فصل: سنة أربعين وثمانمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك (نسخة منقحة)



.سنة أربعين وثمانمائة:

أهلت وخليفة الوقت والزمان أمير المؤمنين المعتضد بالله أبو الفتح داود بن المتوكل على اللّه أبى عبد اللّه محمد، وسلطان الإسلام بديار مصر وبلاد الشام وأراضى الحجاز مكة والمدينة وينبع وجزيرة قبرس، السلطان الملك الأشرف سيف الدين أبو النصر برسباى الدقماقى. والأمير الكبير أتابك العساكر جقمق السيفى رأس الميمنة. والمقام الجمالى يوسف ولد السلطان رأس الميسرة. وأمير سلاح الأمير قرقْماس الشعبانى. وأمير مجلس أقبغا التمرازى. والدوادار الأمير أَرْكُماس الظاهرى. ورأس نوبة النوب الأمير تمراز القَرْمِشى.
وحاجب الحجاب الأمير يشبَك. وأمير آخور جاثم أخو السلطان. وبقية المقدمين الأمير تغرى بردى البكلمشى المؤذْى، وخُجا سودن، وقراقُجا الحسنى، وأينال الأجرود نائب الرها، والأمير تنبك، فهم ثلاثة عشر، بعدما كانوا أربعة وعشرين مقدما.
ونواب السلطنة بالممالك الأمير أينال الجمكى نائب الشام. والأمير تغرى برمش الجقمقى نائب حلب والأمير قانباى الحمزاوى نائب حماة. والأمير جلبَان المؤيدى نائب طرابلس، والأمير تمراز المؤيدى نائب صفد، والأمير يونس نائب غزة والأمير عمر شاه نائب الكرك، والأمير أقباى البْشبَكى نائب الإسكندرية. والأمير أَسَنْدمر الأسعردى نائب الوجه القبلى، والأمير حسن بيك الدكرى التركمانى نائب الوجه البحرى، ولم يعد في الدول الماضية أن يستقر أحد من النواب تركمانيا، إلا فيما بعد عن بلاد حلب، فاستجد في هذه الدولة الأشرفية ولاية عدة من التركمان ولايات ونيابات وإمريات. بمصر والشام.
وأمير مكة المشرفة الشريف زين الدين أبو زهير بركات بن حسن بن عجلان الحسنى. وبالمدينة النبوية الشريفة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام الشريف، وميان ابن مانع بن على بن عطة بن منصور بن جاز بن شيحة الحسينى، وبالينبع الشريف عقيل بن وبير بن نخبار بن مقبل بن محمد بن راجح بن إدريس بن حسن بن أبى عزيز قتاده الحسنى. وهؤلاء الأشراف الثلاثة نواب عن السلطان.
وفي بقية ممالك الدنيا القان معين الدين شاه رخ سلطان ابن الأمير تيمور كوركان صاحب ممالك ما وراء النهر، وخراسان وخوارزم وجرجان وعراق العجم، ومازندران، وقندهار، ودله من بلاد الهند، وكرمان، وجميع بلاد العجم إلى حدود أذربيجان، التي منها مدينة تبريز، ومتملك تبريز إسكندر بن قرايوسف بن قرا محمد، وهو مشرد عنها خوفا من القان شاه رخ.
وحاكم بغداد أخو أصبهان بن قرايوسف، وقد خرجت بغداد ولم يبق بها جمعة ولا جماعة، ولا أذان، ولا أسواق. وجف معظم نخلها، وإنقطع أكثر أنهارها، بحيث لا يطلق عليها اسم مدينة بعدما كانت سوق العلم. وعلى حصن كيفا الملك الكامل خليل بن الأشرف أحمد بن العادل سليمان بن المجاهد غازى بن الكامل محمد بن العادل أبى بكر بن الموحد عبد اللّه ابن السلطان الملك المعظم توران شاه ابن السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل محمد بن العادل أبى بكر بن أيوب بن شادى وعلى بلاد قرمان من بلاد الروم إبراهيم بن قرمان. وملك الإسلام ببلاد الروم خوندكار مراد بن محمد بن كُرْشجى بن بايزيد يلدَريم بن مراد بن أُرخان بن أرِدن على ابن عثمان بن سليمان بن عثمان، صاحب برصا وكالى بولى. وبجانب من بلاد الروم أسفنديار بن أبى يزيد، وعلى ممالك إفريقية من بلاد المغرب أبو عمرو عثمانين أبى عبد اللّه محمد بن أبى فارس عبد العزيز الحفصى صاحب تونس وبجاية وسائر إفريقية. وعلى مدينة تلمسان والمغرب الأوسط أبو يحيى بن أبى حمو، وبمملكة فاس ثلاثة ملوك أجلهم صاحب مدينة فاس، وهو أبو محمد عبد الحق بن عثمان بن أحمد بن إبراهيم ابن السلطان أبى الحسن المرينى، وليس له أمر ولا نهى ولا تصرف في درهم، فما فوقه. والقائم بالأمر دونه أبو زكريا يحيى بن أبى جميل زيان الوِطَاسى وبعد صاحب فاس صاحب مكناسة الزيتون على نحو نصف يوم من فاس. والآخر بأصِيلا على نحو خمسة أيام من فاس، وهما أيضا تحت الحجر، ممن تغلب عليهما. وقد ضعفت مملكة بنى مرين هذه، ويزعم أهل الحدثان أن الشاوية تملكها، وقد ظهرت إمارات صدق ذلك. وبالأندلس أبو عبد اللّه محمد بن الأيسر ابن الأمير نصر ابن السلطان أبى عبد اللّه بن نصر المعروف بابن الأحمر، صاحب أغرناطة. وببلاد اليمن الملك الظاهر يحيى بن الأشرف إسماعيل صاحب تعز وزبيد وعدن. وعلى صنعاء وصعدة الإمام على بن صلاح الدين محمد بن على الزينى. وبممالك الهند الإسلامية عدة ملوك. ومماليك الفرنج بها أيضًا نحو سبعة عشر ملكا، يطول علينا إيرادهم. وببلاد الحبشة الحطى الكافر، ويحاربه ملك المسلمين شهاب الدين أحمد بدلاى ابن سعد الدين أبى البركات محمد بن أحمد بن على بن صبر الدين محمد بن ولخوى بن منصور بن عمر بن ولَسمَع الجبرتى.
