فصل: نوع منه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحيط البرهاني في الفقه النعماني



.كتاب النكاح:

هذا الكتاب يشتمل على خمسة وعشرين فصلًا:
1- في الألفاظ التي ينعقد بها النكاح.
2- في الألفاظ التي تكون إجارة أو إذنًا في النكاح والتي تكون ردًا وإبطالًا.
3- فيما يكون إقرارًا بالنكاح، وما لا يكون إقرارًا به.
4- في الشروط والخيار في النكاح.
5- في تعريف المرأة والزوج في العقد بالتسمية أو الإشارة.
6- في الكفارة.
7- في الشهادة في النكاح.
8- في الوكالة في النكاح.
9- في معرفة الأولياء.
10- في نكاح الصغار والصغائر وتسليمهن إلى الأزواج وتصرف الأولياء في المهر.
11- في نكاح الأبكار.
12- في النكاح بالكتاب والرسالة، وفي النكاح مع الغائب.
13- في بيان أسباب التحريم.
14- في بيان ما يجوز من الأنكحة وما لا يجوز.
15- في الأنكحة التي لا تتوقف على الإجازة والتي تتوقف على الإجازة.
16- في المهور.
17- في النكاح الفاسد وأحكامه.
18- في ثبوت النسب.
19- في نكاح العبيد والإماء.
20- في نكاح الكفار.
21- في الخصومات الواقعة بين الزوجين.
22- في بيان ما للزوج أن يفعل، وما ليس له أن يفعل، وفي بيان ما للمرأة أن تفعل وما ليس لها أن تفعل.
23- في العنين والمجبوب.
24- في بيان حكم الولد عند افتراق الزوجين.
25- في المسائل المتعلقة بنكاح المحلل وما يتصل به ونكاح الفضولي وفي طلاق المضاف، والحيل في رفع اليمين في طلاق المضاف وقضاء القاضي في مسألة العجز عن النفقة وأمثالها.
26- في المتفرقات.

.الفصل الأول: في الألفاظ التي ينعقد بها النكاح:

قال القدوري رحمه الله في (كتابه): عقد النكاح ينعقد بلفظين يعبر بهما عن الماضي نحو أن تقول المرأة: زوجت، ويقول الرجل: قبلت، قال: وينعقد أيضًا بلفظين أيضًا، يعبر بأحدهما عن المستقبل نحو أن يقول الرجل: زوجت.
وفي نكاح (فتاوى أهل سمرقند): إذا (قال) الرجل لغيره: دخرحوبش مراده، فقال: وادم، ينعقد النكاح، وإن لم يقل الخاطب: بدر فتم، ولو قال: دمتر حوبش مراد داي، فقال: دا دم، لا ينعقد النكاح ما لم يقل الخاطب: بدر فتم إلا إذا أراد أن يقول: دادي التحقيق دون السوام، فحينئذ يصح النكاح وإن لم يقل الخاطب: بدرفتم. ولو قال: حوبش بمن ذرى فقالت: دادم، فقال الزوج: لي بدرفتم، فها هنا لا يمكن حمل قوله: دادي على التحقيق؛ لأن معنى التحقيق لا يتضمن هذا الكلام، وقول الزوج: بدرفتم يعني خوبش بمن داري كه من بدرفتم، وهذا المعنى لا يمكن تحقيقه مع التصريح بعدم القبول بعد ذلك.
وفي (مجموع النوازل): عن الشيخ الإمام الزاهد نجم النسفي رحمه الله: إن في قوله: دمتر حوبش مراده لابد وأن يقول: برني، ويقول الآخر: برني دادم، أما بدون ذلك لا ينعقد النكاح عند بعض المشايخ، وعند بعضهم ينعقد، فلابد من هذه الزيادة لتصير المسألة محققة، وفي قوله: برى دادي، قال: اختلف مشايخ بلخ، بعضهم جعلوا هذا استفهامًا، وبعضهم جعلوه بمنزلة الأمر: خوبش بمنى برني ده، قال الشيخ الإمام الزاهد نجم الدين عمر رحمه الله: ومعنى الأمر راجح، ألا ترى أن التعارف فيما بين الناس أنهم يقولون وقت العقد جوتشتن بفلان نولي دادي، ويريدون به الأمر.
وسئل نجم الدين عمن قال: لامرأة خوشتن بهزاردرم كبتن عن ترني دادي فقال: ما يسمع والطاعة قال: ينعقد النكاح. ولو قال: فساس دارم لا ينعقد؛ لأن الأول إجابة، والثاني عقد. وسئل هو أيضًا عمن قال: لأب امرأة: وجوحويشتن عقيد ركابين أصدر كردى مربن فلان راكضت كردم، وقيل للزوج بهذه اللفظة أيضًا، فقال: كردم، قال: لا ينعقد النكاح إن لم يسبق من غيرهما في حقهما عقد؛ لأن الإجازة الإمضاء لا الابتداء قيل للمرأة خويشتن بفلان ترني داري فقالت: دار. وقيل للزوج: بدرقتي، قال: بدرفتم ينعقد النكاح، وإن لم تقل المرأة: وادم ويدرفتم لمكان الفرق.
وعلى هذا البيع إذا قيل للبائع: فروخني، فقال: فروخت، وقيل للمشتري خريدي فقال: خريد ينعقد البيع وإن لم يقل: خريدم وفروختم، قيل لامرأة فلان رابا سيدي فقالت: يا شدم، قيل: لا ينعقد النكاح إلا إذا كان المخاطب قال لها: فلان رائرى ياشدي، فقال: يا شرم فحينئذ يكفي قولها جوابًا، وانعقد النكاح بينهما، وقيل: ينعقد وهو الظاهر بحكم الفرق خويشتن دازن كر دانتدي، فقالت: كرد انيدم. وقال الزوج: بدرختم ينعقد النكاح في الأمر إذا قال لها: تزوجتك بكذا، فقالت: فعلت تم النكاح وإن لم تقل: قبلت.
وإذا قال لها: جئتك خاطبًا، فقالت: فعلت، أو قالت زوجتك نفسي نكاحًا تامًا، وكذلك إذا قال لها: خطبتك إلى نفسك، فقالت: قد فعلت كان نكاحًا تامًا ذكرهما شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في شرح (الكافي).
وفي (نوادر المعلى) قال أبو حنيفة رحمه الله: إذا قال الرجل لرجل: جئتك خاطبًا ابنتك، فقال الأب: زوجتك، فقد تم النكاح.
وينعقد النكاح بلفظ الهبة والصدقة والتمليك بأن قالت: وهبت نفسي منك، ملكت نفسي منك، تصدقت بنفسي عليك، ولا ينعقد بلفظ الإحلال والإباحة، وهل ينعقد بلفظة الإجارة؟ فعلى قول أبي بكر الرازي رحمه الله لا ينعقد، وعن الحسن الكرخي رحمه الله أنه ينعقد.
وإنما وقع الاختلاف في هذا لاختلاف روايات عن أصحابنا رحمهم الله روى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله أن كل لفظ يملك به شيء ينعقد به النكاح، وهذه الرواية تدل على جواز النكاح بلفظ الإجارة.
في رواية ابن رستم عن أبي حنيفة رحمه الله: كل لفظ تملك به الرقاب ينعقد به النكاح، والأولى وهذه الرواية تدل على عدم جواز النكاح بلفظ الإجارة وفي العبارة بلفظ البيع والشراء بأن قالت المرأة: بعت نفسي منك، أو قال أبو البنت: بعت ابنتي منك بكذا، أو قال الرجل لامرأة: اشتريتك بكذا، وأجابت بنعم، اختلاف المشايخ. كان الفقيه أبو القاسم البلخي يقول بالعبارة، وإليه أشار محمد رحمه الله في كتاب الحدود، ورواية الحسن ورواية ابن رستم عن أبي حنيفة رحمه الله يدلان عليه وهو الصحيح.
وفي القرض والرهن اختلاف المشايخ كذلك وفي لفظ الإعارة اختلاف المشايخ. روي عن أبي الحسن الكرخي رحمه الله أن ينعقد، وكان يقول: الإعارة تفيد ملك المنفعة، ألا ترى أن إباحة استيفاء المنافع دون التمليك، ألا ترى أنه لا يملك الإجارة من غيره؟ فقال الفقيه أبو العباس الناطفي: وكان شيخنا أبو عبد الله رحمه الله يقول: النكاح.... أصلين مختلفين أحدهما الإباحة، فلا ينعقد بلفظة العارية بالشك، وأما لفظة الإقالة، فقد حكى الناطفي في (واقعاته) عن شيخه أبي عبد الله الجرجاني رحمه الله أنه لا ينعقد به النكاح؛ لأنها موضوعة لفسخ عقد سابق لا لعقد مبتدأ. قال: وعلى هذا لا ينعقد النكاح بلفظة الجامع، وكذلك لا ينعقد بلفظ الصلح؛ لأن موضعه الحطيطة ولإسقاط الحق.
وذكر شيخ الأئمة السرخسي رحمه الله في شرح كتاب الصلح: الابتداء النكاح بلفظ الصلح العطية جائز، قال الناطقي رحمه الله: وكذلك لا ينعقد بلفظ الشركة، وإن كانت تفيد التمليك لمن قال لغيره: أشركتك في هذه الجارية، فإنه يفيد تمليكًا قال الناطقي رحمه الله: إنما كان كذلك؛ لأنها تفيد الملك في بعض رقبتها، لا في جميعها، فصار كمن قال لآخر: زوجتك نصف جاريتي، فإنه لا يصح النكاح؛ لأنه من حيث لم يزوج النصف الآخر، لا يستباح وطؤها، فاجتمع الحلال والحرام وكان الحكم الحرام، وفيه نظر، وقد ذكر في كثير من الكتب إذا أضاف النكاح إلى فضولي أضاف إليه الطلاق يقع الطلاق يصح النكاح أيضًا، وإن أضاف الطلاق إلى نصفها يقع الطلاق، فإذا أضاف النكاح إلى نصفها يصح النكاح أيضًا، وهذا لما عرف أن المرأة في حق محلية النكاح لا تتجزأ، وذكر بعض ما لا يتجزأ ذكر كله.
وفي (البقالي): إذا تزوج نصفها، فقد ذكر بعضهم أنه يجوز، والنكرة غيره، وأما لفظ الرد هل ينعقد به النكاح ذكر في نكاح (إملاء بشر بن غياث) أن من طلق امرأته طلاقًا بائنًا، فقالت: رددت نفسي عليك، فقال الرجل: قبلت كان نكاحًا هذا لفظ كتابه. قال أبو العباس الناطفي رحمه الله قال: وقد يكون في حكم الابتداء النفي.
في (نوادر ابن سماعة) عن محمد رحمه الله، لو مرض الموهوب له، فرد الموهوب على الواهب بغير قضاء جاز في قدر ثلثه، ولا يجوز في قدر ثلثيه، وأما لفظ المتعة فقد اختلفت الروايات فيها ذكر في (الأصل)، وفي (نوادر هشام) عن أبي حنيفة رحمه الله لو قال لها: أتزوجك بمتعة لا ينعقد به النكاح، وقال في (الهارونيات): قال أبو حنيفة رحمه الله: ينعقد به النكاح، ويلغو قوله: متعة.
وفي (المنتقى): هشام عن محمد رحمه الله إذا قال لامرأة: أتزوجك متعة، فالنكاح باطل، ولو قال لغيره: أبيعك هذه الدار تلجئة بألف درهم فالبيع جائز، وقال أبو يوسف: البيع والنكاح فاسدان، وفي (الأصل) إذا تزوج امرأة مدة معلومة، فالنكاح باطل، وهو المتعة.... إلى الآجال حتى سمى مائة وأبطل فيه العقد. قال الشيخ الإمام شمس الأئمة الحلواني رحمه الله: وكثير من مشايخنا قالوا: إذا سميا ما يعلم يقينًا أنهما لا يعيشان إليه كألف سنة ينعقد العقد ويبطل الشرط، كما لو تزوجها إلى قيام الساعة أو خروج الدجال، أو نزول عيسى عليه السلام، وهكذا روي عن الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله، فأما بلفظة الوصية إن أطلق وقال: أوصيت لك ببضع أمتي بألف درهم وقبل الآخر، أو أضاف العقد إلى ما بعد الموت، بأن قال: أوصيت لك ببضع أمتي للحال بألف درهم وقبل الآخر ينعقد النكاح. ذكره شيخ الإسلام رحمه الله، وهكذا حكي عن الشيخ أبي عبد الله الجرجاني رحمه الله، وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله مطلقًا أن النكاح لا ينعقد بلفظة الوصية.
وفي كتاب الصلح من (الأصل) أعطيك مائة درهم على أن تكوني امرأتي، فهو جائز إذا قبلت بمحضر من الشهود، فيكون ذلك نكاحًا مبتدأ، فالنكاح ابتداء ينعقد بلفظة الكون، ولهذا من قال لامرأة: كوني امرأتي بمائة فقبلت بمحضر الشهود صح، إذا قال لامرأة: ثبت حقي في منافع بضعك بألف فقالت: قبلت صح النكاح، قال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله: قال مشايخنا: لو قال الرجل لامرأة: كنت لي، أو صرت لي فقالت: نعم، أو صرت لك كان نكاحًا في كتاب الصلح في باب الصلح، وقد قيل بخلافه.
ادعى رجل قبل امرأة نكاحًا، فجحدت فصالحها على مائة إن هي بذلك أقرت فهذا الإقرار منها جائز، وهذا الإقرار منها بمنزلة إنشاء النكاح؛ لأن هذا إقرار مقرون بالعوض، فيكون عبارة عن تمليك مبتدأ للحال، كمن قال لغيره: أقر لي بهذا العبد على أن أعطيك مائة فكان بيعًا حتى لو قال: إلى الحصاد لم يجز.
وإذا جعل هذا الإقرار بمنزلة إنشاء النكاح، فإن كان بمحضر من الشهود صح النكاح، ووسعها المقام مع زوجها فيما بينهما وبين ربها، وإن لم يكن بمحضر من الشهود لا ينعقد النكاح، ولا يسعها المقام مع زوجها، وهو الصحيح، وهو نظير ما لو قضى القاضي بالنكاح بشهادة شهود زور ينفذ قضاؤه ظاهرًا وباطنًا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله، ويجعل ذلك بمنزلة إنشاء النكاح، وإن كان بمحضر من الشهود يصح النكاح، وما لا فلا، وهو الصحيح.
وفي (فتاوى أبي الليث) رحمه الله: إذا قال لامرأة بمحضر الشهود: راجعتك، فقالت المرأة: رضيت يكون نكاحًا، وفي (فتاوى القاضي): لا يكون فقد نص في (الجامع) أن من قال للمطلقة بائنًا أو ثلاثًا: إن راجعتك فعبدي حر، ينصرف إلى النكاح؛ لأن الرجعة قد يراد بها الرجعة المعروفة، وقد يراد بها النكاح فينظر إلى (المراد) وهذا المحل لا يقبل الرجعة المعروفة، فكان المراد منها النكاح.
وفي (أجناس الناطفي) رحمه الله، إذا طلق امرأته طلاقًا بائنًا أو ثلاثًا ثم قال لها: راجعتك على كذا، فرضيت المرأة بذلك، وكان بمحضر الشهود كان ذلك نكاحًا صحيحًا وإن لم يذكر المال، فإن أجمعا على أن الزوج أراد به النكاح كان نكاحًا، ومالا فلا، وتبين بما ذكر في (الأجناس) أن ما ذكر (في) (الفتاوى) محمول على ما إذا ذكر المال، أو أقر أن الزوج أراد به النكاح.
إذا قال لامرأة: هذه امرأتي، وقالت المرأة: هذا زوجي، وكانت بمحضر من الشهود لا يكون نكاحًا، وكذلك لو قال بالفارسية: رن وسوهم لا يكون ذلك نكاحًا. وفي (فتاوى النسفي) أن فيه اختلاف المشايخ، قال ثمة: ولو قضى قاضى بصحة هذا النكاح ينفذ القضاء ويصح النكاح، ودلت المسألة أن قضاء القاضي في مثل هذه المجتهدات صحيح. فإن قال لها الشهود: أجزتما أو رضيتما، فقالا: أجزنا، أو قالا: رضينا لا يكون نكاحًا مبتدأ، فالنكاح لا ينعقد بلفظة الإجازة والرضا، ولو قال لهما الشهود: جعلتما هذا نكاحًا، فقالا: نعم كان ذلك نكاحًا مبتدأ، فالنكاح ينعقد بلفظ الجعل، ولهذا إذا قالت المرأة: نفسي لك بكذا، وقال الرجل: قبلت كان نكاحًا تامًا.
طلب من امرأة زنا، فقالت المرأة للطالب: وهبت نفسي منك، وقبل الطالب لا يكون نكاحًا، بخلاف ما إذا وهبت نفسها منه على وجه النكاح، والفرق أن هبة نفسها من طالب الزنا يمكن..... وليست بهبة حقيقة لا يكون جوابًا لما التمس، أما هبة نفسها على وجه النكاح هبة حقيقة، وبالهبة ينعقد النكاح، وهو نظير ما لو قال لآخر: وهبت لك ابنتي، وقال الآخر: قبلت كان نكاحًا إذا كان بمحضر من الشهود، ولو قال: وهبت ابنتي منك لتخدمك، (وقال) الآخر لا يكون نكاحًا.
قيل لرجل: دحترخوش دابه بسر من بادراني داستي، فقال: دا شم لا ينعقد النكاح بينهما؛ لأن هذا اللفظ لا ينبئ عن التمليك ولا يستعمل فيه.
في (فتاوى الفضلي): إذا قال الرجل لغيره: زوج ابنتك مني بألف درهم، فقال والدها: ادفعها واذهب بها حيث شئت، وكان ذلك بمحضر (الشهود) لا ينعقد به النكاح، وفي (فتاوى أبي الليث) رحمه الله إذا قال أب الصغير: اشهدوا أني قد زوجت ابنة فلان الصغيرة من ابني فلان بمهر كذا، فقيل لأب الصغيرة: أليس هكذا؟ فقال أب الصغيرة: هكذا، ولم يزد على ذلك، فالأولى أن يجدد النكاح وأن يجدد إجازته.

