فصل: ومات في هذه السنة من الأعيان ممن له ذكر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك (نسخة منقحة)



.سنة خمس وسبعين وسبعمائة:

في أول المحرم: خلع على الأمير علاء الدين علي بن كَلَفت، واستقر حاجباً.
وكانت عادة الأمير ألجاي أنه يسكن الغور من القلعة، ويدخل إلى الأشرفية في كل يوم اثنين ويوم الخميس، وإليه أمور الدولة كلها، فلما ماتت زوجته خوند بركة أم السلطان انحطت منزلته، وتنكر ما بينه وبين السلطان، بسبب تركتها، وبلغه عن السلطان ما يكره، فامتنع في ليلة الثلاثاء سادسه من الطلوع للمبيت بالقلعة على عادته، واعتذر للسلطان عن ذلك، وأخذ في الاستعداد للحرب، وفرق السلاح في مماليكه، فألبس السلطان أيضاً مماليكه، وأمر بدق الكوسات حربياً، فدقت بعد العشاء من ليلة الأربعاء فركب الأمراء بالسلاح إلى القلعة، وباتوا مع السلطان على حذر، حتى طلع نهار يوم الأربعاء، برز الأمير ألجاي من إصطبله في جمع موفور من مماليكه وأتباعه، شاكين في السلاح، حتى وقفوا تحت القلعة، وبعث ليمنع الأمراء أن يخرجوا من بيوتهم، فنزلت إليه المماليك السلطانية من باب السلسلة، وقد لقيتهم أطلاب الأمراء، واقتتلوا مع ألجاي قتالاً شديداً، كانت فيه إحدى عشرة وقعة، قتل فيها من الفريقين، وجرح كثير منهم، فانهزم ألجاي يريد جهة الصليبة، فلقيه طلب الأمير طَشْتَمُر الدوادار، ومال معه عدة أطلاب على ألجاي، فمر على وجهه نحو باب القرافة، والطلب في أثره، حتى أتى بركة الحبش، ومر على الجبل المقطم، حتى خرج من جانب الجبل الأحمر خارج القاهرة، ونزل قريباً من قبة النصر، وقد ضرب له مخيماه، واجتمع عليه عدة من أصحابه، وبات ليلة الخميس، فبعث السلطان يرغبه في الطاعة، فذكر أنه مملوك السلطان، ولم يخرج عن طاعته، وإنما يريد بعض الأمراء الخاصكية، أن يسلمهم إليه أو يبرزوا لمحاربته، فمن انتصر كان هو المشار إليه، وإلا فإنه لا يموت إلا على ظهر فرسه، فبعث إليه ثانياً، يخوفه عاقبة البغي، ويعرض عليه أن يتخير من البلاد الشامية ما شاء، فلم يوافق، وترددت الرسل بينهما مراراً، وبعث إليه بتشريف نيابة حماة، فقال: لا أتوجه لذلك إلا ومعي جميع مماليكي، وقماشي، وكل ما أملكه. فلم يرض السلطان بذلك، واستدعى بالأمير عز الدين أَيْنَبَك- وكان في جملة ألجاي- فأتاه طايعاً، والتزم أن يستميل من مع ألجاي من اليلبغاوية، وهم مائة مملوك، فوعده السلطان بإمرة طبلخاناه، وانصرف إلى تربة أستاذه الأمير يلبغا واختفى بها بقية نهاره، فلما أقبل الليل، بعث غلامه إلى اليلبغاوية، فما زال بهم حتى أتوه زمراً زمراً إلى التربة، فصعد بهم جميعاً إلى السلطان، فرتبهم في خدمة ولده أمير علي، وتبعهم أكثر من كان مع ألجاي من الأمراء والمماليك، بحيث لم يطلع الفجر إلا ومعه دون الخمسمائة فارس. فتوج إلى قتاله الأمير أرغون شاه، في عدة وافرة، وخلائق من العامة. ومضى أيضاً الأمير منكلى بغا البلدي من طريق أخرى في جمع موفور وكثير من العامة. وسار الأمير ناصر الدين محمد بن شرف الدين، ومعه طائفة من المقاتلة، وطوائف من أهل الحسينية، وغيرهم من طريق ثالثة، فعندما رأى أُلجاى أوائل القوم، تأخر عن موضعه قليلاً قليلاً، حتى صار الأمير أرغون في مكانه من قبة النصر، وانضم إليه الأمراء، ومن معهم، وبعث طائفة منهم فلقيت ألجاي وقاتلته، فانكسر منهم، وأخذ في الفرار، فركب القوم قفاه، وقد تأخر عنه من بقي معه، حتى وصل إلى الخرقانية من القليوبية في ثلاثة فرسان، وابن شرف الدين في طلبه، فوقف على شاطئ النيل ظاهر قليوب، واقتحمه بفرسه فغرقا في النيل، واستدعى ابن شرف الدين بالغطاسين فأخرجوه ووضعوه على بر ناحية شبرا، وحملوه في تابوت إلى القاهرة، في بكرة يوم الجمعة يوم تاسوعاء، فدفن بمدرسته من سويقة العزى قريباً من القلعة، وكان الأمير أرغون قد عاد لما انهزم ألجاي وغرق، وعرف السلطان، فصعد إلى القلعة، وبقيت العساكر واقفة تحت القلعة يوم الخميس.
