فصل: ومات في هذه السنة ممن له ذكر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك (نسخة منقحة)



.سنة ست وثمانمائة:

أهل شهر الله المحرم يوم السبت: والذهب الهرجة كل مثقال بستين درهماً من لفلوس الجدد، والدينار الإفرنتي- وهو المشخص ضرب الفرنج النصارى- كل شخص بخمسة وأربعين درهماً من الفلوس. والنقد الرابح الفلوس، وكل أربعة وعشرين فلساً تحسب بدرهم. والفضة الكاملية- التي كانت نقد مصر، ويصرف منها كل درهم بأربعة وعشرين فلساً- قد صارت عزيزة الوجود، ويصرف كل درهم منها بدرهم ونصف وربع من الفلوس. والسلع كلها، وأجر الأعمال إنما تنسب إلى الفلوس. والأردب القمح بمائة درهم، والشعير كل أردب من ستين درهماً إلى سبعين درهماً، والفول سبعين درهماً الأردب، والأرز بمائتي درهم الأردب، والكتان بثلاثة دراهم الرطل، وبأربعة أيضاً.
وفي يوم الاثنين ثالثه: قدم رسل الطاغية تيمورلنك، وكبيرهم مسعود الكحجاني، فتلقاهم الحجاب ونحوهم من الأمراء، وشقوا القاهرة ومعهم هدية، فيها فيل عليه رجل قائم بيده علمان أخضران. قد نشرهما وقبض عليهما بيديه، وفيها فهد وصقران وثياب، فأنزلوا في دار، وأحضروا بين يدي السلطان بقلعة الجبل في يوم الخميس سادسه، ثم أمر بهم إلى دار، وأجرى عليهم في كل يوم ثلاثمائة رطل من لحم الضأن، وعدة من الأوز، والدجاج، وغير ذلك، وألف درهم، ومنعوا من الاجتماع بالناس مدة أيام، ثم أذن لهم في الركوب والحركة.
وفيه نودي بإشارة الأمير يلبغا السالمي أن يتعامل الناس بالفلوس وزناً لا عدداً، وأن يكون كل رطل منها بستة دراهم حساباً عن كل قنطار ستمائة درهم، فاستمر ذلك ولم ينتقض.
وفي يوم الثلاثاء رابعه: خلع على الأمير ركن الدين عمر بن قايماز، واستقر في الأستادارية عوضاً عن الأمير يلبغا السالمي. وقبض على السالمي وسلم إليه، فسكن بدار السالمي وسجنه بمكان منها، ثم نقل من عنده، وسلم إلى أمير أخور بالإصطبل السلطاني، في عصر يوم الجمعة سابعه.
وفي يوم السبت ثامنه: خلع على علم الدين يحيى- المعروف بأبي كم- واستقر في الوزارة ونظر الخاص، عوضاً عن الصاحب تاج الدين بن البقري. واستقر ابن البقري على ما بيده من نظر الجيش، ونظر الديوان المفرد وسبب ذلك أن جمال الدين يوسف أستادار الأمير بجاس استدعي بجمدار إلى حضرة السلطان، وأمر يفاض عليه تشريف الوزارة، فعندما ألقى عليه ليلبسه، حلف ألا يلبسه. وطالت محاورته وهو يمتنع حتى أعيى أمره، وقال: عندي من يلبس الوزارة بشرط أن يضاف إليها نظر الخاص، وهو أبو كم فأحضر، وخلع عليه، ونزل وفي خدمته الناس على العادة.
وفي عاشره: استقر شمس الدين محمد بن شعبان في حسبة القاهرة، وصرف شمس الدين عمد الشاذلي.
وفي يوم الثلاثاء حادي عشره: استدعى السالمي إلى حضرة السلطان ليعاقب فالتزم بحمل مال كبير، فسلم إلى شاد الدواوين.
وفي يوم الخميس ثالث عشره: استقر قاضي القضاة بدمشق- محمد الأخناي- في قضاء القضاة بديار مصر عوضاً عن ناصر الدين محمد بن الصالحي، بعد موته.
وفي ليلة الجمعة رابع عشره: خسف جميع جرم القمر نحو خمس ساعات.
وفي يوم السبت نصفه: فقد الوزير أبو كم من داره، فلم يعرف موضعه لعجزه عن سد كلف الوزارة، فأعيد التاج بن البقري إليها يوم الثلاثاء ثامن عشره.