.الفصل الثاني: في الألفاظ التي تكون إجازة وإذنًا في النكاح والتي تكون ردًا وإبطالا:

رجلٌ زوج رجلًا امرأة بغير أمره، فلما بلغه الخبر فقال: نعم ما صنعته بارك الله لنا فيها، أو قال: أحسنت، أو قال: أصبت، قال الفقيه أبو القاسم رحمه الله: إنه ليس بإجازة، وذكر الصدر الشهيد في أول نكاح (واقعاته): أنه إجازة هو المختار، واختاره الفقيه أبو الليث رحمه الله، إلا إذا علم بيقين أنه أراد به الاستهزاء، قال: وكذلك هذا في البيع والطلاق، قال: كذلك إذا هنأه قوم وقبل التهنئة كان إجازة.
وذكر (في) بيوع (المنتقى): أن من باع عبد الغير بغير إذنه، فقال صاحب العبد: قد أحسنت وأصبت ووفقت، أو قال: كفيتني لمؤنة البيع وأحسنت، فجزاك الله خيرًا إن ذلك ليس بإجازة، ولو قبض الثمن من المشتري فهو إجازة، وذكر هذه المسألة في موضع آخر من الكتاب وذكر أن قوله: أحسنت ووفقت إجازة.
في الباب الأول من نكاح (واقعات الصدر الشهيد) رحمه الله إذا قال لأجنبية: إني أريد أن أزوجك من فلان، فقالت بالفارسية: توبة داني، لا يكون إذنًا منها، ولو قالت: ذلك إليك فهو إذن وتوكيل، وهكذا ذكر في (أجناس الناطفي) عن أبي يوسف رحمهما الله.
وفي (واقعات الناطفي) رحمه الله: العبد إذا طلب من المولى أن يأذن له في النكاح، فقال المولى: ذلك إليك فهو إذن، ولو قال: أنت أعلم، أو قال بالفارسية: توبة دان فذلك ليس بإذن، وبعض مشايخنا قالوا: قوله توداني وتوبة دان في عرفنا تفويض وتوكيل بمنزلة قوله: ذلك إليك. وهكذا حكي عن الفقيه أبي بكر الإسكاف رحمه الله أنه كان يقول: إن قوله: توية دان إذن، ووافقه في ذلك الفقيه أبو القاسم أحمد بن حمر.
رجل زوج امرأة من رجل بغير أمرها، فبلغها الخبر فقالت باك نيت فهذا إجازة، هكذا ذكر الفقيه أبو الليث، وهو قول الفقيه أبي جعفر رحمهما الله؛ لأن هذا الكلام يستعمل في الإجازة في متعارف الناس، ومن مشايخ زماننا من أبى ذلك، وقال: إن قوله: بالانيت غير صلبي عن الإجازة، وهكذا كان يقول محمد بن سلمة رحمه الله ولكن هذا غير صواب؛ لأنه إن لم يكن منبئًا عن الإجازة، فهو مستعمل فيها، والإنباء ليس بشرط لا محالة إنما الشرط الاستعمال وقد وجد، وهو معنى كلام الفقيه أبي جعفر رحمه الله في تعليل هذه المسألة، هذا الكلام يراد به الإذن، وليس فيه معنى الإذن، أراد به أنه مستعمل في الإذن، وأنه لا ينبئ عن الإذن.
رجل زوج وليته وهي بالغة، فلما بلغها الخبر قالت: أنا لا أريد الأزواج، أو قالت: رضيت بيت أبي، فهذا لا يكون ردًا للنكاح، ولو قالت: لا أريد فلانًا فهو رد للنكاح، هكذا ذكر في (المنتقى) عن محمد رحمه الله، وقيل: هو رد في الوجهين جميعًا، والأول أظهر وأقرب إلى الصواب.
وإذا استأمرها الولي في التزويج من رجل، فقالت: غيره أولى لم يكن ذلك إذنًا في العقد، ولو أخبرها به بعد العقد، فقالت ذلك كان ذلك إجازة في (القدوري).
في (فتاوى الفضلي): في عم قال لبنت أخيه: إني أريد أن أزوجك من فلان، فقالت: يصلح، ثم لما فارقها العم، فقالت: لا أرضى، فزوجها العم قبل أن يعلم قولها: لا أرضى ممن سمى لها، قال: صح النكاح عند أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن العم كالوكيل لا ينعزل قبل العلم، وأما عند محمد رحمه الله ينبغي أن لا يصح نكاح العم؛ لأن عنده العم ليس بوكيل وإنما يزوجها بحق له في تزويجها، وحين زوجها بحق الولاية زوجها وهي غير راضية بذلك فلا يجوز.
في (المنتقى): البنت إذا قبلت الهدية، فليست بإجازة للنكاح، وإذا قبلت المهر فهو إجازة؛ لأن المهر ثمن رقبتها، وفيه أيضًا: إبراهيم عن محمد رحمهما الله: قال لامرأة: قد تزوجتك على ألف درهم، فقالت: ما زوجتك نفسي، ثم قالت بعد ذلك: قد زوجتك نفسي فهو جائز، وفيه أيضًا: المرأة إذا زوجت، فقالت: لا أرضى، لا أجيز له،.... أنا كارهة، فهذا كله فرقة، وليس لها أن ترضى بعد ذلك، وإن وصلت بقولها لا أرضى ولكني قد أجزت، أو وصلت بقولها: وأنا كارهة لكني قد أجزت، فهو في القياس باطل لكني قد أجيزه بالاستحسان.
وعن أبي يوسف رحمه الله إذا زوج رجل امرأة من رجل بغير أمرها، فبلغها فقالت: لا أجيز فقال لها: افعلي، فقالت: قد أجزت لم يجز، وبطل النكاح حين ردت، ثم قال: إذا ردت ما قد وقع لم يكن لها أن تجيزه، وإذا كان لم يقع بعد مثل مخاطبة الزوج إياها، وردت كان لها أن تجيزه.
وعن هذا قال أبو يوسف رحمه الله: إذا قال لامرأة: زوجيني نفسك على ألف، فقالت: لا أفعل إلا بألفين، فقال: اتق الله وأجيبي، فقالت: قد فعلت كان جائزًا.
في (فتاوى أبي الليث) رحمه الله: المرأة إذا بلغها خبر النكاح أخذها السعال أو العطاس، فلم يمكنها الرد، فلما ذهب ذلك عنها فقالت: لا أرضى صح الرد، وكذلك إذا أخذها، فلم يمكنها الرد فلما تركت قالت: لا أرضى صح الرد، وإن تركت الرد حال ما بلغها الخبر؛ لأنها تركت بعذر.
وفيه: قالت المرأة لوليها: لا تزوجني من فلان فلاني لا أريده، فزوجها الولي من فلان، فبلغها الخبر، فرضيت جاز النكاح؛ لأن المنع عن الفعل في حال لا يمنع الرضا به في حال آخر، ولو قالت: كنت قلت: لا أريد فلانًا ولم تزد على هذا لم يجز النكاح؛ لأنها أخبرت عن إبائها الأول.
الأم إذا زوجت ابنتها الصغيرة حال غيبة أبيها، فلما حضر الأب قال لها: حر اكردى، أو قال: اين كتوكردي مصلحت، فهذا لا يكون ردًا للنكاح.
الأم زوجت الصغيرة، ولها أب وسكتت الابنة نفسها بعد البلوغ، فهذا إجازة منها للنكاح.
سئل أبو نصر عن امرأة زوجها وليها، فبلغها، وردت النكاح، ثم عاد إليها وليها في مجلس، فقال: إن أقوامًا يخطبونك فقالت: أنا راضية بما تفعله أنت، فزوجها الولي من الذي قد ردته، فأبت أيضًا أن تجيز هذا النكاح، قال: لها أن ترد؛ لأن قولها: أنا راضية بما تفعله ليس بتفويض عام، وإنما ينصرف ذلك إلى غير الأول من الرجال؛ لأن تقدير هذا الكلام كأن الولي، قال لها: إذا أبيت فلانًا قد خطبك قوم آخرون، فماذا تقولين؟ فقالت: قد رضيت بما تفعل، فيكون ذلك رضا بغير الأول بمنزلة من قال لغيره: إني كرهت صحبة امرأتي فلانة فطلقتها، فزوجني امرأة ترضاها لي فزوجه المطلقة لم يجز كذا هاهنا.
وفي هذا الجواب نوع نظر عندي؛ لأن الإباء في حال لا يمنع الرضا في حال آخر كما في المسألة المتقدمة، فيمكن أن يجعل قولها: أنا راضية بما تفعله تفويضًا عامًا كما يقتضيه ظاهر اللفظ، فلا ضرورة إلى صرفه إلى غير الذي ردته.
سئل هو أيضًا عن رجل زوج وليته، فلما بلغها الخبر قالت: هو دميم لا أرضى به، أو قالت: هو دباغ لا أرضى لك منه الإباء، قال: هذا كلام واحد، فلا يضرها ما قدمت وبطل النكاح.
وسئل الفقيه أبو جعفر رحمه الله عن بالغة وكلت رجلًا ليزوجها من فلان بألف درهم، فزوجها منه بخمسمائة درهم، فلما أخبرت بذلك قالت: لم يعجبني هذا لأجل الناس لنقصان المهر، فقيل لها: لا يكون لك منه إلا ما تريدين، فقالت: رضيت، قال: يجوز النكاح؛ لأن قولها لم يعجبني ليس برد، فالرضا يرد على النكاح الموقوف فصح.
ولو تزوج العبد امرأة بغير إذن مولاه، ثم قال له مولاه: طلقها لا يكون ذلك إجازة للنكاح، ولو قال له: طلقها تطليقة رجعية، أو قال: طلقها تطليقة تملك الرجعة، فهو إجازة للنكاح. في (الجامع الصغير).
وفي (المنتقى): ابن سماعة عن محمد رحمه الله: رجل زوج رجلًا امرأة بغير أمره، فبلغه الخبر فقال: هي طالق لم يكن إجازة، وكان ردًا، وإن قال: فهي طالق، فهذا عند أبي حنيفة رحمه الله قبول، والطلاق واقع، وقال محمد رحمه الله: هو رد ولا يقع الطلاق، والله أعلم.

