحة ما نقله، فحلف له. والتزم أنه يحاققهم على ما نقل عنهم. فبعث السلطان إلى الخليفة، وإلى قرط، وإبراهيم بن قطلو أقتمر، فأحضرهم إليه، واستدعى أيضاً الأمير سودن النائب، وحدثه. بما بلغه عن الخليفة وقرط وإبراهيم، فأخذ ينكر ذلك، ويستبعد وقوعه منهم، فأمر السلطان بالثلاثة، فحضروا بين يديه، وأخذ يذكر لهم ما نقل عنهم، فأنكروا إلا قرط، فإنه لما اشتد عليه السلطان، وخاف تهديده، قال: إن الخليفة طلبني، وقال لي هؤلاء ظلمة، وقد استولوا على هذا الأمير بغير رضائي، وأني لم أقلد برقوق أمر السلطنة إلا غصبا، وقد أخذ أموال الناس بالباطل وطلب مني أن أقوم معه للّه، وأنصر الحق، وأزيل هذه الدولة الظالمة. والتزم أنه يبطل المكَوس جميعها، ولا يفعل إلا الحق. فأجبته إلى ذلك، ووعدته المساعدة، وأن أجمع له ثماني مائة فارس من الأكراد والتركمان، وأقوم بأمره. فقال السلطان للخليفة: ما قولك في هذا. فقال. ليس لمقاله صحة. فسأل إبراهيم بن قطلو أقتمر عن ذلك، فقال: ما كنت حاضرا هذا الأمر والاتفاق، لكن الخليفة استدعاني إلى بيته بجزيرة الفيل، وأخبرني بهذا الكلام، وقال لي إن هذا مصلحة، ورغبني في موافقته والقيام للّه تعالى، ونصرة الحق. فأنكر الخليفة ما قاله إبراهيم، وأخذ إبراهيم يحاققه، ويذكر له أمارات، والخليفة يحلف أن هذا الكلام ليس له صحة، فاشتد حنق السلطان، واستل السيف ليضرب به عنق الخليفة، فقام الأمير سودن النائب وحال بينه وبينه، وما زال به حتى سكن بعض غضبه. فأمر بقرط وإبراهيم أن يسمرا، واستدعى القضاة ليفتوه بقتل الخليفة، فلم يفتوه بقتله، وقاموا عنه. فأخذ الخليفة وسجن في موضع بالقلعة، وهو مقيد. وسمر قرط وإبراهيم، وشهرا في القاهرة ومصر. ثم أوقفا تحت القلعة بعد العصر. فنزل الأمير أيد كار الحاجب، وسار بهما ليوسطا خارج باب المحروق من القاهرة. وابتدأ بقرط فوسطه. وقبل أن يوسط إبراهيم جاءت عدة من المماليك بأن الأمراء قد شفعوا في إبراهيم، ففكت مساميره، وسجن بخزانة شمايل.
وطلب السلطان زكريا وعمر ابني إبراهيم عم المتوكل، فوقع اختياره على عمر بن الخليفة المستعصم بالله أبي إسحاق إبراهيم بن المستمسك باللّه أبي عبد اللّه محمد بن الإمام الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد بن الحسن بن أبي بكر بن أبي علي إسحاق ابن علي القبي، فولاه الخلافة، وخلع عليه، فتلقب بالواثق باللّه.
وفي يوم الثلاثاء ثانيه: قبض على حسين بن قرط، وعمر ابن أخي قرط فسجنا بخزانة شمايل وخلع على الأمير سَبرج الكُمُشبغاوي، واستقر والي قلعة الجبل، بإمرة طبلخاناة، عوضا عن طَشتمر المظفري. وقبض على علي ابن بدر والي أطفيح وقيد، واستعمل مع المقيدين في نقل التراب ونحوه بالقلعة. وكتب بولاية عثمان بن قارة إمرة العرب، عوضا عن نعير بن حيار بن مهنا، وتوجه به وبالتشريف الأمير بجمان المحمدي، وقلده الإمارة. وركب هو والأمير يلبغا الناصري نائب حلب، وكبسوا نعير ابن حيار. وكانت بينهم وبينه وقعة عظيمة انهزم فيها نعير، ونهب له ما لا يوصف، فمما أخذ له ثلاثون ألف بعير. ووجد له بسط تحمل الفردة الواحدة منها على بعير، وسبى حريمه. فكان هذا أيضاً من أعظم أسباب الفساد في الدولة، ومن أكبر أسباب خراب الشام.