وفيه أضيف شد الدواوين إلى الأمير ناصر الدين محمد بن كلفت والي القاهرة وأحد الحجاب، وسلم إليه الأمير السالمي ليعاقبه، فتشدد عليه حتى باع كتبه العلمية.
وفي يوم الخميس سابع عشرينه: كثر اضطراب المماليك السلطانية بالقصر من قلعة الجبل، وهموا بأخذ الأمراء ورجوهم، وذلك لتأخر نفقاتهم وعليق خيولهم وكسوتهم، فوعدوا بخير، وأمر بإحضار التجار، وألزموا بمال في نظير غلال بيعت عليهم، توزع الأمراء مالاً يقومون به، فناب بعضهم من ذلك خمسة آلاف، وناب آخرون فوقها، ومنهم من قام بدونها.
وفي هذا الشهر: توقف النيل عن الزيادة في وسط مسرى، فارتفع سعر الغلال حتى أبيع القمح بمائة وعشرين درهماً الأردب، فأمر الناس بالاستسقاء في يوم الجمعة ثامن عشرينه، بالجوامع عقيب صلاة الجمعة، فاستسقوا.
وفيه عزل الأمير جمق عن نيابة الكرك وسفر إلى دمشق، واستقر عوضه الأمير الهذباني.
وفي هذا الشهر: كانت واقعة الفرنج بطرابلس، وذلك أنهم نزلوا على طرابلس في ثلاثين شينياً وقراقر. وكان الأمير دمرداش غائباً عن البلد، فقاتلهم الناس قتالاً شديداً، في يوم الثلاثاء ثاني عشره إلى الغد. فبلغ دمرداش وهو بنواحي بعلبك الخبر، فاستنجد الأمير شيخ نائب الشام، وتوجه إلى طرابلس، فقدمها يوم الخميس عشرينه.
ونودي في دمشق بالنفير، فخرج الناس على الصعب والذلول، فمضى الفرنج إلى بيروت بعدما قاتلهم دمرداش قتالاً كبيراً، قتل فيه من المسلمين اثنان وجرح جماعة، فوصل الأمير شيخ إلى طرابلس وقد قضى الأمر، فسار إلى بيروت، فقدمها وقت الظهر من يوم الجمعة حادي عشرينه، والقتال بين المسلمين وبين الفرنج من أمسه، وقتلى الفرنج مطروحين على الأرض، فحرق تلك الرمم، وتبع الفرنج، وقد ساروا إلى صيدا بعدما حرقوا مواضع وأخذوا مركباً قدم من دمياط ببضائع لها قيمة كبيرة. وقاتلوا أهل صيدا، فطرقهم الأمير شيخ وقت العصر وقاتلهم وهم في البر، فهزمهم إلى مراكبهم. وساروا إلى بيروت فلحقهم وقاتلهم، فمضوا إلى جهة طرابلس، ومروا عنها إلى جهة الماغوصة. فركز الأمير شيخ طائفة ببيروت، وطائفة بصيدا، وعاد إلى دمشق في ثاني صفر.
شهر صفر، أوله الاثنين:
ويوافقه سابع عشرين مسرى:- أحد شهور القبط- تمادت زيادة النيل إلى يوم الأحد سابعه، وثالث أيام النسيء، فانتهى ماء النيل فيه إلى اثنين وعشرين إصبعاً من الذراع السادس عشر، وبقى من الوفاء إصبعان. فتوقف يومي الاثنين والثلاثاء عن الزيادة، ونقص أربع أصابع، فاشتد جزع الناس، وتوقعوا حلول البلاء، فسار شيخ الإسلام قاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن بن البلقيني من داره ماشياً قبيل الظهر إلى الجامع الأزهر في جمع موفور، ولم يزل يدعو ويتضرع، وقد غص الجامع بالناس، إلى بعد العصر. ثم خرج القضاة وشيوخ الخوانك إلى الجامع، ففعلوا ذلك إلى آخر النهار، فتراجع النيل من الغد إصبعين، واستمر إلى يوم الخميس حادي عاشره- ويوم النوروز أول توت- فركب الأمير يشبك بعد العصر حتى فتح الخليج، وقد بقي من الوفاء أربع أصابع. وانتهي سعر الأردب القمح إلى مائة وثلاثين درهماً.