وقبض السلطان على الأمير طقتمر الحسني، والأمير صراي العلاى، وسلطان شاه بن قرا الحاجب، ونفاهم. وقبض على الأمير علاء الدين علي بن كلفت، وألزمه بحمل مال، وقبض على الأمير بيبغا القوصوني، والأمير خليل بن أقماري، ثم أفرج عنهما بشفاعة الأمير طشتمر الدوادار.
وفيه نودي من وجد مملوكاً من الألجيهية، وأحضره فله خلعة، وحذر من أخفاهم، فظهر السلطان منهم بعدة.
فلما دفن ألجاي، نزع الأمراء سلاحهم، وهنأوا السلطان بسلامته، وظفره بعدوه، ونودي بالأمان، وكتب إلى الأقطار بخير هذه الواقعة.
وفيه خرج على البريد الأمير بوري الأحمدي الخازن دار، لإحضار الأمير أيدمر الدوادار.
وفي يوم السبت عاشره: خلع على الأمير يعقوب شاه، واستقر نائب طرابلس، عوضاً عن الأمير أيدمر.
وفي يوم الإثنين ثالث عشره: استقر الأمير أرغون شاه، أميراً كبيراً، ورسم له أن يجلس بالإيوان في وقت الخدمة، واستقر الأمير صرغتمش الأشرفي، أمير سلاح، ورسم له أيضاً أن يجلس وقت الخدمة، واستقر الأمير أرغون الأحمدي اللالا أميراً كبيراً أيضاً، ورسم له أن يجلس وقت الخدمة بجانب الأمير أيدمر الشمسي، واستقر الأمير قطلوبغا الشعباني رأس نوبة ثانياً، وأنعم عليه بإمرة مائة بتقدمة ألف، واستقر الطواشي مختار الحسامي، مقدم الرفرف في تقدمة المماليك، عوضاً عن سابق الدين مثقال الأنوكي، وأمر سابق الدين أن يلزم بيته، واستقر الأمير أيدمر من صديق رأس نوبة رابعاً، وخلع على الجميع، واستدعى بأولاد ألجاي وأسكنا بالقلعة، ورتب لهم كفايتهم، ووقعت الحوطة على جميع مخلف ألجاي، فكان شيئاً كثيراً، ورتبت مماليكه في خدمة ولدي السلطان، وقبض على محمد شاه دوادار ألجاي، وعلى أقبغا البجمقدار خازن داره، وعلى مباشري ديوانه وألزامه، وألزموا بمال كبير، فحملوا بعض ما ألزموا به، وخلى عنهم.
وفيه استقر كَجَك من أرْطَق شاه في نيابة الإسكندرية، عوضاً عن ابن عرام، واستقر كمال الدين الربغي في قضاء الإسكندرية، عوضاً عن الكمال بن التنسي، واستقر الأمير فخر الدين عثمان الشرفي أستادار ابن صبح في ولاية القاهرة، عوضاً عن الأمير بَكتَمُر السيفي، وقبض على بَكتَمُر، وصودر، واستقر الأمير شرف الدين موسى بن الديناري في ولاية الجيزة، عوضاً عن عثمان الشرفي، وخلع عليهم.