وفي يوم السبت سادسه: قدم البريد بخبر هذه الواقعة.
وفيه ركب السلطان إلى الميدان على العادة.
وفي ثامنه: خلع على الطواشي بهادر الشهابي، واستقر مقدم المماليك، عوضا عن جوهر الصلاحي. وخلع على الأمير كمشبغا الخاصكي، واستقر رأس نوبة ثالثا بعد وفاة أيدمر من صديق. وخلع على الأمير بكلمش الطازي العلاي، واستقر رأس نوبة خامسا، عوضا عن بجمان المحمدي، وخلع على الأمير حسن قجا الأسن قجاوي، واستقر شاد الشراب خاناه، عوضا عن كمشبغا الخاصكي.
وفي يوم السبت ثالث عشره: ركب السلطان إلى الميدان ثاني مرة.
وفي ثامن عشره: خلع على كرجي بولاية الأشمونين، عوضا عن قطلوبغا حاجي، وفيه دار المحمل بالقاهرة ومصر على العادة في كل سنة، واستجد له ثوب حرير أصفر بشمسات زركش، فيها اسم السلطان، وعملت له رصافيات فضة، مطلية بذهب، فجاء أحسن ما عهد قبل ذلك. وفيه عرضت كسوة الكعبة، وقد استجد فيه أيضاً أن عمل طرازها الدائر بأعلاها من قصب.
وفي يوم السبت عشرينه: ركب السلطان إلى الميدان ثالث مرة.
وفي يوم السبت سابع عشرينه: ركب السلطان إلى خارج القاهرة، وعبر من باب النصر، ونزل بالبيمارستان المنصوري، ثم ركب منه إلى القلعة.
وبلغ النداء على النيل أربع أصابع من عشرين ذراعا، ثم زاد بعد ذلك حتى انتهى إلى أصابع من أحد وعشرين ذراعا، فغرقت مواضع عديدة، وتهدمت عدة دور وانتهبت، وانتدب عدة من الأمراء لسد مقاطع الماء.
وفيه قدم عدة من رجال نائب سنجار، ومن تكريت وقيصرية الروم، يسألوا أن تكون مضافة إلى مملكة مصر، فكتبت تقاليد الثلاثة، وحملت لهم التشاريف وخرج السلطان إلى السرحة بسرياقوس على العادة في كل سنة.
وفي أول شعبان: قدم الخبر بحركة الفرنج، فرسم بخروج اليزك إلى الساحل، فتجهزوا وساروا في ليلة الخميس سابع عشره، فتوجه الأمير أحمد بن يلبغا الخاصكي إلى ثغر رشيد وتوجه الأمير أيدكار الحاجب إلى ثغر دمياط.
وقدم الخبر بأن سلام ابن التركية جمع عليه كثيرا من العربان، ونهب نواحي الفيوم. وقد لحق به إبراهيم بن اللبان في زي أنه من جهة الخليفة، ولحق به أحمد بن الزعلي متولي قليوب- وقد فر من الشكوى عليه- فخرج أربعة أمراء في طلب ابن التركية، ففر منهم إلى جهة الصعيد الأعلى، واستقر في ولاية قليوب قُطْليجا الصفوي. واستقر أوناط اليوسفي في ولاية الشرقية، عوضا عن علي القرمي.
