فصل: سنة تسع وسبعين وسبعمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك (نسخة منقحة)



.سنة تسع وسبعين وسبعمائة:

أهلت والأمراض في الناس فاشية، فتزايد الوباء في هذا الشهر، ومات جماعة من الناس بالطاعون.
وفي خامس المحرم: خلع علي الأمير شهاب الدين قرطاي، واستقر أتابك العساكر. وخلع على الأمير زين الدين مبارك الطازي، واستقر رأس نوبة كبيرا، وخلع على الأمير سودن جركس، واستقر أستادار، وخلع على الأمير ناصر الدين محمد بن الأمير قرابغا الأناقي، أحد العشرات، واستقر في ولاية مصر، وأفرج عن الأمير قطلو أقتمر الطويل العلاي، وأنعم عليه بإمرة طبلخاناه، وقبض علي الأمير طولوا الصرغتمشى بقطيا وقد عاد من الشام، لما كان من ظلمه وعسفه.
وفي تاسعه: وصل أولاد قلاوون من الكرك وهم الملك المنصور محمد بن حاجي ابن محمد بن قلاوون، وأولاد الناصر حسن وهم أحمد وقاسم وعلي واسكندر وموسى وإسماعيل ويوسف ويحيى وشعبان ومحمد، وأولاد حسن بن محمد بن قلاوون، وهم أنوك وأحمد وإبراهيم وجان بك ومحمد بن الصالح صالح بن محمد بن قلاوون وقاسم بن أمير علي بن يوسف، فأدخلوا بحريمهم وأولادهم إلى قلعة الجبل ليلا، وأنزلوا بدورهم منها.
وفي عاشره: قدم الأمير ناصر الدين محمد آقبغا آص، فأمر أن يقيم بداره.
وفي تاسع عشره: خلع على الأمير الكبير قرطاي، واستقر في نظر المارستان. ونزل إليه بتشريفة، فنظر في أحوال المرضى وغيرهم على العادة، ثم عاد إلى منزله.
وفيه قبض على الأمير يلبغا النظامي- أحد الأمراء الآلوف- وعلى أستبغا النظامي، أحد أمراء الطبلخاناه.
وفي عشرينه: خلع على الأمير سودن الشيخوني، وعلى الأمير بلوط الصرغتمشى، واستقرا حاحبين، يحكمان بين الناس.
وفي رابع عشرينه: عزل الأمير منكلي بغا البلدي من نيابة طرابلس، والأمير تمرباى من نيابة صفد.
وفيه قدم محمل الحاج صحبة الأمير بهادر الجمالي، وقدم الخبر بأن أهل البحيرة قد عصوا، وفي أخره خلع على الأمير عز الدين أينبك البدري، واستقر ناظر المارستان، عوضاً عن الأمير الكبير قرطاي.
وفي خامس صفر: قدم البريد بسيف منكلي بغا البلدي من طرابلس وأنه سجن بالكرك.
وفي تاسعه: قدم الأمير. يلبغا الناصري من الشام باستدعاء، بعد ما نفي إليها، فأنعم عليه بإمرة طبلخاناه.
وفي عاشره: أخذ قاع النيل، وكان خمس أذرع وأربع وعشرين إصبعا، وكان في العام الماضي خمس أذرع وست عشرة إصبعا.
وفيه ورد البريد بأن تمر باى الدمرداشي لم يسمع لعزله عن نيابة صفد، وخرج عن الطاعة.
وفيه استقر الأمير أرغون الأسعردي في نيابة طرابلس، عوضاً عن منكلي بغا البلدي. واستقر الأمير تمراز الطازي في نيابة حماة، واتفق أن الأمير قرطاي تزوج بابنة الأمير أينبك، وشرع في عمل المهم للعرس، فأخذ أينبك في العمل عليه، واستمال جماعة من أصحابه، منهم برقوق العثماني، أحد المماليك الأجلاب اليلبغاوية، وبركة، ووعدهم بإمرات طبلخاناه، فمالوا إليه، وواعدوه على الفتك به، فلما كان يوم الأحد عشرينه، حمل الأمير أينبك تقدمة برسم عرس الأمير قرطاي، وجهزها إليه، ما بين خراف ودجاج وأوز وسكر، ومن جملتها عدة جرار حمر قد عمل فيه بنج، فقدمت إليه فقبلها، وخلع على محضرها، وجلس للشرب مع أصحابه من الخمر الذي بعث به إليه أينبك، فاختلط، وصار كالحجر الملقى لا يحس ولا يدري، فبعث أصحابه الذين استمالهم أينبك إليه يعلموه. بما صار إليه، وأنهم قد احترزوا على أنفسهم حتى لم يصبهم شيء مما أصابه، فركب في الحال بآلة الحرب، وأنزل بالسلطان من قصره إلى الإصطبل، وأمر بدق الكوسات فدقت حربيا، حتى اجتمع الأمراء والمماليك للقتال مع السلطان على العادة، فلم يزل الأمير أينبك راكبا تحت القلعة من عصر يوم الأحد، حتى أصبح نهار يوم الإثنين. هذا وقرطاي ومن معه من الأمراء الألوف والطبلخاناه وغيرهم في غيبة من السكر لايعون ولا يفيقون، وهم الأمير أسندمر الصرغتمشى، والأمير سودن جركس، والأمير قطلوبغا البدري، والأمير قطلوبغا جركس أمير سلاح، والأمير مبارك الطازي، في آخرين فلما أصبحوا أفاق قرطاي إفاقة ما، وبعث يسأل الأمير أينبك أن ينعم عليه بنيابة حلب، فأرسل إليه التشريف ليلبسه ويخرج من وقته، وكان أينبك قد أحاط في الليل بإصطبلات الأمراء الذين عند قرطاي وخواص مماليكه أيضاً، وأخذ خيولهم بأجمعها، وكان مماليك قرطاي قد أعياهم أمره، وعجزوا عن إيقاظه، وأتوه في الليل برئيس الأطباء، فعالجه ومن معه من الأمراء، فلم ينجع فيهم الدواء، فلما جاءه التشريف بنيابة حلب مع عدة من أصحاب أينبك، أخذوا قرطاي وأخرجوه من باب سرداره، ومروا به، وهو لا يعي حتى أوصلوه إلى سرياقوس وعبر الأمير أينبك إلى بيت قرطاي- بعد إخراجه منه- وقبض على الأمراء وعلى عامة أصحاب قرطاي، وحبسهم مقيدين، وبعث بعدة منهم إلى ثغر الإسكندرية، فسجنوا بها، ونودي في القاهرة الأمان والإطمئنان، والبيع والشراء، والدعاء للسلطان الملك المنصور. ففتحت الأسواق.
