فصل: سنة عشر وسبعمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك (نسخة منقحة)



.سنة عشر وسبعمائة:

أهل المحرم: فوردت رسل سيس بهدية، منها طشت ذهب وإبريق بلور مرصع بالجوهر، وكتاب يتضمن الهناء بالعود إلى الملك، فأجيب بالشكر.
وصرف قاضي القضاء بمر الدين محمد بن إبراهيم بن سعد الدين بن جماعة الشافعي، وولى بعده القضاء بديار مصر جمال الدين أبو الربيع سليمان بن مجد الدين أبي حفص عمر بن شرف الدين أبي الغنائم سالم بن عمرو بن عثمان الأذرعي الشهير بالزرعي الشافعي، في يوم الثلاناء تاسع عشرى صفر.
وعزل قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن إبراهيم بن عبد الغني السروجي الحنفي في رابع ربيع الأول، فأقام بعد عزله ستة أيام ومات واستدعى شمس الدين محمد بن عثمان بن أبي الحسن بن عبد الوهاب بن أبي عمر الأنصار الدمشقي المعروف بابن الحريري الحنفي من دمشق إلى القاهرة، واستقر في قضاء الحنفية بالقاهرة ومصر في رابع ربيع الآخر.
وعزل الأمير علاء الدين كشتغدي البهادري من شد الدواوين، واستقر عوضه بلبان المحسني، ثم عزل بلبان بعد أيام بعلم الدين سنجر الخازن. واستقر شمس الدين غبريال في نظر الدواوين، وعزل شاورشي بن قنغر من ولاية القاهرة.
وفي ربيع الأول قبض السلطان على إخوة سلار وحاشيته، فقبض علاء الدين سمك وجبا وداود وأمير على وساطي. وقبض على الأمير طشتمر الجوكندار وكوري السلاح دار وسيف الدين الطشلاقي وقلغاي، وتتمة ستة عشر أميراً. وكتب إلى نائب دمشق ونائب طرابلس بالقبض على الأمراء الذين أفرج عنهم عندما قدم السلطان من الكرك: وهم ألطنبغا وأشقتمر وعبد الله والأقوش المنصوري والشيخ علي التتري وبينجار النتري ومرسي وغازي وأخوا حمدان بن صلغاي وطرنطاي المحمدي وأقطوان الأشرفي، فقبض عليهم خوفاً من شرهم وإقامتهم الفتن. وكتب إلى نائب حلب بالقبض على فخر الدين أياز نائب قلعة الروم، فقبض عليه، وأخذ ماله فكان ألف ألف درهم، حملت إلى السلطان.
واستقر نجم الدين محمد بن عثمان البصروي في وزارة دمشق، وسار من القاهرة في سابع صفر. واستقر الأمير بكتمر الحسامي الحاجب في نيابة غزة، عوضاً عن بلبان البدري، وسار في سابع عشري المحرم. وندب الأمير بدر الدين القرماني لكشف القلاع الشامية، فسار ومعه أمين الدين عبد اللّه بن الغنام. وقبض السلطان على قطقطواه والشيخ على وضروط مماليك سلار، وأمر جماعة من المماليك منهم بيبغا الأشرفي وسيف الدين جغطاي وطيبغا الشمسي وبكتمر قبجق وبهادر السعيدي الكركري وطشتمر أخو بتخاص والعمري وقطلوبغا وأزدمر وملكتمر الشمسي وفردز الكمالي وبيحوا وقرا وأيدمر الدوادار وبهادرالنقيب.
وفيها قدم الأمير حسام الدين مهنا ملك العرب في جمادى الأولى، فأكرمه السلطان وخلع عليه، فسأل في أشياء منها: ولاة حماة للملك المؤيد عماد الدين إسماعيل ابن الملك الأفضل علي، فأجابه السلطان إلى ذلك، ووعده بحماة عوضاً عن أسندمر كرجي، ومنها الشفاعة في عز الدين أيدمر الشيخي، فعفا عنه السلطان وأخرجه إلى قوص، ومنها الشفاعة في الأمير برلغي الأشرفي وكان في الأصل قد كسبه مهنا من التتر، وأهداه للملك المنصور قلاوون، فرتبه عند ابنه الملك الأشرف خليل فعدد السلطان ذنوبه، وما زال به مهنا حتى خفف عن برلغي، وأذن للناس في الدخول عليه، ووعده بالإفراج عنه بعد شهر، فرضي منها بذلك، وعاد إلى بلاده وهو كثير الشكر والثناء.