وفيه أنعم على كل من الأمير أقتمر الصاحبي الحنبلي والأمير تمر باي الحسني، والأمير أحمد بن يلبغا، وإينال اليوسفي، وبلوط الصَرغَتْمُشي، وأحمد بن الأمير بُهادر الجمالي، وألجنبغا المحمدي، وحاجي بك بن شادي، والطواشي مختار الحسامي بإمرة طبلخاناة، وعلى كل من طشتمر الصالحي، وألطبغا عبد الملك بإمرة عشرة.
وفي ثاني عشرينه: استقر الأمير قطلوبغا المنصوري في نيابة صفد، عوضاً عن علمدار المحمدي، واستقر الأمير تلكتمر من بركة، حاجباً ثانياً، عوضاً عن المنصوري.
وفي رابع صفر: قدم الأمير أيدمر الدوادار من طرابلس، فخلع عليه، واستقر أتابك العساكر، عوضاً عن ألجاي اليوسفي، واستقر تمراز الطازي في نيابة حمص، عوضاً عن آقبغا عبد الله، وأنعم على كل من آقبغا المذكور- وقد قدم من حمص- ويلبغا الناصري اليلبغاوي، بإمرة طبلخاناة.
وفي سابع عشره: استقر الأمير أسنبغا البهادري نقيب. الجيش، واستقر عوضه في شد العماير قطلوبغا الكوكاي.
وفي يوم الخميس حادي عشرينه: خلع على الأمير أقتمر عبد الغني، حاجب الحجاب، واستقر نايب السلطان.
وفي هذا الشهر: اجتمع قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن جماعة، والشيخ سراج الدين عمر البلقيني، بالسلطان، وعرفاه ما في ضمان المغاني من المفاسد، والقبايح، وما في مكس القراريط من المظالم- وهو ما يؤخذ من الدور إذا بيعت- فسمح بإبطالهما، وكتب بذلك مرسومين إلى الوجه القبلي والوجه البحري، بعد ما قرءا على منابر القاهرة ومصر، فبطل والحمد للّه ضمان هاتين الجهتين، وكان يتحصل منهما مال عظيم جداً، وزال بزواله منكر شنيع.
وفي آخره: نفي الأمير صلاح الدين خليل بن عوام، والأمير علاء الدين على بن كَلَفت، ومحمد شاه- دوادار ألجاي- وأقبغا البجمدار، فساروا إلى الشام، ونفي الأمير بَكتمُر السيفي إلى طرسوس.
وفيه استقر الأمير شرف الدين موسى بن الأزكشي في ولاية قوص، وأضيف إليه الكشف أيضاً.
وفي هذه السنة: توقف ماء النيل عن الزيادة في أوانها حتى كان النوروز، ولم يبلغ ستة عشر ذراعاً، وتأخر منها ثمانية أصابع، فنودي في يوم النوروز- وهو يوم الإثنين تاسع شهر ربيع الأول- بزيادة إصبعين، ونودي من الغد يوم الثلاثاء بزيادة إصبعين، ونودي في يوم الأربعاء بزيادة إصبعين، وتأخر من ذراع الوفاء إصبعان، فلم يزد بعد ذلك شيئاً، ثم نقص في يوم الجمعة ثالث عشره، فقلق الناس لذلك، وتزايد قلقهم إلى يوم الثلاثاء سابع عشره، خرج القضاة والفقهاء وغيرهم إلى جامع عمرو بمصر، وضجوا بالدعاء إلى اللّه في إجراء النيل، ثم فتح الخليج من أخر النهار، وقد بقي من الوفاء خمسة أصابع، فهبط الماء من يومه ولم يعد.
وفي تاسع عشره: قدم الأمير حيار بن مهنا، فخلع عليه، واستقر في إمرة العرب على عادته، ولم يؤاخذ بما كان من قتله الأمير قشتمر، وعفي عنه.