وفي ثاني عشرينه: أخرج الأمير أتمر الحنبلي نائب السلطان إلى الشام منفيا.
وفيه خلع على بدر الدين عبد الوهاب الأخناي، وأعيد إلى قضاء القضاة المالكية. عوضاً عن علم الدين سليمان البساطي.
وفيه نودي بالقاهرة ومصر من كانت له ظلامة، فعليه بباب الأمير أينبك.
وفي آخره: أشيع بأن الأمراء تركب للحرب، فرسم للأمير حسين بن الكوراني وإلى القاهرة بقتل جماعة لإرهاب العامة، فأخرج عدة من خزانة شمايل قد وجب عليهم القتل، ونحرهم، ونودي عليهم وهذا جزاء من يكثر فضوله. ويتكلم فيما لا يعنيه. ثم وسطهم تحت القلعة.
وفي ثالث عشرينه:سمر ثلاثة مماليك صبيان، من أجل أنهم نهبوا من خيول الأمير أقتمر الحنبلي، وطيف بهم القاهرة وتحت القلعة.
وفيه أخرج الأمير بيقجا الكمالي منفيا.
وفي يوم الخميس رابع عشرينه: خلع على الأمير أينبك، واستقر أتابك العساكر، عوضا عن قرطاى، وخلع على الأمير أقتمر عبد الغني، واستقر نائب السلطان، عوضا عن أقتمر الحنبلي، وخلع على الأمير بهادر الجمالي، المعروف بالمشرف، واستقر أستادارا، عوضا عن سودون جركس، وخلع على الأمير بلاط السيفي، واستقر أمير سلاح. وخلع على الأمير ألطنبغا السلطاني، واستقر أمير مجلس، وخلع على الأمير دمرداش اليوسفي، واستقر رأس نوبة كبير، وخلع على الأمير أطلمش الأرغوني، واستقر دوادارا، عوضا عن فخر الدين إياس الصرغتمشى، وخلع على قطلوخجا السيفي، وأنعم عليه بتقدمة، وخلع على الأمير يلبغا الناصري، وأنعم عليه بتقدمة ألف، واستقر رأس نوبة ثانيا، وخلع على الطواشي مقبل الدواداري، واستقر زام الدار، عوضا عن مثقال الجمالي، وخلع على الأمير أربوز السيفي، واستقر مهمندار بإمرة عشرة.
وفيه أنعم على برقوق العثماني بإمرة طبلخاناه، وعلى بركة بإمرة طبلخاناه وكان من جملة المماليك، صارا من إقطاع الحلقة إلى إمرة طبلخاناه من غير أن يكونا من أمراء العشرات.
وفيه خلع على عبد العال، شاهد مطبخ الأمير أينبك، واستقر في توقيع الدست، عوضاً عن برهان الدين إبراهيم بن اللبان، شاهد قرطاي.
وفيه سكن الأمير الكبير أينبك بالإصطبل السلطاني، ولم تجر عادة من تقدموا بذلك. وفيه أنعم على ولديه أحمد وأبي بكر بتقدمتي ألف، وسكنا في بيت قرطاي تجاه باب السلسلة واستقر الأمير علاء الدين علي بن قشتمر في نيابة الإسكندرية، عوضاً عن صلاح الدين خليل بن عرام، واستدعي ابن عرام إلى القاهرة.
وفي أول شهر وبيع الأول: خلع على الأمير بهادر الجمالي، واستقر في نظر المارستان.
وفي يوم الأحد رابعه: استدعى الأمير الكبير أينبك، الخليفة المتوكل على الله محمد إلى حضرته، وأراد أن يجعل في السلطة الأمير أحمد بن الأمير يلبغا العمري، فاعتذر بأنه ابن أمير وليس من بيت الملك، فقال له أينبك: إنما هو ابن السلطان حسن، حملت به أمه، فلما قتل السلطان أخذها الأمير يلبغا فولدته على فراشه. فلم يوافقه على ذلك، فسبه الأمير أينبك، وقال له: ما أنت فاره إلا في اللعب بالحمام، والإشتغال بالجواري المغنيات، والضرب بالعود، ونهره، وأمر به فأخرج منفياً إلى قوص، فنزل برباط الآثار خارج مدينة مصر، ليجهز حاله للسفر، وبات الناس في قلق، وعلى تخوف من ركوب الأمراء للحرب، وفي يوم الإثنين خامسه استدعى الأمير الكبير أينبك بزكريا بن إبراهيم بن محمد بن أحمد الحاكم وخلع عليه، واستقر به خليفة، عوضاً عن المتوكل على الله، ولقبه المستعصم بالله، وفي عصر هذا اليوم بعث الأمير أينبك بالأمير بلوط الحاجب إلى الخليفة المتوكل حتى عاد من رباط الآثار إلى داره، فلزمها.