ولما فرغ السلطان من أمر المظفر بيبرس لم يبق عنده أهم من سلار، فندب إليه الأمير ناصر الدين محمد بن أمير سلاح بكتاش الفخري، وكتب على يده كتابا بحضوره، فاعتذر عن الحضور بوجع في فؤاده، وأنه يحضر إذا زال عنه. فتخيل السلطان من تأخيره، وخاف أن يتوجه إلى التتار، فكتب إلى قرا سنقر نائب الشام وإلى أسندمر نائب طرابلس يأخذ الطريق على سلار لئلا يتوجه إلى التتار، وبعث الأمير بيبرس الدوادار وعلم الدين سنجر الجاولي إلى سلار، وأكد عليهما في إحضاره، وأن يضمنا له على السلطان أنه يريد إقامته عنده ليستشيره في أمور المملكة فقدما عليه وبلغاه عن السلطان ما قال، فوعد بأنه يحضر، وكتب الجواب بذلك، فلما رجعا اشتد قلق السلطان وكثر خياله.
وأما سلار فإنه تحير في أمره، واستشار أصحابه فاختلفوا عليه فمنهم من أشار بتوجهه إلى السلطان، ومنهم من أشار بتوجهه إلى قطر من الأقطار، إما إلى التتار أو إلى اليمن أو برقة. فعول سلار على المسير إلى اليمن، ثم أجمع على الحضور إلى السلطان، وخرج من الشوبك وعنده ممن سافر معه من مصر أربعمائة وستون فارسا، وسار إلى القاهرة، فقدم وقبض عليه في سلخ ربيع الآخر، وسجن بالقعة.
وفيها عزل صدر الدين محمد بن عمر بن المرحل من وظائفه بدمشق، من أجل أنه قبض عليه بصالحية دمشق وعنده جماعة يعاقرونه الخمر.
وفيها ضيق على الأمير برلغي بعد سفر الأمير مهنا، وأخرج حريمه من عنده ومنع من الوصول إليه، ومن أن يدخل إليه بأكل أو شرب فلما أشفي برلغي على الموت قتل، بعدما يبست أعضاؤه وخرس لسانه من شدة الجوع، ومات ليلة الأربعاء ثاني رجب.
وفيها قتل الأمير سلار أيضاً بقلعة الجبل، في رابع عشري جمادى الأولى، وأحيط بماله وكان شيئا كثيرا. ولما وصل طلبه فرقه السلطان على الأمراء. ثم ماتت أمه بعد أيام. وكان سلار عاقلا له رأي وحزم، وأصله لما كسبه المنصور قلاوون من التتر.
وقدم البريد بموت الأمير قبجق نائب حلب، وأن عماد الدين إسماعيل لما ورد عليه التقليد بنيابة حماة سار إليها من دمشق. فمنعه أسندمر كرجي، فأقام بين حماة وحمص ينتظر مرسوم السلطان. فاتفق موت قبجق، فسار أسندمر من حماة إلى حلب، وكتب يسأل السلطان نيابتها، فغضب السلطان من أسندمر، وأسر ذلك في نفسه.
وفيها عزل الأمير بكتمر الحاجب عن نيابة غزة، وأحضر إلى القاهرة، وولي نيابة غزة الأمير قطلقتمر.
وفيها عزل الصاحب فخر الدين عمر بن الخليلي من الوزارة، والأمير علم الدين سنجر الخازن من شد الدواوين، واستقر الأمير بكتمر الحاجب في الوزارة في حادي عشر رمضان، واستقر فخر الدين أياز أستادار سنقر الأعسر في شد الدواوين. واتفق أن أياز هذا استخدمه الأمير سلار النائب استاداره بعد موت عز الدين أيدمر الرشيدي، فلم يزل حتى قبض على سلار وأحيط بماله، ورسم على أياز مع سائر مباشريه، وسلموا لعلم الدين سنجر الخازن مشد الدواوين في المصادرة، ليستخرج منهم المال فحمل أياز للخازن ألف دينار، وللصاحب فخر الدين ألف دينار، فرد الخازن المال وقبله الصاحب. فلم يمض سوى أيام حتى عزل الصاحب والخازن، وسلما لأياز ليستخرج المال منهما فبعث إليه الخازن ألف دينار فردها، وقال لقاصده: سلم عليه، وقل له ما لنا عنده شيء، وطيب خاطره، وبعث إليه الصاحب فخر الدين ألف دينار فأخذها، وقال لقاصده: عرفه أني أخذت وديعتي التي كان أخذها مني، ثم إن الأمير بكتمر الجوكندار شفع فيهما، فأفرج السلطان عنهما.