وفي يوم السبت ثالث عشره: توجه شيخ الإسلام جلال الدين إلى رباط الآثار النبوية، وحمل الآثار النبوية على رأسه، واستسقى، وأكثر من التضرع والدعاء ملياً، وانصرف، فتراجع ماء النيل، ونودي في يوم الثلاثاء بوفاء ستة عشر ذراعاً وإصبعين من سبعة عشر، وارتفع أيضاً سعر الذهب، فبلغ المثقال الهرجة إلى أربعة وستين درهماً، والدينار الأفرنتي إلى خمسين وزيادة.
وفيه قدم الخبر بنزول الفرنج إلى صيدا وبيروت، وأن الأمير شيخ المحمودي نائب الشام سار إليهم وقاتلهم، وقتل منهم عدة، وهزم باقيهم، وبعث إلى القاهرة سبع رءوس منهم.
وفي سادس عشرينه: قدم الخبر بتكاثر مراكب الفرنج على الإسكندرية، فندب برهان الدين إبراهيم المحلي كبير التجار بمصر للمسير إلى الإسكندرية، وتبعه عدة من الأمراء، فأقاموا أياماً ثم عادوا، ولم يلقوا كيداً.
شهر ربيع الأول، أوله الأربعاء.
فيه نقص ماء النيل، فشرق الصعيد بكماله ورويت الشرقية، وكثير من بلاد الغربية، وارتفع السعر، فوصل القمح إلى مائة وثمانين درهماً الأردب، والشعير إلى مائة درهم الأردب، والمثقال الذهب إلى سبعين، والدينار الأفرتني إلى ستين.
وفي يوم السبت رابعه: أعيد قاضي القضاة جلال الدين البلقيني إلى قضاء القضاة، وصرف الأخناي.
وفي سادسه: أعيد البخانسي إلى حسبة القاهرة، وعزل ابن شعبان، وأعيد جمال الدين يوسف البساطي إلى قضاء القضاة المالكية بديار مصر، وصرف قاضي القضاة ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون. وقدم الخبر بقدوم السلطان أحمد بن أويس متملك بغداد إلى حلب، فاراً من الطاغية تيمورلنك، وأنه يعتذر عما كان منه، ومتى لم يقبل عذره مضى إلى بلاد الروم.
وفي عشرينه: بلغ الأردب القمح إلى مائتين وخمسين درهماً، والفول والشعير إلى مائتين وثلاثين، وعز وجود الشعير، بحيث فرق عليق خيول المماليك السلطانية فولاً، وبلغ الحمل التبن إلى خمسين درهماً.
وفي سابع عشرينه: خلع على رسل تيمورلنك خلعة السفر، وخلع على الأمير قاني باي التمربغاوي- أحد أمراء الطبلخاناه- وتوجه لإحضار الأمير دقماق نائب حلب.
وفي تاسع عشره: اختفى الوزير تاج الدين بن البقري عجزاً عن تكفية اللحم والنفقات السلطانية.
وفي يوم الثلاثاء عشرينه: خلع على القاضي سعد الدين إبراهيم بن غراب ناظر الخاص، واستقر في وظيفتي الأستادارية ونظر الجيش. وصرف الأمير ركن الدين عمر ابن قايماز عن الأستادارية، وخلع على الأمير تاج الدين رزق الله كاشف البحيرة وأعيد إلى الوزارة وهي ثالث وزارته. واستقر محيى الدين محمود بن نجم الدين أحمد بن عماد الدين إسماعيل بن الشيخ شرف الدين محمد بن الشيخ عز الدين أبي العز، المعروف بابن الكشك، في قضاء القضاة الحنفية بدمشق، عوضاً عن زين الدين عبد الرحمن بن الكفري، وسافر من القاهرة، فلم يبلغ دمشق حتى استقر عوضه جمال الدين يوسف ابن القطب. واستقر شمس الدين محمد البيري- أخو جمال الدين يوسف الأستادار- في قضاء القضاة الشافعية بحلب.
وفي هذا الشهر: ألزم قاضي القضاة جلال الدين أن يكتبوا أجاير الدور والأراضي، وصدقات النساء وغير ذلك بالفلوس، ولا يكتبوا من الدراهم النقرة، فاستمر ذلك.
شهر ربيع الآخر، أوله الخميس:
في خامسه: كتب باستقرار الأمير أقبغا الهذباني في نيابة حلب، وجهز إليه تشريف، عوضاً عن الأمير دقماق، وطلب دقماق إلى مصر، فلما وصل إليه القاصد بطلبه هرب من حلب.