وفيه خلع على الأمير صلاح الدين خليل بن عرام، واستقر حاجب الحجاب. وخلع على الأمير جمال الدين عبد الله بن بكتمر، واستقر حاجبا ثانيا.
وفي ثامنه: أخرج بالأمير أرغون العثماني منفيا إلى الشام.
وفيه أنزل الأمير الكبير أينبك. بمائتي مملوك، أسكن مائة بمدرسة حسن، ومائة. بمدرسة الأشراف.
وفي يوم السبت سابع عشره: ورد الخبر بأن الأمير طشتمر نائب الشام، والأمير أشقتمر نائب حلب، والأمير تمرباى نائب صفد، والأمير منكلي بغا البلدي- وقد خرج من سجن الكرك، وأنعم عليه بإقطاع جنتمر أخي طاز وتقدمته- والأمير أرغون الأسعردي، والأمير قرطاي، قد خرجوا عن الطاعة، وصاروا في جمع كبير من المماليك والعربان والتركمان، وقالوا: لا ترضى بتحكم أبنبك. وأنهم جميعا في طاعة الأمير طشتمر، وقد عزموا على المسير إلى مصر، وأخذها من أينبك،. وقد منعوا البريد بأن يرد إلى مصر.
وفي يوم الإثنين تاسع عشره: قدم الأمير أقتمر الحنبلي، والأمير قرطاي إلى دمشق، فتلقاهما الأمير طشتمر، وبالغ في إكرامهما، وفيه جمع الأمير أينبك الأمراء والقضاة، وحلف الأمراء لنفسه وللسلطان، وأمرهم بأن يتجهزوا إلى الشام، وأمر بالجاليش السلطاني، فعلق على الطبلخاناه من قلعة الجبل.
وفيه- وهو سابع عشرين تموز وثالث مسرى-: وقع مطر كبير جداً، سال منه جبل المقطم، وكان مع ذلك رعد قوي وبرق متواتر، وتساقطت في الليل نجوم عديدة.
وفي يوم الثلاثاء عشرينه: خلع على الخليفة المتوكل على الله، واستقر خليفة على عادته.
وفي يوم الجمعة ثالث عشرينه: خلع على شمس الدين محمد الدميري وأعيد إلى حسبة القاهرة، عوضا عن جمال الدين محمود العجمي.
وفيه خرج الأمير صلاح الدين خليل بن عرام، ليقف على رأس الرمل بطريق الشام؛ ليرد من عساه يتسحب من المماليك إلى الشام.
وفي يوم الإثنين سادس عشرينه: خرج الجاليش سائرا إلى الشام، وهم خمسة أمراء مقدمي ألوف: قطلوخجا، والأمير شهاب الدين أحمد بن الأمير الكبير أينبك، والأمير يلبغا الناصري، والأمير دمرداش اليوسفي، والأمير بلاط الصغير، والأمير تمر باي الحسني، وأربعة أمراء طبلخاناه، وهم: بورى الأحمدي، وآقبغا آص الشيخوني، وبرقوق العثماني، وبركة، ومائة من المماليك السلطانية، ومائة من مماليك الأمير أينبك.
وفي يوم الخميس تاسع عشرينه: خرج طلب السلطان، وطلب الأمير الكبير أينبك، وسائر أطلاب الأمراء وغيرهم.
وفي يوم السبت أول شهر ربيع الآخر: ركب السلطان والأمير قطلوأقتمر الطويل، والأمير مبارك الطازي، والأمير ألطنبغا السلطاني، والأمير إينال، في بقية الأمراء والمماليك، وسار من قلعة الجبل حتى نزل. بمخيمه على ناجية العكرشا، شمالي سرياقوس. وفيه نودي أن النيل أربعا وعشرين إصبعا من أول النهار، ثم نودي عند العصربزيادة اثنتي عشرة إصبعا، لتتمة ست عشرة ذراعاً، وزيادة إصبع من سبع عشرة ذراعا، وذلك هو اليوم الخامس عشر من شهر مسرى، فسر الناس الوفاء وخروج أينبك من البلد، وكان أينبك قد ثقل على الناس وتطيروا له بذلك، فقالوا: خرج في يوم الكسر، فوقعت عليه الطيرة.
وفي يوم الأحد ثانيه: فتح الخليج على العادة، فنودي بزيادة خمس أصابع.