.الفصل الثالث: فيما يكون إقرارًا بالنكاح وما لا يكون إقرارًا به:

قال محمد رحمه الله في إقرار (الأصل): إذا قالت المرأة لرجل: طلقني، فهذا إقرار منها بالنكاح؛ لأنها طلبت منه ما لا صحة له إلا بالنكاح، فتضمن ذلك إقرارًا بالنكاح، فلأن الطلاق لرفع قيد النكاح، وقولها: طلقني بمنزلة قولها: ارفع عني قيد النكاح الذي لك عليّ، وكذلك إذا قالت: اخلعني بألف درهم وهذا أظهر من الأول؛ لأنها التزمت البدل، والبدل لا يلزمها إلا بزوال ملك الزوج عنها بالخلع، وكذلك لو قالت: طلقتني أمس بألف درهم، خلعتني أمس بألف درهم، أنت مني مظاهر، أنت مني مول لأنه لا صحة لشيء مما أخبرت إلا بعد صحة النكاح، فيتضمن ذلك إقرارًا منها بصحة النكاح، فكذلك إذا قال الرجل لامرأة اختلعي مني بمال فهذا إقرار منه أنه زوجها، فكذلك إذا قالت: طلقني، فقال لها: اختاري أمرك بيدك في الطلاق فهذا منه إقرار بالنكاح.
ولو قال الرجل: والله لا أقربك فهذا لا يكون إقرارًا منه بالنكاح بخلاف قوله: أنا منك مول، وهذا لأن قوله: والله لا أقربك محتمل يحتمل والله لا أقربك؛ لأنه لا ملك لي عليك، ويحتمل لا أقربك مع أن لي عليك ملك على قصد الإضرار والتعنت والمحتمل لا يصلح لبناء الحكم عليه.
وقوله: أنت عليّ حرام، أنت مني بائن أمرك بيدك، اختاري، اعتدي لا يكون إقرارًا بالنكاح إلا إذا خرج جوابًا لقولها طلقني؛ لأن هذه الألفاظ عند مذاكرة الطلاق متعينة للطلاق، ولهذا لا تحتاج إلى النية وإيقاع الطلاق إقرار بالنكاح.
ولو قال لها: أنت عليّ كظهر أمي فهذا لا يكون إقرارًا بالنكاح؛ لأن هذا إخبار منه بحرمتها، وهو ضد موجب النكاح بخلاف قوله: ظاهرتك، أنا منك مظاهر، فإن هذا يكون إقرارًا بالنكاح، ولو قال لها ألم أطلقك أمس؟ أما طلقتك أمس؟ فهذا إقرار بالنكاح؛ لأن في هذا الاستفهام معنى التقرير قال الله تعالى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مّنْكُمْ} [الأنعام: 130] أي: أتاكم وتقرير الطلاق لا يكون إلا بعد النكاح، فكان إقرارًا بالنكاح.
ولو قال لها: هل طلقتك أمس؟ فهذا إقرار منه بالنكاح، ولا يكون إقرارًا بالطلاق؛ لأن مثل هذا الاستفهام للاستبيان لا للتقرير فلا يصير به مقرًا للطلاق، ولكن استبيان الطلاق لا يكون إلا بعد النكاح، فكان إقرارًا منه بالنكاح.
إذا قال لامرأة حرة: هذا ابني منك، فقالت: نعم، أو قالت حرة لرجل ذلك، فقال الرجل: نعم كان هذا إقرارًا بالنكاح؛ لأن ثبوت النسب باعتبار الفراش والأصل فيه الفراش الصحيح؛ لأن الشرع إنما يرد بالصحيح دون الفاسد، ولا يثبت الفراش الصحيح على الحرة إلا بالنكاح فكان اتفاقهما على النسب اتفاقًا على سببه وهو النكاح، حتى لو كان مكان الحرة أمة لا يكون إقرارًا بالنكاح، هذه الجملة من إقرار (الأصل). وفي (المنتقى): إبراهيم عن محمد رحمه الله: امرأة قالت لرجل: أنا امرأتك فقال الرجل: أنت طالق فهذا إقرار منه بالنكاح.
قال في (الأجناس): وهذا بخلاف ما لو قال لها ابتداء أنت طالق حيث لا يكون إقرارًا بالنكاح، وأشار إلى الفرق فقال: الطلاق يفضي إلى ارتفاع الزوجية فلا زوجية بين الأجنبيين ولا كذلك على وجه الجواب؛ لأن من حكم الجواب أن يكون مقصودًا على السؤال وقد تقدم ذكر الزوجية منها، وقوله لها: أنت طالق تقديره عن الزوجية التي تزعمها، فيكون إقرارًا بالزوجية.
في (الأجناس) أيضًا: لو قالت له: أنا امرأتك فقال: ما أنت امرأتي أنت طالق لا يكون إقرارًا بالنكاح، وكذا لو قال لها: إن أنت امرأتي فأنت طالق فهنا لا يكون إقرارًا بالنكاح. وفي (المنتقى): امرأة قالت للقاضي: فرق بيني وبين هذا فهذا لا يكون إقرارًا بالنكاح.
وفيه أيضًا عمرو بن أبي عمرو. وفي (الإملاء): رجل قال لامرأة: إني أريد أن أشهد أني قد تزوجتك فيما مضى لأمر خفته، فأقري بذلك أيتها المرأة، فقالت: نعم. فأشهد بذلك وصدقته المرأة، ثم تصادقا على ما كانا قالا، فالقول قولهما ولا نكاح بينهما، وأما الطلاق والعتاق في المرأة والعبد والأمة فلا يصدقان في إبطالهما في القضاء، وفيما بينهم وبين الله تعالى فهي امرأته، والعبد والأمة رقيق المولى، وفي نكاح (الأصل): إذا تزوج امرأة في عقدة وامرأتين في عقدة، وثلاثًا في عقدة ولا يعرف الزوج أيتهن الأول إلا أنه جامع امرأة منهن أو طلقها، أو ظاهر منها كان إقرارًا منها بأنها هي الأول.
ومما يتصل بهذا الفصل ما ذكر في (المنتقى)، قال هشام: سألت محمدًا رحمه الله عن أختين إحداهما فاطمة والأخرى خديجة، فقال رجل: قد تزوجت فاطمة بعد خديجة، فأخبرني أن أبا يوسف رحمه الله قال: فاطمة امرأته؛ لأنه تكلم بها أولًا، قال محمد رحمه الله: وهو كما قال الزوج؛ لأنه وصل بين كلاميه، فأجعل خديجة امرأته، وأفرق بينه وبين فاطمة.
وكذلك إن امرأة قالت: تزوجت أبا موسى بعد (ما) تزوجت أبا حفص، وادعى الرجلان تزوجها، فهي امرأة أبي موسى عند أبي يوسف رحمه الله، ولا تصدق عليه، وقال محمد رحمه الله: تصدق عليه، فإن سألها القاضي من تزوجك؟ فقالت: تزوجت أبا موسى بعد ما تزوجت أبا حفص، فهي امرأة أبي حفص إذا كان جواب المنطق استحسانًا استحسن ذلك أبو يوسف رحمه الله ذكر هذا الاستحسان في (المنتقى) في مسألة أخرى هي من جنس هذه المسألة. قال ثمة: وكذلك إذا قال: بعت عبدي من هذا بعدما بعته منك، فهو مثل التزويج.
وفيه أيضًا: بشر عن أبي يوسف رحمه الله: امرأة قالت: تزوجت هذا الرجل أمس، ثم قالت: تزوجت هذا الرجل الآخر منذ سنة، فهي امرأة صاحب الأمس؛ لأنها أقرت له أول أمره، وإذا شهد الشهود على إقرارها لهما جميعًا، فإني أسأل الشهود بأيهما بدأت، ثم أنفذ الحكم عليه، ولو قالت: تزوجتهما جميعًا فهذا أمس وهذا مذ سنة كانت امرأة صاحب الأمس.

.الفصل الرابع: في الشروط والخيار في النكاح:

الخيارات التي تثبت في العقود أنواع أربعة:
خيار شرط، وخيار عيب، وخيار رؤية، وخيار إجازة.
فخيار الإجازة يثبت في النكاح كما يثبت في سائر العقود، وخيار الرؤية لا يثبت في النكاح، وخيار الشرط كذلك لا يثبت في النكاح، ولا يبطل به النكاح عندنا، وخيار العيب لا يثبت للزوج عندنا، وكذلك لا يثبت للمرأة عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمد رحمهم الله يثبت لها الخيار في العيوب الخمسة، إذا كان على صفة لا تطيق المقام معه، وإذا شرط أحدهما لصاحبه السلامة عن العمى والشلل والزمانة، فوجد بخلاف ذلك لا يثبت له الخيار، وكذلك لو شرط أحدهما على صاحبه الجمال، أو شرط الزوج عليها صفة البكارة يأتي بعد هذا.
في (المنتقى): ابن سماعة عن محمد رحمهما الله إذا قال الرجل لغيره: زوجتك أمتي فلانة بكذا إن رضيت، وقبل ذلك الغير، فالنكاح جائز، والشرط باطل، ولو قال: بعت عبدي هذا إن رضي فلان، وسمى رجلًا أجنبيًا، فالبيع جائز والشرط باطل، قال الحاكم أبو الفضل رحمه الله: تأويله عندي إذا بين وقت الرضا.
وفيه أيضًا: هشام عن أبي يوسف رحمه الله إذا قال لامرأة: قد تزوجتك بألف درهم إن رضي فلان اليوم، فإن كان فلان حاضرًا فقال: قد رضيت جاز النكاح استحسانًا، وإن كان غير حاضر لم يجز، وليس هذا كقوله: قد تزوجتك ولفلان الرضا لمعنى في هذه الصيغة، (هذا قول وزوجت وشرط خيار)، والأول لم يوجب وجعل الإيجاب مخاطرة.
ولو قال: تزوجتك اليوم على أن لك المشيئة اليوم إلى الليل، فالنكاح جائز والشرط باطل، وهو مثل شرط الخيار.
وفي (فتاوى أبي الليث) رحمه الله: تزوج امرأة على أن أباه بالخيار صح النكاح ولا خيار، ولو قال: تزوجتك إن رضي أبي لم يصح، قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: لأنه علق النكاح بالخطر، ولا يعلق كذلك وفي الأول وقع في الحال.
وفي (مجموع النوازل): سئل شيخ الإسلام رحمه الله عن رجل خطب إلى رجل بنته الصغيرة لابنه الصغير، فقال المخطوب إليه: زوجتها من فلان قبل هذا، ولم يصدقه الخاطب فقال المخطوب إليه: إن لم أكن زوجتها من فلان فقد زوجتها من ابنك فلان، قال الآخر: قبلت، وذلك بحضرة الشهود، وظهر أنه لم يكن زوجها من فلان هل ينعقد هذا النكاح بهذه الكلمات؟ قال: نعم. قيل: أليس هذا تزويجًا معلقًا بالشرط؟ قال: هذا تعليق بما هو موجود للحال، ومثل هذا التعليق تحقيق.
في (شرح الزيادات): إذا قال لأمته: تزوجتك على أن أعتقك، أو قالت الأمة: تزوجني على أن تعتقني، فقبل جاز العتق، ولا يجوز النكاح؛ لأن العتق متأخر عن النكاح، فيصير متزوجًا أمة نفسه، ولو قال لها: تزوجتك على عتقك، أعتقتك على تزوجك فقبلت، فقد اختلف المشايخ في هذه الفصول، عامتهم على أنه لا يصح النكاح؛ لأن النكاح مقارن للعتق هنا، لكونه بدلًا عن النكاح، ثم العتق تصدفها، وهي أمة فكذا النكاح، وكان القاضي الإمام أبو حازم رحمه الله يقول: يصح في هذه الفصول لأنهما تصرفان لا يصح أحدهما وهو النكاح إلا بتقديم الآخر وهو العتق وجب القول بتقديم العتق كما في قوله: أعتق عبدك عني على ألف درهم.
والصحيح ما ذهب إليه عامة المشايخ، لأن النكاح مع العتق ذكرا (على) سبيل العوض والمعوض، والعوض يقترن ثبوته بالمعوض ولا يسبقه، فيصادفها النكاح وهي أمة، بخلاف قوله: أعتق عبدك عني بألف درهم؛ لأن البيع هناك يثبت شرطًا للعتق لا عوضًا عنه، والشرط أبدًا يثبت سابقًا، فأمكن تقديمه على الإعتاق، وأما هنا بخلافه.
إذا تزوجها على أن يعتق أخاها، فقبلت جاز النكاح، ولا يعتق الأخ إلا بإعتاق مستأنف؛ لأن العتق هنا موعود، ولا يخبر الزوج على الإعتاق؛ لأن العتق كان موعودًا، فلا جبر في المواعيد.
بعد هذا المسألة على وجهين: أما إن عتق الزوج أخاها أو لم يعتق، فإن لم يعتق ينظر إن كان لم يسم لها مهرًا، فلها مهر مثلها، وإن سمى لها مهرًا، فإن كان المسمى مثل مهر مثلها، فلها ذلك ليس لها غيره، وإن كان المسمى أقل من مهر المثل، فلها تمام مهر مثلها، لأنها حطت عن مهر المثل لخلاص أخيها عن ذل الرق، ولم يحصل لها هذا المقصود.
وإن أعتق الزوج أخاها فإن كان الزوج سمى لها مهرًا، فلها المسمى، وإن كان المسمى دون مهر مثلها؛ لأن مقصودها قد حصل هنا، وإن لم يسم له مهرًا، فلها تمام مهر مثلها.
ولو تزوجها (على) أن يعتق أخاها عنها، فقبلت جاز النكاح، فصار رقبة الأخ ملكًا لها بنفس العقد، وعتق الأخ عليها بحكم القرابة أعتقه الزوج أو لم يعتقه؛ لأن المرأة طلبت منه أن يعتقه عنها، والعتق عنها لا يثبت إلا بعد تقدم الملك لها، فتقدم الملك، وثبت العتق عنها بجهة القرابة.
في هذا الفصل نوع إشكال؛ لأنه أثبت الملك بدون الإعتاق، والملك في مثل هذا لا يثبت بدون الإعتاق كما في قوله: أعتق عبدك عني على ألف درهم، والجواب وهو الفرق بين الفصلين أن النكاح يقتضي ملك المهر، فملك العبد يصلح مقتضى النكاح، ويصلح مقتضى العتق فاستويا فاحتجنا إلى الترجيح، فنقول: جعله مقتضى النكاح أولى؛ لأنا إن جعلناه مقتضى العتق، فالعبد يكون مهرًا أيضًا، والملك لها في العبد باعتبار أنه مهر بدليل أنه لو طلقها قبل الدخول يجب عليها رد نصف قيمة العبد، فكان الترجيح لجانب النكاح، فجعلناه مقتضى النكاح، فيثبت بمجرد النكاح، ولا كذلك في قوله: أعتق عبدك عني؛ لأن هناك الملك مقتضى العتق؛ لأنا لو لم نجعله مقتضى العتق يبطل كلامهما، فجعلها مقتضى العتق، فلا يثبت قبل ثبوت العتق.
ولو تزوجها على عتق أخيها، فقبلت جاز النكاح وعتق العبد عن المولى؛ لأنه جعل العتق عوضًا عن النكاح، ولها مهر مثلها؛ لأن عتق الأخ لا يصلح صداقًا، وإن كان سمى لها مع ذلك ما يصلح مهرًا، فلها المسمى لا غير، وإن كان دون مهر مثلها. ولو تزوجها على عتق أخيها عنها فقبلت جاز النكاح، وعتق العبد عليها، وليس لها غير الأخ؛ لأن الزوج حصل على رقبة الأخ؛ لأن العتق عنها لا يكون إلا بعد تقديم للملك لها في رقبة الأخ، فصار اشتراط العتق اشتراطًا لتمليك الرقبة منها، ورقبة الأخ تصلح مهرًا، فلا يجب شيء آخر لها.
ولو كان تزوجها على أن يعتق عبدًا أجنبيًا لا قرابة بينه وبينها جاز النكاح ولا يعتق العبد إلا بإعتاق الزوج، فيكون لها مهر مثلها إن لم يسم لها مهرًا، وإن سمى لها ما يصلح مهرًا، فلها المسمى لا غير وإن كان ذلك دون مهر مثلها؛ لأن الشرط هنا ليس بمرغوب بخلاف إعتاق الأخ.
ولو كان تزوجها على أن يعتق عنها عبدًا من عبيده بعينه لا قرابة بينه وبينها جاز النكاح، وتصير رقبة العبد ملكًا لها مهرًا، وصار الزوج وكيلًا عنها بالإعتاق فإن أعتقه قبل نهي المرأة صح إعتاقه، وإن نهته ثم أعتقه كان باطلًا؛ لأن تقدير هذا كأن المرأة قالت له: ملكني هذا العبد ثم كن وكيلي بالعتق، فكان لها أن تعزله عن الوكالة بخلاف قوله: على أن يعتق أخاها عنها؛ لأن الملك كما ثبت لها في رقبة الأخ عتق فلا تعزل الزوج عن الوكالة، ولو كان تزوجها على عتق عبد بعينه، لا قرابة بينه وبينها، فقبلت جاز النكاح وعتق العبد عن المولى حتى كان الولاء له، ولها مهر مثلها، وإن كان قد سمى لها مع ذلك (ما) يصلح مهرًا، فلها المسمى لا غير، ولو كان تزوجها على عتقه عنها جاز النكاح، وعتق العبد من جهتها حتى كان الولاء لها، وهو مهرها ليس لها غيره. هذه الجملة من (الزيادات).
في (فتاوى أبي الليث) رحمه الله: تزوج امرأة على أنها بكر، فدخل فوجدها (ثيبًا) بالوثبة أو غير، فعليه المهر كلًا ويستوي إن زالت بكارتها بالوطء أو بطول التعنيس؛ لأن البكارة لا تصير مستحقة بالنكاح، وفيما إذا اشترى جارية على أنها بكر فوجدها زائل العذرة، وقال البائع: زالت عذرتها بالوثبة، قال بعض مشايخنا: إن صدقه المشتري في ذلك لا يكون له حق الرد وإن كذبه، وقال: لا بل زالت عذرتها بالوطء كان القول قوله، وله حق الرد، وأكثر المشايخ على أن له حق الرد على كل حال هو الصحيح؛ لأن الناس باشتراط البكارة يريدون صفة العذرة، فبأي طريق زالت العذرة، فقد فات الشرط، فيكون له حق الرد.
وفي (الفتاوى) للفقيه أبي الليث رحمه الله قال أبو نصر: قال البلخي: زوج رجل أمته من عبده على أن أمرها بيده يكون كذلك، وقال ابن سلمة: صح النكاح، ولا يكون الأمر بيده، قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: لو بدأ العبد بقوله: زوجني على أن أمرها بيدك، فزوجها لا يكون الأمر بيده لوجود التفويض قبل النكاح، وإن بدأ المولى فقال: زوجتها منك على أن أمرها بيدي أطلقها كلما أريد، فقال العبد: قبلت صار الأمر بيده لوجود التفويض بعد النكاح.
بيانه: أن العبد لما قال: قبلت في هذه الصورة صار كأنه قال: قبلت على أن أمرها بيدك تطلقها كما تريد، فيكون التفويض بعد النكاح.
ونظير هذا: رجل قال لامرأة: تزوجتك على أنك طالق، أو على أن أمرك بيدك تطلق نفسها كما تريد، فقبلت لا يقع الطلاق، ولا يصير الأمر بيدها، ولو بدأت فقالت: زوجت نفسي منكَ على أني طالق، أو على أن أمري بيدي أطلق نفسي كلما أريد، فقال الزوج: قبلت، وقع الطلاق، وصار الأمر بيدها، وتصير هذه المسألة حيلة للمطلقة ثلاثًا إذا خافت من المحلل أن يمسكها، ينبغي أن تبدأ هي، وتقول للزوج: زوجت نفسي منك على أن أمري بيدي أطلق نفسي كلما أريد، ثم يقبل الزوج، فيصير الأمر بيدها تطلق نفسها كلما أرادت، ولو كان الزوج قال لها: تزوجتك على أنك طالق بعد ما أتزوجك، أو على أن أمرك بيدك بعد ما أتزوجك، تطلقي نفسك كلما تريدين، فقالت المرأة: قبلت تطلق، ويصير الأمر بيدها.
وفي (المنتقى): الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله: إذا قال لها: أتزوجك على أن أمرك بيدك بعدما أتزوجك شهرًا، فالنكاح جائز، وأمرها بيدها شهرًا منذ تزوجها، فإن اختارت زوجها في يوم من الشهر لم يبطل خيارها في باقي الشهر، وروى الحسن عن أبي مالك عن أبي يوسف رحمهم الله، أنه يبطل خيارها في باقي الشهر.
تزوج امرأة على أن يأتي بعبدها الآبق، فلها مهر مثلها، هكذا قال الفقيه أبو القاسم رحمه الله.
وعنه أيضًا: تزوج امرأة على أنه مدني فإذا هو قروي لا خيار لها، وفي (الجامع الأصغر)؛ قال أبو الليث الكبير رحمه الله: تزوج أمة رجل على أن كل ولد تلده فهو حر، فالنكاح جائز، والشرط كذلك، وكل ولد تلده فهو حر.
في (فتاوى أبي الليث) رحمه الله: رجل تزوج امرأة، ولم يسم لها مهرًا على أن تدفع المرأة إلى الزوج هذا العبد قسم مهر مثلها على قيمة العبد، وعلى مهر مثلها؛ لأنها بذلت البضع والعبد بأداء مهر مثلها، والبدل ينقسم على وقدر قيمة المبدل، فما أصاب قيمة العبد فالبيع فيه باطل؛ لأنها باعت بشيء مجهول، ويصير الباقي مهرًا لها.
في (واقعات الناطفي): رجل قال لامرأة: أتزوجك على أن تعطيني عبدك هذا، فأجابته بالنكاح، فالنكاح جائز بمهر المثل، ولا شيء له من العبد، قوله: لا شيء له من العبد ظاهر؛ لأنه اشترى العبد شراءً باطلًا؛ لأنه اشتراه بثمن مجهول، وقوله: فالنكاح جائز بمهر المثل يفسره ما قلنا في المسألة المتقدمة: إن مهر مثلها يقسم على مهر مثلها وعلى قيمة العبد، فما أصاب مهر مثلها يصير مهرًا لها.