وقدم البريد بخروج الأمير يلبغا الناصري من حلب بالعسكر للقاء الفرنج، وقد وردت شوانيهم في البحر لقصد إياس، ونزوله بالعمق لقربه من البحر. فورد عليه كتاب نائب اللاذقية بوصول الفرنج إلى بيروت، وأنهم نزلوا إلى البر، وملكوا بعض أبراجها. فأدركهم العسكر الشامي في طائفة من رجّالة الأكراد، وقاتلوهم، فأيد الله المسلمين، حتَى قتلوا من الفرنج نحو خمسمائة رجل، وانهزم باقيهم إلى مراكبهم، وساروا، وعادت العساكر إلى الشام.
وأن الأمير يلبغا الناصري ألقى الفتنة بين التركمان الأجقية والقنقية، فرمى طائفة القنقية على الأخرى، وكتب إليهم بالنزول على باب الملك مفتتح البلاد السيسية حيث مقام الأجقية لإيقاع سيف الفتنة بينهم.
وفيه استقر تقي الدين أبو محمد عبد اللّه ابن قاضي القضاة جمال الدين أبو المحاسن يوسف، ابن قاضي القضاة شرف الدين أبي العباس أحمد بن الحسين بن سليمان بن فزارة الكفري في قضاء الحنفية بدمشق، عوضا عن نجم الدين أبي العباس أحمد بن أبي العز.
وفي يوم الخميس تاسع شهر رمضان: حضر سعد الدين نصر الله بن البقري ناظر الخاص، الخدمة على العادة، وقد اجتمع نساؤه في داره لفرح عندهم، وعليهن من اللؤلؤ والجوهر والذهب وثياب الحرير ما تجل قيمته، والخمور بينهن دائرة، والمغاني تغنيهن، فنزل الأمير قُرقُماس الخازندار والأمير بهاء الدين بهادر الأستادار، وأحاطا بداره، وأخذ النساء والغلمان، وحملا جميع ما في الدار، فبلغت قيمته زيادة على مائتي ألف دينار، وقبض على ابن البقري بالقصر، وعمل في الحديد، وسجن بقاعة الصاحب من القلعة، ولا علم له بما كان في داره.
وخلع على الوزير الصاحب شمس الدين إبراهيم كاتب أرلان بنظر الخاص، فاستعفي من ذلك وقال: هذه خلعة الاستمرار، فلم يكلف لولايتها. وطلب موفق الدين أبو الفرج عبد اللّه الذي أسلم، وخلع عليه، واستقر في نظر الخاص.
وفي سادس عشره: قبض الوزير على عبيد البازدار- مقدم الدولة- وأخذ منه مائة ألف درهم، وأقام عوضه محمد بن عبد الرحمن في تقدمة الدولة، ثم جعل معه شريكا له عبد اللّه بن محمد بن يوسف.
وفي عشرينه: خرجت تجريدة إلى دمياط، فيها ستون مملوكا، وخرجت تجريدة إلى الإسكندرية، وإلى رشيد.
وفيه أخرجن إقطاعات المماليك الأشرفية عنهم إلى مماليك السلطان.
وفيه اشتدت عقوبة ابن البقري بالمقارع، وألزم بحمل خمسمائة ألف درهم، بعد ما أخذ منه ما يقارب الثلاثمائة ألف دينار.
وفي هذا الشهر ركب السلطان للصيد عدة مرار.
وفيه كتبت أسماء الذين في سجن القضاة على الديون، وصولح غرماؤهم عمالهم عليهم من الدين بمال أخرجه السلطان على يد الأمير جركسالخليلي، وأفرج عنهم.
وفيه شفع الأمراء في الخليفة، وتقدم منهم الأمير أَيتمش، والأمير ألطنبُغا الجوباني، وقبلا الأرض، وسألا السلطان في العفو عنه، وترفقا في سؤاله، فعدد لهما ما أراد أن يفعله من قتله وقتلهم، فكفا عن مساءلته.
ثم سأله بعد ذلك الأمير سودن النائب فيه، فأمر بقيده، ففك عنه.