فلما كان بعد عصر هذا اليوم رجع الأمير أينبك بالسلطان إلى القلعة ومعه الأمير قطلو أقتمر الطويل، والأمير ألطنبغا السلطاني، وقد اضطربت القاهرة، وذلك أن أمراء الشام وردت. مكاتبتهم إلى أمراء مصر، تتضمن توبيخهم على تقديمهم أينبك وتمكينمه من الإنفراد بالتدبير، وقرروا معهم إشاعة مخامرة نواب الشام، وخروجهم عن الطاعة، وعمل الحيلة في إزعاج أينبك حتى يخرج لمحاربتهم بالشام، ليحصل التمكن من القبض عليه، فدبروا على أينبك، حتى خرج بالسلطان، وسار جاليش العسكر حتى نزل بالصالحية فبلغ الأمير قطلوخجا، أخوأينبك وهو مقدم الجاليش، أن الذين معه من الأمراء والمماليك قد اتفقوا على أن يكبسوه، فجمع مماليكه ومماليك الأمير أحمد بن أينبك، وبادر ليأخذهم قبل أن يأخذوه، وركب إليهم وهم متهيئون له، فقاتلوه وكسروه كسرة قبيحة، لم ينج منها إلا بنفسه وثلاثة معه، وأقبل إلى أخيه أينبك فلم يثبت، ورجع من فوره بالسلطان، وكان رأس هذه الحركة ومحرك سلسلتها الأمير برقوق العثماني.
وفي غده- يوم الإثنين ثالثه-: أنزل الأمير أينبك بالسلطان من قصره إلى الأصيل، ودقت الكوسات حربيا، ليجتمع العسكر على العادة، وكان قد اتفق الأمير قطلو أقتمر الطويل- هو والأمير ألطنبغا السلطاني، وجماعة كبيرة- على مخالفة أينبك، وتوجها نصف الليل إلى قبة النصر، خارج القاهرة، ووقفوا هناك للحرب، فبعث إليهم الأمير أينبك بأخيه الأمير قطلوخجا، ومعه نحو مائتي فارس، فلقيه القوم وقاتلوه، وأخدوه أسيراً. فبعث إليهم من الأمراء أقتمر عبد الغني، وبهادر الجمالي، ومبارك الطازي، فعندما ساروا عنه لم يثبت، وفر إلى جهة كيمان مصر، فتبعه الأمير أيدمر الخطاي في جماعة، فلم يقفوا له على خبر، ثم رأوا فرسه وقباه وآلة حربه، فعادوا بذلك، وقد بلغ قطلو أقتمر الطويل فرار أينبك، فعاد بمن معه، وضرب رنكة على بيت أحمد بن أينبك بالرميلة ليستولي عليه. بما فيه، وسكن حيث كان سكن أينبك من الإصطبل السلطاني، وظن أنه قد أمن، وقلع عنه السلاح، وأقام ينتظر قدوم من خرج من الأمراء والمماليك في الجاليش، ليقوى بهم فلما كان بكرة الغد- يوم الثلاثاء رابعه- قدم أمراء الجاليش. بمن معهم، وهم الأمير دمرداش اليوسفي، والأمير بلاط الصغير، والأمير يلبغا الناصري، وثلاثتهم مقدموا ألوف، والأمير برقوق العثماني، والأمير بركة، وهما طبلخاناه، وطلعوا إلى الإصطبل، ودار بينهم وبين الأمير قطلو أقتمر الطويل كلام آل إلى اختلافهم وتنازعهم، فقبضوا عليه وعلى الأمير ألطنبغا السلطاني، والأمير مبارك الطازي، وقيدوهم ثلاثتهم، وبعثوا بهم عشية النهار إلى سجن الإسكندرية، مع الأمير جمال الدين عبد الله بن بكتمر الحاجب فسجنوا به، وصار التحدث من الأمراء في الدولة للأمير يلبغا الناصري، وأخرج البريد من وقته وساعته لإحضار الأمير طشتمر نائب الشام.
وفي يوم الخميس سادسه: وقفت العامة تطلب عزل الدميري وإعادة العجمي إلى الحسبة، فأجيبوا إلى ذلك، وخلع على جمال الدين محمود العجمي وأعيد إلى الحسبة، عوضا عن شمس الدين محمد الدميري.
وفيه أنعم على كل من الأمير برقوق العثماني والأمير بركة بتقدمة ألف واستقر الأمير يلبغا الناصري أمير أخور، وسكن بإصطبل، كما سكن أينبك، وقطلو أقتمر الطويل.
وفي يوم الأحد تاسعه: جاء الأمير أينبك. بمفرده إلى بيت الأمير بلاط الصغير. فطلع به إلى الأمير يلبغا الناصري، وقد سكن أيضاً بالإصطبل، فقيده، وقبض معه على أمير اسمه نعناع، وبعث بهما مقيدين إلى الإسكندرية فسجنا بها أيضاً.
وفي يوم الأربعاء ثاني عشره: قدم البريد إلى دمشق بطلب الأمير قشتمر وهو بقبة يلبغا- خارج المدينة- وقد برز ومعه العساكر ونواب الشام، يريد المسير إلى مصر ومحاربة أينبك، ونزع يده من التصرف. فلما قرأ كتاب السلطان. بما كان من القبض على أينبك، وسجنه بالإسكندرية، والمرسوم له بأن يحضر إلى مصر ليكون الأمير الكبيرالأتابك، ويحضر صحبته الأمير تمرباى ليستقر رأس نوبة كبير، وأن يستقر الأمير أقتمر الحنبلي في نيابة الشام، والأمير أشقتمر في نيابة حلب، والأميرمنكلي بغا الأحمدي في نيابة حماة والأمير أقبغا الدوادار نائب غزة في نيابة صفد فسر بذلك وتفرقت تلك العساكر، وتوجه الأمير طشتمر إلى مصر، واستقر الأمير أقتمر الحنبلي في نيابة الشام، عوضاً عن الأمير طشتمر.