وأرباب المناصب بالقاهرة الأمير جانبك أستادار. والقاضي محب الدين محمد بن الأشقر كاتب السر. وناظر الجيش عظيم الدولة زين الدين عبد الباسط، ولا يبرم أمر ولا يحل ولا يولى أحد ولا يعزل إلا بمشورته. وناظر الخاص سعد الدين إبراهيم بن كاتب حكم. وقاضى القضاة الشافعي الحافظ شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن على ابن حجر، وإليه المرجع في عامة الأمور الشرعية لسعة علمه وكثرة إطلاعه، لاسيما علم الحديث ومعرفة السنن والآثار فإنه أعرف الناس بها فيما نعلم. وقاضى القضاة الحنفي بدر الدين محمود العيني. وقاضى القضاة المالكي شمس الدين محمد البساطي. وقاضي القضاة الحنبلي محب الدين أحمد بن نصر اللّه البغدادى. والمحتسب الأمير صلاح الدين محمد ابن الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله. ووالى القاهرة عمر الشويكى.
شهر الله المحرم، وأوله يوم الاثنين: في عاشره: وصل العسكر المجرد إلى مدينة حلب ونزلها.
وفي رابع عشرينه: قدم المحمل الحاج مع الأمير طوخ مازى أحد أمراء الطبلخاناه، وأحد رؤوس النوب، وكنتُ صحبة الحاج، فساءت سيرته في الحاج، وفي ذات نفسه.
وفي ثامن عشرينه: جمعت أجناد الحلقة الماًخوذ منهم المال كما تقدم ذكره فى بيت الأمير تَمِرْباى الدوادار، وأعيد لهم ما كان أُخذ منهم من المال، من أجل أن التجريدة بطلت. وللّه الحمد.
وفيه قبض على الصاحب تاج الدين عبد الوهاب بن الخطير أستادار المقام الجمالى يوسف ولد السلطان، ثم أُفرج عنه. وخُلع من الغد على الصاحب جمال الدين يوسف ابن كريم الدين بن عبد الكريم بن سعد الدين بركة، المعروف والده بابن كاتب جكم. واستقر عوضه في الأستادارية.
وفى يوم الأحد تاسع عشرينه الموافق لتاسع عشر مسرى: نودى على النيل بزيادة عشر أصابع فوفى ستة عشر ذراعا وأربعة أصابع، وركب المقام الجمالى يوسف ولد السلطان حتى خُلق المقياس وفتح الخليج بينيديه على العادة. وقدم الخبر بمسير العسكر المجرد من حلب فى عشرينه إلى جهة الأبلستين.
وأنه في حادى عشرينه: طرق ميناء بوقير خارج مدينة الإسكندرية ثلاثه أغربة من الفرنج الكيتلان وأخذوا مركبين للمسلمين، فخرج إليهم أقباى اليشبكى الدوادار نائب الثغر، ورماهم حتى أخذ منهم أحد المركبنِ، وأحرق الفرنج المركب الآخر، وساروا.
وأن في ثاني عشرينه: غد هذه الوقعة طرق ميناء الإسكندرية مركب آخر للكيتلان، وكان بها مركب للجنوية، فتَحاربا، وأعان المسلمون الجنوية حتى إنهزم الكيتلان.
وفي هذا الشهر: خرج من مدينة بجاية بإفريقية أبو الحسن على ابن السلطان أبى فارس عبد العزيز، حتى نزل على قسنطينة، وحصرها.
شهرصفر، أوله يوم الثلاثاء: في رابعه: قدم قاصد نائب حلب برأس الأمير قَرْمش الأعور. وكان من خبره أنه من جملة المماليك الظاهرية برقوق، وترقى فى الخدم حتى صار من الأمراء وأُخرج إلى الشام. فلما خامر الأمير تَنْبَك البجاسى على السلطان كان معه، ثم هرب بعد قتله فلم يعرف خبره، إلى أن ظهر الأمير جانبك الصوفى، إنضم عليه. فلما قدم العسكر المجرد إلى حلب، ومن جملته الأمير خجا سودن نزل. ممن معه على عنتاب، فطرقه قَرْمش المذكور، وهو في مقدمة جانبك الصوفى فكانت بينهما وقعة أُخذ فيها قَرْمش وكمُشبغا من أمراء حلب المخامر إلى جانبك الصوفى فى جماعة، فقطعت رأس قرمش وكمشبغا وجهزتا إلى السلطان، ووسط الجماعة، فشهرت الرأسان بالقاهرة، ثم أُلقيتا فى سراب مملوء بالأقذار والغدرة.
وفي خامسه: استقر خُشكَلْدى أحد الخاصكية فى نيابة صهيون، عوضا عن الأمير غرس الدين خليل الهذْبانى بحكم وفاته. ثم عزل بعد يومين بأخى المنوفى.
وفي ثامن عشرينه: قدم الصاحب كريم الدين بن كاتب المناخ من جدة وصحبته الأمير يلخجا والمماليك المركزة بمكة.
وفي هذا الشهر: سار أبو عمرو عثمان بن أبى عبد اللّه محمد ابن السلطان أبى فارس عبد العزيز من مدينة تونس يريد قسنطينه لقتال عمه أبى الحسن على.
شهر ربيع الأول، أوله يوم الخميس: فيه عاد العسكر المجرد إلى أبلستين بعدما وصلوا إلى مدينة سيواس، فى طلب جانبك الصوفى وابن دلغادر، حتى بلغهم لحاقهما. بمن معهما ببلاد الروم، والإنتماء إلى ابن عثمان صاحب برصا، فنهبوا ما قدروا عليه، وعادوا.
وفيه رسم بعزل الأمير تمراز المؤيدى عن نيابة صفد، واستقراره فى نيابة غزة، عوضا عن الأمير يونس الأعور، واستقرار يونس فى نيابة صفد، وتوجه بذلك دولت بيه أحد رؤوس النوب.
