فصل: سنة خمس وأربعين وسبعمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك (نسخة منقحة)



.سنة خمس وأربعين وسبعمائة:

أهلت والعسكر في حركة اهتمام بالسفر إلى الكرك، وقد تعين الأمير بغا الفخري، والأمير قماري، والأمير طشتمر طلليه، للتوجه بهم. وألزم السلطان كل أمير مائة مقدم ألف بإخراج عشرة مماليك، ولم يوجد في بيت المال ولا الخزانة ما ينفق عليهم منه، فأخذ مالاً من تجار العجم ومن بيت الأمير بكتمر وجماعة أخرين على سبيل القرض، وأنفق فيهم.
وفي يوم السبت مستهل المحرم: قدم مبشر الحاج.
وفي يوم الثلاثاء حادي عشره: خرج المجردون إلى الكرك.
وفي رابع عشريه: قدم محمل الحاج، وقد قاسى الحاج في سفرهم مشقات كبيرة من قلة الماء وغلاء الأسعار، بحيث أبيعت الويبة من الشعير بأربعين درهماً عنها ديناران، والويبة الدقيق بخمسون درهماً، والرطل البشماط بثلاثة دراهم. وأبيع الأردب القمح في مكة بمائتي درهم، وبلغ الجمل بمنى إلى أربعمائة وخمسين درهماً، لقلة الجمال. وكان من أسباب ذلك أن الشريف عجلان بن رميثة خرج إلى جدة، ومنع تجار اليمن من عبور مكة، فعز بها صنف المتجر، وهلك كثير من مشاة الحاج.
وفيه أقامت العساكر على محاصرة الكرك وقطع الميرة عنها، وكانت أموال الناصر أحمد قد نفذت من كثرة نفقاته، فوقع الطمع فيه. وأخذ بالغ- وهو أجل ثقاته من الكركيين- في العمل عليه، وكاتب الأمراء ووعدهم أنه يسلم إليهم الكرك، وسأل الأمان. فكتب إليه عن السلطان أمان، وقدم إلى القاهرة كما تقدم في السنة الخالية، ومعه مسعود وابن آبي الليث، وهؤلاء أعيان مشايخ الكرك، فأكرمهم السلطان وأنعم عليهم، وكتب لهم مناشير بجميع ما طلبوه من الإقطاعات والأراضي، وكانت جملة ما طلبه بالغ بمفرده نحو أربعمائة وخمسين ألف درهم في السنة، وكذلك أصحابه، ثم أعيدوا بعد ما حلفوا، وقد بلغ الناصر أحمد خبرهم، فتحصن بالقلعة، ورفع جسرها، وصاروا هم بالمدينة ومكاتباتهم ترد على العسكر. فلما ركب العسكر للحرب وخرج الكركيون، لم يكن غير ساعة حتى انهزموا منهم إلى داخل المدينة، فدخلها العسكر أفواجاً واستوطنوها، وجدوا في قتال أهل القلعة عدة أيام، والناس تنزل منها شيئاً بعد شيء، حتى لم يبق مع الناصر أحمد عشرة أنفس، فأقام يرمي بهم على العسكر. وكان الناصر أحمد قوي الرمي شجاعاً، إلى أن جرح في ثلاثة مواضع. وتمكنت النقابة من البرج، وعلقوه وأضرموا النار تحته حتى وقع. وكان الأمير سنجر الجاولي قد بالغ أشد مبالغة في الحصار، وبذل فيه مالاً كثيراً، فلما هجم العسكر على الناصر أحمد، في يوم الإثنين ثاني عشرى صفر، وجدوه قد خرج من موضع وعليه زردية، وقد تنكب قوسه وشهر سيفه. فوقفوا وسلموا عليه، فرد عليهم السلام وهو متجهم، وفي وجهه جرح وكتفه يسيل دماً. فتقدم إليه الأمير أرقطاي والأمير قماري في آخرين، فأخذوه ومضوا به إلى دهليز الموضع الذي كان به، وأجلسوه وطيبوا خاطره، وهو ساكت لا يجيبهم، فقيدوه ووكلوا بحفظه جماعة، ورتبوا له طعاماً، فأقام يومه وليلته، ومن باكر الغد تقدم إليه الطعام فلا يتناول منه شيئاً إلى أن سألوه في أن يأكل، فأبى أن يأكل حتى يأتوه بشاب كان يهواه يقال له عثمان، فأتوه به فأكل عند ذلك.
وخرج ابن الأمير بيبغا الشمسي حارس الطير بالبشارة، وعلى يده كتب الأمراء فقدم قلعة الجبل يوم السبت ثامن عشريه، فدقت البشائر سبعة أيام. ثم قدم أيضاً ابن الأمير قماري، ثم بعده أرلان ومعه النمجاه.
ثم أخرج الأمير منجك السلاح دار ليلاً من القاهرة على النجب، لقتل الناصر أحمد من غير مشاورة الأمراء، فوصل إلى الكرك. وأدخل منجك إليه من أخرج الشاب من عنده، وخنقه في ليلة رابع ربيع الأول، وقطع رأسه. وسار منجك من ليلته ولم يعلم الأمراء ولا العسكر بشيء من ذلك، حتى أصبحوا وقد قطع منجك مسافة بعيدة فقدم منجك بعد ثلاث إلى القلعة ليلاً، وقدم الرأس بين يدي السلطان، وكان ضخماً مهولاً له شعر طويل، فاقشعر السلطان عند رؤيته، وبات مرجوفاً.
وفيه طلب الأمير قبلاي الحاجب، ورسم بتوجهه لحفظ الكرك إلى أن ياتيه نائب لها، وكتب بعود الأمراء والعساكر، وكانت مدة حصار الناصر أحمد بالكرك سنتين وشهراً وثمانية أيام.
وكان جمال الكفاة قد تقدم في الدولة تقدماً زائداً، فإنه ولي الخاص ثم نظر الجيش، فباشرهما جميعاً. وتمكن في أيام السلطان الملك الصالح تمكناً عظيماً، سببه أن السلطان اشتد شغفه بجارية مولدة يقال لها اتفاق، كانت تجيد ضرب العود، وأخذته عن عبد علي العواد العجمي، فرتبه جمال الكفاة عند السلطان حتى صار يجلس معها عند السلطان.
وكان السلطان يخشى من الأمير أرغون العلائي، ولا يتجاسر أن يبسط يده بالعطا لاتفاق، فأسر ذلك لجمال الكفاة، فصار يأتيه بكل نفيس من الجواهر وغيرها سراً، فينعم به على اتفاق. وكذلك كان السلطان قد أسر للوزير نجم الدين هواه في اتفاق، فكان أيضاً يحمل إليه في الباطن الأشياء النفيسة، ولا كما يحمله جمال الكفاة. فعلت رتبة جمال الكفاة، بحيث أن الوزير نجم الدين امتنع عن مباشرة الوزارة ما لم يكن جمال الكفاة يلاحظه. ثم رسم السلطان لجمال الكفاة أن يكون مشير الدولة، وكتب له في توقيعه الجناب العالي، بعدما امتنع علاء الدين علي بن فضل الله كاتب السر من ذلك، وتوحش ما بينهما بسببه. فرسم السلطان أن يكتب له ذلك، فعظمت رتبته، وارتفعت مكانته إلى أن تعدى طوره، وأراد أن ينخلع من زي الكتاب إلى هيئة الأمراء، وأن يكون أمير مائة مقدم ألف، ولم يبق إلا ذلك فشق على الأمراء هذا الأمر.