وفي يوم الأحد سادس عشره: بلغ الأمراء القائمين بأمر الدولة، وهم: يلبغا الناصري، وبرقوق، وبركة، أن جماعة من الأمراء قد عزموا على الفتك بهم، فركب الأمراء الثلاثة في عدة من اليلبغاوية، وقبضوا على الأمير دمرداش اليوسفي، وعلى الأمير تمر باى الحسني، وعلى الأمير آقبغا آص الشيخوني، وعلى الأمير قطلوبغا الشعباني، وعلى الأمير دمرداش التمان تمرى المعلم، وعلى الأمير أسندمر العثماني، وعلى الأمير بجمان العلاي، وعلى الأمير أسنبغا التلكي، وقيدوهم، وبعثوا بهم إلى الإسكندرية، فسجنوا بها وهؤلاء ممن وثب من المماليك في هذه الفتنة، وعمل أميرا. وفيه قبض على الطواشي مختار الحسامي مقدم المماليك، وسجن بالبرج من القلعة.
وفي يوم الأحد ثالث عشرينه: خلع على مختار، وأعيد إلى تقدمة المماليك.
وفيه ركب الأمير برقوق العثماني- وقت القايلة- في جماعة من أصحابه، وصعد إلى الإصطبل، وأنزل الأمير يلبغا الناصري منه، ونزعه من وظيفته، وسكن في موضعه من الأصطبل السلطاني، واستقر عوضه أمير أخور، واستقر بأخيه الأمير بركة الجوباني أمير مجلس، وأسكنه في بيت الأمير قوصون، تجاه باب السلسلة من الرميلة، واقتسما الحكم في الدولة بينهما.
وكانت الفتن التي تقدم ذكرها، وثورات المماليك، وتغير دولهم، إنما هي توطئة لبرقوق، وتمهيد له حتى ملك البلاد، وقام بدولة الجراكسة، كما ستراه إن شاء الله تعالى، فإنه من يومه هذا استقر قراره بالإصطبل ورسخت قدمه في الدولة، وثبت أوتاده بها، وما زالت الأقدار تساعده، والأيام تساعده، حتى استبد بالمملكة، وانفرد بتدبير السلطة، وصعد من الإصطبل، فسكن القصر حتى نقل منه إلى القبر عزيزا منيعا، عالي القدر رفيعا، فسبحان من يدبر الأمر كله، لا إله إلا هو.
وفي يوم الإثنين رابع عشرينه: خلع على الأمير جمال الدين مغلطاي الشرفي واستقر في ولاية القاهرة، عوضاً عن حسين بن علي الكوراني، وقبض على حسين واعتقل.
وفي يوم الإثنين أول جمادى الأولى: قدم الأمير طشتمر العلاي من دمشق، فركب السلطان والأمراء إلى لقائه، فلما رأى السلطان بالريدانية، خارج القاهرة، نزل عن فرسه وقبل الأرض وبكى، فنزل إليه الأمراء وسلموا عليه وأركبوه، وساروا به إلى القلعة، فخلع عليه، واستقر أتابك العساكر، وخلع على الأمير تمر باي الدمرداشي- وقد قدم أيضاً- واستقر رأس نوبة كبيرا، وأنعم على الأمير تغرى بتقدمة ألف، فكان يوما مشهودا.
وفي يوم الأربعاء ثالثه: نودي بالقاهرة ومصر: من ظلم فعليه بباب الأمير طشتمر الأتابك.
وفيه خلع على الأمير برقوق، واستقر أمير أخور، وخلع على الأمير بركة، واستقر أمير مجلس.
وفيه أنعم على الأمير أطلمش الأرغوني بتقدمة ألف، واستقر دوادار، وعلي يلبغا المنجكي، واستقر شاد الشراب خاناه. وعلى الأمير بلاط، واستقر أمير سلاح، ورسم أن يجلس بالإيوان في وقت الخدمة.
وفي يوم الإثنين خامس عشره: أفرج عن الأمير سودن جركس، والأمير قطلوبغا جركس، والأمير قطلوبغا البدري، والأمير ألطنبغا السلطاني، والأمير طغيتمر الناصري، والأمير ألجبغا السيفي، والأمير إياس الصرغتمشى والأمير قطلوبغا البشيري، والأمير أسنبغا، ورسم إحضارهم من الإسكندرية.
وفي عشرينه: خلع على برهان الدين إبراهيم الأبناسي- من أعيان الفقهاء الشافعية- واستقر في مشيخة خانكاه سعيد السعداء، بعد وفاة علاء الدين أحمد بن محمد السراي. ونزل معه شمس الدين أبو الفرج المقسي ناظر الخاص إلى الخانكاه.
وفيه حمل إلى الأمير أقتمر الحنبلي تشريف نيابة دمشق وتقليده بها.
وفي خامس عشرينه: قدم الأمير قطلو أقتمر العلاي أمير جاندار، أخو الأمير أقتمر الحنبلي، والأمير علاء الدين علي بن تشتمر نائب الإسكندرية، فأنعم على كل منهما بإمرة مائة تقدمة ألف.
وفيه أعيد الأمير صلاح الدين خليل بن عرام إلى نيابة الإسكندرية.
وفي سادس عشرينه: استقر الطواشي دينار الناصري لالا السلطان، وأخرج الطواشي مقبل الكلفتي منفيا، وخلع على الأمير تمرباي الدمرداشي، واستقر ناظر المارستان.
