فصل: سنة أربع وثمانين وسبعمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك (نسخة منقحة)



.سنة أربع وثمانين وسبعمائة:

أهل المحرم بيوم الثلاثاء: فيه خُلع على الأمير مُبارك شاه السيفي، واستقر والي الفيوم، وكاشف الفيوم، وكاشف البهنساوية والأطفيحية عوضاً عن أسنبغا المنجكي.
وفي ثالثه: خلع على الأمير سودُن الشيخوني، واستقر حاجب الحجاب على إقطاع تغري بَرمش. وخلع على الأمير كُمُشبغا الحموي اليلبغاوي- نائب طرابلس- خلعة الاستمرار على عادته. وخُلع على فرج بن أَيدَمُر السيفي، واستقر في ولاية الغربية، عوضاً عن أحمد بن سُنقُر. وخلع على أَلطُنبُغا الصلاحي واستقر في ولاية الأشمونين، عوضاً عن مبارك شاة السيفي.
وأنعم بإقطاع الأمير سودن الشيخوني، على الأمير أيدكار واستقر حاجبًا ثالثاً.
وفي عاشره: قدم الأمير أَقبُعا المارديني، نائب الوجهالقبلي، باستدعاء.
وفي حادي عشره: توجه الأمير بكلمش العلاي، لإحضار الأمير بيدمر الخوارزمي من سجنه في ثغر دمياط. وقدم الأمير جَتتمُر أخو طاز من دمشق، بسؤاله.
وفي هذا الشهر: تزايد سعر الغلال، وفقد الخبز من الأسواق، وأبيع كل رطلين بدرهم، وأبيع القمح. بمائة وخمسة دراهم الأردب، والبطة الدقيق بثلاثين درهما، فلما دخل الشعير الجديد، أبيع الأردب منه بخمسين درهما.
وفيه رسم الأمير الكبير بإطلاق من في سجني الديلم والرحبة من المديونين، فأفرج عنهم جيعهم، وأغلق باب السجنين، ومنع القضاة من سجن أحد على دين، لما بالناس من الغلاء ووقوف الحال، فاشتدت وطأة الحجاب على الناس بالضرب على الديون، وترسيم نقبائهم على من في ذمته دين.
وفي ثامن عشرة: قدم ركب الحاج.
وفي عشرينه: قدم الأمير بيدمر من دمياط في النيل، فركب الأمير الكبير إلى لقائه، وحضر من الغد يوم الإثنين حادي عشرينه الخدمة السلطانية، وقبل الأرض على العادة، فخلع عليه، واستقر في نيابة الشام على عادته عوضاً عن الأمير أشَقتمُر، وهذه ولايته السادسة. وكتب بتوجه الأمير أَشَقتمر إلى القدس بطالا.
وفيه خلع على الأمير أقبغا المارديني نائب الوجه القبلي، خلعة الاستمرار.
وفي آخره: انحط السعر إلى أربعين درهما الأردب القمح، والشعير والفول إلى اثنين وعشرين درهما الأردب، والبطة الدقيق إلى أحد عشر درهما.
وفي يوم الأربعاء: أول صفر خُلع على ابن عرب، وأعيد إلى حسبة مصر عوضاً عن خليل بن عبد المعطي، على مال يقوم به. وأضيف إليه وكالة بيت المال، عوضاً عن نجم الدين الطنبَدي.
وفي ثانيه: خلع على الأمير بَيدَمُر نائب الشام، خلعة السفر، وسافر.
وفي سادسه: خلع على محمد بن أَشَقتمُر بولاية قطيا، عوضاً عن علاء الدين على ابن الطشلاقي. وخلع علي أبي بكر بن المزوَّق بولاية قرص، عوضاً عن أبو درقة قُطلوبُغا الأسن قُجاوي.
وفيه أعيد نجم الدين أحمد بن قاضي القضاة عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن شرف الدين أبي البركات محمد بن أبي العز بن صالح بن أبي العز إلى قضاء الحنفية بدمشق، عوضا عن الهمام أمير غالب بن القوام أمير كاتب الأتقاني.
وفي تاسعه: قدم المجذوب المعتقد على الروبي من الفيوم، واجتمع بالأمير الكبير، فهرع الناس إلى زيارته، وبالغوا في اعتقاده، ونقلوا عنه خوارق، الله أعلم بحقيقتها.