.الفصل الخامس: في تعريف المرأة والزوج في العقد بالتسمية أو الإشارة:

امرأة وكلت رجلًا ليزوجها من نفسه، فذهب الوكيل، وقال لجماعة: اشهدوا أني قد تزوجت فلانة ولم يعرف الشهود فلانة لا يجوز النكاح ما لم يذكر اسمها واسم أبيها، واسم جدها، لأنها غائبة، والغائب لا يعرف إلا بهذه الأشياء، ألا ترى أنه لو قال بين يدي الشهود: تزوجت امرأة قد وكلتني بنكاحها لا يجوز؟ وإنما لا يجوز لما قلنا، هكذا ذكر الصدر الشهيد رحمه الله في الباب الأول من (واقعاته)، وذكر الخصاف في (حيله) مسألة تدل على أن مثل هذا التعريف يكفي لجواز النكاح.
فصورة ما ذكر الخصاف: رجل خطب امرأة إلى نفسها، فأجابته إلى ذلك، وكرهت أن يعلم بذلك أولياؤها، فجعلت أمرها في تزويجها إليه، واتفقا على المهر، فكره الزوج أن يسميها عند الشهود إني خطبت امرأة إلى نفسها، وبذلت لها من الصداق كذا وكذا، فرضيت بذلك، وجعلت أمرها إليّ بأن أتزوجها، فاشهدوا أني قد تزوجت المرأة التي جعلت أمرها إليّ على صداق كذا وكذا، ينعقد النكاح بينهما إذا كان كفئًا لها، قال الشيخ الإمام الأجل شمس الأئمة الحلواني رحمه الله: الخصاف كبير في العلم، وهو من جملة من يصح الاقتداء به، قال رحمه الله: وذكر في (المنتقى) أيضًا. أن مثل هذا التعريف يكفي فيتأمل عند الفتوى، هذا إذا كان الشهود لا يعرفون فُلانة.
فأما إذا كانوا يعرفونها وذكر الزوج اسمها لا غير جاز النكاح، وإن كانت غائبة إذا عرف الشهود أنه أراد به المرأة التي عرفوها لأن المقصود هو التعريف وقد حصل التعريف بمجرد ذكر الاسم.
وفي (البقالي): إذا لم ينسبها الزوج ولم يعرفها الشهود وسِعَهُ فيما بينه وبين ربِّه. وفيه أيضًا: إذا قال: المرأة التي في هذا البيت جاز إن كانت وحدها وإن كانت المرأة حاضرة إلا أنها متنقبة لا يعرفها الشهود فقال الرجل: تزوجت هذه، وقالت المرأة زوجت جاز، هو المختار خلافًا لما يقوله نصر لأنها حاضرة والحاضر يعرف بالإشارة، والاحتياط أن يكشف وجهها أو يُذكر أبوها وجدها فيقع الأمن من أن يرفع الأمر إلى قاضٍ يميل إلى قول نصر فيبطل النكاح.
جارية لها اسم سُمّيت به في صغرها فلما كبرت سميت باسم آخر، تُزوج باسمها الآخر إن صارت معروفة بهذا الاسم. في نكاح (فتاوى أبي الليث) رحمه الله: رجلٌ له ابنة واحدة اسمها فاطمة، قال لرجل: زوجت منك ابنتي عائشة ولم تقع الإشارة إلى شخصها، ذكر في (فتاوى الفضلي): أنه لا ينعقد النكاح لأنه إذا لم تقع الإشارة إلى شخصها كان انعقاد النكاح بالتسمية وليست له ابنة بهذا الاسم.
ولو قال: زوجت ابنتي منك ولم يزد على هذا وله ابنة واحدة جاز؛ لأنه أمكن تصحيح النكاح بدون التسمية، وفي أول شرح عتاق (الأصل): إذا قال لغيره: بعتك عبدي أو قال: عبدًا لي، وليس له إلا عبد واحد هل يجوز البيع؟ اختلف فيه المشايخ، بعضهم قالوا: يجوز كما لو قال: بعتك عبدًا لي في مكان كذا وليس له في ذلك المكان إلا عبد واحد وذلك جائز بلا خلاف، وبعضهم قالوا: لا يجوز، وإليه أشار محمد رحمه الله في باب الشهادة على العتق، وبه أخذ شمس الأئمة الحلواني رحمه الله، فيجوز أن تكون مسألة النكاح على الاختلاف بين المشايخ كمسألة البيع.
في (فتاوى الفضلي) رحمه الله أيضًا: إذا كانت للرجل ابنتان كبرى اسمها عائشة وصغرى (اسمها) فاطمة فأراد أن يزوج الكبرى، وعقد النكاح باسم عائشة بأن قال: زوجت منك ابنتي عائشة ولم يُشِرْ إلى أحدهما، ولم يقل ابنتي الكبرى ينعقد النكاح على عائشة، ولو قال: زوجت منك ابنتي الكبرى فاطمة لم يذكر هذا الفصل ثمة، قال الصدر الشهيد في (واقعاته): يجب أن لا ينعقد النكاح أصلًا لأنه ليست له ابنة كبرى بهذا الاسم.
إذا أراد أن يزوج أمته من إنسان فقال: زوجت منك أمتي قتلغ، أو قال تنفشة جاز إذا لم يكن له بهذا الاسم إلا أمة واحدة، وكذا لو أراد أن يزوج امرأة من عبده فقال: زوجتك من عبدي سنقر جاز إذا لم يكن له غلام آخر بهذا الاسم، ألا ترى لو أراد أن يزوج ابنته يقول: زوجت ابنتي فاطمة مثلًا، وإن أراد أن يزوج ابنه فقال: ابني أحمد مَثَلًا، ويجوز كذا هنا.
في (فتاوى أبي الليث) رحمه الله:
رجل (أراد) أن يزوج ابنته الصغيرة من ابن صغير لغيره، فقال أب الصغيرة لأب الصغير: زوجت ابنتي الصغيرة فلانة من ابنك الصغير فلان، وقال أب الصغير قبلت جاز النكاح للابن؛ وإن لم يقل الأب قبلت الابن؛ لأن المزوج أوجب العقد للابن، وقبول المتزوج جواب، والجواب يتقيد بالإيجاب فكأنه قال: قبلت الابن.
وفي هذا الموضع أيضًا. رجل خطب لابنه الصغير امرأة، فلما اجتمعا للعقد قال أبُ المرأة لأب الصغير بالفارسية: دادم برابرني ابن دحتر بهزاردرم فقال أب الابن: بدرفتم يجوز النكاح للأب، وإن جرى بينهما مقدمات النكاح للابن، هو المختار؛ لأن الأب أضاف النكاح إلى نفسه، وهذا أمر يجب أن يحتاط فيه.
وفي (البقالي): إذا خطب الرجل صغيرة لابنه الصغير فقال أب الصغيرة لأب الصغيرة وهنيئًا لك؛ فقال أب الصغير: قبلتها لابني جاز.
في (مجموع النوازل): سئل شيخ الإسلام رحمه الله عن رجل قال لآخر: زوجت ابنتي فلانة من ابنك فلان بكذا ولفلان ابنان فقال فلان: قبلت لابني ولو لم يقل فلان لا يجوز النكاح. ولو قال: قبلت ولم يقل لابني جاز النكاح للابن المسمى في التزويج؛ لأن في الفصل الثاني أمكن جعل قوله قبلت جوابًا للإيجاب السابق؛ لأنه لم يزد على حرف الجواب فيتقيّد بالإيجاب، وصار كأنه قال: قبلت لابني فلان. وأما في الوجه الأول زاد على حرف الجواب وقصر عن الإتمام فلا يمكن أن يجعل جوابًا فلا يتقيّد بالإيجاب فنفي القبول منهما فلا يصح. فالحاصل: أنه إذا كان للمزوج ابنة واحدة وللقابل ابن واحد فقال: زوجت ابنتي من ابنك يجوز على ما ذكره الفضلي.
وعلى قياس مسألة البيع المذكور في العتاق يكون فيه اختلاف المشايخ، وإن كان للمزوج ابنة واحدة وللقابل ابنان فسمى المزوج الابنة والابن باسمهما؛ إن سمى القابل الابن باسمه صح النكاح للابن المسمى، وكذلك إذا لم يسمه واقتصر على قوله قبلت يجوز النكاح للابن المسمى ويجعل قول القابل قبلت جوابًا فيتقيّد بالإيجاب. ولو ذكر القابل الابن إلا أنه لم يسمه باسمه بأن يقول قبلت لابني لا يصح لأنه لا يمكن أن يجعل جوابًا؛ لأنه زاد على حرف الجواب، فإنه كان يكفيه قبلت، بخلاف ما إذا سمى الابن باسمه لأنه إن زاد على حرف الجواب فما قصر عن الإتمام، وجنس هذا في (الجامع) في الأيمان والله أعلم.