وفيه قدم الصاحب كريم الدين ابن كاتب المناخ تقدمة قدومه من حدة، فخلع عليه فى يوم السبت ثالثه، ونزل إلى داره، فسأل فى يوم الأحد رابعه القاضى زين الدين عبد الباسط ناظر الجيش والسلطان فى إستقرار الصاحب كريم الدين المذكور فى الوزارة على عادته. وكان السؤال على لسان الأمير صفى الدين جوهر الخازندار، فأجيب باًن هذا الأمر متعلق بك، فإن شئت إستمريت على مباشرتك للوزارة، وإن شئت تعين من تريد. فتكلم من الغد يوم الإثنين مع السلطان مشافهة في ذلك، فتوقف السلطان خشية ألا يسد لقصور يده. فمازال بالسلطان حتى أجاب إلى ولايته، ونزل إلى داره، فاستدعى الصاحب كريم الدين وقرر معه ما يعمل. وأسعفه باًن عين له جهات يسد منها كلفة شهرين. وأنعم له بألفى رأس من الغنم، وأذن له أن يوزع على مباشرى الدولة كلفة شهرين آخرين.
فلما كان الغد يوم الثلاثاء سادسه: خلع على الصاحب كريم الدين، واستقر في الوزارة على عادته، ونزل إلى داره فى موكب جليل. وسر الناس به، فصَّرف الأمور، ونفذ الأحوال. وخلع معه على الصاحب أمين الدين إبراهيم بن الهيصم ناظر الدولة خلعة استمرار، فنزل في خدمته، وجلس بين يديه كما كان أولا، وكانت الوزارة منذ عزل الأمير غرس الدين خليل عنها في شوال سنة تسع وثلاثين لم يستقر فيها أحد، وإنما كان القاضى زين الدين عبد الباسط ينفذ أمور الوزارة، وقررها على ترتيب عمله، وهو أنه أحال مصروف كل جهة من جهات المصروف على متحصل جهة من جهات المتحصل، فإن لم تف تلك الجهة. مما أحيل به عليها قام بالعوز من ماله. وندب للمباشرة عنه الصاحب أمين الدين بن الهيصم، وهو يلى نظر الدولة، فتمشت أحوال الدولة فى هذه المدة على هذا.
وفي ليلة الاثنين خامسه: فقد سليمان بن أَرْخُن بك بن محمد كُرشجى بن عثمان، وأخته شاه زاده، وجاعته، وكانوا يسكنون بقلعة الجبل، وتمشى سليمان هذا فى خدمة المقام الجمالى ولد السلطان. ومن خبره أن مراد بن كُرشحى صاحب برصا ويخرها من بلاد الروم، قبض على أخيه أَرْخُن بك، وكحله، وسجنه مدة، فكان يقوم بخدمته وهو فى السجن مملوك من مماليكه يقال له طوغان. فأدخل إليه جارية إلى السجن، وهى متنكرة، فاشتملت من أَرْخن على هذا الولد وغيره. ومملوكه هذا يخفى أمرهم حتى مات أرخُن فى سجنه. ففر المملوك بهذين الولدين، وهما سليمان وأخته شاه زاده وأمهما إلى مدينة حلب، وأقاموا بها حتى قدم السلطان حلب فى سنة ست وثلاثين، وقف بهما إليه، فاًكرمهم وأنزلهم بقلعة حلب، ثم سيرهم إلى القاهرة وأسكنهم فى الدار التى كانت قلعة الصاحب من قلعة الجبل، وكساهم، ورتب لهم فى كل شهر إثنين وعشرين ألف درهم من معاملة القاهرة، ولم يحجر عليهم فى النزول إلى القاهرة. وأضاف هذا الصبى سليمان بن أرخُن إلى خدمة ولده المقام الجمالى، فكان يركب معه إذا ركب، ويظل بين يديه، ويبيت إذا شاء عنده إلى أن فقدوا.
وفي ليلة الإثنين: المذكور قُتل جاسوس معه كتب من جانبك الصوفى.
وفي اليلة الجمعة عاشره: عُمل المولد النبوى بين يدى السلطان، على العادة فى كل سنة.
وفي يوم الجمعة: المذكور عدا رجل من الهنود على رجلين، فقتلهما بعد صلاة الجمعة تجاه شبابيك المدرسة الصالحية بين القصرين،. بمشهد من ذلك الجمع الكثير. فأخذ وقطعت يده، ثم قُتل، فكانت حادثة شنعة.
وفي يوم السبت حادى عشرة: توجه الأمير قُرْقماس أمير سلاح، والأمير جانم أمير أخور، في جماعة إلى الوجه البحرى، من أجل أن أولاد بكار بن رحاب وعمهم عيسى من أهل البحيرة إنضم إليهم الطائفة التي يقال لها محارب، وأفسدوا.
وفي ثالث عشرة: وصل الأروام الهاربون، وعدتهم خمسة وستون شخصا، منهم ثمانية من مماليك السلطان، فوسطوا الثمانية تحت المقعد السلطانى بالإصطبل من القلعة بين يدى السلطان. ووسط طوغان لالا سليمان بن أرخن، ورجل آحر لتتمة عشرة. وقطعت أيدى سبعة وأربعين رجلا وضرب رجل بالمقارع. فكانت حادثة شنعة. وكان من خبرهم أن طوغان المذكور قصد أن يفر. بموسى إلى بلاد الروم. ونزل فى غراب قدم فى البحر، ومعه جماعة، منهم المماليك الثمانية، وعدة من الأروام. ورافقهم فى المركب جماعة من الناس ليسوا مما هم فيه في شىء، إنما هم ما بين تاجر وصاحب معيشة ومسافر لغرض من الأغراض. وانحدروا فى النيل ليلا يريدون عبور البحر، فأدركهم الطلب من السلطان، وقد قاربوا رشيد. وكانت بينهم محاربة في المراكب على ظهر النيل، قتل فيها عدة. وتخلصوا حتى عبروا بغرابهم من النيل إلى بحر الملح، فخرجت عليهم ريح ردتهم حتى نزلوا على وحلة، فلم يقدروا أن يحركوا غرابهم من شدة الوحل، فأدركهم الطلب، وهم كذلك، فقاتلوا ليدافعوا عن أنفسهم، وقد جاءهم نائب الإسكندرية في جمع موفور. فمازالوا يقاتلون حتى غلبوا وأخذوا، فسيقوا في الحديد إلى أن نزل من البلاء ما نزل. وسجن سليمان بن أرخن مدة ثم أفرج عنه، ونودى في الشوارع بخروج الهنود من القاهرة، فلم يخرج أحد.