وفي يوم الجمعة عشرينه: خرج القضاة والناس إلى رباط الآثار النبوية، خارج مدينة مصر، وغسلوها في النيل بالمقياس، وقرأوا هناك القرآن الكريم، وتضرعوا إلى الله تعالى في إجراء النيل، ورد ما نقص، ثم عادوا، فنزل حتى جفت الخلجان من الماء، فارتفع السعر، وبيع الإردب من القمح بستة وثلاثين درهماً سوى كلفه، وشرهت الأنفس، وتكالب الناس على طلب القوت، وغلب على الناس اليأس، فنودي يوم الأحد ثاني عشرينه في الناس بالتوبة والإقلاع عن المعاصي، وصيام ثلاثة أيام، فصام من صام الإثنين، والثلاثاء، والأربعاء.
وخرج الناس في بكرة يوم الخميس سادس عشرينه إلى قبة النصر- خارج القاهرة- وهم حفاة بثياب مهنتهم، ومعهم أطفالهم، وكتب ممن خرج يومئذ، وقد نصب هناك منبر، ونزل الأمير أقتمر عبد الغني النائب، في عدة من الأمراء، فخطب ابن القْسِطلاني خطيب جامع عمرو خطبة الاستسقاء، وصلى صلاة الاستسقاء، وكشف رأسه عند الدعاء، وحول رداءه، فكشف الناس جميعاً رؤوسهم، وضجوا بالدعاء إلى الله تعالى، وارتفعت أصواتهم بالاستغاثة وهملت أعينهم بالبكاء، فكان مشهداً عظيماً، فلم يسقوا، وعادوا خائبين، فعز وجود الغلال.
وفيه تجمعت العامة تحت القلعة، وسألوا عزل ابن عرب عن الحسبة، وكانوا قد توعدوه، فاختفى، ولم يركب في هذا اليوم، ولا خرج إلى الاستسقاء.
وفيه نفي كريم الدين عبد الكريم بن الرويهب، ناظر الدولة إلى طرابلس، واستقر في نظر الدولة عوضه تاج الدين النشو المالكي، واستقر الطواشي سابق الدين مثقال الأنوكي، في تقدمة المماليك على عادته، وأعيد مختار كما كان مقدم الرفوف، وخلع على الجميع.
وفي يوم الخميس عاشر شهر ربيع الآخر استقر الأمير شهاب الدين أحمد بن الأمير الحاج آل ملك في نيابة غزة، عوضاً عن طشبغا المظفري، وأنعم على كل من الأمير الطازي، والأمير سودُن جركس المنجكي، بإمرة مائة، وارتجع عن طينال المارديني تقدمته، وعوض إمرة طبلخاناه، وأنعم على الأمير جركتمر الخاصكي بطبلخاناه.
وفي يوم الجمعة حادي عشره: خلع على بهاء الدين محمد بن المفسر، واستقر في حسبة القاهرة، عوضاً عن علاى الدين علي بن عرب، باستعفائه منها.
وفي ليلة السبت ثاني عشره: أرعدت السماء وأبرقت، وسحت بأمطار غزيرة، عمت كثيراً من أراضي مصر، بحيث زرع بعضها لريها من هذه المطرة البرسيم، فسر الناس بذلك، وانحل سعر القمح خمسة دراهم الأردب، وكان قد بلغ أربعين درهماً. وفي آخره. خلع على بهاء الدين بن المفسر محتسب القاهرة، واستقر في وكالة بيت المال، ونظر كسوة الكعبة، عوضاً عن ابن عرب، مضافاً إلى الحسبة، وأخذ سعر الغلال يرتفع.
وفي خامس عشر جمادى الأولى- وهو سابع هاتور-: زاد النيل اثني عشر إصبعاً، وفي الغد، وبعد الغد ثمانية أصابع، ثم نقص، ولم يعهد مثل ذلك.
وفي يوم السبت خامس عشرينه: ركب الأمير منكلى بغا البلدي، إلى بيت الأمير أقتمر عبد الغني النائب، ليبلغه عن السلطان رسالة، فلما دخل عليه أمر بإمساكه، وأخرجه من باب سر داره، منفياً إلى الشام، فانفض من كان معه من المماليك، ولم يتحرك أحد منهم بحركة، ثم رسم له بنيابة مدينة الكرك، فتوجه إليها.
وبلغ سعر الأردب القمح إلى خمسين درهماً، والأردب من الشعير والفول إلى خمسة وعشرين درهماً، والحملة الدقيق- وهي ثلاثمائة رطل- إلى أربعة وثمانين درهماً.
