فصل: الفصل الثاني في بيان ما يصح في الكتابة وما لا يصح:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحيط البرهاني في الفقه النعماني



.كتاب المكاتب:

هذا الكتاب على ثمانية عشر فصلًا:
1- في بيان تفسير الكتابة وركنها.
2- في بيان ما يصح في الكتابة وما لا يصح.
3- في الشروط والخيار في الكتابة.
4- في عجز المكاتب.
5- فيما يملكه المكاتب وما لا يملكه.
6- في كتابة الحر على عبد وكتابة العبد على نفسه وعلى عبد آخر وكتابة المملوك على نفسه وأولاده.
7- في ملك المكاتب ولده أو بعض ذي رحم محرم أو امرأته وفي المكاتب يموت عنه وفاء في الأولاد.
8- في دعوة المولى ولد أمة المكاتب وفي دعوته ولد مكاتبة المكاتب.
9- في دعوى المكاتب الولد.
10- في بيان المكاتبين إن كانت مكاتبتهما واحدة أو متفرقة.
11- في العبد يكون بين رجلين فيكاتباه أو يكاتبه أحدهما.
12- في الرجل يكاتب بشقص مملوكه.
13- في الاختلاف الواقع بين المولى والمكاتب.
14- في مكاتبة المريض وإقراره بقبض يدل الكتابة.
15- في الكتابة الموقوفة.
16- في مكاتبة الصغير.
17- في عزور المكاتب وما يلزمه من العقد.
18- في المتفرقات.

.الفصل الأول تفسير الكتابة وركنها وشرط جوازها وحكمها:

يجب أن يعلم بأن تفسير الكتابة لغة: الضم والجمع أي ضم كان وأي جمع كان، ومنه فعل الكتابة لما فيه من الجمع والضم بين الحروف، وسمى الجنس كتبته لانضمام البعض إلى البعض، إلا أن في عرف لسان الشرع إذا أطلق هذا الاسم مضافًا إلى المملوك يراد منه: جمع بخصوص وضم بخصوص وذلك لما ضم حرية اليد إلى حرية الرقبة، بأن العبد يصير حرًا يدًا للحال ثم ينضم إلى هذه الحرية الرقبة عند أداء بدل الكتابة.
وأما ضم المولى العبد إلى نفسه في إثبات صفة المالكية له يدًا، فإن العبد بعقد الكتابة يصير مالكًا نفسه وكسبه يدًا حتى يختص بالتصرف في نفسه وكسبه.
وركنها: الإيجاب والقبول، لأنها عقد معاوضة من الجانبين فيكون الركن فيها الإيجاب والقبول كما في سائر المعاوضات.
وشرط جوازها على الخصوص: قيام الرق في المحل، وكون المسمى معلوم القدر والجنس فأما كونها مؤجلًا منجمًا فليس بشرط وهذا مذهبنا. ولقب المسألة أن الكتابة حالّة هل يجوز؟ فعند علمائنا رحمهم الله يجوز، والأصل فيه قبول الله تعالى: {فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرًا} [النور: 33] أمر بالكتابة مطلقًا من غير فصل بقراء تكون مؤجلة أو حالة، والمعنى في ذلك أن البدل في الكتابة معقود به وليس بمعقود عليه كالثمن في باب البيع، ولهذا أجاز الاستبدال قبل القبض ولو كان معقودًا عليه لما جاز الاستبدال به قبل القبض، قلنا: والمعقود به يثبت في الذمة حالًا ومؤجلًا.
جئنا إلى بيان حكمها، أما من جانب العبد فحكمها في الحال ثبوت حرية اليد حتى يصير العبد أمضى لمنافعه ورقبته ومكاسبه ينصرف إلى منافعه ومكاسبه ويذهب للتجارة حيث شاء، ولهذا لا يملك المولى منعه عن السفر، ولو شرط عليه أن لا يخرج من البلدة كان باطلًا.
وحكمها في الثاني: ثبوت حرية الرقبة أو بدل الكتابة، وأما من جانب المولى فحكمها في الثاني: حقيقة الملك في البدل إذا قبضه، ثم المكاتب يعتق عند أداء إذا بدل الكتابة: سواء قال له المولى في عقد الكتابة: على أنك إن أديت إلى ألفًا فأنت حر، أو لم يقل ذلك، واقتصر على قوله: كاتبتك على ألف درهم، وهذا مذهبنا.
وقال الشافعي رحمه الله: لابد أن يقول على أنك إن أديت إلي كذا فأنت حر، وهذه المسألة في الحاصل بناء على معرفة معنى الكتابة، فيقول معنى الكتابة شرعًا ضم حرية اليد للحال إلى حرية الرقبة عند أداء بدل الكتابة فيجعل هذا كالمنصوص عليه عند العقد، ولو نص على هذا الشيء أنه يعتق عند الأداء فكذا إذا لم ينص عليه، وصار معناه هذا.
ثم الكتابة إن كانت حالة فللمولى أن يطالب المكاتب بالبدل كما فرغ من العقد، كما ذكرنا أن البدل في الكتابة معقود به كالثمن في باب البيع، ثم الثمن في باب البيع إذا كان حالًا كان للبائع مطالبة المشتري كما فرغ من العقد فكذا هاهنا، وإن كانت مؤجلة منجمة فإما يطالبه بحصة كل نجم بحل ذلك النجم.
ومما يتصل بهذا الفصل:

.الألفاظ التي تقع بها الكتابة:

قال محمد رحمه الله في (الجامع الصغير): رجل قال: لعبده قل جعلت عليك ألفًا تؤديها إلي نجومًا أول النجم كذا وآخر النجم كذا فإذا أديتها إلي فأنت حر وإن عجزت فأنت رقيق، فهو مكاتب لأنه إن لم يصرح بلفظة الكتابة فقد أتى بتفسير الكتابة ومعناها والعبرة في القعود لمعانيها لا لألفاظها.
وفي الوصايا إذا قال لعبده: أد إلي ألف درهم كل شهر مائة فأنت حر، قال هذا مكاتب وهو جائز. وفي (نوادر ابن سماعة) عن أبي يوسف رحمه الله في (الإملاء): إذا قال لعبده: إذا أديت إلي ألف درهم كل شهر مائة درهم فأنت حر أول النجم كذا أو آخره كذا فقبل ذلك، قال أبو حنيفة رحمه الله: هذه مكاتبة، قال هذا وقوله: إذا أديت إلي ألف درهم ولم يسم الشهور سواء ينبغي أن يكون مكاتبة كله، ولا تكون مكاتبة حتى يقوم اسم الكتابة يعني حتى يأتي بلفظ الكتابة، قال: ولكنه أخذ بالاستحسان والله أعلم.

.الفصل الثاني في بيان ما يصح في الكتابة وما لا يصح:

ما يجب اعتباره في هذا الفصل أن جهالة البدل متى كاتب- جهالة جنس- منعت صحة التسمية في العقود كلها سواء كان عقدًا هو معاوضة مال بمال كالبيع والإجارة وأمثالها، أو عقدًا هو معاوضة مال بمال كالكتابة والخلع وأشباههما، وجهالة البدل إذا كانت جهالة وصف منعت صحة التسمية في عقد هو معاوضة مال بمال ولا يمنع صحة التسمية في عقد هو معاوضة مال بما ليس بمال، فرق بين معاوضة المال بالمال، وبما بين معارضة المال بما ليس بمال، فيما إذا كان جهالة البدل جهالة وصف.
والفرق أن في معاوضة المال بما ليس بمال، نفس المال ليس بمقصود وباختلاف الوصف إنما تختلف المالية، فإذا لم تكن المالية مقصودة فهذا بالجهالة لا يخل بالمقصود، فصار وجودها والعدم بمنزلة، أما في معاوضة المال بالمال: المالية مقصودة، وباختلاف الوصف تختلف المالية فيخل بالمقصود، فيجب اعتبارها.
بيان هذا الأصل ما ذكر في (الزيادات): رجل قال لعبده: كاتبتك على عبد فقبل، جازت الكتابة لأن الكتابة معاوضة المال بما ليس بمال وقد ذكرنا أن جهالة وصف البدل في مبادلة المال بما ليس بما لا يمنع صحة التسمية، قال: ينصرف إلى العبد الوسط، لأنه إذا صحت التسمية وجب العبد دينًا في الذمة، والأصل في الحيوان المجهول إذا ثبت دينًا في الذمة، أنه ينصرف إلى الوصف كما في الزكاة والوصية والدية، والمعنى أن في صرفه إلى الوسط عمل بالوصفين، لأن الوسط بين الجيد والرديء نظر للجانين، والوسط عند أبي حنيفة رحمه الله قيمته أربعون دينارًا، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله على قدر غلاء السعر والرخص والمسألة معروفة. قال: ولا ينظر في قيمة الوسط إلى قيمة المكاتب، لأن عقد الكتابة عقد إرفاق، فالظاهر أن يكون البدل على أقل من قيمته فقد جعل العبد هاهنا جنسًا واحدًا.
وقد ذكر في كتاب الوكالة: فيما إذا وكل رجلًا بشراء عبد وجعله أجناسًا مختلفة وكأنه عمل بالشبيهين فألحقه بالجنس الواحد إذا سمي في عقد هو معاوضة المال بما ليس بمال، والأجناس المختلفة إذا سمى في عقد هو معاوضة المال بالمال.
وكذلك لو كاتبه على حنطة أو شعيرة وسمى مقدارًا معلومًا إن وصف ذلك بصفة بأن شرط الجيد أو الرديء أو الوسط لما ذكرنا في العبد. ولو كاتبه على ثوب ولم يبين هرويًا أو مرويًا كانت التسمية فاسدة، لأن الثياب أجناس مختلفة، ولهذا لو وكل رجلًا بأن يشتري له ثوبًا لا يجوز.
ولو كاتبه على درهم فقبله العبد كانت التسمية فاسدة لأن المسمى مجهول القدر جهالة متفاحشة لاوسط القدر هاهنا حتى ينصرف إليه.
والصرف إلى الأقل والأكثر متعذر، لأن الإيجاب قيمة المبدل ممكن، لأن العبد متقوم في نفسه والأصل في الأشياء قيمتها وإنما يعدل عنها عند التسمية، ولم تصح التسمية، فبقي حكم الأصل فهو معنى قولنا يقدر الصرف إلى الأقل والأكثر فيبقى مجهول القدر جهالة متفاحشة، وجهالة القدر نظير جهالة الجنس وجهالة الجنس مانعة لصحت التسمية في العقود كلها.
قال في (الأصل) في مسألة الثوب وإذا حدث فسدت الكتابة فإذا أدى إلى المولى ثوبًا لا يعتق، ولو كاتبه على قيمتها كانت الكتابة فاسدة، لأن البدل مجهول القدر، لأن القيمة إنما تعرف بالحزر والظن، فرب مقوم يقومه بألف، ورب مقوم يقومه بألف إلا عشرة، وإذا كانت القيمة تحتمله لهذه المقادير فإذا كاتبه على قيمته فكأنه كاتبه على آخر هذه المقادير، وهناك تعذرت الكتابة بجهالة البدل كذا هاهنا.
فرق بين هذا وبينما إذا كاتبه على عبد فإنه يجوز، وإذا كانت تجب بهذه التسمية قيمة عبد وسط، ولهذا لو أتى بقيمة العبد يجبر المولى على القبول وهي بجهالة القدر، والفرق أن القيمة بتسمية العبد تجب حكمًا لا قصدًا فإنه نص على تسميته العبد، وهاهنا قيمته القيمة تثبت قصدًا، فإنه نص على تسمية القيمة فكانت مقصودة، وقد ثبت الشيء حكمًا بغيره، وإن كان لا يثبت قصدًا، فإذا أدى قيمته إلى المولى وقبل المولى يعتق.
فرق بين هذا وبينما إذا كاتبه على ثوب وإذا آتى المولى ثوبًا حيث لا يعتق، وفي الموضعين جميعًا الكتابة قد فسدت.
والفرق أن في الكتابة مسميان: معاوضة وتعليق عتق، فإذًا العوض إما معاوضة فلوجوده العوض من الجانبين وإما تعليق عتق بأداء العوض فإن وجد التعليق أن يتعلق بنزول الحر الشرط يوجد في المستقبل وفي الكتابة تعليق وقوع العتق بأداء ما صار عوضًا، قلنا: والقيمة تصح عوضًا لأنها معلوم الجنس ويصير معلوم القدر عند الأداء، وإذا صلح عوضًا وهو ملفوظ به تعلق العتق بأدائه فأما الثوب لا يصح عوضًا لأنه مجهول الجنس والقدر، وما لا يصلح عوضًا في المعاوضات لا يتعلق العتق بأدائه في الكتابة، لأن عتق المكاتب معلق بأداء العوض فلا يعتق بأداء الثوب.
ثم فيما إذا كاتبه على قيمته ذكر أنه يعتق بأداء القيمة، ولم يذكر أن أداء القيمة..... يثبت، قالوا: أداء القيمة إنما يثبت بأحد أمرين إما أن يتصادقا على إيفاء أداء قيمته فيثبت كون المؤدى قيمته بتصادقهما لأن الحق فيما بينهما لا يعدوهما وصار كضمان الغصب البيع الفاسد.
وإن اختلفا يرجع إلى تقويم المقومين فإذا تفق اثنان على قدر يجعل ذلك قيمته له وإن اختلفا قوم أحداهما بألف والأخرى بألف وعشرة لا يعتق ما لم يؤد أقصى قيمته.
ثم في فصل الثوب فرق بين الكتابة وبينهما إذاقال: له إن أديت إلي ثوبًا فأنت حر فأدى إليه ثوبًا يعتق، وإذاكاتبه على ثوب فأدى إليه ثوبًا لا يعتق والكتابة تعليق العتق بأداء المسمى كقوله: إذا أديت إلي، والفرق أن التعليق في الكتابة إنما يثبت بعقد المعاوضة فإنما يثبت التعليق بأداء ما يصلح عوضًا والثوب لا يصلح عوضًا لكونه مجهول الجنس والقدر فلم يتعلق العتق بأدائه.
فأما في قوله: إن أديت التعليق فانتقضا لأنها معاوضة فيتعلق بما سمى لأنها تصلح عوضًا وقد سمى ثوبًا يتعلق العتق بأدائه، ولم يذكر محمد رحمه الله فيما إذا كاتبه على ثوب أنه أدّى قيمة نفسه هل يعتق أم (لا)؟
وذكر فيما إذا كاتبه على حكمه أو على حكم العبد أنه لا تجوز الكتابة وإذا أدى قيمته لا يعتق.
قال شيخ الإسلام رحمه الله لا فرق بين المسألتين، لأن في المسألتين جميعًا ما سمي لا يصلح عوضًا لأنه مجهول القدر والجنس، ثم قال في تلك المسألة: أنه لا يعتق بأداء القيمة فكذلك في مسألة الثوب.
قال رحمه الله: وهذا الذي ذكر قول علمائنا الثلاثة رحمهم الله، فإن على قول علمائنا الثلاثة رحمهم الله متى كان المسمى لا يصلح عوضًا بجهالة القدر أو بجهالة الجنس، فإنه لا يعتق العبد بأداء القيمة ولا تنعقد هذه الكتابة أصلًا لا على المسمى ولا على القيمة، وكذلك لو قال له: كاتبتك وسكت عن ذكر البدل، لا تنعقد الكتابة أصلًا عند علمائنا الثلاثة رحمهم الله.
وهذا لأن في الكتابة شأن معاوضة وتعليق عتق بأداء ما يصلح عوضًا واعتبار معنى المعاوضة إن كان يوجب انعقادها على القيمة، وإن لم تكن القيمة ملفوظًا بها كما في البيع الفاسد، فمعنى التعليق يمنع انعقادها على القيمة إذا لم تكن القيمة ملفوظًا بها لأن التعليق بالشرط لا يثبت في موضع ما مر غير لفظ فإن أدى حد الشرط أن يكون ملفوظًا بها فاعتبار أحد المعنيين يوجب الانعقاد والآخر يمنع، والانعقاد لم يكن ثابتًا فلا يثبت بالشك، بخلاف البيع لأن البيع معاوضة من كل وجه، والعوض مما يثبت في المعاوضات من غير شرط كما في الغصب، وكما لو أكل طعام غيره حالة المخمصة.
فأما شرط العتق في موضع لا يثبت من غير لفظ متى كان ليثبت التعليق واللفظ، ولا يقال على هذا بأن التعليق في باب الكتابة يثبت تبعًا للمعاوضة، ولهذا قبل الفسخ فلا يشترط لصحة شرائط التعليق، ولو كان التعليق يثبت نصًا، لأنا نقول: لا يسلم بأن التعليق في الكتابة بيع، وهذا لأن تعليق العتق بأداء ما يصلح عوضًا من حكم الكتابة لأن الحكم الكتابة للحال حرية اليد، وفي الثاني: تعلق عتقه بأداء العوض، وإذا كان تعلق العتق بأداء العوض من حكم الكتابة ثابتًا مقصودًا لا بيعًا، ألا ترى أن ملك المشتري لما كان حكمًا للمشتري لأن الشراء موضع الملك المشترى كان ملك المشتري ثابتًا بالشراء مقصودًا، فكذلك الكتابة موضوعة لإثبات حرية اليد للحال ولتعلق حرية الرقبه بالأداء في الثاني فيكون التعليق ثابتًا بالكتابة مقصودًا لا بيعًا، ولهذا لم ينفك عقد الكتابة عن هذا الحكم كما لم ينفك عن إثبات حرية اليد.
وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في (شرح كتاب المكاتب): أن المسمى في الكتابة إذا لم يكن مالًا متقومًا، لا تنعقد الكتابة أصلًا كما إذا كاتبهما على حكمه أو حكم العبد.
فإن حكمه قد يكون بغير المال، أو كاتبها على ميتة لا تنعقد الكتابة أصلًا على المسمى ولا على القيمة فلا يعتق بأداء القيمة. وإذا كان المسمى في الكتابة مالًا متقومًا إلا أنه مجهول الجنس أو القدر ينعقد العقد على القيمة، ويعتق بأداء قيمته.
وفي (المنتقى) رواية إبراهيم عن محمد رحمه الله: إذا كانت عنده خمسة أثواب يهودية جاز، وله خمسة أثواب فيهما، وإن جاءت بقيمتها أجبر المولى على الآخذ، وإن كان قد سمى رفعها وجنسها وطولها وعرضها وأصلها لم يجبر على قبول القيمة؛ لأن بذكر الأخذ صار في معنى التسليم.
وفيه أيضًا: إذا كاتب عبدًا له على وصف ولم يسمِّ له قيمة فهو جائز، ويؤخذ قيمة أعلى الوصف، أو أوسطها، أو أوكسها فيعطى له ثلث الجملة، ولو أدى الأعلى من الوصف أو الوسط قُبل منه ولو أدى الأوكس لا يجوز إلا أن يتجوز به المولى.
وفي (البقالي): إذا كاتبه بكذا، فإن عجز فبكذا لم يجز، وقيل: معناه لا تجوز الثانية. إذا قال: فإن عجزت فقد كاتبتك بكذا، وإنما لا يجوز الكل إذا أشار في الثانية إلى الأولى فيقول: قال إن عجزت فبكذا، ولم يقل: فقد كاتبتك بكذا حتى يصير البدل مجهولًا.
وفيه أيضًا: إذا كاتبه على ألف على أن يؤدي منها كل شهر كذا أو ثوبًا صفته كذا جاز. وفيه أيضًا: إذا كاتب بألف درهم على أن يرد المولى عليه وصفًا وسطًا لم يجزء.
وعن أبي يوسف: أنه يقسم الألف على قيمتها فيسقط حق الوصف، وعلى هذا الاختلاف مسألة ذكرها في (الجامع الصغير).
وصورتها: رجل كاتب عبدًا له على مائة دينار على أن يردّ المولى عليه عبدًا بغير عينه، فالمكاتبة فاسدة، وهو قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله، وقال أبو يوسف رحمه الله: تقسم المائة دينار على قيمة المكاتب وعلى قيمة عبد وسط فيبطل حصة العبد، ويكون مكاتبًا بما بقي، فوجه قول أبي يوسف رحمه الله: أن الكتابة لو فسدت إنما تفسد لمكان اشتراط العبد، غير أن اشتراط العبد في الكتابة لا يفسدها، ألا ترى أنه لو كاتب عبده على عبد يجوز وينصرف إلى عبد وسط.
وجه قولهما: أن هذا عقدًا يشتمل على بيع وكتابة؛ لأن ما كان من الدنانير بأن العبد الذي يرده المولى فهو بيع، وما كان منها بإزاء رقبة المكاتبة فهو كتابته، والبيع قد حصل بجهالة الثمن والمعقود عليه، فلو جازت الكتابة إنما تجوز بما يخصها من المائة دينار، والكتابة بما يخصها من البدل لا يجوز، فإنه لو كاتب عبدًا له بما يخصه من الألف لو قسم الألف عليه وعلى عبد آخر له لا تجوز الكتابة فكذا هاهنا.
وإذا كاتبه على مالٍ معينٍ أقر المكاتب بأن كاتبه مثلًا على عبدٍ بعينه أو على عرض بعينه فهو بعين المكاتب فقد ذكر في (الجامع الصغير) مطلقًا أنه لا يجوز.
وفي الحاصل: المسألة على وجهين:
إما إن لم يجز صاحب العين، أو أجازه.
إن لم يجزه لا تجوز الكتابة؛ لأن الكتابة من حيث أنها عقد يقال ويفسخ نظير البيع، ولو اشترى شيئًا بِعَرَضِ لغيره ولم يجزه صاحب العرض، فإن الشراء لا يصح وكل تلك الكتابة، وهذا بخلاف ما لو تزوج امرأة على عرض لغيره ولم يجزه صاحب العرض، فإن النكاح يجوز، وكان للمرأة أن ترجع على الزوج بقيمة العرض، والكتابة لا تجوز وذلك لأن النكاح مما لا ينفسخ بهلاك الصداق قبل القبض، فكذلك بالإلحاق لا ينفسخ.
وإذا لم ينفسخ النكاح بقي السبب الموجب لتسليم العرض والزوج عاجز عن ذلك، وكان عليه تسليم قيمته.
فأما الكتابة مما يحتمل الفسخ بالإقالة، فكان كأنه بيع. وفي باب البيع: إذا لم يجز صاحب العرض لا يجوز فكذا الكتابة، وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله في غير رواية (الأصول) وأصحاب (الأمالي) عن أبي يوسف رحمه الله أنه يجوز، حتى أنه إن ملك وذلك العين فأداه إلى المولى عتق، وإن عجز عن أدائه رَدّهُ المولى في الرق؛ لأن المسمى مالٌ متقوم، وقدرته على التسليم بما يحدث له فيه من الملك موهوم فتصح التسمية كما في الصداق إذا سمى عبد غيره فإنه تصح التسمية بهذا الطريق.
وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة رحمهما الله: إذا ملك ذلك العين فأدى لا يعتق إلا أن يكون المولى قال له: إذا أديت إليَّ فأنت حر، فحينئذ بحكم التعليق تعلّق؛ لأن ملك الغير لم يصر بدلًا في هذا العقد بتسميته لأنه غير مقدور التسليم به.
وإذا لم يُسَمِّ شيئًا آخر معه لم ينعقد العقد أصلًا، فلا يكون العتق بحكم العقد، وإنما يكون باعتبار التعليق بالشرط، فإذا لم يصرح بالتعليق.
قلنا: إنه لا يعتق كما لو كاتبه على ثوب أو ميتة، وأما إذا أجازه صاحب العرض؛ قال شيخ الإسلام المعروف بخواهر زاده رحمه الله: يجب أن تكون المسألة على روايتين: في رواية يجوز وفي رواية لا يجوز؛ لأنه متى أجازه صاحب العرض صار صاحب العرض مقبوضًا من العبد كما في البيع فيصير العرض من كسبه، والمولى متى كاتب عبده على عين في يده وهو من كسبه بأن كان عبدًا مأذونًا في التجارة في يده عين من كسبه هل تصح الكتابة أم لا؟ قالوا: فيه روايتان: في رواية يجوز وهو رواية كتاب الشرب، فقد ذكر في كتاب الشرب: إذا كاتب عبده على أرض في يده جازت الكتابة، وفي رواية: وأنه لا يجوز.
بعض مشايخنا رحمهم الله قالوا: وقفنا في رواية الجواز في كتاب الشرب ولم نقف على رواية الفساد وهي في آخر كتاب المكاتب في (الأصل) وقيل: أشار في نكاح (الأصل) إلى هذه الرواية وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة رحمه الله نصًّا أنه لا يجوز، فصار في المسألة روايتان، واتفقت الروايات: أنه لو كاتب على دراهم في يد العبد من كسبه أن الكتابة جائزة.
وجه الرواية التي قال: لا يجوز وهو أنا متى جوزنا الكتابة على العين لا يخلو إما أن يجعل العبد أحق بهذه العين أولًا ثم يجعله بدل الكتابة بعدما صار أحق به أو لا يجعله أحق به، فإن لم يجعله أحق به لم نجز هذه الكتابة؛ لأنها لا تفيد شيئًا. قال: العين قبل الكتابة مملوك للمولى رقبة ويدًا، فهو بقي كذلك بعد الكتابة فلم يصر العبد أحق به لم يستفد المولى، بهذه الكتابة شيئًا، لا ملك الرقبة، ولا ملك التصرف، فكان بمنزلة ما لو اشترى شيئًا من العبد المأذون ولا دين عليه، وإن جعلناه أحق به لا يجوز أيضًا. وإن كان لو جاز لأفاد أن المولى يستفيد به ملك التصرف، وذلك لأنا متى جوزنا الكتابة على العين بهذه الطريق لا يتحقق معنى الكتابة، وذلك لأن تغيير الكتابة شرعًا إيجاب حريتين على سبيل التعاقب والترادف، وهو إثبات حرية اليد ثم حرية الرقبة على ما بيّنا، ومتى جوزنا الكتابة على العين تثبت الحريتان معًا لا على سبيل التعاقب فيكون إعتاقًا على مال ولا يكون كتابة.
بيانه: أن العبد إذا صار أحق بالعرض أولًا يصير العرض مملوكًا للمولى على الحقيقة بنفس العقد، كما لو اشترى منه بعد الكتابة عرضًا يصير مملوكًا للمولى حقيقة بنفس الشراء، حتى لو اشترى امرأته من المكاتب فسد النكاح بنفس الشراء وإذا ملكه بنفس العقد يعتق العبد كما فرغا من العقد، فتثبت حرية اليد والرقبة معًا لا على سبيل الترادق فيكون إعتاقًا على مالٍ حينئذ لا كتابة.
فإذا دُبِّرَ تجويز الكتابة على العين متعذر ما لو كاتب على الدراهم التي في يده لأنا لو جوزنا الكتابة على هذه الدراهم، وجعلنا العبد أحق به، فإن العقد لا يتعلق بعينه حتى يملك المولى حقيقة بنفس العقد، وإنما يتعلق العقد بمثله دينًا في الذمة؛ لأن الدراهم والدنانير لا يتعينان في عقود المعاوضات عندنا، وما ثبت دينًا في ذمة العبد للمولى، فإنما يملك المولى على الحقيقة بالقبض، ولهذا لم تصح الكفالة بها. وإذا توقفت حقيقة الملك في الدين على القبض يتحقق معنى الكتابة، فإنه يثبت حرية اليد للحال، وحرية الرقبة في الثاني إذا صار بدل الكتابة فهو كالمولى على الحقيقة، فأما إذا كان عينًا فإن المولى يملكه على الحقيقة بنفس العقد، كما لو اشترى منه.
ووجه الرواية التي قال بأنه تجوز الكتابة على دراهم في يد العبد يجوز، ويصير العبد أحق به، ومتى صار أحق به أفادت الكتابة فائدتها، فيجوز قوله، وإن صار أحق به لا تجوز الكتابة على العين؛ لأنه ثبتت الحريتان معًا، ويكون عتقًا على مال الكتابة.
وجه الرواية التي قال: لا يجوز وهو أنا متى جوزنا الكتابة على العين لا يخلو إما أن يجعل العبد أحق بهذه العين أولًا ثم يجعله بدل الكتابة بعدما صار أحق به أو لا يجعله أحق به، فإن لم يجعله أحق به لم نجز هذه الكتابة؛ لأنها لا تفيد شيئًا. قال: العين قبل الكتابة مملوك للمولى رقبة ويدًا، فهو بقي كذلك بعد الكتابة فلم يصر العبد أحق به لم يستفد المولى، بهذه الكتابة شيئًا، لا ملك الرقبة، ولا ملك التصرف، فكان بمنزلة ما لو اشترى شيئًا من العبد المأذون ولا دين عليه، وإن جعلناه أحق به لا يجوز أيضًا. وإن كان لو جاز لأفاد أن المولى يستفيد به ملك التصرف، وذلك لأنا متى جوزنا الكتابة على العين بهذه الطريق لا يتحقق معنى الكتابة، وذلك لأن تغيير الكتابة شرعًا إيجاب حريتين على سبيل التعاقب والترادف، وهو إثبات حرية اليد ثم حرية الرقبة على ما بيّنا، ومتى جوزنا الكتابة على العين تثبت الحريتان معًا لا على سبيل التعاقب فيكون إعتاقًا على مال ولا يكون كتابة.
بيانه: أن العبد إذا صار أحق بالعرض أولًا يصير العرض مملوكًا للمولى على الحقيقة بنفس العقد، كما لو اشترى منه بعد الكتابة عرضًا يصير مملوكًا للمولى حقيقة بنفس الشراء، حتى لو اشترى امرأته من المكاتب فسد النكاح بنفس الشراء وإذا ملكه بنفس العقد يعتق العبد كما فرغا من العقد، فتثبت حرية اليد والرقبة معًا لا على سبيل الترادق فيكون إعتاقًا على مالٍ حينئذ لا كتابة.
فإذا دُبِّرَ تجويز الكتابة على العين متعذر ما لو كاتب على الدراهم التي في يده لأنا لو جوزنا الكتابة على هذه الدراهم، وجعلنا العبد أحق به، فإن العقد لا يتعلق بعينه حتى يملك المولى حقيقة بنفس العقد، وإنما يتعلق العقد بمثله دينًا في الذمة؛ لأن الدراهم والدنانير لا يتعينان في عقود المعاوضات عندنا، وما ثبت دينًا في ذمة العبد للمولى، فإنما يملك المولى على الحقيقة بالقبض، ولهذا لم تصح الكفالة بها. وإذا توقفت حقيقة الملك في الدين على القبض يتحقق معنى الكتابة، فإنه يثبت حرية اليد للحال، وحرية الرقبة في الثاني إذا صار بدل الكتابة فهو كالمولى على الحقيقة، فأما إذا كان عينًا فإن المولى يملكه على الحقيقة بنفس العقد، كما لو اشترى منه.
ووجه الرواية التي قال بأنه تجوز الكتابة على دراهم في يد العبد يجوز، ويصير العبد أحق به، ومتى صار أحق به أفادت الكتابة فائدتها، فيجوز قوله، وإن صار أحق به لا تجوز الكتابة على العين؛ لأنه ثبتت الحريتان معًا، ويكون عتقًا على مال الكتابة.
قلنا: هكذا أن لو جعلنا قبل الكتابة رقبة العَرَض فيقال: ثبت الملك للمولى في رقبة العرض بنفس العقد، كما لو اشترى فتثبت الحريتان معًا لا على سبيل التعاقب والترادف بحدَ لا يجعل الكتابة رقبة العرض بل يجعل بدل الكتابة ملك التصرف في العرض، فثبت للمولى بعقد الكتابة، فكل التصرف في العَرَض وملك الرقبة كما يصلح عوضًا في المعاوضات، فملك التصرف يصلح عوضًا، ألا ترى أنه إذا اشترى ربُّ المال من المضارب ولا ربح في مال المضاربة صح الشراء باعتبار ملك اليد والتصرف.
وإذا صلح ملك اليد والتصرف عوضًا كما يصلح ملك الرقبة عوضًا جعلنا بدل الكتابة ملك التصرف لا ملك الرقبة، بل تبقى الرقبة على ملك المولى. إنما جعلناه هكذا تصحيحًا للكتابة، وهذا لأنا متى جعلنا البدل ملك الرقبة لا تصلح الكتابة؛ لأنه يثبت الحريتان معًا لا على سبيل الترادف؛ لأن ملك التصرف إنما يصير للمولى بعد العتق فيثبت للمكاتب بحرية اليد بنفس العقد، وتثبت حرية الرقبة بعدما ثبت ملك الرقبة للمولى بالقبض، فتثبت الحريتان على سبيل الترادف، فجعلناه كذلك تصحيحًا للكتابة بقدر الممكن بخلاف البيع، وذلك لأنا إذا جعلنا هذا كملك الرقبة معقودًا عليه مع ملك التصرف لا يؤدي إلى الفساد فجعلنا كلا الأمرين معقودًا عليه، كما لو اشترى من الحرّ.
وكذلك لو قال: كاتبتك على كُرِّ فلان بعينه أو طعام فلان بعينه؛ لأن ما سوى الدراهم والدنانير من المكيلات والموزونات مما يتعين بالتعيين في المعاوضات. وإذا تعيّنا بالتعيين كان الجواب في المكيل والموزون كالجواب في العروض سواء.
فإن قال: كاتبتك على ألف فلان هذه فإن الكتابة تجوز، وذلك لأن الدراهم والدنانير مما لا يتعينان بالتعيين في عقود المعاوضات عندنا، حتى لا يتعلق العقد بعين ما أضيف إليه، وإنما يتعلق بمثله دينًا في الذمة، وإذا لم يتعينا بالتعيين. صار وجود هذا التعيين وعدمه بمنزلة.
ولو عُدم التعيين بأن قال: كاتبتك على ألف درهم جاز، فكذا إذا وجد ولم يكن لها غيره، فإن أدى إليه تلك الألف بعينها لا شك أنه يعتق، وإن أدى ألفًا غيرها فكذلك.
فرق بين هذا وبينما إذا قال لعبده: إن أديت إليّ ألف فلان هذه فأنت حر، فأدى غيرها فإنه لا يعتق وفي الكتابة تعليق عتق، كما في قوله: إن أديت إليَّ ألفًا فأنت حر، والفرق ما ذكرنا أن التعليق في باب الكتابة ثابت بالمعاوضة فيتعلق الأداء بما هو عوض، والتعيين هاهنا دخل على ما هو عوض.
والتعيين متى دخل على العوض وهي الدراهم أو الدنانير كان التعيين لغوًا كما في سائر المعاوضات، وإذا أُلغي صار هذا التعيين وعدمه بمنزلة، فأما التعليق بقوله: إن أديت إليّ ألفًا فأنت (....) في المعاوضة؛ لأن هذا ينعقد يمينًا للحال، والتعيين دخل هاهنا على الشرط لا على العوض. والتعيين إذا دخل على الشرط يكون معتبرًا.
قال: وإذا كاتب المسلم عبده على خمر أو خنزير فالكتابة فاسدة؛ لأن لخمر والخنزير كل واحد منهما ليس بمال متقوم في حق المسلم. وتسمية ما ليس بمال متقوم في عقد يحتاج فيه إلى التسليم يوجب فساد العقد كالبيع. فإن أدى ذلك قبل أن يترافعا إلى القاضي عتق، وعليه قيمة نفسه؛ لأن الكتابة قد فسدت، والمعقود عليه في العقود الفاسدة مضمون بالقيمة.
وذكر في اختلاف زفر ويعقوب أن عند زفر رحمه الله لا يتعلق إلا بأداء قيمة نفسه؛ لأن البدل في الكتابة الفاسدة هي القيمة، وإنما يعتق المكاتب بأداء البدل. وعند أبي يوسف رحمه الله أدى المشروط أو قيمة نفسه فإنه يعتق؛ لأن البدل صورةً هو المشروط، والعتق يتعلق بأدائه، ومن حيث المعنى البدل هو القيمة فإن هو أدى يعتق.
وفي (المنتقى): ابن سماعة عن محمد رحمه الله في الكتابة إذا كانت فاسدة بأن حصلت على ألف رطل من خمس أو على عبد لرجل أو ما أشبه ذلك. وأداء المكاتب إلى المولى ما شرط في عقد الكتابة عتق، ويسعى في تمام قيمته. قال: وقال أبو يوسف وأبي حنيفة رحمه الله أنه قال المولى في عقد الكتابة: إن أديت إليّ فأنت حر عتق عبده بالأداء، وعليه تمام قيمته.
وإذا لم يقل ذلك في عقد الكتابة لم يعتق. وقال أبو يوسف رحمه الله ينبغي أن في قول أبي حنيفة رحمه الله أنه إذا قال: إن أديت إليّ فأنت حر أنه إذا أدى عتق ولا شيء عليه.
وإن كاتب الرجل عليه وهو خياط أو صباغ على عبد مثله يعمل عمل القياس أن لا تصح هذه الكتابة. وفي الاستحسان: يصح. وجه القياس: أنه جعل بدل الكتابة ما لا يمكنه التسليم؛ لأنه جعل بدل الكتابة عبدًا موصوفًا بصفة، وقد يكون عبدان على تلك الصفة ويتفاوتان في القيمة تفاوتًا فاحشًا، فالمولى يطالبه بأكثرها قيمة، وهو سلّم أدناهما قيمة بخلاف ما لو ذكر العبد مطلقًا لأن المستحق بهذا عبد وسط، فأما هاهنا المستحق عبد على الصفة التي ذكره المولى وعلى هذه الصفة يتفاوتان.
وجه الاستحسان: أن العبدين على الصفة الذي وصفه المولى إن كانا يتفاوتان في القيمة إلا أن المولى يجبر على قبول أقلهما قيمة كما في الوسط، فإن القيمة بين وسط ووسط مما يتفاوت، ولم يمنع ذلك جواز الكتابة لأن المولى يجبر على قبول أقلهما قيمة فكذلك هذا.
وإذا كاتب الرجل إلى الحصاد أو إلى الدياس، القياس أن لا يجوز، وفي الاستحسان يجوز. وجه القياس أن الجهالة دخلت في قدر الأجل فيعتبر بجهالة دخلت في قدر الرجل والبدل، والجهالة في قدر البدل يوجب الفساد قلّ أو أكثر بأن كاتبه على قيمته، فكذلك في قدر الأجل.
ودليله: ما لو كاتبه بألف درهم إلى وقت هبوب الريح، بخلاف ما لو كاتبه على وصف أو إشاره لأن الجهالة في الوصف لا في القدر.
وفي الاستحسان يجوز؛ لأن الجهالة وإن دخلت في قدر الأجل إلا أن حال الأجل أضعف من حال البدل؛ لأن البدل دين في باب العقد لا يجوز العقد بدونه. والأجل شرط زائد يجوز العقد بدونه فكان حال الأجل دون حال البدل، فقيل بأن الجهالة في قدر البدل يمنع حجة العقد قلّ أو كثر ليظهر مؤنة حاله والجهالة في قدر الأجل إن كان قليلًا لا يوجب الفساد ويكون بمنزلة جهالة يتمكن في صفة البدل، وإن كانت فاحشة كما في هبوب الريح يوجب الفساد، ويُعتبر بجهالة قدر يتمكن في البدل ليظهر نقصان حال الأجل من حال البدل.
وإن كاتب الرجل عبده على ألف درهم، وفي يد العبد ألف درهم أو أقلّ أو أكثر كانت الكتابة جائزة وكانت ينبغي أن لا يجوز إذا كان في يده أكثر من ألف أو أقل لأنه ربا، ألا ترى أنه إذا اشترى منه ألفًا بألفين بعد الكتابة فإنه لا يجوز، وإنما لا يجوز لمكان الربا.
والفرق: أن حكم هذا الربا أخف من حكمه بعد الكتابة؛ لأن العقد هنا يوجد مع العبد فلا ربا بين المولى وبين العبد، وحكمه يقع هاهنا بعد الكتابة والربا يجري بين المولى ومكاتبه، فباعتبار العقد لا يكون هذا ربا، وباعتبار الحكم يكون ربا فكان ربا من وجه دون وجه، فيشبه هذا الوجه الاعتياض عن الأقل؛ لأن ذلك ربا عند بعض الفقهاء فليس بربا عند البعض فكان ربا من وجه دون وجه فجاز، فكذاكم بخلاف ما لو وجد هذا العقد بعد الكتابة لأنه ربا باعتبار العقد والحكم جميعًا، فكان ربا من وجه دون وجه ملحق بالعبد المأذون؛ لأن المكاتب بين الحر والعبد والله أعلم.