وفي سادس عشره: ركب الأمير بَهَدُر المنجكي أستادار الأمير الكبير على البريد. ليحضر من دمشق المال الذي وعد به الأمير بَيدَمُر.
وفي ثامن عشره: أعيد النجم الطنبدي إلى وكالة بيت المال. لعجز ابن عرب عن القيام بالمال الذي وعد به.
وفي رابع عشرينه: طلب الأمير الكبير برقوق من قاضي القضاة أن يسلمه مال تاجر قد مات عن ورثة غائبين، وترك ما خلفه بمودع الحكم، فأبى أن يدفعه إليه، وقال: ثبت عندي أن له ورثة، ولا سبيل أن أدفع المال إلا لورثته، فغضب الأمير الكبير برقوق، واستدعى الشيخ برهان الدين إبراهيم الأبناسي ليوليه القضاء، فغيَّب ولم يظفر به، فامتنع ابن جماعة من الحكم، وأخذ الناس في السعي.
وفي ثامن عشرينه:خلع على سراج الدين عمر العجمي، وأعيد إلى حبسة مصر، عوضا عن ابن عرب؛ لعجزه عن القيام. بما وعد به. ورسم الغرماء على ابن عرب ليقوم لهم بما استدانه منهم وبرطل به، ورفعوه إلى الأمير أيدَكار الحاجب، فأخرق به، وبالغ في إهانته؛ نسأل الله العافية وفتحت طبقة الرفرف وبيت الأمير طاز علو خزانة الخاص بالقلعة من الإصطبل، حيث سكنى الأمير الكبير برقوق، ورَكب لهما سلما ليتوصل إليها، وأسكن بها مماليكه الذين اشتراهم.
وفي يوم الخميس سلخه: خلع على قاضي القضاة بدر الدين محمد بن أبي البقاء، وأضيف إلى وظيفة القضاء، عوضا عن البرهان إبراهيم بن جماعة، وسافر ابن جماعة إلى القدس.
وقدم البريد بمسير نائب حلب إلى محاربة التركمان، فلما دخل دربند أصلان، توفي حادي عشر صفر، وقد فر منه سولى بن دلغادر، فلم يظفر به، فثنى عنانه إلى ابن أوزر، فداس بيوته، ووضع فيمن لقيه السيف، فامتنع منه بالجبل، فعاد النائب من تل حمدون يريد مدينة مرعش، وعاد إلى حلب.
وفي يوم الأحد عاشر شهر ربيع الأول: قرئ تقليد ابن أبي البقاء وفوض أمانة الحكم لشهاب الدين أحمد الزركشي، وفوض نظر أوقاف مصر لشمس الدين محمد بن الوحيد وفوض نظر أوقاف القاهرة لجمال الدين محمود العجمي المحتسب. واستناب في الحكم تقي الدين عبد الرحمن الزبيري أحد موقعي الحكم. وأقر الصدر بن محمد المناوي وعمر بن رزين على خلافة الحكم.
وفي هذه الأيام: شرع الأمير المشير جركش الخليلي في عمل جسر بين الروضة وجزيرة أروى، في طول ثلاثمائة قصبة، وعرض عشر قصبات، وعمل فيه بنفسه ومماليكه، وحفر في وسط مجرى النيل خليجا من هذا الجسر إلى زريبة قوصون. ليعود الماء إلى البر الشرقي، ويستمر طول السنة، فأنفق على ذلك من ماله جملة من غير أن يكلف أحد فيه شيئا، حتى تم الجسر، فلم يفد شيئا، وقال فيه أدباء العصر شعراً كثيراً. وكان القاع ستة أذرع ونصف ذراع.
وفيه هرب الوزير كريم الدين عبد الكريم بن مكانس من ميضأة جامع الصالح خارج باب زويلة، وكان مسجونا به، هو وإخوته، فغضب الأمير الكبير على الأمير بهادر الأعسر- شاد الدواوين- وضرب إخوته، بالمقارع، وقبض على حواشيهم وحريمهم، ونودي عليه فلم يوجد.
وفي عاشر ربيع الأخر: خلع على ابن عبد المعطي بنظر المواريث.