وكان جمال الكفاة قد تنكر عليه الأمير أرغون العلائي، بسبب إقطاع عينه لبعض أصحابه، فأجاب بأن السلطان قد أخرجه، فغضب العلائي وبعث إليه دواداره ومعه حياصة من ذهب، وأمره أن يقول له عنه: أنت ما بقيت تعطي شيئاً إلا ببرطيل، وهذه الحياطة برطيلك، خذها واقض شغل هذا الرجل فلم يسمح جمال الكفاة له بالإقطاع، وقام مع السلطان حتى عرف العلائي مشافهة بأنه هو الذي أخرج الإقطاع فأسرها العلائي في نفسه، وأخذ يغري به النائب الحاج آل ملك والأمراء، فمال معهم الوزير، وصاروا جميعهم واحداً عليه ورتبوا له مهالك ليقتلوه بها، منها أنه يباطن الناصر أحمد ويكاتبه، ويتصرف في أموال الدولة باختياره، وقد ضيعها كلها، فإنه كان ناظر الجيش ومشير الدولة، وأنه يتحدث مع السلطان في الأمراء، ويقع فيهم ويثلب أعراضهم عنده. وأخذ الوزير يعلم السلطان والعلائي بأن سائر ما يخبره السلطان به من محبته لاتفاق يخبر به الوزير، ونقل عنه من ذلك أشياء تبين للسلطان صحته. فانحطت بذلك مكانته عند السلطان، ورسم بقتله بعد أخذ ماله، فقبض عليه في يوم الأربعاء ثاني عشر صفر، وعلى أولاده وزوجته. وقبض معه على الصفي الحلي موسى كاتب قوصون وناظر البيوت، وعلى الموفق عبد الله بن إبراهيم ناظر الدولة.
ونزل المجدي إلى بيت جمال الكفاة، وأوقع الحوطة عليه بما فيه، ونزل تمر الموساوي فأوقع الحوطة على بيت الصفي، وعني الوزير بالموفق فلم يعاقب. ونوعت العقوبات لجمال الكفاة والصفي، وضربت أولاد جمال الكفاة وهو يراهم ضرباً مبرحاً بالمقارع، وعصرت نساؤه ونساء الصفي وأخذت أموالهم. فرفع خالد المقدم قصة للسلطان ذكر فيها أنه إن شد وسطه، وأقيم في التقدمة، أظهر لهم مالاً كثيراً من مال جمال الكفاة ؟؟؟ فطلب ورسم بشد وسطه، ونزل إليهم، فأظهر لجمال الكفاة بتهديده إياه صندوقاً فيه ما قيمته نحو عشرين ألف دينار خالد، وكان مودعاً بعض جيرانه بالمنشية، ولم يظهر له بعد ذلك شيء.
وفيه خلع على الضياء المحتسب، واستقر في نظر الدولة عوضاً عن الموافق، على كره منه لذلك.
وفيه قدم الأمراء من تجريدة الكرك، فاشتدت العقوبة على جمال الكفاة خشية من الشفاعة فيه، وضرب مائة وعشرين شيباً، وسلم لخالد المقدم فخنقه في ليلة الأحد سادس ربيع الأول، ودفن في يوم الأحد بجوار تربة ابن عبود. فكانت مدة مصادرته أحداً وعشرين يوماً، ومدة مباشرته خمس سنين وشهراً وأيام. وعوقب الصفي موسى عقوبة عظيمة، وعصر في أصداغه، وضرب بالمقارع حتى أنتن بدنه كله، فلم يمت. وأفرج عن الموفق بواسطة الوزير، وخلع عليه في اليوم المذكور، واستقر في نظر الخاص، بعد ما عين العلائي علم الدين عبد الله بن تاج الدين أحمد بن إبراهيم بن زنبور مستوفي الصحبة لنظر الخاص، فلم يتهيأ له لسفره ببلاد الشام.
وفيه خلع على أمين الدين إبراهيم بن يوسف السامري كاتب طشتمر، واستقر في نظرالجيش.
وفيه خلع على علم الدين بن مهلول، واستقر في نظر الدولة عوضاً عن الضياء المحتسب، لاستعفائه وعدم تناوله معلوم النظر، وأعيد الضياء المحتسب إلى نظر المارستان.
وفي يوم الخميس سابع عشره: كان وفاء النيل ستة عشر ذراعاً.
وفيه قدم البريد من حلب باتفاق فياض وابن دلغادر أمير الأبلستين بمحاصرة قلعة طرنده، وأخذها من أرتنا وبها أمواله، ثم سيرهما إلى حلب. وطلب نائب حلب تجريد العسكر إليه، فرسم بتوجه الأمير مكتمر الحجازي، والوزير نجم الدين محمود، والأمير طرنطاي الحاجب، وخمسين مقدماً من مقدمي الحلقة، بألف فارس من أجناد الحلقة، وجهزت نفقاتهم، ثم بطلت التجريدة.
وتوقفت أحوال الدولة من كثرة الإنعامات والإطلاقات للخدام والجواري، ومن يلوذ بهم ومن يعنون به، فكثرت شكاية الوزير من ذلك. وكتب أوراق بكلف الدولة ومتحصلها، فكانت الكلف ثلاثين ألف ألف درهم في السنة، والمتحصل خمسة عشر ألف ألف درهم. وقرئت الأوراق على السلطان والأمراء، فرسم أن يستقر الحال على ما كان عليه إلى حين وفاة السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، وبطل ما استجد بعده، وأن تقطع توابل الأمراء والكتاب حتى الكماج السميذ. فعمل بدلك شهر واحد، وعادت الرواتب على ما كانت عليه حتى بلغ مصروف الحوائج خاناه في كل يوم إثنين وعشرين ألف درهم، بعد ما كانت في الأيام الناصرية ثلاثة عشر ألف درهم.
وبينا النائب جالس يوماً إذ قدم له مرسوم عليه علامة السلطان، براتب لحم وتوابل وكماجتين عيد، باسم ابن علم الدين. فقال النائب لصاحب المرسوم: ويلك، أنا نائب السلطان قد قطعت الكماجة التي لي، فعسى بجاهك تخلص لي كماجة، وتزايد الأمر في ذلك، فلم يمكن أحد رفعه وفيه خلع على الأمير ملكتمر السرجواني، واستقر في نيابة الكرك، وجهز معه عدة صناع لعمارة ما انهدم من قلعتها، وإعادة البرج إلى ما كان عليه. ورسم أن يخرج معه مائة من مماليك قوصون وبشتاك الذين كان الناصر أحمد أسكنهم بالقلعة بالقاهرة، ورتب لهم الرواتب، وأن يخرج منهم مائتان إلى دمشق وحمص وحماة وطرابلس وصفد وحلب. فأخرجوا جميعاً في يوم واحد، ونساؤهم وأولادهم في بكاء وعويل، وسخروا لهم خيول الطواحين ليركبوا عليها، فكان يوماً شنيعاً.