وفيها قدم مملوك عماد الدين إسماعيل بن الأفضل بأنه دخل حماة لمعد خروج أسندمر منها. وقدم رسول الأشكري ورسل ملك الكرج بهدايا سنية في رجب، وسألوا فتح الكنيسة المصلبة بالقدس. فكتب الجواب بأن هذه الكنيسة غلقت من الأيام الظاهرية على يد الشيخ خضر، وبنى فيها مسجد، ولا يمكن نقض ذلك، ورسم أن تفتح لهم كنيسة الملكية بمصر وكنيسة اليعاقبة التي بالقاهرة وكنيسة اليهود، وأذن لهم أن يركبوا على الاستواء.
وفيها كتب بعزل نجم الدين البصري عن وزارة دمشق، وولاية شرف الدين حمزة القلانسي عوضه. وقمم البريد بوفاة الحاج بهادر الحلي نائب طرابلس، فكتب بنقل الأمير جمال الدين أقوش الأفرم من صرخد إلى نيابة طرابلس، فسار إليها. وفرح السلطان بموت الحاج بهادر فرحاً زائداً، فإنه كان يخشاه ويخشى شره.
والتفت السلطان إلى أسندمر كرجي نائب حلب، وأخرج تجريدة من القاهرة فيها من الأمراء كراي المنصوري وهو مقدم العسكر، وسنقر الكمالي حاجب الحجاب، وأيبك الرومي، وبينجار، وكجكن، وبهادر آص، وفي عدة من مضافيهم أمراء الطبلخاناه والعشراوات ومقدمي الحلقة، وأظهر أنهم قد توجهوا لغزو سيس. وكتب السلطان لأسندمر كرجي بتجهيز آلات الحصار على العادة، والاهتمام في هذا الأمر حتى يصل العسكر المجرد من مصر، وكتب إلى عماد الدين صاحب حماة بالمسير مع العسكر. وسار الأمير كراي من القاهرة مستهل ذي القعدة، بعدما أخلع عليه، وأسر إليه السلطان ما يعتمده في أمر كرجي.
وفيها عدى السلطان النيل إلى الجيزة، ونزل تحت الأهرام ليتصيد. فمات ولده على ابن الخاتون أردوكين ابنة نوكيه، وله من العمر ست سنين، في ليلة الأحد حادي عشر رجب، ودفن بالقبة الناصرية بين القصرين، بعدما حضر الأمير علم الدين سنجر الجاولي لتجهيزه. واشتد حزن أمه عليه، ووقفت على القبة ما خصها من إرث الملك الأشرف خليل، ورتبت عند قبره القراء.
وفيها عظم شأن شهاب الدين أحمد بن عبادة وكيل السلطان، وضرب أكابر العنبر بالمقارع، مثل عز الدين بن حالومة وشمس الدين بن الحكيم: وسبب ذلك أن السلطان كان قد وهبه قبل توجهه إلى الكرك مملوكاً جميل الصورة، فصار يشتمل على المذكورين ويعاشرهم على ما لا ينبغي، فحنق ابن عبادة من ذلك وأوقع بهم. وضرب ابن عبادة أيضاً شهاب الدين أحمد النويري صاحب التاريخ بالمقارع: وذلك أنه كان استنابه في المدرسة الناصرية والمنصورية وغيرهما، وجعله يدخل على السلطان ويطالعه بالأمور، فاغتر بذلك وبسط القول في ابن عبادة. فلم يعجب السلطان منه وقيعته في ابن عبادة، وعرف ابن عبادة ما قاله في حقه، وسلمه إليه ومكنه منه، فضربه بالمقارع ضرباً مبرحاً وصادره، فلم يشكر النويري أَحد على ما كان منه.
