فصل: سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك (نسخة منقحة)



.سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة:

أهلت وخليفة الزمان المعتضد بالله أبو الفتح داود بن المتوكل على الله أبي عبد الله محمد العباسي، وسلطان الإسلام بمصر والشام والحجاز الملك الأشرف أبو العز برسباي الدقماقي الظاهري الجركسي، ثامن الملوك الجركسة، والأمير الكير الأتابك يشبك الأعرج الساقي، وأمير أخور الأمير جقمق العلاي وأمير سلاح أينال الجكمي. وأمير مجلس الأمير شارقطلوا، ورأس نوبة الأمير أركماس الظاهري، والدوادار الأمير أزبك، وحاجب الحجاب الأمير قرقماس وأستادار الأمير زين الدين عبد القادر ابن الأمير فخر الدين عبد الغني ابن الأمير الوزير تاج الدين عبد الرزاق بن أبي الفرج، والوزير الصاحب كريم الدين عبد الكريم ابن الوزير تاج الدين عبد الرزاق بن محمد، المعروف بكاتب المناخ، وناظر الخاص كريم الدين عبد الكريم بن بركة، المعروف بابن كاتب جكم، وكاتب السر بدر الدين محمد بن محمد بن أحمد بن مزهر الدمشقي. وناظر الجيش القاضي زين الدين عبد الباسط، وقاضي القضاة الشافعي الحافظ شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر، وقاضي القضاة الحنفي بدر الدين محمود العنتابي، قاضي القضاة المالكي شمس الدين محمد البساطي، وقاضي القضاة الحنبلي عز الدين عبد العزيز البغدادي، ومحتسب القاهرة ومصر الأمير أينال الششماني، ووالي القاهرة التاج الشويكي، ونائب الشام سودن من عبد الرحمن، ونائب حلب الأمير قصروه، ونائب طرابلس الأمير جرباش قاشق، ونائب حماة الأمير جلبان، ونائب صفد الأمير مقبل الزيني، ومتولي مكة- شرفها الله تعالى- الشريف بركات بن حسن بن عجلان الحسني، ومتولي المدينة النبوية الشريف مانع بن علي بن عطية بن منصور بن جماز الحسيني، ومتولي ينبع الشريف عقيل بن وبير بن مختار بن مقبل بن راجح بن إدريس الحسني، ونائب الإسكندرية الأمير أقبغا التمرازي.
وأسعار الغلال رخيصة، أما القمح فمن مائة وسبعين درهماً فلوساً الأردب إلى ما دونها، وأما الشعير فمن مائة وثلاثين درهماً الأردب إلى ما دونها، وأما الفول فبنحو ذلك.
والناس بالنواحي في شغل بزراعة الأراضي، وقد كثر الشراقي في أعمال القاهرة ومصر، لقصور مد النيل، وسرعة هبوطه، على ما تقدم ذكره في السنة الحالية. والعسكر في الاهتمام للعرض على السلطان، والناس قد غلب عليهم في عامة أرض مصر القلة والفاقة، وعدم المبالاة بأمور الدين، والشغل بطلب المعيشة، لقلة المكاسب.
شهر الله المحرم، أوله الأربعاء: في يوم الجمعة ثالثه: قدم الحمل من قبرس، ومبلغه خمسون ألف في ينار، فرسم بضربها دنانير أشرفية، فضربت بقلعة الجبل، حيث يشاهد السلطان الحال في ضربها.
وفي يوم السبت حادي عشره: ركب السلطان من القلعة إلى دار الأمير جانبك الدوادار. يعوده وقد مرض.
وفي يوم الأربعاء ثالث عشرينه: قدم الركب الأول من الحج، وقدم من الغد يوم الخميس ثالث عشرينه المحمل ببقية الحاج، ومعهم الشريف خشرم أمير المدينة الشريفة في الحديد، وقدم الأمير بكتمر السعدي من المدينة النبوية، وقدم الحمل من عشور التجار الواردين من الهند إلى جدة وهو أصناف، ما بين بهار، وشاشات، يكون قيمة ذلك نحو الخمسين ألف دينار.
وفي يوم الأحد سادس عشرينه: ابتدئ في هدم خان الحجر وقف الشهابي الششماني وقد أخذه السلطان وألزم سكانه بالنقلة منه. وكانوا أمة كبيرة، قد مرت بهم وبآبائهم فيه عدة سنين، فنزل بهم مكاره كبير، لتعذر وجود مساكن يسكنون بها.
وفي هذا الشهر: كانت فتنة بين آل مهنا عرب الشام، قتل فيها الأمير عذراء بن علي بن نعير، واستقر أخوه مدلج عوضه في إمرة آل فضل.
شهر صفر، أوله الجمعة: فيه رسم أن لا يزرع أحد من الناس قصب السكر، وأن يبقى صنفاً مفرداً للسلطان يزرعه في مزارعه بجميع الإقليم، ويعصره عسلاً وقنداً وسكراً، ويبيعه من غير أن يشاركه في ذلك أحد، ثم بطل هذا المرسوم ولم يعمل به، وكثر في هذا الشهر- والذي قبله- أكل الدود للزراعات؛ من البرسيم الأخضر والقمح ونحو ذلك، وسببه شدة الحر في فصل الخريف، وعدم المطر، ومع هذا فأسعار الغلال منحطة، فالقمح بمائة وأربعين درهماً الأردب، والشعير والفول بتسعين درهماً الأردب.
وفي يوم الثلاثاء ثاني عشره: خلع على محب الدين أحمد بن نصر الله، وأعيد إلى قضاء القضاة الحنابلة، عوضاً عن عز الدين عبد العزيز البغدادي، وقد عزل لتنكر كاتب السر عليه وسعايته به.