وفي سابع عشره: خرجت تجريدة إلى البحيرة، فيها خمسة أمراء ألوف، وهم بهادر الجمالي، وقُطلوبُغا الكوكاي، وأحمد بن يلبغا الخاصكي، وقُردُم الحسني، وآلابغا العثماني وأربعة أمراء طبلخاناة، وعشرة أمراء عشرات. فلم يجدوا من أهل البحيرة أحداً، فساقوا من مواشيهم ثلاثة آلاف رأس من الضأن، وستة آلاف رأس من المعز.
وفي آخره: انتهى عمل الجسر الخليلي.
وفيه قدم البريد بأن حسين بن أويس- متملك بغداد- قتله أخوه أحمد بن أويس، واستقر في المملكة بعده، وذلك بإشارة خواجا شيخ الكحجاني.
وفي خامس عشر جمادى الأول: استقر الأمير قُطلوبُغا أبو درقة في ولاية دمياط، عوضاً عن محمد بن قرابغا.
وفي عشرينه: استقر فتح الدين صدقة أبو دقن في نظر المواريث، عوضاً عن ابن عبد المعطي.
وفي يوم الأحد أول جمادى الآخرة:- الموافق له من أشهر القبط تاسع عشر مسرى- كان وفاء النيل ستة عشر ذراعا، بعدما توقف عدة أيام، وأرجف خُزَّان الغلال يكون الغلاء، فخاب أملهم.
وفي سابع عشره: خُلع على جمال الدين محمود المحتسب خلعة الاستمرار وقد أرجف بعزله، ونقل قراجا من ولاية قليوب إلى ولاية الجيزة، ونقل حسين من ولاية الجيزة إلى ولاية قليوب.
وقدمت رسل ألفنس- متملك أشبيلية- بسبب الإفراج عن تكفور حاكم سيس، فأجيبوا إلى ذلك.
وفي هذه السنة: ركب السطان إلى الميدان سبتين، ولم يركب السبت الثالث لغرق الميدان. بماء النيل.
وفي عشرينه: استقر مُقبل الطيبي في ولاية قوص، عوضا عن ابن المُزَوق وأعيد علاء الدين الطشلاقي إلى ولاية قطيا.
وفي ثالث عشرينه: قدم الأمير أقبُغا المارديني- نائب الوجه القبلي- فقبض عليه، وسجن في الحديد بخزانة شمايل لقبح سيرته، وعتوه على الخلق، وإسرافه في إراقة الدماء، وأخذ الأموال، وأحيط بأمواله التي اغتصبها من أهل البلاد.
وفيه ضرب الأمير الكبير علي خان بن قرمان- كاشف الوجه البحري- ضرباً مبرحاً وأسلمه إلى حاجب الحجاب. وقدم نصارى مدينة سيس في طلب من يقوم بأمرهم، وقد مات حاكمهم، فاختير لهم بعض الأسرى المقيمين بالكوم فيما بين جامع ابن طولون ومدينة مصر. وخلع عليه وعلى القادمين من سيس، وكتب تقليده، فأصبح خماراً يبيع الخمر، وأمسى ملك الأرمن ينفذ حكمه في خلق كثير.
وفي سلخه: استقر الأمير أرسبغا المنجكي ملك الأمراء بالوجه القبلي عوضاً عن أقبغا المارديني.
وفي ثالث شعبان: استقر بهادر طُبج- كاشف الوجه البحري- عوضاً عن ابن قرمان.
وانتهت زيادة ماء النيل إلى ثلاث أصابع من عشرين ذراعاً، فعد ذلك طوفانا.
وفيه عمل الأمير جركس الخليلي طاحوناً في مركب عند بسطة المقياس، يديرها الماء برسم طحن القمح دقيقاً فأتى الناس من كل جهة لرؤيتها، وقال فيها أدباء الزمان شعراً كثيراً.
وفيه نقل الأمير مأمور من نيابة حماة إلى نيابة طرابلس، ونقل كُمُشبُغا الحموي من نيابة طرابلس إلى نيابة دمشق، وأنعم عليه بإمرة جَنتمُر أخي طاز، وقبض على جَنتمُر وسجن بقلعة دمشق، ثم نقل إلى قلعة المرقب، واستقر الأمير يلو الحاجب بدمشق، في نيابة حماة. ونقل الأمير طُرنطاي الكاملي من نيابة سيس إلى حجوبية دمشق، واستقر تمراز العلاي في ولاية البهنسي، عوضاً عن طاجار.