وفي يوم الجمعة سادس عشرة: رحل العسكر من أبلستين، بعد أن أقاموا بها عشرة أيام، وهم ينهبون أعمالها، ويخربون ويحرقرن، فمازالوا سائرين حتى نزلوا تجاه مدينة سيواس، وقد رحل العدو المطلوب إلى جبل آق طاغ، ومعناه الجبل الأبيض، ثم مضوا منه إلى أنكورية.
وفي يوم الإثنين تاسع عشرة: نودى ألا يلبس أحد زمط أحمر، ثم نودى من الغد لا يحمل أحد سلاحًا.
وفي رابع عشرينه: خلع على سعد الدين إبراهيم بن المرة، وإستقر فى نظر جدة على عادته من قبل.
وفي سابع عشرينه: خلع على الأمير جانبك الناصرى رأس نوبة الأمير إبراهيم ابن المؤيد، وحاجب ميسرة. وإستقر أمير المجردين إلى مكة ويتحدث مع إبن المرة في أمر جدة، وتعين معه مائة وعشرة مماليك، السبتوى ثلاثين مملوكًا في خدمته. وأنعم عليه بألف دينار أشرفية وقطارى جمال، وخمس عشرة ألف فردة نشاب، وأربعة أفراس.
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشرينه: أعيد يونس خازندار نائب حلب الوارد بعود العسكر المجرد إلى أبلستين. وجهز على يده لنائب حلب فرس بقماش ذهب، وقباء فوقانى، وخمسة آلاف دينار أشرفية. وأنعم على الأمير الكبير جقمق الأتابك بألف دينار. وعلى كل من أمراء الألوف المجردين وعدتهم ستة أمراء خمسمائة دينار. وعلى أمراء حلب المقدمين الذين خرجوا في التجريدة بألف وخمسمائة دينار، وعدتهم ثلاثة أمراء، وعلى أمير من طبلخاناه حلب. بمائتى دينار. وعلى سبعة من أمراء العشرين بحلب لكل أمير منهم. بمائة وخمسة وعشرين دينارا، جملتها ثمانمائة وخمسة وسبعين دينارا وأنعم على ستة عشر من أمراء العربان بحلب بألف وستمائة دينار. وأنعم على خمسة عشر من أمراء الجهات لكل أمير خمسين دينارا. وأنعم على أمراء التركمان ونواب القلاع ممن كان فى التجريدة بخمسة ألاف دينار. وبلغت جملة هذه الإنعامات تسعة عشر ألف دينار ومائة دينار وخمسة وسبعين ديناراً، سوى ثلاثين قرطية، وثلاثين ثوب صوف، وعشرة أقبية سنجاب، كل قباء خمس شقات. وفيه نودى في الناس بالإذن في السفر إلى مكة، صحبة المجردين.
شهر ربيع الآخر، أوله الجمعة: في سادس عشرة: ركب السلطان من قلعة الجبل، وشق القاهرة، وخرج من باب القنطرة للصيد. وهذه أول ركبة ركبها فى هذه السنة للصيد. وفيه جمع الأمير جوهر الخازندار الجزارين، وأشهد عليهم ألا يشتروا اللحم إلا من أغنام السلطان التي تذبح. وصار يذبح لهم من الأغنام ما يبيعوا لحمه للناس، ولم يسمع بمثل ذلك.
وفي غده: عاد السلطان من الصيد، وخرج ثانيا فى حادى عشرينه.
شهر جمادى الأولى، أوله السبت: فيه قدمت رسل مراد بن محمد كرشجى بن بايزيد بن عثمان ملك الروم، بهدية.
وفي سادسه: برز الأمير جانبك وإبن المرة إلى ظاهر القاهرة، وتلاحق بهما جماعة، إلى أن إستقلوا بالمسير إلى مكة في عاشرة.
وفى ثالث عشرة: خلع على دمرداش، وأعيد إلى نيابة الوجه البحرى، عوضًا عن حسن بيك التركمانى.
وفي سابع عشرة: قدم الأمراء المجردون لقتال جانبك الصوفى، وناصر الدين محمد إبن دلغادر. وهم الأمير الكبير جقمق العلاى، والأمير أركماس الظاهرى الدوادار، وأمير يشبك الظاهرى ططر حاجب الحجاب، والأمير قراخجا الحسنى، والأمير تنبك السيفى، والأمير تغرى بردى البكلمشى المعروف بالمؤذى، ومثلوا بين يدى السلطان، وقبلوا الأرض، فخلع على الأمير الكبير متمر، ومن فوقه قباء فوقانى. وخلع على كل من بقية الأمراء المذكورين فوقانى بطرز ذهب. وأركبوا جميعهم خيولا سلطانية بقماش ذهب. وتأخر من الأمراء الأمير خجا سودن لبطئه في المسير.
وفيه أيضا قدم الأمير قرقماس الشعبانى أمير سلاح، والأمير جانم أمير أخور، والأمير قراجا شاد الشرابخاناه، والأمير تمرباى الدوادار الثانى من تجريدة البحيرة، وصحبتهم الأمير حسن بك بن سالم الدكرى التركمانى، وقد عزل ومحمد بن بكار إبن رحاب، وقد دخل فى الطاعة.
وفي هذا الشهر: كثر ركوب السلطان للصيد.
وفيه رفعت يد قاضى القضاة بدر الدين محمود العينى الحنفى عن وقت الطرحاء من الأموات، وفوض إلى الأمير صفى الدين جوهر الخازندار، ورسم له أن يسترفع حساب الوقف فيما مضى، ثم نقص ذلك، وإستمر بيد قاضى القضاة على العادة.