.الفصل الثالث في الشروط والخيار في الكتابة:

قال محمد رحمه الله: إذا كاتب الرجل عبده على أن يخدمه شهرًا، القياس: أن لا يجوز، وفي الاستحسان: يجوز.
وجه القياس: أن الخدمة مجهولة الجنس قد تكون في البيت وإنها مختلفة قد تكون طبخًا وقد تكون كنسًا وقد تكون خارج البيت وإنها مختلفة أيضًا، وقد تكون سعيًا وقد يكون تكسير حطب وشراء شيء والتفاوت الكبير يوجب اختلاف الجنس وجهالة الجنس توجب فساد الكتابة.
قال مشايخنا رحمهم الله: ذِكْرُ القياس في الكتابة يكون ذكرَ في الإجارة فيقال فيما إذا استأجر رجلًا ليخدمه شهرًا: أنه لا يجوز قياسًا من طريق الأولى؛ لأن الكتابة أسرع جوازًا من الإجارة.
وجه الاستحسان: أن أعمال الخدمة معلومة فيما بين الناس عرفًا، والمعروف فيما بين الناس كالمشروط، وبهذا جازت الإجارة وإن لم يبين نوع الخدمة، وينصرف مطلق اسم الخدمة إلى ما يعتاد خدمة فيما بين الناس في البيت وخارج البيت فكذا هاهنا قيل أولى؛ لأن الكتابة أسرع جوازًا من الإجارة.
وكذلك إذا كاتبه على أن يخدم فلانًا شهرًا صح استحسانًا لا قياسًا.
ولو كاتب عبده على ألف درهم على أن يؤديها المكاتب إلى غريم له كانت الكتابة جائزة، فرق بين الكتابة وبين البيع، فإنه إذا باع عبده بألف درهم على أن يؤدي المشتري إلى غريم البائع كان البيع فاسدًا، وقد شرط في الموضعين شرطًا لا يقتضي العقد؛ لأن العقد في الموضعين لا يقتضي الأداء إلى غير العاقد، وللمولى والبائع في هذا الشرط فائدة، فإنه يسقط عن نفسه مؤنة القضاء إلى غريمه، والناس يتفاوتون في الاستيفاء أيضًا مع هذا حكم بفساد البيع ولم يحكم بفساد الكتابة.
والوجه في ذلك: أن البيع بمثل هذا الشرط إنما يفسد ليست بالربا لأنه شرط على المشتري لنفسه منفعة ليس بأدائها عوض، والربا ما ملك بالبيع وخلا عن العوض، والربا يفسد البيع، وفي الكتابة لا يصير ربا؛ لأنه خالٍ ما تشترط عليه هذه الزيادة المكاتب عبده؛ لأن العقد يجري بينهما وهو عبد، وحكمه ثبت وهو مكاتب فكان ربا من وجه باعتبار الحكم، ولو لم يكن ربا باعتبار العقد ومثل هذا لا يفسد الكتابة، كما لو كاتب عبدًا له على نفسه مما في يده من المال بألف درهم، وفي يد العبد ثلاثة آلاف درهم.
وكذلك لو كاتبه على ألف درهم على أن يضمها لرجل على من سيده فالكتابة جائزة، ولو كان مكان الكتابة بيعًا بأن باع عبدًا له من رجل بألف درهم على أن يضمن المشتري الثمن عنه لغريم البائع فالبيع فاسد والفرق ما ذكرنا. قال: والضمان جائز أيضًا، وهذا الاستحسان والقياس أن لا يجوز.
قال: ولو قال العبد للمولى: كاتبني على ألف درهم على أن أعطيها من مال فلان فلا تجوز هذه الكتابة، وطريقه أنهما وإن شرطا في الكتابة شرطًا لا تقتضيه المكاتبة إلا أنه لا منفعة للمولى في هذا الشرط؛ لأن الألف من ماله ومن مال فلان في حق المولى على السواء، واشتراط ما لا يقتضيه العقد إذا لم يكن للمشروط فيه منفعة لا يوجب فساد العقد من ذلك في كتاب البيوع.
قال في (الجامع الصغير): إذا شرط المولى على المكاتب أن لا يخرج من البلدة إلا بإذنه فهذا الشرط باطل والكتابة جائزة، وإنما كان الشرط باطلًا لأنه تخصيص لما دخل تحت الكتابة من حيث المكان؛ لأن إبطال الإطلاق إلى الأماكن كلها للتجارة دخلت تحت الكتابة؛ لأنه طريق التجارة واكتساب المال. قال الله تعالى: {فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله} [الجمعة: 10] وما كان طريقًا للتجارة. واكتساب المال يجب أن يكون داخلًا تحت الكتابة وثباتًا على المصر قياسًا على البيع والشراء والاحتطاب والاصطياد.
قلنا: وتخصيص ما دخل تحت الكتابة يوجب فساد الكتابة، كما لو خص عليه التصرف في نوع دون نوع، إلا أن فساد هذا الشرط لا يوجب فساد الكتابة؛ لأن الكتابة تشبه النكاح من حيث أن أصل مبادلة المال بما ليس بمال في الكتابة تقابل الرق، والرق ليس بمال، ولهذا أوجب الحيوان دينًا في الذمة بدلًا عن الرق ونسبة البيع من حيث أنها تقال وتفسخ فكانت بين البيع والنكاح فألحقناها بالنكاح فلم تفسد، هذا شرط لا يقتضيه إذا كان شرطًا يمكن الوفاء به وإن كان لأحدهما فيه منفعة وألحقناها بالبيع وأفسدناها بشرط لا يقتضيه إذا كاتب عاجزًا عن الوفاء به، ولأحدهما فيه منفعة عملًا بالشبهين جميعًا. إذا ثبت هذا فنقول: إن الشرط يخرج المكاتب إن كان شرطًا لا تقتضيه الكتابة وللمولى فيه منفعة حتى يمكنه المطالبة والمطالعة كل ساعة، ويمكن للمكاتب الوفاء به فألحقناها بالنكاح فلم يفسدها به.
وفي (نوادر المعلى) عن أبي يوسف: إذ كاتب عبده على أنه إن خرج من البلدة فهو عبد والكتابة فاسدة. ولو كاتب أمته على ألف درهم على أن يطأها ما دامت مكاتبة فالكتابة فاسدة؛ لأن شرط الوطء لا تقتضيه الكتابه، وللمولى فيه منفعة ولا يمكن للمكاتب الوفاء به. فلو أدت الألف عتقت؛ لأن الوطء لا يصلح بدلًا، فصار البدل هو الألف لا غير.
وإذا عتقت فإن كان الألف مثل قيمتها لم يجب شيء آخر وإن كان أقلّ من قيمتها فعليها تمام قيمتها؛ لأنه إنما رضي بزوال ملكه عنها بأقل من قيمتها رغبة في الشرط، فإذا لم يسلم له المشروط كان عليها تمام القيمة، فإن وطئها قبل أداء الكتابة فعليه عقرها إذا أدت وعتقت، وهذا بخلاف ما لو باع جارية بيعًا فاسدًا ووطئها البائع قبل التسليم ثم سلمها فإنه لا عقر على البائع لأن هناك الملك ثبت للمشتري بالقبض، فكان البائع واطئًا ملك نفسه، وهاهنا حكم الكتابة يثبت من وقت العقد. ولهذا لو وطئها غير المولى ضمن العقر لها القيمة إلا أن في الكتابة الفاسدة لا يجب العقر للحال لأنها يفسخ بحكم الفاسد، فإذا أدت وعتقت بغير حكم الكتابة، فيجب العقر، ويجوز من اشتراط الخيار في الكتابة ما يجوز في البيع؛ لأنها عقد يحتمل الفسخ والإقالة، فيحتمل الخيار كالبيع، وعن أبي يوسف أنه لا يجوز اشتراط الخيار في الكتابة لا للمولى ولا للمكاتب.
وعن أبي حنيفة رحمه الله: أنه لا يجوز اشتراط الخيار للمولى ويجوز اشتراطه للمكاتب.
وفي (ظاهر الرواية): يجوز على نحو ما بينا.
وإن شرط الخيار أكثر من ثلاثة أيام لم يجز عند أبي حنيفة رحمه الله كما في البيع، فإن أجاز صاحب الخيار في الثلاث جاز، وإن لم يمضها حتى مضت الثلاث بطلت الكتابة عنده كما في البيع بشرط الخيار أكثر من ثلاثة أيام إذا لم يمض من له الخيار حتى مضت الثلاث فإنه يبطل البيع عند أبي حنيفة رحمه الله كذا هاهنا.
ولو اشترط المولى بالخيار لنفسه ثلاثًا فاكتسب العبد كسبًا أو كاتب جاز فوطئت بشبهة ووجب العقر أو ولدت ولدًا أو قتل الولد وجبت القيمة.
ثم أجاز المولى الكتابة فكذلك، ولو باع المولى الولد أو وهبه وسلم أو أعتقه جاز تصرفاته وبطلت الكتابة كما في البيع، فإن الجارية المبيعة بشرط الخيار للبائع إذا ولدت في هذا الخيار فأعتق البائع الولد أو ردّه وكان ذلك ردّ البيع.
والمعنى في الكلّ أن الولد حرّ ومنها ولو باشر هذه التصرفات منها كان رد الكتابة فكذا في حرف منها وإذا كاتب عبده على نفسه وأولاده صغار على أنه بالخيار ثلاثة أيام فمات بعض ولده ثم أجاز الكتابة لا يسقط شيء عنه من البدل كله عليه دون الولد إذ لا ولاية له على ولده في إلزامه إياه شيئًا وكذلك لو كاتب عيدين له كتابة واحدة على أنه بالخيار فمات أحدهما ثم أجاز الكتابة جاز ولا يسقط شيء من المكاتبة.
ولو كاتب (أمته) أنها بالخيار فأعتق السيد الولد فهي على خيارها لأن إعتاق السيد الولد بجامع بقاء الكتابة فيها، ألا ترى أن بعد لزوم الكتابة لو أعتق المولى ولدها تبقى الكتابة فيها على حالها كذا هاهنا.
فإن أجازت الكتابة بعدهن ولكن لا يسقط شيء من البدل لأن في هذا تحصيل بعض مقصودها. ألا ترى أنها لو ولدت بعد نفوذ الكتابة فأعتق المولى الولد لم يحط عنها شيء من البدل، فكذا إذا أعتق الولد قبل تمام النكاح للكتابة، بخلاف ما إذا كان الخيار للمولى فأعتق الولد لأن هناك ينفسخ العقد بإعتاق الولد، أما هاهنا بخلافه.
ولو كان الخيار للمولى فأعتق المولى لا يعتق معها، بخلاف ما إذاكان الخيار لها وأعتقها المولى، فإن هناك يعتق الولد معها. والفرق أن بإعتاق المولى إياها تنفسخ الكتابة فيها، ويثبت العتق فيها بالإعتاق لا بالكتابة، والولد منفصل عنها، فأما إذا كان الخيار لها وأعتقها المولى، فبإعتاقها في هذه الصورة لا تنفسخ الكتابة فيها، فكان العتق حاصلًا بجهة الكتابة فيبيعها الولد فيه.
ولو كان الخيار للمولى فولدت ثم ماتت في مدة الخيار لا تبطل الكتابة عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وله أن يجيزها. وإذا جاز يسعى الولد على نجوم الأم، فإذا أدى عتقت الأم في آخر جزء من أجزاء حياتها. وعند محمد رحمه الله تبطل الكتابة ولا تصح إجازة المولى.
وجه قول محمد رحمه الله: أن المعقود عليه مَات في مدة الخيار فيبطل العقد، كما لو باع أمةً على أن البائع بالخيار فولدت ثم ماتت. والمعنى في ذلك أن لزوم العقد عند سقوط الخيار فلابد من بقاء من هو الأصل، والمعقود بالعقد عند ذلك. وجه قولهما: إن ألف لزم ومنها فيجعل قائمًا مقامها في تنفيذ العقد عند الإجازة باعتبار حاجتها وحاجته إلى تحصيل العقد عند الأداء، ألا ترى أن بعد لزوم العقد لو مات يجعل الولد قائمًا مقامها في السعاية على النجوم للمعنى الذي ذكرنا فكذا هاهنا.
وإذا كان الخيار للمولى فاشترت وباعت في مدة الخيار ثم رد المولى الكتابة فإذا لم تثبت الكتابة، لم يثبت الإذن فلا تنفذ تصرفاتها، إلا أن يراها تبيع وتشتري ويسكت فحينئذ يكون ذلك من المولى إجازة المكاتبة وتنفذ تصرفاتها وإن كان الخيار للمكاتب فتصرفه يكون إجازة للكتابة.
ولو كاتبها وشرط الخيار لنفسه فولدت ولدًا ثم أسقط صاحب الخيار خياره فالولد مكاتب معها لأن حكم الكتابة عند سقوط الخيار تثبت من وقت العقد كما في البيع، فتبين أن هذا ولد المكاتبة فيصير مكاتبًا والله أعلم.

.الفصل الرابع في عجز المكاتب وفسخ الكتابة ليثبت عجزه:

وإذا عجز المكاتب عن أداء بدل الكتابة، وأراد المولى أن يفسخ عقد الكتابة ويردّه في الرق إن رضي المكاتب بالفسخ لا شك أنه ينفسخ العقد بفسخهما؛ لأنه تم بهما، فينفسخ بفسخهما أيضًا كالبيع والإجازة وأشباههما، وإن لم يرض المكاتب بالفسخ ففسخ المولى العقد بنفسه ففيه روايتان: في رواية لا يصح فسخه، ويحتاج فيه إلى قضاء القاضي، وإنما كان للمولى حق فسخ الكتابة عند عجز المكاتب إما لأنه تمكن الخلل في مقصود المولى فتمكن الخلل في مقصود العاقد لعدم تمام الرضا، وعدم تمام الرضا في العقد المحتمل للفسخ يمنع لزومه، وكل عقد هو ليس باللزوم فللعاقد فسخه بشرائط، ولأن هذا بمنزلة العيب من حيث أنه يوجب تمكن الخلل في مقصود العاقد، وبالعيب يفسخ كل عقد يحتمل الفسخ فهذا أمر متفق عليه.
بعد هذا اختلفت الروايات في اشتراط قضاء القاضي لصحة هذا الفسخ. وجه الرواية التي قال القاضي: ليس بشرط أن هذا تمكن في أحد العوضين قبل تمام العقد لأن تمام الكتابة بالأداء؛ لأن تمام العقد لوقوع الفراغ عن استيفاء أحكامه، فيشبه من ذلك الوجه لو وجد المشتري بالمشترى عَيْبًَا قبل القبض، وهناك ينفرد المشتري بالفسخ ولا يحتاج فيه إلى قضاء القاضي فهاهنا كذلك.
وجه الرواية الأخرى: أن هذا عيب تمكن في أحد العوضين بعد القبض؛ لأن المكاتب يعقد الكتابة فصار في يده، فأشبه من هذا الوجه ما لو وجد المشتري بالمشترى عيبًا بعد القبض، وهناك المشتري لا ينفرد بالفسخ كذا هاهنا.
وإن أراد المكاتب أن يعجز عن نفسه فقال المولى: لا أعجزك هل تنفسخ الكتابة؟ روي عن الفقيه أبي بكر البلخي رحمه الله أنه قال: سمعت أبا نصر محمد بن محمد بن سلمة عن ابنه محمد بن سلمه أنه قال: إذا رأى المولى أن يعجزه فله ذلك ولا تنفسخ الكتابة بتعجيزه، وكان يقول المولى يقول له: إذا أعجزتك على أن أستكسبك وأشغلك بالكسب فلي أن لا أعجزك واستكسبك فيكون الكسب لي، ولذلك قال الفقيه أبو بكر البلخي رحمه الله: وإنه خلاف ما ذكر أصحابنا رحمهم الله في كتبهم فإنهم قالوا: للعبد أن يعجز نفسه، وذلك لأن النفقة بعد التعجيز وفسخ الكتابة تكون على المولى، وكذلك جنايته على المولى، وفي حالة الكتابة كل ذلك على العبد.
وللعبد أن يعجز نفسه ويفسخ الكتابة حتى يلزمه ذلك.
فالحاصل: أن الكتابة في جانب المكاتب على قول محمد بن سلمة لازمة، وعلى ما يقوله أصحابنا رحمهم الله في كتبهم غير لازمة وإن كانت الكتابة مؤجلة منجمة فكسب المكاتب نجمًا واحدًا قال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله: يرد في الرق، وقال أبو يوسف رحمه الله: لا يردّ في الرق ما لم يكسب نجمين. فوجه قول أبي يوسف رحمه الله: أن النجم الثاني جعل وقتًا لأداء ما وجب بالأول فلا يتم عجزه عن النجم الأول إلا بالثاني، ولهما ذكرنا من وجهين: أنه تمكن الخلل في المعقود عليه، وأن هذا معنى العيب، ومعنى آخر: أن النجم الأول لما مضى صار ذلك القدر حالًا فلا يوجد ثانيًا بعد حلوله وفي التأخير إلى الثاني تأجيل له إلا أنه يوجد يومين أو ثلاثة إذا كان له مال حاضر أو غائب يرجى قدومه، ثم إذا كبر نجمًا أو نجمين يرد في الرق وإن لم يشترط المولى ذلك العقد، لأن الفسخ والرد في الرق عند العجز من قضية عقد الكتابة شرعًا لما ذكرنا، وما يقتضيه العقد شرعًا يثبت من غير شرط.
قال: رجل كاتب عبدين له مكاتبة واحدةً ثم إن أحدهما عجز ورده المولى أو قدمه إلى القاضي ورده القاضي ولا يعلم القاضي بمكاتبة الآخر معه فإنه يصح ردّه، وذلك لأن العبدين في حق المولى جعلا كعبد واحد على ما يأتي من حيث الحكم؛ لأن الانقسام في حقه غير ثابت كما في العبد الواحد على ما يأتي بيانه بعد هذا.
ولو كان العبد واحدًا يفسخ المولى أو القاضي الكتابة في نصفه أو في كلّه حالة القدرة على الآن فإنه يكون الرد باطلًا؛ لأن شرط الرد إذا لم يوجد الرضا من العبد يفسخ الكتابة بالعجز عن أداء بدل الكتابة، ولا يتحقق عجز هذا ما دام الآخر قادرًا لأنه يعتق بأدائه، ولهذا قلنا: لو مات أحدهما عاجزًا، فإن الكتابة لا تنفسخ؛ لأن القدرة على الأداء ثابته من جهة صاحبه، فكذلك هذا.
فإن عاد هذا الذي رد في العتق ليثبت عجزه، وجاء الآخر واستسعاه المولى في نجم أو نجمين منجز، فأراد أن يرده القاضي، فليس له ذلك، وذلك لأن رد الأول لم يصح، لأن عجزه لم يثبت من حيث الاعتبار، فبقي قادرًا، وإذا بقي الأول قادرًا لم يثبت عجزه؛ لأن قدرة الأول قدرة هذا، فما لم يعجزا معًا لا يثبت عجز.
ولو ان رجلين كاتبا عبدًا مكاتبة واحد،ة فغاب أحدهما وقدم الشاهد العبد إلى القاضي وقد عجز لا يرده في الرق حتى يجتمع الموليان جميعًا، وهذا الجواب على قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله لا يشكل؛ لأن فسخ الكتابة في نصيب الشاهد دون نصيب الغائب غير ممكن على مذهبنا؛ لأن الكتابة عندهما لا تتجزأ ثبوتًا فكذا لا تتجزأ بقاء، وإذا لم يكن فسخ الكتابة في نصيبه إلا بعد الفسخ في نصيب صاحبه، والفسخ في نصيب الغائب متعذر حال غيبته لأن لا ولاية للحاضر على صاحبه تعذر الفسخ في نصيب الحاضر.
وإنما لا إشكال على قول أبي حنيفة رحمه الله لأن الكتابة على قول أبي حنيفة رحمه الله تتجزأ ثبوتًا فتتجزأ بقاء، فيمكن فسخ الكتابة في نصيب الشاهد مع بقاء الكتابة في نصيب الغائب، فكان يجب أن يفسخ الكتابة في نصيبه، إذ ليس في هذا فسخ عقدعلى صاحبه وفسخ العقد في نصيبه مقيد، لأن ما اكتسب بعد هذا يكون النصف له، هذا قال: لا يصح لأن فسخ العقد في نصيب الشاهد فسخ عقد على الغائب من وجه، لأن كتابة الحاضر نصيبه ما يؤثر في نصيب الآخر حتى يمتنع بيعه، وإذا كان مؤثرأً في نصيبه وقد حصل ذلك التأثير برضاه جعل كالكاتب من جهته، وإذا صار كالثابت من جهة متى فسخ العقد في نصيبه صار فاسخًا على صاحبه قدر ما انعقد لصاحبه من وجه، كما لا يكون له فسخ عقد على صاخبه إذا اثبت العقد من جهة صاحبه من كل وجه، فكذا لك لا يجوز له فسخ عقد ثبت لصاحبه من وجه دون وجه.
وهذا بخلاف رجلين لكل واحد منهما عبد على حدة، كاتباهما كتابة واحدة ثم عجز أحدهما كان لمولاة أن يفسخ الكتابة فيه، وإن كان مولى الآخر غائبًا قال: لا يفسخ، وذلك لأن الشاهد من مسألة العبدين لم يصر فاسخًا على صاحبه شئيًا؛ لأن كتابة عبده لا يورث في عبد صاحبه حتى لا يمنع على صاحبه بيع عبده وإذا لم يؤثر في عبد صاحبه لم يصر فاسخًا على صاحبه شئيًا، فآما هاهنا كتابة هذا الشاهد أثر في نصيب صاحبه، وقد حصل هذا الثابت بإذن صاحبه، فيصير منقولاَ إليه من وجه، فيصير ذلك القدر ثابتا من جهة صاحبه.
وإذ كان لرجل عبد وقد كاتبه فمات المولى وترك ورثة، فأراد بعضهم أن يرد المكاتبة قبل أن يجتمعوا جميعًا، قال: له ذلك.
فرق بين هذا وبين أحد الشريكين في كتابه العبد إذا أراد أن يفسخ الكتابة حالة غيبة صاحبه ليس له ذلك. والفرق أن الكتابة هاهنا حصلت من الميت، وكل واحد من الورثة يقوم مقام الميت فيما يجب له وعليه، كأنه ليس معه غيره، إلا أنه إذا ادعى على الميت شيئًا، فأقام المدعي البينة على واحد من الورثة ثبت دينه في حق الكل كأنه قام على الميت.
وكذلك لو ادعى أحد الورثة دينًا للميت على إنسان وأقام البينة، فإنه يثبت الدين في حق الجميع، فدل أن كل واحد من الورثة يقوم مقام الميت فيما يجب له وعليه، وكأنه ليس معه غيره، وإذا قام مقام الميت صار خصومة الوارث الواحد بمنزلة خصومة الميت، ولو كان الميت حيًا وخاصم كان يرد العبد في الرق، فكذلك هذا.
فأما أحد الشريكين لا يقوم مقام صاحبه فيما يجب له وعليه فلم (يكن) نائبًا عن صاحبه في الفسخ، وفسخ الغير عقد الغير لا يصح وهو غائب إذا لم ينزعه نائب في الفسخ.
قال: فلا يرده الوارث إلا بقضاء القاضي؛ لان الميت لو كان حيًا وأراد أن يرده في الرق كان لا يرده في الرق إلا بقضاء القاضي في إحدى الرواتيين، فكذلك الوارث.
فإن كان المكاتب هو الميت وترك ولدين، ولدًا في المكاتبة لم يستطع المولى أن يرد واحدًا منهما في الرق والآخر غائب، وذلك لأن المكاتب لما مات وجب عليهما بدل الكتابة معًا، وتعلق عتق كل واحد منهما بأداء جميع الكتابة، فصاربمنزلة عبدين كاتبهما المولى كتابة واحدة وهناك لا يرد أحدهما في الرق دون الآخر؛ لأن أحدهما لا يتحقق بدون الآخر، فكذا هذا، والله أعلم.

.الفصل الخامس فيما يملكه المكاتب، وما لا يملكه:

قال محمد رحمه الله: مكاتب كاتب عبدًا له من أكسابه فهو جائز، وهذا استحسان أخذ به علماؤنا رحمهم الله، والقياس أن لا يجوز، وهو قول الشافعي رحمه الله.
القياس: أن الكتابة تعليق العتق بأداء المال في الحال، وإعتاق في الثاني متى أدى، وأي الأمرين ما اعتبرنا لا يملكه المكاتب، فإنه إذا قال لعبده: إذا أديب إليَّ ألفًا فأنت حر، أو أعتق عبده على مال لا يصح.
وجه الاستحسان: أن المكاتب بالكتابة استفاد حرية اليد للحال، ولهذا صار أحق بمكاتبه وحرية الرقبة في الثاني عند الأداء، فيملك إثباته لغيره، ألا ترى أن العبد المأذون يملك إذن عبده في التجارة، وألا ترى أن الحر يملك إيجاب الحرية لعبده؛ لأن حقيقة الحرية ثابتة له للحال بخلاف العتق على مال لأنه لإيجاب حقيقة العتق للحال، وهو غير ثابت للمكاتب للحال، فلا يملك إثباته لغيره.
وبخلاف مالو قال لعبده: إن أديت إليَّ ألفًا؛ لأنه تعليق عتق بالشرط مقصودًا، وهذا غير ثابت للمكاتب مقصودًا، وإنما يثبت له ضمنًا لثبوت ملك الحجر عن الاكتساب بالكتابة، فلا يملك إيجابه مقصودًا لغيره لأنه غير ثابت له مقصودًا ويملك إيجابه تبعًا لأنه ثابت له، والإنسان إنما يملك إيجاب الشيء لغيره بقدر ما ثبت له.
ثم إذا أجاز كتابة المكاتب لو أدى المكاتب الثاني مكاتبته عتق لأن الكتابة عندنا صحت من المكاتب وما صحت من المكاتب كان المكاتب فيه.....، فإذا عتق الثاني الثاني بأداء مكاتبته ينظر إن كان الأول مكاتبًا حال عتق الثاني فإن الولاء يثبت لمولى المكاتب الأعلى.
وإن كان حرًا قالو: لا يثبت للمكاتب الأعلى إنما لمولاه، وهذا لأن المكاتب الأعلى كما صار مكاتبًا للثاني فمولاه صار مكاتبًا للثاني من وجه؛ لأن لكل واحد منهما حق الملك من كسب المكاتب فالكتابة داخلة تحت كتابة الأول، فتكون حاصلة بإذن المولى فينعدم ما للمولى من حق الملك من كسبه فيصير منقولا إلى المولى فيصير المولى مكاتبًا له من وجه، وبقدر ما للمكاتب الأول يصير مكاتبًا له إلا أن حق المكاتب في كسبه أرجح من حق المولى؛ لأن له حق ملك وحق التصرف، وللمولى حق الملك وليس له حق التصرف فإذا أمكن إثباته منهما بأن كان الأول من أهل الولاء حال عتق الثاني كان إثبات الولاء منه أولى لرجحان حقه على حق المولى، وإذا لم يكن الأول من أهل الولاء بأن كان مكاتبًا أثبتناه من مولاه ثبت الولاء للمولى.
إذا أدى المكاتب الأول بعد ذلك وعتق لا يتحول الولاء إلى المكاتب الأول، وإن عجز الأول ورد في الرق ولم يرد الثاني مكاتبته بعدما بقي الثاني مكاتبًا على حاله لأن كتابة القاضي قد صحت من المكاتب وكل تصرف صح من المكاتب لا يبطل بعجز المكاتب.
ونظيره العبد المأذون إذا أذن لعبده في التجارة ثم جحد المولى.
على الأول يبقى الثاني مأذونًا.
وإذا بقي الثاني مكاتبًا يصير مملوكًا للمولى على الحقيقة حتى أعتقه بعد عتقه على الحقيقة ولو أن الأول لم يعجز، ولكن مات قبل الأداء ولم يؤد الثاني مكاتبته أيضًا، فهذا على وجهين.
إما أن مات الأول وترك أموالًا كثيرةً سوى ما تركه على المكاتب الثاني من بدل الكتابة وبه وفاء ببدل كتابته، وفي هذا الوجه لا تفسخ كتابته على ما يأتى بيانه بعد هذا إن شاء الله تعالى، فيؤدي مكاتبته ويحكم بحريته في أجزاء جزء من آخر حياته وما بقي يكون لورثته الأحرار، إن كان له ورثة أحرار، وإن لم يكن يكون لمولاه ويبقى الثاني مكاتبًا على حاله يؤدي مكاتبته إلى وارث المكاتب الأول ويعتق.
وإذا أدى وعتق كان ولاءه للمكاتب الأعلى يرثه المذكور من ورثتة.
الوجه الثاني إذا مات الأول، وترك مالًا سوى ما ترك على المكاتب الثاني من بدل الكتابه وأنه لا يخلو إما أن كان مكاتبة الثاني أقل من مكاتبة الأول وفي هذا الوجه تنفسخ كتابة الأول فيكون عبدًا ويبقى الثاني مكاتبًا للمولى، يؤدي إليه مكاتبته ويعتق، وإن كان مكاتبة الثاني مثل مكاتبة الأول أو أكثر منه فلا يخلو إن حلت المكاتبة الثانية وقت موت الأول لا تفسخ كاتبة الأول فيؤدي الثاني إلى المولى قدر مكاتبة الأول فيحكم بحرية الثاني للحال وبحرية الأول في آخر جزء من أجزاء حياته، وما بقي من مكاتبة الثاني يكون لورثة المكاتب الأول الأحرار إن كان ورثة أحرار، ويكون ولاء الثاني للمكاتب الأول لا لمولى المكاتب الأول.
وإن لم تحل المكاتبه على الثاني بعد موت المكاتب الأول إن لم يطلب المولى الفسخ حتى حلت فالجواب فيه كالجواب فيما إذا مات الأول، وقد حل ما على الثاني وقت موته، وإن طلب من القاضي الفسخ فالقاضي يفسخ كأنه الأول لأن المكاتبه حلت على الأول وماله على الثاني مؤجل فيتعين، كما لو حل مكاتبة الأول حال حياته وله على الناس ديون مؤجلة، وهناك إذا طلب المولى من القاضي الفسخ يفسخ. كذا هاهنا.
وفي (نوادر ابن سماعة) عن محمد رحمه الله في مكاتب كاتب عبدًا له ثم مات الأعلى وقد ترك وقال: إنه دين على الناس فلم يخرج الدين حتى أدى الأسفل أي ابن الأعلى، فإنه يعتق وماله للمولى.
فإن أخرج الدين بعد ذلك ونصيب الكتابة لم يحول الأسفل إلى الأعلى، إنما.... الولاء والميراث إلى يوم أداء المكاتبة ولو زوج له أب جاز لأنه اكتساب فيملك المكاتب كالكتابة وهو استحسان والقياس أن لا يجوز، ذكر القياس والاستحسان في الأصل، ولو كان وكيلًا يجوز أيضًا لأنه يملك المباشرة بنفسه فيملك التفويض إلى غيره، وإن زوج عبدًا له فإنه لا يجوز لأن تزويج العبد ليس بتجارة ولا اكتساب.
قال: وإنما هو إتلاف مال من غير عوض يحصل له فإن رقبه العبد يصير مشغولًا بالمهر والنفقة من غير مال يحصل له ولا يتوقف هذا العقد أيضًا حتى لو عتق المكاتب وأجازه لا ينفذ لأنه لا يجوز له حال وقوعه، ولو وكل المكاتب بذلك رجلًا لا يجوز أيضًا لأنه لا يملك المباشرة بنفسه فلا يملك التفويض إلى غيره، فإن زوجه الوكيل قبل عتق المكاتب ولم يتوقف لم يجز وإن زوجه بعدما عتق المكاتب، فيتوقف على إجازة المكاتب لأن المكاتب يجوزه بعد العتق، فإن قال المكاتب للوكيل بعدما عتق. أجزت وكالتك رضيت بوكالتك جاز ويكون هذا توكيلًا، فالتوكيل ينفقد بلفظة الإجازة، كأن تزوج المكاتب امرأة بنفسه يتوقف على إجازة لمولاه.
وكذلك لو وكل وكيلًا بذلك فزوجه الوكيل يتوقف على إجازة المولى، فإن عتق المكاتب قبل إجازة المولى بعد ذلك النكاح على المكاتب فلا يحتاج إلى إجازته، وإن زوج أمته من عبد له فذلك لا يجوز.
وروي عن أبي يوسف رحمه الله في غير رواية (الأصول) أنه يجوز. وجه رواية أبي يوسف رحمه الله أن تزويج الأمة من عبده اكتساب مال من غير ضرر يلحقه فيكون جائزًا كتزويج الأمة.
وإنما قلنا أنه اكتساب مال لأنه اكتساب للولد من غير زيادة ضرر يلحقه وذلك لأن المهر لا يجب على المولى، ونفقتها كان عليه قبل النكاح فليس في هذا النكاح زيادة ضرر لم يكن، وفيه اكتساب مال فيجوز. ووجه ما ذكر في ظاهر الرواية وهو أن الداخل تحت الكتابة تجارة واكتساب مال، وتزويج العبد الأمة ليس تجارة ولا اكتساب مال للحال، إنما يصير اكتساب مال إذا حصل الولد، والولد قد يحصل وقد لا يحصل فليس فيه اكتساب مال للحال، وفيه نوع ضر وذلك لأنه إنما يبيع الأمة فلا يبطل النكاح فيجب على العبد نفقتها وهي أمة الغير، فإن قيل بيعهما جملة حتى لا يلحقه هذا الضرر، قلنا في بيعهما جملة زيادة ضرر يلحقه.
وإذا أذن لعبده في التجارة جاز؛ لأنه لو كاتبه جاز فإن استدان العبد دينًا يلزمه لأن الإذن صح من المكاتب وما صح من المكاتب فالمكاتب في ذلك بمنزلة الحر فإن خالف ما يطلقه العبد بالدين يباع بالدين إلا أن يؤدي عنه المولى؛ لأن ما صح من المكاتب فيه بمنزلة الحر فإن أدى المكاتب دينه حتى لا يباع العبد بدينه إن كان ما أدى مثل قيمته فإنه لا شك إنه يجوز عندهم جميعًا وذلك لأن العبد بعد لحوق الدين صار مستحقًا للغرماء فالمولى بالفداء صار كالمشتري منهم وشراء المكاتب بمثل قيمته جائز بلا خلاف فكذلك هنا.
فأما إن كان ما فدى عن العبد أكثر من قيمته، إن كانت الزيادة على القيمة زيادة يتغابن الناس في مثلها جاز بلا خلاف. كما لو اشترى فأما إذا كانت الزيادة على قيمة العبد بحيث لا يتغابن الناس في مثلها أشار في (الأصل) إلى أنه يجوز، لأنه لم يفصل بين ما إذا كانت الزيادة على القيمة زيادة يتغابن الناس فيها أو لا يتغابن، فمن مشايخنا من قال ما ذكر في الكتاب قولهم جميعًا، وذلك لأن العبد صار كالمرهون يدين الغرماء ولو كان مرهونًا بدين المكاتب ثم إنه امتلك الرهن بقضاء الدين جاز، فإن كان ما أدى أكثر من قيمته فكذلك هذا. ومنهم من قال ما ذكر في (الكتاب) قول أبي حنيفة رحمه الله.
فأما على قولهما لا يجوز لأنه صار كالمشتري لهذا العبد بقضاء الدين ولو اشترى بغبن فاحش كانت المسألة على الاختلاف على ما يأتي بيانه بعد هذا إن شاء الله تعالى.
فكذلك هذا بخلاف الرهن لأن الزيادة على القيمة كان واجبًا على المكاتب لا يمكنه التخلص عنه إلا بالقضاء.
فأما هاهنا الدين ليس على المكاتب إنما الدين على العبد، ويمكنه التخلص عن الزيادة فيتبع هذا العبد فإذا التزم كان بمعنى الشراء يغبن فاحش لا بمعنى افتكاك الرهن، ولا يجوز هبة المكاتب وصدقته وكفارته؛ لأن هذه التصرفات لم تدخل تحت الكتابة فالحال فيه بعد الكتابة كالحال قبله، وشراؤه وبيعه حياته لأنه تجارة والتجارة داخلة تحت الكتابة، وما دخل تحت الكتابة كان المكاتب في ذلك بمنزلة الحر وإن حابى في ذلك محاباة، إن كانت يسيره بحيث يتعامل الناس في مثله جاز عندهم جميعًا؛ لأن هذا يجوز من المأذون، فمن المكاتب أولى، وإن كانت بحيث لا يتغابن الناس في مثله فكذلك يجوز عند أبي حنيفة رحمه الله، وعندهما لا يجوز، والجواب فيه كالجواب في المأذون إذا باع واشترى بغبن فاحش يجوز عند أبي حنيفة رحمه الله، وعندهما لا يجوز، والمسألة تذكر في المأذون إن شاء الله تعالى.
ولو حط عن الثمن بسبب عيب ادعى عليه كان جائزًا لأن الحط يثبت للعبد تجارة وما كانت تجارة كانت داخلة تحت الكتابة إلا أن الحط عن بعض الثمن لسبب العيب جائز من المأذون، فمن المكاتب أولى وإن حط عن بعض الثمن من غير عيب لا يجوز لأنه تبرع، ألا ترى أنه لا يجوز من المأذون فكذا من المكاتب.
وكل ما أقر به من دين فهو جائز لأنه من صنع التجار، فإن من اشترى شيئًا ولزمه الثمن لابد له من الإقرار، ومتى لم يصح إقراره يتحد معه الناس فكان الإقرار من صنيع التجار، وإن لم يكن تجارة حقيقيه فيكون داخلًا تحت الإذن، ألا ترى أن الإقرار بالدين من المأذون صحيح فمن المكاتب أولى، وإن رهن أو أرهن فهو جائز لأن الرهن إبقاء، والارتهان استيفاء، وذلك داخل تحت الكتابة، ألا ترى أن المأذون يملك هذا؟ فالمكاتب أولى.
وإن أجر أو استأجر فهو جائز لأن الإجارة تجارة، لأن التجارة مبادلة مال بمال والمنافع مال، ألا ترى أن الحيوان لا يثبت دينًا في الذمة بدلًا عن المنافع، وليس له أن يقرض لأن القرض تبرع والتبرع غير داخل تحت الكتابة، ولهذا لم يملكه الأب والوصي في مال اليتيم، وإنما جعل تبرعًا وإن يستوجب بدلًا لأن ما أقرض يخرج عن ملكه للحال ببدل يجب في ذمة المفلس، لأن الاستقراض لا يكون إلا من المفاليس وما يجب في ذمة المفاليس كالتأدي من وجه في الغالب وإن استقرض جاز لأنه تبرع عليه على المكاتب جائز ألا ترى أن استقراض المأذون جائز فلأن يجوز من المكاتب أولى، وإذا أعار جاز لأن الإعارة وإن لم تكن تجارة إلا أنه من صنيع التجار لابد للتجار منه وما لابد للتجار منه، يكون داخلًا تحت الإذن، ألا ترى أن المأذون يملك ذلك، فالمكاتب أولى وإنما قلنا لابد للتجار منه لأنه إذا باع شيئًا في طرف رميًا لا يمكنه تسليم ما باع إلا بتسليم الطرف فيصير معتبرًا للطرف وكذلك من اشترى منه شيئًا لابد له من أن يحبس على دكانه أو على فسطاطه ويستعار السحاب فهذا مما لابد للتجار منه.
وكذلك إذا أهدى هدية بالمطعوم، أو دعا إلى طعام فلا بأس به وهذا استحسان، والقياس أن لا يجوز لأنه تبرع، وللتجار منه في الجملة، ولكن جوز ذلك بالإنسان وهو مأذون أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قبل هدية بغلمان حال موته مكاتبًا.
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قبل هدية بريرة وهي مكاتبة، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يركب الحمار ويجيب دعوة المملوك.
وروي عن أبي سعيد مولى (.....) الاستدانة قال: عرست وأنا عبد فدعوت رهطًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم ورضي عنهم وفيهم أبو ذر. فلما حضر وقت الصلاة قدموني فصليت بهم فتركنا القياس بالاّثار، والآثار إنما ورد من المعطوف فيرد غير المعطوف من الدراهم والثبات إلى ما يقتضيه القياس.
والجواب في المأذون على هذا. وإذا باع بيعًا ما فأقال جاز لأن الإقالة تجارة، ألا ترى أنه يجوز من المأذون فمن المكاتب أولى، وله أن يدفع المال مضاربة لأنه من التجارة ولا استئجار للمضاف ببعض الربح، وله الاستئجار بأخذ المال مضاربة لأنه تجارة، ألا ترى أن المأذون يملك ذلك، ولأنه يؤاجر نفسه بما شرط من الربح، وله أن يؤاجر نفسه ويتصنع لأنه توكيل لغيره بالبيع والشراء، فله ذلك؛ لأنه من التجارة يستصنع، وإن كان إعانة للغير لأنه من صنع التجارة منه فيكون داخلًا تحت الإذن، ألا ترى أن المأذون يملك هذه الأشياء فالمكاتب أولى.
وإن أوصى بوصية فلا يخلو إما أن يوصي بعين من أعيان ماله أو بثلث ماله أضاف الوصية إلى حالة الحرية أو لم يضف، أدى حال حياته فيعتق، أو مات عن وفاء فأدي عنه بعد وفاته.
فإن أوصى بعين من أعيان ماله، فإن الوصية لا تصح على كل حال أضاف الوصية إلى الحرية أو لم يضف، أدى من حال حياته أم أدى عنه بعد وفاته.
وإن أوصى بثلث ماله إن أضاف إلى حال الحرية وأدى حال حياته فعتق جاز عندهم جميعًا، وإن أُدي عنه بعد وفاته فإنه لا يجوز عندهم جميعًا، وإن أوصى بثلث ماله ولم يضفه إلى حالة الحرية، إن مات عن وفاء ثم أديت كتابته فإنه لا يصح عندهم جميعًا، وإن أدى حال حياته، على قول أبي حنيفة رحمه الله لا تصح هذه الوصية، وعلى قولهما تصح هذه الوصية فقد سوى بين الوصية بالعين وبين الوصية بثلث ماله، فيما إذا مات عن وفاء وأديت كتابته بعد الموت فقال: لا تصح الوصية عندهم لأن العتق في حق الوصية لا تستند، وإذا لم تستند صار في حق الوصية كأنه مات عبدًا ووصية العبد لا تصح.
وفرق بين الوصية بالعين وبين الوصية بثلث ماله فيما إذا أضافه إلى حريته وأدى في حالة حياته فقال: إذا قال: إن مت وأنا حر فثلث مالي وصية لفلان، ثم أدى وعتق تصح الوصية لأنه أضاف الوصية إلى حال تجوز فيه الوصية فصحت الإضافة، كما إذا قال إن ملكت عبدًا وأنا حر فهو حر تصح الإضافة لأنه أضاف العتق إلى حالة يصح منه العتق فتصح الإضافة.
ولو قال: إذا مت وأنا حر فهذه العين وصية لفلان لا تصح الوصية، والفرق أن الوصية بالعين لو صحت مضافة إلى حالة الحرية أدى إلى أن تصير الوصية مضافًا إلى وقت لا تصح إضافة الوصية إليه، بيانه: أن الوصية بالعين إذا صحت إن انعقدت على العين كما عتق ولم يتأخر انعقادها إلى ما بعد الموت، كما لو أنشاء الوصية بعد الحرية، فإنما تنعقد للحال إذا جعلت الوصية بالعين وكان العين ملكه إليه وجبت الوصية حتى تبطل الوصية بهلاك المال.
وإذا لم تكن العين في ملكه وقت الوصية لا تصح الوصية، فكذلك إذا كانت الوصية مضافة إلى حال الحرية تنعقد الوصية كما عتق إذا كانت العين في ملكه، وإذا انعقدت الوصية كما عتق ولم يتأخر انعقادها إلى وقت الموت لم تصح هذه الوصية؛ لأن من شرط صحة الوصية أن ينعقد حالة الوصية أو حالة الموت، فأما إذا صارت مضافة إلى وقت هو بين الموت وبين التكلم بالوصية فإنه لا يصح، كما إذا قال: أوصيتك بهذا العين غدًا فإنه لا يصح.
فأما الوصية بثلث المال متى صحت لا تنعقد كما عتق، بل يتأخر الانعقاد إلى حالة الموت، ألا ترى لو أنشأ الوصية بعد الحرية وله أموال، فالوصية لا تتعلق بذلك المال، حتى لا تبطل بهلاك ذلك المال، وإنما تتعلق بمال موجود وقت الموت. وإذا تأخر انعقاد هذه الوصية إلى وقت الموت صحت الوصية، ثم في الموضع الذي لا تجوز وصية المكاتب إذا جاء ورثته ولم يسلم المال قبلهم (....) مع عن ذلك فرق بين هذا وبين الحر إذا أوصى بجميع ماله ثم إن الوارث أجاز لم يكن للوارث أن يرجع سلم المال أو لم يسلمه، وهاهنا ما لم يسلموا المال فإن لهم أن يرجعوا. ووجه الفرق بينهما وهو الحر مالك بجميع ما أوصى على الحقيقة حالة الوصية، وإنما للورثة حق غير لا والمالك متى تصرف فيما يملكه على الحقيقة ولم ينعقد بحق الغير إذا أجاز صاحب الحق ينفذ من جهة المالك، كالراهن إذا باع المرهون ثم أجاز المرتهن ينفذ البيع من جهة الراهن فكذلك هاهنا تنفذ الوصية من جهة الموصي. والوصية توجب الملك للموصى له بعد موت الموصي قبل التسليم، فأما المكاتب متى أوصى لم يكن له حقيقة ملك فيما أوصى به، وإنما كان حق الملك وحق الملك لا يكفي لصحة التبرع فصار وجود حق الملك في حق الوصية وعدمه بمنزلة، فكأنه أوصى بمال غيره ثم مات ثم أجاز صاحب المال، وهناك إن أجاز وسلم جاز وكان هبة من جهة، وإن أجاز ولم يسلم كان له ذلك لأن الهبة لا توجب الملك قيل التسليم. فكذلك هنا فإن أجاز وسلم. ذكر محمد بن الحسن رحمه الله في (الكتاب) قياسًا واستحسانًا، قال: القياس أن لا يصح وفي الاستحسان يصح، وجه القياس في ذلك وهو أن الوصية تبرع حصل من المكاتب مضافًا إلى ما بعد الموت فيعتبر بما لو تبرع بشيء من حاله حال حياته، ولو تبرع بشيء من ماله حال حياته ثم أجاز المولى وسلم قبل العجز فإنه لا يجوز.
فكذا إذا أجاز الوارث بعد وفاته وسلم وجب أن لا يجوز.
وجه الاستحسان في ذلك وهو أن الإجازة من الوارث إجازة حصلت من المالك لأن الوارث ملك كسب المكاتب بعد موته، فكانت إجازة من المالك حصلت بخلاف المولى لأنه لا يملك قبل العجز مالك المكاتب على الحقيقة وأنه له حق الملك وأنه لا يكفي بصحة الإجازة فلم تصح الإجازة من المولى قبل العجز والله أعلم.

.الفصل السادس في كتابة الحر على عبد وكتابة العبد على نفسهوعلى عبد آخر وكتابة المملوك على نفسه وأولاده:

قال في (الجامع الصغير) في حر مكاتب عن عبد لرجل على ألف درهم فإن أدى الحر عنه عتق، وإن بلغ العبد فقبل عنه مكاتب، صورة هذه المسألة: أن يقول حر لمولى العبد: كاتبت عبدك على ألف درهم على أني إن أديت الألف فهو حر. فأجابه المولى إلى ذلك وكاتبه على هذا الوجه فأدى إليه الحر ألف درهم عتق العبد.
وذكر هذه المسألة في (الأصل) وذكر فيها القياس والاستحسان.
القياس أن لا يعتق بأداء الحر، وفي الاستحسان يعتق، وكذلك لو قال عبد لمولاه: كاتبت عبدك الغائب فلانًا على ألف درهم على أني إن أديتها فهو حر فأجابه المولى إلى ذلك، وكانت على هذا ثم إن العبد المخاطب إذا أعطى الألف إلى المولى، القياس أن لا يعتق الغائب. وفي الاستحسان يعتق، والحاصل: أن على جواب القياس الكتابة في حق العبد في المسألة الأولى وفي حق الغائب في المسألة الثانية موقوفة على إجازته في حق جميع الأحكام فيما يجب له بعقد الكتابة وفيما يجب عليه، وعلى جواز الاستحسان الكتابة نافذة فيما يجب له بعقد الكتابة من حرية اليد للحال، ومن حرية الرقبة في الثاني، وهو عبد إذ المخاطب البدل لأنه يقع محض في حق العبد والمولى، والمخاطب يملكان إيقاعه، فأما فيما يجب عليه بعقد الكتابه وهو أداء المال فالكتابة موقوفة على إجازته، حتى لا يجب عليه أداء المال لأنه ضرر في حقه، والمولى والمخاطب لا يملكان الإضرار به إذا ثبت أن الكتابه على جواب الاستحسان نافذة في حق ما للعبد فتقول صحة أداء الفضولي حتى يعتق العبد بأدائه عن العبد فيعتبر الكتابه في حق هذا الحكم نافذة كما لو كان حاضرًا وقبل، وإذا اعتبرت من نافذة في هذا الحكم يجب العتق عند الأداء. وذكر في (الجامع الكبير) أن الكتابة موقوفة على إجازة العبد الغائب قياسًا واستحسانًا قال ثمة: ولكن يعتق العبد بأداء الفضولي لأن في الكتابة شيئان تعليق العتق بالأداء، ومعنى المعاوضة فليس يوقف على الإجازة من حيث أنه معاوضة لم يتوقف من حيث أنه تعليق فتعلق العتق بالأداء فنزل عند الأداء وليس للمولى أن يرجع على العبد بشيء فيما أدى سواء ذكر المولى في الكتابة أنه ضامن أو لم يذكر، إن لم يذكر فلانه متبرع، وإن ذكر فلأن العبد لم يأمره بذلك وهل يرجع المؤدي على المولى بما أدى إليه؟ ذكر في (الجامع الصغير) وفي (الأصل): إن كان المؤدي والمخاطب عند الآجر. القياس أن يرجع عليه لأنه بدل عتق وقع عن المولى، وكان للمولى أن يرجع عليه، كما لو قال للمولى: اعتق عبدك عن نفسك على ألف درهم، فأعطاه إياه ثم أعتقه كان له أن يرجع عليه وطريقه ما قلنا.
ولكن في الاستحسان لا يرجع عليه وذلك لأنا جعلنا الكتابة نافذة في حق ما للعبد، وأن يصح أداء هذا الفضولي حتى يعتق بأدائه له لا عليه فتعتبر الكتابة نافذة في حق الفضولي، وإذا اعتبرناها نافذة في حق أداء الفضولي كان الفضولي واجبًا بدل كتابه هي واجب عليه في صحة لقضاء من الفضولي فلا يكون له أن يرجع فيما أدى، كما لو كان حاضرًا فقبل ثم جاء فضولي وأدى عنه بدل الكتابة، وهناك ما أدى يسلم للمولى وكذلك هذا. وذكر هذه المسألة في (الجامع الكبير) وقال: إن كان المؤدي أداه بناءً على ضمان ضمنه، بأن كان بشرط المؤدي في الكتابة أنه ضامن للمكاتبة يرجع لأن ما أدى إلى المولى من مكاتبة العبد إياه على ضمان فاسد، لأنه ضمن عن بدل الكتابة لم يجب، ولو ضمن عن بدل كتابة واجبة لا يصح، فهاهنا أولى، وإذا لم يكن الضمان صحيحًا كان كالبائع في البيع الفاسد إذا أسلم المبيع إلى المشتري كان له أن يرجع عليه، وإذا رجع المؤدي على المولى لا يرجع المولى على العبد بشيء؛ لأنه لا يجب للمولى على العبد دين ثبتت الكتابة قبل إجازة العبد ولم يوجد من العبد الإجازة فبقي مجابًا بغير شيء، أما إذا أداه من غير ضمان لم يرجع على المولى بشيء، وكان ينبغي أن يرجع لأنه متبرع بأداء المكاتبة عن العبد قبل الإجازة، فينبغي أن يرجع، كما لو تبرع بقضاء دين غيره ثم ظهر أنه لم يكن على المتبرع عليه دين كان للمتبرع أن يرجع بما يتبرع به.
والجواب أن المتبرع إذا حصل مقصوده من التبرع لا يكون له أن يرجع بما يتبرع به كما لو وهب لذي رحم محرمًا ووهب الأجنبي فعوضه، وإذا لم يحصل مقصوده من التبرع كان له أن يرجع بما يتبرع به ففي مسألة قضاء الدين مقصود تفريغ ذمة من عليه، وهذا المقصود لم يحصل لأن تفريغ الفارغ محال فكان له أن يرجع، أما في مسئلتنا مقصوده تحصيل عتق العبد، وهذا المقصود قد حصل فلا يكون له أن يرجع. هذا لو أدى المؤدي قبل إجازة المكاتب جميع المكاتبة فإن أدى نصف المكاتبة أو ثلثه قبل إجازة العبد كان له أن يرجع بما أدى، سواء كان بضمان أو بغير ضمان، أما إذا أدى بضمان فلما قلنا، وأما إذا أدى بغير ضمان فلأنه متبرع لم يحصل مقصوده وهو العتق فكان له حق الرجوع بما أدى بخلاف ما لو أدى الكل على ما مر فإن لم يرجع على المولى بمال أدى حتى أجاز العبد الكتابة إن أداه بغير ضمان لا يكون له حق الرجوع بخلاف ما قبل الإجازة، والفرق بينها وهو أن العبد لما أجاز فقد استندت الإجازة إلى وقت العقد فظهر أن بدل الكتابة كان على العبد، وإن أدى بغير ضمان ظهر أن المؤدي تبرع تفضلًا على العبد من الدين فمن تبرع بقضاء دين غيره لا يكون له حق الرجوع لحصول المقصود وهو تفريغ ذمته عن هذا العدد من الدين بخلاف ما قبل الإجازة، وإن تبين أن بدل الكتابة كان واجبًا إلا أن الضمان ببدل الكتابة باطل فهو إنما أدى على ضمان فاسد، فكان له حق الرجوع فكانت المكاتبه على العبد على حالها لأن المؤدي لما استرد من المولى انتقض قبض المولى فصار كأن المولى لم يقبض منه شيئًا حتى أجاز العبد الكتابة.
ولو كان كذلك كان جمع المكاتبه على العبد على حالها، كذا هاهنا. وإذا كاتب الرجل عبده على نفسه وعلى عبد آخر له غائب بغير إذن الغائب وأدى عتقا أيضًا ولم يرجع واحد منهما على صاحبه إذا أدى شيئًا. كذا ذكر المسألة في (الجامعين) وذكر هذه المسألة في (الأصل) وذكر فيها القياس والاستحسان، فقال: القياس أن تتوقف الكتابة في حق الغائب بما يخصه، وينفذ في حق الحاضر بما يخصه من بدل الكتابه.
وفي الاستحسان تنفذ الكتابة في حق الحاضر بجميع الألف ويتعلق عتق الغائب بأدائه كأن قال للغائب: كاتبتك على ألف درهم على أنك أديت إلى غائب حر وفلان الغائب معك. فيقول: لابد لمعرفة هذه المسألة من مسألة أخرى لم يذكرها هنا، وهو ما إذا كان العبدان حاضران فكاتبهما المولى على ألف درهم فقبلا، القياس أن يصير كل واحد منهما مكاتبًا بحصته يعتق إذا أدى حصته، وبالقياس أخذ زفر رحمه الله، وفي الاستحسان يصير كل واحد منهما مكاتبًا بجميع الألف، ويتعلق عتق الآخر بأداءه ويصيران في حق المولى بمنزلة عبدٍ واحد.
وجه القياس في ذلك هو أن الكتابة معاوضه وتعليق إلا أن التعليق بيع المعاوضة، ولهذا بقي قابلًا للفسخ فإذا كان بيعًا كانت العبرة للمعاوضة لا للتعليق، فصار من حيث التدبير كأنه معاوضة في كل وجه، وفي المعاوضة المحضة إنما ينعقد العقد على كل واحد منهما بحصته، لا بجميع الألف، كمن باع عبدًا من رجلين فإنه ينعقد البيع في حق كل واحد منهما بحصته حتى لم يكن للبائع أن يطالب أحدهما بجميع الألف إذا لم يكن الشرط كفالة كل واحد منهما عن صاحبه، فكذلك هذا، دليله ما لو نص فقال: كاتبتكما بألف درهم على أن يعتق كل واحد منهما بأداء خمسمئة، وجه الإستحسان في الكتابة شيئان معاوضة وتعليق العتق بأداء العوض، فاعتبار معنى المعاوضة إن كان يوجب الانقسام وتعلق عتق كل واحد منهما بأداء حصته، كما لو نص على التعليق فقال: إن أديتما ألفًا فأنتما حران لا يعتق واحد منهما بأداء حصته وباعتبار كلا الأمرين في حق المولى والعبدين متعدد، فيعتبر معنى التعليق في جانب المولى فلا يثبت الانقسام في حقه وتعتبر المعاوضة في جانبهما ونفيا الانقسام فيما بينهما اعتبارًا للمعنيين بقدر الإمكان، وإذا لم يثبت الانقسام في حق المولى اعتبارًا لجانب التعليق وتعلق عتق كل واحد منهما بأداء جميع الألف لا بأداء حصته، وصار العبدان حكمًا بمنزلة عبد واحد في حق المولى، لما لم يثبت الانقسام في حقه وفي حق ما بينهما مكاتبًا في ما بحصته، وإذا لم يثبت الانقسام في هذه المسألة في حق ما بينهما وبين المولى صار الجواب فيه كالجواب فيما إذا قال: على أنكما إن أديتما عتقتما، وإن عجزتما رددتما في الرق.
ولو قال هكذا تعلق عتق كل واحد منهما بجميع الألف وجعلا كعبد واحد في حق المولى، ولو كان العبد واحدًا لا يعتق شيئًا منه إلا بأداء جميع المكتابه فكذلك هاهنا، إلا أنه لم يذكر القياس والاستحسان فيما إذا زاد على مطلق الكتابه قوله: على أنكما إن أديتما عتقتما لأن التعليق هاهنا ثبت نصًا، لا بالمعاوضة فكان بمنزلة ما لو قال: إن أديتما إلي ألفًا فأنتما حران، وفي نص التعليق لا يعتق أحدهما بأداء حصته فكذلك هذا.
وأما إذا لم يذكر هذه الزيادة فالتعليق غير ثابت نصًا وإنما الثابث هي المعاوضة والتعليق حصل حكمًا للمعاوضة، فكان القياس أن لا يعتبر التعليق ولكنه في الاستحسان اعتبر مقصودًا لأنه يثبت بسبب موضوع له، فإن الكتابة موضوع لإيجاب حرية اليد للحال، ولتعليق حرية الرقبة بأداء ما صار عوضًا.
فإذا عرفنا هذا رجعنا إلى مسألة الحاضر والغائب إذا كاتب عبده الحاضر والغائب على ألف درهم إلى وقت كذا، ولم يزد على هذا فقبل الحاضر، القياس أن ينعقد على الحاضر بحصته وتقف في حق الغائب على إجازته بحصة نصيبه لما ذكرنا. وفي الإستحسان تنعقد الكتابة في حق الحاضر بجميع الألف ويتعلق عتق الغائب بأدائه أما الكتابة في حق الحاضر بجميع الألف فلما ذكرنا أن الانقسام لم يثبت في حق مولاه، وأما تعلق عتق الغائب بأداء الحاضر فلأن الانقسام إذا لم يثبت من الحاضر يثبت العتق في حق المولى، فصارا في حق المولى بمنزلة عبدٍ واحد فعند وجود الاداء من الحاضر ثبت العتق فيهما. يوضح ما قلنا إذ المولى إنما رضي بالعتق بشرط وجود جميع البدل إليه، فلو نفذت الكتابة في حق الحاضر بحصته فبعد ذلك الطريق أحد الشيئين، إما أن يجعل كأن المولى كاتب الحاضر على ألف درهم، وعلق عتق الغائب به، والمولى يتفرد، فهذا التعليق عند وصول بعض البدل إلى المولى فيكون عتق الحاضر حاصلٌ من رضا المولى وذلك لا يجوز فيعذر بتقبل الكتابة في حق الحاضر بحصته، أو يجعل العقد منعقدًا في حق الحاضر والغائب بقبول الحاضر في حق الحاضر يجعل العقد منعقدًا مطلقًا فيما ينعقد وفيما يضره وفي حق الغائب يجعل العقد منعقدًا فيما ينفعه لا فيما يضره على ما مر، وضرر الغائب في حق وجوب المال عليه فلا يظهر انعقاد العقد في حقه، فلا يكون للمولى أن يطالب الغائب بشيء. وإذا أدى الحاضر البدل لا يرجع على الغائب بشيء أما لاضرر الغائب في تعلق عتقه بأداء الحاضر بل له فيه يقع فيظهر انعقاد العقد في حق الغائب في حق هذا الحكم وإذا أدى الحاضر جميع البدل عتقا لهذا فإن مات الغائب لا يرفع عن الحاضر شيء من بدل الكتابة.
ولو أعتق الغائب يسقط عن الحاضر حصته لأن العبدين في حق المولى ولم يثبت الانقسام في حقه كعبدٍ واحدٍ من حيث الحكم.
ولو كان عبدًا واحدًا حقيقة وقد كاتبه وأعتق بعضه سقط ما بحصته من بدل الكتابة، وإذا مات عن وفاء لا يسقط شيء من بدل الكتابة، فكذلك هذا إذا مات الغائب، فأما إذا مات الحاضر وقد قدم الغائب فقال: لا أدري شيئًا فله ذلك ويكون رقيقًا، أما له ذلك لما ذكرنا أن الغائب في حقه لا يجب عليه بمنزلة المحلوف بعتقه كأن المولى علق عتقه بأداء الحاضر ألف درهم، ولو قال المولى هكذا فمات الحاضر فإنه لا يطالب بأداء ألف درهم فكذلك هذا. وأما يكون رقيقًا لأنه إذا لم يخبر الغائب على الأداء صار الحاضر مبتاعًا حرًا فتنفسخ الكتابة في حقه، وإذا انفسخ في حقه ينفسخ في حق الغائب كما لو كانا حاضرين فقبلا ومات أحدهما ثم عجز الآخر، وإن حضر الغائب ورضي لا يكون للمولى عليه سبيل ولا يلزمه المال لما ذكرنا أن في حق ما عليه بمنزلة المحلوف بعتقه، وإن أدى الغائب المال يجبر المولى على القبول استحسانًا، ويحكم بعتقهما كما ذكرنا أن الكتابة نافذة على الغائب فيما له وأن يخبر المولى على قبول المال منه حتى يحكم بعتقهما أمرًا له، فلهذا يجبر على القبول، إلا أنه يقبل المال منه حالًا، ولا يمكن من السعاية على نحو الحاضر ولا يثبت الأجل في حقه، وإن كان الأجل له، لأن الأجل لتأخير المطالبة ولا مطالبة على الغائب فلا يثبت الأجل في حقه.
وإن كانا حيين وأراد المولى أن يبيع الغائب فليس له ذلك استحسانًا لما ذكرنا أن الكتابة نافذة على الغائب فيما له وأن لا يجوز بيع الغائب بفساد الكتابة في حق الغائب في حق حرمة بيعه ولو لم يكن شيء من ذلك، واكتسب الغائب أكسابًا، فأراد المولى أخذها لم يكن له ذلك استحسانًا، وكذلك لو أراد الحاضر أخذها لم يكن له ذلك استحسانًا، لأن على جواب الاستحسان على أحد الوجهين الكتابة نافذة في حق الغائب فيما ينفعه وأن لا يكون لآخر حق مكاتبة الغائب تقع في حق الغائب فتعتبر الكتابة نافذة في حق الغائب في حق هذا الحكم.
ولو قال الغائب: رددت الكتابة ولا أرضى بها ورضي المولى برده لم يلتفت إلى ذلك، لأن على أحد الوجهين الغائب بمنزلة المحلوف بعتقه والحلف لا يقبل الرد.
وإن وهب المولى المكاتبة للحاضر عتقا لأنه لا يملك ما في ذمته بالهبة فيعتبر بما لو ملك ما في ذمته بأداء مثله. وهناك الجواب كما قلنا، فهاهنا كذلك ويجعل الكتابة في حق الغائب في حق هذا الحكم بمنزلة تعليق عتق الغائب، بل جعلنا الكتابة نافذة في حق الغائب في حق هذا الحكم وهو حصول العتق بهبة بدل الكتابة للحاضر وجعل الغائب تبعًا للحاضر فيه.
وإن وهب المولى المكاتبة للغائب فهبته باطلة لأنه لا شيء على الغائب من المكاتبة وكان هذا تمليك الدين من غير من عليه الدين، وذلك لا يجوز وتعينت المكاتبة على الحاضر لأنه ما وهبها منه. وإن أعتق المولى العبد الحاضر عتق وبطل حصته من المكاتبة وأخذ الغائب بحصته من المكاتبة حالة. قال محمد رحمه الله في (الجامع الصغير) في أمة كوتبت على نفسها وعلى ابنين لها صغيرين فهو جائز ولهم إذا عتقوا ولم يرجع المولى على صاحبه بشيء، وفي (الأصل) يقول: إذا كاتب الرجل عبدًا له على نفسه وولده الصغار بألف درهم مكاتبة واحدة وجعل النجوم واحدة، فإذا أداها عتقوا، وإن عجزوا وردوا في الرق جاز ذلك وتنعقد الكتابة على الأب بما بحصته وتقف في حق الصغيرين إن كان يعقل الكتابة ما بحصته على إجازته، لأن لها يجبر، وإن كان لا يعقل تبطل لأنه لا يجبر لها وهذا كله قياس، والاستحسان تنعقد الكتابة على الأب بجميع الألف ويتعلق عتق الأولاد بأدائه، كأنه قال للأب: كاتبتك على ألف درهم على أنك إن أديت عتقت وعتق أولادك معك. واعلم بأن الولد الصغير إذا كوتب مع الأب بمنزلة الغائب كوتب مع الحاضرين من كل وجه وبمنزلة الولد المولود في الكتابة من وجه دون وجه.
أما بمنزلة الغائب كوتب مع الحاضرين من كل وجه، وذلك لأن في الغائب مع الحاضر العقد أضيف إلى شخصين بألف درهم وليس للمولى ولا للحاضر ولاية إيجاب المال على الغائب هذا المعنى كله وجد في الوجه الولد الصغير كوتب مع الأب بألف درهم لأن العقد أضيف إلى شخصين بألف درهم، وليس للمولى ولا للأب ولاية إيجاب المال على الصغير، ولما وجد في الولد الصغير جميع معاني الغائب مع الحاضر كان الولد الصغير إذا كوتب مع الأب بألف درهم فقبل عنه الأب بمنزلة الغائب كوتب مع الحاضرين من كل وجه.
وأما بمنزلة ولد المولود في الكتابة من وجه دون وجه وذلك لأن جميع معاني الولد المولود في الكتابة لم توجد في ولد الصغير الذي كوتب مع الأب من كل وجه، وإنما وجد من وجه دون وجه وذلك لأن معنى الولد المولود في الكتابة شيئان: الولادة حالة الكتابة، والتبعية للوالد والوالدة من كل وجه، وفي هذه الصغير الذي كوتب مع الأب لم توجد الولادة حالة الكتابة، ولكن وجدت التبعية حالة العقد، لأن الصغير تابع للأبوين، وإن كانا رقيقين من وجه فإنه يسلم بإسلامهما وبإسلام أحدهما، وكذلك في حق الحضانة والتربية يكون مانعًا لهما، وإن كانا رقيقين فالتبيعة (في) هذا الوجه ثابتة بين الصغير وبين الوالدين حالة العقد فقد وجد في الولد الصغير بعض معاني الولد للمولود في الكتابة من وجه، ولم يوجد من وجه، وكان بمنزلة الولد المولود من وجه دون وجه وبمنزلة الغائب من كل وجه، والأصل في الشبهين العمل بهما ما أمكن، وإذا تعدد العمل يعمل بالراجح منهما، والراجح من الشبهين أن يعتبر الولد بالغائب لأن معنى الغائب في الولد الصغير ثابت من كل وجه، ومعنى الولد المولود في الكتابة ثابت من وجه دون وجه، والعمل بالثابت من كل وجه أولى من العمل بالثابت من وجه دون وجه.
وإذا أمكن العمل بالشبهين يعمل بها، ولا يصار إلى الترجيح، فإن أدى الأب من المكاتبة قيمة نفسه، أي: إن حصة نفسه من المكاتبة فإنه لا يعتق لما ذكرنا أن الولد الصغير في هذه الصورة بمنزلة الغائب من كل وجه وبمنزلة الولد المولود من وجه، وبأي ذلك اعتبرنا لم يعتق الأب بأداء حصته، فإن عجز الأب ورد في الرق يرد معه ولده، لأن الولد الصغير بمنزلة الغائب من كل وجه وبمنزلة الولد المولود من وجه وبأي ذلك اعتبرنا يصير رقيقًا يرد الأب في الرق كالغائب حقيقة وكالمولود حقيقة فإن الحاضر إذا عجز ورد في الرق تبطل كتابة الغائب وذلك لأن الغائب فيما عليه محلوف بعتقه، وفيما له مكاتب والتعليق يبطل متى رد الحاضر في الرق لفوات شرط العتق في حق الغائب، وإذا فات التعليق تبطل الكتابة فيما له، لأن القول تبعًا للكتابة فيما له بدون تعليق العتق بالأداء غير ممكن وعتقه لم يبق متعلقًا لا بأدائه ولا بأداء الحاضر بعد فسخ الكتابة على الحاضر.
أما بأداء الحاضر لأن الكتابة قد انفسخت في حقه، وأما بأدائه لأن التعليق بأدائه ما ثبت مقصودًا وإنما ثبت تبعًا على أداء الحاضر وإن أدرك أولاده وقالوا: نحن نسعى في الكتابة قال: لا يلتفت إليهم ولا يجبر المولى على القبول لأنه بمنزلة الغائب من وجه وبمنزلة المولود من وجه وبأيهما اعتبرناه لم يلتفت إلى سعايته بعد فسخ الكتابة على الأصل، فإن مات الأب فالأولاد يسعون في المكاتبة على نجوم أبيهم إن كانوا قادرين على السعاية بخلاف الغائب مع الحاضر، فيؤدي المال حالًا بعد موت الحاضر، ولا يرد في الرق وإنما كان كذلك لما ذكرنا أن الولد الصغير بمنزلة الغائب من كل وجه، وبمنزلة الولد المولود من وجه والعمل بالشبيهين ممكن لأن من حكم الغائب أن يجبر المولى على القبول إذا أتى الغائب ببدل الكتاب حالا بعد موت الحاضر، ومن حكم المولود أن يطلب بما على الأب، ويسعى على نجومه ويجبر المولى على القبول فعملنا بالشبيهين جميعًا، فقلنا:
يجبر المولى على القبول بشبه الغائب، وله مطالبته بنجوم الأب عملًا بشبه الولد المولود في الكتابة من وجه بخلاف الغائب لأنه ليس للغائب شبه الولد المولود في الكتابة بوجه ما، فلا يتوجه عليه المطالبة ببدل الكتابة بعد موت الحاضر، ولا يكون له السعاية على الحاضر.
وهذا لما ذكرنا أن الغائب مكاتب فيما له، محلوف بعتقه فيما عليه، والمطالبة عليه فلا يكون مكاتبًا في حق المكاتبة، وبدون وجود المطالبة لا يتصور ثبوت الأجل، فإن كانوا صغارًا لا يقدرون على أن يسعوا ردوا في الرق، لأنهم بمنزلة الغائب من كل وجه وبمنزلة الولد المولود من وجه وبأي ذلك ما اعتبرنا إذ عجز عن السعاية يرد في الرق، فإن كانوا يقدرون على السعاية، فسعى بعضهم في جميع الكتابة، وأداها إلى المولى لا يرجع على إخوته بشيء لما بينّا أنه بمنزلة الغائب من كل وجه، وبمنزلة ولد المولود من وجه.
والغائب إذا أدى لا يرجع على أخيه لأنه لم يؤد عن الأخ شيئًا، إنما أدى عن أبيه ومن قضى دينًا عن إنسان لا يرجع بذلك على غير من قضى عنه، ولا يرجع على الأب أيضًا، حتى إذا ظهر للأب مال، فإنه لا يرجع بما أدى في كسب الأب، وإن كان مضطرًا في الأداء؛ لأنه لا يعتق ما لم يؤد؛ لأنه بمنزلة الغائب من كل وجه وبمنزلة الولد المولود في الكتابة من وجه.
وباعتبار الغائب لا يرجع؛ لأن الغائب في حق صاحبه متبرع؛ لأن المال على صاحبه وليس عليه، وفي حق عتق نفسه يؤدي عن نفسه؛ لأن الكتابة في حق ماله نافلة فيجعل مؤديًا عن نفسه متى اعتاد الأداء، فلا يكون له أن يرجع على غيره، وهذا بخلاف ورثة الحر إذا قضى أحدهم دين أبيه كان له أن يرجع في كسب أبيه لأنه أدى من خالص ماله وهو مضطر في الأداء؛ لأنه لا يصل إلى قبض نصيبه من التركة إلا بالأداء.
فأما هاهنا من وجه بمنزلة الولد المولود في الكتابة، فيكون مؤديًا بهذا الاعتبار من الأب فيكون له الرجوع كما لو كان مولودًا في الكتابة حقيقة وباعتبار أنه غائب لا يكون له الرجوع فلا يكون له الرجوع بالشك.
فإن مات بعضهم لا يرجع بشيءٍ من المكاتبة لما ذكرنا أنه بمنزلة الغائب من كل وجه، وبمنزلة الولد المولود من وجه وبأي ذلك ما اعتبرنا لا يسقط بموته شيء من المكاتبة، وإن كانوا أحياء وقد مات الأب يكون للسيد أن يأخذ أيهم شاء بجميع المكاتبة بخلاف الغائب لما ذكرنا أن الولد بمنزلة الغائب من كل وجه وبمنزلة الولد المولود في الكتابة من وجه وقد أمكننا العمل بشبهين فنقول: لشبهه بالغائب يجبر المولى على القبول متى إحراز الأداء كما في الغائب. ولشبه الولد المولود في الكتابة للسيد أن يطالبه ببدل الكتابة عملًا بالشبهين والله أعلم.