وفيه نقل عن مماليك الأسياد الذين في خدمة الأمير الكبير برقوق، أنهم قد اتفقوا مع طائفة من مماليكه على أن يفتَكوا به وكبيرهم في ذلك أيتمش الخاصكي. فعندما بلغه ذلك، بادر بالقبض على المذكور، وعلى بطا الخاصطي واستدعى من في خدمته من مماليك الأسياد أولاد الأشرف، وقبض على سبعة عشر من أعيانهم، وسجنهم في البرج من القلعة. وأصبح فقبض منهم على تكملة خمسة وستين، وسجنهم بخزانة شمايل، مقيدين، فهرب من بقي من مماليك الأسياد، فنودي في القاهرة عليهم، وهدد من أخفاهم. وقبض على الأمير ألابغا العثماني الدوادار في تَاسع عشرينه، وأخرج على إمرة بالشام. وأخرج أيضاً أيضاً بأميرين من العشرات منفيين. واستقر الأمير بيرم في ولاية أشموم الرمان.
وفي يوم السبت أول شهر رمضان: نفي الأمير الكبير برقوق إلى قوص ممن قبض عليه ثلاثة وأربعين مملوكا، ونفي بقيتهم إلى الشام، وتتبع من اختفي منهم، فأغرق جماعة منهم في النيل، ونفي كثيراً منهم حتى ذهبوا بأجمعهم. وخلا الجو للأمير الكبير، ورأى أنه قد أمن، فإنه لما أخذ الإمرة في أيام الأمير أَينَبَك كان معه في ضيق؛ لأن نفسه تريد منه ما لا يؤهل له.
فلما زالت دولة أينبكَ، وتحكم الأمير طَشتَمُر العلاي، لم يكن له معه كبير أمر، فما زال بَطشَتمر حتى أزله، وصار هو والأمير بركة يتنازعان الأمور، ولا يقدر على عمل شيء إلا. بمراجعة بركة، حتى كان من أمره ما قد ذكر، فصارت مماليك الأسياد يريدون التوثب عليه وهو يداريهم جهده، حتى وثب بهم وأخذهم، فم يبق له معاند، وصار له من المماليك الجراكسة عدد كبير جلبوا إليه من البلاد، فرقاهم إلى ما لم يخطر لهم ببال، وأنعم على جماعة منهم بإمريات.
وفيه نقل الأمير طشتمر العلاي من نيابة صفد إلى القدس بطلبه لذلك، فأقام به بطالا.
وفيه أمر الأمير الكبير بالإفراج عن المسجونين بسجن الديلم وسجن الرحبة، على الديون، فأفرج عنهم.
وفي يوم الأربعاء تاسع عشره: جمع الأمير الكبير برقوق الأمراء والقضاة ومشايخ العلم، وأهل الدولة، والخليفة، إلى عنده بالحراقة من الإصطل، وعرفهم أن الأمور مضطربة لصغر سن السلطان، وقلة حرمته، وأن الوقت محتاج إلى ملك عاقل يستبد بأحوال الدولة، ويقوم بأمور الناس، وينهض بأعباء الحروب والتدبير ونحو ذلك. فاتفقوا جميعهم معه على خلع الملك الصالح حاجي، وبعثوا في الحال بالأمير قُطلوبُغا الكوكاي- أمير سلاح- والأمير ألطُنبُغُا المعلم- رأس نوبة- فقبضا على الملك الصالح من القصر، وأدخلاه إلى دور الحرم، وأخذا منه نمجاة الملك، وعادا بها، فانقضت دولة الأتراك من مصر، وزالت دولة بني قلاون، وصح ما أنذر به أرباب الحدثان، فقد قيل:
تمت ولايتهم بالحاء لا أحد ** من البنين يداني الملك في الزمن

وكذا كان، فإن آخر أولاد الناصر محمد بن قلاوون السلطان حسن بن محمد وآخر من ولي من أولاد الأولاد حاجي، وعلى رأسه زالت دولتهم، وبه ختمت ملوكهم، فسبحان محيل الأحوال، لا إله إلا هو.