وفي يوم الاثنين ثامن عشره. خلع على سعد الدين إبراهيم بن المرة، واستقر في نظر الديوان المفرد، عوضاً عن عبد العظيم. واستقر عبد العظيم كاشف الجسور بالبهنساوية.
وفي يوم الثلاثاء المبارك تاسع عشره: ركب السلطان من قلعة الجبل بثياب جلوسه، وشق من باب زويلة شارع القاهرة، حتى خرج من باب النصر إلى خليج الزعفران، فرأى البستان الذي أنشأه هناك، وعاد على تربته التي أنشأها بجوار تربة الظاهر برقوق وصعد إلى القلعة.
شهر ربيع الأول، أوله يوم السبت: ففي ليلة الجمعة: كان المولد النبوي الذي يعمله السلطان، ويحضره بقلعة الجبل، على عادته في كل سنة.
وفي ثالث عشره: أنعم بطبلخاناه الأمير بكتمر السعدي، على الأمير قجقار جقطاي، أحد أمراء العشرات.
وفي تاسع عشره: قدم قاضي القضاة الحنفي بدمشق، شهاب الدين أحمد بن محمود ابن الكشك، وقد ألزم بحمل عشرة آلاف دينار.
وفي عشرينه: قدم قاضي القضاة الشافعي، ونقيب الأشراف بدمشق، شهاب الدين أحمد بن علي بن إبراهيم بن عدنان الحسيني. وقد ألزم أيضاً بحمل مال كبير.
وفيه ركب السلطان وشق القاهرة بثياب جلوسه، على عادته.
وفي أخريات هذا الشهر: تحركت أسعار الغلال، وسببه خسة الزرع بالجيزية والوجه البحري لعدم المطر، وتوالى هبوب الرياح المريسية زيادة على ثلاثين يوماً، فلم تسر فيها المراكب.
شهر ربيع الآخر، أوله الاثنين: أهل والناس على تخوف من سوء حال الزرع، وانكشاف ساحل النيل من الغلال، وقلة وجود القمح مع هذا عدة أيام، وقدمت الأخبار بكثرة أمراض أهل الشام، وكثرة موت الخيول بدمشق وحماة.
وفي ثالث عشرينه: خلع على القاضي شهاب الدين أحمد بن الكشك خلعة الاستمرار في قضاء الحنفية بدمشق وقد حمل مبلغ ألفي دينار بعناية بعض الأمراء به، وكان قد ألزم بمال كثير.
وفي هذه الأيام: تتبعت أماكن الفساد، وأريقت منها الخمور الكثيرة، وشدد في المنع من عصير الزبيب، ومنع الفرنج من بيع الخمر المجلوب من بلادهم.
وفي سادس عشرينه: توجه الشهاب بن الكشك إلى محل ولايته.
وفي هذه الأيام: تشكى التجار الشاميون من حملهم البضائع التي يشترونها من جدة إلى القاهرة، فوقع الاتفاق على أن يؤخذ منهم بمكة عن كل حمل قل ثمنه أو كثر ثلاثة دنانير ونصف، ويعفوا من حمل ما يتبضعونه من جدة إلى مصر، فإذا حملوا ذلك إلى دمشق أخذ منهم مكسها هناك، على ما جرت به العادة.
شهر جمادى الأولى، أوله الثلاثاء: في خامسه: غضب السلطان على الطواشي فيروز الساقي، وضربه وأخرجه إلى المدينة النبوية.
وفي سادسه: هدمت الحوانيت المعروفة بالصيارف وبالسيوفيين، فيما بين الصاغة ودرب السلسلة. وكانت في أوقاف المدارس الصالحية، فأخذت باسم ولد الأمير جانبك الدوادار، لتعمر له مما ورثه من أبيه.
وفي ثاني عشرينه: برز من القاهرة طائفة من العمار، ونزلوا بركة الحجاج، وساروا منها يريدون مكة في رابع عشرينه.
وفي سادس عشرينه: توجه السيد الشريف شهاب الدين أحمد بن عدنان إلى دمشق، بعد ما حمل ثلاثة آلاف دينار، وألزم بحمل خمسة آلاف دينار من دمشق، سوى ما أهدي إلى أرباب الدولة، وهو بمال جم.
وفي هذا الشهر: انحلت أسعار الغلال وكسدت.
وفيه كانت الفتنة الكبيرة. بمدينة تعز من بلاد اليمن. وذلك أن الملك الأشرف إسماعيل ابن الملك الأفضل عباس بن المجاهد علي بن المؤيد داود بن المظفر يوسف بن المنصور عمر بن علي بن رسول لما مات قام من بعده ابنه الملك الناصر أحمد بن الأشرف إسماعيل، وقام بعد الملك الناصر أحمد ابنه الملك المنصور عبد الله بن أحمد، في جمادى الآخرة سنة سبع وعشرين وثمانمائة، ومات في جمادى الأولى سنة ثلاثين، فأقيم بعده أخوه الملك الأشرف إسماعيل بن أحمد الناصر بن الملك الأشرف إسماعيل بن عباس فتغيرت عليه نيات الجند كافة من أجل وزيره شرف الدين إسماعيل بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عمر العلوي، نسبة إلى علي بن بولان العكي، فإنه أخر صرف جوامكهم ومرتباتهم، واشتد عليهم، وعنف بهم، فنفرت منه القلوب، وكثرت حساده، لاستبداده على السلطان، وانفراده بالتصرف دونه. وكان يليه في الرتبة الأمير شمس الدين علي بن الحسام، ثم القاضي نور الدين علي المحالبي مشد الاستيفاء، فلما اشتد الأمر على العسكر وكثرت إهانة الوزير لهم، وإطراحه جانبهم، ضاقت عليهم الأحوال حتى كادوا أن يموتوا جوعًا، فاتفق تجهيز خزانة من عدن، وبرز الأمر بتوجه طائفة من العبيد والأتراك لنقلها، فسألوا أن ينفق فيهم أربعة دراهم لكل منهم، يرتفق بها، فامتنع الوزير ابن العلوي من ذلك، وقال: ليمضوا غصبًا إن كان لهم غرض في الخدمة، وحين وصول الخزانة يكون خير، وإلا ففسح الله لهم، فما للدهر بهم حاجة، والسلطان غني عنهم. فهيج هذا القول حفائظهم، وتحالف العبيد والترك على الفتك بالوزير، وإثارة فتنة، فبلغ الخبر السلطان، فأعلم الوزير، فقال: ما يسوءوا شيئاً، بل نشق كل عشرة في موضع، وهم أعجز من ذلك.
