فصل: سنة سبع وستين وستمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك (نسخة منقحة)



.سنة ست وستين وستمائة:

في صفر: وردت الزكاة والعشر من المدينة النبوية، وعدتها مائة وثمانون جملا ومبلغ عشرة آلاف درهم، فاستقل السلطان ذلك وأمر برده، فورد بنو صخر وبنو لام وبنو عنزة من عرب الحجاز، والتزموا بزكاة الغنم والإبل، فبعث السلطان معهم شادين لاستخراج ذلك. وفيه قسمت عمارة صفد على الأمراء، وأخذ السلطان لنفسه نصيبا وافرا، وأقيم في عمارة القلعة وأبراجها الأمير سيف الدين الزيني، وعمل لها أبواب سر إلى الخندق، فلما كملت كتب على أسوارها: {ولقد كتبنا في الزبور من الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون} {ألا إن حزب الله هم المفلحون} أمر بتجديد هذه القلعة وتحصينها، وتكميل عمارتها، وبعد ما خلصها من أسر الفرج الملاعين، وردها إلى يد المسلمين ونقلها من حوزة الدنيوية إلى حوزة المؤمنين، وأعادها إلى الإيمان كما بدا بها أول مرة، وجعلها للكفار خسارة وحسرة، واجتهد وجاهد حتى بدل الكفر بالإيمان والناقوس بالأذان والإنجيل بالقرآن، ووقف بنفسه حتى حمل تراب خنادقها وحجارتها منه بنفسه وبخواصه على الرءوس، السلطان الملك الظاهر أبو الفتح بيبرس، فمن صارت إليه هذه القلعة من ملوك الإسلام، ومن سكنها من المجاهدين، فليجعل له نصيبا من أجره، ولا يخله من الترحم في سره وجهره، فقد صار يقال عمر الله صرحها، بعد ما كان يقال عجل الله فتحها، والعاقبة للمتقين إلى يوم الدين.
وفيه كتب السلطان إلى الملك منكوتمر القائم مقام الملك بركة، بالتعزية والإغراء بولد هولاكو وفيه رسم السلطان بعمارة مسجد الخليل عليه السلام، فتوحه الأمير جمال الدين بن نهار لعمل ذلك، حتى أنهي عمارته. وفيه سار السلطان من صفد إلى القاهرة، فدخل قلعة الجبل سالما في وقدمت رسل السلطان المظفر شمس الدين يوسف بن عمر بن رسول الملك اليمني، بعشرين فرسا عليها لامة الحرب، وفيلة وحمارة وحشية عنابية اللون وعدة تحف وطرف، فجهزت له خلعة وسنجق، وهدية فيها قميص من ملابس السلطان كان قد سأل فيه ليكون له أمانا، وسير إليه أيضاً جوشن وغيره من آلة الحرب، وقيل له: قد سيرنا إليك آلة السلم وآلة الحرب مما لاصق جسدنا في مواطن الجهاد وكتب له المقام العالي المولوي السلطاني، وكتب له السلطان بخطه المملوك.
وفيه اجتاز السلطان على السدير قرب العباسية، فأعجبه فاختار منه مكانا بني فيه قرية سماها الظاهرية، وعمر بها جامعا. وبينا هو في الصيد هناك إذ بلغه حركة التتار على حلب، فعاد إلى القلعة وأمر بخروج الخيام. فلم يعجبه خيام جماعة فأدبهم وجرسهم. وخرج البريد إلى الشام بتجهيز العساكر، فلما خرجوا وساروا إلى بانياس أخرج البريدي كتبا مختومة باسم الأمير علم الدين الحصني والأمير بدر الدين الأتابكي، وفيها منازلتهم للشقيف، فلم يشعر الفرنج إلا بالعساكر على قلعة الشقيف.
وسار السلطان من مخيمه بباب النصر في ثالث جمادى الآخرة إلى غزة، فبلغه عن جماعة من الجمالين إنهم تعرضوا إلى زرع فقطع أنوفهم، وبلغه عن الأمير علم الدين سنجر الحموي إنه ساق في زرع، فأنزله عن فرسه وأعطاه بما عليه من السرج واللجام لصاحب الزرع ثم رحل السلطان إلى العوجاء.
فلما كان يوم العشرين منه: ساق السلطان من العوجاء إلى يافا، وحاصرها حتى ملكها من يومه، وأخذ قلعتها وأخرج من كان فيها، وهدمها كلها وجمع أخشابها ورخامها وحمله في البحر إلى القاهرة، فعمل من الخشب مقصورة الجامع الظاهري بالحسينية، ومن الرخام بحرابه. وأمر السلطان ببناء الجوامع بتلك البلاد، وأزال منها ومن قرية المنكرات، ورتب الخفراء على السواحل وألزمهم بدركها. ورسم أن المال المتحصل من هذه البلاد لا يخلط بغيره، وجعله لمأكله ومشربه. وأعطي الأمير علاء الدين الحاج طيبرس منها قرية، وأعطي الأمير علم الدين سنجر الحموي قرية، وملكهما إياهما وأنزل التركمان بالبلاد الساحلية لحمايتها، وقرر عليهم خيلا وعدة، فتجدد له عسكر بغير كلفة، وفيه رسم بتجديد عمارة الخليل عليه السلام، ورسم أن يكون عمل الخوان الذي يمد ناصية عن مسجد الخليل.