وفي سلخه: خلع على الأمير تغرى برمش، واستقر حاجب الحجاب، وعزل الأمير أقتمر عبد الغني من نيابة السلطنة، وخلع على الأمير علي بن قشتمر، واستقر حاجبا لها.
وفي ليلة الرابع من شهر رجب: تردى الأمير قطلو أقتمر الطويل، من مكان بسجنه من الإسكندرية، فمات، وقيل إنه كان سكرانا، ومنه تفرعت الفتن التي نرد ذكرها، ودفن من الغد ولم يصل عليه أحد.
وفي يوم الأحد خامسه: قدم الأمير أيتمش البجاسى إلى ثغر الإسكندرية، بالإفراج عن جميع الأمراء المعتقلين، ما عدا أربعة: الأمير أينبك، والأمير قطلو خجا، والأمير أسندمر الصرغتمشى، والأمير جركس الإلجاوي، وأفرج عنهم، وتوجه بهم إلى القاهرة، فلما وصلوا قريبا منها رسم بتفرقهم في البلاد الشامية، فساروا إلى حيث أمروا، وأحضر إلى قلعة الجبل منهم بأحمد بن همز وأسنبغا التلكي.
وفي يوم الإثنين ثالث عشره: خلع على علم الدين سليمان البساطي، وأعيد إلى قضاء القضاة المالكية، عوضا عن بدر الدين عبد الوهاب الأخناي، وكتب باستقرار الأمير بيدمر الخوارزمي في نيابة الشام، عوضا عن الأمير أقتمر الحنبلي بعد وفاته. واستقر الأمير زين الدين مبارك شاه العلاي المشطوب في نيابة غزة.
وفي يوم الإثنين سابع عشرينه: خلع على صاحب كريم الدين عبد الكريم بن الرويهب، واستقر في الوزارة، عوضا عن التاج النشو الملكي، وسجن الملكي بقاعة الصاحب من القلعة، وفيه خلع على الأمير قطلو أقتمر أمير جندار أخي الحنبلي، واستقر في نيابة الإسكندرية، عوضاً عن ابن عرام، ورسم بإحضار ابن عرام وزوجته- الست سمراء- ليصادرا.
وفيه جهزت خلعة نيابة طرابلس إلى الأمير بلاط السيفي، وقد خرج إلى، ناحية العكرشا، ورسم له أن يتوجه من موضعه إلى طرابلس، ثم انتقض ذلك، واستعيدت الخلعة واستقر على حاله.
وفي ثاني شعبان: ارتجعت إمرية طيبغا الجمالي، وكان قد جرد لكبس الغربان بناحية أطفيح فكبسه العرب وجرحوه، وعاد مريضا من جراحته.
وفي هذه الأيام: عزل قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن جماعة نفسه من وظيفة قضاء القضاة، وخرج إلى تربة كوكاى، بنية العود إلى القدس، بعد أن انجمع عن أهل الدولة، وترك حضور الخدمة السلطانية بالإيوان في يومي الإثنين والخميس مع الأمراء مدة أيام، تورعا واحتياط لدينه، لما دهم الناس من تغير الأحوال، وحدوث ما لم يعهد، وتهاون القائمون بالدولة بالأمور الدينية فعين الأمير الأتابك طشتمر العلاي لقضاء القضاة سراج الدين عمر البلقيني قاضي العسكر، فلم توافقه بعض الأمراء، فتحدث لبدر الدين محمد بن أبي البقاء في ولايته بمال قام به، فشق ذلك على البلقيني وترك قضاء العسكر لولده؛ فلما كان يوم الإثنين ثامن عشره، خلع علي بدر الدين محمد ابن قاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء، واستقر في قضاء القضاة، عوضا عن برهان الدين إبراهيم بن جماعة، وخلع علي بدر الدين محمد بن سراج الدين عمر البلقيني، واستقر في قضاء العسكر برغبة أبيه له عن ذلك.
واستقر الشيخ سراج الدين عمر البلقيني في تدريس المدرسة الناصرية بجوار قبة الشافعي- رحمه الله- من القرافة، واستقر الشيخ ضياء الدين عبيد الله القرمي- شيخ الخانكاه الركنية بيبرس- في تدريس الفقه وتدريس الحديث بالمدرسة المنصورية، عوضاً عن ابن أبي البقاء، واستقر جلال الدين عبد الرحمن بن البلقيني في توقيع الدست، عوضا عن أخيه بدر الدين، واستقر صدر الدين محمد بن إبراهيم المناوي- أحد نواب القضاة الشافعية- في إفتاء دار العدل، عوضا عن أبى البقاء، وخلع على الجميع، ونزلوا بين يدي قاضي القضاة بدر الدين محمد بن أبي البقاء، فكان يوما مشهودا.
وفيه أخرج الأمير بيبغا الطويل العلاي- أحد أمراء الطبلخاناه- منفيا إلى الشام.
وفيه استقر الأمير منكلي بغا البلدي في نيابة طرابلس، عوضاً عن أرغون الأسعردي، واستقر الأسعردي في نيابة حماة، عوضاً عن منكلي بغا البلدي، واستقر أقبغا الجوهري- حاجب طرابلس- في نيابة غزة، عوضًا عن مبارك شاه المشطوب- واستقر مبارك شاه حاجبا بطرابلس.
وفي ثامن عشرينه: ارتجعت طبلخاناه طينال المارديني، وعوض عنها بإمرة عشرة، ورسم أن يكون طرخانا.