وفيها توحش خاطر الأمير بكتمر الجوكندار نائب السلطة بمصر من السلطان، وخاف منه، واتفق بكتمر مع الأمير بتخاص المنصوري على إقامة الأمير مظفر الدين موسى ابن الملك الصاع علي بن قلاوون في السلطنة، والاستعانة بالمظفرية، وبعثوا إليه بذلك فوافقهم. وشرع النائب في استمالة الأمراء، ومواعدة المماليك المظفرية الذين بخدمة الأمراء، على أن كل طائفة تقبض على الأمير التي هي بخدمته في يوم عينه لهم، ثم يسوق الجميع إلى قبة النصر خارج القاهرة، وقد نزل هناك الأمير موسى. فدبروا ذلك حتى انتظم الأمر، ولم يبق إلا وقوعه، فأراد بيبرس الجمدار أحد المظفرية الذين انتظموا في سلك هذا العقد أن يتخذ يداً عند السلطان، وعرف خوشداشيته قياتمر الخاصكي بما وقع الاتفاق عليه، فبلغ الخبر إلى السلطان، وكان في الليل، فلم يتمهل السلطان، وطلب أمير موسى إلى عنده، وكان يسكن بالقاهرة، فلما نزل إليه الطلب هرب. واستدعى السلطان الأمير بكتمر النائب، وبعث أيضاً في طلب بتخاص، وكانوا إذ ذاك يسكنون بالقلعة، فلما دخل إليه بكتمر أكرمه وأجلسه وأخذ يحادثه حتى أتاه المماليك بالأمير بتخاص فسقط في يد بكتمر، وعلم بأنه قد هلك، فقيد بتخاص وسجن، وأقام السلطان في انتظار أمير موسى، فعاد إليه الجاولي ونائب الكرك وأخبراه بفراره، فاشتد غضبه عليهما. وما طلع النهار حتى أحضر السلطان الأمراء، وعرفهم ما كمان قد تقرر من إقامة أمير موسى وموافقة. بتخاص له، ولم يذكر بكتمر النائب. وألزم السلطان الأمير كشتغدي البهادري والي القاهرة بالنداء عليه، ومن أحضره من الجند فله إمرته، وإن كان من العامة أخذ ألف دينار. فنزل كشتغدي ومعه الأمير فخر الدين أياز شاد الدواوين وأيدغدي شقير وسودي وعدة من المماليك، وألزم سائر الأمراء بالإقامة بالقاعة الأشرفية حتى يظهر أمير موسى، وقبض على حواشي موسى وجماعته وعاقب كثيراً منهم. فلم يزل الأمر على ذلك من ليلة الأربعاء إلى يوم الجمعة، ثم قبض عليه من بيت أستادار الفارقاني من حارة الوزيرية بالقاهرة، وحمل إلى القلعة فسجن بها. ونزل الأمراء إلى دورهم، وخلى عن الأمير بكتمر النائب أيضاً، ورسم بشمير أستادار الفارقاني، ثم عفى عنه وسار إلى داره.
وتتبع السلطان المماليك المظفرية فقبض عليهم، وفيهم بيبرس الذي نم عليهم وعملوا في الحديد. وأنزلو ليسمروا تحت القلعة، وقد حضر نساؤهم وأولادهم، وجاء الناس من كل موضع، فكثر البكاء والصراخ عليهم رحمة لهم، والسلطان ينظر، فاًخذته الرحمة وعفا عنهم، فتركوا ولم يقتل أحد منهم.
وأما العسكر فإنه لما وصل إلى حمص أقام بها على ما قرره السلطان مع الأمير كراي، حتى قدم عليه الأمير منكوتمر الطباخي بكتب السلطان لكراي ولكرجي نائب حلب بما يتعمدانه من المراسيم. وقد كتب السلطان معه أيضاً مطلقات إلى أمراء حلب بقبض كرجي، وحمله مشافهات لكراي وغيره، فقضى منكوتمر شغله من كراي بحمص، وسار إلى حلب. فرحل كراي في أثره، وجد في السير إلى حلب جريدة من غير أثقال، فقطع من حمص إلى حلب في يوم ونصف، ووقف بمن معه تحت قلعتها عند ثلث الليل الأخير، وصاح يال على وهي الإشارة التي رتبها السلطان بينه وبين نائب القلعة فنزل النائب عند ذلك من القلعة بجميع رجالها، وقد استعدوا للحرب، وزحف ومعه الأمير كراي على دار النيابة، ولحق بهم أمراء حلب وعسكرها. فسلم كرجي ولم يقاتل، فأخذ وقيد وسجن بالقلعة، وأحيط بموجوده، وسار منكوتمر الطباخي على البريد بذلك إلى السلطان. ثم حمل أسندمر كرجي إلى السلطان صحبة الأمير بينجار وأيبك الرومي، فخاف قرا سنقر عند ذلك على نفسه، وسأل أن ينقل من دمشق إلى نيابة حلب، ليبعد عن السلطان، فأجيب إلى ذلك، وكتب تقليده وجهز إليه في أخريات ذي الحجة.