وجهز السلطان عسكرا إلى الشقيف، ثم سار إليها بنفسه فنزل عليها في يوم الأربعاء تاسع عشر شهر رجب، وقدم الفقهاء للجهاد، ونصب السلطان عليها ستة وعشرين منجنيقا، وألح عليها حتى أخذها يوم الأحد سلخ رجب، وأخرج منها نساء الفرنج وأولادهم إلى صور، وقيد الرجال كلهم وسلمهم للعساكر. وهدم السلطان قلعة استجدها الفرنج هناك، واستناب على القلعة الأخرى الأمير صارم الدين قايماز الكافري، ورتب بها الأجناد والرجالة، وقرر فيها قاضيا وخطيبا، وولي أمر عمارتها الأمير سيف الدين بلبان الزيني. وفيه وردت كتب من الكرج.
وفي شعبان: وصل رسول صاحب بيروت بهدية وتجار كانوا قد أخذوهم في البحر من سنين، فما زال السلطان حتى خلصهم وخلص أموالهم.
وفي عاشره: رحل السلطان من الثقيف إلى قرب بانياس، وبعث الأثقال إلى دمشق وجهز الأمير عز الدين أوغان بجماعة لجهة، وجهز الأمير بدر الدين الأيدمري في جماعة إلى جهة أخرى، فحفظت العساكر الطرقات.
ثم سار السلطان إلي، طرابلس وخيم عليها في النصف منه، وناوش أهلها القتال وأخذ برجا كان هناك، وضرب أعناق من كان من الفرنج، وأغارت العساكر على من في تلك الجبال، وغنموا شيئا كثيرا وأخذوا عدة مغاير بالسيف، وأحضروا المغانم والأسري إلى السلطان فضرب أعناق الأسري، وقطع الأشجار وهدم الكنائس، وقسم الغنائم في العسكر.
ودخل السلطان عن طرابلس في رابع عشريه، فتلقاه صاحب صافيتا وأنطرسوس بالخدمة، وأحضر ثلاثمائة أسير كانوا عنده، فشكره السلطان ولم يتعرض لبلاده، ونزل السلطان على حمص، وأمر بإبطال الخمر والمنكرات. ثم دخل إلى حماة ولا يعرف أحد أي جهة يقصد، فرتب العسكر ثلاث فرق: فرقة صحبة الأمير بدر الدين الخازندار، وفرقة مع الأمير عز الدين إيغان، وفرقة مع السلطان، فتوجه الخازندار إلى السويدية، وتوجه إيغان إلى درب بساك، فقتلوا وأسروا، ونزل السلطان أفامية، ووافاه الجميع على أنطاكية.
وأصبح أول شهر رمضان: والسلطان مغير على أنطاكية، وأطاقت العساكر بها من كل جانب، فتكملوا بخيامهم في ثالثه. وبعث السلطان إلى الفرنج يدعوهم وينذرهم بالزحف عليهم، وفاوضهم في ذلك مدة ثلاثة أيام وهم لا يجيبون، فزحف عليها وقاتل أهلها قتالا شديدا، وتسور المسلمون الأسوار من جهة الجبل بالقرب من القلعة، ونزلوا المدينة ففر أهلها إلى القلعة، ووقع النهب والقتل والأسر في المدينة، فلم يرفع السيف عن أحد من الرجال وكان بها فوق المائة ألف، وأحاط الأمراء بأبواب المدينة حتى لا يفر منها أحد، واجتمع بالقلعة من المقاتلة ثمانية آلاف سوي النساء والأولاد، فبعثوا يطلبون الأمان فأمنوا، وصعد السلطان إليهم ومعه الحبال، فكتفوا وفرقوا على الأمراء، والكتاب بين يدي السلطان ينزلون الأسماء.
وكانت أنطاكية للبرنس بيموند بن بيموند، وله معها طرابلس، وهو مقيم بطرابلس وكتبت البشائر بالفتح إلى الأقطار الشامية والمصرية والفرنجية، وفي الجملة كتاب إلى صاحب أنطاكية وهو يومئذ مقيم بطرابلس وهو من إنشاء ابن عبد الظاهر رحمه الله تعالي.