وقدم الأمير بَيْدَمُر، ومعه تقادم جليلة، فأكرم وخلع عليه، في يوم الخميس أول جمادى الآخرة، واستقر في نيابة حلب، عوضاً عن الأمير أشقتمر، وركب السلطان- وهو معه- فعدى النيل إلى الجيزة، وهو بتشريف النيابة، ثم عاد وتوجه إلى حلب، واستقر الأمير أشقتمر في نيابة صفد، عوضاً عن قطلوبغا المنصوري، واستقر المنصوري في نيابة غزة، عوضاً عن الأمير أحمد بن آل ملك، واستقر ابن آل ملك في نظر القدس، والخليل.
وفي ثامنه: خلع على علاى الدين على بن عرب وأعيد إلى وكالة بيت المال ونظر الكسوة، عوضاً عن ابن المفسر.
وفي خامس عشره: خلع على الطواشي جوهر الصلاحي- مقدم القصر- واستقر نائب مقدم المماليك، عوضاً عن نحتار الدمنهوري، وخلع على نحتار المذكور، ويعرف بشاذروان، واستقر مقدم مماليك ولدي السلطان، وأنعم عليه بإمرة عشرة.
وفي يوم الخميس ثاني عشرينه: خلع على تاج الدين النشو المالكي، واستقر في الوزارة، عوضاً عن كريم الدين شاكر بن غنام، وخلع على ابن غنام، واستقر في نظر البيوت ونظر المارستان، ونظر دار الطراز، وأنعم على ناصر الدين محمد بن أقبغا آص بتقدمة ألف، عوضاً عن منكلى بغا البلدي، واستقر أستادار السلطان، وأنعم على الأمير ألطبغا العثماني طَطَق بتقدمة ألف، واستقر أمير سلاح، عوضاً عن طيدمر البالسي.
وفيه قدم شرف الدين حسين الفارقي وزير صاحب اليمن بكتابه وصحبته أمير آخوره ناصر الدين محمد، ومعهما هدية سنية.
وخلع على الأمير طُغَاى تَمُر دوادار الأمير يلبغا، واستقر دوادارا ثانياً بإمرة طبلخاناه، وخلع على الأمير قرطاي الكركي، واستقر في كشف الوجه البحري، عوضاً عن الأمير آل ملك الصرغتمشي.
وفيه شنقت المرأة الخناقة وزوجها جمعة الخناق، وكانا في تربة من ترب القاهرة، فيدوران بالقاهرة ومصر وظواهرهما، ويأخذان من أطفال الناس وأولادهم من قدروا عليه، ويخنقاه لأخذ ما عليه من ثياب الجميلة، ففقد الناس عدة أولاد، واشتد حزنهم عليهم، وكثر ذلك في الناس حتى ذعروا منه، ففضح الله جمعة هذا وامرأته، وقبض عليهما، وعوقبا، وأخذ ما وجد عندهما من على الأولاد وثيابهم، ثم شنقا، وكان يوماً مجموع له الناس بالقاهرة، خارج باب النصر منها.
وتقدم مرسوم السلطان بإقامة الأمير جَاوَرْجي القوصوني، والأمير أقبغا بن مصطفى، والأمير أسنبغا القوصوني، والأمير قرابغا الأحمدي، والأمير نصرات أخي بكتمر الساقي، في ثغر الإسكندرية، فساروا.
وفي يوم الخميس عشرين شهر رجب: خلع على الأمير قُطْلوبغا الكوكاي واستقر أستادارا، عوضاً عن الأمير نصرات، واستقر الأمير أسنبغا البهادري شاد العماير على عادته، واستقر الأمير آل ملك الصرغتمشي نقيب الجيش، وخلع على برهان الدين إبراهيم بن بهاء الدين بن الحِلىّ ناظر بيت المال، واستقر في نظر المارستان مضافاً لما بيده.
وفي سابع عشر شعبان: خلع على الأمير أرغون الأحمدي اللالا، واستقر نائب الإسكندرية، عوضاً عن الأمير كَجَك، واستقر كجك في نيابة غزة.