.الفصل السابع في ملك المكاتب ولده أو بعض ذي رحمٍ محرم، أو امرأته وفي المكاتب يموت عن وفاءٍ في الأولاد:

المكاتب إذا اشترى ابنه صح شراؤه ويصير مكاتبًا بمثل حاله سواء اشتراه بإذن المولى أو بغير إذنه وهذا مذهبنا.
وقال الشافعي رحمه الله: يصح شراؤه ولا يصير مكاتبًا.
وكذلك على هذا إذا اشترى والده أو والدته وأما إذا اشترى أخاه أو أخته أو عمه أو ذا رحم محرم منه سوى الوالدين والمولودين، فالقياس: أن يصيروا مثل حاله مكاتبين حتى كان له بيعهم.
كما لو اشترى ابن عمه وهو قول أبي حنيفة رحمه الله.
وجه القياس في ذلك: وهو أنه ملك ذا رحم محرم منه فيصير بمثل حاله كالأب والابن وقياسًا على ما لو كان المشتري لهؤلاء حرًا فإنهم يصيرون بمثل حاله حرًا فكذلك في المكاتب.
وأما أبو حنيفة رحمه الله ذهب في ذلك إلى أن علة صيرورة المملوك بمثل حال المالك شيئان: قرابة محرمية النكاح وحقيقة الملك على ما قال صلى الله عليه وسلّم «من ملك ذا رحم محرم منه فهو حر» فقد جعل العلة شيئين القرابة المحرمية للنكاح وحقيقة الملك، وهذه العلة قد وجدت في حق الحر سواء ملك أخاه أو أباه أو ابنه لأن الحر ملك حقيقة وقد وجدت القرابة المحرمية للنكاح وإذا ثبتت علة العتق من الحر في حق هؤلاء يثبت العتق في حقهم.
فأما في المكاتب وجد علة العتق إذا كان المشتري ولدًا أو والدًا؛ لأنه وجد قرابة محرمية النكاح.
من وجد حقيقة الملك من حيث الحكم والاعتبار إن لم يوجد من حيث الحقيقة؛ لأنه انضم إلى حق الملك الولاد وللولاد زيادة أثر في إيجاب الصلة ليس ذلك بمجرد القرابة المحرمة للنكاح حتى إن الأب يستحق النفقة وإن كان كبيرًا ويستحق النفقة اختلف الدين أم اتحد فانضم إلى حق الملك ماله أثر في إيجاب زيادة الصلة فالتحق الحق بالحقيقة، ومن حكم حقيقة الملك أن يعتبر (........) ذا رحم محرم وكذلك هذا إذا كان أخًا، فالقرابة المحرمة للنكاح إن وجدت لم توجد حقيقة الملك لا حقيقة ولا اعتبارًا حقيقة فلا إشكال ولا اعتبارًا (....) ماله زيادة أثر في إيجاب الصلات، وهو الولاد حتى يلتحق الحق بالحقيقة فبقي مجرد الحق لا غير مع القرابة المحرمة للنكاح، فالعلة بصيرورة حال المملوك بمثل حال المالك لم تثبت، فلم يثبت الحكم لنقصان العلة.
قال: وإذا اشترى المكاتب امرأته إن لم يكن ولدت منه كان له بيعها؛ لأن الحر إذا اشترى امرأته ولم يكن ولدت منه كان له بيعها، فلأن يكون ذلك للمكاتب أولى، فأما إذا ولدت إن ملكها مع الولد أجمعوا على أنه يمنع من بيعها، فأما إذا ملكها وحدها اختلفوا فيه.
قال أبو حنيفة رحمه الله: لا يمنع من بيعها، وقال أبو يوسف ومحمد رحمه الله: يمنع من بيعها.
وفي (نوادر بشر) عن أبي يوسف: وكان اشترى امرأة،فدخل بها وولدت ولدًا بعد الشراء ثم مات المكاتب عن غير وفاء، فالولد يسعى فيما على أبيه من بدل الكتاتبة ويسعى في مهر أمه أيضًا، لأنه دين على الأب ووالد المولود في الكتابة يسعى في ديون الأب على ما يأتي بعد هذا إن شاء الله تعالى.
قال محمد رحمه الله: وإذا مات المكاتب عن وفاء، فعلى قول علمائنا رحمهم الله يؤدي مكاتبته ويحكم بعتقه في أخر جزء من آخر حياته ويعتق معه أولاده ويرثه ورثته الأحرار، وهو قول علي (بن) أبي طالب رضي الله عنه وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وقال الشافعي رحمه الله: تنفسخ الكتابة وما تركه يأخذه المولى كله، لأنه كسب عبده، وهو قول زيد بن ثابت رضي الله عنه، والمسألة معروفة.
وإذا اشترى المكاتب ابنه حتى تكاتب عليه لما ذكرنا، ثم مات المكاتب وترك وفاءً يؤدى منه بدل الكتابة، ويحكم بحريته في آخر جزء من أجراء حياته ويرثه ابنه؛ لأنه كما يحكم بحرية المكاتب في أخر جزء من آخر حياته يحكم بحرية ولده في ذلك الوقت أيضًا؛ لأن ولد المكاتب يعتق بعتق المكاتب.
ألا ترى أن المكاتب لو أدى بدل الكاتبة في حياته، وحكم بعتقه عتق الولد أيضًا كذا هاهنا.
وإذا اعتق الولد في آخر جزء من آخر حياة المكاتب تبين أن هذا حرٌ مات عن وفاء ابن حر فورثه هذا الذي ذكرنا كله. إذا مات المكاتب وترك وفاءً، فأما إذا مات المكاتب وترك ولدًا مولودًا في الكتابة فإنه يسعى على نجوم أبيه، وهذا عند علمائنا رحمهم الله.
فأما إذا مات وترك ولدًا مشترى أو أبًا أو أمًا، فكذلك الجواب على قولهما يسعى كل واحد منهما فيما عليه على نجومه ولدًا كان أو والدًا، وعلى قول أبي حنيفة رحمه الله إن كان والدًا لا يقبل منه بدل الكتابة ولكن يباع كسائر أكسابه، وإن كان ولدًا فإنه يقال له إما أن تؤدي بدل الكتابة للحال أو ترد في الرق استحسانًا ولا يمكن من السعاية على نجومه.
أبو يوسف ومحمد رحمهما الله ذهبا في ذلك إلى أن الولد المشتري والد مساوٍ للولد المولود حال حياة المكاتب (حتى من تبعه حال حياة المكاتب كما جزء من بيع الولد المولود) فكذلك بعد موت مكاتب وجب أن يتساويا بالولد المولود في الكتابة والولد المولود في الكتابة يسعى على نجوم الأب، فكذلك الولد المشتري والد والدة والله أعلم بالصواب.
وجه قول أبي حنيفة رحمه الله: إن الكتابة في هؤلاء إنما تثبت بسبب التبعية للمكاتب الأصلي لا مقصودًا؛ لأنه لم يوجد فيهم كتابة مقصودة فيثبت فيهم حكم الكتابة بقدر التبعية؛ لأن الحكم أبدًا يثبت بقدر ثبوت السبب والتبعية للوالد المولود أكثر من التبعية للولد المشترى وللولد المشترى أكثر من الأب المشترى فيثبت حكم الكتابة للولد المولود أكثر مما يثبت للولد المشترى أكثر مما يثبت للأب وللأم.
وإنما قلنا: بأن التبعية للولد المولود في الكتابة أكثر وذلك أن التبعية للولد المولود في الكتابة ثابت بالملك، وبالبعضية الثابتة حقيقة وقت ثبوت العقد، ووقت ثبوت حكم الكتابة، أما بالملك؛ فلأن الولد المولود في الكتابة كالمملوك للأم حتى كان لها استكتاب الولد كما لو كان مشترى والمملوك تابع للمالك حتى يصير مسافرًا بسفره ومقيمًا بإقامته والكتابة بالبعضية الثابتة بيهما حقيقة وحكمًا، فإن الولد ينفصل من الأم والأم مكاتبة وتبعية الولد المشترى دون تبعية الولد المولود؛ لأن تبعية المشترى ثابتة بالملك وبالبعضية الثابتة بينهما من حيث الحكم والاعتبار لا من حيث الحقيقة، لأن بعد الانفصال لا بعضية بينهما من حيث الحقيقة، وإنما يثبت حكمًا تبعًا لسبب حرمة المناكحة، فإنها حكم البعضية، فالتبعية من المشترى ثابت بالملك وبالبعضية الثابتة من حيث الحكم والاعتبار لا من حيث الحقيقة فكانت تبعية المشترى دون تبعية الولد المولود في الكتابة وتبعية الأم والأب دون تبعية الولد المشترى لأب الأم والأب صارا تابعين لهما لسبب الملك لا لسبب البعضية، فإن الأب ليس ببعض من الابن وكذلك الأم فدل أن تبعية الأم والأب للمكاتب الأصلي دون تبعية الولد المشترى وتبعية الولد المشترى دون الولد المولود في الكتابة ولما كانت تبعية الولد المولود أكثر وحكم الكتابة ثابت لسبب التبعية ثبت فيه جميع أحكام كتابة الأصلي.
فقلنا: بحرمة حال حياته وقبول بدل الكتابة منه على نجوم الأم ولما كان الولد المشترى دونه في التبعية ولكن فوق الأب في التبعية. قلنا: يحرم بيعه حال حياة المكاتب وقبل منه بدل المكاتبة بعد موته حالًا، ولم يمكن من السعاية على نجوم الأم حتى يظهر نقصان حاله عن حال المولود في التبعية، ولما كان الأب دون الولد المشترى في التبعية. قلنا: يحرم بيعه حال حياته ولم تقبل منه بدل الكتابة بعد موته لا حالة ولا مؤجلة ليظهر بنقصان...... في التبعية عن الولد المشترك، وعن الولد المولود في الكتابة قد ذكرنا أن الولد المولود في حال الكتابة يدخل في كتابة الوالد تبعًا والأم تدخل في كتابة الوالد تبعًا له، فأما إذا مات المكاتب عن وفاء وأديت مكاتبته وحكم بحرية المكاتب في آخر جزء من أجزاء حياته يحكم (بحرية) الولد والوالدة في ذلك الوقت أيضًا.
وإذا مات لاعن وفاء وسعى إلا ولد والده والوالدة في ذلك الوقت أيضًا.
وأداء الأم في بدل الكتابة على نجوم يحكم بحرية الولد والأم، ويحكم بحرية المكاتب مقصورًا على الحال.
فالحاصل: أن في الوفاء يستند العتق إلى آخر جزء من أجزاء حياة المكاتب وفي سعاية الولد مع الأم وأدائهما لا يستند العتق إلى آخر جزء من أجزاء حياة المكاتب بل يقتصر على وقت الأداء، فإنما جاء الفرق باعتبار، أما إذا مات عن وفاء فقد مات لاعن خلف؛ لأن المال لا يصلح خلفًا عنه، والولد لا يصلح خلفًا حال بقاء المال.
ولهذا لا تبقى النجوم بل تنحل الكتابة فلا يعطى للميت حكم الحياة وقت الأداء..... بالضرورة إلى الاستناد، فأما إذا مات لاعن وفاء فقد مات عن خلف؛ لأن الولد يصلح خلفًا عنه حال انعدام المال.
ولهذا بقي البدل منجمًا، فأعطى للميت حكم الحياة إلى حين الأداء فعتق للحال تبعًا للحي، ولو أعتق المولى ولدها المولود في الكتابة والمشترى، فإنه ينفذ عتقه استحسانًا.
والقياس: أن لا ينفذ، وجه القياس في ذلك أن ولدها بمنزلة عبد من كسبها بدليل أن لها استكتاب ولدها كما لها استكتاب عبد من أكسابها، فوجب أن لا ينفذ عتقه من ولدها كيلا يبطل عليها حق الاستكتاب كما لا ينفذ عتقه في عبد هو من كسبها.
وجه الاستحسان: إن ولدت مملوكًا للمولى رقبة من كل وجه؛ لأنه بعض منها ورقبتها مملوكة للمولى من كل وجه حتى نفذ عتقه في الأم فكذا ولدها يكون فهو كالمولى رقبة من كل وجه، إنما لها الانتفاع بالولد من حيث الاستكتاب، وقيام حق الغير في المنفعة لا يمنع بفساد عتق الملك كما في المستأجر.
وهذا بخلاف عبد آخر من كسبها وذلك لأن كسبها غير مملوك للمولى رقبة من كل وجه إنما له حق ملك كما للمكاتب وحق الملك لا يكفي لفساد العتق كما في المكاتب فامتنع العتق في كسبها في المولى لعدم الملك في رقبته حقيقة لا من حيث إن لها الملك في منفعة هذا الكسب فأما هنا للمولى حقيقة ملك رقبة الولد.
ولهذا صار مكاتبًا بعقده، فاشترى الأم من هذا الوجه.
ابن سماعة عن محمد رحمهما الله: في مكاتب ورجل أجنبي اشتركا في شراء ابن المكاتب قال في قولنا: المكاتب يضمن نصف قيمته.
وأما في قول أبي حنيفة رحمه الله: نصفه لشريك المكاتب والنصف الآخر في مال أبيه على حاله، ولا يحرم واحدًا منهما.
وإنما هو بمنزلة عبد بين رجلين كاتب أحدهما نصيبه بإذن صاحبه فلا يحرم واحدًا منهما، ولكن ما اكتسب من مال يكون بينهما.
وفي (نوادر بشر) عن أبي يوسف رحمه الله: مكاتب ولد له أولاد من أمته ثم مات عن وفاء فلم تؤدَ مكاتبته حتى مات بعض أولاده من الأمة وترك ميراثًا (فإنه يؤد، إما على المال أنت من تركة فيكون ما بقي ميراثًا فلا يرث الابن الميت بعده منه شيئًا وما تركه الابن الميت، فهو ميراث لأمه....، وكذلك لو كان الولد معه في عقد الكتابة، ثم مات بعد ابنه ثم أديت المكاتبة لم يرث أباه).
وفي (نوادر ابن سماعة) عن محمد رحمهما الله: مكاتب مات وترك ابنا ولد له في الكتابة فترك ألفي درهم دينًا على رجل وبدل الكتابة ألف درهم فاكتسب الابن ألف درهم وأداها في مكاتبة أبيه ثم خرج ابن الأب وله ابن آخر، فإن الألفين ميراثًا بينهما نصفين ولا يرجع الابن الذي أدى المكاتبة في الألفين بما أدى إلا أن المكاتبة عليه يؤخذ بها كما كان يؤخذ الأب به.
وكذلك إن أداها من كسبه بعد خروج الألفين، وإن لم يؤد الابن ذلك من كسبه كان له أن يؤدي من مال الأب، وما اكتسبه بعد موت أبيه يكون له.
وكذلك لو كان المكاتب ترك ألف درهم وصية، وبدل الكتابة ألف درهم عليه وأداها ابنه من مال اكتسبه بعد موت الأب كانت الوصية بينه وبين الأخ ميراثًا.
وفي (المنتقى): مكاتب مات وترك دينًا على الناس وله ابن مولود في حالة الكتابة يسعى في كتابته، وله ابنان حران أيضًا ثم أحد الابنين الحرين أخرج ما للمكاتب على الناس فأديت من ذلك مكاتبته فالفاضل يصير ميراثًا بين الابن الحر وبين الولد المولود في الكتابة ويرث الابن الحر من أخيه الذي مات بعد موت الأب.
وفي (الأصل): إذا مات المكاتب عن وفاء وعليه ديون لأجنبي ولمولاه سوى بدل الكتابة وله وصايا من تدبير وغير ذلك يبدأ من تركته بدين الأجنبي أقوى أجنبي يسعى عليه بعد العجز ثم بدين المولى ثم ببدل الكتابة فإن بقي بعد ذلك شيء يقسم بين ورثته وبطلت وصاياه وقد ذكرنا مسألة الوصية من قبل، فإن لم تف فالباقي بعد قضاء دين الأجنبي وبدين المولى وببدل الكتابة يبدأ ببدل الكتابة ولا يبدأ بالدين لوجهين:
أحدهما: أن في البداية بالدين ابتداء إبطاله انتهاءً؛ لأنه إذا بدأ بالدين والباقي لا يفي ببدل الكتابة بموت عبد أو يبطل دين المولى إذا المولى لا يستوجب على عبده دينًا وليس في البداءة ببدل الكتابة ابتداء إبطاله انتهاء وكانت البداية ببدل الكتابة وأدى.
والثاني: أنه (يصل) إذا قبض بجهة الدين لا يصل العبد إلى شرف الحرية وإذا قبض بجهة الكتابة إلى شرف الحرية فكان هذا الوجه أولى، وإن لم يترك مالًا إلا دينًا على إنسان فاستسعى الولد المولود في الكتابة فعجز فقد أيس من الدين أن يخرج، فإن الولد يرد في الرق؛ لأن الدين المأيوس كالتاوي فلا يثبت باعتبار القدرة على الأداء وبدونه قد يتحقق العجز، فإذا خرج الدين بعد ذلك..... كذلك للمولى؛ لأنه كسب عبده، وإذا مات المكاتب عن وفاء وترك ولدًا ولد في كتابته فأديت مكاتبة وردت الولد منه.
وكذلك إذا مات عن وفاء وترك ولدًا كوتب معه كتابة واحدة فأديت مكاتبته ورث الولد منه، وإذا كان الولد منفردًا بكتابته وآداء مكاتبته بعد موت الأب قبل أداء مكاتبة الأب أو بعده لا يرثه؛ لأن عتق هذا الولد يقتصر على وقت أدائه فكان عبدًا وقت موت الأب فلا يرثه.
وإذا مات الرجل عن مكاتب وله ورثة ذكور وإناث ثم مات المكاتب عن وفاء، فإنه تؤدى من ذلك مكاتبه فيكون ذلك بين جميع ورثة المولى وما فضل منها فهو للذكور من ورثة المولى دون الإناث وإن لم يكن للمكاتب وارث سوى ورثة المولى دون الإناث لأن الفاضل تركة المكاتب وقد صار المولى معتقًا إياه فتكون تركته لورثة المولى بحكم الولاء، والولاء يختص بالعصبات، وكذلك لو لم يمت المكاتب حتى أدى إليهم المكاتبة أو أعتقوه ثم مات فميراثه للذكور من ورثة المولى والله أعلم.

.الفصل الثامن في دعوة المولى ولد أمة المكاتب وفي دعوته ولد مكاتبة المكاتب:

قال محمد رحمه الله: في (الزيادات): مكاتب اشترى أمة فحبلت في ملكه وولدت فادعى المولى ولدها لا تصح دعوته إلا بتصديق المكاتب، وروي عن أبي يوسف رحمه الله: أنه تصح دعوته من غير تصديق المكاتب وفاته وعلى دعوة الأب ولد جارية ابنه، فإنه يصح من غير تصديق الابن.
ووجهه: أن للمولى في اكتساب مكاتبته حق الملك وهذا الحق أقوى من حق الأب في مال الابن حتى أن المولى لو تزوج بجارية من اكتساب المكاتب لا يجوز والأب إذا تزوج بجارية ابنه يجوز ثم الأب إذا أدعى ولد جارية ابنه تصح دعوته من غير تصديق الابن؛ فلأن تصح دعوة المولى من غير تصديق المكاتب أولى.
وجه ظاهر الرواية، وهو الفرق بين دعوة الأب وبين دعوة المولى أن صحة دعوة الأب ما كانت باعتبار حق الملك، فإنه ليس للأب في مال الابن حق الملك عندنا.
ولهذا لو تزوج بجارية ابنه يجوز وإنما كان باعتبار للأب ولاية تملك مال الابن عند الحاجة، وقد مست الحاجة إلى التملك هاهنا صيانة لمائه فيثبت التملك مقتضى الاستيلاد سابقًا عليه شرطًا لصحته، فتبين أنه استولد ملك نفسه، فلا تتوقف صحة دعوى على تصديق الابن.
أما المولى فليس له تملك شيء من اكتساب المكاتب للحاضر لتصير الجارية ملكًا له مقتضى الاستيلاد فتبين أنه استولد ملك نفسه.
آلا ترى أنه لو أراد أن يأخذ شيئًا من اكتسابه لحاجة المأكول والحلوى لا يقدر عليه فبقيت الجارية مملوكة للمكاتب كما لو كانت صحت دعوته إنما صحت باعتبار ماله فيها من حق الملك، ولا وجه إليه أيضًا لأن حقه لا يظهر لمقابلة حق المكاتب، لأن حق المكاتب راجح؛ لأن له حق الملك وحق التصرف وللمولى حق الملك لا غير فلا يظهر حقه إلا بتصديق المكاتب والله أعلم.
وفرق بين هذه المسألة وبين البائع، فإن دعوته تصح من تصديق أحد.
والفرق: أن دعوته لأقل من ستة أشهر بعد البيع، فإن دعوته، إذا ادعى ولد الجارية المبيعة وقد جاءت به لأقل من ستة أشهر بعد البيع، فإن دعوته تصح من تصديق أحد.
والفرق: أن دعوة البائع إنما صحت لحصول العلوق في ملكه حتى لو توهم أن العلوق لم يكن في ملكه بأن جاءت به لستة أشهر فصاعدًا من وقت البيع لا تصح دعوته على هذا التقدير، يظهر أنها أم ولده، فإنه باع أم الولد، ولم يصح بيعه فبقيت على ملكه فكان مدعيًا، ولد جاريته، فلم يحتج إلى تصديق آخر، أما هاهنا العلوق لم يكن في ملك المولى لتصح دعوته بناءً على ذلك؛ لأن موضوع المسألة فيما إذا اشترى المكاتب أمة وحبلت في ملكه حتى لو كان العلوق في ملك المولى بأن كاتب الجارية من كسب العبد قبل الكتابة كاتبه المولى على رقبته واكتسابه، فجاءت في الولد لأقل من ستة أشهر من وقت الكتابة فادعاه المولى صحت دعوته من غير تصديق أحد فيثبت أنه لا يمكن تصحيح دعوته بناء على كون العلوق في ملكه لو صحت دعوته إنما تصح باعتبار ما له فيها من حق الملك لكن حقه بدون تصديق المكاتب على ما مر، بشرط تصديقه لهذا، فأصدقه المكاتب ثبت النسب منه؛ لأن الحق لها لا يعدوهما فإذا تصادقا على ثبات النسب منه يثبت ما تصادقا عليه فيما بينهما بهذا الطريق.
قلنا: إذا ادعى نسب هذا الولد أجنبي وصدق المكاتب الأجنبي على ذلك يثبت النسب من الأجنبي؛ ولأنه كما صدق المولى في ذلك فقد ثبت الوطء من المولى بتصادقهما، وبعدما ثبت الوطء بتصادقهما تصح الدعوى من المولى ويثبت النسب منه؛ لأنه صار مغرورًا لما نبين بعد هذا إن شاء الله تعالى.
وولد المغرور ثابت النسب منه وعن هذا قال بعض أصحابنا رحمهم الله. إذا كان الوطء ظاهرًا من المولى جازت دعوته صدقه المكاتب في ذلك أو كذبه وكان الولد حرًا بالقيمة يغرم المولى قيمة الولد للمكاتب ويغرم عقرها للمكاتب أيضًا.
فرق بينه وبين الأب إذا ادعى نسب ولد جارية، فإنه لا يغرم قيمته الولد ولا يغرم العقر إلا رواية رواها ابن سماعة أن أخر ما استقر عليه قول أبي يوسف رحمه الله: أن الأب يضمن قيمة الولد ويضمن العقر كما في المكاتب لمعنى جامع وهو الغرور؛ فإن الأب صار مغرورًا في هذا الاستيلاد لاعتماده ذلك دليل الملك وهو ظاهر قوله عليه السلام: «أنت ومالك لأبيك» كما أن المولى صار مغرورًا لاعتماده دليل الملك في المكاتب وهو ملك الرقبة.
وحكم المغرور ما ذكرنا أصله: إذا اشترى جارية واستولدها فاستحقت من يده، ووجه الفرق على ظاهر الرواية: وهو أنه ليس للأب في جارية الابن ما يكفي إثبات..... من حقيقة الملك أو حق الملك أو وكيل الملك..... أي دليل الملك إنما الثابت مجرد تأويل باعتبار ظاهر الإضافة وإنه يكفي لإسقاط الحد، أما لا يكفي لإثبات النسب فلابد من إثبات الملك في الجارية ليثبت النسب ولا ملك بدون التملك فيثبت التملك مقتضى الاستيلاد سابقًا عليه شرطًا لصحته فتبين أنه وطئ ملك نفسه ففي وطء ملك نفسه فالولد تعلق حر الأصل من غير قيمته ولا يلزمه عقر الجارية فأما المولى، فإنه في جارية المكاتب ما يكفي إثبات النسب وهو حق الملك وقد ظهر ذلك الحق بتصدق المكاتب فلا حاجة إلى إثبات التملك مقتضى الاستيلاد سابقًا عليه بل بقيت الجارية على ملك المكاتب فكان واطئًا ملك المكاتب معتمدًا على وجود نسبة الملك ظانًا أنها ملكه، وحكم المغرور ما ذكرنا وتصير الجارية أم ولد للمولى في الحال إلا رواية رواها ابن سماعة عن أبي يوسف رحمه الله، بخلاف الأب إذا استولد جارية ابنه، فإنها تصير أم ولد له.
والفرق على ظاهر الرواية ما ذكرنا أن الأب يملك الجارية بمقتضى الاستيلاد سابقًا عليه فتبين أنه استولد ملك نفسه فتصير أم ولد له، ولا كذلك المولى، فإنه لا يملك الجارية بل بقيت على ملك المكاتب فلهذا لا تصير أم ولد له للحال وليس من ضرورة ثبات النسب ثبوت أمية الولد للحال.
ألا ترى أن النسب يثبت في فصل الغرور والشبهة والنكاح ولا يثبت أمية الولد للحال. قال: ويعتبر قيمة الولد يوم الولادة، فرق بينه وبين ولد المغرور تعتبر القيمة يوم الخصومة.
والفرق: وهو أن في مسألتنا لما صدق المكاتب المولى في دعواه الاستيلاد فقد زعم أن الحرية ثبتت من وقت العلوق؛ لأن للمولى حق الملك في اكتساب المكاتب يظهر ذلك عند تصديق المكاتب وحق الملك كحقيقة الملك في دعوى الاستيلاد فصار المولى متلفًا الولد على المكاتب من وقت العلوق ولكن لا يمكن اعتبار قيمته قبل الولادة أو لا قيمة للولد قبل الولادة فتعتبر قيمته في أول أوقات الإمكان، وذلك وقت الولادة؛ لأنه أول وقت يظهر له قيمة، فأما المستحق لم يصدق المشتري في الدعوى فالولد علق رقيقًا في حق المستحق إلا أن الشرع أثبت للمشتري ولاية المنع بالقيمة فكان وقت المنع وقت تعذر السبب، ووقت المنع وقت الخصومة.
وفرق بين ممسألتنا هذه وبين مسألة المغرور من وجه آخر، فإن هناك لو علم المشتري بحال البائع أنه غاضب لا يثبت الغرور لزوال سبب الغرور وهو بفساد الشراء بزعمه.
وهاهنا لو علم المولى بحال الجارية أنها لا تحل له يثبت الغرور أيضًا لبقاء سبب الغرور وهو قيام الملك للمولى في رقبة المكاتب هذا الذي ذكرنا إذا جاءت الأمة بالولد لستة أشهر منذ اشتراها المكاتب حتى كان العلوق في ملك المكاتب، فأما إذا جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر منذ اشتراها المكاتب حتى لم يكن العلوق في ملك المكاتب فادعاه المولى لا تصح دعوته ولا يثبت النسب بدون تصديق المكاتب، وإذا صدقه المكاتب حتى يثبت النسب كان عبدًا على حاله.
وكذلك إذا اشترى المكاتب غلامًا في السوق وادعى نسب هذا الغلام لا تصح دعوته إلا بتصديق المكاتب وإذا صدقه وثبت النسب كان عبدًا للمكاتب على حاله.
فرق بين هذا وبين الوجه الأول وهو ما إذا كان العلوق في ملك المكاتب ما كان لأجل ثبوت النسب من المولى؛ لأن العتق بالقرابة كالعتق بالإعتاق.
ولو أعتق المولى عبدًا من اكتساب مكاتبه لا يعتق فكذا لا يعتق بالقرابة بهذا الطريق قلنا: المكاتب إذا اشترى ابن مولاه وهو معروف النسب منه إنه لا يعتق ولكن حرية الولد باعتبار الغرور، فإنه بنى الاستيلاد على سبب ألحق في الجارية وهو ملك الرقبة في المكاتب وولد المغرور حر بالقيمة أما إذا لم يكن العلوق في ملك المكاتب فالمولى لا يصير مغرورًا؛ لأنه ما بنى الاستيلاد على سبب ألحق في الجارية فلهذا لم يعتق الولد.
قال محمد رحمه الله في (الزيادات) أيضًا: رجل اشترى عبدًا وكاتبه ثم إن المكاتب كاتب أمة له ثم ولدت المكاتبة ولدًا فادعاه مولى المكاتب فالمسألة على وجوه: أما إن كانا صدقاه في ذلك يعني المكاتب والمكاتبة أو كذباه في ذلك أو صدقه أحدهما وكذبه الآخر، وأما إن جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر منذ كوتبت أو لأكثر، فإن صدقاه في ذلك أو صدقه المكاتب يثبت النسب منه وإن كذباه في ذلك أو كذبته المكاتبة لا يثبت النسب إنما العبرة في هذا الباب لتصديق المكاتبة لا لتصديق المكاتب دون أمة المكاتب.
والفرق: أن ولد المكاتبة من كسبها وقد صارت هي أخص بنفسها وكسبها وصار المكاتب كالأجنبي عنها فصارت العبرة لتصديقها فأما أمة المكاتب ما صارت أخص بنفسها ومكاتبتها بل المولى أخص بها فكانت العبرة لتصديق المولى لهذا، فإذا صدقته في ذلك يثبت النسب؛ لأن المولى المكاتب لا يكون أدنى حالًا من الأجنبي.
ولو ادعى أجنبي نسب هذا الولد وصدقته المكاتبة ثبت النسب منه فيها هذا أولى؛ ولأن المكاتبة قادرة على اكتساب سبب يثبت النسب بأن تزوج نفسها منه فيثبت به النسب، وإن كان النكاح فاسدًا أو كان تصديقها إياه اكتساب سبب يثبت به النسب وهي قادرة على ذلك فيثبت به النسب فيجب العقر لها إن ولدت لأكثر من ستة أشهر من وقت مكاتبتها، وإن ولدت لأقل من ستة أشهر فالعقر للمكاتب بحصول العلوق في ملكه ثم هذا الولد يكون مكاتبًا مع أمه ولا يكون حرًا بخلاف ولد أمة المكاتب.
والفرق أن حرية ولد أمة المكاتب إنما كانت أصل الغرور ولا غرور هاهنا؛ وهذا لأن رقبة المكاتب وإن كانت مملوكة للمولى في الفصلين إلا أن ملك الرقبة إنما يكون سببًا لملك الكسب إذا كان اكتسب محلًا للملك والأمة محل للملك، فإذا صح النسب في محله وامتنع الحكم لمانع ثبت الغرور، فأما المكاتبة فليس بمحل للملك فبطل النسب هاهنا لوقوعه في غير محله فلا يثبت الغرور ولو ثبت الغرور هاهنا، إلا أنه لا يمكن القول بحرية الولد هاهنا. بخلاف ولد أمة المكاتب.
بيانه: وهو أن حرية ولد المغرور يثبت بالقيمة بإجماع الصحابة وبعد إيجاب القيمة هاهنا؛ لأنها لو وجبت إما أن تجب للمكاتب أو للمكاتبة ولا وجه إلى الأول؛ لأن المكاتب صار كالأجنبي عن اكتساب مكاتبته وولدها من كسبها.
ألا ترى أنه لو قتل هذا الولد فالقاتل يصرف القيمة للمكاتبة لا للمكاتب، ولا وجه إلى الثاني؛ لأنه لو وجبت القيمة بها وجبت لأجل العتق فيجب بها ضمان العتق في أولادها والمكاتب لا يجب له ضمان العتق في أولادها؛ لأن المكاتب بعقد الكتابة يسعى لتحصل الحرية لنفسها وولدها فبتحصل الحرية لولدها تحصل مقصودها فكيف يستوجب القيمة لأجلها بخلاف ولد أمة المكاتب؛ لأن هناك لو أوجبنا القيمة للمكاتب لعتق ولد أمته والمكاتب لا يسعى ليحصل العتق لولد أمته.
فإن قيل: لا بل إيجاب القيمة للمكاتب ممكن مع تحصيل مقصودها في حرية الولد. ألا ترى أن المكاتبة إذا غرت رجلًا فزوجت نفسها منه على أنها حرة فولدت ولدًا كان الولد حرًا بالقيمة فكانت القيمة بها.
قلنا: هناك ليس في حرية الولد تحصل مقصودها؛ لأن قصدها أن تعتق هي وولدها على وجه تصير هي وولدها مولى لمولاها وهناك إذا وجبت القيمة وحكم بحرية الولد يحكم بحريته في الأصل من غير ولاء فلا يكون الولد مولى لمولاها، فلا يكون فيه تحصيل مقصودها فيمكن إيجاب القيمة لها.
فإن قيل: هذا المعنى ليس بصحيح، فإنا إذا أوجبنا القيمة في مسألتنا وحكمنا بحرية الولد حكمنا بحريته من الأصل من غير ولاء فلا يكون فيه تحصيل مقصودها أيضًا.
قلنا: لا بل هو صحيح؛ لأن مولاها هاهنا المكاتب والمكاتب ليس من أهل الولاء فلم تكن هي قاصدة أن يكون ولدها مولى لمولاها بل تقصد عتق الولد لا غير، وإنه حاصل فقد حصل مقصودها فيتعذر إيجاب القيمة بخلاف تلك المسألة؛ لأن هناك مولى المكاتبة من أهل الولاء فكانت قاصدة عتق ولدها على وجه تصير هي وولدها مولى لمولاها وهذا المقصود هناك مما لا يحصل.
أما هاهنا فبخلافه، إذا ثبت أن الولد يكون مكاتبًا مع الأم فالمسألة بعد ذلك على وجهين: إن أدت الأم بدل الكتابة عتقت وعتق الولد بعتقها تبعًا لها، وإذا عجزت وردت في الرق أخذ المولى ابنه بالقيمة؛ لأنها لما عجزت صارت أمة للمكاتب ودعوى المولى قائمة فيكون مدعيًا ولد أمة المكاتب والمكاتب من أهل أن يستحق فيه ولد أمته فتجب القيمة وتثبت الحرية لما مر.
غير أن هاهنا لا يحتاج إلى تصديق المكاتب وإن ثبت الحق له لوجود التصديق يوم الدعوة ضمن إليه التصديق وتعتبر قيمة الولد هاهنا يوم عجز المكاتبة؛ لأن قيمة الولد إنما تجب بمنع الولد واستهلاكه وذلك بثبوت الحرية في الولد في (وقت ثبوت الحرية في الولد) وقت عجز المكاتب فيعتبر قيمته يوم عجز المكاتبة.
لهذا قال: ولو كذبته المكاتبة وصدقه المكاتب لا يثبت النسب لما بينا أن العبرة في هذا الباب لتصديق المكاتبة ولم توجد ويكون الولد مكاتبًا مع أمه إن أدت بدل الكتابة عتقا، وإن عجزت وردت في الرق صارت أمة للمكاتب وقد وجد التصديق من المكاتبة وظهر أن ولاية التصديق والتكذيب له لانفساخ الكتابة من الأصل وكان الولد حرًا بالقيمة؛ لأنه لما انفسخت الكتابة من الأصل ظهر تأويل الملك للمولى في إيجاب به وقت العلوق فصار أنه مغرورًا غير أنه إن ولدت لأقل من ستة أشهر منذ كوتب تعتبر قيمة الولد يوم الولادة وإن جاز له سابقًا على حق المكاتبة لأن حقها يثبت بالكتابة والعلوق كان قبل الكتابة فبعد ثبوت النسب يصير المولى مستهلك الولد على المكاتب من ذلك الوقت لا أنه لا يمكنه اعتبار قمية الولد حال كونه جنينًا فاعتبرناه في أول أوقات الإمكان وهو بعد الولادة.
فأما في الوجه الثاني: حصل العلوق بعد ثبوت حق المكاتبة وبعدما صار المكاتب كالأجنبي عنها فلم يصر المولى مستهلكًا الولد على المكاتب من ذلك الوقت أو لا حق للمكاتب في ذلك الوقت وإنما يصير مستهلكًا عليه وقت ثبتوت حقه، وهو وقت العجز فاعتبر قيمته يوم العجز بهذا وضح الفرق: أن في الوجه الأول لما كان العلوق سابقًا على حق المكاتب كان العلوق في زمان المكاتب غير محجور عن التصرف معها فبعد زوال حق المكاتبة بالعجز يمكن إسناد التصديق إلى وقت العلوق فيثبت النسب وتثبت الحرية من وقت العلوق فصار مستهلكًا الولد من ذلك الوقت.
أما في الوجه الثاني لما كان العلوق بعد ثبوت حق المكاتبة كان العلوق في زمان المكاتب محجورًا من التصرف فيها فلا يمكن إسناد التصديق إلى ذلك الوقت بل بقي مقصورًا على وقت ثبوت حق المكاتب وهو وقت العجز فاعتبرت يوم العجز بهذا، هذا إذا صدق أحدهما دون الآخر وإن كذباه لا يثبت نسب الولد؛ لأن في تكذيبهما تكذيب المكاتبة وزيادة وقد ذكرنا أن المكاتبة لو كذبته بانفرادها لا يثبت النسب منه فهاهنا أولى ويكون الولد مع الأم مكاتبين للمكاتب إن أدت بدل الكتابة عتقا، وإن عجزت صارا للمكاتب ولا يثبت النسب؛ لأنها لما عجزت صارا مملوكين للمكاتب فكان المولى مدعيًا ولد أمة المكاتب، فلا يثبت النسب إلا بتصديق المكاتب ولم يوجد هاهنا تصديق من المكاتب أصلًا.
وأما إذا صدقاه جميعًا يثبت النسب من المولى؛ لأن في تصديقها إياه تصديق المكاتبة وزيادة، ولو صدقة المكاتب بانفرادها قد ذكرنا أنه يثبت النسب منه فهاهنا أولى بعد هذا ينظر إن جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر منذ كاتبها المكاتب حتى كان العلوق في ملك المكاتب كان الولد حرًا بالقيمة؛ لأنهم تصادقوا على أن الولد علق حرًا بحكم الغرور وتكون قيمة الولد للمكاتب لوجوبها بسبب كان قبل الكتابة الثانية ويعتبر قيمته يوم الولادة لما قلنا: قبل هذا.
وإن جاءت لستة أشهر منذ كاتبها المكاتب فالولد مكاتب معها لما مر أنه لا يمكن إثبات الحرية في ولد مكاتبة المكاتبة ما دامت مكاتبة لم تعجز بعد، فإن عجزت حينئذٍ يأخذ المولى الولد بالقيمة وتعتبر القيمة يوم العجز على ما مر.
قال في (الزيادات) أيضًا: المكاتب إذا كاتب أمته ثم أدى المكاتب بدل الكتابة وعتق ثم ولدت المكاتبة ولدًا فادعاه المولى، فإن ولدت لأقل من ستة أشهر من وقت العتق أو لأكثر من ستة أشهر منذ كوتبت فهذا، وما لو ولدت قبل عتق المكاتب سواء؛ لأنا تيقنا أن العلوق حصل قبل عتق المكاتب، والعبرة لحالة العلوق فصار هذا وما لو ولدت قبل عتق المكاتب سواء، وإن ولدت لأكثر من ستة أشهر من وقت العلوق فادعاه المولى، ينظر إن زعم المولى أنه وطئها بعد العتق فصدقاه أو صدقه أحدهما لا يثبت نسب الولد من المولى أصلًا؛ لأنه استولدها وليس لها فيه حق الملك ولا تأويل الملك؛ إذ ليس للإنسان في مكاتبة معتقه حق الملك ولا تأويل الملك وكان هذا الولد حاصلًا منه، وبالزنا لا يثبت النسب، وإن زعم المولى أنه تزوجها بعد عتق المكاتب فولدت منه على فراشه، فإن صدقاه جميعًا أو صدقته المكاتبة وكذبه المكاتب يثبت النسب، أما إذا صدقاه جميعًا؛ فلأنهما يملكان إثبات الفراش عليها فكان تصديقهما إياه بمنزلة اكتساب سبب الفراش..... عليه فيثبت به النسب، أما إذا صدقته المكاتبة فإنها تملك إثبات الفراش على نفسها بأن تزوج نفسها فيثبت به النسب وإن كان فاسدًا فصار تصديقها بمنزلة اكتساب سبب الفراش وهي قادرة عليه فيثبت به النسب ولا يعتق الولد؛ لأنه استولد مكاتبة معتقه بحكم النكاح ومن استولد مكاتبة معتقه بحكم النكاح لا يعتق الولد بل يكون مكاتبًا تبعًا للأم، فإن أدت بدل الكتابة عتقت وعتق ولدها معها، وإن عجزت كانت أمة للمكاتب وولدها عبد المكاتب لا يأخذه المولى بالقيمة كما لو كان النكاح ظاهرًا وعجزت المكاتبة، وإن كذبته المكاتبة وصدقه المكاتب لا يثبت النسب؛ لأنه لا يملك إثبات الفراش عليها أصلًا فلا يعتبر تصديقه، وإن عجزت المكاتبة بعد ذلك وردت في الدين صارت أمة للمكاتب المعتق فينفذ إقراره عليها بالنكاح، لأنه يملك النكاح عليها ويثبت النسب ولكن لا يعتق الولد كما لو كان النكاح ظاهرًا.
وإن زعم المولى أن هذا الولد ابنه بوطء كان منه قبل عتق المكاتب، فإن صدقاه جميعًا يثبت النسب من المولى فيكون مكاتبًا مع أمه؛ لأنهم تصادقوا أن العلوق كان، والمكاتب مكاتب على حاله فالدعوى حصلت في ولد مكاتبة المكاتب واتصل بها التصديق من المكاتب ففي ادعاء ولد مكاتبة المكاتب يثبت النسب فكان الولد مكاتبًا مع أمه كذا هاهنا، فإن عجزت بعد ذلك وردت في الرق أخذ المولى الولد بقيمته يوم عجزت؛ لأنها لما عجزت وردت في الرق انفسخت الكتابة من الأصل، وتبين أن الدعوى من ولد أمة المكاتب وقد اتصل بها التصديق من المكاتب وإن صدقه المكاتب ثبت النسب؛ لأن الحق في التصديق لها وقد وجد والولد رقيقًا لما مر.
فإن عجزت وردت في الرق كان الولد مع أمه مملوكين للمكاتب؛ لأن المكاتب ذكر كون العلوق سابقًا على عتقه فيكون منكرًا كون المولى مغرورًا أو بعد العجز صار الملك له في الجارية والولد، فكانت الجارية المكاتبة بتصديق المولى فيما ادعاه مريدة إبطال ملك استحقه المكاتب في الولد وهي لا تملك ذلك وإن كذبته المكاتبة وصدقه المكاتب ثبت النسب لما مر.
فإن عجزت المكاتبة وردت في الرق أخذ المولى الولد بالقيمة لأن المكاتب مصدق في حق نفسه وبعد العجز خلص الحق له فيعمل تصديقه فيأخذ المولى الولد بالقيمة وتعتبر قيمته يوم العجز لما مر.
قال محمد رحمه الله في (الزيادات) أيضًا: مكاتب كاتب أمة له ثم اشترت المكاتبة أمة فولدت الأمة ولدًا ثم ادعى مولى المكاتب الولد لا يثبت النسب بدون التصديق والمعتبر تصديق المكاتب؛ لأن للجارية مع ولدها اكتساب المكاتبة ولقد صارت هي أحق بنفسها واكتسابها فكانت العبرة لتصديقها، فإذا صدقته في ذلك ثبت النسب منه لما ذكرنا ولا يعتق الولد؛ لأن ولد أمة المكاتبة أبعد عن المولى من ولد المكاتبة ثم الحرية لا تثبت في ولدها قبل العجز على ما مر.
ففي ولد أمتها أولى، وإذا لم يعتق الولد كان عبدًا للمكاتبة ولا يكون مكاتبًا بخلاف ولد المكاتبة.
والفرق: أن ولد المكاتبة إنما كان مكاتبًا بسراية كتابتها إلى الولد وكتابتها لا تسري إلى ولد الأمة، فإن عجزت المكاتبة بعد ذلك صارت هي وأمتها مملوكتين فصار المولى مدعيًا ولد أمته المكاتب.
فإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر منذ اشتراها المكاتب أخذ المولى بالقيمة، لأن بالعجز انفسخت الكتابة من الأصل فصار العلوق في التقدير في أمة المكاتبة فكان المولى مدعيًا ولد أمة المكاتب، وقد صح تصديقها قبل العجز وصار كتصديق المكاتب بعد العجز.
وإن جاءت به لأقل من ستة أشهر منذ أشتراها المكاتبة فالولد لا يكون حرًا؛ لأن العلوق ما كان في ملك المكاتب متعين فانعدم الغرور فلو أن المكاتب لم يعجز حتى أدى المكاتبة بدل الكتابة وعتق ثم عجزت المكاتبة وردت في الرق أو مات المكاتب عن وفاء ثم عجزت المكاتبة. فالجواب ما ذكرنا فيما إذا لم تعتق أنها إن جاءت بالولد لأكثر من ستة أشهر منذ ملكها المكاتب عتق الولد وما لا فلا لما ذكرنا أن الاعتبار للعلوق حالة قيام تأويل الملك ولو لم يكن شيء من ذلك ولكن عجز المكاتب أو مات عاجزًا فقد صار عبدًا قنًا للمولى وصارت المكاتبة للمولى مكاتبة للمولى وتبين أن المولى ادعى ولد مكاتبته وصدقته المكاتبة وقد مر الكلام فيه والله أعلم.