وسلم السلطان القلعة إلى الأمير بدر الدين بيليك الخازندار والأمير بدر الدين بيسري الشمسي، وأمر بإحضار المغانم لتقتسم، وركب وأبعد عن الخيام وحمل ما غنمه وما غنمته مماليكه وخواصه، وقال: والله ما خبأت شيئا مما حمل إلى ولا خليت مماليكي يخبئون شيئا، ولقد بلغني أن غلاما لأحد مماليكي خبأ شيئا لا قيمة له فأدبته الأدب البالغ، ويتبقى لكل أحد منكم أن يخلص ذمته، وأنا أحلف الأمراء والمقدمين، وهم يحلفون أجنادهم ومضافيهم. فأحضر الناس الأموال والمصاغ الذهب والفضة حتى صارت تلا بها، وقسمت في الناس، وطال الوزن فقسمت النقود بالطاسات، وقسمت الغلمان على الناس، فلم يبق غلام إلا وله غلام، وتقاسم النساء والبنات والأطفال، وأبيع الصغير باثني عشر درهما والجارية بخمسة دراهم، وأقام السلطان يومين وهو يباشر القسمة بنفسه، وقصر الناس في إحضار الغنائم فعاد السلطان مغضبا، فلم تزل الأمراء به يلتزمون بالاجتهاد والاحتراز ويعتذرون إليه، حتى وقف على فرسه وما ترك شيئا حتى قسمه.
ثم ركب السلطان إلى القلعة وأحرقها، وعم بالحريق أنطاكية، فأخذ الناس من حديد أبوابها ورصاص كنائسها ما لا يوصف كثرة، وأقيمت الأسواق خارج المدينة، فقدم التجار من كل جهة. وكان بالقرب من أنطاكية عدة حصون، فطلب أهلها الأمان، فتوجه إليهم الأمير بيليك الأشرفي وتسلمها في حادي عشره، وأسر من فيها من الرجال.
وكان التكفور هيتوم ملك سيس لم يزل يسأل في إطلاق ولده ليفون، ويعرض في فدائه الأموال والقلاع، وكان التتر قد أسروا الأمير شمس الدين سنقر الأشقر من حلب، لما ملكوها من الملك الناصر، فاقترح السلطان على سيس إحضار سنقر عوضاً عن ولده ورد القلاع التي أخذها من مملكة حلب، وهي بهسنا ودربساك ومرزبان ورعبان وشبح الحديد، فسأل هيتوم المهلة سنة إلى أن يبعث إلى الأرذو فلما كان في هذه الأيام، بعث هيتوم إلى السلطان بأنه وجد سنقر، وأنه أجيب إلى إطلاقه، فكتب إليه بإحضاره. فأحضر هيتوم كتاب سنقر إلى السلطان بأماير، إلا إنه غير قوله في تسليم القلاع، فكتب إليه. إذا كنت تقسو على ولدك وولي عهدك، فأنا أقسو على صديق ما بيني وبينه نسب، ويكون الرجوع منك لا مني. ونحن خلف كتابنا، فمهما شئت افعل بسنقر الأشقر فلما وصلت إليه الكتب من أنطاكية خاف، وتقرر الصلح على تسليم قلعة بهسنا ودر بساك وكل ما أخذه من بلاد الإسلام، وأن يرد الجميع بحواصلها كما تسلمها، ويطلق سنقر الأشقر، ويطلق السلطان ولده وابن أخيه وغلمانهما، وأنه يحضر رهينة حتى يتسلم السلطان القلاع، فكتبت الهدنة بأنطاكية، وتوجه الأمير بلبان الرومي للدوادار، والصدر فتح الدين بن القيسراني كاتب الدرج. لاستحلافه، وتوجه الأمير بدر الدين يحكا الرومي لإحضار الملك ليفون من مصر على البريد في ليلة الثالث عشر من رمضان، فوصل إلى القاهرة وخرج منها ثاني يوم دخوله بالملك ليفون، فوصل إلى دمشق ليلة الإثنين سادس عشريه، فكان بين خروجه من أنطاكية وعوده إلى دمشق ثلاثة عشر يوما، وحلف التكفور هيتوم صاحب سيس في سابع عشريه، فانتظم الصلح.
ورحل السلطان من أنطاكية إلى شيزر، وسار منها على البرية إلى حمص وهو يتصيد فدخل حماة في ثلاثة نفر: وهم الأمير بيسري، والأمير بدر الدين الخازندار، والأمير حسام الدين الدوادار، ونزل العسكر حماة. ثم سار السلطان من حمص إلى دمشق، فدخلها في سادس عشريه، والأسري بين يديه وليفون ابن صاحب سيس في خدمته، فأحسن إليه، وحلف ليفون للسلطان في ثالث شوال على النسخة التي حلف عليها أبوه، وهو قائم مكشوف الرأس، وسار إلى بلاده في حادي عشره صحبة الأمير بجكا على البريد، حتى قرره في مملكته. ووصلت الرهائن فأحسن السلطان إليهم وأكرمهم، ومازالوا إلى أن تسلم نواب السلطان القلاع من أهل سيس، فأعيدت الرهائن إليهم بما أنعم عليهم، وعندما وصل ليفون إلى سيس أطلق سنقر الأشقر، وبعث به إلى السلطان فتلقاه السلطان وهو في الصيد من غير أن يعرف أحد بقدومه، وقدم به وهو مختف وأنزله عنده في الدهليز، وبات معه. فلما أصبح، واجتمع الناس في الخدمة، خرج السلطان ومعه سنقر الأشقر، فبهت الناس لرؤيته، وأخرج له السلطان المال والخلع والحوائص، والخيل والبغال والجمال والمماليك، وسائر ما يحتاج إليه، وحمل إليه الأمراء التقادم، وبالغ السلطان في الإحسان إليه، وبني له دارا بقلعة الجبل ولما حضر سنقر إلى القاهرة أعطاه السلطان إمرة، وعمله من خواصه.