وقدم الخبر من ماردين بأن فياض بن مهنا فارق ابن دلغادر، وقصد بلاد الشرق ليقوي عزم المغل على أخذ بلاد الشام. فمنعه صاحب ماردين من ذلك، وشفع إلى السلطان فيه أن يرد إليه إقطاعه الذي كان بيده قبل الإمرية، فقبلت شفاعته، وكتب برد إقطاعه المذكور.
وفيه كتب بطلب الأمير سيف بن فضل على البريد.
وفيه قام الأمير ملكتمر الحجازي في خلاص الصفي موسى كتاب قوصون حتى أفرج عنه، وخلع عليه واستقر في ديوانه، بعدما أشرف على الهلاك.
وفيه أفرج أيضاً عن أهل الأمير سيف الدين أيتمش الناصري واستقر في الوزارة عوضاً عن جمال الكفاة.
وفي خامس عشر ربيع الآخر: خلع على الأمير نجم الدين محمود وزير بغداد، بطلبه الإعفاء لتوقف الحال.
وفيه قدم الخبر بوفاة حديثة بن مهنا، وأن أخاه فياض بن مهنا سار عن ماردين وكبس سيف بن فضل أمير الملا، فقتل جماعة من أصحابه، ونهب أمواله، وأسر أخاه.
وفيه تنكر الأمير أرغون العلائي والأمير ملكتمر الحجازي على الأمير آل ملك النائب، بسبب أنه كان إذا قدم إليه منشور أو مرسوم بمرتب ليكتب عليه بالاعتماد ينكره من ذلك، وإذا سأله أحد إقطاعاً أو مرتباً قال له: يا ولدي رح إلى باب الستارة أبصر طواشي، أو توصل لبعض المغاني تقضي حاجتك ودله بعض العامة على موضع تباع فيه الخمر والحشيش، فأحضر أولئك الذين يبيعونهما، وضربهم في دار النيابة بالقلعة بالمقارع، وشهرهم، وخلع على ذلك العامي، وأقامه عنه في إزالة المنكر، فصار يهجم البيوت لأخذ الخمور منها.
فلما كان يوم الإثنين ثامن عشرى ربيع الآخر. خلع على شجاع الدين غرلو، واستقر في ولاية القاهرة، عوضاً عن نجم الدين. فمنع شجاع الدين ذلك الرجل العامي من التعرض للناس، وأدبه. فطلبه الأمير الحاج آل الملك النائب، وأنكر عليه منعه له فأحضر ذلك الرجل من الغد رجلاً معه جرة خمر، فكشف النائب رأسه وصبها عليه، وحلق لحيته على باب القلعة بحضرة الأمراء، فعابوا عليه ذلك. وأخذ الأمير أرقطاي يلوم الأمير الحاج آل ملك النائب، وينكر عليه، فتفاوضا في الكلام، وافترقا على غير رضى.
واتفق أن الأمير ملكتمر الحجازي كان مولعاً بالخمر، ويحمل إليه الخمر على الجمال إلى القلعة. فمرت الجمال بالنائب وهو بشباك النيابة، فبعث نقيباً لينظر أين تدخل، ويأتيه بالجمال. فلما دخلت الجمال بيت الحجازي، وتسلم الشربدار ما عليها، وقد فطن الجمال بالنقيب، تغيب في داخل البيت، وعرف الأمير ملكتمر الحجازي الخبر فأحضر الأمير ملكتمر النقيب، وضربه ضرباً مؤلماً، فقامت قيامة الأمير الحاج آل ملك النائب، وتحدث مع الأمير أرغون العلائي في الخدمة، وأنكر على الحجازي تعاطيه الخمر. فأتاه الحجازي وفاوضه مفاوضة كثيرة، وقام مغضباً، والأمير أرغون العلائي ساكت، فلم يعجب النائب من العلائي سكوته، وانفضوا على غير رضى، فطلب النائب الإذن في سفره إلى الحجاز، فرسم له بذلك ثم منع منه، وترضاه السلطان حتى رضي وأبطل حركته للحج.
واتفق أن حسن بن الرديني الهجان قتل ليلاً في بيته بسوق الخيل من منسر كبس عليه، وقد خرج السلطان إلى سرحة سرياقوس، فاتهم ولده بذلك عيسى بن حسن الهجان وبالغاً الأعرج، لعداوة بينهما وبين أبيه، فقبض عليهما إلى النائب، فعراهما وأ!راد أن يضربهما بالمقارع فمازالا به حتى أمهلهما أياماً عينها، ليكشفوا عن القاتل، فسعيا بالأمراء حتى أفرج عنهما معارضة للنائب، ومنع من طلبهما. وأنعم على ولد حسن بإقطاع أبيه ووظيفته، فاشتد حنق النائب، وأطلق لسانه بالكلام.
وفيه قدم سيف بن فضل، فأكرمه السلطان، وكتب إلى نائب الشام بالقبض على أحمد بن مهنا إذا قدم عليه. وكان فياض قد بعثه ليأخذ له الأمان من السلطان، فيوم قدم دمشق أمسك هو وابن أخيه، وحبسا بالقلعة ترضية للأمير سيف. فجمع فياض عربه يريد أخذ دمشق، فجرد النائب له عشرة أمراء، فرجع عن مقصده. وبلغ ذلك الأمير أقسنفر الناصري نائب طرابلس، فشق عليه سجن أحمد بن مهنا، فإنه كتب فيه للسلطان، وأنه ضمن دركه ودرك فياض. فأجيب أقسنقر بقبول شفاعته، ورسم بحضورهما إلى مصر، فاتفق من مكة ما اتفق.
وقدم الخبر بنفاق عربان الوجه القبلي، وقطعهم الطرقات على الناس، وامتداد الفتن بينهم نحو شهرين قتل فيها خلق عظيم، وأن عرب الفيوم أغار بعضهم على بعض، وذبحوا الأطفال على صدور أمهاتهم، فقتل بينهم قتلى كثيره. وأخربوا ذات الصفا، ومنعوا الخراج في الجبال، وقطعوا المياه حتى شرق أكثر بلاد الفيوم، فلم يلتفت أمراء الدولة لذلك، لشغلهم بالصيد ونحوه.
وفيه نقل غرلو من ولاية القاهرة إلى سد الدواوين، والدولة في غاية التوقف. فاستجد غرلوا من الحوادث أن من طلب ولاية، أو شد جهة، يحمل مالاً بحسب وظيفته إلى بيت المال. وعرف غرلو السلطان أن هذا المال كان يحمل للناظر والمباشرين، وأنه تنزه عن ذلك، وأظهر نهضة وأمانة.
وفيه قدم الخبر بكثرة فساد العشير ببلاد الشام، وقطعهم الطرقات، لقلة حرمة الأمير طقزدمر نائب الشام. فانقطعت طرقات طرابلس وبعلبك، ونهبت بلادهما. وامتدت الفتنة بين العشير زياده على شهر، قتل فيها خلق كثير. ونحروا الأطفال على صدور أمهاتهم، وأضرموا النار على موضع احترق فيه زيادة على عشرين امرأة.