وفي يوم الأحد ثالث شوال: عدى السلطان إلى بر الجيزة، وعاد من يومه، وأمر بتتبع المماليك الأشرفية والمماليك البطالين، فأخذوا، وعملوا في الحديد، ونفوا من مصر.
وفي ثاني عشره: عدى السلطان النيل إلى الجيزة وتصيد، ثم عاد إلى مخيمه تحت الأهرام، فمر على خيمة الأمير قُطْلو أقتمر أمير جاندار فوقف عليها، وخرج إليه قطلو أقتمر وقبل له الأرض، وقدم له أربعة أفراس فلم يقبلها، فقبل الأرض ثانيا، وسأل السلطان أن يقبلها، فأجاب سؤاله وقبلها. وتوجه السلطان إلى مخيمه، واستدعى في الحال بإبراهيم بن قطلو أقتمر من خزانة شمايل، وخلع عليه، وأركبه فرساً بسرج ذهب وكنبوش زركش، وأعطاه ثلاثة أروس أخر، وهي التي قدمها أبوه، وأذن له أن يمشي في الخدمة، ووعده برزق، وأرسله إلى أبيه، فسر به سرورا كبيرا وكان في هذه المدة لم يحدث السلطان، ولا أحدا من الأمراء في أمر ولده، فأتاه اللّه بالفرج من حيث لا يحتسب.
ورحل السلطان إلى سسرحة بالبحيرة على العادة، وعاد في يوم الخميس سادس ذي القعدة إلى القلعة. وخلع على قاضي العسكر بدر الدين محمد بن البلقيني الشافعي، وشمس الدين محمد القرمي الحنفي.
وفي يوم السبت ثامنه: جمع السلطان القضاة، واشترى الأمير أيتمش البجاسي من ورثة الأمير جَرجي نائب حلب بحكم أن جرجي لما مات لم يكن أيتمش البجاسي ممن أًعتقه، بل كان في رقه، فأخذه بعد جرجي بجاس وأعتقه من غير أن يملكه بطريق صحيح، فلم يصادف عتقه محلا، وأثبتوا ذلك على القضاة. فلما اشتراه السلطان منهم بمائة ألف درهم أعتقه وأنعم عليه بأربعمائة ألف درهم فضة، وبناحية سفط رشين ثم خلع على القضاة والموقعين الذين أسجلوا قضية البيع والعتق.
وفي تاسعه: ركب السلطان إلى بركة الحجاج، وعاد فدخل من باب الفتوح وشق القاهرة إلى باب زويلة، وصعد إلى القلعة.
وفي عاشره: خلع على كاتب السر أوحد الدين لقراءته عتاقة الأمير أيتمش الظاهري. وخلع على نقيب الأشراف السيد الشريف جمال الدين عبد اللّه عبد الرحيم الطباطبي، واستقر في نظر وقف الأشراف، عوضا عن قاضي القضاة بدر الدين محمد بن أبي البقاء، فخرج من حينئذ نظر الأشراف عن القضاة، ولم يعد إليهم. وأنعم على الأمير ألطنبغا السلطاني بإمرة طبلخاناة.
وفي سابع عشره: ضرب ابن البقري بين يدي السلطان ضربا مبرحا.
وفيه خلع على المحتسب جمال الدين محمود العجمي خلعة الاستمرار، وقد أرجف بعزله.
وفيه كتب باستقرار قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن جماعة، في قضاء القضاة بدمشق، بعد وفاة ولي الدين عبد اللّه بن أبي البقاء، وحمل إليه تقليده وتشريفه فلم يقبل، فخوف عاقبة ذلك، فأجاب وتوجه من القدس إلى دمشق.
وفي يوم الثلاثاء تاسع ذي الحجة: أفرج عن الخليفة المتوكل، ونقل من سجنه بالبرج إلى دار بالقلعة، وطلع إليه عياله.