وفي ثالث عشره: تسلم الأمير شمس الدين آقسنقر الفارقاني أستادار السلطان حصن بفراس من الفرنج الداويه وكانوا قد فروا عنها وتركوا الحصن خاليا حتى لم يبق بها سوي عجوز واحد، فوجدها الأمير شمس الدين عامرة بالحواصل والذخائر، وفيه وردت رسل صاحب عكا بهدية فحصل الاتفاق على أن تكون حيفا للفرنج ولها ثلاث ضياع، وأن تكون مدينة عكا وبقية بلادها مناصفة هي وبلاد الكرمل، وأن بلاد صيدا الوطاة للفرنج والجبليات للسلطان، وأن الهدنة لعشر سنين، وأن الرهائن تطلق وبعث السلطان لصاحب عكا هدية فيها عشرون نفسا من أسري أنطاكية، وتوجه القاضي محيي الدين عبد الظاهر والأمير كمال الدين بن شيت لاستحلافه، فدخلا عكا في عشري شوال، وقد وصاهما السلطان ألا يتواضعا له في جلوس ولا مخاطبة، فلما دخلا كان الملك على كرسي، فلم يجلسا حتى وضع لهما كرستين جلسا عليهما قبالته، ومد الوزير يده ليأخذ الكتاب فلم يرضيا حتى مد الملك يده وأخذه، ولم يوافق على أشياء فتركوه ولم يحلف.
وفي ثامن عشر ذي القعدة: خرج السلطان من دمشق وسار إلى القاهرة، فخرج الملك السعيد إلى أم الباردة وهي السعيدية، وعيد مع السلطان بها. وسارا إلى قلعة الجبل في حادي عشر ذي الحجة، وحمل السلطان عن الناس كلفة الزينة. وفيها مات السلطان ركن الدين قلج أرسلان بن كيخسرو بن قلج أرسلان بن مسعود بن قلج أرسلان بن سليمان قطلومش بن أرسلان بيغو بن سلجوق، ملك الروم. وقام من بعده ابنه غياث الدين كيخسرو وعمره أربع سنين، فقام بأمر المملكة معين الدين سليمان البرواناه وكان موت ركن الدين خنقا بالوتر، وذلك أن معين الدين البرواناه اتفق مع التتر المقيمين معه على قتل ركن الدين فخنقوه.

.ومات في هذه السنة من الأعيان:

كمال الدين أبو العباس أحمد بن عبد العزيز بن محمد بن الشهيد أبي صالح عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن الحسن بن العجمي الحلبي كاتب الإنشاء، ظاهر صور من الساحل.
وتوفي الصاحب عز الدين أبو محمد عبد العزيز بن منصور بن محمد بن وداعة الحلبي وزير دمشق، بالقاهرة.
وتوفي الأديب عفيف الدين أبو الحسن على بن عدلان بن حماد بن على الموصلي بدمشق، عن ثلاث وثمانين سنة. ومات الأمير عماد الدين أبو حفص عمر بن هبة الله ابن صديق الخلاطي الأديب الفاضل بحماة، عن ثمان وستين سنة.
وتوفي الشيخ المعتقد أبو داود مسلم السلمي شيخ الطائفة المسلمية، في يوم الجمعة ثالث شهر ربيع الأول، ودفن بالقرافة، وكان في ابتداء أمره قاطع طريق، وأخذ عن الشيخ مروان أحد أصحاب الشيخ مرزوق، وقدم القاهرة، وعني به الصاحب بهاء الدين محمد بن على بن حنا.

.سنة سبع وستين وستمائة:

في أول المحرم: ركب السلطان حتى شاهد جامعه بظاهر القاهرة، وسار لفتح بحر أبي المنجا، وعاد إلى القلعة. وفيه احتفل السلطان برمي النشاب وأمور الحرب، وبني مسطبة. بميدان العيد خارج باب النصر من القاهرة، وصار ينزل كل يوم من الظهر ويرمي النشاب، فلا يعود من الميدان إلى عشاء الآخرة، وأخذ السلطان يحرض الناس على الرمي والرهان، فما بقي أمير ولا مملوك إلا وهذا شغله تحريض الناس على لعب الرمح ورمي النشاب.
وفيه قدمت الرسل من جميع الأقطار تهنئ السلطان بما فتحه الله عليه.
وفي يوم الخميس تاسع صفر. جلس الملك بركة في مرتبة الملك، وحضر الأمير فقبلوا الأرض، وجلس الأمير عز الدين الحلي والأمير فارس الدين الأتابك بين يديه، والصاحب بهاء الدين وكتاب الإنشاء والقضاة والشهود، وحلف له الأمراء وسائر العساكر.