وفيه توقفت أحوال القاهرة من جهة الفلوس، وتحسن سعر أكثر المبيعات. وذلك أن المعاملة بالفلوس كانت بالعدد، فكثر فيها الفلوس الخفاق وانتدب جماعة لشراء النحاس الخلق بدرهمين الرطل، وقصه فلوسا خفافاً، فبلغ الرطل منها عشرين درهماً. وصار الرصاص يقطع على هيئة الفلوس، ويخلط بها. وجلب كثير من فلوس الشام وهي واسعة، فكانت تقطع ست قطع كل منها فلس، إلى أن أفحش ذلك، وكثر التعنت فيها. فطلب السلطان المحتسب والوالي وأنكر عليهما، فقبضا على كثير من الباعة، وضربوا عدة منهم بالمقارع وشهروهم، فتحسنت الأسعار كلها. فألزم المحتسب سماسرة الغلال ألا يزيدوا في سعر الغلة شيئاً، فلم يتجاسر أحد منهم أن يزيد شيئاً في السعر. ثم نودي ألا يؤخذ من الفلوس إلا ما عليه سكة السلطان، وما عدا ذلك يؤخذ بحساب كل رطل درهمين، ولا يقبل فيه نحاس ولا رصاص. فشريت الفلوس، وأخذ منها ما عليه السكة السلطانية، وتعامل الناس بها عدداً، ووزنوا في المعاملة الفلوس الخفاف بالرطل على حساب درهمين كل رطل، ففقدت بعد قليل. ثم ألزم الناس بحمل ما عندهم من الفلوس إلى دار الضرب، فضربت فلوساً جدداً. ولم يكن في الدولة حاصل يحمل لدار الضرب، كما هي العادة، لتوقف أمرها.
وفيه قدم الأمير جركتمر الحاجب من كشف الغلال، وقد حصل من متوفر غلال العربان ببلاد الشام أربعمائة ألف وخمسين ألف درهم.
وفيه توجه السلطان إلى سرياقوس على العادة.
وفيه قبض على المقدم خالد، ووقعت الحوطة على موجوده، وأخذ لسوء سيرته.
وفيه قدم رسول ابن دلغادر، وأخوه وابن عمه، بكتابه، وأنعم عليه بزيادة من أراضي حلب.
وفي نصف شعبان: قدمت الحرة، أخت صاحب الغرب في جماعة كثيرة، وعلى يدها كتاب السلطان أبي الحسن يتضمن السلام، وأن يدعوا لها الخطباء في يوم الجمعة في خطبهم، ومشايخ الصلاح وأهل الخير، بالنصر على عدوهم، وأن يكتسب لأهل الحرمين بذلك. وذلك أن في السنة الخالية كانت بينه وبين الفرنج وقعة عظيمة، قتل فيها ولده، ونصره الله بمنه على العدو، وقتل كثيراً منهم، وملك منهم الجزيرة الخضراء. فعمر الفرنج مائتي شيني، وجمعوا طوائفهم وقصدوا المسلمين بالجزيرة، وأوقعوا بهم عي حين غفلة. فاستشهد عالم كبير، ونجا أبو الحسن في طائفة من ألزامه بعد شدائد. وملك الفرنج الجزيرة، وأسروا وسبوا وغنموا شيئاً يجل وصفه، ثم مضوا إلى جهة غرناطة، ونصبوا عليها مائة منجنيق، حتى صالحهم أهلها على قطيعة يقومون بها، وتهادنوا مدة عشر سنين.
وقدمت رسل البنادقة من الفرنج بهدية، وسألوا الرفق بهم والمنع من ظلمهم، وألا يؤخذ منهم إلا ما جرت به عادتهم، وأن يمكنوا من بيع بضائعهم على من يختارونه.
فرسم لناظر الخاص ألا يتعرض لبضائعهم ولا يأخذ منها شيئاً إلا بقيمته ولا يلزمهم بشراء ما لا يختارون شراءه وأن يأخذ منهم على كل مائة دينار ديناران وكانوا يؤدون عن المائة أربعة دنانير ونصف دينار ليكثر الفرنج من بلادهم جلب البضائع.
وفي مستهل شهر رمضان: توقفت أحوال الدولة في كل شيء، وعجز الوزير عن لحم المعاملين وجوامك المماليك وسكرهم الجاري به العادة في شهر رمضان. وكان السكر الجاري في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون ألف قنطار فبلغ في هذا الشهر ثلاثة آلاف قنطار ونيف، ولم يوجد في بيت المال شيء لكثرة الزيادات في الرواتب. وعز وجود السكر لتلاف القصب فيما مضى فرسم بقطع راتب الأمراء والمماليك وأرباب الوظائف كلهم ولم يصرف سكر إلا لنساء السلطان فقط وكتبت أوراق بكلف الدولة فمنع جميع ما استجد بعد السلطان الناصر محمد وكتب بذلك مرسوم سلطاني، فتوفر في كل يوم أربعة آلاف رطل لحم، وستمائة كماج سميذ، وثلاثمائة أردب شعير، وفي كل شهر مبلغ ألف درهم، وفي السنة عدة كساوى. وأضيف سوق الخيل والجمال والحمير إلى الدولة، وعوض مقطوعها بأرض سيلا من أعمال الفيوم، وبناحية سمنديون من القليوبية، وبناحية فيشة من الغربية خلا ماهو فيها لقضاة القضاة، عوضاً عما كان لهم على الجوالي.
وفي هذا الشهر: خلع علي تقي الدين سليمان بن علي بن عبد الرحيم بن سالم بن مراحل، واستقر في نظر دمشق وكان قد طلب إلى مصر عوضاً، عن المكين إبراهيم ابن قروينة باستعفائه.
وفيه كتب بنقل ناصر الدين محمد بن المحسني من طرابلس إلى دمشق، واستقراره في وظيفة الشد رفيقاً لابن مراحل. فضبطا الجهات ضبطاً كبيراً، وقطعا من موقعي دمشق نحو العشرين قد استجدوا ومنهم ابن الزملكاني وابن غانم وابن الشهاب محمود وأولاده وجمال الدين بن نباتة المصري وقطعا كثيراً من البريدية، وحملا كسوة المماليك على العادة، وهي ألفا ثوب بعلبكي سوى البطائن وغيرها.
وفيه مات بدوه الططري، ففرق إقطاعه على ثمانين من المماليك السلطانية ووفرت جوامكهم ورواتبهم، وأخرج عدة منهم إلى الكرك.
وفيه رسم بعرض أجناد الحلقة على النائب، ليوفر منهم إقطاع الشيخ العاجز والجندي المستجد. فطلب الأجناد من الأقاليم، ونودي من تأخر عن العرض قطع خبزه، فقام الأمراء في ذلك حتى بطل.