وفي يوم الإثنين ثاني شوال: أمر الأمير برقوق بتسمير مملوك من مماليك السلطان السلاح دارية، اسمه تكا، فسمر وطيف به، وهو ينادي عليه. هذا جزاء من يرمي الفتن بين الملوك، ويتكلم فيما لا يعنيه من أجل أنه وشى به إلى الأمير طشتمر الأتابك بأن الأمير برقوق قد عزم أن يركب عليه، فبعث يعتبه على ذلك، فأنكر، وحلف، وطلب منه الناقل هذا عنه، فبعث به إليه، ففعل به ما ذكر.
وفي يوم السبت رابع عشره:صار قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن جماعة على البريد إلى القدس.
وفي يوم الإثنين سادس عشره: خلع على الأمير صلاح الدين خليل بن عرام، فاستقر في الوزارة، عوضاً عن ابن الرويهب، وخلع على التاج عبد الوهاب النشو الملكي، واستقر بعد الوزارة في نظر الدولة، عوضا عن سعد الدين بن الريشة، واستقر ابن الريشة في نظر الأسواق ودار الضيافة، وألزم ابن الرويهب بحمل مائة ألف درهم. وصادر الوزير ابن عرام مباشري الجهات جميعهم، فهرب أكثرهم وكان الأمير بلاط أمير سلاح قد عدى النيل إلى الجيزة ونزل عند مرابط خيله على الربيع، ليتنزه هناك، فبعث إليه الأمراء بخلعة لنيابة طرابلس، وعوقت عنه المعادي في يوم الإثنين ثالث عشرينه وبعث من الغد إليه الأمير برقوق أمير أخور يخيره في نيابات البلاد، فامتنع من ذلك، وعزم على الحرب، وأقبل إلى ساحل النيل ليعديه، فوجد المعادي قد انحازت عنه إلى جهة بر مصر فسقط في يده، وأذعن للطاعة، فأخرج إلى القدس بطالا، وأنعم عليه بضيعة تغل في السنة نحو مائتي ألف درهم، فلما صار في أثناء الطريق، كتب بأن يتوجه إلى الكرك، ويقيم بها بطالا، ولم يجر في ذلك فتنة، إلا أن الأمير برقوق ألبس مماليكه آلة الحرب، حتى سار بلاط، ثم قبض على إخوته وحاشيته وأكابر مماليكه، وسجنوا، ومنع الأمراء من استخدام مماليكه عندهم.
وفي يوم الخميس ثالث ذي القعدة: خلع على الأمير يلبغا الناصري، واستقر أمير سلاح، عوضا عن بلاط، وخلع على الأمير إينال اليوسفي، واستقر رأس نوبة ثانيا، عوضا عن يلبغا الناصري، وكثر الرخاء في هذا الشهر، حتى أبيع الخبز البايت كل أربعة وعشرين رطلا بدرهم، حسابا عن كل رطل- وهو رغيف- بفلس، والجبن الجاموسي الطري كل عشرة أرطال بثلاثة دراهم ونصف درهم، والبيض كل أربعين بيضة بدرهم.
وفي ثامن عشرينه: خلع على الوزير صاحب تاج الدين عبد الوهاب النشو الملكي ناظر الدولة، واستقر في نظر الجيش، عوضا عن تقي الدين عبد الرحمن بن محب الدين محمد.
وفي ذي الحجة: توحش ما بين الأمير الكبير طشتمر الأتابك، وبين الأمير برقوق أمير أخور، وأخذ الأمير برقوق في التعنت عليه حتى يخالفه، فيجعل ذلك سببا لإثارة الفتنة، وصار برسل إليه بأن ينفي فلانا من مماليكه عنه، فيمتثل إشارته وينفي ذلك المملوك قصدا لإخماد الفتنة، حتى بعث إليه هو والأمير بركة بأن يقبض على مملوكه رأس نوبته كمشبغا، ويخرجه منفيا، فلم يجد بداً من ذلك، وأمر به فقبض عليه. وجلس بعد صلاة العشاء من ليلة عرفة على عادته مع خواصه يتحدث، وإذا بمماليكه قد دخلوا عليه لابسين السلاح، وعنفوه على موافقة برقوق على مسك مماليكه، وأظهروا الغضب لذلك، وأرادوه أن يركب للحرب، فقام إلى حريمه وأغلق عليه بابه، فخرجوا عنه يدا واحدة، وركبوا خيولهم، ووقفوا تحت القلعة، فأمر برقوق بالكوسات فدقت، وركب هو والأمير بركة، ووقعت الحرب بينهم طول تلك الليلة إلى الصباح، فقتل جماعة، وجرح كمشبغا رأس نوبة طشتمر، مات منها بعد ذلك. وانكسرت بقية الطشتمرية، فخرج الأمير طشتمر من داره في يوم الخميس تاسع ذي الحجة- صبيحة الوقعة- وفي عنقه منديل، ومضى إلى الأمير برقوق، وهو قد تزوج بابنته، فقبض عليه وعلى الأمير أطلمش الدوادار، والأمير بزلار، وأرغون- دوادار طشتمر- وألابغا رأس نوبته، وعلى أمير حاج بن مغلطاي، وبعثهم جميعا مقيدين إلى الإسكندرية، فسجنوا بها، وتتبع حواشي طشتمر، فقبض على طواشيه تقطاي- وكان قد قاتل تلك الليلة قتالاً شديداً- وقبض عدة من مماليكه أيضاً، نفاهم إلى قوص.