وفي ثالث عشره. ركب الملك السعيد الموكب كما يركب والده وجلس في الإيوان وقرئت عليه القصص.
وفي العشرين منه: قرئ بالإيوان تقليده بتفويض السلطة إليه، واستمر جلوسه في الإيوان مكان والده لقضاء الأشغال، وصار يوقع ويطلق ويركب في الموكب، وأقام السلطان الأمير بدر الدين بيليك الخازندار نائبا عنه، عوضاً عن الأمير عز الدين الحلي.
وفي ثاني عشر جمادى الآخرة. خرج السلطان، ومعه الأمير عز الدين الحلي وأكابر الأمراء في عدة من العسكر يريد بلاد الشام، وترك أكثر العسكر عند الملك السعيد، فلما وصل إلى غزة أنفق في العسكر، ونزل أرسوس لكثرة مراعيها، فقدم عليه كتاب متملك سيس بأن رسول رسول أبغا بن هولاكو قدم ليحضر إلى السلطان، فبعث إليه الأمير ناصر الدين بن صيرم مشد حلب ليتسلمه من سيس، ويحترز عليه بحيث لا يمكنه أن يتحدث مع أحد فسار به إلى دمشق، ولم يحتفل به عند وصوله إلى دمشق، وأنزل في قلعتها، فورد الخبر بذلك، فركب السلطان من أرسوف وترك الأثقال بها، وأخذ معه الأمراء ودخل إلى دمشق، وأحضر الرسول إليه، فكان من جملة كتابه: إن الملك أبغا لما خرج من الشرق تملك جميع العالم وما خالفه أحد، ومن خالفه هلك وقتل. فأنت لو صعدت إلى السماء أو هبطت إلى الأرض ما تخلصت منا، فالمصلحة أن تجعل بيننا صلحا.
وكان في المشافهة: أنت مملوك وأبعت في سيواس، فكيف تشاقق الملوك ملوك الأرض؟ فأجيب وأعيد الرسول.
وفي أول شعبان: مات الأمير عز الدين الحلي بدمشق.
وفيه خرج السلطان من دمشق، وودع الأمراء كلهم وسيرهم إلى مصر، ولم يتأخر عنده من الأمراء الكبار سوي الأمير الأتابك، والمحمدي، والأيدمري، وابن أطلس خان، وأقوش الرومي. فسار بهم إلى قلعة الصبيبة ثم إلى الشقيف وصفد، وكتب بحضور الأثقال إلى خربة اللصوص من أرسوف، فأحضرها الأمير آقسنقر الفارقاني الأستادار، وقدم السلطان إليها فأقام بها أياما. وخطر للسلطان أن يتوجه إلى ديار مصر خفية، فكتم ذلك وكتب إلى النواب. بمكاتبة الملك السعيد والاعتماد على أجوبته، ورتب إنه كلما جاء بريد يقرأ عليه وتخرج علائم على بياض تكتب عليها الأجوبة.
فلما كان في رابع عشره: أظهر السلطان أنه تشوش في بدنه، واستدعى الحكماء إلى الخيمة، ووقع احتفال في الظاهر بتوعكه، وأصبح الأمراء فدخلوا عليه وشاهدوه مجتمعا على هيئة متألم، وكتب إلى دمشق باستدعاء الأشربة. وتقدم السلطان إلى الأمير بدر الدين الأيدمري، والأمير سيف الدين بكتوت جرمك الناصري، بالتوجه إلى حلب على خيل البريد وصحبتهما بريدي، فتوجهوا إليه السبت سادس عشره، وكان السلطان قد أوصاهم إنهم إذا ركبوا يأتوا خلف الدهليز، حتى يتحدث معهم مشافهة، وجهز السلطان الأمير آقسنقر الساقي على البريد إلى مصر، وأعطاه تركاشه وأمره أن يقف خلف خيمة الجمدارية من وراء الدهليز، فوقف حيث أمر، ولبس السلطان جوخة مقطعة، وتعتم بشاش دخاني عتيق، وقصد أن يخرج به الحراس، فوجد قماش نوم لبعض المماليك، فاستدعى خادما من خواصه وقال: أنا خارج بهذا القماش، احمله وامش قدامي فإن سألك أحد فقل هذا بعض معه قماش بعض الصبيان، حصل له مرض وما يقدر يحضر الخدمة الليلة، وخارج إليه بقماشه. فخرج السلطان بهذه الليلة ولم يفطن به أحد، وكان قد أسر إلى الأمير شمس الدين الفارقاني أنه يغيب مدة أيام عينها.