وفيها استقر كريم الدين وأبو الفضائل عبد الكريم بن العلم هبة الله بن السديد ابن أخت التاج بن سعيد الدولة في نظر الخاص ووكالة السلطان، بعد موت شهاب الدين أحمد بن عبادة، في يوم الإثنين سابع عشر جمادى الأولى.
وفيها قدم أسندمر كرجي، فاعتقل بالقلعة، وبعث يسأل عن ذنبه عنده، فأعاد جوابه: ما لك ذنب إلا أنك فلت لما ودعتك عند سفرك، أوصيك يا خوند لا تترك في دولتك كبشاً كبيراً، وأنشئ مماليكك، ولم يبق عندي كبش كبير غيرك.
وفيها قبض على طوغان نائب البيرة، وحمل إلى السلطان فحبسه أياماً، ثم ولاه شد الدواوين بدمشق. وخرج الأمير أرغون الدوادار على البريد بتقليد فرا سنقر حلب، وأسر إليه القبض عليه إن أمكن ذلك.
وفيها قدم الشريف منصور أحمد بن جاز من المدنية النبوية بتقادم، فأنعم عليه بإعادة ما خرج لأخيه مقبل.
وفيها استعفى الطواشي شهاب الدين مرشد الخازندار من الإمرة، فأعفي.
واتفق في هذه السنة أمر غريب قلما عهد مثله: وهو موت سلطان مصر، وقاضيها إمام الحنفية في عصره، ومفسرها، والمتكلم على القلوب، وواعظها، وشيخ شيوخها وإمام الشافعية وعالمهم، ومحتسبها، وناظر جيوشها، وأديبها فقتل السلطان الملك المظفر بيبرس في ذي القعدة. وتوفي القضاة إمام الحنفية في عصره شمس الدين أحمد بن إبراهيم بن عبد الغني السروحي المصري، عن ثلاث وسبعين سنة، في يوم الخميس ثالث عشرى رجب، ومولده سنة سبع- وقيل سنة تسع- وثلاثين وستمائة، وأخذ الفقه عن صدر الدين سليمان بن أبي العز بن وهيب وغيره، ودفن بالقرافة، وله على كتاب الهداية شرح جليل لكنه لم يكمل، وله اعتراضات على التقي ابن تيمية.
ومات الشيخ نجم الدين أحمد بن محمد بن علي بن الشيخ الرفعة مرتفع بن حازم ابن إبراهيم بن عباس الأنصاري البخاري المعروف بابن الرفعة الفقيه الشافعي المصري، في ليلة الجمعة ثامن عشر رجب، ومولده سنة خمس وأربعين وستمائة. وتوفي الإمام عز الدين عبد العزيز بن عبد الجليل النمراوي، في تاسع ذي القعدة.
ومات الشيخ تاج الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن عطا الله صاحب الكلام الرائق الفائق، في ثالث عشر جمادى الآخرة.
ومات شيخ الوعاظ نجم الدين العنبري، في سادس شعبان، ومات شيخ الشيوخ خانكاه السعداء كريم الدين أبو القاسم عبد الكريم بن الحسين أبي بكر الآملي الطبري، في تاسع شوال، وولي بعده علاء الدين على بن إسماعيل القونوي.
ومات القاضي بدر الدين حسن بن نصر الأسعردي المحتسب، في مستهل جمادى الآخرة.
ومات القاضي بهاء الدين أبو محمد عبد اللّه بن أحمد بن علي بن المظفر بن الحلي ناظر الجيوش، في ليلة العاشر من شوال.
ومات الأديب البارع شمس الدين محمد بن دانيال بن يوسف بن معتوق الخزاعي الموصلي في ثامن عشرى جمادى الآخرة، ومولده بالموصل سنة سبع وأربعين وستمائة، وكان كثير المجون والشعر البديع، وله كتاب طيف الخيال، لم يصنف مثله في معناه.