وفي يوم الخميس تاسع عشريه: أفرج عن الأمير بيغرا، وعن الأمير قراجا والأمير أولاجا، من سجن الإسكندرية، وتوجهوا إلى دمشق. ثم رسم لبيغرا بالإقامة بالقاهرة، وأنعم عليه بتقدمة ألف.
وفيه رسم أن تكون نفقة المماليك والأوجاقية والأيتام بين يدي الطواشي المقدم فوفر منهم عدة.
وفيه أنعم على الأمير طرنطاي البشمقدار بإقطاع الأمير علم الدين سنجر الجاولي، بعد موته.
وفيه أنعم بإقطاع طرنطاي على الأمير بيبغا ططر نائب غزة، ورسم بحضوره.
وفيه خلع على الأمير علم الدين أيدمر الزراق، واستقر في نيابة غزة، وأنعم بإقطاعه على ابن بكتمر الساقي.
وفيه أنعم بإقطاع الأمير ألطنقش، بعد موته، على أرغون الصغير صهر أرغون العلائي.
وفيه توجه ركب الحاج على العادة، صحبة الأمير طيبغا المجدي.
وفي مستهل ذي القعدة: قدمت خوند بنت الأمير طقزدمر نائب الشام، وزوجة السلطان الصالح إسماعيل، فدخل عليها.
وفي يوم الإثنين حادي عشريه: عزل الضياء أبو المحاسن يوسف بن أبي بكر بن محمد ابن خطيب بيت الآبار الشامي، من نظر المارستان المنصوري، واستقر عوضه علاء الدين بن الأطروش.
وفي يوم السابع من ذي الحجة: انفرد العلم بن سهلول بوظيفة نظر الدولة، بعد ما التزم بحمل ألف دينار لبيت المال.
وفيه عزل موسي بن التاج إسحاق، لتوقف حال الدولة، وكثرة تقلقه وكراهة الناس له، لظلمه وتغييره قواعد كثيرة.
وفيه قدم كتاب التاج محمد بن محمد بن عبد المنعم البارنباي موقع طرابلس بحدوث سيل عظيم، لم يعهد مثله فيما تقدم.
وفيها كثر سقوط الثلج بدمشق حتى خرج عن العادة، وأنفقوا على شيله من الأسطحة ما ينيف على ثمانين ألف درهم، فإنه أقام يسقط أسبوعين.
وفيها زاد عاصفة حتى خرب عدة بيوت وفيها تواتر سقوط البرد بأرض مصر، مع ريح سوداء، وشعث عظيم، وبرق ورعد سهول. ثم أعقب ذلك عالم شديدة الحر، بحيث تطاير منها شرر أحرق رءوس الأشجار، وزريعة الباذنجان وبعض الكتان، حتى اشتد خوف الناس، وضجوا إلى الله تعالى. وجاء مطر غزير، ثم برد فيه يبس لم يعهد مثله، فكانت أراضي النواحي تصبح بيضاء من كثرة الجليد، وهلك من شدة البرد جماعة من بلاد الصعيد وغيرها. وأمطرت السماء خمسة أيام متوالية حتى ارتفع الماء في مزارع القصب قدر ذراع، وعم ذلك أرض مصر قبليها وبحريها، ففسدت بالريح والمطر مواضع كثيرة، وقلت أسماك بحيرة نستراوة وبحيرة دمياط، والخلجان وبركة الفيل وغيرها، لموتها من البرد.
فتلفت في هذه السنة بعامة أرض مصر وجميع بلاد الشام بالأمطار والثلوج والبرد، وهبوب السمائم وشدة البرد، من الزروع والأشجار، والبائهم والأنعام والدور، ما لا يدخل تحت حصر، مع ما ابتلي به أهل الشام من تجريد عساكرها وتسخير أهل الضياع وتسلط العربان والعشير، وقلة حرمة السلطنة مصراً وشاماً، وقطع الأرزاق وظلم الرعية. وبلغت زيادة النيل في هذه السنة ثمانية عشر ذراعاً وسبعة عشر إصبعاً.
وفيه قدم سيف الدين بلطوا مبشراً بسلامة الحجاج، في خامس عشرى ذي الحجة.

.ومات فيها من الأعيان:

إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم بن الزبير الغرناطي في شعبان، ببرشانة من الأندلس، قدم القاهرة، وأخذ عن جماعة، وولي ببلده قضاء عدة مواضع.
وتوفي قاضي القضاة الحنفية بدمشق جلال الدين أحمد بن الحمام أبي الفضائل الحسن بن أحمد بن الحسن بن أنوشروان الرازي، عن بضع وسبعين سنة بدمشق.
ومات الأمير بدر الدين بكتاش نقيب الجيش، في يوم الخميس سابع عشرى جمادى الآخرة، وكان مشكوراً.
ومات الأمير علم الدين سنجر الجاولي الفقيه الشافعي، في يوم الخميس ثامن رمضان، ودفن بمدرسته فوق جبل الكبش، أصله من مماليك جاول أحد أمراء السلطان الظاهر بيبرس، ثم انتقل بعده إلى بيت السلطان المنصور قلاوون. وأخرج في أيام الأشرف خليل إلى الكرك، فاستقر في بحريتها. وقدم في أيام السلطان العادل كتبغا إلى مصر بحال زري، فسلمه كتبغا إلى مملوكه بتخاص، ليكون نائبه بالحوائج خاناه، وتنقل حتى قدمه الأمير سلار وقربه، ثم ولي نيابة غزة، وصار من أكبر أمراء مصر. وله مدرسة على جبل الكبش بجوار جامع ابن طولون، وجامع بقرية الخليل عليه السلام، وجامع بغزة، ومارستان وخان ببيان، وخان بقاقون، وله مصنفات وفضائل كثيرة.
ومات الأمير طقصبا الظاهري، وقد أناف على مائة وعشرين سنة.
ومات الأمير ألطنقش أستادار السلطان الناصر محمد، وهو من مماليك الأفرم. فلما توجه الأفرم إلى بلاد التتار قدم هو إلى القاهرة، فقبض عليه وسجن، ثم أفرج عنه، وأنعم عليه بإمرية طبلخاناه. ثم عمل أستاداراً صغيراً، مع أستادارية آنوك ابن السلطان الناصر محمد.
ومات الأمير أرغون عبد الله.
ومات الأمير صلاح الدين يوسف بن أسعد الدوادار الناصري، بطرابلس، ولي نيابة الإسكندريه، وكشفت الجيزة، ثم دوادارية السلطان الناصر محمد، وكان كاتباً شاعراً ضابطاً.
ومات الأمير سنجر الجقدار أحد المماليك المنصورية، وقد أسن.
ومات محمد شرف الدين الرديني الهجان، قتلاً.
ومات الأمير طرنطاي المحمدي بدمشق، وهو أحد المماليك المنصورية قلاوون، ومن جملة من وافق على قتل الأشرف خليل. وسجن سبعاً وعشرين سنة، ثم أخرج إلى طرابلس أمير عشرة، ثم نقل إلى دمشق.
ومات الأمير بكتمر العلائي أحد المنصورية أيضاً، بعدما ولي أستاداراً ونائب حمص، ونائب غزة، ثم نائب حمص، وبها مات.