وفي يوم الخميس سابع عشرينه: خلع على بهاء الدين أبي البقاء، واستقر في قضاء دمشق، عوضاً عن كمال الدين عمر بن عثمان بن هبة الله المعري، واستقر المعري في قضاء حلب، عوضاً عن فخر الدين عثمان بن أحمد بن أحمد بن عثمان الزرعي. واستقر قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن جماعة في تدريس الشافعي، عوضاً عن أبي البقاء. وخلع عليه في يوم الأحد سلخه، وحضر الدرس به، فكان يوماً جليلاً جمعه.
واستقر شهاب الدين أحمد بن علاء الدين على بن محيى الدين يحيى بن فضل الله العمري في كتابة السر بدمشق، عوضاً عن شيخنا فتح الدين أبي بكر بن الشهيد، واستقر الأمير ككبغا البيبغاوي في نيابة قلعة جعبر.
وفيه قدم الأمير آسَنقُر.
وأهل شهر رمضان بيوم الإثنين.
وفيه استجد السلطان عنده بالقصر من قلعة الجبل قراءة كتاب صحيح البخاري في كل يوم من أيام شهر رمضان، بحضرة جماعة القضاة ومشايخ العلم، تبركاً بقراءته، لما نزل بالناس من الغلاء، فاستمر ذلك، وتناوب قراءته شهاب الدين أحمد بن العرياني، وزين الدين عبد الرحيم العراقي، لمعرفتهما علم الحديث، فكان كل واحد يقرأ يوماً.
وفي يوم الإثنين حادي عشرينه: خلع على الأمير أَشَقتمُر، واستقر في نيابة حلب، عوضاً عن الأمير بَيدَمُر الخوارزمي، واستقر بيدمر في نيابة الشام، عوضاً عن الأمير منجك، وركب الأمير يلبغا الناصري البريد لإحضار الأمير منجك ومملوكه جَرَكتمُر المنجكي، وصهره أروس المحمودي، وخلع على الأمير أقتمر عبد الغني النايب، واستقر في نيابة طرابلس، عوضاً عن الأمير يعقوب شاه، واستقر يعقوب شاه حاجب الحجاب بدمشق، وخلع على الأمير طيدمر البالسي، واستقر في نيابة الكرك، عوضاً عن الأمير منكلى بغا البلدي، واستقر البلدي في نيابة صفد، واستدعى الأمير أحمد بن الحاج آل ملك من القدس، فلما قدم أنعم عليه بإمرة طبلخاناه، وأنعم على الأمير جركتمر الأشرفي الخاصكي بتقدمة ألف، وعلى الأمير أقتمر الحنبلي بتقدمة ألف، واستقر رأس نوبة ثانياً، وارتجع عن الأمير آقبغا من مصطفى إقطاعه.
وفي خامس شوال: خلع على الصاحب كريم الدين شاكر بن غنام، وأعيد إلى نظر المارستان، عوضاً عن ابن الخلى.
وفي خامس شوال: استقر الأمير شهاب الدين أحمد بن آل ملك حاجباً ثالثاً.
وفي يوم الإثنين ثالث ذي الحجة: قدم الأمير مَنجَك بأولاده ومملوكه الأمير جَرَكتمر المنجكي وصهره الأمير آروس المحمودي، فنزل بسرياقوس، وخرج إليه جميع أرباب الدولة من الوزير وقضاة القضاة والأمراء، بحيث لم يتأخر عنه سوى السلطان وولديه فقط، ثم ساروا جميعاً بين يديه حتى طلع القلعة، فلم يعهد لأمير موكب مثل موكبه. فمشى الأمراء من باب السر بين يديه وهو راكب بمفرده، وفيهم الأمير أيدمر الدوادار- أتابك العساكر- والأمير أرغون شاه، والأمير صَرْغَتمش، فلما دخل على السلطان ابتهج بقدومه، وبالغ في إكرامه، وخلع عليه خلعة نيابة السلطنة، وفوض إليه نظر الأحباس والأوقاف، وحسن إليه التحدث في الخاص والوزارة، وأن يخرج من إقطاعات الحلقة ما عبرته ستمائة دينار فما دونها، ويعزل من أرباب الدولة وأصحاب المناصب من شاء، ويولي منهم شاء، وأن يقرر في سائر أعمال المملكة من أراد، ويخرج إمريات الطبلخاناه والعشرات من البلاد الشامية ممن أحب، وينعم بها على من يريد وقرىء تقليده بالنيابة في الإيوان المعروف بدار العدل من القلعة بحضرة السلطان، والأمراء وسائر أرباب الدولة. وفيه أن السلطان قد أقامه مقام نفسه في كل شيء بيده، وفوض له ما فوض إليه الخليفة من سائر أمور المملكة، ثم خرج فجلس بدركاه باب القلة من القلعة، وجلس الوزير بين يديه، وقعد موقعو الدست لإمضاء ما يرسم به، ورفعت إليه القصص من ديوان الجيش وغيره، فنظر في الأمر نظر مستبد بها.