وفي سابع عشرينه: نودى بأن من كانت له ظلامة فعليه بالوقوف إلى السلطان. ورسم أن تجتمع قضاة القضاة الأربع. بمجلس السلطان للحكم في يومي الثلاثاء والسبت. ثم إنتقض ذلك، ولم يعمل به. وجلس السلطان للحكم في يوم السبت تاسع عشرينه. وحضروا عنده. ثم بطل وإستمر على عادته من غير حضور القضاة.
شهر جمادى الآخرة، أوله يوم الإثنين: في ثالثه: ركب الأمير تمرباى الدوادار النيل إلى الإسكندرية، حتى يبيع الفلفل المحمول من جدة على الفرنج الواردين الثغر ببضائعهم، بعدما عين لذلك القاضى زين الدين عبد الباسط، ثم أعفى منه.
وفي ثامنه: قدم الأمير خجا سودن أحد المجردين، فخلع عليه.
وفي ثاني عشرة: ورد كتاب الأمير إبراهيم بن قرمان، يتضمن أن ناصر الدين محمد ابن دلغادر وجانبك الصوفى نزلا بعد توجه العسكر قريبا من أنكوريه.
وجهز الأمير سليمان بن ناصر الدين محمد بن دلغادر إلى مراد بن عثمان، فلقيه على مدينة كالى بولى، وترامى عليه. وكان ابن قرمان المذكور قد قاتل حاكم مدينة أماية فقتله، فغضب ابن عثمان وتحركت كوا من العداوة التى بين القرمانية والعثمانية، وعزم على المسير إلى أخذ ابن قرمان. وبرز من كالى بولى يريد مدينة برصا فلما قدم عليه سليمان بن دلغادر جهز معه عسكراً، وأنعم عليه بالمال والسلاح، وندب معه حاكم مدينة توقاته لمحاصرة مدينة قيصرية، وأخذها من ابن قرمان. وجهز أيضا الأمير عيسى أخا إبراهيم بن قرقمان على عسكر آخر، وبعثه إلى بلاد قرمان ليسير هو من وراء العسكرين، فأهم السلطان هذا الخبر، وجهز إلى كل من عنتاب وملطية وكختا وكركر المال والسلاح، وكتب إلى تركمان الطاعة بمعاونة إبراهيم بن قرقمان على عدوه.
وفي هذا الشهر: رسم أن يشترى من الغلال ثلاثون ألف أردب ليخزن، فأخذ الناس في شراء الغلة من القمح والشعير والفول، خوفا من غلاء السعر.
وفي ثامن عشرة: قدم الأمير تمرباى الدوادار من الإسكندرية، بعدما باع بها ألف حمل من الفلفل، بحساب مائة دينار الحمل، وقيمته دون ذلك بكثير، بلغ ممن ذلك مائة ألف دينار.
وفي تاسع عشرة: قدم القاضى شرف الدين أبو بكر الأشقر المعروف بابن العجمى، كاتب سر حلب، وقدم من الغد السلطان تقدمة جليلة، ما بين ثياب حرير ووبر وخيل وبغال.
وفي عشرينيه: رسم للأًمير يشبك حاجب الحجاب والأمير أينال الأجرود الوارد من الرها بالتوجه لحفر خليج الإسكندرية. وتوجه القاضى زين الدين عبد الباسط ليرتب الأحوال في ذلك، ثم يعود. فتوجه في رابع عشرينه وسار الوزير الصاحب كريم الدين ابن كاتب المناخ أيضا للنظر في أمر الحفير.
وفي هذا الشهر: اتفقت نادرة لم نر ولا سمعنا بمثلها، وهى إستقرار الأمير صفى الدين جوهر الخازندار فى قضاء دمياط، وكانت العادة أن يفوض قاضى القضاة الشافعى قضاء دمياط لمن يقع اختياره عليه من الفقهاء، فلما إتصل ولى الدين محمد بن قاسم المحلاوى بالسلطان، شره في المال، وأخذ قضاء عدة بلاد، منها دمياط. وقرر على من أقامه فى قضاء البلاد التى وليها مالا يحمله على سبيل الفريضة في كل شهر أو كل سنة، كما هى ضرائب المكوس، سوى ما يتبع ذلك من هدايا الريف. وكان الجاه عريضا، فما عفت نوابه ولا كفت، فلما ذهب إلى الحجاز، نزل عن قضاء دمياط للقاضى جلال الدين عمر والقاضى كمال الدين محمد بن البارزى كاتب السر. بمبلغ خمسين ألف درهم مصرية. فجرى على عادة ابن قاسم في ذلك إلى أن عين السلطان القاضى كمال الدين لقضاء دمشق، سأله الأمير صفى الدين جوهر الخازندار أن ينزل له عن قضاء دمياط، فلم يجد بدًا من إجابته، ونزل له عن ذلك. فأمضى قاضى القضاة النزول رغمًا، وصار أحد نواب الحكم العزيز بدمياط، فإستناب عنه على العادة في هذا، وإستمر. وصار يكتب في مكاتبته إلى نائبه بدمياط الداعى جوهر الحنفى، كما كان قاضى القضاة يكتب. وحمد أهل البلد سيرته بالنسبة لمن كان قد ابتدأ ذلك.
ولم يعهد فى مثل ذلك نزول، ولا ما يشبهه فلله الأمر.
شهر رجب، أهل بيوم الثلاثاء: وفيه خلع على القاضى كمال الدين محمد ابن القاضى ناصر الدين محمد بن البارزى. وأعيد إلى قضاء القضاة بدمشق، عوضا عن سراج الدين عمر الحمصى بغير مال يحمله، ولا سعى منه. وإنما كثرت القالة السيئة في الحمصى، فعين السلطان عوضه القاضى كمال الدين ثم ولاه.
وفي ثالثه: أدير محمل الحاج بالقاهرة ومصر، ولم نعهد فيما تقدم أنه أدير قبل النصف من شهر رحب إلا فى هذه الدولة الأشرفية، فإنه أدير غير مرة قبل النصف منه. ونزل بالناس في ليلة إدارته من المماليك السلطانية بلاء كثير من صفع أقفية المارة في الشارع، ومن حرق لحاهم بالنار، وخطف عمائمهم، إلى غير ذلك مما لا نستجيز ذكره.
وفيه خلع على الأمير الوزير غرس الدين خليل، وإستقر أمير الركب.