فلما كان يوم الخميس تاسع جمادى الآخرة هذا: قبيل المغرب، هجم جماعة من العبيد والترك دار العدل بتعز، وافترقوا أربع فرق، فرقة دخلت من باب الدار وفرقة دخلت من باب السر، وفرقة وقفت تحت الدار، وفرقة أخذت بجانب آخر فخرج إليهم الأمير سنقر أمير جندار، فهبروه بالسيوف حتى هلك، وقتلوا معه علي المحالبي مشد المشدين، وعدة رجال، ثم طلعوا إلى الأشرف- وقد اختفى بين نسائه وتزيا بزيهن- فأخذوه ومضوا إلى الوزير ابن العلوي فقال لهم: ما لكم في قتلى فائدة؟ أنا أنفق على العسكر نفقة شهرين فمضوا إلى الأمير شمس الدين علي بن الحسام بن لاجين، فقبضوا عليه، وقد اختفى، وسجنوا الأشرف وأمه وحظيته في طبقة المماليك، ووكلوا به وسجنوا ابن العلوي الوزير وابن الحسام قريباً من الأشرف، ووكلوا بهما، وقد قيدوا الجميع، وصار كبير هذه الفتنة برقوق من جماعة الترك، فصعد هو في جماعة ليخرج الظاهر يحيى بن الأشرف إسماعيل بن عباس من ثعبات فامتنع أمير البلد من الفتح ليلاً، وبعث الظاهر إلى برقوق بأن يتمهل إلى الصبح، فنزل برقوق ونادى في البلد بالأمان والاطمئنان والبيع والشراء، والأخذ والعطاء، وأن السلطان هو الملك الظاهر يحيى بن الأشرف. هذا وقد نهب العسكر عند دخولهم دار العدل جميع ما في دار السلطان، وأفحشوا في نهبهم، فسلبوا الحريم ما عليهن، وانتهكوا ما حرم الله، ولم يدعوا في الدار ما قيمته الدرهم الواحد، وأخذوا حتى الحصر، وامتلأت الدار وقت الهجمة بالعبيد والترك والعامة.
فلما أصبح يوم الجمعة عاشره: اجتمع بدار العدل الترك والعبيد، وطلبوا بني زياد وبني السنبلي والخدم، وسائر أمراء الدولة والأعيان، فلما تكامل جمعهم، ووقع بينهم الكلام فيمن يقيموه، قال بنو زياد: ما تم غير يحيى، فاطلعوا له هذه الساعة. فقام الأمير زين الدين جياش الكاملي والأمير برقوق، وطلعا إلى ثعبات في جماعة من الخدام والأجناد، فإذا الأبواب مغلقة، وصاحوا بصاحب البلد حتى فتح لهم، ودخلوا إلى القصر، فسلموا على الظاهر يحيى بالسلطنة وسألوه، أن ينزل معهم إلى دار العدل، فقال: حتى يصل العسكر أجمع. ففكوا القيد من رجليه، وطلبوا العسكر بأسرهم، فطلعوا بأجمعهم، وأطلعوا معهم بعشرة جنائب من الاصطبل السلطاني في عدة بغال فتقدم الترك والعبيد وقالوا للظاهر: لا نبايعك حتى تحلف لنا أنه لا يحدث علينا منك سوء بسبب هذه الفعلة، ولا ما سبق قبلها،. فحلف لهم ولجميع العسكر، وهم يعددون عليه الأيمان، ويتوثقون منه، وذلك بحضرة قاضي القضاة موفق الدين علي بن الناشري، ثم حلفوا له على ما يحب ويختار، فلما انقضى الحلف، وتكامل العسكر، ركب ونزل إلى دار العدل في أهبة السلطنة، فدخلها بعد صلاة الجمعة، فكان يوماً مشهوداً. وعندما استقر بالدار أمر بإرسال ابن أخيه الأشرف إسماعيل إلى ثعبات، فطلعوا به، وقيدوه بالقيد الذي كان الظاهر يحيى مقيداً به، وسجنوه بالدار التي كان مسجوناً بها، ثم حمل بعد أيام إلى الدملوه، ومعه أمه وجاريته، وأنعم السلطان الملك الظاهر يحيى على أخيه الملك الأفضل عباس. بما كان له، وخلع عليه، وجعله نائب السلطة كما كان في أول دولة الناصر، وخمدت الفتنة.