وفي يوم السبت آخره: قدم قرا يوسف بن قرا محمد إلى دمشق، فأنزله الأمير شيخ بدار السعادة، وكان من خبره أنه حارب أحمد بن أويس، وأخذ منه بغداد، فبعث إليه تمرلنك عسكراً فكسرهم، فسير إليه جيشاً كبيراً فكسروه، وفر بأهله وخاصته إلى الرحبة، فلم يمكن منها، ونهبه العرب، فمر على وجهه إلى دمشق.
وفيه أيضاً هرب الأمير قانباي من سجن الصبيبة، وكان مسجوناً هو والأمير نوروز الحافظي، فتأخر نوروز بالسجن، وفر قانباي، فلم يعرف له خبر.
شهر جمادى الأولى، أوله السبت: فيه استقر كريم الدين محمد بن نعمان الهوى في حسبة القاهرة، وصرف البخانسي، فمات يوم الثلاثاء رابعه.
وفي يوم الثلاثاء خامسه: خلع علي بدر الدين حسن بن نصر الله بن حسن الفوى، واستقر في نظر الخاص، عوضاً عن ابن البقري.
وفي أوله: قدم إلى دمشق الأمير علاء الدين أقبغا الأطروش من القدس وقد ولي نيابة حلب، فأقام بها إلى رابعه، وتوجه إلى حلب.
وفي سادسه: قدم السلطان أحمد بن أويس متملك بغداد إلى دمشق، فاراً من تمرلنك، فتلقاه الأمير شيخ وأنزله.
وفي تاسع عشره: نودي في دمشق بإبطال مكس الفاكهة والخضراوات، بأمر الأمير شيخ. وكتب في ذلك إلى السلطان، فرسم به، واستمر ولله الحمد.
شهر جمادى الآخرة، أوله السبت: في سابعه: صرف الهوى عن الحسبة بالشاذلي.
وفي عاشره: اختفي الوزير تاج الدين، عجزا عن تكفية اللحم وغيره، من مصارف الدولة.
وفي يوم الاثنين ثالث عشرينه: أعيد ابن البقري إلى الوزارة ونظر الخاص وصرف ابن نصر الله عن نظر الخاص.
وفي هذا الشهر: حدث في الناس بالقاهرة ومصر وضواحيهما سعال، بحيث لم ينج أحد منه. وتبع السعال حمى، فكان الإنسان يوعك نحو أسبوع ثم يبرأ، ولم يمت منه أحد. وكان هذا بعقب هبوب ريح غريبة، تكاد من كثرة رطوبتها تبل الثياب والأجسام.
وفيه اشتد البرد، وعظمت نكايته إلى الغاية، فشنع الموت في المساكين من شدة البرد وغلاء الأقوات وتعذر وجودها، فإن القمح بلغ إلى مائتين وستين درهماً الأردب، والقدح من الأرز خمسة دراهم، والرطل السمن إلى ستة دراهم، فكان يموت في كل يوم بالجوع والبرد عدد كثير. وقام بمواراتهم الأمير سودن المارديني، والقاضي الأمير سعد الدين بن غراب الأستادار، وغيره سوى من يجهز من وقف الطرحاء، فكان المارديني يواري منهم في كل يوم ما يزيد على مائة، وابن غراب يواري في كل يوم مائتين وما فوقها، والأمير سودن الحمزاوي، والأمير ناصر الدين محمد بن سنقر الأستادار، ووقف الطرحاء يوارون عدة كبيرة في كل يوم مدة أيام عديدة. ثم تجرد ابن غراب لذلك تجرداً مشكوراً، فبلغت عدة من واراه منهم إلى آخر شوال، اثني عشر ألف وسبعمائة، سوى من ذكرنا.
وفي سابع عشره: أعيد علاء الدين علي بن أبي البقاء إلى قضاء دمشق، عوضاً عن ابن خطيب نقيرين. وفيه قبض على السلطان أحمد بن أويس، والأمير قرايوسف، وسجنا بدمشق، في سابع عشره، مقيدين.
شهر رجب، أوله الاثنين: في ثامن عشره: قدم الأمير أقبغا الجمالي الأطروش نائب حلب، وقد مات.
وفي ثالث عشرينه: خلع على رسل تيمورلنك خلعة ثانية، وعين للسفر معهم الأمير منكلي بغا أحد الحجاب.