وفي يوم السبت خامسه: توجه القاضي زين الدين عبد الباسط لكشف قناطر اللاهون من عمل الفيوم، وقد خربت.
وفي سادسه: قدم الأمير يشبك الحاجب، والصاحب كريم الدين، والأمير أينال الأجرود، وقد قاسوا خليج الإسكندرية، فإذا عرضه عاشرة قصبات فى طول ثلاث وعشرين ألف قصبة، منها ستة آلاف وأربعمائة قصبة تحتاج إلى أن تحفر، وبقيتها تحتاج إلى الإصلاح.
وفي سابعه: توجه جكم خازندار المقام الجمالى، وخاله إلى طرابلس، بإنتقال الأمير الكبير بها. وهو تمربغا المحمودى إلى الحجوبية الكبرى بها. وإنتقال الأمير آق قجا العلاى من الحجوبية إلى الإمرة الكبرى. وأن يقوم تمربغا بأربعة آلاف دينار وللمسفر المذكور بألف دينار. ورسم لجكم المذكور أن يكون مسفر قاضى القضاة كمال الدين ابن البارزى، فبعد جهد حتى أخذ منه في يومه ثلاثمائة دينار. ولم تجر العادة بمثل ذلك.
وفي عاشرة: خلع على الأمير أينال العلاى الأجرود، وإستقر في نيابة صفد، عوضا عن الأمير يونس، ورسم ليونس أن يقيم بالقدس بطالا وخلع على الأمير طوخ بن بازق الجكمى رأس نوبة ليخرج مسفر الأمير أينال إلى صفد.
وفي رابع عشرة: أنعم بإقطاع الأمير أينال الأجرود وإمرته على الأمير قراجا شاد الشرابخاناه. وإستقر أينال الخازندار أحد الأمراء الطبلخاناه شادا، عوضا عن قراجا، وإستقر على باى الأشرفى الساقى الخاصكى خازندارا، عوضا عن أينال. وخلع على الأمير أقبغت التمرازى ليلى حفر خليج الإسكندرية.
وفي تاسع عشرة: خلع على حسن بيك بن سالم الدكرى التركمانى، وأعيد إلى كشف البحيرة، عوضا عن دمرداش.
وفي سابع عشرينه: ركب الأمير جانبك أستادار إلى ناحية شبرا الخيام من ضواحى القاهرة، وهدم كنيسة النصارى بها، ونهبت حواصلها، وأحرقت عظام رمم كانت بها، يزعمون أنها رمم شهداء منهم.
وفي هذا الشهر: جبى ما فرض على نواحى الغربية والمنوفية والبحيرة، برسم حفر خليج الإسكندرية، وهو عن عبرة كل ألف دينار نصف راجل، يؤخذ عنه مبلغ ألفين وخمسمائة درهم من معاملة القاهرة. وندب للحفر ثلاثمائة رجل، تصرف أجورهم من هذا المتحصل، وعمل بالميدان تحت القلعة بين يدى السلطان من الجراريف والمقلقلات مائتي قطعة، وعشر قطع. وعين من البقر ستمائة وعشرين رأسًا. وجهز ذلك لحفر الخليج المذكور.
شهر شعبان، أهل بيوم الخميس: في ثانيه: توجه قاضى القضاة كمال الدين محمد بن البارزى إلى محل ولايته بدمشق.
وفي ثالثه: خلع على القاضى معين الدين عبد اللطف، أحد موقعى الدست، وشيخ خانكاة قوصون. وإستقر في كتابة السر بحلب، عوضًا عن والده القاضى شرف الدين أبى بكر الأشقر المعروف بإبن العجمى الحلبى، وخلع على القاضى شرف الدين المذكور ليكون نائب كاتب السر على ما كان عليه قبل إنتقاله إلى كتابة السر بحلب. وأنعم على الأمير ناصر الدين محمد بن إبراهيم بن منجك بتقدمة أرغون شاه وإقطاعه بدمشق. وأضيف إلى الأمير طوغان العثمانى نائب القدس أستادارية الشام، والتحدث في الأغوار، عوضًا عن أرغون شاه.
وفي يوم الأربعاء رابع عشرة: نودى بإحتماع الجماعة التى قطعت أيديهم عندما أخذوا من الغراب، ليفرق فيهم السلطان مالًا. فلما إجتمعوا جىء بهم ليأخذوا صدقات السلطان حتى صاروا بقلعة الجبل، قبض عليهم، وساقهم أعوان الظلمة بأسوأ حال. وأنزلوا في مركب ليسيروا إلى بلاد الروم، وقد جعل كل إثنين منهم في قرمة خشب، فكان هذا من شنيع الحوادث ولو شاء ربك ما فعلوه.
شهر رمضان، أهل بيوم الجمعة:
في عاشرة: عقد السلطان المشور. وقد ورد الخبر بأن ناصر الدين محمد بن دلغادر ونزيله جانبك الصوفى زحفا. بمن معهما على بلاد قرمان، فقوى العزم على السفر إلى بلاد الشام، وأخذ الأمراء في أهبة السفر، ثم إنتقض ذلك فى ثامن عشرة. وكتب بمسير نواب الشام إلى نحو بلاد قرمان نجدة لإبراهيم بن قرمان، فإن القوم أخذوا مدينة أقشهر، ونازلوا قلاعًا أخر.
وفي هذا الشهر: كثر عبثالمماليك السلطانية بالناس في الليل.
شهر شوال أوله الأحد: في خامسه: خلع على قاضى القضاة علم الدين صالح ابن شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقينى، وأعيد إلى قضاة القضاة، عوضًا عن الحافظ شهاب أحمد بن حجر.
وفي سادسه: خلع على القاضى نور الدين عمر بن مفلح ناظر المارستان، وإستقر وكيل بيت المال، عوضًا عن شمس الدين محمد بن يوسف بن صالح الحلاوى بعد موته.
وفي تاسع عشرة: خرج محمل الحاج صحبة الأمير غرس الدين خليل. ورحل من بركة الحاج في ثالث عشرينه، بعدما رحل الركب الأول في أمسه صحبة الأمير ناصر الدين محمد ولد الأمير أركماس.