وفيه قدم البريد بمحاربة التركمان. وكان من خبر ذلك أنه كتب بتجريد عسكر دمشق وطرابلس وحماة وحلب ونواب الثغور وتركمان الطاعة وأكرادها، إلى جهة التركمان العصاة بالبلاد السيسية، كالصارم بن رمضان نائب أدنه وبني أوزر، وابن برناص من طائفة الأجقية لمقاتلتهم على تعديهم طريقهم، وقطعهم الطرقات، ونهبهم حجاج الروم، ولاتفاقهم مع الأمير علاء الدين علي بك بن قرمان- صاحب لارندة على اقتلاع بلاد سيس، فتأهبت العساكر لذلك ووافت حلب، فتقدمها الأمير يلبغا الناصري نائب حلب، وركب من حلب في ثاني ذي القعدة يريد العمق، وكتب إلى بني أوزر وبقية التركمان العصاة، ينذرهم، ويحذرهم التخلف عن الحضور إلى الطاعة، ويخوفهم بأس العساكر، وإنهم إن أذعنوا وأطاعوا كانوا آمنين على أنفسهم وأموالهم، ومن تخلف كان غنيمة للعساكر. وسار حتى نزل تحت عقبة بغراس، فعرض العساكر، وترك الثقل وتوجه مخفا، وجاوز عقبة بغراس، وترك بها نائبي عين تاب وبغراس بخيالتهما ورجالهما، حفظا للدربند، إلى أن تصل العساكر الشامية. وجد السير إلى أن نزل باب إسكندرونه بجانب البحر، وأراح الخليل يسيرا. وقدم أمامه من أمراء الألوف بحلب دمرداش وكَشلى ليملكا جسر المصيصة قبل أن يفطن التركمان بوصول العساكر فيقطعونه ولا يمكن جوازه إلا بعد تعب زايد. ثم ركب في الثلث الأول من ليلة الأحد خامس عشره وسار مجدا، فوصل المصيصة عصر نهار الأحد فوجد الأميرين قد ملكا الجسر بعد أن هدم التركمان بعضه، وقطعوا منه جانبا لا يمنع الاجتياز، وتوقدت بينهم نار الحرب. وعدت العساكر نهر جاهان إلى جانب بلاد سيس، واقتفوا آثار من كان بالمصيصة من التركمان فأدركوا بعض البيوت، فانتهبوها، فتعلق الرجال بشعف الحبال، ثم حضرت قصاد التركمان- على اختلاف طوائفهم- يسألون الأمان، فأجاب الأمير يلبغا الناصري سؤالهم، وكتب لهم أمانا. ولما أحس الصارم بن رمضان بالعساكر، ترك أذنة وفر إلى الجبال التي لا تسلك. ووصلت الأطلاب والثقل إلى المصيصة في سابع عشره، فقدم من الغد ثامن عشره قاصد الأمير طَشبُغا العزي- نائب سيس- بخبر وصول ابن رمضان إلى أطراف البلاد السيسية، وأنه ركب في أثره ومعه طائفة من التركمان القرمانيين، فأدركوا بيوته، فانتهبوها، وأمسكوا أولاده وحريمه، ونجا بنفسه، ولحق بالتركمان البياضية مستجيرا بهم، فأجمعت الآراء على التوجه بالعساكر إلى جهتهم وإمساكه. فقدم الخبر من نائب سيس في أخر النهار بأنه استمر في طلب ابن رمضان إلى أن أدركه وأمسكه، وأمسك معه أخاه قرا محمد وأولاده وأمه وجماعته وعاد إلى سيس، فسرت العساكر بذلك سروراً زائداً.