ولما خرج السلطان من الدهليز مشي إلى الجهة التي واعد آقسنقر الساقي إليها، وكان قبل ذلك قد أقام هناك أربعة أرؤس من الخيل سيرها مع الأمير بهاء الدين أمير أخور، وأمره أن يقف بها في مكان فأخذ أقسنقر الخيل، وسير بهاء الدين أمير آخور إلى التل، فوجد الأيدمري ورفقته، فصار إليهم السلطان واختلط بهم في السوق وهم لا يعرفونه، فلما طال سوقهم قال السلطان للأيدمري: تعرفني فقال: إي والله، وأراد أن ينزل عن فرسه ليقبل الأرض، فمنعه. وقال السلطان لجرمك: تعرفني فقال: إيش هذا يا خوند فقال له: لا تتكلم. وكان معهم الأمير علم الدين شقير مقدم البريدية، فصارت جملتهم خمسة أنفس، ومعهم أربعة جنائب من خيل السلطان الخاص، فساقوا إلى القصير المعيني ووافوه نصف الليل، فدخل السلطان إلى الوالي ليأخذ فرسه، فقام إليه بنحو خمسين راجلا إليها وقال: الضيعة ملك السلطان، ما يقدر أحد يأخذ منها فرسا، تروحوا وإلا قتلناكم. فتركوه وساقوا إلى بيسان، وأتوا دار الوالي وقالوا: نريد خيلا للبريد، فأنزلهم وقعد السلطان عند رجلي الوالي وهو نائم، ثم التفت إلى الأيدمري وقال: الخلائق على بابي، وأنا على هذا الوالي لا يلتفت إلي، ولكن الدنيا نوبات. وطلب السلطان من الوالي كوزا، فقال: ما عندنا كوز إن كنت عطشان أخرج واشرب من برا فأحضر إليه الأيدمري كرازا شرب منه. وركبوا وصبحوا بجينين، فوجدوا بها خيلا للبريد عرجا معقرة، فركب السلطان منها فرسا لم يكد يثبت عليه من رائحة عقوره. وساروا فلما نزلوا تل العجول بقي كل منهم ماسكا فرسه، فلما وصلوا إلى العريش قام السلطان والأمير جرمك ونقيا الشعير، وقال السلطان لجرمك: ابن السلطة والأستادار وأمير جاندار، وأين الخلق الوقوف في الخدمة هكذا تخرج الملوك من ملكهم، وما يدوم إلا الله سبحانه.
ولم يبق معهم من الجنائب الأربعة إلا الذي على يد السلطان يقوده، ووصل معه إلى الصالحية، وصعدوا إلى القلعة ليلة الثلاثاء الثلث الأول من الليل، فأوقفهم الحراس حتى شاوروا الوالي، ونزل السلطان في باب الإسطبل وطلب أمير آخور، وكان قد رتب مع زمام الأمر ألا يبيت إلا خلف باب السر، فدق السلطان باب السر وذكر للزمام العلائم التي بينه وبينه، ففتح الباب ودخل السلطان ورفقته. وأقاموا يوم الثلاثاء والأربعاء، وليلة الخميس الحادي والعشرين من شعبان، ولا يعلم بالسلطان أحد إلا الزمام فقط، وصار السلطان يتفرج بالأمراء بسوق الخيل، فلما قدم الفرس للملك السعيد يوم الخميس على العادة قدم أمير آخور للسلطان فرسا آخر، وعندما خرج الملك السعيد ليركب ما أحس إلا والسلم قد خرج إليه، فرعب وقبل له الأرض، وركب السلطان وخرج على غفلة وبغلس، فأنكر الأمراء ذلك وأمسكوا قبضات سيوفهم، ونظروا في وجه السلطان حتى تحققوه، فقبلوا له الأرض، وساق السلطان إلى ميدان العيد، وعاد إلى القلعة وأقام بقية يوم الخميس ويوم الجمعة ولعب بالكرة يوم السبت. وتوجه يوم الأحد إلى مصر، ورمي الرجال بالشواني قدامه، وركب في الحراريق وعاد إلى القلعة، فلما كان ليلة الإثنين خامس عشري شعبان، ركب السلطان خيل البريد من القلعة، وعاد إلى معسكره بخربة اللصوص.
وأما ما جري في معسكر السلطان بالخربة، فإن الأمير شمس الدين الفارقاني لما أصبح، وقد فارق السلطان الدهليز، أظهر الأمراء أن السلطان منقطع لضعف حصل له، واستدعى الأطباء وسألهم عما يصلح للمتوعك الذي يشكو صداعا وخدرا وعطشا، وأوهمهم أن السلطان يشكو دلك، فوضعوا له ما يوافق. وأمر الأمير شمس الدين الشراب دارية فاحضروا الشراب، ودخل إلى الدهليز بنفسه ليوهم العسكر صحة ذلك، إلى أن وصل ليلة الجمعة تاسع عشريه إلى قرب الدهليز، فأمر السلطان الأيدمري وجرمك بالتوجه إلى خيامهما، وأخذ على يده جراب البريد وفي كفه فوطة، ومشي على قدميه إلى جهة الحراس، فمانعه حارس وأمسك طوقه، فانجذب منه السلطان ودخل باب الدهليز. وبات السلطان، فلما أصبح أحضر الأمراء وأعلمهم أنه كان متغير المزاج، وركب فضربت البشائر لعافية السلطان، ومشي كل ما وقع على العسكر، ولم يعلم به سوي الأتابك والأستادار والدوادار وخواص الجامدارية وكانت في هذه المدة ترد المكاتبات وتكتب أجوبتها كما رتب السلطان، والأحوال جميعها ماشية كأنه حاضر لم يختل شيء من الأمور، وقصد بما فعل أن يكشف حال مملكته ويعرف أحوال ابنه الملك السعيد في مصر، فتم له ما أراد.