ومات الأمير كندغدي الزراق المنصوري بحلب، وهو رأس الميسرة، ومقدم العساكر المجردة إلى سيس.
ومات الأمير بلبان الشمسي أحد المنصورية، بحلب.
ومات فتح الدين صدقة الشرابيني، عن مال ومعروف كثير، في يوم الأحد ثاني شوال.
ومات جمال الكفاة إبراهيم مشير الدولة وناظر الخاص والجيش، تحت العقوبة في ليلة الأحد سادس ربيع الأول. وكان أولاً يباشر في بعض البساتين على بيع ثمرته، وتنقل في خدمة ابن هلال الدولة. ثم خدم بيدمر البدري وهو خاصكي خبزه في محلة منوف يكتب على باب إلى أن تأمر، فباشر عنده ثم قرره السلطان الملك الناصر محمد في الاستيفاء، ثم أقامه في ديوان الأمير بشتاك بعد موت المهذب إلى أن قتل النشو، فولاه نظر الخاص بعده. ثم أضاف إليه السلطان الناصر محمد نظر الجيش، عوضاً عن المكين إبراهيم، فنهض بهما. ولاحظته السعود حتى انتقضت أيامه، فزال سعده، وعوقب حتى هلك. وكان يتحدث بالتركي والنوبي والتكروري وله مكارم كثيرة.
ومات خالد بن الزراد المقدم، في يوم الجمعة ثامن عشرى جمادى الآخرة، تحت العقوبة، وكان ظالماً.
وتوفي شمس الدين محمد بن أبي بكر بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن نجدة بن حمدان المعروف بابن النقيب الشافعي، قاضي القضاة بحلب، وهو معزول بدمشق، عن نيف وثمانين سنة.
وتوفي الشيخ أثر الدين أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن حيان الأندلسي، إمام وقته في النحو والقراءات والآداب في ثامن عشرى صفر.
وفيه توجه طلب الأمير أرغون الكاملي إلى حلب.
وفيه قدم طلب الأمير أرقطاي مع ولده.
وفي يوم الخميس مستهل شعبان: خرج الأمير قبلاي الحاجب بمضافيه من الطبلخاناه والعشرات إلى غزة، لأحد شيوخ العشير.
وفي هذا الشهر: غير الوزير ولاة الوجه القبلي، وكتب بطلبهم، وعزل مازان من الغربية بابن الدواداري.
وفيه أضيف كشف الجسور إلى ولاة الأقاليم.
وفيه أعيد فأر السقوف إلى ضماد جهات القاهرة ومصر بأجمعها، وكان قد سجن في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون، وكتب على قيده مخلد، بعد ما صودر وضرب بالمقارع لقبح سيرته. فلم يزل مسجوناً إلى أن أفرج عن المحابيس في أيام الصالح إسماعيل، فأفرج عنه في جملتهم، وانقطع إلى أن اتصل بالوزير منجك واستماله، فسلمه الجهات بأسرها، وخلع عليه، ومنع مقدمي الدولة من مشاركته في التكلم في الجهات، ونودي له في القاهرة ومصر، فزاد في المعاملات ثلاثمائة ألف درهم في السنة.
وفيه قدم الأمير قبلاي غزة، فاحتال على أدي حتى قدم عليه، فأكرمه وأنزله، ثم رده بزوادة إلى أهله فاطمأنت العشرات والعربان لذلك، وبقوا على ذلك إلى أن أهل رمضان. حضر أدي في بني عمه لتهنئة قبلاي بشهر الصوم فساعة وصوله إليه قبض عليه وعلى بني عمه الأربعة، وقيدهم وسجنهم، وكتب إلى علي بن سنجر. بأني قد قبضت على عدوك ليكون لي عندك يد بيضاء فسر سنجر بذلك، وركب إلى قبلاي، فتلقاه وأكرمه، فضمن له سنجر درك البلاد. ورحل قبلاي من غده ومعه أدي وبنو عمه يريد القاهرة، فقدم في يوم الإثنين حادي عشره، فضربوا على باب القلة بالمقارع ضرباً مبرحاً وألزم أدي بألف جمل ومائتي ألف درهم، فبعث إلى قومه بإحضارها، فلما أخذت سمر هو وبنو عمه في يوم الإثنين خامس عشريه وقت العصر، وسيروا إلى غزة صحبة جماعة من أجناد الحلقة، فوسطوا بها. فثار أخو أدي، وقصد كبس غزة، فخرج إليه الأمير دلنجي ولقيه على ميل من غزة، وحاربه ثلاثة أيام، وقتله في اليوم الرابع بسهم أصابه، وبعث دلنجي بذلك إلى الفاهرة، فكتب بخروج نائب صفد ونائب الكرك لنجدته.
وفي مستهل شوال: توجه السلطان إلى الأهرام على العادة.
وفيه كثر الإنكار على الوزير منجك، فإنه أبطل سماط العيد، واحتج بأنه يقوم بجملة كبيرة تبلغ خمسين ألف درهم، وتنهبه الغلمان، وكان أيضاً قد أبطل سماط شهر رمضان.
وفي هذا الشهر: فرغت القيسارية التي أنشأها تاج الدين المناوي، بجوار الجامع الطولوني، من مال وقفه، وتشتمل على ثلاثين حانوتاً.
وفيه خرج ركب الحاج على العادة، صحبة الأمير فارس الدين، ومعه عدة من مماليك الأمراء. وحمل الأمير فارس الدين معه مالاً من بيت المال، ومن مودع الحكم، لعمارة عين جوبا بمكة، ومبلغ عشرة ألاف درهم للعرب بسبب العين المذكورة، ورسم أن تكون مقررة لهم في كل سنة. وخرج معه حاج كثير جداً، وحمل الأمراء من الغلال في البحر إلى مكة عدة ألاف أردب.
وفي مستهل ذي القعدة: قدم كتاب الأمير دلنجي نائب غزة بتفرق العربان، ونزول أكثرهم بالشرقية والغربية من أرض مصر، لربط إبلهم على البرسيم. فكبست البلاد عليهم، وقبض على ثلاثمائة رجل، وأخذ لهم ثلاثة ألاف جمل. ووجد عندهم كثير من ثياب الأجناد وسلاحهم وحوائصهم، فاستعمل الرجال في العمائر حتى هلك أكثرهم.
وفي نصفه: خرج الأمراء لكشف الجسور، فتوجه الأمير أرنان للوجه القبلي، وتوجه أمير أحمد قريب السلطان للغربية، وتوجه الأمير أقجبا للمنوفية، وتوجه أراي أمير أخور للشرقية، وتوجه أحد أمراء العشرات لأشمون.