وكان الذي حرك هذا الأمر بنو زياد، فقام أحمد بن محمد بن زياد الكاملي بأعباء هذه الفتنة، لحنقه على الوزير ابن العلوي، فإنه كان قد مالأ على قتل أخيه جياش، وخذل عن الأخذ بثأره وصار يمتهن بني زياد، ثم ألزم الوزير ابن العلوي وابن الحسام بحمل المال، وعصرا على كعابهما وأصداغهما، وربطا من تحت إبطهما، وعلقا منكسين، وضربا بالشيب والعصا، وهما يوردان المال، فأخذ من ابن العلوي- ما بين نقد وعروض- ثمانون ألف دينار، ومن ابن الحسام مبلغ ثلاثين ألف دينار، واستقر برقوق أمير جندار، واستقر الأمير بدر الدين محمد الشمسي أتابك العسكر، واستقر ابنه العفيف أمير أخور، ثم استقر الأمير بدر الدين المذكور أستادارا، وشرع في النفقة على العسكر، وظهر من السلطان نبل وكرم وشهامة ومهابة، بحيث خافه العسكر، بأجمعهم فإن له قوة وشجاعة، حتى أن قوسه يعجز من عندهم من الترك عن جره، مدحه الفقيه يحيى بن رويك بقصيدة، أولها:
بدولة ملكنا يحيى اليماني ** بلغنا ما نريد من الأماني

سيحيى بابن إسماعيل يحيى ** أناس أدركتهم موتتان

فكتب بخطه على الحاشية الموتتان هي دولة المنصور والأشرف،. وكانت عدة هذه القصيدة أحد وأربعين بيتا، فقال: ثمنوها. وأجاز عليها بألف دينار أحضرت له في المجلس وبهذه الكائنة اختل ملك بني رسول.
شهر جمادى الآخرة، أوله الخميس: في خامسه: أنعم علي الأمير شارقطلوا، وخلع عليه، فاستقر أميراً كبيراً أتابك العساكر، عوضاً عن يشبك الساقي، بحكم وفاته.
في سادسه: أحضرت هدية ملك كلبرجة من الهند، وهي أربعة سيوف، وستة عشر جمالاً، عليها شاشات وأزر، وقد أهدى إلى غير واحد من أعيان الدولة، وسأل أن تمكن رسله من بناء رباط بالقدس، وكان من خبر الهند أن بلاد الهند قسمان، قسم بيد أهل الكفر وهم الأكثر، وقسم بأيدي المسلمين. وكان ملك الهند صاحب مدينة دله، وهي قاعدة الملك. وكان ملكها فيروز شاه بن نصرة شاه من عظماء ملوك الإسلام، فلما مات، ملك دله بعده مملوكه ملو وعليه قدم الأمير تيمور لنك بعد سنة ثمانمائة، وأوقع بالهند وقيعة شنعاء، وخرب مدينة دله، وعاد إلى بلاده، فأتى بلاد الشام بعد ذلك. وكان ملو قد فر منه، فعاد مسير تيمور لنك إلى دله، ومضى منها إلى ملطان فخرج عليه خضر خان بن سليمان، وحاربه فقتل في الحرب. وكان قد ملك دله دولة يار، فنازله خضر خان وحصره مدة، ففر منه، وملك خضر خان دله حتى مات، فقام من بعده ابنه مبارك شاه بن خضر خان هذا، وقد انقسمت بعد أخذ تيمور مدينة دله مملكة الهند، وصار بها عدة ملوك، أجلهم ملك بنجالة، وملك كلبرجة، وملك بزرات. فأما بنجالة فقام بها رجل من أهل سجستان يقال له شمس الدين، فلما مات قام من بعده ابنه اسكندر شاه ثم ابنه غياث الدين أعظم شاه بن اسكندر شاه بن شمس الدين، ومات سنة خمس عشرة وثمانمائة فملك بعده ابنه سيف الدين حمزة، فثار عليه مملوكه شهاب الدين وقتله، فلم يتهن بعد أستاذه، وأخذه الكافر فندو، وملك بنجالة وما معها، فثار عليه ولده- وقد أسلم- وقتله، وملك بنجالة، وتسمى. بمحمد، وتكنى بأبي المظفر، وتلقب بجلال الدين، ثم جدد ما دثر أيام أبيه فندو من المساجد، وأقام معالم الإسلام.
فأما كلبرجة فإن محمد شاه صاحب مدينة دله، بعث إليها حسن بهمن، فأخذها له، وأقام نائبها عن محمد شاه حتى مات، فقام ابنه أحمد بن حسن بهمن، ثم قام بعد أحمد ابنه فيروز شاه بن أحمد بن حسن بهمن ثم قام بعده أخوه شهاب الدين أحمد أبو المغازي بن أحمد بن حسن بهمن، وهو الذي بعث الهدية المذكورة.
وأما بزرات وكنباية فإن ظفر خان كان ساقيًا عند الملك فيروز شاه بن نصرة شاه صاحب دله، فولاه كنباية على ألف ألف تنكة حمراء عنها من الذهب ثلاثة آلاف ألف مثقال وخمسمائة ألف مثقال. وكان ظفر هذا كافراً، وله أخ اسمه لاكه. وفي ولايته خرب تيمور دله، فقام عليه ابنه تتر خان وسجنه، وصانع تيمور فأقره، فلما سار تيمور عن الهند، خرج لاكه على ابن أخيه تتر خان وقتله، وأعاد أخاه ظفر خان إلى ملكه، فوثب أحمد خان بن تتر خان بن ظفر خان على جده، وقتله، وأحرق عم أبيه لاكه، وذلك بعد سنة عشر وثمانمائة. وقد أسلم وتلقب بالسلطان. وما عدا هذه المماليك الثلاثة، فإنها دونها كديوه ومهايم وتانه ونحو ذلك مما هو بأيدي المسلمين.
وفي ثامن جمادى: المذكور خلع على الأمير الكبير شارقطلوا، واستقر في نظر المارستان المنصوري بالقاهرة، ونزل إليه على العادة.