.السلطان سيف الدين أبو سعيد:

السلطان الملك الظاهر سيف الدين أبو سعيد برقوق بن آنص الجركسي العثماني اليلبغاوي القائم بدولة الجراكسة أخذ من بلاد الجركس، فأبيع ببلاد الفرم، ثم جلبه الخواجا فخر الدين عثمان بن مسافر إلى مصر، فاشتراه الأمير يلبُغا العُمَري الخاصكي وأعتقه، وجعله من جملة مماليكه الأجلاب، وكان اسمه ألطنبغا فسماه الأمير يلبغا- برقوق- لنتوء في عينه، ومولده في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة- تخمينا- فإنه ذكر في سنة ثمان وتسعين أن سنه سبع وخمسون سنة. فلما قتل الأمير يلبغا- وكانت واقعة الأجلاب- أخرج برقوق فيمن أخرج منهم، وسجن بالكرك مدة، ثم أفرج عنه وصار إلى دمشق، فخدم عند نائبها الأمير مَنجكَ حتى طلب الملك الأشرف شعبان اليلبغاوية، قدم مع من قدم منهم، وصار في خدمة الأسياد، من جملة مماليكهم، إلى أن ثاروا بعد سفر الأشرف إلى الحجاز، كان ممن ثار معهم، وانتقل من الجندية إلى إمرة طبلخاناه، ثم إلى إمرة مائة، وملك الإصطبل، وعمل أمير آخور، ثم أميراً كبيراً. ومازال يدبر الأمور، والأقدار تساعده، حتى ذهب من يعانده، وتثبت دولته، ووافقه الجميع، على أن يكون سلطان البلاد.
فلما خُلع الصالح، وصلى الجماعة الظهر من يوم الأربعاء تاسع عشر شهر رمضان سنة أربع وثمانين وسبع مائة- الموافق له آخر هتور، وسادس عشرين تشرين الثاني- خطب الخليفة المتوكل على اللّه أبو عبد اللّه محمد الخطبة على العادة، وبايع الأمير الكبير الأتابك على السلطنة، وقلده أمر العباد والبلاد، فأفيض في الحال على السلطان تشريف الخلافة، وأفيض على الخليفة التشريف على العادة. وأشار شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني أن يقلب السلطان بالملك الظاهر، وقال: هذا وقت الظهر، والظهر مأخوذ من الظهيرة والظهور، وقد ظهر هذا الأمر بعد أن كان خافيا، فتلقب بالملك الظاهر، وركب من الحراقة بالإصطبل وطلع من باب السر إلى القصر. وعندما ركب أمطرت السماء فتفاءل الناس بذلك. ولما دخل إلى القصر، جلس على التخت، فكان طالع جلوسه برج الحوت. ونودي بالقاهرة ومصر الدعاء للسلطان الملك الظاهر، كتب إلى أعمال المملكة بذلك، وأن يحلف النواب والأمراء للسلطان على العادة، فسارت البرد بذلك، ودقت البشائر بقلعة الجبل عند تمام البيعة، وزينت القاهرة ومصر وعامة مدائن مصر والشام.
وفي يوم الإثنين رابع عشرينه: قرئ عهد الخليفة للسلطان على الأمراء، بحضرة الخليفة والقضاة وأعيان الدولة.
وفيه خلع على الأمير أيتَمش البجاسي- رأس نوبة- وعلى الأمير آلطنبغا الجوباني- أمير مجلس- وعلى الأمير جركس الخليلي- أمير أخور-، وخلع على الأمير سودُن الشيخوني الحاجب، واستقر نائب السلطان. وخلع على الأمير قُطْلُوبغا الكوكاي، واستقر حاجب الحجاب، عوضاً عن الأمير سودن النائب. وخلع على الأمير ألطنبغا المعلم، واستقر أمير سلاح عوضًا عن الكوكاي الحاجب. وخلع على الأمير قردم الحسني، واستقر رأس نوبة ثانيا. وخلع على الأمير يونس النوروزي الدوادار، واستقر دوادار السلطان، عوضا عن ألابغا. وخلع على قضاة القضاة الأربع، وقضاة العسكر، ومفتين دار العدل، ومحتسبي القاهرة ومصر، وكاتب السر، والوزير، وناظر الخاص، وناظر الجيش، ووكيل بيت المال، وسائر أرباب الدولة، فكان يوما مشهودًا كثرت فيه التهاني والأفراح.
وفي يوم الخميس سابع عشرينه: جمع السلطان الأمراء بأجمعهم، وحلفهم- صغيرهم وكبيرهم- على طاعته.
وفيه خلع على أوحد الدين عبد الواحد بن إسماعيل بن ياسين، واستقر في نظر خزانة الخاص ووكالة الخاص وخلع على الأمير بهادر المنجكي الأستادار، واستقر أستادار السلطان، بإمرة طبلخاناة، وأضيف إليه أستادارية الأمير ناصر الدين محمد ابن السلطان.