ورحلت في تاسع عشره تريد سيس، وأحاطت بطائفة من التراكمين اليراكية، فانتهبت كثيرا من خيل ومتاع وأثاث ثم أمنوهم بسؤالهم ذلك وتفرقت جموع التركمان بالجبال ومرت العساكر إلى جهة سيس. وأحضر ابن رمضان، وأخوه قرا محمد، ومن أمسك معهما، فوسطوا، وعاد العسكر يريد المصيصة. وركب الأمير يلبغا الناصري بعسكر حلب، وسلبهم جبلا يسمى صاروجا شام، وهو مكان ضيق حرج وعر، به جبال شوامخ وأودية عظام، مغلقة بالأشجار والمياه والأوحال، وبه دربندات خطرة، لا يكاد الراجل يسلكه، فكيف بالفارس وفرسه الموفرين حملا باللبوس وإذا هم بطائفة من التركمان اليراكرية، فجرى بينهم القتال الشديد. فقتل بين الفريقين جماعة، وفقد الأمير يلبغا الناصري، وجماعة من أمراء حلب، وإذا بهم قد تاهوا في تلك الأودية. ثم تراجع الناس وقد فقد منهم طائفة. وداخل العسكر رعب شديد، وخوف كاد يذهب منه أرواحهم. ووصلهم الخبر بأن التركمان قد أحاطوا بدربند باب الملك، فالتجأوا إلى مدينة إياس. ثم قدم يلبغا الناصري إلى إياس بعد انقطاع خبره، فتباشروا بقدومه، وأقاموا عليها أياما، ثم رحلوا، فلقيهم التركمان في جمع كبير. فكانت بينهم وقعة لم يمر لهم مثلها. قتل فيها خلق كثير، وانجلت عن كسرة التركمان بعد ما أبلى فيها الناصري بلاء عظيماً. وارتحل العسكر يوم عيد الأضحى إلى جهة بإياس، فما ضربت خيامهم بها حتى أحاط بهم التركمان وأنفذوا فرقة منهم إلى باب الملك، فوقفوا على دربنده ومنعوا عنهم الميرة، فعزت الأقوات عند العسكر، وجاعت الخيول، وكثر الخوف وأشرفوا على الهلاك، إلا أن الله تداركهم بخفي لطفه، فقدم عليهم الخبر بوصول الأمير سودن المظفري- حاجب الحجاب بحلب- في عدة من الأمراء. وقد استخدم من أهل حلب ألف راجل من شبان بانقوسا، ودفعوا إليهم مائة درهم كل واحد. وخرج العلماء والصلحاء وغالب الناس، وقد بلغهم ما نزل بالعسكر. ونودي بالنفير العام، فتبعهم كثير من الرجالة والخيالة، والأكراد ببلد القصير والجبل الأقرع وغيره من أعمال حلب. فقام بمؤنتهم الحاجب ومن معه من الأمراء، وهجموا على باب الملك، فملكوه وقتلوا طائفة ممن كان به من التركمان، وهزموا بقيتهم. ففرح العسكر بذلك فرحاً كبيراً، وساروا إلى باب الملك حتى جاوزوا دربنده ونزلوا بغراس، ثم رحلوا إلى أنطاكية وقدموا حلب. فكانت سفرة شديدة المشقة، بلوا فيها من كثرة تتابع الأمطار الغزيرة، وتوالى هبوب الرياح العاصفة، وكثرة الخوف، ومقاساة آلام الجوع، ما لا يمكن وصفه.
وفي سادس عشرينه: قدم مبشرو الحاج، وأخبروا بأن الشريف سعد بن أبي الغيث الحسني- الذي كان أمير ينبع- نزل على الحاج المغاربة، بوادي العقي، وسألهم أن يعطوه شيئا، فأمسكوه وربطوا كتفيه، وأخذوا فرسه، وأخذوه معهم ماشيا، فأتاهم كثر من عربه وقاتلوهم، فقتل من المغاربة عدد كثير، وأفلت منهم سعد فأدركهم حجاج التكرور وقاتلوهم، فقتل كثير من التكرور، وأخذت أموالهم وأموال من كان معهم من الصعايدة وغيرهم. وأن حاج العراق أخبروا بأن حاج شيراز والبصرة والحسا خرج عليهم قريش ابن أخي زامل في ثمانية آلاف نفس، فأخذوا ما معهم من اللؤلؤ وغيره- وكان شيئا له مبلغ عظيم- وقتلوا منهم خلقاً كثيرًا. فرد من بقي منهم ماشياً عاريًا، وقدم بعضهم إلى مكة كذلك صحبة حاج بغداد. وأن ركب العراق جبى منهم عشرون ألف دينارا عراقية، حسابا عن كل جمل خمسة دنانير، حتى أمكنهم التوجه إلى مكة. وأن حاج اليمن تعذر حجهم لفتنة باليمن، شغل فيها سلطانهم عن تجهيز المحمل.