وفي عاشره: كتب بحضور الأمير صرماش قاشق نائب طرابلس، ليستقر أمير مجلس، وكتب إلى الأمير طرباي المقيم بالقدس بطالاً أن يستقر في نيابة طرابلس، وجهز إليه خيل ليركبها، ورسم لمن في خدمة الأمراء من مماليكه أن يتوجهوا إليه.
وفي تاسع عشرينه: قدمت رسل ملك الروم بمدينة برصا، مراد بك بن كرشجي محمد بن بايزيد، بكتاب وهدية فاحتفل السلطان لقدومهم، وأركب العسكر إلى لقائهم. ومن خبر ملوك الروم أن خوندكار بايزيد بن مراد بن عثمان ترك أربعة أولاد: سلمان وهو أكبرهم، ومحمداً، وعيسى، وموسى، فقام بالأمر سلمان، وأقام ببر قسطنطنية في مدينة أدرنة وكالي بولي، وقام أخوه عيسى. بمدينة برصا، وتحاربا، فقتل عيسى، واستبد سلمان. مملكة أبيه، فثار عليه أخوه موسى وحاربه، فقتل سلمان، وملك بعده موسى ببر أدرنة، وقام ببرصا أخوه محمد كرشجي وقاتله، فقتل موسى، واستبد بالمملكة حتى مات فأقيم من بعده ابنه مراد بك بن محمد كرشجي.
وفي هذا الشهر: اتضع سعر الغلال بديار مصر وكسدت، فأبيع الأردب القمح بمائة وأربعين فلوساً إلى ما دون ذلك، والشعير بتسعين درهماً الأردب.
وفيه أخذ السلطان خان مسرور والرباع التي تعلوه، وذلك أنه قومت أنقاضه باثني عشر ألف ديناراً، رصد منها تحت يد مباشري السلطان تسعة آلاف دينار لعمارة الربع، فصار النصف والربع للسلطان، وأقبض قاضي القضاة عن ثمن أنقاض الربع ثلاثة آلاف دينار، على أنه إذا كملت يكون ريعه جارياً تحت نظر الحكم العزيز الشافعي، يصرف ريعه فيما كان يصرف فيه ريع الأصل.
شهر رجب، أوله السبت: فيه عملت الخدمة بالإيوان من دار العدل من القلعة، وأحضرت رسل مراد بن عثمان ملك الروم بيرصا. وكان موكباً جليلاً أركب فيه الأمراء ومماليك السلطان، وأجناد الحلقة.
وفيه ابتدئ بهدم خان مسرور.
وفي سابعه: خلع علي القاضي كمال الدين محمد ابن القاضي ناصر الدين محمد بن البارزي، واستقر في كتابة السر بدمشق عوضاً عن بدر الدين حسين بحكم وفاته. وكان القاضي كمال الدين منذ من عزل نظر الجيش بعد كتابة السر ملازماً لداره على أجمل حالة وأمثل طريقة، من الصيانة والديانة والوقار والسكينة، وتردد الأكابر والأعيان إلى بابه، وكثرت مداراته، وبسط يده بالإحسان.
وفي عاشره: خلع علي عز الدين عبد السلام بن داود بن عثمان العجلوني القدسي أحد خلفاء الحكم الشافعية، واستقر في تدريس الصلاحية بالقدس، عوضاً عن شمس الدين محمد بن عبد الدايم البرماوي. وعز الدين هذا قدم القاهرة بعد كائنة تيمور، فبلونا منه فضيلة ومعرفة بالحديث وغيره، وصحب كاتب السر فتح الله، وناب في الحكم فاشتهر، ثم نوه به ناصر الدين محمد بن البارزي كاتب السر، وصار يزاحم الأكابر في المحافل، ويناطح الفحول بقوة بحثه وشهامته وغزارة علمه، ونعم الرجل هو. وفي حادي عشره: أدير محمل الحاج على العادة في كل سنة.
وفي تاسع عشره: كتب باستقرار السيد الشريف شهاب الدين أحمد بن عدنان في نظر الجيش بدمشق، عوضاً عن بدر الدين حسين، وحملت إليه الخلعة والتوقيع على يد نجاب.
وفي ثاني عشرينه: سار القاضي كمال الدين محمد بن البارزي إلى محل ولايته. ولقد استوحشنا لغيبته، فالله يمن علينا بجميل عودته.
وفي ثالث عشرينه: قدم الأمير جرباش قاشق من طرابلس، واستقر أمير مجلس.
وفي سابع عشرينه: استدعى السلطان من في سجن القضاة، وأفرج عن عدة من المديونين.
وفي هذا الشهر: تحرك سعر الغلال فأبيع الشعير كل أردب بمائة وخمسة وعشرين بعد تسعين وأبيع الفول بمائة وستين، وأبيع القمح بمائة وستين، وأبيع القمح بمائة وستين بعد مائة وأربعين. هذا مع دخول الغلات الجديدة، إلا أن الفأر كثر عبثه في الغلال، ووقعت صقعة في عاشر طوبة من أشهر القبط ببلاد الصعيد، تلف بها أكثر الفول وهو أخضر، وكانت الشراقي كثيرة، فلم يزرع ما شرق من الأراضي وأكلت الدودة مواضع مزروعة ولم يزل الغلاء يترقب في هذه السنة منذ هبط النيل سريعاً، إلا أن الله تعالى أرخى الأسعار لطفاً منه بعباده {إن الله بالناس لرءوف رحيم} [الحج، الآية 65] وقدمت الأخبار بأن أراضي حوران بالشام لم تزرع لعدم المطر، وأن الغلاء قد اشتد بالحجاز لعدم الغيث به. وفيه فشت أمراض حادة في الناس ببلاد الصعيد، وكثر الموتان، لاسيما بمدينة هو، وبوتيج، ومنشية أخميم وما حولها.