.الفصل التاسع في دعوى المكاتب الولد:

قال محمد رحمه الله في (الزيادات): مكاتبان بينهما جارية جاءت بولد فادعياه ثبت نسبه منهما، أما ثبوت النسب؛ فلأن للمكاتب في كسبه حق الملك، وإنه يكفي لإثبات النسب كحقيقة الملك، وأما ثبوته منهما لتساويهما في سبب استحقاق النسب ويصير الولد مكاتبًا معهما داخلًا في كتابتهما؛ لأنه ولد في حالة الكتابة والولد المولود في حالة الكتابة يكون مكاتبًا تبعًا وتصير الجارية بمنزلة أم الولد وليس معناه أنها تستحق الحرية كأم ولد الحر؛ لأن للمكاتب لا يملك إيجاب حق الحرية في أكسابه ولكن معناه أنه يمتنع بيعها كما يمتنع بيع أم الولد الحر، وهذا لأن حق الأم في الاستيلاد تبع لحق الولد وقد تثبت حرمة البيع في حق الولد وسرى ذلك إلى الأم.
فإن أدى أحدهما بدل الكتابة عتق لوجود شرط العتق في حقه وهو الأداء وعتق نصيبه من الولد تبعًا له؛ لأنه داخل في كتابته وبقي نصيب الآخر مكاتبًا مع الآخر عند أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن عند أبي حنيفة رحمه الله الإعتاق متجزئ ولا ضمان في الولد، أما على المكاتب المعتق؛ لأن العتق عند الأداء يقع من جهة المولى لا من جهة المكاتب، وبهذا كان الولاء للمولى، فلا يمكن إيجاب الضمان على المكاتب بسبب عتق يثبت من جهة المولى، وأما على المولى؛ لأن العتق من جهة المولى عند الأداء يثبت بإعتاق حكمي والضمان لا يجب بإعتاق حكمي. كما لو ورث ورثته ولو وجد من المولى بالإعتاق الحقيقي بأن أعتق ولد المكاتب حقيقة لا يجب الضمان أيضًا؛ لأنه لو وجب (وجب) للمكاتب وتعذر إيجابه للمكاتب، لأن المكاتب بعقد الكتابة يبتغي حرية الولد؛ لأنه عقد الكتابة كما يعقد الحرية المكاتب يقصد الحرية ولده فكيف يجب الضمان على المولى للمكاتب بما المكاتبة.
وأما على الولد فلهذه العلة وأما الجارية فنصيب الذي عتق منها أم ولده للذي عتق بمنزلة أم ولد الحر؛ لأنه تحقق ملكه فيها فتحققت أميه الولد في نصيبه منها ونصيب الأخر بقي على حاله بمنزلة أم ولد المكاتب عند أبي حنيفة رحمه الله، وكان ينبغي أن تصير الجارية كلها أم ولد للذي عتق بمنزلة ولد الحر؛ لأن الأصل في الاستيلاد التكميل.
والجواب هكذا إذا كان المحل فائدة للنقل من ملك إلى ملك أما إذا لم يكن فلا ألا ترى أن المدبرة إذا كانت بين اثنين استولدها أحدهما، فإنه لا يتكامل الاستيلاد بالإجماع، والمكاتبة إذا كانت بين اثنين استولدها أحدهما لا يتكامل الاستيلاد عند أبي حنيفة رحمه الله.
إذا ثبت هذا فنقول بأن نصيب الآخر ليس بقابل للنقل من ملك إلى ملك.
ألا ترى أنه امتنع بيعه فامتنع القول بتكميل الاستيلاد لهذه الضرورة ولا ضمان على الذي عتق في نصيب صاحبه من الجارية عند أبي حنيفة رحمه الله؛ لأنه لم يتعين نصيب صاحبه ولم يتملكه المعتق هذا كله قياس قول أبي حنيفة رحمه الله.
وأما على قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله: إذا أدى أحدهما حتى عتق نصيبه من الولد عتق الباقي من الولد أيضًا؛ لأن الإعتاق لا يتجزئ عندهما ولا ضمان ولا سعاية عليه لما مر وصارت الجارية كلها أم ولد للذي عتق؛ لأن امتناع النقل في نصيب صاحبه من الجارية إنما كان تبعًا لامتناع النقل من الولد وامتناع النقل في الولد إنما كان لأجل الكتابة، فإن الولد المولود في حالة الكتابة مكاتب فصار امتناع النقل في نصيب صاحبه من الجارية بهذا الوسط مضافًا إلى الكاتبة فكان نصيب الشريك من الجارية مكاتب وقيام الكتابة في نصيب الشريك لا يمنع تكامل الاستيلاد عندهما؛ لأن الكتابة في نصيب الشريك قابلة للفسخ وما يقولان يتكامل الاستيلاد فيما يقبل الفسخ فانفسخت الكتابة في نصيب صاحبه ويثبت تكامل الاستيلاد وعليه قيمة نصيب صاحبه موسرًا كان أو معسرًا لأنه ضمان التمليك ولا يختلف باليسار والعسار ولو أنه حين أدى أحدهما عجز الآخر بعد ذلك.
فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله: عتق نصيب المؤدى من الولد وصار نصيب الآخر عبدًا تبعًا له لما مر. وصارت الجارية كلها أم ولد للمولى لزوال المانع من تكميل الاستيلاد وضمن المؤدي نصف قيمة الجارية لمولى العاجز موسرًا كان أو معسرًا لأنه يملك نصيبه بالاستيلاد ولا ضمان عليه في الولد لما ذكرنا أن العتق ما ثبت من جهته ولكن سعى الولد في نصف قيمته لمولى العاجز؛ لأنه إلى الأيام بها كان لا يسعى؛ لأنه لو سعى سعى لابنه فتعذر إيجاب السعاية للأب لما مر.
أما هاهنا لوسعى سعى لمولى الأب ومولى الأب يستحق السعاية عليه وقد احتبس عنده ملكه لأن بانفساخ كتابة الأب انفسخت الكتابة في حقه تبعًا فكان هذا النصف حق المولى بعد العجز وقد احتبس عند الولد حكمًا يعتق نصيب المؤدي وتضمين المؤدي متعذر فتجب السعاية على الولد رعاية لحق المولى وصيانة لملكه.
فرق بين هذا وبينما لو كانت جارية بين رجلين حرين فولدت ولدًا فادعاه أحدهما صارت الجارية كلها أم ولد له وضمن نصف قيمتها ونصف عقرها لشريكه ولم يسع الولد في شيء لشريكه وإن (كان) معسرًا.
والفرق: أن الدعوى في المسألتين دعوى استيلاد ودعوى الاستيلاد تستند إلى وقت العلوق وأمكن إسنادها إلى وقت العلوق في تلك المسألة؛ لأنه ليس في إسنادها إبطال لسبب أو عقد فصار ناقلًا لها إلى ملكه فصار مستولدًا جارية نفسه ومن استولد جارية نفسه كان ولده حر الأصل حر العلوق ولم يكن عليه سعاية أما في مسألتنا بعد إسنادها إلى وقت العلوق؛ لأن في إسنادها إبطال النسب من العاجز ولا سبيل إلى إبطال النسب بعد ثبوته ودعوى الاستيلاد إذا لم تستند إلى وقت العلوق صارت دعوة تحرير فصار الولد كعبد بين اثنين أعتقه أحدهما وهو معسر فكان عليه أن يسعى.
هذا كما لو اشترى رجلان جارية ومعها ولدها فادعى أحدهما ذلك الولد وهو معسر ثبت النسب منه وصارت الجارية أم ولد وكان على الولد أن يسعى في نصف قيمته للساكت؛ لأن دعوته لم تستند إلى وقت العلوق لأن في إسنادها إبطال البيع فصارت دعوة تحرير فصار كعبدين اثنين أعتقه أحدهما وهو معسر، وأما على قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله: فالجواب ما ذكرنا قبل عجز الآخر إلا أن هنا الولد يسعى في نصف قيمته لمولى العاجز بخلاف ما قبل العجز. والفرق: ما قلنا لأبي حنيفة رحمه الله.
ولو لم يعجز الآخر بعد ما أدى أحدهما ولكن أدى وعتق لم يذكر محمد رحمه الله هذا الفصل في (الكتاب).
والجواب: أن على قياس قول أبي حنيفة رحمه الله: عتق الولد على المكاتبين لأن عنده الإعتاق متجزئ فحين أدى أحدهما أولًا عتق عليه نصيبه من الولد لا غير، فإذا أدى الآخر بعد ذلك عتق عليه نصيبه أيضًا وكانت الجارية أم ولد لهما.
وعلى قياس قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله: حين أدى أحدهما عتق كل الولد عليه لعدم تجزؤ الإعتاق، ومن غير ضمان ولا سعاية فصارت الجارية كلها أم ولد له فلا يتغير هذا الحكم بعتق الآخر ولو لم يرد واحد منهما شيئًا حتى عتق أحدهما، فإن الولد مكاتب مع الذي لم يعجز عندهما وهو ابنهما كما كان أما هو ابنهما، لأن النسب بعد ثبوته لا يقبل التحويل من موضع إلى موضع فبقي ثابتًا كما كان، وأما هو مكاتب مع الذي لم يعجز؛ لأنه لما عجز أحدهما انفسخت الكتابة في حقه فانفسخت في نصيبه من الولد ونصيب المكاتب من الولد مكاتب والكتابة عندهما غير متجزئة فيصير جميع الولد مكاتبًا مع الذي لم يعجز ويضمن المكاتب الذي لم يعجز موسرًا كان أو معسرًا نصف قيمة الولد للمولى المكاتب الذي عجز؛ لأنه لما صار الولد كله مكاتبًا مع الذي لم يعجز صار مستهكلًا نصيب الآخر وضمان التمليك لا يختلف باليسار والعسار ولم يذكر حكم الأم في هذا الفصل وينبغي على قياس قولهما: أن تصير أم ولد للذي لم يعجز أو لا مانع من تكميل الاستيلاد.
وأما على قول أبي حنيفة رحمه الله: ينبغي أن يكون نصف الولد مكاتبًا مع الذي لم يعجز ونصفه يكون رقيقًا لمولى الذي عجز، لأن الكتابة عنده متجزئة.
وأما الجارية فمن مشايخنا رحمهم الله من قال: على قياس قول أبي حنيفة: تصير الجارية كلها أم ولد للذي لم يعجز لزوال المانع من تكميل الاستيلاد على ما مر، وذكر علي الرازي في (مسائله) الكرخي: أن على قياس قول أبي حنيفة رحمه الله: يجب أن يكون نصفها أم ولد للمكاتب ونصفها يكون رقيقًا لمولى الذي عجز؛ لأن الأم تابعة للولد في مثل هذا فالولد نصفه مكاتب ونصفه رقيق لمولى الذي عجز فكذا الأم، ولو لم يرد واحد منهما ولم يعجز ولكن مات أحدهما وترك وفاء ببدل الكتابة وفضلًا، فإن مولى الميت يستوفي بدل الكتابة من تركته ويحكم بعتقه في أخر جزء من أجزاء حياته على ما عرف من أصلنا.
ثم عند أبي حنيفة رحمه الله يعتق نصف الولد تبعًا لأبيه والنصف الآخر يبقى مكاتبًا ببقاء الأب الآخر؛ لأن العتق عنده متجزئ والكتابة كذلك، فإن أدى الآخر عتق وعتق الابن كله ولا يرث أباه الأول عند أبي حنيفة رحمه الله؛ لأنه معتق البعض حين مات الأب الأول، ومعتق البعض لا يرث شيئًا وإن لم يرد الآخر ولكن عجز فالابن يسعى في نصف قيمته لمولى العاجز ويحكم بحريته؛ لأنه معتق البعض، ومعتق البعض لا يترك كذلك بل يخرج إلى الحرية بالسعاية.
وأما الجارية فقد صار نصفها أم ولد للذي مات عن وفاء حال حياته وحريته وعتقت بموته حرًا كما هو الحكم في أم ولد الحر ونصيب الآخر لا يترك رقيقًا فتسعى في نصف قيمتها للمكاتب ويحكم بحريتها.
فرق أبو حنيفة رحمه الله بينه وبين أم ولد الحرين يعتقهما أحدهما أو يموت أحدهما حتى عتق نصفها حيث لا تسعى في النصف الباقي.
والفرق: أن ثمة ثبتت أميه الولد حقيقة وثبت فيها حق الحرية حقيقة بحيث لا يتوهم عودهما إلى الرق فتسقط ماليتها وتقومها عند أبي حنيفة رحمه الله ولا ضمان ولا سعاية بدون (التقوم)، أما هاهنا لم تثبت أمية الولد حقيقة ولم يثبت فيها شبهة الحرية، وإنما امتنع بيعها بيعًا للولد ولهذا يتصور عودها إلى الرق بعجز المكاتبين وبدون حق الحرية لا يسقط تقومها وماليتها فكانت صفة المالية والتقوم لنصيب الحي باقية وقد احتبس عبدهما حكمًا للعتق في النصف فسعت في نصف قيمتها لهذا، هذا كله قياس قول أبي حنيفة رحمه الله.
وأما على قياس قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله: إذا حكمنا الميت بحرية الولد في آخر جزء من أجزاء حياته حكمنا بحرية الولد كله؛ لأن العتق عندهما لا يتجزأ ولا ضمان في الولد ولا سعاية عليه لما قلنا قبل هذا إلا أن يعجز الآخر فحينئذٍ يسعى الولد في نصف قيمته للمولى العاجز لما مر، ولا يرث الابن من المكاتب الميت شيئًا؛ لأن نصفه عتق مع المكاتب الميت في آخر جزء من أجزاء حياته تبعًا له والنصف الآخر عتق بطريق السراية عن ذلك النصف فيقع عتق النصف الباقي مقارنًا للموت أو بعده.
ومن شرط استحقاق الإرث أن يكون كله حرًا وقت الموت.
فإن قيل: العتق عندهما لا يتجزأ فإذا ثبت في نصف الولد واستند إلى آخر جزء من أجزاء حياة الميت ثبت في الكل فهذا حر مات عن ولد حر فينبغي أن يرث.
والجواب عن هذا (أن) يقال بأن استناد العتق إنما كان بطريق التبعية وفي النصف هو بائع للمكاتب الميت فيستند العتق فيه ضرورة، فأما النصف الآخر ليس ببائع للمكاتب فلا يظهر استناد العتق فيه فكان عتق ذلك النصف مقارنًا للموت أو بعده.
يوضحه: أن النصف الذي هو تابع للمكاتب الميت يعلق عتقه بكتابة الميت فوجب اعتباره بها ووجب إسناده إلى النسب السابق، فأما النصف الأخر لما لم يكن تابعًا له لم يستحق الحرية بذلك النسب، وإنما استحقه ضرورة عدم التجزؤء فيعتبر حال ما وجبت حريته وهو الآداء الذي يحصل بعد الموت فيكون رقيقًا وقت الموت لمكاتب الميت فلهذا لا يرث.
فأما الأم فإنها تصير أم ولد للميت فيعتق بموته ويجب في ماله نصف نصف قيمتها للمكاتب الحي يؤخذ ذلك من تركته بعد أداء بدل الكتابة.
ذكر بعد هذا في (الكتاب) سؤالًا فقال: كيف يسعى الولد بنصف قيمته للمولى العاجز عندهما وهما ينقضان العتق؟ ومعنى هذا السؤال أنهما لما كانا لا ينقضان العتق أثبت العتق في كل الولد قبل عجز الآخر وما لم يعجز للآخر لا يثبت حق المولى في ولده فحال ما عتق كل الولد لم يكن حق المولى ثابتًا فيه فلماذا يسعى للمولى العاجز؟ ذكر السؤال ولم يذكر الجواب.
ومشايخنا رحمهم الله أجابوا فقالوا بأن حق المولى كان ثابتًا في المكاتب وفي الولد؛ لأن ولد المكاتب يصير مكاتبًا على مولى الأب تبعًا للأب، ومن ضرورته دخوله في ملكه إلا أن حق المكاتب كان مقدمًا في الولد على حق المولى، فإذا زال حق المكاتب فوجبت السعاية للمولى لاحتباس ملك المولى عنده؛ لأن حق المولى يثبت في الولد.
قال: مكاتبة بين اثنين جاءت بولد فادعاه أحدهما صحت دعوته لقيام ملكه في نصفها وثبت نسبه منها وصار نصيبه من الجارية أم ولد له وبقي نصيب الآخر مكاتبًا غير أم ولد عند أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن الكتابة في نصيب الشريك مانعة تقبل نصيب الشريك إلى ملك المستولد عنده والاستيلاد متى وقع في محل لا يقبل النقل ينتقص.
كما في المدبرة بين اثنين استولدها أحدهما وعندهما صارت الجارية كلها أم للمستولد؛ لأن الكتابة في نصيب الشريك عندهما غير مانعة من تكميل الاستيلاد؛ لأن الاستيلاد أقوى الكتابة؛ لأنه لا يحتمل الفسخ والكتابة تحتمل الفسخ فيتكامل الاستيلاد وتنفسخ الكتابة في نصيب الشريك، فإذًا إن انفسخت الكتابة في نصيب الشريك وتكامل الاستيلاد صار المستولد مستهلك نصيب الشريك وعادت الكتابة إلى نصيب الشريك وكملت لبقاء الكتابة في نصيب المستولد وهي غير متجزئة عندهما فتثبت في النصف الذي يملكه المستولد ضرورة عدم التجزؤ ثم يضمن المستولد لشريكه نصف قيمتها موسرًا كان أو معسرًا؛ لأنه يملك نصيب الشريك وضمان التملك لا يختلف.
ثم اختلف المشايخ رحمهم الله في كيفية الضمان، بعضهم قالوا: يضمن المستولد لشريكه نصف قيمتها فيه لانقسام الكتابة عندهما.
وبعضهم قالوا: يكاتبه؛ لأن هذا فسخ ضروري فلا يظهر في حق الضمان ثم لها الخيار؛ إن شاءت مضت على الكتابة وأدت بدل الكتابة وعتقت، وإن شاءت أعجزت نفسها وكانت أم ولد للمستولد تعتق بموته؛ لأنه تصدى لها سببا عتق كتابة معجلة ببدل، واستيلاد مؤجل بغير بدل ولها في كل نوع فائدة أخرى فكان لها الخيار لها لهذا، فإن اختارت المضي في الكتابة. ففي رواية هشام في (نوادره) عن محمد رحمه الله: تكون مكاتبة بجميع البدل وذكر الحاكم في (المنتقى): أنها تكون مكاتبة بنصف البدل.
وجه ما ذكر في (المنتقى): أن الكتابة قد انفسخت في نصيب الشريك ضرورة تكميل الاستيلاد، وإذا انفسخت الكتابة في نصيب الشريك سقط نصف البدل ثم ثبوت الكتابة القائمة في نصيب المستولد إذا فات، فإنما يتسرى بما بقي فيه من البدل.
وجه رواية هشام: أن التملك كالاستيلاد أمر حكمي والمكاتب يقبل النقل الحكمي على ما مر، فلا ضرورة إلى القول بانفساخ الكتابة في نصيب الشريك بل يدخل نصيب الشريك في ملك المستولد مكاتبًا، وإذا لم تنفسخ الكتابة في نصيب الشريك لم تسقط بشيء من البدل، والدليل على صحة ما قلنا: أنه لو انفسخت الكتابة في نصيب الشريك لانفسخت في نصيب المستولد؛ لأن الكتابة عندهما كما لا تتجزأ ثبوتًا لا تتجزأ انفساخًا فلا يعود بعد ذلك مكاتبة إلا بتجديد العقد وهي مكاتبة بالاتفاق فدل أنه لم تنفسخ الكتابة في شيء منها.
وكذلك لو لم مات بالولد ولكن أقر أحد الشريكين أنها أم ولد له فهذا والأول سواء؛ لأن الإقرار بالاستيلاد في الحكم بمنزلة إنشائه والله أعلم.

.الفصل العاشر في بيان حكم المكاتبين إن كانت مكاتبتهما واحدة أو متفرقة:

قال محمد رحمه الله في (الزيادات): مكاتبان رجلين كل واحد منهما لرجل على حده وبينهما جارية جاءت بولد فادعياه فهو ابنهما، وقد مر هذا، فإن ماتا عن وفاء أو قتلا معًا أو أحدهما قبل الآخر فأديت مكاتبتهما معًا عتقا ويستند عتق كل واحد منهما إلى آخر جزء من أجزاء حياته وعتق الولد تبعًا للأبوين، لأن نصف الولد تابع لهذا الأب داخل في كتابته والنصف الآخر تابع للأب الآخر داخل في كتابته وكان مولى للمكاتبين؛ لأن عتق الولد ثبت من جهة المكاتبين، ولا يرث الابن من واحد من الأبوين؛ لأنه معتق البعض في حق كل واحد منهما وقت موته.
بيانه: ما ذكرنا أن نصف الولد تابع لهذا الأب والنصف الآخر تابع للأب الأخر فيستند عتق كل واحد نصف إلى عتق أصله لا إلى عتق الأصل الآخر لأن الاستيلاد من أحكام عقد الأصل، فإنها تظهر في مقدار ما هو تابع له في العقد لا فيما ليس بتابع له وجعل فيما ليس بتابع له كأن عتقه مقصور على الحال، فهو معنى قولنا: إنه معتق البعض في حق كل واحد منهما وقت موته.
وكذلك إذا كان المكاتبان لرجل واحد كاتب كل واحد منهما بكتابة على حدة؛ لأن تبعية الولد المكاتب تكون في العقد، فيكون اختلاف العقدين بمنزلة اختلاف المنزلتين فأما إذا كان الرجل واحدًا وقد كاتبهما كتابة واحدة، وباقي المسألة بحالها ورث الابن من كل واحد منهما؛ لأن العقد إذا كان واحدًا كان يعقد بعتق كل واحد من الأبوين معلقًا بعتق الآخر لا يتصور عتق أحدهما إلا ومعه عتق الآخر، فاستند عتق كل واحد من الأبوين إلى ما استند إليه عتق صاحبه، وإذا استند العتق في كل واحد من الأبوين إلى حال حياتهما وظهر الاستناد في حق صاحبه يظهر استناد العتق في كل الولد في حق كل واحد من الأبوين ضرورة، فلم يحصل عتق كل واحد من الأبوين، والولد حر كله بعتقه يرث ويرث من كل واحد منهما ميراث ابن كامل عندنا خلافًا لزفز، فالمسألة معروفة.
قال: ولو كانا لرجلين أو لرجل واحد وبينهما ولد، ولد في حال كتابتهما من جارية مشتركة بينهما إلا أن كتابتهما مختلفة فقتلا معًا أو ماتا معًا أو على التعاقب وترك كل واحد منهما وفاء فأديت مكاتبة أحدهما أولًا ثم أديت مكاتبة الآخر، فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله: عتق الولد تبعًا للمكاتبين وولاؤه لمولى المكاتبين كما لو أديت مكاتبتهما معًا. وهذا لأن العتق عنده متجزئ، فإنما يعتق كل واحد منهما يعتق نصف الولد الذي هو تابع له لا غير وكذلك الجارية بعتق من جهة المكاتبين، وولاؤها لمولى المكاتبين ولا يرث الابن من واحد من الأبوين لما مر قبل هذا.
وأما على قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله: فالولد يعتق تبعًا للأب الذي أديت مكاتبته أولًا سواء كان هو الذي مات أولًا أو آخرًا؛ لأن عندهما العتق لا يتجزأ، فإن أديت مكاتبة أحدهما أولًا وحكم بحريته وبحرية نصف الولد تبعًا له حكم بحرية النصف الآخر ضرورة عدم التجزأ فقد اعتبرنا حالة الأداء في هذه المسائل حتى قالا: إذا أديت كتابتهما معًا عتق الولد تبعًا للمكاتبين، وولاؤه لمولى المكاتبين ماتا معًا أو على التعاقب الولد تبعًا للمكاتبين، وإذا أديت كتابة أحدهما أولًا عتق الولد تبعًا للمكاتب الذي أديت كتابته أولًا، ماتا معًا أو على التعاقب وإنما فعلا هكذا؛ لأن العتق إنما يثبت عند الأداء لكونه معلقًا بالأداء فيجب النظر إلى حالة الأداء ولا يرث الابن واحدًا من الأبوين لما ذكرنا أن استناد حرية كل نصف من الولد إنما يظهر في حق الأب الذي هو تابع له في ذلك النصف.
أما في حق الأب الآخر: يجعل كأن حرية الولد مقصورة على الحال، ولا سعاية على الولد في نصيب الذي أديت كأنه آخر مرة؛ لأنه لو سعى سعى لأبيه وقد ذكرنا أن ابن المكاتب لا يسعى لأبيه بحال.
وأما أم الولد فقد صارت حرة من قبل المكاتب الذي كتابته أولًا؛ لأن نصفها عتق بموته يكون ذلك النصف أم ولد له، فيعتق النصف الثاني ضرورة عدم التجزؤ ويضمن لورثة المكاتب الذي أديت كتابته آخر مرة نصف قيمتها ويكون دينًا في تركته؛ لأن الاستيلاد تقرر في الكل وصار متملكًا نصيب صاحبه فيضمن نصف قيمتها لورثة المكاتب الذي أديت كتابته آخرًا بهذا.
لو كاتب الأبوين مكاتبة واحدًا فمات قبل صاحبه وترك كل واحد منهما وفاء فأديت المكاتبة من مال أحدهما عتقا وورث الابن منهما؛ لما ذكرنا أن عند اتحاد العقد يستند عتق كل واحد منهما من الأبوين إلى ما استند إليه عتق صاحبه، وعند ذلك يظهر استناد عتق الولد في حق كل واحد من الأبوين ثم يؤخذ من تركة الذي لم يؤد بدل الكتابة من ماله حصة من بدل الكتابة؛ لأن الأداء من تركة أحدهما بعد وفائه بمنزلة أدائه في حال حياته في حق ثبوت حق الرجوع على صاحبه بحصته إن كان حيًا، وفي تركته إن كان ميتًا.
وقال محمد رحمه الله في (الزيادات) أيضًا: مكاتب لرجلين أو لرجل واحد إلا أن كتابتهما مختلفة وبينهما ولد على تجوز ما ذكرنا، مات أحدهما عن وفاء، ثم قطعت يد الابن ثم أديت مكاتبته، فإن على القاطع أرش العبيد لأنه قطعت يده وهو عبد؛ لأن قبل أداء بدل الكتابة لا يثبت العتق وعند الأداء يثبت العتق مستندًا، ولكن الاستناد لا يظهر في حق المتلاشى والمستوى بالقطع بلا شيء فيكون نصف هذا الأرش بهذا الولد لا يدخل في كسب الميت، وإن كان ذلك للميت حال حياته، ونصفه للمكاتب الحي، أما نصفه للولد؛ لأنا إنما جعلنا ذلك للميت حال حياته لأجل التبعية؛ لأن نصف الولد الذي داخل في كتابته تابع له وقد صار ذلك النصف أصلًا بموته وبهذا يطالب بأداء حصة الميت من بدل الكتابة وقيل: هذا كان لا يطالب وهذا هو علامة الأصالة.
وأما النصف الآخر الذي هو داخل في كتابة الحي بقي تبعًا للحي فلهذا كان نصف الأرش للولد والنصف للمكاتب الحي، وكذلك لو اكتسب الولد اكتسابًا بعد موت أحدهما أي: أحد الأبوين قبل أداء بدل الكتابة كان نصف الكسب للولد يدخل في كسب الميت وإن كان ذلك الميت حال حياته ونصفه للمكاتب الحي لما قلنا في الأرش، وإن قطعت يده بعدما أديت مكاتبة الميت قدم القاطع أرش الأحرار عندهما؛ لأن العتق عندهما لا يتجزأ، فإذا عتق نصف الولد عند أداء مكاتبة الميت عتق النصف الآخر ضرورة عدم التجزؤ وكان الأرش للولد لكونه حرًا وقت القطع.
وكذلك الكسب الذي اكتسبه الولد بعدما أديت مكاتبة الميت يكون كله له؛ لأنه اكتسبه وهو حر، فأما على قول أبي حنيفة رحمه الله يجب على القاطع أرش العبيد لأن معتق البعض عنده، ومعتق البعض بمنزلة المكاتب فيكون نصف هذا الأرش للولد ونصفه للمكاتب الحي الذي اكتسبه هذا الولد بعدما أديت مكاتبة الميت يكون نصفه للولد ونصفه للمكاتب الحي عند أبي حنيفة رحمه الله.
وكان ينبغي أن يكون كل الأرش والكسب للولد في هذا الفصل عند أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن معتق البعض عنده مكاتب مقصود في جميع الرقبة ومن كان مكاتبًا مقصودًا يستحق جميع أرشه وجميع كسبه.
والجواب: أن معتق البعض على قول أبي حنيفة رحمه الله: إنما يكون مكاتبًا مقصودًا إذا ثبتت الكتابة في الباقي حكمًا بعتق البعض وكتابة الباقي هاهنا ما ثبت حكمًا لعتق البعض إنما يثبت بكتابة الحي فبقي مكاتبًا تبعًا للحي فلهذا لا يستوجب كل الأرش وكل الكسب.
وإن قطعت يد الأم بعد موت أحدهما عن وفاء فإن كان قبل أداء مكاتبته على القاطع أرش الإماء، وهذا ظاهر ويكون نصف ذلك للمكاتب الميت والنصف للمكاتب الحي أما النصف للمكاتب الحي فظاهر؛ لأن نصفها مملوكة له وأما النصف للمكاتب الميت لأن نصيب الميت منها لم يصر مكاتبًا مقصودًا لأن أم الولد لا يكاتب على المكاتب حتى يصير مقصود بموته ما يحرم بيعها لا غير.
ألا ترى أن بعد موت المولى لا يطالب بأداء البدل فبقي تبعًا للميت كما كان وكان أرشها بمنزلة المكاتب الميت فيلتحق بتركته ويؤدي مكاتبته من الجملة.
وكذلك الجواب في أكساب اكتسبتها قبل أداء بدل الكتابة لكون نصفها للمكاتب الحي والنصف للمكاتب الميت لما قلنا في الأرش، وإن قطعت يدها بعدما أدت مكاتبة الميت فأرشها أرش الأحرار عندهما حكمًا بحرية الميت لحرية نصفها لكون ذلك النصف أم ولد له فحكم بحرية النصف الآخر منها ضرورة عدم التجزؤ فيكون ذلك لها.
وكذلك الجواب في كسب اكتسب بعد أداء بدل الكتابة لها عندهما؛ وهذا ظاهر.
وأما على قول أبي حنيفة: يجب أرش الإماء؛ لأنها معتقة البعض فيكون النصف لها؛ لأن نصفها قد عتق، والنصف للمكاتب الحي لأن نصفها بقيت مملوكة للمكاتب الحي.
وكذلك الجواب في كسب الكسب بعد الأداء النصف لها والنصف للمكاتب الحي لما قلنا، وهذا قياس قول أبي حنيفة رحمه الله؛ لأنها معتق البعض، ومعتق البعض عنده مكاتب مقصودًا إذا ثبت كتابة الباقي حكمًا لعتق البعض وهاهنا كتابة الباقي تثبت حكمًا لعتق البعض فينبغي أن يكون كل الأرش وكل الكسب لها.
والجواب: أن معتق البعض على قول أبي حنيفة رحمه الله إنما يكون مكاتبًا مقصودًا مستحقًا جميع الكسب والأرش مع أن كتابة الباقي تثبت حكمًا لعتق البعض باعتبار أنه ملك اكتسب يثبت بملك الرقبة وفي معتق البعض ملك الساكت قابل للانتقال.
ألا ترى أنه ينتقل إلى الشريك بالضمان فجاز أن ينتقل العبد بالسعاية فتملك نفسها فيملك اكتساب ضرورة أما ملك أم الولد لا يقبل الانتقال.
ألا ترى أنه لا ينتقل إلى الشريك فلا ينتقل إليها فلا تملك نفسها ولا يملك الكسب إلا أنه يضرب عليها السعاية لتعذر إيفائها على حكم الرق لا لأنها تملك نفسها بالسعاية.
عبد وابنه بين رجلين كاتبهما أحدُهما على ألف درهم كتابة واحدة بغير إذن الشريك، فمات الأب وترك مالًا كثيرًا، ثم اكتسب الابن بعد موته اكتسابًا أو قطعت يده وأخذ الأرش ثم علم المولى الآخر بالكاتبة، فأراد أن ينقض الكتابة ليس له ذلك؛ لأن البعض إنما يصح إذا بقي العقد بعد موت المكاتب بخلاف القياس لضرورة صحة الأداء وإمكان استناد العتق إلى قبل الموت، فلا يظهر في حق بعض مقصوده ولكن يأخذ نصف ما ترك الأب ونصف ما اكتسب الابن؛ لأنه لو كان الأب حيًا كان للمولى الآخر أن يأخذ نصف ذلك.
أما على قول أبي حنيفة رحمه الله فظاهر؛ لأنه كسب عبد مشترك؛ لأن الكتابة عنده متجزئة.
وأما على قولهما: فلأن الكتابة عندهما وإن كانت لا تتجزأ فللساكت حق الفسخ فحصل نصف الكسب على حقه يعني على حق ملكه له أن يأخذ نصف ذلك.
إذا ثبت هذا الحكم حال حياة الأب بقي كذلك بعد موته عن وفاء، ثم ينظر إلى الباقي فيؤدي منها لمكاتبه ويحكم بعتق النصف بينهما عند أبي حنيفة رحمه الله وبعتق الكل عندهما وعلى المكاتب نصف قيمته إن كان موسرًا، وإن كان معسرًا تجب السعاية عليهما في ذلك غير أن ما كان بحصة الميت يؤخذ من تركته لكونه عاجزًا عن السعاية وما كان بحصة الابن يجب عليه لكونه قادرًا على السعاية، فلا يرث الابن أباه؛ لأنه معتق البعض عند موته.
وفي (نوادر إبراهيم) عن محمد رحمه الله: في رجل كاتب غلامين له كتابة واحدة فاستحق أحدهما لا يرجع على الثاني بشيء منهما وإن وجد أحدهما حرًا بطلت الكتابة كلها.
وعن أبي يوسف: في رجل كاتب عبدين له على ألف درهم كتابة واحدة وكل واحد منهما كفيل ضامن لذلك فاستحق أحدهما، فالثاني بالخيار إن شاء أدى جميع بدل الكتابة فعتق، لا يعتق بدون ذلك، وإن شاء نقض الكتابة.
وفي (نوادر ابن سماعة): عن أبي يوسف رحمه الله: إذا كاتب الرجل عبدين له مكاتبة واحدة على ألف درهم إن أديا عتقا، وإن عجزا ردا في الرق، فإن أدى أحدهما الكتابة رجع على صاحبه، وإن لم يضمن كل واحد منهما عن صاحبه.
وفي (المنتقى): رجل كاتب عبدين له في صحته على ألف درهم كتابة واحدة ثم إن أحدهما زاده مائة درهم في الكتابة والألف على النجوم، وأبى الآخر الزيادة فإنه يلزم (صاحب) الزيادة نصف الزيادة ولا يلزم الآخر شيء منها ويعتقان بأداء الألف وتكون نصف الزيادة على الذي زادها ولا ويكون على النجوم وكذلك لو قبلها صاحبه كانت الزيادة عليهما حالًا.
وهذا بمنزلة رجل باع عبدًا بألف درهم إلى سنة، ثم زاده مائة درهم فهذه حالة ولا يكون على الأصل ولا يأخذ المولى كل واحد منهما إلا بحصة الزيادة وإن أداها أحدهما لم يرجع بها على الآخر.
وقال محمد رحمه الله: إذا زاد أحدهما مئة وخمسمائة، فإنها كلها عليه يأخذه المولى بها.
وروى الحسن بن زياد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمهم الله: إذا كاتب الرجل عبدين له على ألف درهم ولم يجعل كل واحد منهما كفيلًا عن صاحبه، فأدى أحداهما حصته من المكاتبة عتق.
الحسن بن زياد عن أبي حنيفة رحمه الله: إذا كاتب عبدين له على ألف درهم حالة ثم يرد على هذا أخذ كل واحد منهما بحصة من المكاتبة، ولم يكن له أن يأخذ واحدًا منهما بما على الآخر، وإنما أدى حصته صار حرًا.
وإن كاتبهما على الألف ونجمها عليهما وقال: إذا أديتما عتقتما أو لم يقل ذلك كان له أن يأخذ أيهما شاء بجميعهما، وكان ذلك بمنزلة ضمان كل واحد منهما عن صاحبه والله أعلم.

.الفصل الحادي عشر في العبد يكون بين رجلين فيكاتباه أو يكاتبه أحدهما:

قال محمد رحمه الله في (الأصل): وإذا كان العبد بين رجلين فكاتب أحدهما نصيبه بغير إذن شريكه، صحت الكتابة في نصيبه واقتصرت عليه عند أبي حنيفة؛ لأن في الكتابة معاوضة وتعليق عتق بالأداء، وأي ذلك ما اعتبر صح من أحدهما في نصيبه.
فإنه لو باع أحدهما نصيبه جاز، ولو علق عتق نصيبه بأداء المال أيضًا يجوز، وكان للشريك الساكت الخيار إن شاء فسخ هذه الكتابة وإن شاء ضربها عند علمائنا رحمهم الله خلافًا لابن أبي ليلى، وأجمعوا على أنه لو باع أحدهما نصيبه أو أعتق أو دبر، أو علق عتق نصيبه بأداء المال إنه ليس للساكت أن يفسخه.
والوجه في ذلك: أن المكاتب بكتابة نصيب نفسه وإن تصرف في خالص ملكه إلا أنه ألحق بغيره وهو الساكت ضررًا فإنه بسبب كتابته يبطل على الساكت حق البيع في نصيبه؛ لأن نصيب المكاتب بالكتابة صار حرًا يدًا للحال وحرية اليد مانعة جواز البيع كحرية الرقبة.
فهو معنى قولنا: أخر بالساكت والكتابة قابل للفسخ وكل تصرف صدر من المالك وقد وقع إضرار بالعين، وإنه يحل الفسخ كان لمن يوجه عليه الضرر فسخه.
ألا ترى أن المرأة إذا زوجت نفسها من غير كفء لها كان للأولياء حق الاعتراض وإن تصرفت في خالص ملكها؛ لأنها ألحقت بما تصرفت ضررًا بالأولياء فكذا هاهنا بل أولى لأن الكتابة أقبل للفسخ من النكاح، فإن النكاح لا يفسخ إلا بقصور في ولاية العاقد، والكتابة تفسخ بتراجعها من غير قصور في ولاية العاقد وليس كما (لو) باع أحدهما نصيبه؛ لأنه ليس في بيع أحدهما نصيبه ضرر على صاحبه؛ لأن بسبب هذا البيع لا يبطل على صاحبه حق البيع في نصيبه حتى إن في (أي) موضع كان في بيع أحدهما نصيب ضرر لصاحبه كان لصاحبه حق فسخ بيعه، فإن الدار إذا كانت بين اثنين باع أحدهما نصف ثلث معلوم من رجل كان للآخر حق الفسخ حتى لا يتفرق نصيبه في الدار زيادة تفرق وليس كما لو أعتق أحدهما نصيبه أو دبره؛ لأن كل واحد منهما لا يقبل الفسخ وليس كما لو علق عتق نصيبه بأداء المال لأنه لا يحتمل الفسخ لأنه يمين.
ثم إن عامة المشايخ لم يشترطوا لصحة هذا الفسخ القضاء أو الرضا والشيخ الإمام نجم الدين النسفي رحمه الله في (شرح الشافي): شرط القضاء أو الرضا وأشار إلى المعنى، فقال: لأنه تصرف في ملكه، فإن فسخ الساكت الكتابة عاد الأمر إلى ما كان قبل الكتابة وإن لم يفسخ حتى أداء العبد مكاتبته، فإنه يعتق نصيب المكاتب، واقتصر العتق على نصيبه عند أبي حنيفة رحمه الله، وللساكت خيارات ثلاثة إن كان المكاتب موسرًا، وإن كان معسرًا فله خيارات؛ لأن المكاتب صار معتقًا نصيبه عند الأداء، والحكم في عبد بين شريكين أعتق أحدهما نصيبه عند أبي حنيفة رحمه الله ما ذكرنا ثم يرجع الساكت على شريكه فيأخذ منه نصف ما أخذه من العبد، ويأخذ من العبد نصف ما بقي في يده من الكسب؛ لأن الكتابة لما اقتصرت على نصيب الساكت عند أبي حنيفة رحمه الله كان هذا كسب عند نصفه المكاتب ونصفه للساكت ثم يقع المكاتب عبدًا على العبد بما أخذ منه الساكت.
فرق أبو حنيفة رحمه الله بين هذا وبين ما إذا كاتب ورجع الساكت على المكاتب وأخذ منه نصف ذلك، لا يكون للمكاتب أن يرجع على العبد بشيء؛ لأن هناك جعل البدل المسمى بإزاء كل العبد فكان بإزاء النصف نصف المسمى وقد سلم له النصف المسمى بكماله، أما هاهنا جعل البدل مقابلة نصيبه، وصح ذلك عند أبي حنيفة لاقتصار الكتابة على نصيب عبده فصار جميع المسمى بإزاء نصيبه لا غير، فإذا استحق شيء منه كان له حق الرجوع بذلك القدر فهذا هو الفرق له.
جئنا إلى بيان مذهب أبي يوسف ومحمد رحمهما الله: فنقول إذا أدى المكاتب بدل الكتابة عتق جميع العبد عندهما؛ لأن الإعتاق عندهما لا يتجزأ وكان للساكت حق تضمين المكاتب إن كان موسرًا وحق استغناء العبد إن كان معسرًا، ويرجع الساكت على المكاتب فيأخذ منه نصف ما أخذ من العبد ويأخذ أيضًا نصف ما بقي في يد العبد بعد أداء بدل الكتابة، وكان ينبغي أن لا يرجع على الساكت بشيء عندهما؛ لأن الكتابة عندهما لا تتجزأ فيصير الكل مكاتبًا على المكاتب ويصير المكاتب مستهلكًا على الساكت نصيبه فيكون جميع المؤدى بسبب مكاتبته فينبغي أن يسلم له، ولكن الوجه في هذا أن يقال بأن نصيب الساكت لا يعتبر مملوكًا ومكاتبًا للمكاتب في حق الساكت بل يعتبر مأذونًا له في التجارة.
أما في حق المكاتب يعتبر مملوكًا ومكاتبًا للمكاتب، والكتابة تخالف العتق والتدبير والاستيلاد عندهما، فإن أحد الشريكين إذا أعتق نصيبه أو دبر أو استولد، يتملك نصيب صاحبه بالضمان ويظهر ذلك في حق الكل.
والوجه في ذلك: أن يقال بأن مال الغير لا يتملك إلا بضرورة، ولا تتحقق الضرورة في فصل الكتابة إلا بتملك نصيب الساكت.
أما في فصل الإعتاق والتدبير والاستيلاد ضرورة وبيان ذلك: أن في فصل الكتابة لو صار متملكًا نصيب الساكت إنما يصير متملكًا ضرورة أن الكتابة لما نفذت في نصيب المكاتب لابد من إثبات حكمها فيه وهو حرية اليد في حق الاكتساب والتصرف، فلا يمكن إثبات حرية اليد في نصيب المكاتب إلا بإثبات الحرية في نصيب الساكت؛ لأنها لا تتجزأ ولا يمكن إثبات الحرية في نصيب الساكت إلا وقد تملك نصيب الساكت فيصير متملكًا نصيب الساكت بهذه الوسائط.
قلنا: من ضرورة حرية اليد في حق الاكتساب والتصرف في نصيب المكاتب، أما ليس من ضرورة حرية اليد في حق الاكتساب والتصرف في نصيب الساكت يملك نصيب الساكت وجعل نصيب الساكت مملوكًا للمكاتب في حق الساكت لأنه هو المقصود يحصل في نصيب الساكت إذا صار نصيبه مأذونًا في التجارة فجعلنا نصيب الساكت مأذونًا في التجارة في حق الساكت مكاتبًا في حق المكاتب، وإذا بقي نصيب الساكت مأذونًا في التجارة في حق الساكت كان هذا كسب عبد مشترك، فكان للساكت أن يأخذ نصفه، أما في الإعتاق والتدبير والاستيلاد تحققت الضرورة إلى تملك نصيب الساكت لأن الإعتاق والتدبير والاستيلاد لما صح في نصيب المباشر لابد من إثبات حكمها في نصيبه ولا يمكن إثبات حكمها في نصيبه إلا بثبات حكمها في نصيب صاحبه، لأنه لا يتجزأ ولا يمكن إثباته في نصيب الساكت لسبب آخر غير العتق؛ لأن حكم حقيقة العتق لا تثبت بسبب آخر غير العتق.
وكذلك حكم التدبير لا يثبت نسب آخر غير التدبير؛ لأنه لإثبات حق العتق للرقبة حتى لا يجوز عن كفارة يمينه، وحكم جعله لعتق لا يثبت لسبب آخر دون العتق، فكذا حكم حق العتق فأثبتنا حقيقة العتق وحكم حق العتق في نصيب الساكت بالعتق والتدبير والعتق والتدبير في نصيب الساكت لا يصح إلا بعد أن يصير مملوكًا له فصار متملكًا نصيب الساكت.
فأما الثابت بالكتابة للحال حرية اليد في حق التصرف، لا حقيقة الحرية، ولا حق الحرية وبهذا قبل الفسخ وصار صرفه إلى الكفارة وحرية اليد كما ثبتت بالكتابة تثبت بالإذن فيمكننا إثبات حرية اليد في نصيب الساكت يحصل نصيبه مأذونًا في التجارة.
ثم إذا أخذ الساكت من المكاتب نصف المكاتبة لا يرجع المكاتب على العبد بشيء عندهما؛ لأن إضافة الكتابة ألحق إلى البعض، والكتابة عندهما لا تتجزئ في حق المكاتب، بمنزلة الإضافة إلى الكل لو أضاف الكتابة إلى الكل فيعتبر نصيب الساكت مكاتبًا في حق المكاتب لأنه أقر عليه حتى ينقسم البدل على النصيبين فلا يرجع على العبد إذا أخذ منه الساكت بشيء وفي حق الساكت يعتبر مأذونًا (في التجارة) لا مكاتبًا كذا هاهنا هذه جملة ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله.
طريقة أخرى لبيان أن الساكت يأخذ من المكاتب نصف ما أخذ من العبد ويأخذ من العبد نصف ما بقي في يده، وعلى هذه الطريقة يسلم أن نصيب الساكت صار مكاتبًا كما هو أصلهما في عدم تجزئ الكتابة.
وجه ذلك: أن الكل وإن صار مكاتبًا إلا أن للساكت قبل أداء بدل الكتابة أن يفسخ الكتابة ويأخذ نصف الرقبة ونصف الكسب، وبعد الأداء إن تعذر الفسخ في الرقبة ما تعذر في الكسب فيفسخ الساكت العقد في نصيب الاكتساب وعند ذلك يعود نصف الكسب إلى ملكه فيأخذه بطريق فسخ الكتابة، ثم لا يرجع المكاتب عبدًا على العبد بشيء وليس للمكاتب أن يحاج العبد، ويقول قد استحق علي بعض ما أديت فإن أرجع عليك بذلك؛ لأن من حجة العبد أن يقول له: قد ضمنت لي سلامة جميع الكسب.
عندهما؛ لأن الكتابة لا تتجزئ عندهما، فإذا استحق عليك نصف ما أخذت لو رجعت له علي؛ كان لي أن أرجع عليك بما رجعت علي؛ لأن ذلك كسبي وقد ضمنت لي سلامة كسبي، ولم يسلم فكان لي حق الرجوع عليك بما رجعت علي فلا يعتد الرجوع هذا الذي ذكرنا، إذا كاتب نصيبه من العبد.
فأما إذا كاتب جميع العبد بغير إذن شريكه وقد أدى المكاتب جميع المسمى فالجواب فيه عند أبي حنيفة رحمه الله كالجواب فيما إذا كانت نصيبه لا غير إلا في فصل وهو أن الساكت إذا أخذ من المكاتب نصف المؤدى فإن المكاتب لا يرجع على العبد بما أخذ منه الساكت، فأما في عدا ذلك فالجواب فيه كالجواب فيما إذا كاتب نصيبه وعلى قولهما. الجواب فيه كالجواب فيما إذا كاتب بعينه؛ لأن إضافة الكتابة إلى نصيبه إضافة إلى الكل.
وفي (نوادر أبي سليمان) عن أبي يوسف رحمه الله: عبد بين رجلين كاتبه أحدهما بغير إذن شريكه، فلم يرد ذلك الشريك حتى أدى المكاتب وعتق.
قال أبو يوسف رحمه الله: لا يرجع الذي لم يكاتب على الذي كاتب بشيء فيما قبض من المكاتبة؛ لأن المكاتبة قد تمت وصار الكسب للمكاتب يوم كاتبه فيما قبض الذي كاتب خالص المكاتب لاحق للذي لم يكاتب فيه فلا يرجع فيه، ولكن يضمن الذي لم يكاتب الذي كاتب نصف قيمته إن شاء، إنه خلاف المذكور في الأصل هذا الذي ذكرنا إذا كاتب نصيبه من العبد أو كله يصير أذن شريكه، فأما إذا كاتب نصيبه بإذن شريكه فهذا على وجهين.
إما أن أذن له بالكتابة في نصيبه، ولم يأذن له بقبض المكاتبة من العبد، أو أذن له بالكتابة في نصيبه، وأذن له بقبض المكاتبة، فإن أذن له بالكتابة، ولم يأذن له بالقبض، فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله: الجواب فيه كالجواب فيما إذا لم يأذن له شريكه بكتابة نصيبه في جميع ما ذكرنا من الأحكام في فصلين:
أحدهما: أنه لا يكون للآذن أن يفسخ الكتابة في نصيب المكاتب؛ لأنه رضي بالكتابة في نصيبه، فلا يكون له حق الفسخ بعد ذلك.
كالمرأة إذا وضعت منها في غير كقول ورضي به الأولياء لا يبقى للأولياء حق الفسخ وحتى كاتب نصيبه بغير إذن شريكه كان له الفسخ؛ لأنه لم ينص بكتابة شريكه.
والثاني أنه متى أدى المكاتب المكاتبة إلى المكاتب حتى عتق نصيب المكاتب لا يكون للآذن حق تضمين المكاتب؛ لأن المكاتب صار معتقًا له بالكتابة برضا صاحبه ولكنه يعتقه أو يستسعيه.
وأما على قولهما: فقد صار العبد مكاتبًا بينهما؛ لأن الإذن من الساكت بكتابة نصيب الكاتبة إذن أَذنَ بكتابة الكل؛ لأنه لا يتجزئ، فكأنه قال: كاتب نصيبك ونصيبي فيصير الكل مكاتبًا بينهما لا يعتق بأداء حصة أحدهما ما لم يؤد جميع المكاتبة كما لو كاتباه مكاتبة واحدة، ويكون المقبوض بينهما لأن كسب مكاتبتهما وما بقي من يد العبد يكون سالمًا للعبد، فلا يكون لأحد على ذلك سبيل؛ لأنه كسب عبد كله مكاتب، هذا إذا أذن له بالكتابة ولم يأذن له بقبض نصيبه، فأما إذا أذن له بالكتابة في نصيبه وبقبض نصيبه فعلى قولهما: الجواب فيه كالجواب فيما إذا أذن له بكتابة نصيبه لا غير، إلا في فصل واحد وهو أنه متى أدى جميع المكاتبة هاهنا إلى المكاتب فإنه يعتق؛ لأن المكاتب صار وكيلًا بالقبض من جهة الآذن فيكون الأداء إليه كالأداء إليهما، فيعتق بالأداء إلى المكاتب، ثم للآذن أن يأخذ منه نصف المكاتبة؛ لأنه كسب مكاتبهما وفيما لم يأذن له بالقبض وصار مكاتبًا بينهما إذا أدى إلى المكاتب جميع المكاتبة فإنه لا يعتق لأن الإذن بالكتابة لا يكون إذنًا بالقبض، كالوكيل بالكتابة لا يكون وكيلًا بالقبض، فلا يصير المكاتب وكيلًا من جهة الآخر بقبض نصيبه فيكون أداء حصة الآخر إليه والأداء إلى الأجنبي سواء، فأما فيما عدا هذا الحكم فالجواب فيه كالجواب فيما إذا أذن له بكتابة نصيبه ولم يأذن له بالقبض.
وأما على قول أبي حنيفة رحمه الله: فالجواب فيه كالجواب فيما إذا أذن له بكتابة نصيبه، ولم يأذن له بالقبض إلا في فصل هو أن ما قبضه المكاتب من بدل الكتابة نصيبه، ولم يأذن له بالقبض إلا في فصل يكون سالمًا له فلا يكون للآذن أن يأخذ منه نصف ما قبض، وذلك لأنه متى أذن بقبض المكاتبة، فكأنه أذن للمكاتب بأداء ما عليه من بدل الكتابة من ماله فيصير أداء المكاتب نصف المكاتبة من ماله بإذنه كأدائه لو شرع بأداء نصف المكاتبة على المكاتب، فإن ما أدى يكون سالمًا للمكاتب فكذا هذا، بخلاف ما لو لم يأذن له بالقبض؛ لأنه لم يوجد منه الرضا بأداء المكاتبة من ماله وما قبض المكاتب من المكاتبة نصفه ملك المكاتب فيكون سالمًا له ونصفه ملك للساكت فكان (له) أن يأخذ نصيبه.
فأما فيما عدا هذا الحكم فالجواب فيه كالجواب فيما إذا أذن بكتابة نصيبه ولم يأذن له بالقبض.
قال محمد رحمه الله في (الأصل): وإذا كاتب أحدهما نصيبه بغير إذن شريكه لم يكن لشريكه أن يتبع نصيبه على ما ذكرنا، فإن كاتب الساكت نصيبه بعد ذلك جاز وهذا عندهما جميعًا، على قول أبي حنيفة رحمه الله: فلا إشكال؛ لأن الكتابة تتجزأ عنده فلم يصر نصيب الساكت مكاتبًا أصلًا، وإذا لم يصر نصيبه مكاتبًا صار الحال في حق الساكت بعد كتابة المكاتب كالحال قبل الكتابة وقبل كتابة المكاتب الآخر (له) أن يكاتبه فكذلك هذا، وعلى قولهما: فلما ذكرنا أن نصيب الساكت لم يصر مكاتبًا في حق الساكت بل اعتبر نصيبه مأذونًا له وإذا كان نصيب الساكت مأذونًا في حق الساكت لا مكاتبًا كان له أن يكاتب نصيبه فيصير العبد مكاتبًا بينها كل نصف منه صار مكاتبًا بكتابة على حدة من أحدهما متى أدى إلى أحدهما حصته فإنه يعتق، ثم إذا كاتب الساكت نصيبه لا يكون للمكاتب الأول فسخ الكتابة في نصيبه، وذلك لأن الساكت بكتابة نصيبه جعل متصرفًا في خالص ملكه.
ولم يلحق بالمكاتب الأول ضررًا فإن ضرر الكتابة من أحد الشريكين امتناع البيع على الآخر، وكان هذا الضرر ثابتًا على الأول بكتابة نفسه، وتصرف الإنسان لا يكون لأحد حق الفسخ عليه فكان كتابة الساكت ولم يلحق لشريكه ضررًا بمنزلة البيع في هذه الحالة، وإن أذن لشريكه بالكتابة في نصيبه وبقبض المكاتبة فأدى العبد إلى المكاتب شيئًا ثم نهاه عن القبض كان له ذلك؛ فإن أذن له بأن يقضي ما عليه من بدل الكتابة من ماله فإن نصف كسبه له، فإذا بدا له أن يمنعه من القضاء كان له ذلك لمن قال لمودعه: اقض الدين الذي عليك من وديعتي فأدى من ذلك شيئًا ثم نهاه عن الباقي كان له ذلك؛ لأن الإذن بالقضاء تبرع وإنما يتم هذا التبرع بالقضاء قبيل القضاء هو غير تام وللمتبرع أن يرجع عما تبرع به قبل التمام، وإن كاتب أحدهما نصفه بغير إذن شريكه وشريكه لا يعلمه ثم إن المكاتب منهما أذن للآخر في كتابة نصيبه فكاتبه ثم علم الثاني بكتابة الأول فأراد الثاني أن يفسخ كتابة الأول ليس له ذلك؛ لأن حق الفسخ للثاني إنما يثبت دفعًا للضرر عن نفسه، والضرر هاهنا لا ينبغي بالفسخ فلا يعتد الفسخ بموته، فلا يثبت له حق الفسخ، وإذا لم يثبت له حق الفسخ صار نصيب كل واحد منهما مكاتبًا بكتابة على حدة؛ لأن كل واحد منهما كاتب نصيبه بكتابة على حدة.
فإن أخذ أحدهما في العبد شيئًا لا يكون للآخر أن يشاركه إلا فيما دفع إلى الأول قبل كتابة الثاني؛ لأن ما دفع الأول قبل كتابة الثاني كسب عبد نصفه مكاتب ونصفه مأذون، فأما ما دفع بعد كتابة الثاني صار الكل مكاتبًا فهذا كسب عبد هو مكاتب كله فلا يكون للآخر أن يشاركه بحكم أنه كسب عبده ولا بحكم الكتابة؛ لأن نصيب كل واحد منهما صار مكاتبًا بكتابة على حدة، فيعتبر بما لو باع كل واحد منهما نصيبه ببيع على حدة وقبض الثمن، وهناك لا يكون للآخر أن يشاركه فكذلك هذا، وإذا أدى حصة أحدهما عتق نصيبه؛ لأنه معاوضة وتعليق، وأي ذلك ما اعتبر إذا حصل كتابة كل واحد منهما بعقد على حدة فإنه يعتق نصيبه بخلاف ما كاتباه جملة مكاتبة واحدة حيث لا يعتق نصيب أحدهما إذا أدى إليه حصته إن اعتبرنا معنى المعاوضة؛ لأن المكاتب بمنزلة المشتري والموليان بمنزلة البائعين، والواحد إذا اشترى عبدًا من اثنين بألف درهم صفقة واحدة وأدى حصة أحدهما لا يسلم له شيء من المعقود عليه وإن اعتبرنا معنى التعليق؛ فلأن معنى قوله كاتبناك بألف درهم إذا أديت إلينا ألف درهم فأنت حر وهناك إذا أدى أحدهما خمسمائة لا يعتق نصيبه كذا هاهنا.
قال: عبد بين رجلين كاتب أحدهما جميع العبد بغير إذن شريكه فاستسعى العبد وأدى إليه نصف المكاتبة فإنه لا يعتق؛ لأن الكتابة واحدة فكان شرط وقوع العتق إزاء جميع المكاتبة لا إزاء حصة كما لو كاتباه جملة، فإن وهب المكاتب العبد نصف المكاتبة لا يعتق حصة من العبد ولو وهب له جميع حصته عتق نصفه فقد جعل هبة النصف شائعًا من النصفين حتى قال: تقع البراءة عن جميع حصته، وجعل هبة حصته مصروفًا إلى نصيبه حاجة حتى قال: برأ عن جميع حصته فيعتق.
بعض مشايخنا رحمهم الله: يجب أن يكون الجواب فيهما سواء كان كما في سائر الديون، فإنه في الحالين بعد الغريم عن جميع حصته ويكون هبة النصف مصروفًا إلى حصته لا إلى النصيبين، فيجب أن يكون في الكتابة كذلك، ولو وهب حصته يعتق فكذلك إذا وهب نصفه، ومنهم من صح ما ذكرنا في الكتابة، وقال: بأن بدل الكتابة في مسألتنا هذه في حكم دين واحد من وجه وفي حكم دينين من وجه، وهذا لأن الموجب لهذا الدين واحد وهو المكاتبة لم يشاركه في إيجابه أحد فيكون واحدًا باعتبار الإيجاب لا دينين.
ولكن باعتبار الواجب في حكم دينين؛ لأن الواجب بهذا الإيجاب مشترك بينهما، ولو كان في حكم دين واحد من كل وجه إيجابًا انصرفت هبة النصف إلى نصف شائع أو لم يتصور هبة الحصة منه لأنه لا حصة إذا كان الدين واحدًا ولو كان في حكم دينين من كل وجه فإن وجب بإيجابهما انصرف هبة النصف إلى نصيب الواهب خاصة لهبة الحصة كما في سائر الديون المشتركة فإذا حار بين الدين الواحد والدينين عملنا بالدليلين فقلنا: لنسبة بالدين الواحد من وجه إيجابًا انصرف هبة النصف إلى نصف شائع ويشهد بالدينين تنصرف هبة الحصة إلى نصفه خاصة عملًا بالدليلين، وإنما أظهرها نسبه الدين الواحد في هبة النصف لأنا إذا أظهرنا نسبة الدينين في حق هبة النصف فصرفناه إلى نصيب الواجب خاصة وجب أظهر هذا لسنة في حق الحصة بطريق الأولى؛ لأن حصته لا تحتمل إلا نصيبه، وهبة النصف يحتمل النصف من النصيبين فحينئذٍ لا يمكننا العمل بالدليلين، فإن قيل: هذا مشكل بما لو باع أحد الشريكين جميع العبد ثم وهب نصف الثمن، فإنه ينصرف إلى نصيبه خاصة.
والإيجاب إيجاب واحد والجواب عن هذا أن الإيجاب واحد إلا أن نصيب شريكه من الثمن لم يجب بهذا الإيجاب بدليل أنه لم يتعلق بسلامة حصة المشتري، بإزاء الكل وإذا لم يجب نصيب شريكه بهذا الإيجاب صار وجود هذا الإيجاب في نصيب شريكه وعدمه بمنزلة، فأما هاهنا إيجاب جميع المسمى صح في حق هذا المكاتب، حتى تعلق عتق نصيبه بإزاء جميع الألف حتى لو أدى حصة المكاتب لم يسلم له نصيب المكاتب وإذا ثبت جميع الألف بإيجابه في حق حصة تعلق العتق به لزمنا أن نعتبر جانب الإيجاب والواجب جميعًا، فيصح إسقاط النصف شائعًا باعتبار الإيجاب كما لو أسقط الكل باعتبار الشركة في إسقاط نصيبه خاصة بثمن الحصة، وإذا أعتق نصيبه متى وهب حصته كان الشريك الآخر بين خيارات ثلاث عند أبي حنيفة رحمه الله إن كان المكاتب موسرًا وبين خيارين إن كان معسرًا ويرجع الساكت على المكاتب فيأخذ منه نصف ما قبض ثم لا يرجع المكاتب على العبد بشيء عنده بخلاف ما لو كاتب نصيبه لا غير وعلى قولهما في الحالين لا يرجع على العبد بشيء والله أعلم.