وكتب السلطان بإزالة الخمور وإبطال الفساد والخواطئ من القاهرة ومصر وجميع أعمال مصر فطهرت كلها من المنكر، ونهبت الحانات التي جرت عادة أهل الفساد الإقامة بها، وسلبت جميع أحوال المفسدات وحبسن حتى يتزوجن، وفي كثير من المفسدين، وكتب السلطان إلى جميع البلاد بمثل ذلك، وحط المقرر على هذه الجهة من المال، وعوض المقطعين جهات حلالا.
وورد الخبر بحصول زلزلة في بلاد سيس خرب منها قلعة سرفقد وعدة قلاع، وهلك كثير من الناس حتى سال النهر دما، وتلفت عدة جهات. وورد الخبر بأن الفرنج شنعوا. بموت السلطان، وحضر رسولهم يطلب المهادنة: وكان قد هرب من المماليك السلطانية أربعة وصاروا إلى عكا، فبعث السلطان بإحضارهم فامتنع الفرنج من إحضارهم إلا بعوض، فأنكر السلطان ذلك وأغلظ عليهم، فسيروا المماليك وقد نصروهم، فعند ذلك قبص السلطان على رسل الفرنج وقيدهم، وكتب إلى النواب بوقوع الفسخ، وأغار عليهم الأمير أقوش الشمسي وقتل وأسر منهم جماعة. وركب السلطان في العشرين من رمضان وساق إلى صور، وقتل وأسر جماعة، وعاد إلى المخيم وأمهل مدة، ثم جرد طائفة لأخذ المغل وقطع الميرة عن صور.
وفي سادس عشريه. تسلم نواب السلطان بلاطنس من عز الدين عثمان صاحب صهيون، وهي حصن عظيم، وفيه سارت العساكر من البيرة إلى كركر فأحرقوا وغنموا، وأخذوا قلعة كانت بينها وبين كختا، وقتلوا رجالها وغنموا كثيرا، وأخرجوا منه الخمس للديوان.
وفيه كان خلف في مكة بين الشريف نجم الدين أبي نمي وبين عمه الشريف بهاء الدين إدريس أميري مكة، ثم اتفقا فرتب لهما السلطان عشرين ألف درهم نقرة في كل سنة، ألا يؤخذ بمكة من أحد مشمس، ولا يمنع أحد من زيارة البيت ولا يتعرض لتاجر، وأن يخطب باسم السلطان في الحرم والشارع، وتضرب السكة باسمه، وكتب لهما تقليد بالإمارة، وسلمت أوقاف الحرم التي بمصر والشام لنوابهما.
وفيه سلم السلطان للشريف شمس الدين قاضي المدينة النبوية وخطيبها ووزيرها وقد حضر في، رسالة الأمير عز الدين، جماز أمير المدينة الجمال التي نهبها أحمد بن حجي لأشراف المدينة، وهي نحو الثلاثة آلاف جمل، وأمره أن يوصلها لأربابها وفيها قدم الطواشي جمال الدين محسن الصالحي شيخ خدام الحجرة النبوية، فأكرمه السلطان وضرب له خيمة بشقة على باب الدهليز، وناله زيادة على مائتي ألف درهم نقرة، وسافر صحبة القاضي والجمال مع الركب الشامي، وجهز من الكسوة لمكة والمدينة.
وفيه قدم رسول الفرنج من بيروت بهدية وأساري مسلمين، فأطلقوا بباب الدهليز، وكتبت لهم هدنة. وفيه وصل الأمير شرف الدين عيسي بن مهنا إلى الدهليز ومعه جماعة من أمراء العرب، فأوهمه السلطان إنه يريد الحركة إلى العراق، وأمره بالتأهب ليركب إذا دعي، وأمره فانصرف إلى بلاده، وكان السلطان في الباطن إنما يريد بحركته الحجاز.
وفيه أعطي السلطان ناصر الدين محمد ولد الأمير عز الدين أيدمر الحلي إمرة أربعين فارسا، ورسم للأمير قلاوون والأمير أوغان والأمير بيسري والأمير بكتاش الفخري أمير سلاح أن يباشروا الحوطة على رمال الحلي لورثته، ولم يتعرض السلطان لشيء من موجوده مع كثرته.