شهر شعبان، أوله الأحد: أهل وأسعار الغلال أخذة في الارتفاع، ولم يكد يوجد عند قطاف عسل النحل منه شيء. وهلك النحل من قلة المراعي، وعز وجود الفول لقلة ما تحصل منه عند الدراس، وقل الحمص أيضاً، وخس الكنان.
وفي سادس عشره: توجهت تجريدة عدتها خمسون مملوكاً إلى ينبع.
وكثر الوباء في هذا الشهر بصعيد مصر، فمات بشر كثير.
شهر رمضان، أوله الاثنين: في ثانيه- الموافق لسابع عشرين بؤونة-: نودي على النيل ثلاثة أصابع بعد ما أخذ القاع فكان ثلاثة أذرع وعشر أصابع.
وفيه عزل سعد الدين إبراهيم بن المرة من نظر الديوان المفرد، وولي عوضه زين الدين يحيى، قريب الأمير فخر الدين بن أبي الفرج.
وفي عشرينه: أخرج قانصوه- أحد أمراء الطبلخاناه- لنيابة طرسوس، وأضيف إقطاعه إلى الديوان المفرد. وقانصوه هذا أحد مماليك الأمير نوروز الحافظي، وصار إلى المؤيد شيخ بعد قتل نوروز، فرقاه حتى صار أمير طبلخاناه، وهو أحد الفرسان المشهورين، وكبير الطائفة النوروزية.
وفي هذا الشهر: بلغ القمح إلى مائتين وستين درهماً الأردب، وأناف الأردب من الشجر والفول على المائتين، وبلغت البطة الدقيق- وهي خمسون رطلا- ثمانين درهماً.
وفيه قدم إلى الإسكندرية مركبان من مراكب طائفة الفرنج القطلان لأخذ المدينة، فإذا الناس على يقظة وأهبة لهم، فإن متملك قبرس كان قد بعث يحذر منهم، فردهم الله خائبين. وفيه قدم الحمل من قبرس.
شهر شوال، أوله الأربعاء: في حادي عشره: ركب السلطان من قلعة الجبل، فشق القاهرة، ونظر إلى عمارته، ونزل إلى المارستان المنصوري، فعاد المرضي، وعاد إلى القلعة.
وفي ثاني عشره- الموافق لأول مسرى-: نودي على النيل بزيادة أربعة وعشرين إصبعاً، لتتمة اثني عشر ذراعاً وعشر أصابع، وهذا مما يستكثر من زيادة النيل.
وفي هذه الأيام: هدمت الحوانيت التي تجاه شبابيك المدرسة الصالحية التي بجوار قبة الملك الصالح. وكانت في وقف الجو كندار، وكان هدمها في رابعه.
وفي سادسه: توجه سعد الدين إبراهيم بن المرة إلى جدة لأخذ مكوس التجار الواردين من الهند، وقد أعيد إلى ولايته.
وفي حادي عشره: سارت تجريدة خمسون مملوكاً، عليها الأمير أرنبغا- أحد أمراء العشرات- وسببها أن الخبر ورد من مكة بأن بني عجلان أخوة الشريف بركات بن عجلان متولي مكة طلبوا من شاهين المتوجه إلى جدة أن يأخذوا مما يتحصل ما كانت عادتهم أخذه في أيام أبيهم الشريف حسن بن عجلان، فمنعهم من ذلك، فهددوه بالقتل، وأن كثيراً من القواد قد قام معهم، فأخرج التجريدة تقوية لابن المرة على حفظ المال.
وفي عشرينه: خرج محمل الحاج على العادة، إلا أنه أناخ ببركة الحجاج، ولم ينزل بالريدانية خارج القاهرة، وخرج معه أمير الحاج الأمير قرا سنقر الذي كان كاشف الجيزة، وقد خرج أمير الركب الأول الأمير أينال الششماني المحتسب- أحد رءوس النوب- واستناب عنه في الحسبة دواداره.
وفي خامس عشرينه- الموافق له رابع عشر مسرى-: كان وفاء النيل ستة عشر ذراعاً، وركب المقام الناصري محمد بن السلطان، ومعه الأتابك شارقطلوا وغيره من الأمراء، حتى خلق المقياس، وفتح الخليج على العادة.
وفي ثامن عشرينه: أمسك الأمير قطش أحد أمراء الألوف، والأمير جرباش قاشق أمير مجلس، وحمل قطش في الحديد إلى الإسكندرية، فسجن بها وأخرج الأمير جرباش قاشق الكريمي بغير قيد إلى دمياط.
وفيه خلع على الأمير أينال الجلالي الأجرود، واستقر في نيابة غزة، عوضاً عن الأمير تمراز الدقماقي، وأنعم بطبلخاناته على الأمير تمراز الدوادار، وكتب بإحضار الأمير بيبغا المظفري من القدس، وقد نقل إليها من دمياط من نحو شهر.
وفي هذا الشهر: انحل سعر الغلال، وقل طالبها، وعز وجود اللحم بالأسواق، أحياناً.
شهر ذي القعدة الحرام، أوله الجمعة: أهل وأسعار الغلال رخيصة، فأخذت في الارتفاع، وعز وجود التبن، فبلغ الحمل مائتي درهم، وعز وجود اللحم أيضاً، وفقد من الأسواق، وصارت المماليك تخرج إلى الضواحي في طلب التبن لخيولها، فتأخذ بالعسف على عادتها، فامتنع الناس من جلبه من الأرياف، ولم يقدر عليه أحد بعد ذلك، فندب السلطان طائفة من غلمانه للخروج إلى الأرياف بالجمال السلطانيه، وشراء التبن من النواحي، وأن يكون بمائة درهم الحمل، وتوقف الجمال المحملة التبن تحت القلعة، ويباع الحمل منه بمائة وأربعين درهماً، ومنع المماليك من الخروج إلى الضواحي في طلب التبن، وأن لا يشتري أحد التبن إلا من تحت القلعة، فتمشي الحال في وجوده.