.الفصل الثاني عشر في الرجل يكاتب بشقص مملوكه:

قال محمد رحمه الله في (الأصل): إذا كاتب الرجل نصف عبده جاز، فإن أدى عتق نصفه وسعى في قيمته عند أبي حنيفة رحمه الله، وإن اكتسب أموالًا قبل الأداء فنصفه له؛ لأن نصفه مكاتب ونصفه للمولى، لأن النصف الآخر ليس بمكاتب عنده بل هو مأذون له.
وعلى قولهما: إذا أدى عتق كله ولا شيء للمولى من كسب اكتسبه قبل الأداء، لأن كله مكاتب عندهما لأن الكتابة عندهما لا تتجزئ، وما اكتسبه بعد الأداء فكله له؛ لأنه حر عندهما، فيستسعى عند أبي حنيفة رحمه الله، والمستسعى بمنزلة المكاتب وكسب المكاتب له فرع على قول أبي حنيفة رحمه الله في (الأصل) فقال: إذا كاتب نصفه ثم أراد أن يجعل بينه وبين العمل والطلب والكسب والسعاية في مكاتبته ليس له ذلك؛ لأن العبد بكتابة النصف استحق عتق النصف بإزاء بدل الكتابة، ولا يمكنه الأداء إلا بالاكتساب والطلب فمتى منعه عن الاكتساب والطلب فقد (أدان...) عليه ما أثبت له من حق العتق بالكتابة فلا يكون له ذلك كما لو كاتب كله ثم أراد أن يحول بينه وبين الكسب والعمل ليس له ذلك كيلا يبطل على العبد حق العتق.
فأما لو أراد هذا العبد أن يسافر فأراد المولى أن يمنعه فله ذلك قياسًا في قول أبي حنيفة رحمه الله، وفي الاستحسان ليس له ذلك.
وجه القياس وهو أن المكاتب يشتري رقبته من المولى، فإذا كاتب نصفه فقد اشترى من المولى نصف رقبته فيعتبر بما لو اشترى غيره، ولو اشترى نصف رقبته غيره أو أراد المشتري أن يسافر بالعبد فمنعه البائع كان له ذلك فكذلك هذا.
والمعنى في المسألة وهو الفرق بينما إذا منعه عن المسافرة وبينما إذا منعه من أجل الطلب والكسب، فإنه ليس له ذلك قياسًا واستحسانًا لأن في ذلك إبطال حق العبد في العتق بيقين، وليس في منعه من المسافرة إبطال حقه في العتق لا محالة لأنه يمكنه أداء بدل الكتابة باكتساب بدل الكتابة في المصر.
وجه الاستحسان: وهو أنه بالكتابة أثبت للعبد حق أن يعتق بإزاء بدل الكتابة، ولا يمكنه الأداء إلا بالاكتساب وربما لا يمكنه الاكتساب إلا بالمسافرة، فمتى أطلقنا له المنع من المسافرة وربما لا يمكنه أداء ما عليه في بدل الكتابة بدون المسافرة كان في ذلك إبطال حق على العبد عسى، وكما لا يكون للمولى إبطال ما ثبت له من الحق بالكتابة بيقين لا يكون له مباشرة ما يتوهم نسبة إبطال حق العبد عسى.
ثم إن محمدًا رحمه الله ذكر القياس والاستحسان في المسألة في ثلاث مواضع:
أحدهما: في المسافرة.
والثاني: في الاستخدام إذا أراد المولى أن يستخدمه يومًا ويخليه للكسب يومًا والقياس: أن يكون له ذلك.
وفي الاستحسان لا يكون له ذلك.
والثالث: إذا أراد أن يستسعيه لنفسه يومًا ويخليه يومًا القياس أن يكون له ذلك.
وفي الاستحسان: لا يكون له ذلك.
وجه القياس في ذلك ما ذكرنا أن المكاتب في النصف بمنزلة المشتري نصف بعينه عند أبي حنيفة رحمه الله، ولو اشترى نصف رقبته مشترٍ آخر يثبت للبائع حق التهايؤ مع المشتري فكذلك هاهنا، وهذا لأنه ليس في التهايؤ إبطال حق على العبد لأنهما متى تهايأا احتاج المكاتب إلى كسب المسمى ومتى لم يتهايأا احتاج إلى كسب ضعف المسمى ولا فرق في حق العبد بين أن يأخذ المولى نصف منفعته وبين أن يأخذ نصف كسبه، في الاستحسان لا يكون له حق المهايأة؛ وذلك لأن القول بثبوت المهايأة للمولى قد يصير سببًا لفوات حق العبد في نصف المنفعة وجعلنا المكسوب بين العبد والمولى نصفين لا يصير ذلك سببًا لإبطال حق المولى بغير عوض في نصف منفعة العبد لأنه يأخذ نصف الكسب مكان نصف المنفعة وبالمهايأة قد يبطل حق العبد.
بيان ذلك: أن الأسواق تكون رائجة في بعض فصول السنة، وكاسدة في بعض الفصول على هذا عادة الأسواق في حق كل تجارة وصناعة، فمتى لم يثبت للمولى حق المهايأة أمكن للعبد كسب ضعف المسمى في جميع السنة، وقد لا يمكنه كسب مثل المسمى في نصف السنة ومتى لم يمكنه كسب المسمى في نصف السنة يرد في الرق، فيفوت حق العبد عن العتق أصلًا بالمهايأة وفي القول بترك المهايأة لا يتوهم بنفي فوات حق المولى عند المنفعة بغير عوض أصلًا فكان النصر في الجانبين في ترك المهايأة وفي قسمة المكسوب وليس كما لو اشترى نصف العبد غير العبد، وذلك لأنه ليس في المهايأة توهم فوات حق على أحد الشريكين، فوجب القول بقسمة المنفعة بالمهايأة فأما القول بقسمة المنفعة هاهنا بالمهايأة قد تصير سببًا لفوات حق العبد، والقول بقسمة المكسوب لا يصير سببًا لفوات المولى بغير عوض أصلًا فكان القول بقسمة المكسوب أولى من القول بقسمة حقيقة المنفعة بالمهايأة.
ولو كانت نصف جارية فولدت ولدًا فولدها بمنزلتها، ويكون نصف كسب الولد للمولى لأن نصف الولد مملوكه كنصف ونصفه كسبه للأم لأنه داخل في كتابة الأم فإن أذن عتق نصفها وعتق نصف الولد معها وسعى كل واحد من نصف قيمته؛ لأن كل واحد منهما معتق البعض، وكل واحد منهما مقصود في هذه السعاية وأما كسب الولد بعد ذلك فهو له دون أمه ومولاه، لأنه صار كالمكاتب بما لزمه من السعاية في نصف قيمته مقصودًا.
وإن ماتت الأم قبل أن تؤدي شيئًا في مكاتبتها سعى الولد في المكاتبة؛ لأن نصفه تابع للأم في الكتابة فيقوم مقامها بعدها في السعاية في المكاتبة، فإذا أداها عتق نصف الأم في آخر جزء من أجزاء حياتها ونصف وعتق نصف الولد أيضًا كما لو أدت في حياتها، وسعى بعد ذلك في نصف قيمته ولا يسعى في نصف قيمة أمه لأن في السعاية في نصف قيمة كل واحد منهما مقصود فلا يجب عليه ما كان عليها في السعاية؛ لأن ذلك إنما يكون بحكم التبعية ولا تبعية بينهما في ذلك النصف.
وهو بمنزلة رجل أعتق نصف جاريته ونصف ولدها ثم ماتت الأم فلا سعاية على الولد من قبل الأم ولو كان أعتق نصف أمته وهي حبلى فولدت بعد ذلك أو حبلت بعد العتق فهذا الولد يسعى فيما على أمه إذا ماتت؛ لأن جميع الولد تبع لها إلا أنه ليس عليه شيء من السعاية مقصودًا فسعى فيما عليها بعد موتها.
وإن كاتب نصف أمة فولدت ولدًا ثم ماتت الأم وترك أموالًا وعليها دين قضى الدين من جميع تركتها أولًا، ثم يكون للمولى نصف ما بقي؛ لأن نصفه باق عليه على ملكه عند أبي حنيفة رحمه الله وهو ذلك النصف بمنزلة المأذون له في التجارة بعد الفراغ من الدين للمولى، ونصف الكسب لها، ويؤدي من ذلك مكاتبتها، فإن بقي شيء أخذ المولى من ذلك نصف قيمتها لأنه كان يستسعيها في نصف القيمة بعد أداء المكاتبة لو كانت حية، فيأخذ ذلك من تركتها بعد موتها؛ لأنا حكمنا بموتها حرة ولا يرث هذا الولد، لأن إسناد الحرية في الولد إلى حال حياتها كان في النصف الذي هو تبع لها وفي النصف الباقي الولد مقصود فإن عليه أن يسعى في نصف قيمته ولا يعتق إلا بعد أداء سعايته، فكان بمنزلة المملوك عند موت أمه فإن لم تدع الأم شيئًا يسعى الولد في الدين كله؛ لأن في حكم الدين الولد قائم مقام الأم، كقوله المأذون وولد المكاتبة، ويسعى في الكتابة أيضًا لهذا المعنى ثم يسعى في نصف قيمة نفسه، لأنه معتق البعض بعد أداء الكتابة ولا يسعى في نصف قيمته لأم لأنه ليس بتبع لها في ذلك النصف، فإن أدى الكتابة قبل أن يؤدي دين الغرماء على المولى بما أخذ ولكنهم يتبعون الولد بالدين، لأنه قائم مقام الأم فأخذ المولى بدل الكتابة منه بمنزلة أخذه منها، ولو أخذ المولى بدل الكتابة من الأم كان المأخذ سالمًا للمولى، والغرماء يتبعون المكاتبة بديونهم فكذا في الولد وإن اكتسب الولد أموالًا قبل أداء المكاتبة فنصف الكسب للمولى بعد الدين؛ لأن الولد بمنزلتها، وقد بينا أن نصف كسبها للمولى بعد الدين فكذا في الولد وإذا كاتب أمته فاستدانت سعت في جمعه لأن نصفها مكاتب ونصفها مأذون له والحكم في دين المكاتب والمأذون ما ذكرنا والله أعلم.

.الفصل الثالث عشر في الاختلاف الواقع بين المولى والمكاتب:

وإذا كاتب الرجل عبده ثم اختلف المولى والعبد في بدل الكتابة فقال العبد: كاتبني على ألف درهم وقال المولى: كاتبتك على ألفين. أو اختلفا في جنس المال كان أبو حنيفة رحمه الله أولًا يقول: يتحالفان وهو قولهما؛ لأنهما اختلفا في بدل عقد فقال؛ ويفسخ فصار كالبيع والإجارة ثم رجع وقال: القول قول العبد مع يمينه، وعلى المولى البينة؛ لأن التحالف في باب البيع عرف بالنص، والكتابة ليست في معنى البيع فالنص الوارد في البيع لا يكون واردًا في الكتابة ثم إذا جعل القاضي القول قول المكاتب مع يمينه والذمة ألف درهم أقام المولى بعد ذلك بينة على أنه كاتبته على ألفين لزمه ألفان وسعى فيهما لأنه لا قوام لليمين إذا جاءت البينة بخلافها، وإن لم يقم المولى بينة على ذلك وأدى العبد ألف درهم وقضى القاضي بعتقه ثم أقام السيد البينة بعد ذلك على أنه كاتبه على ألفين فالقياس أن لا يعتق ما لم يؤد ألفين؛ لأنه ظهر بالحجة أن عتقه معلق بإزاء الألفين.
وفي الاستحسان هو حر وعليه ألف درهم أخرى؛ لأن قضاء القاضي يعد ظاهرًا؛ لأنه صدر عن دليل شرعي وهو اليمين، وقد وقع الشك في نقضه؛ لأن شهود المولى شهدوا بكتابة العبد على ألفين لا غير، ومن الجائز أنه كاتبه على ألفين على أنه حر متى أدى ألفًا والألف الأخرى عليه بعد العتق، وعلى هذا الاعتبار لا يجوز بعد القضاء، ومن الجائز أنه لم يقل على أنه حر متى أدى ألف درهم، وعلى هذا الاعتبار يجوز نقض القضاء، ومطلق الشهادة بالكتابة يحتمل الأمرين فهو معنى قولنا: وقع الشك في نقض القضاء فلا ينقض بالشك بخلاف ما لو أقام البينة قبل قضاء القاضي بالعتق إن كاتبه على ألفين على أنه متى أدى ألفًا فهو حر والألف الأخرى عليه بعد العتق يجب القضاء بالعتق.
وإن لم يقل على أنه متى أدى ألف درهم فهو حر لا يجب القضاء بالعتق فلا يجب القضاء بالعتق بالشك والاحتمال ولو قال المولى: كاتبتك على ألفين، وأقام البينة على ذلك، وأقام العبد بينة على أنك كاتبتني على ألف درهم إن أديتها فأنا حر، فالقاضي يقضي على العبد بألف درهم، وإن أدى ألف درهم، فإنه يعتق وعليه ألف أخرى بعد العتق.
ولو أقام العبد بينة أن المولى كاتبه بألف درهم ولم يقل: إن أديتها فأنا حر وباقي المسألة بحالها وقضى القاضي على العبد بألفي درهم، فلم يقل بألف لا يعتق ما لم يؤد ألفي درهم، ويجب أن يعتق في الفصل الثاني بالأداء الألف أيضًا، لأنه لما كاتبه على ألف درهم فقد قال له إذا أديتها فأنا حر، لأن معنى الكتابة وحكمها هذا.
والجواب وهو الفرق بين المسألتين أن في المسألة بينة العبد ما قبلت على الكتابة بألف درهم، لأنا لو قبلناها على الكتابة بألف درهم احتجنا إلى إثبات عقدين كتابة بألف درهم ببينة العبد وكتابة بألف درهم ببينة المولى، ولا وجه إليه لأن الكتابة الثانية تفسخ الأولى لا محالة، وإذا تعذر القضاء بالعقدين وجب القضاء بأحدهما فقضينا بالعقد الذي ادعاه المولى ببينته لأن بينته أكثر إثباتًا، وأثبتنا ببينة العبد قول المولى: إذا أديت إلي ألفًا فأنت حر لا أصل العقد فجعلنا كأن المولى كاتبه على ألفي درهم وقال له: إن أديت ألف درهم فأنت حر، وعليك ألف أخرى بعد العتق.
وفي المسألة الثانية لا يمكن إثبات قول المولى إذا أديت إلي ألفًا فأنت حر ببينة العبد؛ لأن شهود العبد لم يشهدوا بذلك صريحًا، لو ثبت ذلك إنما يثبت مقتضى ثبوت العقد بألف درهم ببينته، ولا وجه إليه لأن بينة العبد على أصل العقد مقبول على ما ذكرنا.
وإذا كاتب الرجل عبدًا له واختلفا في المعقود عليه فقال العبد: المولى كاتبني على نفسي ومالي على ألف درهم، وقال السيد: بل كاتبتك على نفسك دون مالك فالقول قول السيد عندهم جميعًا، ولا يتحالفان هاهنا بالإجماع لأنهما اختلفا في هذا أن المعقود عليه وللقضاء على البدل.
ولو اختلفا على هذا الوجه في باب البيع بأن قال البائع: بعت منك هذا العبد بألف درهم. وقال المشتري: لا بل اشتريت منك هذا العبد وهذا الحانة بألف درهم لا يتحالفان ويكون القول قول البائع مع يمينه، وعلى المشتري البينة فالبينة بينة المكاتب لأنها أكثر إثباتًا، ولو قال المولى: كاتبتك يوم كاتبتك وهذا المال في يدك وهو مالي وقال المكاتب: بل هو لي أصبته بعد ما كاتبتني، قال القول قول المكاتب لأنه صاحب يد فهو مستحقه ظاهرًا، والمولى مدعيه فكان على المولى البينة، فإن أقام البينة فالبينة بينة المولى؛ لأن الدعوى في مطلق الملك والخارج، والمولى خارج حتى لو كان المال في يد المولى كانت بينة العبد أولى؛ لأن الخارج هو العبد في هذه الصورة ولو اختلفا في أصل الأجل فالقول قول المولى فرق بينه وبين السلم.
والفرق أن في السلم الأصل شرط جواز العقد فالذي يدعي الأصل يدعي حجة العقد والظاهر يشهد له، أما هاهنا الأجل لشرط جواز العقد ليصير مدعي الأجل مدعيًا جواز العقد وإنما يدعي شرطًا زائدًا والمولى ينكره فالقول قول المنكر، ولو اختلفا في مقدار الأجل فالقول قول المولى لأنه ينكر زيادة الأجل، ولو اتفقا على أصل الأجل ومقداره ولكن اختلفا في المضي فالقول قول العبد لأن المولى يدعي على العبد أيضًا حقه بعدما أقر له بالحق والعبد ينكر الاستيفاء فيكون القول قول العبد.
ولو ادعى المكاتب أنه كاتبه على ألف درهم ونجم عليه كل شهر مائه، وقال المولى: لا بل نجمت عليك كل شهر مائتان فالقول قول المولى لأن حاصل اختلافهما في مقدار الأجل، فالمولى يقول خمسة أشهر والعبد يقول له عشرة أشهر.
وإذا وقع الاختلاف بين المولى وبين المكاتبة في ولدها فقال المولى ولدت قبل أن كاتبتك وقالت المكاتبة: بل ولدته بعدما كاتبتني، قال كان الولد في يد المولى فالقول قول المولى، وإن كان الولد في يد المكاتبة ولا يعلم متى ولدت فالقول قولها اعتبار السيد في الفصلين جميعًا ولم يذكر محمد رحمه الله في (الأصل) ما إذا كان الولد في أيديهما.
وروى بشر عن أبي يوسف رحمه الله أن القول قول المولى، وإن أقاما البينة فالبينة بينة المكاتبة لأن في بنيتها زيادة إثبات حرية ليست في بينة المولى، وهي حرية الولد عند أداء بدل الكتابة، فهو نظير ما لو ادعت أمة على مولاها أنه أعتقها وولدها والمولى يقول أعتقتها وحدها. وأقاما البينة وهناك البينة بينة الجارية؛ لأن فيها زيادة إثبات عتق كذا هاهنا والله أعلم بالصواب.

.الفصل الرابع عشر في مكاتبة المريض وإقراره بقبض بدل الكتابة وإقرار المكاتب بالدين لمولاه ولأجنبي ولولده:

قال محمد رحمه الله: مريض كاتب عبده على ألف درهم نجومًا وقيمته ألف درهم وهو لا يخرخ من ثلثه فإن العبد يخير إن شاء عجل ما زاد من قيمته على ثلث مال الميت، وإن شاء رد في الرق، وهذا لأن المريض بالتأجيل أخر حق الورثة إلى مضي الأجل، وضرر التأجيل عليهم كضرر الإبطال من حيث إنه تقع الحيلولة بين الورثة وبين حقهم عقيب موت المورث، ولو أبطل حقهم عن بدل الكتابة بأن أبرأ المكاتب عن بدل الكتابة أليس أنه يعتبر من الثلث فكذا إذا أخر.
ألا ترى لو أجل المريض في دين له على أجنبي يعتبر ذلك من الثلث كما لو أبرأ فإن عجل ما زاد على الثلث حسب ذلك من كل نجم بحصته أو ليس بعض النجوم بأن يجعل المعجل عنه بأولى من الآخر.
وإن كاتبه على ألفين نجومًا وقيمته ألف لا مال له غيره قيل له عجل ثلثي الألفين وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وعلى قول محمد رحمهما الله يقال له: عجل ثلثي قيمتك وهذا لأن من أصلهما أن مال المولى بدل الكتابة فلا يصح تأجيل إلا في قدر الثلث ومن (أصل محمد) رحمه الله أن ما زاد على ثلثي القيمة كان المريض متمكنًا منه إذ لا يتملكه أصلًا، فإذا ملكه إلى أجل لا يثبت للورثة حق الاعتراض على الأجل فيه، وذكر في هذه المسألة في (المنتقى) عن غير ذكر خلاف، وذكر أنه يأمر أن يعجل ثلثي قيمته والباقي إلى الأجل من قبل أنه لم يخرج من ملك المولى بعد.
قال ثمة: ولو قال كان أعتقه على هذا المال أمر بتعجيل ثلثي المال لأنه خرج من ملك المولى ووجب المال للمولى، ولو كان كاتبه على ألف درهم وقيمته ألفا درهم لا مال له غيره قيل له عجل ثلثي قيمتك وأنت حر وإلا رددناك في الرق، لأنه حاباه بنصف المال والمحاباة في مرض الميت وصية فلا تجوز إلا بقدر ثلث، فإذا استوجب للمحاباة الثلث لا يمكن تصحيح التأجيل في شيء، فلهذا يؤمر أن يعجل ثلثي قيمته أو يرد في الرق.
ولو كاتب عبده في صحته على ألف درهم وقيمته خمسمائة فلما حضره الموت أعتقه ثم مات ولم يقبض شيئًا، يسعى العبد في ثلثي قيمته وتبطل الكتابة، لأن مقدار قيمته مال المريض بيقين، فأما ما زاد عليه فغير متيقن أنه مال الميت، ألا ترى أنه يتمكن من أن يعجز نفسه فيعتبر الثلث والثلثان في القيمة، ولأن إعتاقه إياه إبطال للكتابة، لأن الإعتاق المبتدأ في حق المولى غير العتق بجهة الكتابة وإذا كان هذا إبطالًا للكتابة صار كأنه لم يكاتب جميع بدل الكتابة في مرضه، يسعى في ثلثي قيمته لما ذكرنا أن ماله بيقين قدر قيمته، فيعتبر الثلث والثلثان فيها.
قال أبو حنيفة رحمه الله: إذا كاتبه في صحته ثم أعتقه في مرضه فهو بالخيار، إن شاء سعى في ثلثي قيمته، وإن شاء سعى في ثلثي ما عليه من بدل الكتابة، وإن المولى قد قبض منه قبل ذلك خمسمائة ثم أعتقه في مرضه يسعى في ثلثي قيمته ولم يحسب شيء فما أدى بالإعتاق المبتدأ بطلب الكتابة في حق المولى، فما قبض فهو كسب عبده فلا يكون محسوبًا مما يلزمه من السعاية بسبب الإعتاق وهذا عندهما، وكذلك عند أبي حنيفة رحمه الله إذا اختار فسخ الكتابة والسعاية في ثلثي قيمته.
وإن كان العبد بين رجلين مرض أحدهما وكاتبه الصحيح بإذنه جاز ذلك وليس للوارث إبطاله، لأنه قائم مقام مورثه وليس للمورث إبطاله فكذلك لوارثه، وكذا إن أذن له في القبض فقبض بعض بدل الكتابة ثم مات المريض لم يكن للوارث أن يأخذ منه شيئًا.
وفي (المنتقى): مريض كاتب عبده وقيمته ألف درهم على خمسمائة ولا مال له غير العبد ثم مات، يقال للمكاتب: عجل ستمائة وستة وثلاثين والا رددناك في الرق، فإذا أدى خمسمائة وقبضها الوارث على الكتابة عتق بها المكاتب وصار الفضل دينًا عليه يؤخذ منه، وإن شاء الوارث أن لا يقبل الخمسمائة إلا من جميع ما للوارث عليه وذلك ستمائة وستة وستون وثلثان فله ذلك، ولا يعتق العبد في هذا الوجه إلا بأداء الجميع؛ لأنه لا يصير موفيًا الخمسمائة التي هي مكاتبة إلا بأداء الجميع إذا جعلنا ما أدى من المالين جميعًا والله أعلم.
وإذاكاتب الرجل عبده في مرض موته بألف درهم وقيمته ألف درهم ولا مال له غيره، ثم أقر في مرضه أنه استوفى بدل الكتابة جاز إقراره من الثلث ويعتق المكاتب ويسعى في ثلثي قيمته.
فرق بين هذا وبينما إذا باع المريض من أجنبي شيئًا وأقر باستيفاء ثمنه فإنه يجوز إقراره من جميع المال، والفرق أن الإقرار باستيفاء بدل الكتابة إقرار بما يقع ثمة العتق ولو أقر المريض بعتقه يعتبر من الثلث فكذا إذا أقر بما يقع به العتق، فأما الإقرار باستيفاء الثمن إقرار بما يؤكد الملك للأجنبي في الغير، ولو أقر بعتق في يده لأجنبي يصح إقراره من جميع المال فكذا إذا أقر باستيفاء ما يؤكد الملك للأجنبي من العتق، وفرق بين هذا أيضًا وبينما إذا كاتبه في صحته ثم أقر باستيفاء بدل الكتابة في مرضه فإنه يجوز من جميع المال، والفرق أن الكتابة إذا كاتب في حالة الصحة استحق المكاتب البراءة عن بدل الكتابة عند إقرار المولى باستيفاء بدل الكتابة لعدم تعلق حق الغير..... هذا تعلق حق الورثة بمال المريض استبق حق المكاتب فصار في حكم الصحيح في حق هذا الإقرار، فأما إذاكاتب الكتابة في حالة المريض فحق الورثة تعلق برقبة المكاتب في أول المرض، فأوجب ذلك تعلقه بالبدل ومنع ذلك ثبوت هذا الحق للمكاتب فاعتبر إقراره من الثلث لهذا، ولو لم يقر باستيفاء بدل الكتابة كأنه أقر في يده أنها وديعة لهذا المكاتب أودعها إياه بعد الكتابة والألف الوديعة من جنس بدل الكتابة ثم مات جاز إقراره من الثلث يريد به إذا كاتب الكتابة في المرض، لأن ذلك إقرار باستيفاء بدل الكتابة، فالإقرار من رب الدين بالوديعة للمديون إذا كاتب الوديعة من جنس الوديعة الدين إقرار باستيفاء الدين، فإن مال المديون متى وقع في يد صاحب الدين وديعة وهو مثل الدين يصير قصاصًا ويصير رب الدين مستوفيًا دينه به، فكان هذا إقرارًا بالاستيفاء من هذا الوجه فيعتبر من ثلث المال إذا كاتب الكتابة في حال المرض، وإن كاتب الكتابة في حالة الصحة وباقي المسألة بحالها يعتبر إقراره من جميع المال. ولو أقر بألف أجود من بدل الكتابة وكاتب الكتابة في حال الصحة يعتبر إقراره من جميع المال لأنه أقر بوديعة ما هو مثل الدين وزيادة حقه، فصح الإقرار بما هو مثل الدين؛ لأنه يتعلق به الاستيفاء ولم يصح في حق الزيادة لأنه يتعلق به الاستيفاء، فإن قال المكاتب إليَّ أسترد الخيار وأعطي مثل حقي لم يكن له ذلك لعدم صحة الإقرار بالزيادة، ولو أقر بألف ذيوفًا في يده أنها وديعة لمكاتبه وبدل الكتابة ألف جياد، لم يصح إقراره إذا كان عليه دين الصحة ويقسم هذه الألف بين غرماء الصحة ويؤاخذ المكاتب بما عليه، لأن الإقرار بالوديعة من المريض إذا كان عليه دين الصحة إنما يصح إذا تضمن معنى الاستيفاء والخيار لا يحتمل الاستيفاء بالديون إذ الجودة صارت حقًا للغرماء وفي استيفاء الرديء مكان الجيد إبطال حقهم في الجودة وإنه لا يجوز، فلم يكن هذا الإقرار متضمنًا معنى الاستيفاء. يبقى إقرار الوديعة قصدًا وذلك من المريض باطل إذا كان عليه دين الصحة.
قال محمد رحمه الله في (الجامع): مكاتب أقر لمولاه بألف درهم في صحته، وقد كان المولى كاتبه على ألف درهم وأقر المكاتب لأجنبي بألف درهم ثم مرض المكاتب وفي يده ألف درهم فقضاها المولى من المكاتبة ثم مات من ذلك المرض وليس له مال غيرها فالألف تقسم بين المولى والأجنبي على ثلاثة أسهم سهمان للمولى وسهم للأجنبي لأنه حرّمان وعليه ثلاثة آلاف درهم دين ألفان للمولى وألف للأجنبي.
و(لو) ترك ألف درهم فيقسم بينهما على قدر حقوقهما لأسبق الديون في القوة. وإنما قلنا إنه حر لأن الحرية معلقة بأداء بدل الكتابة وقد تحقق لأداء، أكثر ما في الباب أن ذلك الأداء مستحق البعض لما أنه آثر بعض الغرماء على البعض، إلا أن الشرط وجود الأداء لا دوامه، ألا ترى أن المكاتب لو أدى مالًا مغعصوبًا فإنه يصح الأداء ويثبت العتق مع أن ذلك ليس بكسبه فهاهنا لأن يصح الأداء والمؤدى كسب العبد كان أولى، فإذا صح الأداء ثبت العتق والعتق بعد تحققه لا يحتمل الانتقاض قضاء مال الكتابة دينًا مستحقًا، كذا على الحر لا يحتمل السقوط، وكذا الدين الآخر للمولى لا يحتمل السقوط وكذا دين الأجنبي فاستوت الديون في القوة، فلهذا يقسم الإرث بينهما على قدر حقوقهما أثلاثًا.
ولو أن المكاتب أدى الألف إلى المولى من الدين الذي أقر به المولى في صحته ثم مات، قال: الأجنبي أحق بهذه الألف وبطل دين المولى ومكاتبته لأن تعيين من عليه في الأداء صحيح، وإذا صح التعيين من ذلك الدين لم يقع المؤدى عن المكاتبة، فإذا مات مات عن غير وفاء فرد في الرق فمات على ملك المولى على عبده دين لا يبقى أيضًا، وبقي دين للأجنبي فكان الألف له، فكذلك لو لم يقضها للمولى ومات وتركها فهي للأجنبي لما تبين بعد هذا.
ولو ترك المكاتب ابنًا ولد في كتابته فالأجنبي أحق بهذا الألف من المولى، لأنه ما لم يقبض المولى عن المكاتبة (لم) يعتق ولم يصر دين المولى مستأكدًا، ودين الأجنبي متأكد لا يحتمل السقوط بحال فكان دين الأجنبي أقوى فيبدأ به ويبتع المولى ابن المكاتب بالمكاتبة والدين لقيامه مقام الأب.
ولو كان المكاتب قد قضاه المولى من المقر به قبل الموت ثم مات ترك ابنًا مولودًا كتابته كان الأجنبي أحق بالألف أيضًا لأنه آثر بعض غرمائه بالقضاء في حالة المرض فوجب بعض الإيثار، ومتى وجب بعضه صار الأجنبي أحق بالألف لكون دينه أقوى، ويتبع المولى ابن المكاتب بالدين والمكاتبة استأمن الولد مقام الولد الأب في حق السعاية فيما على الأب، وإذا أدى الابن المكاتبة والدين الذي على الأب لا ينقض القضاء إلى الأجنبي، فإن صارت الديون مستوية في القوة لما حكم بعتق المكاتب بأداء ولده إلا أن الاستواء إنما يعتبر حالة الميت التي هي حالة المزاحمة وقد يعتقه في ذلك الوقت، ولأن الاستواء إنما يثبت باعتبار الحرية، والحرية هاهنا إنما تثبت بعد وصول الدينين إلى المولى وفي هذا الوقت لا فائدة في نقض القضاء إلى الأجنبي لأن فائدته ليس إلا وصول المولى إلى شيء من دينه ويعتقا وصل الدينان إلى المولى بإكمالهما لا يتصور هذا النوع من الفائدة.
ولو أن رجلًا كاتب عبدًا له على ألف درهم في صحة المكاتب، وأقرضه رجل أجنبي ألفًا في صحته ثم مرض المكاتب، فأقرضه المولى ألفًا بمعاينة الشهود فسرقت من المكاتب وفي يد المكاتب ألف أخرى فقضاها من الألف القرض ثم مات المكاتب من مرضه ذلك وليس له مال سوى الألف التي قضاها المولى فالمولى أحق بها من الأجنبي، لأن القرض إن كان معاوضة حقيقة من حيث إنه يعطي مالًا ويأخذ مثله إلا أنه اعتبر عارية حكمًا، وبهذا لا يصح فيه التأجيل ولا يملكه المكاتب والعبد المأذون، ولا يشترط قبض بدله في المجلس إذا كان القبض دراهم أو دنانير، ولو اعتبر معاوضة حقيقة كان هذا صرفًا فيجب قبض بدله في المجلس، ولما لم يشترط علم أنه إعارة حكمًا، فيعتبر هو بالعارية الحقيقية بأن أعارهُ المولى من المكاتبة عينًا لينتفع به بمعاينة الشهود، ثم استرده من مكاتبته في مرضه ثم مات عاجزًا وعليه دين الأجنبي، وهناك كان ما استرده المولى سالمًا للمولى، وهناك كذلك.
بخلاف ما لو اشترى المكاتب في مرضه عبدًا من المولى بألف وقيمة العبد ألف، ولرجل أجنبي على المكاتب ألف فهلك العبد في يد المكاتب، وفي يد المكاتب ألف درهم لا غير، فقضاها المولى من ثمن العبد ثم مات المكاتب من مرضه ذلك ولم يترك وفاء، فإن ما قبض المولى من ثمن العبد لا يسلم للمولى وإن كان البيع وقبض الثمن بمعاينة الشهود، لأن للبيع معاوضة حقيقة وحكمًا فكان المأخوذ من المكاتب دينًا حقيقة وحكمًا، ثم لما مات من غير وفاء وانفسخت الكتابة يسقط دين المولى فيسترد منه الألف ويدفع إلى الأجنبي. قال محمد رحمه الله في (الكتاب): ألا ترى أنه لو كان مكان المولى أجنبيًا كان أحق بها من صاحب الدين في حالة الصحة؟ وقال: ألا ترى أنه لو قضى مولاه وهو صحيح ولم يدفع إلى الغرماء شيئًا ثم عجز بعد ذلك كان جائزًا؟ كذا هاهنا.
مكاتب له على مولاه دين في حالة الصحة فأقر في مرضه أنه قد استوفى ماله على مولاه وعليه دين الصحة ثم مات ولم يدع مالًا، لم يصدق على ذلك لأنه لما مات لا عن وفاء فقد مات عبدًا، وصار المولى أقرب الناس إليه بمنزلة الوارث الحر من مورثه، وإقرار المريض باستيفاء الدين من وارثه باطل لتهمة الإيثار فها هنا كذلك.
رجل كاتب عبدًا له على ألف درهم في صحته، ثم إن المكاتب أقر في مرضه لأجنبي بألف درهم ثم مات المكاتب ولم يترك الألف درهم، فالأجنبي أحق بالألف من المولى، فإن كان دين المولى دين الصحة ودين الأجنبي دين المرض بخلاف ما إذا كان دين الصحة لغير المولى حيث كان أولى بالقضاء من دين المرض. والفرق بينهما أن دين المولى في حالة الصحة لا يمنع ثبوت دين المرض على العبد ليست من الأسباب لأن المولى بعقد الكتابة يسلط المكاتب على ذلك، لأنه يسلطه على التصرفات، والإقرار بالدين من توابعه، فكان فيه إبطال حقه بتسليطه، ولما لم يمنع دين المولى في حالة الصحة دين المرض على (ما) صار هاهنا صار دين المولى ودين الأجنبي في حق المولى بمنزلة دين الصحة أو دين المرض ولو كانا في الصحة أو في المرض يبدأ بدين الأجنبي لكونه أقوى فهاهنا كذلك. أما دين الأجنبي في حالة الصحة يمنع ثبوت دين على العبد في حالة المرض بإقرار العبد لما فيه من إبطال حقه من غير تسليطه فلا يقدر العبد على ذلك فلهذا افترقا. وكذلك الجواب فيما إذا مات المكاتب وترك سبعمائة درهم بل هذا أولى؛ لأنه لا وفاء هنا ببدل الكتابة حقيقة وحكمًا.
رجل كاتب عبدًا له على ألف درهم ثم مرض المكاتب فأقر لمولاه بقرض ألف درهم وأقر لرجل أجنبي بقرض ألف درهم بعد ذلك أو بدأ بالإقرار للأجنبي ثم للمولى ثم مات وترك ألفي درهم يبدأ بدين الأجنبي؛ لأن دينه أقوى على ما مر فواجد الأجنبي دينه والألف الآخر يعطى للمولى عن الكتابة دون الإقرار، لوجهين أحدهما: أن في صرفه إلى الكتابة احتيال لإثبات العتق والعتق ورثة يجب الاحتيال لإثباته ما أمكن، والثاني: أنا لو صرفناه إلى الإقرار ابتداء أبطلناه انتهاء.
وبيانه: أنه إذا صرف إلى الإقرار يظهر موت المكاتب عاجزًا فيظهر أنه مات عبدًا فيبطل دين المولى عنه وبه يظهر أن الأداء كان باطلًا، فكان في الصرف إلى الإقرار ابتداء إبطاله انتهاء أما لو صرفناه إلى بدل الكتابة لا يبطل الأداء في الأجرة، فكان الصرف إلى بدل الكتابة أولى. فإن ترك المكاتب فضلًا على ألف درهم أخذ المولى الفضل على الألفين من الألف التي أقر المكاتب له بها إذا لم يكن المولى فإن كان للمكاتب ابن أو عصبة أما إذا كان المولى وارثًا كان المكاتب مقرًا لبعض ورثته في مرضه وذلك باطل ولكن الفضل يكون ميراثًا بين المولى وبين ورثة المكاتب إن كان له ورثة، وإن لم يكن فالفضل كله للمولى بالعصوبة كما لو لم يقر للمولى.
وكذلك لو كان في يد المكاتب حين مرض مائة دينار فأقر بأنها وديعة عنده للمولى ثم أقر للأجنبي بدين ألف درهم ثم مات وترك ألف درهم والمائة دينار التي أقر بها لمولاه فإنه يبدأ بدين الأجنبي لما مر فينصرف الألف إليه والدنانير تباع فيقضي من ذلك أولًا بدل الكتابة لما مر فإن فضل شيء، كان الفضل للمولى بحكم الإقرار لأن بكون المولى من ورثة المولى المكاتب فحنيئذ يكون الفضل ميراثًا على ما مر.
رجل كاتب عبده على ألف درهم فأقرضه المولى ألف درهم وذلك في صحة المكاتب ثم مات وترك ألف درهم وله أولاد أحرار من امرأة، فإن القاضي يقضي بالألف للمولى من المكاتبة وليس للمولى أن يجعلها من الدين لما مر من الوجهين، فإن كان له أولاد من امرأة هي معتقه غيره، فالأب حر والأم لأولاد إلى مواليه لأن الولاء لحمة كلحمة النسب، فهاهنا أمكن إثباته من الأب لا يثبت من الأم، إلا أنه ما دام الأب عبدًا كان إثبات الولاء إلى مواليه من الأب متعذرًا، فإذا عتق الأم أمكن إثباته من الأب نحو الأب إلا ولاء إلى مواليه.
ولو ترك أكثر من ألف درهم أخذ المولى الفضل حتى يستوفي الألف التي قبضه لأنه لما مات حرًا وترك أولادًا أحرارًا وفيهم ذكر، ظهر أن المكاتب أقر للمولى بألف والمولى أجنبي منه، والإقرار للأجنبي صحيح، فإن بقي شيء بعد ذلك دين لمولى الأب يصرف إلى الورثة لأن الميراث هو حر عن الدين على ما عرف.
رجل كاتب عبده على ألف درهم وللمكاتب ابنان حران هما وارثاه، فمرض المكاتب وأقر لأحد الابنين بدين ألف درهم، وأقر للمولى بدين ألف درهم، ثم مات وترك ألف درهم فالمولى أحق بالألفين، يستوفي أحدهما من مكاتبه والآخر من دينه، وكان ينبغي أن يبدأ بدين الابن لأنه أقوى فإنه لا يسقط بعجزه كدين الأجنبي إلا أنا لولد بدين الابن يبقى من المولى ألف درهم يأخذها المولى من مكاتبته لا من دينه لما مر قبل هذا، وإذا أخذها المولى بجهة الكتابة يحكم بعتقه وصار الابن وارثًا له فتبين أنه حر أقر لوارثه في مرض موته فكان.
.... فكان في الصرف إلى الابن ابتداءً ابطاله انتهاءً أما لو صرف أولًا إلى بدل الكتابة يعتق، وتبين أنه مقر بالألف للمولى والمولى ليس وارثًا عنه فيصح إقراره له،...... بدأنا بالصرف إلى المولى وإن ترك أقل من ألفين يبدأ بدين الابن لأن دين الابن أقوى والبداية بالأقوى أولى، إلا أن في الفصل الأول إنما يبدأ بدين الابن؛ لأن في البداية به ابتداءً إبطاله انتهاءً وهذا المعنى هاهنا معدوم، لأنه إذا صرف إلى الابن ألف يبقى الباقي أقل من بدل الكتابة، فيتحقق موته عاجزًا فلا يصير الابن وارثًا له فلا يتأتى ذلك المعنى، وما فضل من الألف يكون للمولى لأنه لما مات عاجزًا رُدَّ في الرق فكان هذا كسب عبده وقد فرغ عن حاجة العبد فيكون للمولى والله أعلم.