.الفصل السادس: في الكفاءة:

الكفاءة معتبرة في باب النكاح، والأصل فيه قوله عليه السلام فيما رواه جابر عنه: «لا تنكح النساء إلا من الأكفاء» وقال عليه السلام: «ألا لا يُزوجُ النساءَ إلا الأولياءُ ولا يزوجن إلا من الأكفاء» والحكمة في اشتراطها: تحقيق ما هو المقصود من النكاح وهو السكنى والازدواج، إذ المرأة تتعير باستفراش من لا يكافئها، ثم اعتبارها من وجوه:
أحدها: النسب، واعلم بأن الناس طبقات ثلاث: قريش والعرب والموالي، فقريش بعضهم أكفاء لبعض، والعرب بعضهم أكفاء لبعض، ولا يكون العرب أكفاء لقريش، والموالي بعضهم أكفاء لبعض، ولا يكون الموالي أكفاء للعرب ولا لقريش.
قال شيخ الإسلام المعروف بخواهر زاده رحمه الله: الكفاءة فيما بين الموالي تعتبر بالإسلام لا بالنسب لأن الموالي ضيّعوا أنسَابهم فلا يعتبر النسب في حقهم، وما قال محمد رحمه الله في (الكتاب): بعضهم أكفاء بعض إلا أن يكون أمرًا مشهورًا، وإنما قال ذلك تعظيمًا لأمر الخلافة أو تسكينًا للفتنة والعالم يكون كفئًا للعلوية لأن للعالم شرف الكسب يعني به كسب العلم وللعلوية شرف النسب، وشرف الكسب أولى، وعن هذا قيل: إن عائشة أفضل من فاطمة رضي الله عنهما؛ (لأن لعائشة شرف كسب العلم، قال عليه السلام: «..... تأخذون ثلثي دينكم من عائشة». ولفاطمة شرف النسب).
الثاني: المال إلا رواية عن أبي يوسف رحمه الله رواها ابن زياد أن الكفاءة في المال غير معتبرة، وفي ظاهر الرواية معتبرة، والمعتبر فيه القدرة على المهر والنفقة، ولا تعتبر الزيادة على ذلك حتى إن من كان قادرًا على المهر والنفقة كان كفئًا لها وإن كانت صاحبة أموال كثيرة وهو الصحيح من المذهب، وإن كان يقدر على نفقتها بالتكسُّب ولا يقدر على مهرها اختلف فيه المشايخ: عامتهم على أن لا يكون كفئًا لها، وذكر هشام في (نوادره) عن أبي يوسف رحمه الله رواية أخرى أنه إذا كان قادرًا على العمل فهو كفء لها، قال شيخ الإسلام رحمه الله: وهو الصحيح، وعن أبي حنيفة رحمه الله فيه أنه كفء لها، هكذا روي عن محمد، وروي عن أبي يوسف روايتان ذكره البقالي في (فتاويه).
وفي (المنتقى) عن محمد رحمه الله: أنه إذا كان للرجل المهر والنفقة لستة أشهر فهو كفء، والقياس: نفقة شهر. وفيه أيضًا: إذا كان يجد نفقة المرأة ولا يجد نفقة نفسه فهو كفء.
ثم إنما تعتبر القدرة على النفقة إذا كانت المرأة كبيرة أو صغيرة تصلح للجماع، أما إذا كانت صغيرة لا تصلح للجماع لا تعتبر القدرة على النفقة لأنه لا نفقة لها في هذه الصورة، ويكتفى بالقدرة على المهر، إليه أشار ابن رستم في (نوادره).
في (المنتقى): إذا تزوجها وهو فقير فتركت له المهر، وهذا ليس بكفء وينبغي أن يقدر على مهرها ونفقتها يوم تزوج.
في (فتاوى أهل سمرقند): رجل زوج أخته وهي صغيرة وهو وليها من صبي ليس له طاقة المهر وقبل أبوه النكاح وهو غني جاز؛ لأن الصغير يُعَدُّ غنيًا في حق المهر بغنى الأب؛ ولا يعد غنيًا في حق النفقة بغنى الأب؛ لأن العادة أن الآباء يتحملون المهر عن الأبناء ولا يتحملون النفقة.
وفي (فتاوى الفضلي) سئل عن العم إذا زوج الصغيرة من صبي صغير لا مال (له) ولأبيه مال كثير وللصغيرة مال كثير هل يكون هذا كفئًا لها؟ وهل يجوز النكاح؟ قال: اختلف المتأخرون فيه من علمائنا، منهم من لم يجعله كفئًا لها؛ ومنهم من جعله كفئًا لها لأنه يُعد غنيًا بغنى أبيه، ولم يفصل بين المهر والنفقة قال رحمه الله: وقول من قال إنه كفء لها أعجب إليَّ.
في (فتاوى أهل سمرقند) أيضًا: رجل يملك ألف درهم... فهذا الرجل كفء لها، وإن كانت القدرة على المهر شرطًا فإن القدرة ثابتة هنا فإنه يقضي أي الدينين شاء بذلك المال.
والثالث: الحرية فالعبد لا يكون كفئًا للحرة وكذلك المعتق لا يكون كفئًا للحرة الأصلية، والمعتق أبوه أو جده لا يكون كفئًا للمرأة لها أبوان في الحرية عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله خلافًا لأبي يوسف رحمه الله في الجد. ومن كان له أبوان في الحرية كان كفئًا لمن كان له ثلاثة آباء في الحرية أو أكثر في ذلك.
امرأة أمُّها حرة الأصل وأبوها معتق قوم فالمعتق لا يكون كفئًا لها لأن المعتق قد بقي فيه أثر من آثار الرق وهو الولاء، والمرأة إذا كانت أمها حرة الأصل كانت هي حرة الأصل فلا يكون المعتق كفئًا لهذه المرأة.
في (فتاوى أبي الليث) رحمه الله، وفي (المنتقى): قال هشام: سمعت محمدًا رحمه الله وفي رجل خطير زوج ابنته من مملوك نفسه، قال: إن كانت الابنة كبيرة ورضيت جاز، وإن كانت صغيرة لم يجز، فقلت: إن أبا يوسف رحمه الله أجازه ولم يقبل ذلك مني، وكذا إذا زوج ابنته من مكاتبه؛ إن كانت كبيرة ورضيت به جاز، وإن كانت صغيرة لا يجوز، وعلى قول أبي حنيفة رحمه اللَّه: يجوز في الفصلين جميعًا بناءً على مسألة الكفاءة على ما يأتي بيانها في آخر الفصل إن شاء الله تعالى.
والرابع: إسلام الأب في الموالي: من أسلم بنفسه لا يكون كفئًا لامرأة لها أب في الإسلام، ومن له أب في الإسلام لا يكون كفئًا لامرأة لها أبوان في الإسلام عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله، خلافًا لأبي يوسف رحمه الله في الجد، ومن كان له أبوان في الإسلام كان كفئًا لامرأة لها ثلاثة آباء في الإسلام أو أكثر، والكلام في إسلام الجد وفي حرية الجد ينبني على أن التعريف هل يحصل بدون ذكر الجد؟ عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله لا يحصل، وعند أبي يوسف رحمه الله يحصل، هذا في حق الموالي، وأما في حق العرب، فإسلام الأب ليس بشرط.
في (المنتقى) إبراهيم عن محمد رحمه الله من كان له أب واحد في الإسلام وله فضل ودين هل يكون كفئًا لمن له أبوانِ في الإسلام أم (لا)؟ قال: إذا استويا في المال على ما يرى الناس فربما يكون الذي له أب كفئًا لمن له أبوان، وكذلك هذا في الحرية، وروى المعلى عن أبي يوسف رحمه الله: من أسلم على يد إنسان لا يكون كفئًا لموالي العتاقة، وذكر ابن سماعة عنه في الرجل يُسلم والمرأة معتق أنه كفء لها قال في (شرح الطحاوي): ومولى الوضيع لا يكون كفئًا لمولاة أشرف القوم؛ لأن الولاء «لُحْمَةٌ كلحمة النسب» حتى إن معتق العربي لا يكون كفئًا لمعتقة الهاشمي، فكان لمعتقها حق.... ومعتقة أشرف القول تكون كفئًا للموالي لأن لمعتقة أشرف القوم شرف الولاء وللموالي شرف إسلام الآباء وحريتهم.
والخامس: التقوى والحسب حتى لا يكون الفاسق كفئًا للعدلة عند أبي حنيفة رحمه الله سواء كان معلن الفسق أو لم يكن، هكذا ذكر شيخ الإسلام رحمه الله، وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله أن الصحيح عند أبي حنيفة رحمه الله أن الكفاءة في التقوى، والحسب غير معتبر في التقوى، وفسّر الحسب فقال: هو مكارم الأخلاق، حتى روي عنهُ أن الذي يشرب المسكر إن كان غير متهتك بسكره حين يسكر كان كفئًا لامرأة صالحة من أهل البيوتات، وإن كان يصير ضحكة حين يسكر ويُستهزأ منه ويعربد ويتهتك لا يكون كفئًا لامرأة صالحة من أهل البيوتات، هكذا ذكر شمس الأئمة الحلواني رحمه الله، وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله عن محمد رحمه الله أن الذي يسكر فيخرج ويستهزئ منه الصبيان لا يكون كفئًا لامرأة صالحة من أهل البيوتات.
وكذلك أعوان الظلمة من يستخف به منهم لا يكون كفئًا لامرأة صالحة من أهل البيوتات، وإن كان مهيبًا معظمًا في الناس فهو كفء لامرأة صالحة من أهل البيوتات، وعن أبي يوسف رحمه الله أنه قال: الذي يشرب المسكر إن كان يشرب ذلك ولا يخرج سكرانًا كان كفئًا لامرأة صالحة من أهل البيوتات، وإن كان يعلن ذلك لا يكون كفئًا لها، فما ذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله من قول محمد رحمه الله يوافق ما ذكر شمس الأئمة الحلواني رحمه الله من قول أبي يوسف رحمه الله قيل وعليه الفتوى.
والسادس: الكفاءة في الحرف فقد اعتبرها أبو يوسف ومحمد رحمهما الله وهو إحدى الروايتين عن أبي حنيفة رحمه الله، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن الناس بعضهم أكفاء لبعض إلا حائك أو حجام، وفي رواية أو دباغ. قال مشايخنا: ورابعهم الكنّاس، فواحد من هؤلاء الأربعة لا يكون كفئًا للصيرفي والجوهري وعليه الفتوى. وكان القاضي الإمام أبو علي النسفي رحمه الله يقول: وهنا خسيس خامس أخسّ من كلهم وهو الذي يخدم الظلمة، هو الذي يُدعى شاكريًا كان صاحب مروءة وقال وصنعة الظلم فيه خساسة لأنه يأكل من دماء الناس وأموالهم بعد هذا المروي عن أبي يوسف رحمه الله أن الحرف متى تفاوت لا يعتبر التفاوت وتثبت الكفاءة فالحايك يكون كفئًا للحجام والدباغ للكناس، والصغار يكون كفئًا للحداد، والعطار يكون كفئًا للبزاز. قال شمس الأئمة الحلواني وعليه الفتوى، وفي (الحاوي) أن القروي كفئًا للمدني.
والسابع: الكفاءة في العقل وإنها معتبرة عند بعض المتأخرين من المشايخ حتى إن الزوج إذا كان مجنونًا لا يكون كفءً للمرأة العاقلة وعند بعضهم غير معتبرة لأن الجنون بمنزلة المرض، ثم سائر الأمراض لا تسلب الكفاءة فكذا الجنون، ثم المرأة إذا زوجت نفسها من غير كفء صح النكاح في ظاهر الرواية عن أبي حنيفة رحمه الله، وهو قول أبي يوسف رحمه الله آخرًا، وقول محمد رحمه الله آخرًا أيضًا لما يأتي بيانه بعد هذا إن شاء الله، حتى إن قبل التفريق يثبت فيه حكم الطلاق والظهار وله إيلاء والتوارث وغير ذلك، ولكن للأولياء حق الاعتراض؛ لأنها ألحقت الشين بالأولياء بنسبة من لا يكافئهم إليهم بالصمدية فكان لهم أن يدفعوا هذا الشين عن أنفسهم. وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله أن النكاح لا ينعقد، وبه أخذ كثير من مشايخنا رحمهم الله. ولا يكون التفريق بذلك إلا عند القاضي، يريد به: أنه ينبغي للولي أن يرفع الأمر إلى القاضي ليفسخ القاضي العقد بينهما أما بدون فسخ القاضي لا ينفسخ النكاح بينهما وتكون هذه فرقة بغير طلاق، حتى لو لم يكن الزوج دخل بها فلا شيء لها من المهر، وإن كان قد دخل بها فلها ما سمى لها من المهر وعليها العدة، والذي يلي المرافعة إلى القاضي المحارم عند بعض المشايخ، وعند بعضهم المحارم وغير المحارم في ذلك على السواء حتى يثبت ولاية المرافعة لابن العم ومن أشبهه وهو الصحيح.