وفي هذه الأيام: تعدى سعر القمح ثلاثمائة درهم الأردب، والفول مائتين وستين، والشعير مائتين وثلاثين، وفقدت الغلال من الغراس مع كثرتها، وتوفر زيادة النيل، فإنه بلغ إلى يوم النوروز- وهو يوم الأحد سابع عشره- ثمانية عشر ذراعاً وأربعة عشر إصبعاً. وهذا مما يستكثر من زيادة النيل، إلا أن الأمراء والأعيان شرهوا في الفوائد، وشاركوا من دونهم في إدخار الغلال وغيرها من البضائع، رجاء الفائدة، فعز وجود الغلال، وارتفع سعرها وفقد الخبز من الأسواق أحياناً، وصارت ولاة الأمور مع ذلك بعيدة عن معرفة طرق المصالح، فإن غاية مقاصدهم إنما هي أخذ المال على كل وجه أمكن أخذه، فلهذا اختلت الأحوال، وضاعت المصالح.
وفي حادي عشرينه: قدم الأمير بيبغا المظفري من القدس، وأنعم عليه بإمرة جرباش قاشق وإقطاعه.
شهر ذي الحجة الحرام أوله السبت: أهل والغلال عزيزة الوجود، مع كثرتها في الشون والمخازن، وإمساك أربابها أيديهم عن بيعها لأملهم فيها غاية الربح، فبلغ القمح أربعمائة درهم الأردب، والبطة الدقيق مائة وثلاثين درهماً، والشعير ثلاثمائة درهم الأردب، والفول بنحو ذلك، وأبيع الفدان البرسيم بألف درهم، ففرج الله عن عباده، وانحل السعر، حتى أبيع القمح بثلاثمائة وخمسين درهماً الأردب وما دونها، وكسدت الغلال حتى لا يجد من يطلبها.
وفي ليلة الخميس سادسه: قبض على الأمير أزبك الدوادار، وأخرج من ليلته إلى القدس بطالا، وقبض على عدة من الخاصكيته، وسبب ذلك أنه في أخريات ذي القعدة الحرام بلغ السلطان أن جماعة من خاصكيته ومماليكه يريدون الفتك به وقتله ليلا، فقبض على عدة منهم في أيام متفرقة، ونفي جماعة منهم إلى الشام وقوص، وعاقب طائفة منهم، فكثرت القالة، واشتد الإرجاف، وأخذ السلطان في الاستعداد والحذر، وسقط عليه مراراً سهام من طباق المماليك، سلمه الله تعالى منها. وبلغه أن المماليك كانت تجتمع بأزبك.
وفي ثامنه: خلع على الأمير أركماس الظاهري رأس نوبة. واستقر دواداراً كبيراً عوضاً عن أزبك، وخلع على الأمير تمراز القادم من غزة، واستقر رأس نوبة عوضاً عن أركماس، وأنعم على الأمير يشبك المشد، وأنعم بطبلخاناه يشبك على أقبغا الخازندار، واستقر الطواشي صفي الدين جوهر السيفي قنقباي اللالا خازنداراً عوضاً عن أقبغا، فبلغ الاختصاص بالسلطان مبلغاً كبيراً.
وفي ثاني عاشره- الموفق ثالث عشر توت-: نودي على النيل بزيادة إصبع لتتمة زيادته عشرين ذراعاً سواء، وابتدأ نقصه من الغد.
وفي سابع عشره: خلع على الأمير تاج الدين الشويكي والي القاهرة، واستقر مهمنداراً عوضاً عن حرز- مضافاً بما بيده من الولاية وشد الدواوين والحجوبية- وهو من مجالسي السلطان في مجالسه الخاصة.
وفي سابع عشرينه: قدم مبشرو الحاج وأخبروا بسلامة الأمن والرخاء، وأنه قدم محمل من العراق معه أربعمائة جمل تحمل الحاج، جهزه حسين بن علي ابن السلطان أحمد بن أويس من الحلة، وكان قد استولى على ششتر وصاهر العرب، فقوي بهم، وناهض شاه محمد بن قرا يوسف صاحب بغداد.

.ومات في هذه السنة ممن له ذكر:

شمس الدين محمد بن يعقوب النحاس الدمشقي، في يوم الجمعة ثالث المحرم، وهو من عامة دمشق، تشفع بي لما قدمت دمشق في سنة عشر وثمانمائة، أن يلي حسبة الصالحية، ثم قدم القاهرة في سنة اثني عشرة، وولي حسبة القاهرة ثم وزارة دمشق، فلم تحمد سيرته، ولا شكرت طريقته.
ومات أمير الملأ عذراء بن علي بن نعير بن حيار بن مهنا، مقتولا، في المحرم.
ومات الأمير بكتمر السعدي، في يوم الخميس ثالث عشر شهر ربيع الأول، وكان قد رباه الأمير سعد الدين إبراهيم بن غراب صغيراً في حجور نسائه، فنشأ على أجمل طريقة من الديانة وطلب العلم، وترقى بعد أستاذه حتى صار من أمراء الطبلخاناه، ولم يخلف في أبناء جنسه مثله، ديناً وعلماً وشجاعة ومعرفة.