وفي هذا الشهر: نزلت صاعمّة بجدة بندر مكة فأتلفت شيئا كثيرا، وهلك نحو المائة نفس.
وفيه كانت بجدة أيضًا وقعة بين القواد والأمير جانبك، قتل فيها وجرح عدة. ثم قدم الشريف بركات بن حسن بن عجلان، فساس الأمر حتى سكنت الفتنة.
شهرذى القعدة، أوله الثلاثاء: فيه قدم سيف الأمير تمرباى الدوادار بحلب، وسيف الأمير أقباى نائب الإسكندرية، وقد ماتا. فتقررت ولاية زين الدين عبد الرحمن ابن كاتب السر علم الدين داود بن الكويز أحد دوادارية السلطان نيابة الإسكندرية، وخلع عليه في ثانيه.
وفي عشرينه: قدم نائب حلب إليها، وكان قد سار عندما ورد الخبر. بمشى مراد بن عثمان ملك الروم على بلاد ابن قرمان، فلما تقرر الصلح بينه وبين إبراهيم بن قرمان عاد نائب حلب من مرعش. وقدم الخبر بأن أصبهان بن قرايوسف متملك بغداد جمع لحرب حمزة بن قرايلك حاكم ماردين، فجمع له حمزة وحاربه، فهزم أصفهان، بعدما قتل عدة من أمرائه وجنده، وأن من بقى معه أرادوا قتله، فإمتنع منهم بقلعة فولاد.
شهر ذى الحجة، أوله الخميس: في حادى عشرة الموافق له سابع عشرين بوؤنة: نودى على النيل بزيادة ثلاثة أصابع وإستقر الماء القديم على خمسة أذرع وإثنين وعشرين أصبعا وتسميها الناس اليوم القاعدة. وإستمرت زيادة النيل، ولله الحمد.
وفي يوم الخميس ثاني عشرينه: خلع على الأمير صلاح الدين محمد ابن الصاحب بدر الدين حسن بن نصر اللّه، وإستقر كاتب السر عوضًا عن شيخ الشيوخ محب الدين محمد بن شرف الدين الأشقر، مضافًا لما بيده من حسبة القاهرة ونظر دار الضرب ونظر الأوقاف ومنادمة السلطان، فنزل في موكب حليل، وقد لبس العمامة المدورة، والفرجية، هيئة أرباب الأقلام، فسر الناس به، وكان من خبره أنه نشاً من صغره بزى الأجناد، وبرع في الحساب، وكتب الخط المنسوب، وصار أحد الحجاب في الأيام الناصرية فرج بن برقوق. وتقلب مع والده في مباشرة نظر الجيش، ونظر الخاص، والوزارة. وشكرت مباشرته لذلك،. مما طبع عليه من لين الجانب، وطيب الكلام، وبشاشة الوجه، وحسن السياسة، فصار في الأيام المؤيدية شيخ من جلة الأمراء، وولى أستادارية السلطان فى الأيام الظاهرية ططر، وملك الأمراء. ثم عزل عن ذلك، وأعيد إليه في الأيام الأشرفية برسباى، وكان ما كان من مصادرته ومصادرة والده الصاحب بدر الدين، على مال كبير، أخذ منهما حتى ذهب مالهما، إلا أنه لم يمسهما بحمد الله سوء، ولا أهينا، فلزما دارهما عدة سنين. ثم شَبه لهما الإقبال، فولى الحسبة، ومازال يترقى حتى عينه السلطان لمنادمته بعد ابن قاسم بن المحلاوى، وصار يبيت عنده، وشكرت خصاله، ولم يسلك من الطمع وأخذ الأموال من الناس ما سلكه غيره، بل عف وكف، وأفضل وزاد في الأفضال، إلى أن سعى بعض الناس في كتابة السر بمال كبير جدًا، وأرجف بولايته، فاقتضى رأى السلطان ولاية الأمير صلاح الدين، وعرض عليه ذلك ليلا، وهو مقيم عنده على عادته، فاستعفى من ذلك، فلم يعفه، وصمم عليه، ورسم بتجهيز التشريف له، ثم أصبح فخلع عليه، وأقره على ما بيده. وإستمر به في منادمته، والمبيت عنده، فضبط أمره، وصار يكتب المهمات السلطانية بخطه بين يدى السلطان، لما هو عليه من قوة الكتابة وجودتها، ومعرفة المصطلح، والدربة بمعاشرة الملوك، وتدبير الدول، ومقالبة الأحوال. فتميز بذلك عمن تقدمه من كتاب السر، بعد ابن فضل الله، فإنهم منذ عهد فتح اللّه صارت المهمات السلطانية إنما يتولى كتابتها الموقعون بإملاء كاتب السر، حتى باشر هو، فاستبد بالكتابة، وحجب كل أحد عن الاطلاع على أحوال المملكة بحسن سياسته، وتمام معرفته.
وفي ثامن عشرينه: قدم مبشرو الحاج.
وفي هذه السنة: شنع الموات بصعدة وصنعاء من بلاد اليمن، بحيث ورد إلى مكة كتاب موثوق به أنه مات بصعدة وصنعاء وأعمالهما زيادة على ثمانين ألف إنسان. وفيها أيضا وقع الوباء بنواحى ديار بكر وآمد، وملك الديار، فمات منها بشر كثير. وفيها كانت حروب ببلاد الروم وديار بكر وما يليها وللّه عاقبة الأمور.

.ومات فيها ممن له ذكر:

زين الدين عبد الرحمن بن محمد بن سليمان بن عبد اللّه المعروف بابن الخراط المروزى الأصل، ثم الحموى، الأديب، الشاعر، أحد موقعى السلطان، في ليلة الإثنين أول المحرم، عن نحو ستين سنة، بالقاهرة، ودفن من الغد. ومات الشيخ شهاب الدين أحمد بن أبى بكر بن إسماعيل بن سليم بن قايماز بن عثمان بن عمر الكنانى. شهاب الدين البوصيرى الشافعى، أحد مشايخ الحديث، في ليلة الأحد ثامن عشرين المحرم.