وفي هذا الشهر: بلغ الأردب القمح إلى ثلاثمائة وعشرين، وفيه علت كثير، وبيع كل قدح منه بثلاثة دراهم وثلث، وأبيع الخبز كل ثماني أواق بدرهم، وكل قدح من الشعير بدرهمين، وكل أردب من الفول بمائة وثمانين، فاشتد الحال بديار مصر، وبلغت غرارة القمح بدمشق- وهي ثلاثة أرادب مصرية- إلى سبعمائة درهم وخمسين درهماً فضة، عنها من نقد مصر الآن ألف وخمسمائة درهم.
وفيه عمل الأمير شيخ نائب الشام محمل الحاج وأداره بدمشق، في ثاني عشرينه، حول المدينة وكان قد انقطع ذلك من سنة ثلاث وثمانمائة، مبلغ مصروف ثوب المحمل- وهو حرير أصفر مذهب- نحو خمسة وثلاثين ألف درهم فضة. ونودي بخروج الحاج على طريق المدينة النبوية وعين لإمرة الحاج فارس دوادار الأمير تنم.
شهر شعبان، أوله الأربعاء:
في ثالثه: ورد الخبر بأن الأمير دقماق نزل على حلب بجماعة التركمان، فيهم الأمير على باي بن دلغادر، ففر منه أمراؤها إلى حماة، فملك حلب، فتوجه الأمير سودن المحمدي بتقليد الأمير دمرداش المحمدي نائب طرابلس بنيابة حلب، عوضاً عن أقبغا الجمالي الأطروش، وتوجه الأمير أقبردي بتقليد الأمير شيخ السليماني نائب صفد بنيابة طرابلس، عوضاً عن دمرداش واستقر في نيابة صفد بكتمر جلق- أحد أمراء دمشق- وتوجه أينال المأموري بقتل الأمراء المحبوسين.
وفي يوم الخميس سادس عشره: صرف قاضي القضاة جلال الدين البلقيني عن وظيفة القضاء بالأخناي.
وفي ثالث عشرينه: صرف الشاذلي عن الحسبة، بابن شعبان. وفيه بلغ الحمل التبن إلى ثمانين درهماً، والأردب الشعير والفول إلى مائتين وخمسين درهماً، والأردب القمح إلى أربعمائة درهم، والرطل من لحم الضان إلى درهمين ونصف. وفيه ورد الخبر بأن طرابلس الشام زلزلت بلادها زلزلة عظيمة، هدمت مباني عديدة، منها جانب من قلعة المرقب. وعمت اللاذقية وجبلة وقلعة بلاطنس وثغر بكاس، وعدة بلاد بالجبل والساحل، فهلك تحت الروم جماعة.
شهر رمضان أوله الخميس: وفيه بلغ المثقال الذهب إلى تسعين درهماً، والدينار الأفرنتي إلى سبعين، والدرهم الكاملي ثلاثة دراهم من الفلوس، وكل درهم من الفضة الحجر بأربعة دراهم. وفيه فتح جامع الأمير سودن من زاده، بخط سويقة العزى، خارج باب زويلة. وخطب من العد فيه قاضي القضاة أمين الدين عبد الوهاب، ابن قاضي القضاة شمس الدين محمد الطرابلسي الحنفي. ودرس فيه بدر الدين حسن القدسي الحنفي.
وفيه أفرج الأمير دمرداش عن الأمير سودن طاز، والأمير جكم، وكانا قد سجنا ببعض حصون طرابلس، وسار بهما إلى حلب.
وفي تاسعه: قدم رسول تمرلنك، ومعه الطواشي مقبل الأشقتمري ممن أسره تمر من الخدام السلطانية إلى دمشق، وقدموا إلى قلعة الجبل في تاسع عشرينه.
وفي هذا الشهر: تحارب الأمير نعير بن حيار والتركمان، فقتل ابن سالم الدكرى، وانهزم التركمان.
شهر شوال، أوله السبت: في رابعه: صرف ابن شعبان عن الحسبة بالهوى وبلغ المثقال الذهب نحو المائة درهم، والأفرنتي خمسة وسبعين، والقنطار السكر ستة آلاف درهم، والمروج الواحد إلى سبعين درهماً، والرطل من البطيخ الصيفي إلى ثلاثة دراهم، والحمل التبر بمائة وأكثر، منها.