وفي سادسه: خلع على بَكتمُر العلمي حاجب الإسكندرية، واستقر نقيب الجيش، وأنعم على بيبغا السابقي الخاصكي بإمرة طبلخاناه، وعلى الأمير بيبغا القوصوني بإمرة طبلخاناه.
وفي هذا الشهر: فشت الأوبئة بثغر الإسكندرية وغيرها من بلاد الوجه البحري. ومات الأمير أرغون اللالا نايب الإسكندرية، فاستقر عوضه الأمير قطلوبغا الشعباني، واستقر محمد بن قرابغا- أحد العشرات- في ولاية أطفيح على إمرته.
وفي رابع عشرينه: خلع على الأمير يلبغا الناصري، واستقر حاجباً ثانياً أمير مائة مقدم ألف، وأنعم على الأمير بلاط السيفي بإمرة طبلخاناه، وعلى كل من مغلطاي الجمالي، وكبك الصرغتمشي بإمرة عشرة.
ومات صدر الدين محمد بن السكر قاضي الحنفية، بثغر الإسكندرية، فلم يستقر أحد عوضه.
وفيه تزايد سعر الغلة، فبيع الخبز أربعة أرطال بدرهم، بعد ما كان خمسة أرطال.
وفي ثالث عشر ذي الحجة: قبض على رجل مغربي كان يقف في الليل تحت القلعة، ويصيح اقتلوا سلطانكم ترخص أسعاركم ويجري نيلكم. فضربه والي القاهرة بالمقارع وتركه لحاله.
وفي رابع عشره: أنعم على الطواشي مختار شاذروان الدمنهوري بإمرة، واستقر نقيب المماليك، عوضاً عن محمد بن قرطاي الموصلي باستعفائه منها وقدم الأمير خليل ابن قوصون باستدعاء.
وقد الخبر بأن دجلة فاضت حتى علا ماؤها على سور بغداد، وأغرقها، فتهدم بها نحو الستين ألف دار، وعبرت المراكب من دجلة إلى الأزقة والأسواق، وأن الريح هبت بسنجار، فأحرقت أوراق الأشجار، وهلك بها كثير من الناس، وأمطرت ثعابين. بمدينة شيزر، وأن مدينة حلب أصابها سيل عظيم، خرب به نحو الأربعماية دار.
وفيه استقر جلال الدين جار الله في تدريس الحنفية بالمدرسة الصرغتمشية، بعد وفاة أرشد الدين محمود.
وفيها خلع على صاحب فاس وبلاد المغرب السعيد محمد بن عبد العزيز أبي الحسن، في ذي الحجة، وملك بعده السلطان أبو العباس أحمد بن أبي سالم إبراهيم ابن أبي الحسن.

.ومات في هذه السنة من الأعيان ممن له ذكر:

قاضي حلب، وقاضي المدينة النبوية، وأحد خلفاء الحكم بالقاهرة. بدر الدين إبراهيم ابن صدر الدين أبي البركات أحمد بن مجد الدين عيسى بن عمر بن خالد بن عبد المحسن ابن الخشاب المخزومي الشافعي، وهو عائد من المدينة النبوية قريباً من عينونة، ودفن بجزيرة سقر في صفر.
ومات الأمير أرغون اللالا الأحمدي نائب الإسكندرية، في خامس عشر ذي القعدة.
ومات الأمير أسندمر الجوباني، وكان خيراً يقبله القضاة.