ومات الشيخ سعيد المغربي في يوم الأربعاء تاسع عشر شهر ربيع الأول. وكان مجاوراً بالجامع الأزهر عدة سنين، وللناس فيه اعتقاد، ويؤثرون عنه كرامات، وترك مالا يبلغ الألفي دينار ذهباً، ما بين ذهب وفضة وفلوس، وقد علت سنه وطال مرضه.
ومات الأمير سيف الدين جانبك الدوادار، في يوم الخميس سابع عشرين شهر ربيع الأول وكان قد رباه السلطان صغيراً، وتقلب معه في تقلباته. فلما تسلطن رقاه حتى صار أجل الأمراء وعذقت به أمور الدولة كلها فاعتبط قبل بلوغ الثلاثين- وكان فطناً ذكياً شهماً- وتولى السلطان تمريضه، ونزل إليه وحضر وفاته، ودفنه وله جامع بهج الذي في الشارع خارج باب زويلة بالقرب من اليانسية.
ومات الأمير أزدمر شايه في سادس شهر ربيع الآخر بحلب، وهو أحد المماليك الظاهرية الذين خرجوا من القاهرة في أيام الفتن، والتحق بالأمير شيخ، وتقلبت به الأحوال معه، فرقاه لما تسلطن حتى صار من أمراء الألوف، ثم خرج في الأيام الأشرفية من القاهرة، ولم يشكر في دينه، ولا في أمر دنياه، بل كان من الظلم والشح والإعراض عن الله بمكان.
ومات الأمير كمشبغا الجمالي في يوم الجمعة رابع جمادى الأولى. وهو أحد المماليك الظاهرية، ومن جملة أمراء الطبلخاناه، وشهرته جميلة.
ومات الأمير الكبير الأتابك سيف الدين يشبك الساقي الأعرج، في يوم السبت ثالث جمادى الآخرة. وهو أحد المماليك الظاهرية الذين خرجوا في أيام الفتن وممن له في تلك الفتن ذكر، وكان أولا من أتباع نوروز الحافظي في قيامه بالشام، ثم صار مع الأمير شيخ، فلم يقبل عليه، ونفاه إلى مكة، ثم حمله منها إلى القدس، فأحضره الأمير ططر بعد موت المؤيد شيخ، وانعم عليه بإمرة، فرقاه السلطان إلى أن صار الأتابك، وهو الذي أثار الفتنة بمكة حنقا على الشريف حسن بن عجلان، حتى وقع بها ما وقع. وكان يقرأ القرآن ويشدو شيئاً من الفقه، ويؤثر عنه ديانه وعفة، إلا عن المال فإن له في الشح والطمع أخبار سيئة.
ومات نجم الدين حسين بن عبد الله السامري الأصل كاتب السر وناظر الجيش، بدمشق يوم الأربعاء رابع عشر جمادى الآخرة وكان من سمرة دمشق، يعاني كتابة الديونة، وخدم عند الأمير بكتمر شلق، وقدم إلينا القاهرة معه في الأيام الناصرية، وهو بزي المسلمين، فلما كانت الأيام الأشرفية جمع له بين كتابة السر ونظر الجيش بدمشق، ولم يجتمعا لأحد قبله، وطالت أيامه وكثر ماله حتى أتاه حمامه، ولم يشهر بفضل ولا دين.
ومات شمس الدين محمد بن عبد الدايم بن موسى البرماوي، مدرس الصلاحية بالقدس، في يوم الخميس ثاني عشرين جمادى الآخرة، وقد أناف على الستين بل قارب السبعين. كان أبوه يؤدب الأطفال، فنشأ ابنه هذا وطلب العلم حتى برع في الفقه على مذهب الشافعي، وفي الأصول والحديث والنحو، وناب في الحكم بالقاهرة قليلا، ثم خرج إلى دمشق لضيق حاله، فأكرمه قاضي القضاة نجم الدين عمر بن حجي، ورفع من مقداره، ثم نوه به لما ولي كتابة السر بديار مصر. وولي الصلاحية بالقدس، حتى مات بها، وله مصنفات مفيدة.
ومات بدر الدين حسن بن أحمد بن محمد البرديني أحد خلفاء الحكم الشافعي في يوم الاثنين خامس عشرين شهر رجب، وقد أناف على الثمانين. وكانت فيه عصبية ومحبة لقضاء حوائج الناس. ولم يوصف بعلم ولا دين، صحبناه سنين، ومستراح منه.
ومات الأمير قجقار جقطاي، في يوم الاثنين هذا. وهو أحد أمراء الطبلخاناه الذين أنشأهم المؤيد شيخ، وسار في إقطاعه سيرة جميلة، حتى أنه عمر الخراب، ورفق بالفلاحين، فزرع في أيامه ما كان بوراً.
ومات الأمير جانبك ابن الأمير حسين ابن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، في يوم الخميس سادس عشرين شعبان، عن نحو ثمانين سنة، وكان من جملة أمراء. الطبلخاناه في أيام أخيه الأشرف شعبان بن حسين، وأقام بقلعة الجبل سنين بطالا، حتر أنزل السلطان الأسياد بني قلاوون إلى القاهرة، فنزل فيمن نزل، ومات وهو قعدد بني قلاوون.
ومات شمس الدين محمد بن أحمد بن علي العسقلاني الشامي الحنبلي، في يوم السبت ثامن عشرين شعبان. ومولده سنة أربع وأربعين وسبعمائة. حدث عن العرضي وغيره بالسماع، وناب في الحكم بالقاهرة سنين. وكان مفيداً.
ومات الأمير سيف الدين إبراهيم- ويقال له حرز- في يوم الخميس ثامن عشرين ذي القعدة، وقد قدم مع الأمير شيخ من الشام، فولاه ولاية القاهرة، ثم عمله مهمندار فمات وهو يباشر المهمندارية.