وورد الخبر بأن الأمير نعير بن حيار بن مهنا حارب التركمان الدكرية، قريباً من حلب، وهزمهم أقبح هزيمة.
وفي رابع عشره: استقر تاج الدين محمد بن شقير- خطيب جامع الجيزة- في حسبة مصر، عوضاً عن نور الدين البكري.
وفي سابع عشره: قبض على الوزير تاج الدين بن البقري، وسلم للأمير سعد الدين ابن غراب. وخلع في يوم الخميس خلعة الوزارة على بدر الدين حسن بن نصر الله، مضافة إلى نظر الخاص.
شهر ذي القعدة، أوله الاثنين.
فيه أعيد ابن شعبان إلى الحسبة، وعزل الهوى، ثم أعيد الهوى وصرف ابن شعبان في يوم الخميس رابعه. واستقر شمس الدين محمد بن عبد الله بن أبي بكر القليوبي- أحد طلبة الشافعية- في مشيخة خانكاة سرياقوس عوضاً عن الفقيه أنبياء التركماني. وفيه ارتفعت أسعار عامة المبيعات. فبلغ الرطل الجبن المقلي إلى اثني عشر درهماً، والرطل اللحم البقري إلى ثلاثة دراهم، والرطل اللحم الضاني إلى خمسة دراهم. وقلت الأغنام ونحوها، فأبيع عشر دجاجات سمان بألف وخمسين درهماً. وبيعت عشر دجاجات في سوق الدجاج بحراج حراج بخمسمائة درهم. وأنا أستدعيت بفروجين لأشتريهما، وقد مرضت، فأخبرت أن شراءهما أربعة وسبعون درهماً، ويريد ربحاً على ذلك.
وتوالى في شوال وذي القعدة هبوب الرياح المريسية، فكانت عاصفة ذات سموم وحر شديد، مع غيم مطبق، ورعود ومطر قليل، غرق منها عدة سفن ببحر الملح، وفي نيل مصر، هلك فيها خلائق. واشتدت الأمراض بديار مصر، وفشت في الناس حتى عمت، وتتابع الموتان. ثم عقب هذا الريح الحارة هواء شمالي رطب، تارة مع غيم، ومرة بصحو، حتى صار الربيع خريفاً بارداً، فكانت الأمراض في الأيام الباردة تقف ويقل عدد الموتى، فإذا هبت السمائم الحارة كثر عدد الموتى. وكانت الأمراض حادة، فطلبت الأدوية حتى تجاوز ثمنها المقدار، فبيع القدح من لب القرع بمائة درهم، والويبة من بذر الرجلة بسبعين درهماً بعد درهمين. والرطل من الشير خشك بمائة وثلاثين. والأوقية من السكر النبات بثمانية دراهم، ومن السكر البياض بأربعة دراهم، ثم بلغ الرطل إلى ثمانين درهماً. والرطل البطيخ بثمانية دراهم، والرطل الكمثري الشامي بخمسة وخمسين درهماً، والعقيد بستين درهماً الرطل، وعضد الخروف الضأن المسموط بأربعة دراهم، والزهرة الواحدة من اللينوفر بدرهم، والخيارة الواحدة بدرهم ونصف. وزكت الغلال بخلاف المعهود، فأخرج الفدان الواحد من أرض انحسر عنها ماء بركة الفيوم- المعروفة ببحر يوسف الصديق- أحداً وسبعين أردباً شعيراً بكيل الفيوم، وهو أردب ونصف، فبلغ بالمصري مائة وستة أرادب كل فدان. وهذا من أعجب ما وقع في زمننا. وأخرج الفدان مما روي- سوى هذه الأرض- ثلاثين أردباً شعيراً، ودون ذلك من القمح. وأقل ما أبيع القمح الجديد بمائتي درهم وخمسين درهماً الأردب.
وهلك أهل الصعيد لعدم زراعة أراضيهم. وكثرت أموال من رويت أرضه من أهل الشرقية والغربية. وعز البصل حتى أبيع الرطل بدرهم ونصف، وبلغ الفدان منه إلى عشرين ألفاً. وأحصي من مات بمدينة قوص فبلغوا سبعة عشر ألف إنسان، ومن مات بمدينة سيوط فبلغوا أحد عشر ألفاً، ومن مات بمدينة هو فبلغوا خمسة عشر ألفاً، وذلك سوى الطرحاء، ومن لا يعرف.