وفي يوم الإثنين تاسع شوال: خلع على أوحد الدين عبد الواحد بن إسماعيل بن ياسين الحنفي، واستقر في كتابة السر، عوضاً عن بدر الدين محمد بن على بن يحيى بن فضل الله العمري.
وفي حادي عشرينه: عرض السلطان المماليك الأشرفية، وعزل منهم خمسة، جعل لهم رواتب ليكونوا طرخان، وأرسل بقيتهم إلى الأمير سودن النائب، فعمل أصحاب الأخبار الثفال مقدمين في الحلقة، وباقيهم من جملة أجناد الحلقة. وطلب السلطان من المقسي أسماء من قبض بعد الأشرف العشرة آلاف، فوجد منهم قد بقي خمسمائة مملوك، فيهم أربعمائة مملوك بأيديهم إقطاعات في الحلقة، ومائة مملوك لهم جوامك، فأمر في يوم الإثنين سلخه، الأربعمائة أصحاب الأخباز في الحلقة بلزوم دورهم، وأكلهم إقطاعاتهم وقطع جوامك المائة أرباب الجوامك، وقرر عوضهم من مماليكه الذين اشتراهم ورباهم، وقال: هؤلاء خونة قد خانوا أستاذهم الملك الأشرف، وأعانوا على قتله بشيء يسير أخذوه من المال، بعد ما عاشوا في نعمته دهرا طويلا، فلا خير فيهم فتلقوا قله وذله ولقد رأيت بعض من كان من أمراء الألوف في أيام الأشرف، وقد صار فقيراً، يسأل الناس، وعليه ثياب صوف شبه عباءة.
وفي هذا الشهر: قدم شيخنا أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون من بلاد المغرب واتصل بالأمير ألطنبغا الجوباني، وتصدر للاشتغال بالجامع الأزهر، فأقبل الناس إليه، وراقهم كلامه، وأعجبوا به وفي يوم الإثنين سابع ذي القعدة: غضب السلطان على الوزير علم الدين عبد الوهاب الطْنساوي- ويقال له سن إبرة- وضربه، واستدعى بالأسعد أبى الفرج النصراني- كاتب الحوائج خاناه- وأكرهه حتى أظهر الإسلام، فخلع عليه وأركبه فرسا بسرج ذهب، وكنبوش زركش، واستقر به ناظر ديوان ولده محمد، رفيقا للأمير بهادر الأستادار.
وفي عاشره: خلع على الوزير سن إبرة خلعة الاستمرار وخلع على الأمير منكلى الطرخاني واستقر حاجبا رابعا وخلع على الأمير جلبان العلاي، واستقر حاجبا خامسا ولم يعهد قبل ذلك خمسة حجاب في الدولة التركية.
وفيه استقر خير الدين العجمي- من صوفية خانكاه شيخو- في قضاء الحنفية بالقدس ولم يعرف قبله بالقدس قاض حنفي، واستقر موفق الدين العجمي- من صوفية خانكاه شيخو- في قضاء الحنفية بغزة. ولم يعرف أيضاً قبل ذلك بغزة قاض حنفي.
وفيه كان بحث بين شيخ الإسلام البلقيني وبين بدر الدين بن الصاحب في مسألة علمية، آل الأمر إلى أن كفر البلقيني ابن الصاحب، فطلبه إلى قاضي القضاة جمال الدين عبد الرحمن بن خير المالكي، وأقام رجلا يدعى عليه بأمور رتبت عليه، فجرت أحوال عقد من أجلها مجلس حضره القضاة والفقهاء وذكر ما يدعى به عليه، فلم يثبت منه شيء بوجه شرعي، فحكم بعض القضاة بعدم كفر ابن الصاحب وبقائه على دين الإسلام.
وفي يوم الثلاثاء تاسع عشرينه: ركب السلطان من قلعة الجبل، ومر على قناطر السباع، حتى عدى النيل من بولاق إلى الجيزة، وتصيد، ثم عاد من أخر النهار، وقد ركب الأمير أيتمش عن يمينه، والشيخ أكمل الدين- شيخ خانكاه شيخو- عن يساره.
وفيه استقر بدر الدين محمد بن أحمد بن مُزْهر في كتابة السر بدمشق، عوضاً عن فتح الدين محمد بن الشهيد.