ومات آقبغا بن مصطفى أحد الطلبخاناه، وهو مجرد بالإسكندرية، في ثالث عشر ذي القعدة.
ومات الأمير آل ملك الصرغتمشي الكاشف بالوجه البحري، ونقيب الجيش، في تاسع شوال.
ومات الأمير تَلَكتمُر الجمالي أحد الطبلخاناه بمنزلة قاقون من طريق الشام، في ذي الحجة ومات الأمير تمرقيا العمري أحد الطبلخاناه.
ومات الحاج صبيح الخازن، النوبي الجنس، في حادي عشر المحرم، وقد انتشر ذكره وعظم قدره، بحيث كان له من الحرمة ما لأعيان الأمراء، وترك دنيا عريضة ونعماً جليلة، وكان خازن الشراب خاناه السلطانية.
ومات الأمير طيبغا الفقيه العمري، أحد العشرات.
ومات مُهتار الطشتخاناه السلطانية، شهاب الدين أحمد بن كسيرات، في ثاني عشر المحرم، كان وافر الحرمة عريض الجاه، لم يزل من عهد الناصر محمد في خدمة الملوك، فعز جانبه وكثرت نعمته.
وتوفي قاضي المدينة النبوية تاج الدين محمد بن الكركي الشافعي، وهو ينوب عن القضاة بالقاهرة، في سادس عشرين شعبان.
ومات قاضي الحنفية بالإسكندرية صدر الدين محمد بن السكري، في أول ذي الحجة.
وتوفي الشيِخ أرشد الدين محمود بن قُطْلوشاه السيرامي، أحد أعيان الحنفية مدرس المدرسة الصَرغتُمِشيَّة، في يوم الثامن والعشرين من جمادى الآخر.
وتوفي سعد الدين ماجد بن التاج أبي إسحاق عبد الوهاب بن عبد الكريم، عن نيف وستين سنة، بمصر.
وتوفي نور الدين علي بن الحسن بن علي الإسناي، أخو الشيخ جمال الدين عبد الرحيم، في ثامن عشر رجب.
وتوفي شمس الدين شاكر، المعروف بابن البقري، ناظر الذخيرة، صاحب المدرسة النبوية بالقاهرة، في ثالث عشر شوال، وكان مشكوراً في أقباط مصر.
وتوفي سراج الدين عمر بن محمد السعودي شيخ خانكاه بَكتمُر الساقي، في سابع عشرين ذي الحجة.
وتوفي صلاح الدين بن مسعود المقرىء المالكي، أحد أصحاب التقي الصانع، في ثالث عشرين ذي الحجة.
ومات الأمير بيبغا حارس طير أحد الطبلخاناه.
ومات الأمير تغرى برمش بن الأمير ألجاي اليوسفي، أحد أمراء الطبلخاناه.
ومات الأمير أسن قطلو الإبراهيمي.
ومات الأمير أرسلان خجا اليلبغاوي- أحد الطبلخاناه- قتيلاً، في واقعة الأمير ألجاي، في المحرم.
وتوفي الأمير آروس المحمودي الأستادار أحد الألوف، وزوج ابنة الأمير مَنجك النائب، في ثاني ذي القعدة.
وتوفي الأمير ألطبغا المارديني في ثاني جمادى الآخر.
وتوفي الأمير أقبغا العمري البالسي، أخو طيبغا الطويل، من أمراء الطبلخاناه، وهو منفي بالشام.
وتوفي الأمير أقبغا الناصري، نايب الكرك ونايب قلعة بهسنا، وبها مات.
وتوفي الأمير الكبير الأتابك ألجاي اليوسفي، أحد ممالك الناصري حسن. ترقى حتى صار حاجب الحجاب، ثم عزل في تاسع رجب سنة ثلاث وستين واستقر أمير جاندار، إلى أن كانت فتنة الأمير أَسنَدُمر والأجلاب، تولى حربه وقاتله قتالاً عظيماً، كانت بينهما فيه ست عشرة وقعة، فلما انتصر أَسنَدُمر قبض على ألجاي، وسجنه بالإسكندرية إلى أن زالت أيام أسندمر أفرج عنه وعمل أمير سلاح، ثم صار الأتابك وإليه أمور الدولة كلها، حتى مات في يوم عاشوراء، كما تقدم ذكره.