وفيه توقف حال الدولة، فكثر الكلام من الأمراء والمماليك السلطانية والمعاملين والخوشكاشية وفيه طلب الأمير مغلطاي أمير أخور زيادة على إقطاعه، فكشف عن بلاد الخاص، فدل ديوان الجيش على أنه لم يتأخر منها سوى الإسكندرية ودمياط وقوة وفارس كور، وخرج باقيها للأمراء، وخرج أيضاً من الجيزة ما كان لديوان الخاص للأمراء. وشكا الوزير من كثرة الكلف والإنعامات، وأن الحوائج خاناه في الأيام الناصرية محمد ابن قلاوون مرتبها في كل يوم ثلاثة عشر ألف درهم، وهو اليوم اثنان وعشرون ألف درهم. فرسم بكتابة أوراق بمتحصل الدولة ومصروفها، فبلغ المتحصل في السنة عشرة ألاف ألف درهم، والمصروف بديوان الوزارة وديوان الخاص أربعة عشر ألف ألف درهم وستمائة ألف درهم، وأن الذي خرج من بلاد الجيزة على سبيل الإنعام زيادة على إقطاعات الأمراء نحو ستين ألف دينار. فتغاضى الأمراء عند سماع ذلك إلا مغلطاي أمير آخور، فإنه غضب وقال: من يحاقق الدواوين على قولهم؟.
وفيه قدم طلب الأمير قطليجا الحموي من حلب، فوضع الوزير منجك يده عليه، وتصرف بحكم أنه وصي.
وفيه قدم الأمير عز الدين أزدمر الزراق من حلب، باستدعائه، بعد ما أقام بها مدة سنة من جملة أمراء الألوف، فأجلس مع الأمراء الكبار في الخدمة.
وفيه أخرج ابن طقزدمر إلى حلب، لكثرة فساده وسوء تصرفه.
وفيه خرج الأمير طاز لسرحة البحيرة، وأنعم عليه من مال الإسكندرية بألفي دينار.
وخرج الأمير صرغتمش أيضاً، فأنعم عليه منها بألف دينار.
ثم توجه الأمير بيبغا روس النائب للسرحة، وأنعم عليه بثلاثة ألاف دينار. وتوجه الأمير شيخو أيضاً، ورسم له بثلاثة ألاف دينار.
وفيه أنعم على الأمير مغلطاي أمير أخور إرضاء لخاطره بناحية صهرجت زيادة على إقطاعه، وعبرتها عشرون ألف دينار في السنة.
فدخل الأمير شيخو في سرحته إلى الإسكندرية، فتلقته الغزاة بآلات السلاح، ورموا بالجرخ بين يديه، ونصبوا المنجنيق ورموا به. ثم شكوا له ما عندهم من المظلمة، وهي أن التاج إسحاق ضمن دكاكين العطر، وأفرد دكاناً لبيع النشا فلا تباع بغيرها، وأفرد دكاناً لبيع الأشربة فلا تباع بغيرها، وجعل ذلك وقفا على الخانكاه الناصرية بسرياقوس. فرسم بإبطال ذلك، وأطلق للناس البيع حيث أحبوا، وكتب مرسوم بإبطال ذلك.
وفي مستهل ذي الحجة: عوفي علم الدين عبد الله بن زنبور، وخلع عليه، بعد ما أقام أربعين يوماً مريضاً، تصدق فيها بثلاثين ألف درهم، وأفرج عن جماعة من المسجونين.
وفيه كتب الموفق ناظر الدولة أوراق بما استجد على الدولة، من وفاة السلطان الناصر محمد بن قلاوون إلى المحرم سنة خمسين وسبعمائة، فكانت جملة ما أنعم به وأقطع من بلاد الصعيد وبلاد الوجه البحري وبلاد الفيوم، وبلاد الملك، وأراضي الرزق- للخدام والجواري وغيرهن سبعمائة ألف ألف أردب، وألف ألف وستمائة ألف درهم، معينة بأسماء أربابها من الأمراء والخدام والنساء، وعبرة البلد ومتحصلها، وجملة عملها وقرئت على الأمراء، ومعظم ذلك بأسمائهم، فلم ينطق أحد منهم بشيء.
وفيه أبطل الوزير منجك سماط عيد النحر أيضاً.
وفيها أبطل ما أحدثه النساء من ملابسهن. وذلك أن الخواتين نساء السلطان وجواريهن أحدثن قمصاناً طوالاً تخب أذيالها على الأرض، بأكمام سعة الكم منها ثلاثة أذرع، فإذا أرخته الواحدة منهن غطى رجلها، وعرف القميص منها فيما بينهن بالبهطلة، ومبلغ مصروفه ألف درهم مما فوقها. وتشبه نساء القاهرة بهن في ذلك، حتى لم يبق امرأة إلا وقميصها كذلك. فقام الوزير منجك في إبطالها، وطلب والي القاهرة ورسم له بقطع أكمام النساء، وأخذ ما عليهن.
ثم تحدث منجك مع قضاة القضاة بدار العدل يوم الخدمة بحضرة السلطان والأمراء فيما أحدثه النساء من القمصان المذكورة، وأن القميص منها مبلغ مصروفه ألف درهم، وأنهن أبطلن لبس الإزار البغدادي، وأحدثن الإزار الحرير بألف درهم، وأن خف المرأة وسرموزتها بخمسمائة درهم. فأفتوه جميعهم بأن هذا من الأمور المحرمة التي يجب منعها، فقوي بفتواهم، ونزل إلى بيته، وبعث أعوانه إلى بيوت أرباب الملهى، حيث كان كثير من النساء، فهجموا عليهن، وأخذوا ما عندهن من ذلك.
وكبسوا مناشر الغسالين ودكاكين البابية، وأخذوا ما فيها من قمصان النساء، وقطعها الوزير منجك. ووكل الوزير مماليكه بالشوارع والطرقات، فقطعوا أكمام النساء، ونادى في القاهرة ومصر بمنع النساء من لبس ما تقدم ذكره، وأنه متى وجدت امرأة عليها شيء مما منع أخرق بها وأخذ ما عليها.
واشتد الأمر على النساء، وقبض على عدة منهن، وأخذت أقمصتهن. ونصبت أخشاب على سور القاهرة بباب زويلة وباب النصر وباب الفتوح، وعلق عليها تماثيل معمولة على سور النساء، وعليهن القمصان الطوال، إرهاباً لهن وتخويفاً.
وطلبت الأساكفة، ومنعوا من بيع الأخفاف والسراميز المذكورة، وأن تعمل كما كانت أولاً تعمل، ونودي من باع أزاراً حريراً أخذ جميع ماله للسلطان. فانقطع خروج النساء إلى الأسواق، وركوبهن حمير المكارية، وإذا وجدت امرأة كشف عن ثيابها. وامتنع الأساكفة من عمل أخفاف النساء وسراميزهن المحدثة، وأنكف التجار عن بيع الأزر الحرير وشرائها، حتى أنه نودي على إزار حرير بثمانين درهماً فلم يلتفت له أحد، فكان هذا من خير ما عمل.
وفيه استقر جمال الدين يوسف المرداوي في قضاء الحنابلة بدمشق، بعد وفاة علاء الدين علي بن أبي البركات بن عثمان بن أسعد بن المنجا.
وفيه استقر نجم الدين محمد الزرعي في قضاء الشافعية بحلب، بعد وفاة نجم الدين عبد القاهر بن أبي السفاح.