ومات ملك المغرب صاحب فاس أبو الربيع بن أبي عامر بن السلطان أبي يعقوب بن يوسف بن يعقوب بن عبد الحق بن محيو بن أبي بكر بن عبد الحق المريني، في آخر جمادى الآخرة، وبويع بعده أبو سعيد عثمان بن يعقوب بن عبد الحق.
ومات شهاب الدين أحمد بن عبد الملك بن عبد المنعم بن عبد العزيز بن جامع بن راضي العزازي التاجر، عن بضع وسبعين بالقاهرة في تاسع عشرى المحرم، وله ديوان شعر كبير ومات فخر الدين إسماعيل بن عبد القوي بن الحسن حيدرة الحميري الإسنائي المعروف بالإمام الفقيه الشافعي، بعدما كف بصره، بمدينة قوص.
ومات شهاب الدين أحمد بن علي بن عبادة وكيل الخاص، في ليلة الأحد سادس عشر جمادى الأولى بالقاهرة؛ودفن بالقرافة؛ وولي بعده كريم الدين أكرم.
ومات أمين الدين أبو بكر بن وجيه الدين عبد العظيم بن يوسف بن الرقاقي ناظر الدواوين بديار مصر، ليلة الأحد ثالث عشرى جمادى الأولى، ودفن بالقرافة، وكان ديناً خيراً كثير الإحسان، ولي نظر بيت المال ونظر البيوت ونظر الدولة بمصر والشام.
ومات عز الدين الحسن بن الحارث بن الحسين بن يحيى بن خليفة بن نجا بن حسن ابن محمد من ولد الحارث بن مسكين، أحد أعيان الفقهاء الشافعية عصر ليلة السبت ثامن جمادى الأولى.
ومات الشريف أبو عبد اللّه محمد بن علي بن أبي طالب، عرف بالشريف عطوف الحسيني الموسى العطار، ليلة الخميس خامس جمادى الآخرة، ودفن خارج باب النصر، وقل حديثه.
ومات الأمير سيف الدين بلبان البيدغاني نائب بغراس، مقتولاً بيد مماليكه.
ومات الأمير سيف الدين الحاج بهادر الحلبي نائب طرابلس، في ربيع الآخر.
ومات الشيخ الصالح عبد اللّه بن ريحان التقوي السمسار بمصر، حدث عن ابن المقير وابن رواح وغيره.
ومات بهاء الدين على بن الفقيه عيسى بن سليمان بن رمضان الثعلبي المصري، الصدر المعمر المعروف بابن القيم، في ذي القعدة، وقد تعين للوزارة، ومولده سنة ثلاث عشرة وستمائة، وكان سليم العقل والحواس.
ومات الأمير سيف الدين قبجق المنصوري نائب حلب، في جمادى الأولى.
ومات الشيخ علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الرحمن بن خطاب التاجي، في سادس ذي القعدة.
ومات بحر الدين أبو البركات عبد اللطيف ابن قاضي القضاة تقي الدين محمد بن الحسين بن رزين الشافعي، يوم الأحد ثامن عشرى جمادى الآخرة بالقاهرة، ومولده بدمشق سنة تسع وأربعين وستمائة، وولي قضاء العسكر.
ومات الخطيب بهاء الدين عبد الرحمن بن عماد الدين علي بن السكري في حياة أبيه، ليلة السبت حادي عشر رجب بمصر.
ومات الأمير سيف الدين قشتمر الشمسي، بدمشق.
ومات الطواشي شهاب الدين مرشد الخازندار المنصوري، بالقاهرة في ليلة الخميس ثالث ذي القعدة وكان خيرًا، وانفرد بالرواية عن جماعة، وولد سنة ثلاث عشر وستمائة، ومات ولم تتغير حواسه.
ومات الأمير جمال الدين أقوش قتال السبع الموصلي أمير علم، بمصر في تاسع رجب. ومات خضر بن الخليفة أبي الربيع سليمان، في ثالث عشر جمادى الأولى.
ومات الأمير برلغي الأشرفي في سجن القلعة، بعدما يبست أعضاؤه وجف لسانه من الجوع في ليلة الأربعاء ثامن رجب.
ومات الأمير حسام الدين طرنطاي البغدادي.
ومات الأمير علاء الدين ألطنبغا الجمدار.
ومات الأمير سيف الدين أرغون الجمقدار.