في (البقالي): وإذا زوجها أحد الأولياء من غير كفء برضاها لا يكون للآخرين حق الاعتراض إذا كانوا مثل المزوج أو دونه في الدرجة أمّا إذا كان أقرب من المزوج فله حق الاعتراض لأن المزوج لا يكون وليًا إذا كان لها ولي أقرب منه فكان هو وأجنبيٌ آخر سواء.
وسكوت الولي عن المطالبة بالتفريق لا يكون رضًا منه في النكاح من غير الكفء وإن طال ذلك حتى تلد منه.
وإذا زوجها الولي من غير كفء ثم فارقته ثم زوجت نفسها منه بغير ولي كان للولي حق التفريق فلا يكون رضاه بالنكاح الأول رضًا بالنكاح الثاني.
في نكاح (الأصل): ولو طلقها طلاقًا رجعيًا وراجعها بغير رضا الولي لا يكون للولي حق التفريق في (نظم الزندويستي) رحمه الله. وإذا زوج الأب ابنته الصغيرة من رجل هو ليس بكفء لها جاز في قول أبي حنيفة رحمه الله خلافًا لهما.
ولو زوجها غير الأب والجد من رجل هو ليس بكفء لها بأن زوجها ممن لا يقدر على مهرها أو نفقتها أو ما أشبه ذلك فلا رواية في هذا الفصل عن أصحابنا المتقدمين ولا عن أصحابنا المتأخرين رحمهم الله، وإنما الرواية عن المتأخرين فيما إذا زوجها غير الأب والجد وقصّر في مهرها إنه لا يجوز النكاح.
قال الفضلي رحمه الله: على قياس مسألة التقصير في المهر: ينبغي أن لا يجوز هذا النكاح بلا خلاف، قيل له: إن كان عقد النكاح على أن فلانًا ضامنٌ لها المهر والنفقة؟ قال: لا يجوز أيضًا، وإنما يجوز في هذا إذا كان الزوج صغيرًا وأبوه غني فيكون غنيًا بغنى الأب استحسانًا.
في (فتاوى أبي الليث) رحمه الله: غير الأب والجد إذا زوج الصغيرة من رجل كان جده معتق قوم أو كان جده أسلم، وكان للصبية آباء أحرار مسلمون ثم أدركت فأجازت لم يجز؛ لأن هذا النكاح لم يكن موقوفًا؛ لأنه لم يكن له مجيز لأن نكاح هؤلاء من غير الكفء لا يجوز، وهذا ليس بكفء، وهذا إنما يتأتى على قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله؛ لأن عندهما إسلام الجد وحريته شرط لضرورة (كون) الرجل كفئًا لامرأة لها آباء مسلمون وأحرار.
وإذا زوج الرجل ابنته الصغيرة من رجل على طراية مصلح لا يقرب الخمر أخبره الناس بذلك ثم وجده شريبًا مدمنًا؛ إن لم يعرف أب المرأة شرب الخمر وكان غلبة أهل بيته الصلاح فالنكاح باطل لأن الأب زوجها على طرائها كفء وهذه المسألة يجب أن يكون بالاتفاق، وإنما الخلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه رحمهم الله فيما إذا زوجها من رجل عرفه غير كفء، فَعندَ أبي حنيفة رحمه الله يجوز؛ لأن الأب كامل الشفقة وافر الرأي فالظاهر أنه تأمل غاية التأمل ووجد غير الكفء أصلح من الكفء. أما إذا.... كفء فالظاهر قلة التأمل، وبناء الأمر على ظاهر الكفاءة، فلهذا افترقا.
في (فتاوى أبي الليث) رحمه الله أيضًا، وفي هذا الموضع: امرأة زوجت نفسها من غير الكفء فلها أن تمنع نفسها من الزوج ولا تمكنه عن وطئها، وهذا الجواب خلاف ظاهر الرواية، إنما هذا اختيار الفقيه أبي الليث رحمه الله، قال: لأن من حجة المرأة أن تقول: إنما تزوجت بك رجاء أن يجيز الولي، فإذا لم يجز فلي أن أمتنع منك. يوضحه أن للولي حق الخصومة فعسى يخاصم ويفرق القاضي بينهما، فيكون هذا وطئًا بشبهة، وكثير من مشايخ زماننا قالوا بجواز هذا النكاح. أفتوا بظاهر الرواية، وقالوا ليس لها أن تمنع نفسها من زوجها.
وإذا أكرهت المرأة أن تزوج نفسها من كفء بمهر المثل ثم زال الإكراه فلا خيار لها، وأما إذا أكرهت على تزويج نفسها من غير كفء بأقل من مهر المثل ثم زال الإكراه فلها الخيار.
وإذا زوجت المرأة نفسها من غير كفء بغير رضا الولي؛ فقبض الولي مهرها، فهذا منه رضًا وتسليم. ولو قبضها ولم يجزها فقد اختلف المشايخ فيه، والصحيح: أنه يكون رضًا وتسليمًا لأن العقد توقف على إجازة الولي، وقبض البدل ممن توقف العقد على إجازته يكون رضًا منه بالعقد دلالة كما في البيع الموقوف، فأما إذا لم يقبض ولكن خاصم زوجها في نفقتها وتقرير مهرها عليه بوكالة منها كان ذلك منه رضًا وتسليمًا للعقد استحسانًا؛ لأن طلب المهر لم يكن لإثبات عدم الكفاءة عند القاضي؛ لأن عدم الكفاءة ثابت عند القاضي لأنه وضع المسألة فيما إذا زوجت نفسها من غير كفء، فتعين أن يكون طلب المهر للاستيفاء وذلك دلالة الرضا من غير احتمال، حتى لو لم يكن عدم الكفاءة ثابتًا عند القاضي لا يكون ذلك رضًا بالنكاح قياسًا واستحسانًا.
في (المنتقى) ابن سماعة عن محمد رحمه الله في امرأة تحت رجل هو ليس بكفء لها خاصمه أخوها في ذلك، وأبوها غائب غيبة منقطعة، أو خاصمه ولي آخر غيره أولى منه غائب غيبة منقطعة، وادعى الزوج أن الولي زوجه يوم إقامة البينة وإلا فرق بينهما، فإن أقام بينّة على ذلك قبلت بينته وأجزته على الأول يعني على الولي الذي هو أولى لأن هذا خصم.
في نكاح (المنتقى) عن أبي يوسف رحمه الله: رجل زوج أمة له وهي صغيرة من رجل ثم ادعى أنها ابنته ثبت النسب والنكاح على حاله؛ إن كان الزوج كفئًا، وإن لم يكن كفئًا فهو في القياس لازم لأنه هو الذي زوج وهو ولي. ولو باعها من رجل ثم ادعى المشتري أنها ابنته فكذلك إذا كان الزوج كفئًا، وإن كان الزوج غير كفء فالقياس كذلك لأنه زوَّجها وليٌّ مالك، واستقبح في هذا الموضع أي في قصد المشتري وأفرّق بينهما.
وفي كتاب الطلاق من (المنتقى): رجل تزوج امرأة مجهولة النسب ثم ادعاها رجل من قريش وأثبت القاضي نسبها منه وجعلها ابنة له وتزوجها حجام، فلهذا الأب أن يفرق بينها وبين زوجها. ولو لم يكن ذلك لكن أقرت بالرق لرجل، لم يكن بمولاها أن يبطل النكاح بينهما، وإذا تسمى رجل لامرأة بغير اسمه وانتسب لها إلى غير نسبه، فلما زوجت نفسها منه علمت بذلك، فهذه المسألة على وجهين:
الأول: أن يكون النسب المكتوم أفضل مما أظهر لها، بأنْ أخبرها أنه عربي فإذا هو قرشي، وفي هذا الوجه لا خيار لها ولا لأوليائها لأنهم وجدوا خيرًا مما شرط لهم، وعن أبي يوسف رحمه الله: أن لها الخيار، وكذا في (المجرد) وفي (المنتقى): الحسن بن زياد عن أبي حنيفة رحمها الله: إذا تزوج امرأة على أنه مولى فإذا قرشي فلها الخيار.
الوجه الثاني: أن يكون النسب المكتوم أدون مما أظهر وإنه على قسمين: إن كان مع هذا النسب المكتوم كفئًا لها؛ بأن تزوج عربيّة على أنه قرشي فإذا هو عربي، وهذا القسم لا خيار للأولياء؛ لأن الحق للأولياء في الكفاءة لا غير، حتى لا ينتسب إليهم من لا يكافئهم بالصمدية، وهذا الحق قد صار مقامًا، ولها الخيار عند علمائنا الثلاثة رحمهم الله؛ لأن الاستفراش ذلّ من جانبها، وهي إنما رضيت بتحمل هذا الذل ممن هو فوقها لا ممن هو مثلها، فثبت لها الخيار لا يعدُّ له تمام الرضا. وذكر الكرخي في (جامعه): أنه لا خيار لها.
القسم الثاني: إذا لم يكن مع هذا النسب المكتوم كفئًا لها بأن تزوج قرشيّة على أنه من قريش، فإذا تبين أنه عربي أو من الموالي؛ وفي هذا القسم لها الخيار، ولو رضيت به كان للأولياء حق المخاصمة وهذا ظاهر.
وإن كانت المرأة هي التي غرت الزوج وانتسبت إلى غير نسبها فلما غرت بزوجها علم بذلك فلا خيار هكذا ذكر في (الأصل) من غير ذكر خلاف، وهذا إشارة إلى أن الكفاءة غير مطلوبة من جانب النساء.
وذكر هشام في (نوادره) عن أبي يوسف رحمه الله إذا تزوج امرأة على أنها قرشية فإذا هي نبطية فله الخيار، وقال أبو حنيفة رحمه الله: لا خيار له، وفي آخر باب الوكالة من كتاب النكاح من (الجامع الصغير)....... أمر رجلًا أن يزوجه امرأة فزوجه أمة لغيره قال أبو حنيفة رحمه الله: يجوز وقالا: لا يجوز، وقال مشايخنا رحمهم الله: هذه المسألة دليل على أن الكفاءة في النساء للرجال معتبرة عندهما خلافًا لأبي حنيفة رحمه الله، وفي وكالة (الأصل) أن الكفاءة في النساء للرجال استحسان وليس بقياس.
وفي (المنتقى): الحسن بن زياد: إذا تزوج امرأة على أنَّه فلان بن فلان فإذا هو أخوه أو عمه فلها الخيار.
وفي آخر باب نكاح العبيد من نكاح (الأصل) عبد تزوج امرأة بإذن مولاه ولم يخبر وقت العقد أنه عبدٌ أو حرّ، ولم تعلم المرأة أيضًا ولا أولياؤها أنه حر أو عبد، ثم ظهر أنه عبد فإن كانت المرأة هي التي باشرت عقد النكاح فلا خيار لها، ولكن للأولياء الخيار.
وإن كان الأولياء هم الذين باشروا عقد النكاح فلا خيار لها، ولكن للأولياء الخيار، وإن كان الأولياء هم الذين باشروا عقدا النكاح عليها برضاها وباقي المسألة بحالها فلا خيار لا للمرأة ولا للأولياء.
وبمثله لو أخبر الزوج أنه حر وباقي المسألة بحالها كان لهم الخيار، فهذه المسألة دليل على أن المرأة إذا زوجت نفسها من رجل ولم تشترط الكفاءة ولم تعلم أنه كفء أو غير كفء ثم علمت أنه غير كفء لا خيار لها ولكن للأولياء الخيار.
وإن كان الأولياء هم الذين باشروا عقد النكاح برضاها ولم يعلموا أنه كفء فلا خيار لواحدٍ منهم، أما إذا شرطوا الكفاءة أو أخبرهم بالكفاءة ثم ظهر أنه غير كفء كان لهم الخيار، سئل. شمس الإسلام رحمه الله عن مجهول النسب هل هو كفء لامرأة معروفة النسب قال: لا والله أعلم.