وفي هذا الشهر: ورد البريد بأن الأمير يلبغا الناصري- نائب حلب- سار بعسكر حلب إلى إلبيرة، يريد تعدية الفرات، فجاءه الخبر بعصيان الأمير علاء الدين ألطنبغا السلطاني- نائب الأبلستين- وأنه لم يحلف للسلطان واستولى على قلعة درندة- المضافة إليه- وطلع إليها، وأمسك بعض أمرائها، وأطلع إليها ذخيرة وميرة، فركب العسكر الذي بالمدينة عليه، وأمسكوا رجاله، فطلب الأمان منهم، وفر من القلعة إلى الأبلستين. فكتب إليه الأمير يلبغا الناصري، يهدده ويخيفه، فلم يرجعه إليه، ومر هاربا على وجهه إلى بلاد التتر، فعاد الأمير يلبغا المذكور إلى حلب.
وفي يوم الثلاثاء سادس ذي الحجة: قبض على الأمير قُرط- نائب الوجه البحري- لقبح سيرته، وسوء أفعال حاشيته، وضرب بين يدي الأمير أيتمش ضربا مبرحا، ثم جلس وصودر- هو وجماعته- وفر ابنه حسين، فنودي عليه، وهدد من أخفاه وخلع على الأمير قرابلاط الأحمدي، واستقر عوض قرط.
وفيه رسم باستقراء ولى الدين عبد الرحمن بن رشد في قضاء المالكية بحلب، عوضا عن علم الدين القفصي.
وفي يوم السبت سابع عشره: ركب السلطان من القلعة إلى جهة المطرية ومضى اٍلى قناطر أبي المنجا، وعاد فدخل إلى القاهرة من باب الشعرية، حتى خرج من باب زويلة وصعد القلعة، فكان يوما مشهودا، زينت فيه الأسواق وأشعلت الشموع والقناديل، فرحا برؤيته: وفي ثاني عشرينه: خلع على محمود بن علي بن أصفر عينه- أستادار الأمير سودن باق- واستقر شاد الدواوين، عوضا عن بهادر الأعسر. وأنعم عليه بإمرة طبلخاناة. وفيه ورد البريد بأن الأمير أقبغا عبد اللّه- نائب غزة- فر منها إلى جهة الأمير نعير.
وفيه خلع على الأمير قرقماس الطشتَمري اليلبغاوي، واستقر خازندارا كبيرا.
وفي رابع عشرينه: ركب السلطان من القلعة، وشق مدينة مصر، وقد زينت له، حتى عدى النيل إلى بر الجيزة. ثم عاد على بولاق، إلى القلعة.
وفي سابع عشرينه: قدم الأمير ألطنبغا الجوباني من الحجاز، وكان قد حج مع الركب.

.مات في هذه السنة من الأعيان:

قاضى القضاة الحنفية بدمشق، همام الدين- أمير غالب- ابن قوام الدين- أمير كاتب- الأتقاني، بعد عزله. وكان قد بلغ غاية في الجهل.
ومات قاضي القضاة بحر الدين عبد الوهاب بن الكمال أحمد بن قاضى القضاة علم الدين محمد بن أبي بكر بن عيسى بن بدران الأخناي المالكي، في يوم الخميس سادس عشر رجب، وهو معزول.
ومات الصاحب الوزير كريم الدين عبد الكريم بن الرويهب، في سابع عشر شهر رمضان وقد اتضع حاله وافتقر.
ومات علاء الدين علي بن عمر بن محمد بن قاضي القضاة تقي الدين محمد بن دقيق العيد- موقع الحكم- في خامس عشرين صفر.
ومات جمال الدين محمد بن علي بن يوسف، المعروف بالخطب الأسنوي أحد خلفاء الحكم الشافعية، في يوم الأحد عاشر ربيع الأول.
وتوفي الشيخ عز الدين عبد العزيز بن عبد الخالق، الأسيوطي الشافعي، في يوم الأربعاء حادي ذي الحجة وقد تصدر للأشغال عدة سنين.
ومات الأمير فخر الدين إياس الصرغتمشي الحاجب، أحد الطبلخاناه، في ثالث ربيع الآخر.
ومات الأمير زين الدين زبالة الفارقاني، نائب قلعة دمشق، في شعبان بدمشق وقد أناف على السبعين.