وفي يوم الإثنين ثالث عشره: خلع على الأمير سيف الدين برقوق العثماني أمير آخور، واستقر أميراً كبيراً أتابك العساكر، عوضًا عن أبي زوجته، الأمير طشتمرالعلاي، وخلع على صديقه الأمير أيتمش البجاسي، واستقر عوضه أمير آخور بإمرة مائة تقدمة ألف، واستمر سكنى الأمير برقوق حيث كان من الإصطبل، وصار يطلع إلى الأشرفية من قلعة الجبل في يومي الإثنين والخميس، وتقاسم الأمر هو والأمير بركة، فصارا فحلي الشول، إليهما ترجع أمور الدولة بأسرها، إلا أن الولايات والعزل إذا انتظمت عند الأمير بركة في بيته كان أمضاها بين يدي الأمير الكبير برقوق بالإصطبل، فإذا أراد أحد ولاية شيء من الأمور تحدث مع حاشية الأمير بركة حتى يتقرر له ما يريد، ثم بيعت بذلك الرجل إلى أخيه الأمير الكبير برقوق، ويعلمه. مما أراد فيرضيه أيضاً، ثم يستقر فيما يقرر فيه من الوظائف، إما في الخدمة السلطانية أو في مجلس الأمير الكبير برقوق، فكان هذا حال الناس جميعا فيما يريدونه من الدولة، وفي الظاهر صاحب الأمر الأمير برقوق، غير أن الولايات كلها من القضاء والحسبة وولاية الحرب في الأعمال والكشف، وسائر الوظائف، لا سبيل أن ينالها أحد إلابمال، يقوم به أو بأدائه، ويكتب به خطه، فتطاول كل نذل رذل وسفلة إلى ما سنح بخاطره عن الأعمال الجليلة والرتب العلية، فدهى الناس من ذلك بداهية دهياء، أوجبت خراب مصر والشام، كما ستراه فيما يمر بك على طول السنين في أوقاته، إن شاء الله تعالى.
وفي يوم الأربعاء خامس عشره: أرسل الأمير الكبير برقوق يستدعي الأمير يلبغا الناصري، ليأخذ رأيه في شيء عن له فظن أن الأمر على هذا، وركب إليه غير مستعد، في قليل من مماليكه، فلما صار إليه عزم عليه أن يتخفف من ثيابه، ويظل نهاره عنده ليفاوضه في مهماته، فقام ليخلع عنه ثياب ركوبه في بعض مخادع الدار، فأحيط به وقبض عليه، وقيد وحمل من وقته إلى الإسكندرية، فسجن بها، وقبض معه على كجلي، أحد أمراء الطبلخاناه أيضاً.
وفي عشرينه: خلع على الأمير إينال اليوسفي، واستقر أمير سلاح، عوضاً عن يلبغا الناصري، واستقر محمد بن طاجار في ولاية دمياط، واستقر علم الدين أبو عبد الله محمد بن ناصر الدين محمد القفصي المصري في قضاء المالكية بدمشق، عوضاً عن البرهان إبراهيم الصنهاجي، واستقر كمال الدين عمر بن الفخر عثمان بن هبة الله المعري في قضاء القضاة الشافعية بحلب، عوضاً عن جلال الدين محمد بن محمد الزرعي.
وفيها ولي محب الدين أبو المعالي محمد بن محمد بن الشحنة قضاء الحنفية بحلب، عوضاً عن الجمال إبراهيم بن العديم، وعزل بعد أشهر قلائل بابن العديم.

.ومات في هذه السنة من الأعيان:

شهاب الدين أبو جعفر أحمد بن يوسف بن مالك الرعيني الغرناطي النحوي بحلب، عن سبعين سنة، وكان حسن الأخلاق عالما بالنحو والتصريف والبديع، له مشاركة في علم الحديث وغيره، ويد طولى في الأدب، وله عدة مصنفات في النحو والبديع والعروض، منها شرح ألفية ابن معطي، وله شعر، أقام بحلب ثلاثين سنة، وحج مرارا. ومات الأمير أحمد بن الأمير قوصون، في ثاني عشر ذي الحجة.
ومات الأمير أقتمر الصاحبي- المعروف بالحنبلي، لكثرة مبالغتنا في الطهارة بالماء، وتشدده في ذلك- وهو على نيابة دمشق، في ليلة الحادي عشر من رجب.
ومات الأمير ألطنبغا أبو قورة، أمير سلاح.
وتوفي صلاح الدين صالح بن أحمد بن عمر بن السفاح الحلبي، وهو عائد من الحج، بمدينة بصرى، عن سبع وستين سنة.
ومات الأمير طشتمر اللفاف، أحد رؤوس الفتن، في يوم الثلاثاء ثالث المحرم بالطاعون.
وتوفي بدر الدين حسن بن عمر بن حسن بن عمر بن حبيب الحلبي المؤرخ بحلب، عن سبعين سنة.
ومات الأمير قرطاي، أحد مثيري الفتن، ثم أتابك العساكر، مخنوقا بطرابلس، في شهر رمضان، وحملت رأسه إلى القاهرة.
وتوفي والدي، علاء الدين علي بن محيى الدين عبد القادر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن تميم بن عبد الصمد بن أبي الحسن بن عبد الصمد بن تميم المقريزي الشافعي، في يوم الأحد خامس عشرين شهر رمضان عن خمسين سنة. وقد باشر التوقيع السلطاني وعدة وظائف، وكان الأغلب عليه صناعة كتابة الإنشاء والحساب، مع دين متين، وعقل راجح رصين، والله تعالى أعلم.