ودخل شوال: والسلطان على عزم الحركة للحجاز، فأنفق في العساكر جميعها، وجرد عدة مع الأمير أقوش الرومي السلاح دار ليسيروا مع السلطان، وجرد البقية مع الأمير آقسنقر الفارقاني الأستادار إلى دمشق، فنزلوا بظاهرها وأقاموا بها، ثم توجه السلطان إلى الحج ومعه الأمير بدر الدين الخازندار، وقاضي القضاة صدر الدين سليمان الحنفي، وفخر الدين بن لقمان، وتاج الدين بن الأثير، ونحو ثلاثمائة مملوك وأجناد من الحلقة إلى الحجاز، وذلك أن الأمير جمال الدين ابن الداية الحاجب كتب إلى السلطان: إني أشتهي التوجه بصحبة السلطان إلى الحجاز فأمر بقطع لسانه، فما تفوه أحد بعدها بذلك.
وسار السلطان من الفوار يوم الخميس خامس عشريه، إلى الكرك مستهل ذي القعدة، وكان قد دبر أموره خفية من غير أن يطلع أحد على ذلك، حتى إنه جهز البشماط والدقيق والروايا والقرب والأشربة، والعربان المتوجهين معه والمرتبين في المنازل، ولا يشعر الناس بشيء من ذلك، فلما وصل الكرك وجد الأمور كلها مجهزة، فأعطي المجردين معه بقدر الشعير كفايتهم. وسار الثقل في رابعه، وتبعهم السلطان في سادسه ومعه المجردون، فنزل الشوبك ورسم بإخفاء خبره، وتوجه في حادي عشره، وسار البريد إلى مصر، فجهزت الكتب إليه مع العربان من جهة الكرك فكتبت أجوبتها من هناك.
ووصل السلطان إلى المدينة النبوية في خامس عشريه، فلم يقابله جماز ولا مالك أميرا المدينة وفرا منه، ورحل منها في سابع عشريه، وأحرم فدخل مكة في خامس ذي الحجة، وأعطي خواصه جملة من المال ليفرقوها سرا، وفرق كساوي على أهل الحرمين وصار كواحد من الناس، لا يحجبه أحد ولا يحرسه إلا الله، وهو منفرد يصلي ويطوف ويسعى، وغسل البيت، وصار في وسط الخلائق، وكل من رمي إليه إحرامه غسله وناوله إياه. وجلس على باب البيت، وأخذ بأيدي الناس ليطلعهم إلى البيت، فتعلق بعض العامة بإحرامه ليطلع فقطعه، وكاد يرمي السلطان إلى الأرض، وهو مستشر بجميع ذلك، وعلق كسوة البيت بيده وخواصه، وتردد إلى من بالحرمين من الصالحين. هذا وقاضي القضاة صدر الدين سليمان بن عبد الحق الحنفي مرافقه طول الطريق، يستفتيه ويتفهم منه أمر دينه، ولم يقفل السلطان مع ذلك تدبير الممالك، وكتاب الإنشاء تكتب عنه في المهمات، وكتب إلى صاحب اليمن كتابا ينكر عليه أمورا، ويقول فيه: سطرتها من مكة المشرفة، وقد أخذت طريقها في سبع عشرة خطوة يعني بالخطوة المغزلة ويقول له: الملك هو الذي يجاهد في الله حق جهاده، ويبذل نفسه في الذب عن حوزة الدين، فان كنت ملكا فأخرج التتار.
وأحسن السلطان إلى أميري مكة، وهما الأمير نجم الدين أبي نمي والأمير إدريس بن قتادة، وإلى أمير ينبع وأمير خليص وأكابر الحجاز وكتب منشورين لأميري مكة، فطلبا منه نائبا تقوي به أنفسهما، فرتب الأمير شمس الدين مروان نائب أمير جاندار بمكة، يرجع أمرهما إليه ويكون الحل والعقد على يديه، وزاد أميري مكة مالا وغلالا في كل سنة بسبب تسبيل البيت للناس، وزاد أمراء الحجاز إلا جماز ومالك أميرا المدينة، فإنهما انتزحا من بين يديه.
وقضي السلطان مناسك الحج وسار من مكة في ثالث عشره، فوصل إلى المدينة في العشرين منه، فبات بها وسار من الغد، فجد في السير ومعه عدة يسيرة حتى وصل إلى الكرك بكرة يوم الخميس سلخه، ولم يعلم أحد بوصوله إلا عند قبر جعفر الطيارة بمؤتة، فالتقوه هناك. ودخل السلطان مدينة الكرك وهو لابس عباءة، وقد ركب راحلة، فبات بها ورحل من الغد.

.ومات في هذه السنة من الأعيان:

الأمير عز الدين أيدمر الحلي الصالحي نائب السلطنة، عن نيف وستين سنة، بدمشق في أول شعبان. ومات الأمير أسد الدين سليمان بن داود بن موسك الهذباني، بعد ما ترك الخدمة تعففا، وله فضل ونظم جيد.
وتوفي مجد الدين أبو محمد عبد المجيد بن أبي الفرج بن محمد الروذراوري بدمشق. وتوفي نور الدين أبو الحسن على بن عبد الله بن إبراهيم، الشهير بسيبويه المغربي النحوي، عن سبع وستين سنة بالقاهرة، وله شعر جيد.
وتوفي شيخ الأطباء بدمشق شرف الدين أبو الحسن على بن يوسف بن حيدرة الرحبي وله شعر جيد.