وفيه توقف النيل، ثم زاد حتى كان الوفاء في جمادى الآخرة. ثم نقص نحو ثلثي ذراع، وبقي على النقص إلى النوروز، وهو ستة عشر ذراعاً وإحدى وعشرين أصبعاً. ثم رد النقص وزاد إصبعين، فبلغ ستة عشر ذراعاً وثلاثة وعشرين إصبعاً في يوم عيد الصليب.
وفيه أضاع الولاة عمل الجسور، وباعوا الجراريف حتى غرق كثير من البلاد.
ومع ذلك امتدت أيديهم إلى الفلاحين، وغرموهم ما لم تجر به عادة، فشكي من الولاة للوزير، فلم يلتفت لمن شكاهم.
ومات فيها من الأعيان شيخ الإقراء شهاب الدين أحمد بن موسى بن موسك بن جكو الهكاري بالقاهرة، عن ست وسبعين سنة، في ثاني عشر جمادى الأولى. وكتب بخطه كثيراً، ودرس القراءات والحديث ومات النحوي شهاب الدين أحمد بن سعد بن محمد بن أحمد النسائي الأندرشي بدمشق، وله شرح سيبويه في أربعة أسفار.
ومات مكين الدين إبراهيم بن قروينة بعدما ولي استيفاء الصحبة ونظر البيوت، ثم ولي نظر الجيش مرتين، وصودر ثلاث مرات، وأقام بطالاً حتى مات.
ومات الأمير أرغون شاه الناصري نائب الشام، مذبوحاً، في ليلة الخميس رابع عشرى ربيع الأول رباه السلطان الناصر محمد بن قلاوون حتى عمله أمير طبلخاناه رأس نوبة الجمدارية، ثم استمر بعد وفاته أستاداراً أمير مائة مقدم ألف، فتحكم على المظفر شعبان حتى أخرجه لنيابة صفد، وولي بعدها نيابة حلب، ثم نيابة الشام. وكان جفيفاً قوي النفس شرس الأخلاق، مهاباً جائراً في أحكامه، سفاكاً للدماء غليظاً فحاشاً كثير المال. وأصله من بلاد الصين، حمل إلى أبو سعيد بن خربندا، فأخذه دمشق خواجا بن جوبان، ثم ارتجعه أبو سعيد بعد قتل جربان، وبعث به إلى مصر هدية، ومعه ملكتمر السعيدي.
ومات الأمير أرقطاي المنصوري، بظاهر حلب، وهو متوجه إلى دمشق، عن نحو ثمانين سنة، في يوم الأربعاء خامس جمادى الأولى. وأصله من مماليك المنصور قلاوون، رباه الطواشي فاخر أحسن تربية، إلى أن توجه الناصر محمد بن قلاوون إلى الكرك كان معه. فلما عاد إليه ملكه جعله من جملة الأمراء، ثم سيره صحبة الأمير تنكز نائب الشام، وأوصاه ألا يخرج عن رأيه، وأقام عنده مدة. ثم تنكر عليه السلطان الناصر محمد، فولاه نيابة حمص مدة سنتين ونصف، ثم نقله لنيابة صفد، فأقام بها ثماني عشر سنة. وقدم مصر، فأقام بها عدة سنين، وجرد إلى أياس. ثم ولي نيابة طرابلس، ومات الناصر محمد وهو بها. ثم قدم مصر، وقبض عليه، ثم أفرج عنه، وأقام مدة. ثم ولي نيابة حلب، ثم طلب إلى مصر، فصار رأس الميمنة. ثم ولي نيابة السلطنة نحو سنتين، ثم أخرج لنيابة حلب، فأقام بها مدة. ثم نقل لنيابة الشام، فمات في طريقه لدمشق، فدفن بحلب، وكان مشكور السيرة.
ومات الأمير ألجيبغا المظفري نائب طرابلس، موسطاً بدمشق، في يوم الإثنين ثامن عشر ربيع الآخر.
وقتل معه أيضاً الأمير أياس، وأصله من الأرمن، أسلم على يد الناصر محمد ابن قلاون، فرقاه حتى عمله شاد العمائر، ثم أخرجه إلى الشام، ثم أحضره غرلو، وتنقل إلى أن صار شاد الدواوين. ثم صار حاجباً بدمشق، ثم نائباً بصفد، ثم نائباً بحلب، ثم أميراً بدمشق، حتى كان من أمره ما تقدم ذكره.
ومات بدمشق الأمير طقتمر الشريفي، بعد ما عمي.
ومات قاضي الشافعية بحلب نجم الدين عبد القاهر بن عبد الله بن يوسف بن أبي السفاح.
وتوفي نجم الدين عبد الرحمن بن يوسف بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن علي القرشي الأصفوني الشافعي، بمنى في ثالث عشر ذي الحجة. ودفن بالعلاء، وله مختصر الروضة وغيره.
وتوفي قاضي القضاة علاء الدين علي بن الفخر عثمان بن إبراهيم بن مصطفى المارديني، المعروف بابن التركماني الحنفي، في يوم الثلاثاء عاشر المحرم بالقاهرة.
وله كتاب الرد النقي في الرد على البيهقي وغيره، وله شعر، وكان الناصر محمد بن قلاوون يكره منه اجتماعه بالأمراء، وكان يغلو في مذهبه غلواً زائداً.
وتوفي قاضي الحنابلة بدمشق، علاء الدين علي بن الزين أبي البركات بن عثمان بن أسعد بن المنجا التنوخي، عن ثلاث وسبعين سنة.
ومات الأمير قطليجا الحموي أصله المملوك المؤيد صاحب حماة، فبعثه إلى الناصر محمد بن قلاوون، وترقى صار من جملة الأمراء. ثم ولي نيابة حماة، ونقل إلى نيابة حلب، فأقام بها أياماً ومات، وكان سيء السيرة.
وتوفي قاضي القضاة تقي الدين محمد بن أبي بكر بن عيسى بن بدران السعدي الأخنائي المالكي، في ليلة الثالث من صفر.
ومات الأمير نوغيه البدري والي الفيوم.
وماتت خوند بنت الملك الناصر محمد بن قلاوون، وهي زوجة الأمير طاز. وتركت مالاً عظيماً، أبيع موجودها بباب القلة من القلعة بخمسمائة ألف درهم، من جملته قبقاب مرصع بأربعين ألف درهم، ثمنها ألف دينار مصرية.
ومات علم الدين بن سهلول. كان أبوه كاتباً عند بعض الأمراء، فخدم بعده أمير حسين بن جندر، ثم ولي الاستيفاء ونظر الدولة، شركة للموفق. ثم صودر ولزم بيته، وعمر داراً جليلة بحارة زويلة من القاهرة.
وفيها قام بتونس أبو العباس الفضل بن أبي بكر بن يحيى بن إبراهيم بن عبد الواحد ابن أبي حفص في ذي القعدة، وكان قد قدم إلى تونس السلطان أبو الحسن علي بن أبي سعيد عثمان بن يعقوب بن عبد الحق ملك بني مرين صاحب فاس، وملك تونس وإفريقية، ثم سار منها للنصف من شوال، واستخلف ابنه أبا العباس الفضل، فقام أبو العباس المذكور وملك تونس ملك أبيه.