ومات قطب الدين محمود بن مسعود بن مفلح الشيرازي صاحب التصانيف، رمضان.
ومات الأمير سيف سلار في ليلة الرابع والعشرين من جمادى الأولى، وكان من التتار الأويراتية، وصار إلى الملك الصالح علي بن قلاوون، وبقي بعد موته في خدمة الملك المنصور قلاوون حتى مات، ثم دخل في خدمة الملك الأشرف خليل بن قلاوون، وحظى عنده، فلما قتل حظى عند لاجين لمودة كانت بينهما، وترقى إلى أن صار نائب السلطنة بديار مصر، وكان من أخباره ما تقدم ذكره، إلى أن قدم من الشوبك، فترك في السجن حتى مات جوعاً، وتولى الأمير علم الدين سنجر الجاولي دفنه بتربته على جبل يشكر بجوار مناظر الكبش، وكان سلار أسمر، لطيف القد أسيل الخد، لحيته في حنكه سوداء، ظريفاً في لبسه، اقترح أشياء نسبت إليه إلى يوم، وبلغ من السعادة إلى مبلغ عظيم: فكان يدخل إليه من أجر أملاكه في كل يوم ألف دينار مصرية، ومن إقطاعاته وضماناته وحماياته تتمة مائة ألف درهم في اليوم، عنها حينئذ زيادة على خمسة آلاف دينار مصرية، وكان بقطاعه أربعين إمرة طبلخاناه، وكان عاقلاً متأنياً داهياً قليل الظلم، واشتملت تركته على ثلاثمائة ألف ألف دينار وزيادة: فوجد له في يوم ياقوت أحمر زنة رطلين ونصف، وبلخش زنة رطلين ونصف، وزمرد تسعة عشر رطلاً، وستة صناديق فيها جواهر، ومن الماس وعين الهر ثلاثمائة قطعة، ولؤلؤ زنة ما بين مثقال كل حبة إلى درهم عدة ألف ومائة وخمسين حبة، عين مصري مبلغ مائي ألف وأربعة وأربعين ألف دينار، وفضة دراهم مبلغ أربع مائة ألف وأحد وسبعين ألف درهم، ووجد له أيضاً في يوم فصوص مختلفة زنة رطلين، وذهب عين مصري مبلغ خمسة وخمسين ألف في دينار، ودراهم فضة ألف ألف درهم، وحلي ذهب أربع قناطير، وآلات ما بين طاسات ونحوها ستة قناطير فضة، ووجد في يوم ذهب مصري مبلغ خمسة وأربعين ألف دينار، ودراهم فضة مبلغ ثلاثمائة ألف وثلاثين ألف درهم، وفضيات ثلاثة قناطير، ووجد في يوم ذهب عين ألف ألف دينار، وفضة ثلاثمائة ألف درهم، ووجد له ثلاثمائة قباء من حرير بفرو قاقم، وثلاثمائة قباء حرير بسنجاب، وأربعمائة قباء بغير فرو، وسروج ذهب مائة سرج، ووجد له ثمانية صناديق لم يعلم فيها، حملت مع ما تقدم إلى السلطان، ووجد له ألف تفصيلة ما بين طرد وحش وعمل الدار، ووجد له خام ست عشر نوبة، ووصل معه من الشوبك مبلغ خمسين ألف دينار ذهباً، وأَربعمائة ألف درهم وسبعين ألف درهم، وثلاثمائة خلعة ملونة وخركاه بغشاء حرير أحمر معدني مبطن بحرير أزرق مروى، وستر بابها زركش ووجد له ثلاثمائة فرس ومائة وعشرون قطار بغال، وعشرون قطار جمال، ومن الغنم والبقر والجواري والمماليك والعقار شيء كثير جداً، ووجد له في موضع بين حائطين عدة أكياس لم يدر ما فيها ولا كم عدتها، ووجد له في المرحاض شبه فسقية، كشف عنها فإذا هي مملوءة ذهباً؛ ووجد له من القمح والشعير والفول ونحوها ثلاثمائة ألف أردب، وذلك سوى ما أخذ من أخوته ومباشريه وحواشيه وأسبابه، فإنهم صودروا جميعاً حتى مقدم شونه وجباة أملاكه، فاجتمع من ذلك ما لا يدخل، تحت حصر لكثرته، واللّه يؤتي ملكه من يشاء.