شهر ذي الحجة، أوله الاثنين: في سابعه: أعيد قاضي القضاة جلال الدين البلقيني إلى منصب القضاء، وصرف الأخناي.
وفي يوم الخميس سابع عشره: قبض على الأمير ببيرس الدوادار الصغير، وعلى الأمير جانم، والأمير سودن المحمدي، وحملوا إلى الإسكندرية، فسجنوا بها. واستقر الأمير قرقماس- أحد أمراء الطبلخاناة- دواداراً صغيراً، عوضاً عن بيبرس.
وسار أمير الحج في هذه السنة طول. وحج من الأمراء شرباش رأس نوبة، وتمان تمر الناصري رأس نوبة، وبيسق الشيخوني أمير أخور ثاني. ونودي على النيل في يوم السبت ثاني عشره- وسابع عشرين بؤونة- ثلاث أصابع، وجاء القاع ذراع واحد وعشر أصابع. وكان النيل قد احترق احتراقاً غير ما نعهد، حتى صار الناس يخوضون من بر القاهرة إلى بر الجيزة، وقلت جوية الماء.
وهذه السنة: هي أول سني الحوادث والمحن التي خرجت فيها ديار مصر، وفني معظم أهلها، واتضعت بها الأحوال، واختلت الأمور خللاً أذن بدمار إقليم مصر.

.ومات في هذه السنة ممن له ذكر:

علي بن خليل بن علي بن أحمد بن عبد الله بن محمد الحكري الحنبلي. مات في يوم السبت ثامن المحرم. وكان قد ولي قضاء القضاة الحنابلة بديار مصر نحو ستة ثم عزل، وكان من فضلاء الحنابلة.
ومات محمد بن محمد بن عبد الرحمن ناصر الدين الصالحي الشافعي، توفي يوم الأربعاء ثاني عشر المحرم، وهو متولي قضاء القضاة بديار مصر، وكان غير مشكور السيرة، قليل العلم، يشدو شيئاً من الأدب، ويكتب خطاً حسناً.
ومات محمد بن مبارك بن شمس الدين، شيخ رباط الآثار النبوية توفي يوم الاثنين سابع عشر المحرم، عن ثمانين سنة.
ومات محمد بن شمس الدين البخانسي الصعيدي. توفي يوم الثلاثاء رابع جمادى الأولى، وقد ولي حسبة القاهرة عدة مرار، وكان عسوفاً.
ومات عبد الرحيم بن الحسين بن أبي بكر، زين الدين العراقي، الشافعي شيخ الحديث، توفي يوم الأربعاء ثامن شعبان، ومولده في سنة خمس وعشرين وسبعمائة، وولي قضاء المدينة النبوية، وانتهت إليه رياسة علم الحديث.
ومات علي بن محمد بن عبد الوارث نور الدين البكري الشافعي. توفي في ذي القعدة، وولي حسبة القاهرة والفسطاط غير مرة. وكان يعد من فضلاء الفقهاء.
ومات الأمير أزبك الرمضاني، أحد أمراء الطبلخاناة، توفي ليلة الثلاثاء رابع عشر ربيع الأول. ومات الأمير قطلوبك، أستادار أيتمش. توفي يوم الأربعاء سابع ربيع الآخر، وولي أستادارية السلطان، وكان من الأغنياء.
ومات أقبغا الفقيه، توفي ليلة الثلاثاء ثاني عشر جمادى الأولى. وكان أحد دوادارية السلطان، وله به اختصاص زائد، وسيرته ذميمة.
ومات إبراهيم بن عمر بن علي برهان الدين المحلي توفي يوم الأربعاء ثاني عشرين ربيع الأول. وبلغ من الحظ في المتجر وسعة المال الغاية، وجدد عمارة جامع عمرو بن العاص بمصر، وانتهب ماله نهباً.
ومات الأمير شهاب الدين أحمد بن الشيخ علي نائب صفد. توفي بدمشق- وهو أحد أمرائها الألوف- في ذي القعدة، وقدم مصر غير مرة.
ومات الأمير سودن طاز. مات مقتولاً في شهر ذي الحجة.
ومات الشيخ محمد بن علي بن عبد الله، المعروف بالحرفي، المغربي، في يوم الخميس سادس شوال. وكان من خواص الملك الظاهر، يمت إليه بمعرفة علم الحرف.