وفي هذه السنة: كثر الرخاء بالقاهرة، وأبيع لحم الضأن السليخ، كل عشرة أرطال بثمانية دراهم، ولحم البقر كل رطل بنصف درهم، والقمح كل أردب من ثمانية دراهم إلى خمسة عشر درهما، والشعير من ستة دراهم الأردب إلى ثمانية دراهم.
وفي هذا الشهر. استقر شرف الدين مسعود بن شعبان بن إسماعيل في قضاء الشافعية بحلب، عوضا عن الشهاب أحمد بن عمر بن أبي الرضا. ثم بعد قليل أعيد ابن أبي الرضا.
وفيها ولى الأمير فخر الدين عثمان بن قارا بن مهنا بن عيسى بن مهنا بن مانع بن حديثه بن غضبة بن حازم بن فضل بن ربيعة، إمرة آل فضل، عوضا عن الأمير ناصر الدين محمد بن نعير بن حيار بن مهنا.
وفيها أنشىء حوض للسبيل عند باب المعلا بمكة، باسم السلطان. ووصل الماء إلى القدس من قناة العروب، بعدعمارتها بأمر السلطان.
وفيها قتل محمد بن مكي كبير الرافضة بدمشق، لتظاهره بزي النصرية، ضربت عنقه تحت القلعة.

.ومات في هذه السنة من الأعيان:

الأديب شهاب الدين أحمد بن يحيى بن مخلوف بن مر بن فضل اللّه بن سعد بن ساعد المعروف بالأعرج السعدي رحمه اللّه.
ومات الأمير أرغون دوادار الأمير طَشتَمُر أحد الطبلخاناة.
ومات الأمير أَيْدمَر الخطابي من صديق، وهو مجرد بالإسكندرية.
ومات الأمير بلاط السيفي الصغير، أمير سلاح، وهو بطرابلس، في جمادى الأولى.
ومات الأمير تمرباي نائب صفد في جمادى الأولى، بها.
ومات علم الدين سليمان بن أحمد بن سليمان بن عبد الرحمن بن أبي الفتح بن هاشم العسقلاني، أحد أعيان الفقهاء الحنابلة، في ثالث عشرين جمادى الآخرة. ومات قاضي قضاة دمشق ولى الدين عبد الله ابن قاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء محمد بن عبد البر بن يحيى بن على تمام السبكي الشافعي بها.
ومات الأمير ناصر الدين محمد بن أيبك الفافا، أحد العشرات.
ومات شرف الدين موسى بن البدر محمد بن محمد بن الشهاب محمود الحلبي، أحد موقعي الدست، بمدينة الرملة عائداً من القاهرة إلى دمشق في رابع عشرين صفر عن ثلاث وأربعين سنة. ومن شعره:
يا طيف دونك ناظري ** خذ نوره إن جئت زائر

ياطيف دونك ناظري ** خذ نوره إن جئت زائر

أخشى عليك لشقوتي ** من أن تعثر في المحابر

ومات الأمير شرف الدين موسى بن دينار بن قرمان، أحد الطبلخاناة في ليلة الأربعاء عشرين جمادى الأولى.
ومات الأمير قُطْلوبغا الكوكاي، أحد أمراء الألوف، في سادس المحرم.
ومات مستوفي المرتجع أمين الدين عبد اللّه بن جعيص الأسلمي، في ثالث عشر المحرم.
ومات الشيخ نهار المجنوب المغربي بالإسكندرية وكان يتحدث بالمغيبات، وله كرامات.