ومات الأمير قرمش الأعور أحد المماليك الظاهرية برقوق، ترقى في الخدم حتى صار أحد الأمراء، وأخرج بعد قتل الناصر فرج بن برقوق إلى الشام. فلما خرج الأمير تنبك البجاسى على السلطان ثار معه، حتى قتل تنبك ففر وتشتت مدة، حتى ظهر الأمير جانبك الصوفى إنضم إليه، فقوى به وسار في جماعة يريد عنتاب، وبها من أمراء السلطان الأمير خجا سودن، فقاتله بمن معه وأخذه، وأخذ معه من أمراء حلب المخامرين كمشبغا في طائفة ممن معهم. وحمل هو وكمشبغا إلى حلب، فقتلا بها. وحملت رؤوسهما إلى قلعة الجبل، فألقتا في قناة، بعد إشهارهما. وكان قتلهما في المحرم.
ومات بدمشق قاضى القضاة شمس الدين محمد ابن قاضى القضاة شهاب الدين أحمد ابن محمود، المعروف بابن الكشك، الحنفى، بدمشق، في يوم الثلاثاء ثالث عشر شهر ربيع الأول، عن نحو ثلاثين سنة، وهو معزول.
ومات قاضى القضاة شهاب الدين أحمد بن محمد بن صلاح، المعروف بابن المحمرة، الشافعى، بالقدس، في ليلة السبت سادس عشر شهر ربيع الآخر. ومولده في صفر سنة تسع وستين وسبعمائة، خارج القاهرة. وقد ناب في الحكم بالقاهرة، وولى مشيخة خانكاة سعيد السعداء، وقضاء القضاة بدمشق، ثم مشيخة الصلاحية بالقدس حتى مات بها.
ومات الأمير بردى بك الإسماعيلى أحد العشرات، في سابع عشر جمادى الأولى، بقلعة الجبل، وهو مسجون. ومات مقتولًا الأمير حمزة بك بن على بك بن دلغادر، في ليلة الخميس سابع عشرين جمادى الأولى، بقلعة الجبل، وهو مسجون.
ومات الأمير أرغون شاه بدمشق، في حادى عشرين رجب. وكان قد ولى الوزارة والأستادارية بديار مصر، ثم أخرج إلى الشام على إمرة، وباشر بها للسلطان. وكان ظلوما غشوما. وهو من مماليك الأمير نوروز الحافظي.
ومات شمس الدين محمد بن يوسف بن صالح الحلاوى الدمشقى، وكيل بيت المال، في ليلة الجمعة سادس شوال. ومولده في سنة خمس وستين وسبعمائة بدمشق.
ومات أمير الملأ قرقماس بن عذرا بن نعير بن حيار بن مهنا.
وماتت المرأة الفاضلة أم عبد اللّه عائشة، بنت قاضى القضاة بدمشق علاء الدين أبى الحسن على بن محمد بن على بن عبد اللّه بن أبى الفتح العسقلانى الحنبلى، في يوم الأربعاء سادس عشرين ذى القعدة. ومولدها سنة إحدى وستين وسبعمائة، حدثت عن غير واحد، فسمع عليها جماعة. وهى من بيت علم ورياسة. وذكرت منهم في هذا الكتاب وغيره أباها وأخاه جمال الدين عبد اللّه، وزوجها قاضى القضاة برهان الدين إبراهيم بن نصر الله الحنبلى، وولدها عز الدين أحمد ابن قاضى القضاة برهان الدين.
ومات صاحب صنعاء اليمن الإمام المنصور نجاح الدين أبو الحسن على ابن الإمام صلاح الدين أبى عبد اللّه محمد بن على بن محمد بن على بن منصور بن حجاج بن يوسف، من ولد يحيى بن الناصر أحمد بن الهادى يحيى بن القاسم الرسى بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب رضى اللّه عنهم، في سابع صفر، بعدما أقام في الإمامة بعد أبيه ستا وأربعين سنة وثلاثة أشهر، وأضاف إلى صنعاء وصعدة عدة من حصون الإسماعيلية أخذها منهم، بعد حروب وحصار، فقام من بعده إبنه الإمام الناصر صلاح الدين محمد بعهده إليه وبيعة الجماعة له. فمات بعد ثمانية وعشرين يومًا في خامس عشرين شهر ربيع الأول، فأجمع الزيدية بعده على رجل منهم يقال له صلاح بن على بن محمد بن أبى القاسم وبايعوه، ولقبوه بالمهدى. وهو من بنى عم الإمام المنصور. وقام بأمره أبن سنقر على أن يكون الحكم له، فعارضه الإمام، وصار يحكم بما يؤدى إليه إجتهاده، ولا يلتفت إلى ابن سنقر، فثار عليه بعد ستة أشهر رجل يقال له محمد بن إبراهيم الساودى. وأعانه قاسم ابن سنقر، وقبضا عليه وسجناه في قصر صنعاء. ووكل به محمد بن أسد الأسدى. وقام قاسم بالأمر. فدبرت زوجة الإمام المهدى في خلاصه، ودفعت إلى الأسدى الموكل به ثلاثة آلاف أوقية، فأفرج عنه، وخرج به من القصر. وسار إلى معقل يسمى ظفار، وفيه زوجة المهدى. ومضى الأسدى إلى معقل يسمى دمر، وهو من أعظم معاقل الإسماعيلية التى إنتزعها الإمام المنصور على بن صلاح. وأقام المهدى مع زوجته بظفار. ثم جمع الناس، ويسار إلى صنعاء، فوقع بينه وبين ابن سنقر وقعة، إنكسر فيها الإمام، وتحصن بقلعة يقال لها تلى، فلما بلغ ذلك زوجته، ملكت صعدة، وأطاعها من بها من الناس، فاضطرب أمر قاسم. وكان الناس مخالفين عليه، فأقام ولدًا صغيرًا وهو ابن بنت الإمام المنصور على، وأبوه من الأشراف الرسية، فازداد الناس نفورا عنه وإنكارا عليه. وإستدعوا الإمام المهدى إلى صعدة، فقدمها وبايعه الأشراف بيعة ثانية، حتى تم أمره. وبعث إلى أهل الحصون يدعوهم إلى طاعته، فأجابوه، وإنفرد قاسم بصنعاء وحدها على كره من أهلها، وبغض له.