.الفصل الخامس عشر في الكتابة الموقوفة:

ذكر في (نوادر ابن سماعة) عن محمد رحمه الله في رجل قال لغيره: كاتب عبدك على ألف درهم، فقال: قد فعلت، فالكتابة موقوفة، فإن بلغ العبد فقبل لزمه وإن (قال): لا أقبل بطلت، فإن أدى الرجل الألف إلى المولى قبل أن يبلغ الكتابة العبد عتق، فإن أدى الرجل الألف، وإن بلغه وقال لا أقبل ثم أداها الرجل عن العبد لا يعتق.
ولو قال: كاتب عبدك على ألف درهم وأنا ضامن لها، فقال: قد فعلت كانت الكتابة موقوفة على إجازة العبد، والضمان باطل، فإن أدى على ذلك الضمان عتق العبد وللرجل أن يرجع بذلك على المولى ولا سبيل للمولى على العبد وكذلك لو كان العبد قبل الكتابة ورضي بها ثم ضمن الرجل المال عنه وأداه على ذلك الضمان كان للرجل أن يرجع بذلك على العبد.
وفي (نوادر إبراهيم) عن محمد رحمه الله: رجل كاتب عبد الغير بغير أمر صاحب العبد على ألف درهم ثم حط عنه خمسمائة فبلغ المولي فأجاز، قال: فالكتابة بالألف.
وفي (نوادر ابن سماعة) عن أبي يوسف رحمه الله: رجل كاتب عبد غيره بغير إذنه على ألف درهم فإن (أدى) العبد الألف إليه يعني إلى الذي كاتبه ثم بلغ المولى فأجاز الكتابة جازت الكتابة ولا يجوز دفع المكاتب إلى الذي كاتبه ولا يعتق بذلك الدفع فإن أجاز المولي الكتابة والدفع فذلك جائز في قول أبي يوسف ويعتق المكاتب بأدائه إليه.
ولا تجوز إجازه القبض في قول أبي حنيفة رحمه الله، قال لأن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول: لو كان لرجل على آخر دين فاقتضاه منه رجل بغير أمر صاحبه فأجاز رب الدين لم يجز وما اكتسبه بعد الكتابة قبل الإجازة فذلك للمولى للمكاتب على كل حال والله أعلم.

.الفصل السادس عشر في مكاتبة الصغير:

قال محمد رحمه الله: رجل كاتب عبدًا صغيرًا لا يعقل لا يجوز لأن الكتابة لا تنعقد بدون القبول والذي لا يعقل ليس من أهل القبول، فإن أدى عنه رجل لم يعتق لأن الكتابة لم تنعقد في حقه ويسترد ما أدى إلى المولى لأنه أخذ ما أخذ بغير حق وإن كان يعقل جاز لأنه من أهل القبول فإذا جازت الكتابة كان هو بمنزلة الكبير في حق جميع الأحكام.
وإذا كاتب عبدين صغيرين له كتابة واحدة وهما يعتقدان ذلك فهما في ذلك بمنزلة الكبيرين وقد مرت مسألة الكبيرين.
رجل كوتب عن عبد رضيع ورضي به المولى لا يجوز، ولكن إذا أدى الرجل بدل الكتابة يعتق العبد استحسانًا، قال في (الكتاب) لوجه الاستحسان جعل هذا بمنزلة قول القائل إذا أديت إليَّ كذا فعبدي حر ولا يشبه هذا حال أخاطب صغيرًا لا يعقل بالكتابة وأدى عنه رجل أجنبي حيث لا يعتق العبد، لأن هاهنا خاطب الأجنبي بالعقد فيمكن أن يجعل معلقًا عتقه بأداء الأجنبي، وهناك ما خاطب الأجنبي فلا يمكن أن يجعل معلقًا عتقه بأداء الأجنبي والله أعلم.

.الفصل السابع عشر في غرور المكاتب وما يلزمه من العقد:

مكاتب أذن له مولاه في النكاح فأتته امرأة تزعم أنها حرة فتزوجها على أنها حرة فولدت الأولاد، ثم استحقها رجل بالبينة، وظهر أنها مملوكة، فأولاده مماليك لا يأخذهم المكاتب بالقيمة عند أبي حنيفة رحمه الله وأبي يوسف، وعند محمد رحمه الله وزفرهم أحرار بالقيمة يؤديها المكاتب إذا عتق.
صحة محمد رحمه الله في ذلك ما روي أن الصحابة جعلوا أولاد المغرور أحرارًا بالقيمة ولم يفصلوا بين الحر والمملوك فهو عليها ولا شك أن هذا ولد المغرور كان الغرور في حق الحر يثبت بالإجماع، وإنما يثبت الغرور في حق الحر باشتراط الحرية لا بحرية المستولد، ألا ترى أن بدون الشرط لا يثبت الغرور وقد وجد اشتراط الحرية في حق المكاتب حسب وجوده في حق الحر.
ولهما أن هذا ولد حدث بين أبوين رقيقين يجب أن يكون رقيقًا كما لو لم يوجد هذا الشرط، بيانه أن قصد القياس أن يكون ولد الأمة رقيقًا وإن كان المستولد إذا كان حرًا فإنما يثبت الغرور في حقه بشرط الحرية كيلا يرق ماؤه من غير رضاه فيضرب به، وهذا المعنى لا يتأتى إذا كان المستولد رقيقًا لأنه لا يرق ماؤه بل يبقى على الحالة الأولى، وبقاؤه على الحالة الأولى لا يكون ضررًا في حقه فيعمل فيه بقضية القياس، ومن وجه آخر إن المستولد إذاكان حرًا فإنما يثبت الغرور في حقه مع مراعاة حق المستحق في حال إيجاب القيمة له في الحال، وهاهنا لو أثبتنا الغرور تثبته من غير مراعاة حق المستحق للأجنبي وكان ضرر المستحق هاهنا فوق ضرر المستحق ثمة فترك القياس ثمة لا يدل على ترك القياس هاهنا، ولو كان المكاتب عالمًا بحال المرأة لا يصير المكاتب مغرورًا بالإجماع.
مكاتب وطئ أمة على وجه الملك بغير اليد، ثم استحقها رجل فعليه العقر يؤاخذ به للحال، يريد بقوله وطئها على وجه الملك أنه اشترى جارية فوطئها ثم استحقها رجل وبمثله لو تزوج امرأة بغير إذن المولى حتى فسد النكاح ثم وطئها حتى وجب عليه العقر يؤاخذ للحال.
والفرق أنه إذا وطئها بحكم الملك فما يلزمه من الضمان مسند إلى الشراء فإنه لولا الشراء لكان هذا الوطء موجبًا للحد، وإنما وجب المال دون الحد نسبة للشراء من حيث إن الشراء سبب للملك فأورث شبهة بسبب الشراء فكان وجوب المال إلى الشراء والشراء داخل تحت الكتابة، فما يكون مسندًا إليه يكون داخلًا فيها بطريق التبعية أما إذا وطئها بحكم النكاح فما يلزمه من الضمان مستندًا إلى الضمان النكاح والنكاح ليس بداخل تحت الكتابة فلا يكون مسندًا فافترقا.
وكذلك إذا وطئ المكاتب أمة اشتراها شراء فاسدًا ثم ردت على البائع أخذ المكاتب بعقورها في الحال هذه الجملة من (الجامع الصغير).
وفي (الأصل) إذا وقع المكاتب على امرأة فافتضها كان عليه الحد وهذا ظاهر، فإن ادعى شبهة بأن قال تزوجتها، أو كانت أمة فقال اشتريتها، وأنكرت المرأة والمولى ذلك، يدرأ عنه الحد، ألا ترى أن الحر لو ادعى مثل هذا يدرأ عنه الحدود، وإذا سقط الحد وجب المهر كما في الحر ثم مثل يؤاخذ بهذا المهر للحال، قال إن كاتب المرأة مكرهة على ذلك فإنه يؤاخذ بالمهر للحال ولا يتأخر إلى بعد العتق، لأن هذا ضمان بإتلاف لا ضمان عقد، لأن العقر لم يثبت لإنكارها.
والعبد المحجور يؤاخذ بالضمان بالإتلاف للحال وإن كان ضمان الإتلاف لما لم يثبت العقد لإنكارها، وذلك لأنه لو أخذ منه المهر كان للمولى أن يرجع عليها لأنها استعملت عبده بغير إذنه فالاستيفاء للحال لا يقبل ولا يشتغل به، ويظهر هذا ما قالوا في المجنون إذا وقع على امرأة فوطئها إن كانت مكرهة فإنه يجب عليه المهر لأنه ضمان إتلاف لأنه وطئها من غير عقد والمجنون يؤاخذ بضمان الإتلاف كما لو أتلف مال إنسان، وإن كانت مطاوعة لا يجب عليه المهر؛ لأنه لو وجب عليه المهر كان أولى المجنون إذا كانت مطاوعته وما يلحقه من الضمان بسبب هذا الاستعمال يكون قرار ذلك عليها فلم يكن الاستيفاء مفيدًا ولم يشتغل به فكذلك هذا إذا ادعى نكاحًا وأنكرت المرأة ذلك فأما إذا صدقته فإنه لا يؤاخذ بالمهر للحال سواء كانت مكرهة أو مطاوعة لأن العقد يثبت في حقهما بتصادقهما وإذا ثبت العقد في حقهما بتصادقهما لأن الضمان ضمان عقد الضمان إتلاف والمحجور لا يؤاخذ بضمان العقد للحال وإنما (يؤاخذ) به بعد الإذن والله أعلم بالصواب.

.الفصل الثامن عشر في المتفرقات:

قال محمد رحمه الله في (الزيادات) مكاتب له ابن حر ولد من امرأة حرة، ماتت الحرة وورثها الابن عقارًا وضياعًا وصنوفًا من الأموال ثم مات المكاتب عن وفاء ولم يدع ولدًا سوى هذا الولد، وقد كان أوصى إلى رجل حر، فإن الوصي يقضي مكاتبة المكاتب من تركته إن ترك عينًا يقضيهما من العين. وإن لم يترك عينًا يبيع عقاره وعروضه فيها؛ لأن الوصي قائم مقام المكاتب وقد كان المكاتب في حال حياته قضاء المكاتبة من العين ومن العروض والعقار فكذا لمن قام مقامه. وإذا قضى المكاتبة صار المكاتب حرًا في آخر جزء من حياته وما بقي من مال المكاتب يكون ميراثًا لابنه، والوصي في ذلك بمنزلة وصي الحر على ابنه الكبير الغائب، وبمنزلة وصي الأم والأخ والعم يملك الحفظ، وما كان من باب الحفظ نحو بيع العروض والمنقول. وشراء الصغير ما لابد له من الطعام والكسوة والمنقول ولا يكون له عليه ولاية ولا يملك ما كان من باب الولاية نحو بيع العقار وبيع الدراهم والدنانير وما أشبههما.
وذكر محمد رحمه الله في كتاب القسمة: أن وصي المكاتب إذا قاسم الأولاد الكبار صحت قسمته، فقد أثبت لوصي المكاتب حق القسمة مطلقًا وبذلك يدل على حق البيع مطلقًا؛ لأن القسمة حكم البيع حتى إن من صح بيعه صحت قسمته، فمن مشايخنا من قال: ليس في المسألة اختلاف الروايتين، ولكن ما ذكر في كتاب القسمة محمول على قسمة العروض والمنقول، ولكن هذا ليس بصحيح بدليل أنه ذكر في كتاب القسمة عقيب جواب المسألة، وهو في ذلك بمنزلة وصي الحر على ابنه الصغير ووصي الحر على ابنه الصغير، يملك التصرف في الكل، وكذا هذا الوصي. ومنهم من قال: في المسألة روايتان.
وجه رواية كتاب القسمة أوان عمل الإيصاء ما بعد الموت، وهو في تلك الحالة حر لأن عند أداء بدل الكتابة حكم بحريته في أخر جزء من آخر حياته، فكان وصيه بمنزلة وصي الحر على ابنه الصغير من هذا الوجه.
وجه ما ذكر هاهنا أن الحرية معلقة بشرط الأداء والأداء وجد بعد الموت والحكم.......... على الشرط لا يكون أمرًا أوليًا وإنما يصار إليه بضرورة، ولا ضرورة في الإيصاء، ولا يظهر الحكم بحريته في أخر جزء من أجزاء حياته في حق الإيصاء، فلم يكن يلزمه وصي الحر ولو ظهر حرية المكاتب في حق الأصل أداءً إلا أن هذا حر لا ولاية له، وقد اختلفت عبارة المشايخ في ذلك، حكي عن الحاكم أبي نصر محمد بن مردويه رحمه الله أنه كان يقول: بأن للولاية حكم الحرية وحكم الشيء يثبت عقيبه والحرية تثبت في آخر جزء من أجزاء حياة المكاتب، فيكون أوان ثبوت الولاية ما بعدها وما بعدها زمان الموت وزمان الموت ليس زمان الولاية.
وحكي عن الشيخ الإمام الجليل أبي بكر محمد بن الفضل البخاري رحمه الله أنه كان يقول: بأن الحرية إنما تثبت في آخر جزء من أجزاء حياته في ساعة حياته لطيفة لا تسع للتصرفات فلا تتسع للولاية، لأن الولاية ليس هي إلا ملك التصرفات، فلا تثبت في زمان لا يتسع للتصرف، ولهذا قلنا لو قدمه قاذف لا يحد، لأن الحرية تثبت في وقت لا يتسع للقذف، بخلاف فساد النكاح؛ لأن ذلك حكم شيء عجب لا تشرط له القدرة فالساعة اليسيرة وإن قلت تكفي. وعبارة عامة المشايخ أن الحرية تثبت في آخر جزء من أجزاء حياته، وتلك الحالة حالة انقطاع الولاية، ولا يمكن القول بثبوت الولاية في حال انقطاع الولاية، وإذا لم تثبت الولاية للمكاتب لا تثبت لمن قام مقامه وهو الوصي، هذا وجه التقريب على العبارات كلها.
وإنما ملك الحفظ لأنه كان للمكاتب حق الحفظ في اكتسابه، فكذا لمن قام مقامه، وإذا ملك الحفظ ملك بيع العروض والمنقول من تركة المكاتب؛ لأن بيعهما من الحفظ إذا خشي عليهما التردي والتلف فأما العقار محصنة بنفسها، وكذا الدراهم والدنانير فلم يكن بيعها من الحفظ فتخص ولاية، ولم يكن للمكاتب على ولده الحر ولاية فكذا لوصيه، وفيما تركت أم هذا الصغير لا يملك الوصي شيئًا من التصرفات لما ذكرنا أن الوصي قائم مقام الموصي، والموصي حال حياته كان لا يملك شيئًا من التصرف في تركة أم هذا الصغير، العقار والعروض فيه سواء، فكذا من قام مقامه عند موته.
وكذلك لو ترك المكاتب ولدًا ولد في مكاتبته أو ولد كوتب معه فقضى الوصي مكاتبته وحكم بحريته وبحرية ولده تبعًا له كان ما بقي من مال المكاتب ميراثًا لولده، ووصي المكاتب في ذلك بمنزلة وصي الحر على الابن الكبير الغائب على التفسير الذي قلنا يملك حفظ ماله، وما كان من باب الحفظ نحو بيع العروض وشراء ما لابد للصغير منه ولا يكون له عليه ولاية ولا يمكن ما كان من باب الولاية نحو بيع العقار وما أشبهه، وهذا مشكل لما ذكرنا أن الوصي قائم مقام الموصي، وقد كان المكاتب يلي على ولده المولى في الكتابة والذي كوتب معه وينصرف في اكتسابهما ما شاء، العقار والعروض فيه سواء، فيجب أن يملك وصية ذلك أيضًا.
والجواب أن رقبة الولد المولود في كتابة المكاتب والذي كوتب مع المكاتب اعتبر ملكًا للمكاتب حكمًا فلهذا عتقا بعتقه ومكاسبهما بمنزلة مكاتب المكاتب، التصرف فيما وفي مكاتبيهما بحكم الملك لا بملك الولاية، ألا ترى أن المكاتب لو زوج هذا الولد امرأة لا يجوز؟ ولو كان له عليه ولاية جاز كالحر إذا زوج ابنه الحر الصغير امرأة، وألا ترى أن المكاتب إذا أقر على هذا الولد بالدين صح وصرف كسبه إلى الدين الذي أقربه؟ ولو كان يصرفه عليه بحق الولاية لما صح إقراره بالدين عليه كإقرار الحر على ابنه الصغير صح أن يصرف المكاتب على هذا الولد بحكم الملك لا بحكم الولاية، وما لو صانه لا ينتقل الملك إلى الوصي إنما تنتقل الولاية فإذا لم يكن للمكاتب ولاية كيف تثبت لوصيته، وإن كان المكاتب أدى بدل الكتابة قبل أن يموت ثم مات وباقي المسألة بحالها: كان وصيته كامل الولاية على ولده كوصي الحر على ابنه الصغير الحر؛ لأن بالأداء عتق وكل حاله وثبتت ولايته لأنه لم يعتق عتقًا ضروريًا بل يثبت العتق بالأداء على الإطلاق، وإذا جاء الموت وهو حال عمل الإيصاء وحال نقل الولاية، وهو في هذه الحالة كامل الولاية ثبت لوصيه كذلك أيضًا، فقد اعتبر في حق الوصي حالة الموت لا حالة الإيصاء إذ لو كان المعتبر حالة الإيصاء لما ثبت الولاية لوصيه إذا لم يكن للمكاتب ولاية وقت الإيصاء.
واستشهد محمد رحمه الله في (الكتاب) لإيضاح ذلك بمسائل منها:
أن النصراني إذا أوصى إلى رجل مسلم وله ابن مسلم صغير فمات النصراني، فوصيه لا يكون وصيًا لابنه المسلم، وبمثله لو أسلم ثم مات فوصيه يكون وصيًا اعتبارًا لحالة الموت.
ومنها العبد المحجور إذا أوصى إلى رجل وله ابن حر صغير فوهبه لا يكون وصيًا لابنه، وبمثله لو أعتق العبد ثم مات كان وصيه وصيًا.
ومنها أن من أوصى إلى رجل ثم أوصى إلى هذا الموصى رجل ثم مات الموصي الثاني ثم مات الموصي الأول فوصي الموصي الأول يملك التصرف في تركتين، وإن لم يكن للموصي الأول ولاية التصرف في تركة الموصي الثاني يوم الإيصاء لما كان له ولاية يوم الموت، فقد اعتبر حالة الموت في فائدة المسائل فكذا فيما تقدم.
قال محمد رحمه الله في (الزيادات): رجل زوج ابنته البالغة برضاها من مكاتبه جاز لأنه لو زوجها من عبد يجوز فمن مكاتبه أولى والمعنى فيه أنه ليس بينهما قرابة محرمة للنكاح ولا محرمية ولا ملك ولا حق ملك فيجوز، وإن كانت البنت الصغيرة جاز عند أبي حنيفة رحمه الله، وعندهما لا يجوز لعدم الكفاءة، والمسألة معروفة فإن مات المولى ولم يدع مالًا سوى هذا المكاتب وتركة ابنته هذه ومولاه الذي أعتقه يريد به معتق مولى المكاتب لم يفسد النكاح لأن المكاتب لا يملك بسائر أسباب الملك حقًا للمكاتب، فكذا لأن لا يملك بالإرث فلم تملك المرأة شيئًا من رقبة زوجها إنما ملكت بدل الكتابة، حتى جعل إعتاق الوارث مجازًا عن الإبراء عن بدل الكتابة حتى كان الولاء للميت وثبت لها حق ملك الرقبة عند العجز وكل ذلك لا يمنع بقاء النكاح، فإن طلقها المكاتب فإن كان طلاقًا رجعيًا، كان له أن يراجعها، لأن الطلاق الرجعي لا يزيل ملك النكاح والرجعة في حكم استدامة الملك عندنا وحق الملك لا ينافي استدامة ملك النكاح، وإ كان الطلاق بائنًا فأراد أن يتزوجها ليس له ذلك، لأنه ثبت لها في رقبة الزوج حق الملك ألا ترى أنه لا يملك المكاتب التزوج إلا برضاها، والطلاق البائن يزيل ملك النكاح، فهذا حال ابتداء النكاح، وحق الملك يمنع ابتداء النكاح.
ولو لم يكن شيء من ذلك ولكن مات المكاتب بعد موت المولى وتركته ثلاثة آلاف درهم ومهرها على المكاتب ألف درهم، وبدل الكتابة ألف درهم فإنه يبدأ بالمهر لأنه أقوى من بدل الكتابة، لأنه دين من كل وجه حقيقة وحكمًا، وبدل الكتابة دين تسمية لا حكمًا ولأن ثبوت دين المكاتبة للمولى مع المنافي وثبوت دين الطلاق بلا منافٍ لهذا جازت الكتابة بدين الصداق ولم يجز بيبدل الكتابة، ويعلم أن دين الصداق أقوى والبداية بالأقوى أولى ثم يستوفى بدل الكتابة لأنه دين، والدين وإن ضعف فهو مقدم على الميراث ويحكم بعتقه في آخر جزء من أجزاء حياته، ويكون ذلك الميراث من مولى المكاتب النصف للبنت والنصف لمعتق مولى المكاتب بحكم العصوبة لأنه مال الميت فيقسم بين بنيه وعصبته يعني هاهنا ألف أخرى يكون ميراثًا عن المكاتب لورثته كانا حكمًا بحريته في آخر جزء من أجزاء حياته، فيكون للبنت الربع بحكم الزوجية والباقي لمعتق مولى المكاتب بحكم العصوبة.
وإن لم تكن البنت في نكاحه فلا شيء لها من هذه الألف وهي لمعتق مولى المكاتب؛ لأنها لو ورثت (ورثت) بحكم الولاء، وليس للنساء منّ الولاء إلا من ما أعتقن أو أعتق من أعتقن، هكذا ورد الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعليها عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرًا دخل بها، أو لم يدخل بها لأنا حكمنا بحريته في آخر جزء من أجزاء حياته فانتهى النكاح بينهما بالموت، فلهذا وجب عدة الوفاة.
ولو لم يمت المكاتب ولكنه عجز فسد النكاح، لأنها ملكت نصف رقبة زوجها، بيانه: وهو أن بالعجز يعود رقيقًا وينفسخ عقد الكتابة وهو المانع من الإرث، فصار نصفه للبنت بحكم عقد الكتابة بحكم الميراث ونصفه للعصبة فملكت نصف رقبة زوجها، فتوجب فساد النكاح ويسقط كل الصداق إن لم يكن دخل بها، لأن الفرقة جاءت لمعنى من قبلها قبل الدخول وهو تملكها شيئًا من رقبة زوجها، ومثل هذه الفرقة توجب سقوط الصداق.
فإن قيل: لا بل الفرقة جاءت من قبل الزوج لأن الفرقة إنما وقعت بحكم العجز والعجز معنى من جهة الزوج، قلنا: هذا فاسد لأن العجز لا يوجب الفرقة ألا ترى أن المولى لو كان حيًا وعجز لا تقع الفرقة، ولكن عند العجز يرد في الرق، فتملك حينئذ شيئًا من رقبة زوجها فتقع الفرقة والتملك معًا في حقها.
وكذلك إن كان قد دخل بها ولم يكن معها وارث آخر سقط كل الصداق والفرقة الجائية من قبلها فإن الفرقة الجائية من قبلها بعد الدخول بها لا توجب سقوط شيء من الصداق لكن لأنها ملكت جميع رقبة زوجها والمولى لا يستوجب على عبده دينًا.
وإن كان معها وارث آخر مولى الأب يسقط نصف المهر لأن سقوط الصداق بعد الدخول بها باعتبار ملكها رقبة الزوج فإنما يسقط بقدر ما تملك وإذا كان معها مولى الأب فإنما تملك نصف الرقبة وسقط نصف المهر الذي هو في نصيبها ويبقى نصف الذي هو نصيب العصبة، ويقال للوارث الآخر: إما أن تبيع نصيبك بدينهما وهو نصف المهر وتقضي دينها وليس للوارث الآخر أن يحتج عليها ويقول: بأنك ملكت نصفًا فارغًا وأنا ملكت نصفًا مشغولًا فلا مساواة بيننا ولا معادلة؛ لأن من حقها أن تقول بأني ملكت النصف مشغولًا (فلا مساواة بيننا) كالوارث الآخر إلا أنه حال الشغل حكم بتمام ملكي وبهذا لا يتبين أن المعادلة والمساواة لم تكن وقت الدخول في ملكهما..... جواز القسمة المعادلة وللمساواة وقت الدخول في الملك لأن الفرقة وقعت بعد الدخول حال حياة الزوج فلم تصر فتوفى عنها زوجها.
وكذلك الجواب فيما إذا كان في يدي المكاتب أقل من بدل الكتابة، فهذا والأول سواء في حق تحقيق عجزه فتكون رقبته مع ما في يده بينهما وبين مولى الأب نصفين، وإن كان في يد المكاتب ألف درهم مثل بدل الكتابة أو أكثر لا يقضي بعجزه ويؤخذ المال فصار المكاتبة ويحكم بالعتق وتبيعه المرأة.
.....
ولو لم يعجز المكاتب لكنه مات وترك ألف درهم فإن كان لم يدخل بها يصرف إنما يزول إلى بدل الكتابة سواء معها وارث آخر أو لا، وكذلك إن كان قد دخل بها وليس معها وارث آخر وإن كان هكذا لأن دين المهر أقوى والبداية بالأقوى أولى، إلا أن الفصل الأول والثاني بدأ بالأدنى وهو بدل الكتابة لأنا لو بدأنا بالأقوى وهو المهر، بطل كله بعد ذلك لأنه لم يظهر موته عاجزًا، وموته عاجزًا يوجب بطلان كل المهر لأنه يرد في الرق في آخر جزء من أجزاء حياته، ويجزأ فيه الإرث، فتملك البنت زوجها في الفصل الثاني، وكذلك في الفصل الأول على أحد الاعتبارين، وعلى الاعتبار الآخر تملك شيئًا من زوجها فيفسد النكاح ويسقط كل المهر، أما في الفصل الأول فإن الفرقة من قبلها قبل الدخول بها، وفي الفصل الثاني يملكها جميع رقبة زوجها فثبت أن في البداية بالمهر إبطال كله فبدأنا ببدل الكتابة للموت حرًا فيتقدر المهر ويتأكد ويستوفى إن ظهر للمكاتب مال آخر، أما في الفصل الثالث لو بدأنا بالأقوى وهو المهر لا يبطل كله بعد ذلك لأنها لا تملك إلا نصف رقبة زوجها وسقوط الصداق بعد الدخول، فوجب تملكها رقبة للزوج فإذا لم تملك إلا النصف لا يسقط إلا نصف المهر، فإن بالبداية بالأقوى إبطال كله فبدأ بالمهر وظهر أنه مات عاجزًا وصار رقبته بينهما وبين مولى أبيها نصفين، كسبه كذلك فيسقط ما في هذا النصف من دين الصداق وهو نصفه، ويبقى النصف الآخر في نصيب الوارث الآخر فتأخذ هي نصف الألف ميراثًا من الدب والنصف الآخر نصيب مولى الأب إلا أنه مشغول بدينها لأن لها في نصيب مولى الأب نصف المهر خمسمائة والدين مقدم على الميراث فتأخذ النصف الآخر بمهرها، فيصير كل الألف لها، ونصف رقبة المكاتب لها والنصف لمولى الأب.
وإن كان المكاتب مات وترك أقل من ألف درهم وقد دخل بها أو لم يدخل بها ومعها وارث آخر مولى الأب أو لم يكن، فهاهنا سواء بدأنا ببدل الكتابة، أو بالمهر يظهر موته عبدًا عاجزًا فبعد ذلك، إن لم يدخل بها يسقط كل الصداق سواء كان معها مولى الأب أو لم يكن لما مر، وما ترك فهو بينهما وبين مولى الأب نصفان ميراثًا عن الميت لأنه كسب عبده وإن كان قد دخل بها فإن لم يكن معها وارث آخر يسقط كل الصداق أيضًا لما قلنا، ويكون جميع ما ترك بالميراث لها، وإن كان معها وارث آخر يسقط نصف الصداق وتعقد بثلاث لما مر قبل هذا.
ولو كان المكاتب ترك ألفًا وزيادة ما بينها وبين ألفي درهم، فإن لم يدخل بها أو دخل بها ولكن ليس معها وارث آخر يبدأ ببدل الكتابة، ويحكم بحريته في آخر جزء من أجزاء حياته لما مر ويأخذ ما بقي بصداقها وتعتد بثلاث حيض لما مر، وإن كان قد دخل بها ومعها وارث يبدأ بصداقها لما مر، ثم ليس فيما بقي وفاء ببدل الكتابة، فيظهر أنه مات عبدًا عاجزًا، فكان ما بقي بينها وبين مولى الأب نصفين ميراثًا عن الأب، لأنه كسب عبده.
ولو كان المكاتب ترك ألفي درهم يبدأ بدين الصداق فتأخذ هي الصداق أولًا ثم يصرف الباقي إلى بدل الكتابة لأن به وفاء ببدل الكتابة ويحكم بحريته في آخر جزء من أجزاء حياته ويكون ذلك بينهما وبين مولى أبيها نصفين ميراثًا عن الأم فعليها عدة الأب الولاء الوفاة، لأن النكاح بينهما قد انتهى بالموت حين حكمنا بحريته في آخر جزء من أجزاء حياته فصارت متوفى عنها زوجها.
قال محمد رحمه الله في (الجامع الصغير) أم ولد كاتبها مولاها صحت الكتابة، لأن الكتابة في حقها مفيدة لأنها بالكتابة تستفيد العتق في الحال، وبالاستيلاد لا تستفيد العتق في الحال إنما استفادت عتقًا مؤجلًا إلى ما بعد الموت فإن مات مولاها عتقت بالاستيلاد؛ لأنها أم ولد مات عنها مولاها، وبطلت الكتابة لأنها عقلت وسيلة إلى الحرية وقد حصلت الحرية بسبب آخر فتسقط الوسيلة فيسقط بدل الكتابة وفيه نوع إشكال فينبغي أن لا يسقط لأن هذا المعقود عليه عقد كتابة وصل إليها، ولهذا عتق أولادها معها وسلم لها أكسابها، فوجب أن يتأكد ما وجب عليها بالكتابة كما في سائر المعاوضات، والجواب أن الكتابة عقد معاوضة من وجه، وتعليق عتق بالأداء من وجه، فاعتبار معنى المعاوضة يوجب تأكد العمل لما وصل إليها ما هو المعقود عليه عقد الكتابة، واعتبار معنى التعليق بالشرط يوجب الانقسام متى وجد العتق قبل الأداء، إلا أن المعلق بالشرط متى وجد قبل الشرط ينفسخ التعليق، والعمل بالاعتبارين جميعًا في حقهما متعذر فاعتبر نابه المعاوضة في حق أم الولد حتى لا يبطل حقها في أولادها وأكسابها وأمرها من جهة المولى ونسبة التعليق في حق المولى، فقسمنا الكتابة بالإعتاق في حق المولى لأن الفسخ جاء من جهته ليكون عملًا بالشبهين بقدر الإمكان.
قال محمد رحمه الله في (الجامع الصغير) في مكاتب أدى إلى مولاه من الصدقات التي أخذها من الناس ثم عجز وصار ذلك للمولى فهو طيب للمولى، واختلفت عبارة المشايخ رحمهم الله في تخريج المسألة، بعضهم قالوا لأنه تبدل الملك فإن الصدقة كانت ملكًا للمكاتب يدًا وتصرفًا ولم يكن ملك المولى ظاهرًا فيه، وبالأداء صارت للمولى فيه يد الملك وبدل الملك بمنزلة تبدل العين فصار كعين آخر.
والأصل في ذلك ما روي أن بريرة كانت تهدي إلى الرسول صلى الله عليه وسلّم وهي مكاتبة ما كان يتصدق به عليها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقبل هديتها ويأكل وكان يقول «لها هي صدقة ولنا هدية» فقد جعل تبدل الملك بمنزلة تبدل العين فعلى قول هذا التعليل إذا أباح الفقير..... غير ما أخذ من مال الزكاة من الطعام لا يحل له لأن الملك لم يتبدل حتى يجعل ذلك بمنزلة تبدل العين.
وبعضهم قالوا: لأن الصدقة حين وقعت لا..... فصحت، فصارت لله تعالى، لأن الصدقة إخراج المال إلى الله تعالى على ما عرف من موضعه ثم صارت ملكًا للفقير من الله تعالى قضاء لحقه بالرزق الموعود، وإذا صارت ملكًا للفقير من الله تعالى يرزقه تجدد للفقير سبب ملك بعد ما صارت صدقة، وصارت لله تعالى فأخص ذلك تبدل العين حكمًا.
فعلى فرد هذا التعليل: الفقر إذا أباح للمعين عين ما أخذ من مال الزكاة من الطعام يحل؛ لأنه تبدل العين حكمًا، وإليه مال الشيخ الإمام الأجل شيخ الإسلام المعروف بخواهر زاده رحمه الله، هذا إذا عجز المكاتب بعد ما أدى ما أخذ من الصدقات إلى المولى.
وأما إذا عجز والصدقات قائمة في يد المكاتب لم يردها إلى المولى هل يحل للمولى؟ لم يذكر هذا الفصل هاهنا، وذكر في (الأصل): أنه يحل، بعض مشايخنا قالوا: هذا الجواب لا يشكل على قول محمد رحمه الله لأن عنده تبدل الملك فإنها كانت ملكًا للمكاتب والآن صار لمولاه، ولهذا قال المكاتب إذا أجر أمته ظهيرًا ثم عجز يطلب الإجارة، لأنه تبدل الملك فصار كأن المؤاجر مات وصار العتق المستأخر للورثة، فتبطل الإجارة، فإذا تبدل الملك عنده يحل له الصدقة، أما مشكل على قول أبي يوسف فإن عنده لم يتبدل الملك بالعجز، ولكن كسب المكاتب كان مشتملًا على قول المولى وحق المكاتب، فحق المولى يتقرر بالعجز، وحق المكاتب يتقرر بالعتق، فإذا عجز بقدر ما كان للمولى لا أنه تحول من المكاتب إليه.
ولهذا قال إذا أجر أمته ظهيرًا ثم عجز لا تبطل الإجارة وإذا لم يتبدل الملك عنده يجب أن لا يحل له الصدقة لكونه عينًا.
والجواب أنه لا خبث في نفس الصدقة لتحرم عليه، وإنما لم يحل للغني وإنها شيء أخذ الزكاة لأن فيه نوع استدلال به لأن بأخذ الصدقة تسقط الذنوب عن المتصدق فيصير المتصدق عليه كالآلة للمتصدق في تطهيره عن الذنوب، فحرم على الهاشمي لطريق التعظيم، وأما الغني فليس له أن يذل نفسه إلا عند الحاجة والضرورة، ولا حاجة فحرم على الغني والهاشمي لهذا، وهذا المعنى معدوم هاهنا فيحل، ولهذا قلنا إن ابن السبيل إذا تصدق عليه ثم وصل إلى ماله وأهله والصدقة قائمة لا بأس بأن يتناول من تلك الصدقة، وكذلك الفقير إذا تصدق عليه ثم استغنى والصدقة قائمة لا بأس بأن يتناول من الصدقة لانعدام المعنى الذي ذكرنا.
وبعضهم قالوا المولى يخلف المكاتب في أكسابه خلافة الوارث للمورث في أملاكه، والفقير إذا مات والصدقة قائمة فورثها له غني حل له أكل ذلك، وإنما لم يملكها بسبب جديد فكذا هاهنا. والوجه ما ذكرنا أن الصدقة صارت للفقير بعدما صارت لله تعالى بجهة الرزق فيخلى للفقير سبب الملك على مامر وترك ذلك بمنزلة تبدل العتق فيحل له التناول بقي فقيرًا أو غنيًا ويحل لغيره التناول، ثبت للفقير فيها ملك بسبب جديد بأن اشتراها أو وهب له أو لم يثبت له بأن ورثه أو أباح له هذا الفقير، تم الكتاب والله أعلم.