.الفصل السابع في الشهادة في النكاح:

ولا يجوز عقد النكاح بين مسلمين بشهادة الكفار والصبيان والمجانين والعبيد والمكاتبين والمدبرين والنائمين الذين لا يسمعون كلام المتعاقدين والأصمين. ذكر فصل النائم والأصم في (نظم الزندويستي)، وذكر القاضي الإمام الإسبيجاوي رحمه الله: أن النكاح ينعقد بشهادة الأصمين، وذكر القاضي الإمام ركن الإسلام عن السغدي رحمه الله في (شرح السير الكبير) في أبواب الأمان هكذا: أن النكاح ينعقد بشهادة الأصمين.
والمسألة في الحاصل بناءً على أن سماع الشهود كلام المتعاقدين هل هو شرط انعقاد النكاح؟ قد اختلف المشايخ فيه؛ بعضهم قالوا: ليس بشرط وإنما الشرط حضرتهما، فهذا القائل يقول بانعقاد النكاح بشهادة الأصمين، وبعضهم قالوا: هو شرط، فهذا القائل يقول: لا ينعقد النكاح بشهادة الأصمين.
ونصّ القدوري رحمه الله في (كتابه) أنه لابد من سماع الشهود كلام المتعاقدين، وسيأتي بعد هذا عن أبي يوسف رحمه الله ما يدل عليه إن شاء الله.
وأما (سماع) الشهود كلام المتعاقدين هل هو شرط؟ فقد ذكر (البقالي) في (فتاويه): هل الاعتبار بسماع الشهود لفظ النكاح وإن لم يعرفوا تفسيره، قال: والظاهر خلافه، وفي (البقالي) أيضًا عن محمد رحمه الله فيمن زوج امرأة بحضرة هنديين لم يفهما فلا يمكنهما أن يعبرا ما سمعا لم يجز. وفي (النوازل) عن محمد رحمه الله في غير هذه المسألة: إن أمكنهما أن يعبّرا ما قالوا جاز النكاح.
في (المنتقى) عن أبي يوسف رحمه الله: رجل تزوج امرأة وسمع أحد الشاهدين كلامهما ولم يسمع الشاهد الآخر؛ ثم أعادا على الذي لم يسمع؛ إن كان المجلس واحدًا جاز استحسانًا، وإن كان متفرقًا لا يجوز، قال الحاكم أبو الفضل رحمه الله: وقد روي من وجه آخر عن أبي يوسف رحمه الله: أنه لا يجوز حتى يسمعا معًا، إذ لا يوجد عند كل واحد من النكاحين إلا شاهد واحد.
وفي (فتاوى أبي الليث) رحمه الله في كتاب الشهادات: تزوج بمحضر رجلين أحدهما أصم، فسمع السميع ولم يسمع الأصم حتى صاح صاحبه في أذنه أو غيره لا يجوز النكاح حتى يكون السماع معًا. وفي (نظم الزندويستي): إذا سمع أحد الشاهدين كلام المرأة وسمع الشاهد الآخر كلام الزوج ثم أعاد العقد؛ فالذي سمع كلام الزوج في العقد الأول سمع في هذا العقد كلام المرأة لا غير، والذي سمع كلام المرأة في العقد الأول سمع كلام الزوج في العقد الثاني لا غير، فإن كان العقدان في مجلسين متفرقين لا يجوز بالاتفاق، وإن كانا في مجلسٍ واحد قال عامة علمائنا لا ينعقد، وقال بعضهم مثل أبو سهل الكبير الشرعي: إنه ينعقد. قال (الزندويستي) رحمه الله: ولا نأخذ بقول أبي سهل. في (فتاوى الفضلي): زوّج ابنته بحضرة السكارى وهم يعرفون أمر النكاح غير أنهم لا يذكرونه بعدما صحوا كما هو عادة السكارى؛ ينعقد النكاح لأن هذا نكاح بشهود.
تزوج امرأة بشهادة الله ورسوله لا يجوز؛ لأن هذا نكاح لم يحضره شهود، وعن أبي القاسم الصفار رحمه الله أنه قال: يكفر من فعل هذا؛ لأنه اعتقد أن رسول الله عليه السلام عالم الغيب.
في (فتاوى أبي الليث) رحمه الله: رجل قال لقوم: اشهدوا أني تزوجت هذه المرأة التي في هذا البيت فقالت المرأة: قبلت، فسمع الشهود مقالتها ولم يروا شخصها، فإن كانت في البيت وحدها جاز النكاح؛ لأنه لا جهالة، وإن كانت معها في البيت أخرى لم يجز؛ لأن الجهالة ممكنة، وكذلك لو وكّلت المرأة رجلًا فسمع الشهود قولها ولم يروا شخصها فهو على ما ذكرنا من الوجهين، وفي (شهادات الفتاوى): رجلٌ زوج ابنته ورجل في بيت وقوم في بيت آخر يسمعون التزويج، ولم يشهدوهم، إن كان من هذا إلى ذلك البيت كوّة رأوا الأب منها تقبل شهادتهم، وإن لم يروا الأب لم تقبل شهادتهم.
في (فتاوى أهل سمرقند) بعث الرجل أقوامًا يخطبون امرأة، فقال الأب زوجت ابنتي فلانة من فلان، وقبل واحد من القوم تكلموا فيه قال بعضهم: لا يجوز؛ لأن هذا نكاح بغير شهود لأن الكل خاطبون من تكلم منهم ومن لم يتكلم؛ لأن المتعارف هكذا أن يتكلم واحد من القوم ويسكت الباقون. والخاطب لا يصلح شاهدًا، وبه أخذ بعض مشايخ زماننا، وقال بعضهم: يجوز لأنّه لا ضرورة إلى جعل الكل خاطبًا، فيجعل المتكلم خاطبًا والباقون شهود، وبه أخذ الصدر الشهيد رحمه الله.
وإذا تزوج الرجل المسلم امرأة مسلمة بحضرة عبدين أو أو صبيين أو كافرين ومعهما شاهدان مسلمان حُرّان بالغان جاز؛ لأن هذا نكاح بشهود، فإن أَدرك الصبيان أو أُعتق العبدان أو أسلم الكافران وشهدوا أنه تزوجها؛ ذكر في (الأصل) مطلقًا أنه تقبل شهادتهما، وذكر شيخ الإسلام رحمه الله في (شرحه) أن المسألة على التفصيل: إن شهدا أنه تزوجها بحضرتنا وكان معنا شاهدان رجلان حران مسلمان جازت شهادتهما، وإن شهدا وقالا: لم يكن معنا غيرنا لا تقبل شهادتهما لأنهما شهدا بنكاح فاسد، والقاضي لا يقضي بنكاح فاسد.
وإذا شهد شاهد أنه تزوجها أمس، وشهد آخر أنه تزوجها اليوم فشهادتهما باطلة؛ لأنّ كل واحد منهما يشهد بعقد عقد بحضوره وحده، وذلك عندنا فاسد فكان امتناع القضاء بهذه الشهادة لكون المشهود به فاسدًا لا لاختلاف الوقت؛ لأن الشهادة قامت على القول، والشهادة القائمة على القول لا يمنعها اختلاف الوقت كما في البيع، حتى قالوا: لو شهد كل واحد أنه كان معه رجل آخر قضى بشهادتهما؛ لأن كل واحد شهد بنكاح صحيح، لم يبق إلا اختلاف الوقت وإنه لا يمنع قبول الشهادة متى قامت على القول، هكذا ذكر شيخ الإسلام علّه هذه المسألة في (شرحه)، وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله علة تقتضي عدم القبول على كل حال فقال: النكاح بمنزلة الأفعال، وهذا لأن النكاح... والصحيح: ما ذكر شمس الأئمة، وذكر شيخ الإسلام في شرح كتاب الشهادات على نحو ما ذكره شمس الأئمة، وإن كان قولًا إنّه يتضمن فعلًا وهو إحضار الشهود، فصار النكاح ملحقًا بالفعل من هذا الوجه، واختلاف الشهود في المكان والزمان في الأفعال يمنع قبول الشهادة في حق هذا المعنى، لا فرق بينهما إذا شهد كل واحد منهما أنه كان معه رجل آخر ولم يشهد على هذا الوجه.
قال الزندويستي في (نظمه) وينعقد النكاح بشهادة الأخرسين إذا كانا سميعين، وإذا وقع التجاحد فلا شهادة لهما لأنه لا لفظ لهما. وكذلك ينعقد النكاح بشهادة الأعمى والمحدود في القذف والمحدود في الزنا، وكذلك ينعقد بشهادة ابنيه لا منها وبشهادة ابنيها لا منه وبشهادة ابنيه منها.
وإذا تزوج المسلم الذمية بشهادة الذميين جاز في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله؛ لأن ملك النكاح ثبت للرجل على المرأة مضمونًا بالمهر، وشهادتهما حجة من حيث إثبات الملك له عليها، وأما لا يعتبر من حيث إيجاب المهر لها عليه إلا أن المهر زائد في الباب، فوقوع الخلل في الشهادة فيما يرجع إلى المهر لا يمنع انعقاد العقد؛ لأن الخلل دون انعدام التسمية.
المرأة إذا زوجت ابنتها البالغة بحضرتها برضاها بحضرة رجل وامرأة جاز النكاح، وإن كانت الابنة غائبة لا يجوز؛ لأن الابنة إذا كانت حاضرة كانت هي المزوجة والأم معبرة عنها، وهي مع المرأة الأخرى والرجل شهود، فيكون هذا نكاحًا بحضرة رجل وامرأتين، فأما إذا كانت الابنة غائبة؛ لا يمكن أن تجعل الابنة هي المزوجة، فبقيت الأم مزوجة ووراءها رجل وامرأة، ولو كانت الابنة صغيرة وباقي المسألة بحالها لا يجوز النكاح سواء كانت الابنة حاضرة أو غائبة؛ لأنه لا يمكن أن تجعل الابنة مزوجة؛ لأن الصغيرة ليست من أهل التزويج.
ومن هذا الجنس ذكر خواهر زاده رحمه الله في شرح كتاب الرهن وصورتها: وكّل رجلٌ رجلًا أن يزوج له امرأة، فزوجه الوكيل امرأة بحضرة شاهد واحد، إن كان الموكل حاضرًا يجوز، وطريقه: أن الموكل يعتبر متزوجًا ويعتبر الوكيل مع الشاهد الآخر شاهدان، وإن كان الموكل غائبًا لا يجوز، حاصل هذه المسائل مسألة ذكرها في آخر الباب الأول من نكاح (الجامع الصغير) وصورتها: رجل أمر رجلًا أن يزوج ابنة له وهي صغيرة فزوجها والأب حاضر جازت شهادة المزوج، وإن كان الأب غائبًا لم تجز شهادة المزوج وطريقه ما قلنا.
ومن هذا الجنس مسألة ذكرت في (مجموع النوازل) سئل عنها الإمام نجم الدين عمر النسفي رحمه الله وصورتها: امرأة وكلت رجلًا أن يزوجها من رجل فزوجها بحضرة امرأتين والموكلة حاضرة، قال: يجوز النكاح وتصير الموكلة هي المزوجة.
قيل: فإن أنكر الزوج أوالمرأة الموكلة هذا العقد هل تقبل شهادة الوكيل والمرأتين على النكاح؟ قال: نعم إذا لم يقل الوكيل: أنا زوجتها منه بالوكالة؛ لأنه إذا قال ذلك تكون شهادة على قول نفسه ولا تقبل. قيل له: فهل يكفيه أن يقول: هذه امرأة هذا؟ قال: لابد من إثبات العقد.
قال ولو قال قائل: إن الوكيل يشهد ويقول: هذه امرأة هذا بعقد صحيح قام بتزويج من له ولاية التزويج، وقبول من له ولاية القبول لا ينفذ ولكن لا أحفظ في هذا رواية، والصواب: أنه يشهد أن هذه امرأة هذا، ويقبل القاضي ذلك، ولا حاجة إلى إثبات العقد.
وإذا وكلّ الرجلُ رجلًا أن يزوج عبده امرأة فزوج الوكيل العبد امرأة بشهادة رجل واحد والعبد حاضر لا يجوز؛ لأنه لو جاز إنما يجوز بأن تنتقل عبارة الوكيل إلى العبد فيجعل العبد متزوجًا، ولا وجه إليه؛ لأن الوكيل ليس بمأذون من جهة العبد حتى تنتقل عبارته إلى العبد فبقي الوكيل مزوجًا لا شاهدًا.
وإذا زوج الرجل ابنته البالغة وأنكرت الرضا فشهد عليها أبوها لا يقبل لأنه يريد تتميم ما باشره. ولو شهد عليها بالرضا أخواها قبلت شهادتهما. وإذا زوج الرجل ابنته بشهادة ابنيه ثم جحد الزوج النكاح وادعاه الأب والمرأة فشهد الابنان بذلك لم تقبل شهادتهما عند أبي يوسف، وعند محمد رحمهما الله تقبل شهادتهما، ولو كان الزوج هو المدعي والأب والمرأة يجحدان ذلك فشهادة الابنين مقبولة بلا خلاف.
والحاصل: أن شهادة الإنسان لأخيه أخته وعليهما مقبولة، وشهادته فيما يجحده الأب مقبولة، وإن كان للأب فيه منفعة بأن شهدا على أبيهما ببيع ما يساوي مائة ألف، وشهادته فيما يدعيه الأب إن كان للأب فيه منفعة لا تقبل بلا خلاف.
وإن لم يكن للأب فيه منفعة فكذلك عند أبي يوسف، وعند محمد رحمهما الله تقبل، حجّة محمد رحمه الله: أن شهادة الابن لأبيه إذا كان للأب فيه منفعة إنما لا تقبل لمكان التهمة، فإن الإنسان متهم بإيثار الأب على غيره في المنافع، وهذا المعنى لا يتأتى فيما لا منفعة للأب فيه، وأبو يوسف رحمه الله يقول: شهادة الابن لأبيه إنما لا تقبل بالنص، ولا فصل في النص، على أن المنفعة هنا متحققة وإن لم تكن مالية وهو ظهور صدقه عند الناس.
وإذا وقع الاختلاف بين الزوج والمرأة في أن النكاح كان بشهود أو بغير شهود فالقول قول من يدعي أنه كان بشهود؛ لأن الذي يدّعي النكاح بشهود يدّعي صحة العقد، والذي يدعي النكاح بغير شهود يدعي فساد النكاح. والأصل: أن الزوجان إذا اختلفا في صحة العقد وفساده كان القول قول من يدّعي الصحة، وإن ادعى أحدهما أن النكاح في حالة الصغر بمباشرته؛ كان القول قوله؛ لأنه أضاف العقد إلى عدم الأهلية وهو حالة الصغر، فيكون منكرًا العقد معنًى فيكون القول قوله، وسيأتي في مسألة الاختلاف في الشهادة بعد هذا في فصل الخصومة الواقعة بين الزوجين. وإذا كان القول قول من يدعي النكاح في حالة الصغر بعد هذا نقول لا نكاح بينهما ولا مهر لها (إن) لم يكن دخل بها قبل الإدراك، وإن كان قد دخل بها قبل الإدراك، فلها الأقل من المسمى ومن مهر المثل، ولا يثبت الرضا بهذا الدخول أما لها الأقل فلأن الدخول حصل في نكاح موقوف؛ لأن العقد من الصغير يتوقف على إجازة المولى إذا كان الولي يملك مباشرة ذلك، والدخول في النكاح الموقوف يوجب الأقل بمنزلة الدخول في النكاح الفاسد، وأما لا يثبت الرضا لأن الدخول أو التمكين دليل الرضا وصريح الرضا في حالة الصغر لا تعتبر فكذا دليل الرضا وإن دخل بها بعد الإدراك كان هذا رضا وإجازة للنكاح الذي كان بينهما في حالة الصفر؛ لأن صريح الرضا بذلك النكاح بعد الإدراك معتبر، فكذلك دليل الرضا وكان القاضي الإمام أبو علي النسفي رحمه الله يقول: إذا ادعى أحدهما أن النكاح كان في حالة الصغر بمباشرته فعلى رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله يقول له القاضي: هل كان النكاح بإذن الولي؛ فإن قال: لا، يقول له هل أجازه الولي؟ فإن قال: لا، يقول له: هل أجريته بعد البلوغ؟ فإن قال: لا، يقول له: هل من رأيك أن تجيزه فإن قال: لا؛ فرق القاضي بينهما، وهذا إذا قال ذلك ولم يوجد بينهما دخول بعد الإدراك، فأما إذا وجد فهو دليل الرضا إذا وقع الاختلاف بين الزوج ووكيله بالنكاح فقال الوكيل: أُشهدت على النكاح، وقال الموكل: لا بل لم تشهد فالقول قول الوكيل ويفرق بينهما وعليه نصف الصداق إن لم يكن دخل بها، وإن وقع هذا الاختلاف بين المرأة ووكيلها فالقول قول الوكيل وهي امرأته لا يفرق بينهما، وهذا لأن الوكيل مع الموكل اتفقا على أصل العقد فيكون اتفاقًا بينهما على شرائطه، فالذي ينكر الإشهاد يكون في معنى الراجع فلا يقبل قوله.

.الفصل الثامن في الوكالة بالنكاح:

إذا وكل رجلًا بأن يزوِّجه امرأة بعينها فزوجها إياه بأكثر من مهر مثلها، إن كان الزيادة بحيث يتغابن الناس في مثلها يجوز بلا خلاف، وإن كانت الزيادة بحيث لا يتغابن الناس فكذلك عند أبي حنيفة رحمه الله، وعندهما لا يجوز.
وهذا بناء على أن المطلق من الألفاظ يجري على إطلاقه ما لم يوجد دليل القيد غير أنهما يقولان وجد دليل القيد هو العرف، وأبو حنيفة رحمه الله يقول: العرف مشترك، وفرّق أبو حنيفة رحمه الله بين الوكيل بالنكاح وبين الوكيل بالشراء أن الوكيل بالشراء إذا اشترى بما لا يتغابن الناس في مثله يصير مشتريًا لنفسه، والفرق: أن في مسألة الشراء أصل العقد مضاف إلى الوكيل؛ لأن الوكيل بالشراء يستغني عن إضافة العقد إلى موكله، فتتمكن التهمة في تصرفاته قصد الشراء لنفسه (......) العين حوله إلى الآمر، وأما في مسألة النكاح: أصل العقد مضاف إلى الموكل؛ لأن الوكيل بالنكاح لا يستغني عن إضافة العقد إلى الموكل فلا تتمكن التهم في تصرفه، فلهذا حرما.
وإذا وكل رجلًا بأن يزوج له امرأة بعينها ببدل سماه، فتزوجها الوكيل لنفسه بذلك البدل جاز النكاح للوكيل بخلاف الوكيل بشراء شيء بعينه، إذا اشترى ذلك الشيء لنفسه بذلك البدل حال غيبة الموكل حيث يصير مشتريًا لموكل. إذا وكلّه أن يزوج امرأة ولم يسمها فزوجه امرأة هي ليست بكفؤ له؛ القياس أن يجوز على الموكل، وبه أخذ أبو حنيفة رحمه الله عملًا بإطلاق التوكيل، وفي الاستحسان: لا يجوز على الموكل وبه أخذا فهما يقيدان اللفظ المطلق بالعرف، وأبو حنيفة رحمه الله يقول: العرف مشترك، وقد يتزوج الرجل من ليس بكفؤ. وعلى هذا الخلاف: إذا زوجه امرأة، أو مقطوعة اليدين، أو رتقاء، أو مفلوجة، أو مجنونة، أو معتوهة، ذكر الاختلاف في هذه الفصول، ورواية أبي سليمان وفي (المنتقى): إبراهيم عن محمد رحمه الله إذا قال لغيره: زوجني فزوجه عمياء، أو مقطوعة اليدين، أو الرجلين لا يجوز، ولو زوجه عوراء، أو مقطوعة إحدى اليدين جاز، وفيه أيضًا: أمر رجلٌ رجلًا أن يزوجه فزوجه ابنته الصغيرة أو ابنة أخيه الصغير فهو وليها لا يجوز، وكذلك كل من يلي أمرها بغير أمرها، قال: وذلك بمنزلة رجل أمر امرأة أن تزوجه امرأة فزوجته نفسها. ولو زوجه ابنته الكبيرة برضاها ذكر في (الأصل) أن على قول أبي حنيفة رحمه الله لا يجوز إلا أن يَرضى به الزوج، وعلى قولهما يجوز، بناء على عند أبي حنيفة رحمه الله بمطلق الوكيل لا يملك التصرف مع ولده للتهمة، والتهمة دليل يقيد المطلق، وعندهما يملك، ولو زوجه أخته الكبيرة برضاها جاز بلا خلاف؛ لأنه لا تهمة في حق الأخت.
وذكر ابن سماعة عن أبي يوسف رحمه الله في (الأصل): رجل أمر رجلًا أن يزوج له امرأة فزوجه ابنته الصغيرة أو الكبيرة بأمرها لم يجز استحسانًا. وكله أن يزوجه امرأة من قبيلة فزوجه من قبيلة أخرى لم يجز وهذا ظاهر. وكّله أن يزوجه امرأة سوداء فزوجه امرأة بيضاء أو على العكس لا يجوز، ولو وكلّه أن يزوجه امرأة عمياء فزوجه امرأة بصيرة يجوز، كذا ذكر في (المنتقى) قال ثمة: وليس هذا كالأول لأن الأول جنس، وكله أن يزوجه أَمَةً فزوجه حرة لا يجوز؛ لأنه خالف أمره نصًّا وله في ذلك منفعة، وهو أن لا يساوي هذه الحرة التي عنده في القسم، وإن زوجه مكاتبة أو مدبرة أو أم ولد جاز. وكله أن يزوجه امرأة فزوجه صبية يجامع مثلها أولا يجامع (مثلها) جاز؛ لأن اسم المرأة اسم جنس يتناول الكبيرة والصغيرة جميعًا، قيل هذا على قول أبي حنيفة رحمه الله، وأما على قولهما لا يجوز إذا زوجه صبية لا يجامع مثلها، كما لو زوجه رتقاء أو قرناء ومثل هذا قول الكل بخلاف ما إذا زوجه رتقاء أو قرناء ولو وكله أن يزوجه امرأة فزوجه الوكيل امرأة جعلها الزوج طالقًا إن تزوجها فالنكاح جائز والطلاق واقع. قيل هذا على قول أبي حنيفة رحمه الله، أما على قولهما لا يجوز.
وكله أن يزوجه امرأة على ألف درهم فإن أتت فيما بين الألف والألفين فأبَت المرأة أن تزوج نفسها بألف فزوجها بألفين؛ ذكر في (الأصل) أن ذلك جائز لازم للزوج، من مشايخنا من قال: ما ذكر في الكتاب قولهما لأن عندهما الغاية الثانية تدخل كما في الإقرار والطلاق، فصار الوكيل بالتزويج إلى الألفين موكلًا بالتزويج بالألفين وقد زوجها بالألفين، أما على قول أبي حنيفة رحمه الله يتوقف النكاح على إجازة الزوج لأن عنده الغاية الثانية لا تدخل فيعتبر وكيلًا بالتزويج بألف وتسع مائة وتسعة وتسعين، فإذا زوجها بالألفين فقد زوجها بأكثر من المسمى فيتوقف على الإجازة، ومنهم من قال: لا، بل هذا قول الكل.
وفرق هذا القائل بين هذه المسألة وبين مسألة الإقرار والطلاق، والفرق وهو أن الغاية إنما لا تدخل تحت المضروب له الغاية إذا لم يوجد دليل يدل على دخولها، أما إذا وجد دليل يدل على دخولها تدخل، ألا ترى أن الغاية الأولى كيف دخلت لما وجد الدليل، وهو أن الثانية لا تتصور بدون الأولى. إذا ثبت هذا فنقول: الدليل هنا على دخول الغاية الثانية وهو العرف بأن العرف فيما بين الناس أنهم يتزوجون بالكوامل من العدد لا بالكسور، بخلاف الطلاق؛ لأن هناك يوجد عرف يوجب إدخال الغاية، وإن الناس يوقعون الواحدة والثنتين، وكذلك في باقي الأمصار لم يوجد عرف يوجب إدخال الغاية الثانية، فإن الناس كما يقرون بالكوامل من العدد يقرون بالكسور، إذا وكله أن يزوجه امرأة بألف درهم فأبت أن تزوجه حتى زادها الوكيل ثوبًا من ثياب نفسه فالنكاح موقوف على إجازة الزوج؛ لأنه زاد على المسمى، فهو بمنزلة ما لو وكّله أن يزوجه بألف درهم فزوجه بألف وخمسمائة. فإن قيل: إذا زوجه بألف وخمس مائة إنما يصير مخالفًا؛ لأن الزيادة لو صحت كانت الزيادة على الزوج؛ لأن الوكيل لم يضفها إلى ماله، أما هنا لو صحت الزيادة كانت الزيادة على الوكيل؛ لأن الوكيل أضاف الزيادة إلى ماله فلا ضرر على الموكل في الزيادة، قلنا: إن لم يتضرر الموكل في الحال يتضرر في الثاني بأن يهلك الثوب قبل التسليم أو يستحق من يده، متى صحت الزيادة تجب قيمة ذلك على الزوج فلا يجب على الوكيل؛ لأن الوكيل متبرع بالعين، فإذا هلك العين لا تجب عليه قيمة، فيجب على الزوج متى صحت الزيادة.
وكَّلَه أن يزوجه امرأة بعينها فزوجها إياه على عبد الزوج؛ فإن العبد لا يصير مهرًا ما لم يرض الزوج به؛ لأن الزوج ما أمره بإزالة العبد عن ملكه نصًّا، وإزالة العبد عن ملكه ليس من ضرورات ما أمره به أيضًا. ثم القياس أن لا يجوز هذا النكاح؛ لأنه صار مخالفًا بتسمية ما لم يؤمر بتسميته، فكأنه أمر بالتزويج بألف فزوجه بألفين، وفي الاستحسان يجوز النكاح لأنه لم يخالف ما أمر به نصًا فإنه كما لم يؤمر بتسمية العبد لم يدعيه أيضًا، ولكن امتنع صحة التسمية في حق العين لما ذكرنا، وذلك لا يمنع جواز النكاح، كما لو تزوج امرأة على عبد الغير فإنه يصح العقد وإن لم تصح التسمية في حق العين حتى لا يجب التسليم للعين متى لم يرض به صاحب العين كذا هنا.
ذكر (المنتقى) إبراهيم عن محمد رحمه الله في الوكيل بالنكاح من جانب الزوج إذا ضمن المهر للمرأة وكان الضمان بغير أمر الزوج، فإذا رجع بما أدى على الزوج فقد جعل الأمر بالنكاح على روايه (المنتقى) أمرًا بضمان المهر، حتى أثبت للوكيل حق الرجوع على الزوج، وإن لم يأمره الزوج بالضمان صريحًا، وفي (الأصل) لم يجعل الأمر بالنكاح أمرًا بضمان المهر، حتى قال: لا يرجع الوكيل على الزوج بما ضمن من المهر.
وفرق على رواية (الأصل) بين الأمر بالنكاح وبين الأمر بالخلع، وجعل الأمر بالخلع أمرًا بالضمان حتى قال: المأمور إذا ضمن بدل الخلع يرجع بما ضمن وإن لم تأمره المرأة بالضمان، والفرق أن في باب الخلع الوكيل بعد الوكالة يملك مباشرة الخلع على وجه يوجب البدل على الموكل ابتداءً، بأن يرسل البدل ويملك المباشرة على وجه يوجب البدل على نفسه ابتداءً بأن يضيف البدل إلى نفسه؛ إما إضافة مُلك، أو إضافة ضمان وهو يملك، هذا النوع بدون الوكالة لما عرف أن الخلع ببدل على الأجنبي صحيح، فإذا ملك هذا النوع بدون الوكالة فقد دخل هذا النوع تحت التوكيل بحكم إطلاق اللفظ، كان فائدة دخوله تحت التوكيل الرجوع على الموكل بما أدى، أما الوكيل بالنكاح لا يملك المباشرة على وجه يلزمه البدل ابتداءً؛ لأن النكاح ببدل على الأجنبي لا يصح، فكان لزوم البدل للوكيل بطريق الكفالة، والكفيل إنما يرجع على المكفول عنه بما أدى إذا كانت الكفالة بأمره فلهذا افترقا، وفي (الجامع الكبير): لو أن رجلًا وكّل رجلًا بأن يزوجه امرأة فزوجه امرأة على عبد الوكيل أو عوض له صح التزويج ونفذ، وعلى الوكيل تسليمه، وإذا سلّم لا يرجع على المزوج بشيء، ولو كان مكان النكاح خلع يرجع على المرأة بقيمة ما أدى، والفرق ما ذكر ثم في باب النكاح؛ إذا لم يرجع على الزوج بشيء لا يظهر أن النكاح عُقد على غير الزوج بل البدل على الزوج، ولكن الوكيل متبرع عند الأداء، فإن لم تقبض المرأة العبد الذي هو مهر حتى هلك لا ضمان على الوكيل وترجع المرأة بقيمته على الزوج. فرّق بين هذا وبين الوكيل بالخلع. إذا خالع على عبد الوكيل وهلك العبد في يده قبل التسليم فإنه يضمن الوكيل قيمته.
والفرق: أن في باب النكاح يسلم المهر على الزوج بحكم العقد لا على الوكيل إلا أن الوكيل تبرع عنه بالأداء، فإذا عجز عن تسليمه بالهلاك بطل تبرعه، فكان تسليم قيمته على الزوج، وأما في باب الخلع تسليم العوض على الوكيل بحكم الخلع ابتداءً، وإنما الرجوع على المرأة بحكم الأمر، فإذا هلك فقد عجز عن تسليمه، والسبب الموجب للتسليم في حقه قائم فيصار إلى قيمته. ولو (زوجه) الوكيل امرأة بألف درهم من ماله بأن قال: زوجتك هذه المرأة بألف من مالي أو قال زوجتك هذه المرأة بألفي هذه جاز النكاح والمال على الزوج، فلا يطالب الوكيل بالألف المشار إليه، وكان ينبغي أن يطالب لأن الوكيل متبرع والدراهم والدنانير يتعينان في التبرعات والجواب: هذا تبرع في ضمن المعاوضة والدراهم والدنانير إذا كانا لا يتعينان في المعاوضات لا يتعينان فيما يثبت في ضمن المعاوضة، فلا يطالب الوكيل بالألف المشار إليه، لهذا لا يطالب بألف آخر لانعدام الضمان؛ لأنه يحتمل أن يكون ما قال ضمانًا، ويحتمل أن يكون وعدًا بأن يؤدي من مال نفسه فلا يثبت الضمان بالاحتمال.
وإذا وكلّه أن يزوجه امرأة فزوجه امرأة معتدة أو لها زوج ودخل بها الزوج ولم يعلم؛ فرق بينهما وعليه الأقل من مهر المثل ومن المسمى كما في سائر الأنكحة الفاسدة، ولا ضمان على الوكيل في ذلك؛ لأن ما لزم الزوج لزمه بفعله وهو الدخول لا بعقد الوكيل.
ولو وكّلَه أن يزوجه امرأة فزوجه امرأتين في عقد لم يلزم الزوج واحدة منهما، ولو وكّله أن يزوجه امرأة بعينها فزوجه تلك وأخرى معها لزمه تلك.
وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف رحمهم الله: إذا وكّله أن يزوجه امرأة بعينها بألف درهم، فزوجها إياه وأخرى معها بألفي درهم فإن كان الذي يصيبها إذا قسم ذلك ألف أو أقل جاز على الآمر، ولو زوجها إياه وحدها بغير مهر مسمى فإن كان مهر مثلها ألف أو أقل جاز في قول أبي يوسف رحمه الله، وإن كان أكثر لم يجز.
قال: وقياس قول أبي حنيفة رحمه الله في هذا أن لا يلزمه النكاح من قبل أن يعقد العقد على غير التسمية، وهذا خلاف ما أمره، وهذا إشارة إلى الجواز عند أبي حنيفة رحمه الله في الثنتين كما هو قول أبي يوسف رحمه الله، ولو وكّلَه أن يزوجه امرأتين في عقد فزوجه واحدة جاز، فكذا إذا وكّله أن يزوجه هاتين المرأتين في عقد فزوجه إحداهما، وتفريق العقد ليس بخلاف، ولو كان قال: لا تزوجني إلا باثنتين التي أمره بها في هذه، ويقع في الثنتين على التسمية، وهذا خلاف ما أمر في عقد واحد فزوجه امرأة لم يلزمه، وكذلك في المعينتين إذا ألحق بآخر كلامه ولا تزوجني واحدة منهما دون الأخرى فزوجه إحداهما لا يجوز.
وإذا أمر الرجل رجلًا أن يزوجه امرأة بعينها بمهر مسمى وذلك ألف درهم مثلًا فزوجه امرأة فزاد عليه في المهر؛ فالزوج بالخيار إن شاء أجاز النكاح بالمهر الذي سماه الوكيل، وإن شاء رده؛ لأنه أتى بخلاف ما أمره به، فكان هذا ابتداء عقد فيتوقف على إجازة الزوج، فإن لم يعلم الزوج بذلك حتى دخل بها فالزوج بالخيار أيضًا، فلا يكون دخوله بها رضًا بما خالف به الوكيل؛ لأن الرضا بالشيء لا يتحقق قبل العلم به، فكان على خياره إن شاء أقام معها وأجاز نكاحها على ما سمى لها الوكيل، وإن شاء فارقها، ومتى فارقها كان لها الأقل مما سمى لها الوكيل ومن مهر المثل؛ لأن الدخول حصل في نكاح موقوف، وإن كان المأمور ضمن لها المهر المسمى وأخبرها لأنه أمره بذلك ثم أنكر الزوج الأمر بالزيادة على الألف، وهذا قبل الدخول بها فنقول إنكار الأمر بالزيادة إنكار الأمر بهذا النكاح، ولو أنكر الأمر بالنكاح أصلًا كان النكاح باطلًا ولا مهر على الزوج ولها أن تطالب المأمور بالمهر؛ لأن في زعمهما أن النكاح صحيح وأن الضمان صحيح.
بعد هذا نقول في رواية كتاب النكاح وبعض روايات كتاب الوكالة أن المرأة تطالب المأمور بنصف المهر، وفي بعض روايات كتاب الوكالة نقول: تطالبه بجميع المهر، واختلف المشايخ فيه. والصحيح أنما اختلف الجواب لاختلاف الموضوع موضوع، ما ذكر في كتاب النكاح أن القاضي فرق بينهما بطلبها بذلك حتى لا تبقى معلقة فيسقط نصف المهر عن الأصل بزعمهما لكون الفرقة جائية من قبل الزوج قبل الدخول فيسقط عن الضمين.
وموضوع ما ذكر في بعض روايات كتاب الوكالة أنها لم تطلب التفريق قالت: أصبر حتى يقر بالنكاح أو آخذ بيّنة على الأمر بالنكاح فبقي جميع المهر بزعمها على الأصل، فكذا على الوكيل لأنه كفيل الوكيل.
وكّلت المرأة رجلًا بأن يزوجها فتزوجها الوكيل بنفسه لم يجز، وكذلك لو وكلته أن يزوجها من رجل، وأما في الفصل الأول فلأنها وكلته بالتزويج مطلقًا، وتزويجها من نفسه إن كان تزويجًا باعتبار جانبها فهو تزوج باعتبار جانبه، فكان يروى من وجه دون وجه فكان ناقصًا والناقص لا يدخل تحت مطلق الاسم، وأما في الفصل الثاني فلهذا المعنى أيضًا ولمعنى آخر أنها امرته بالتزويج من رجل منكر، والوكيل صالر معرفًا بالخطاب، والمعرف لا يدخل تحت اسم النكرة، فلو وكلته أن يزوجها من نفسه فزوجها من نفسه يجوز وإنه يخرج عن المعنيين جميعًا.
وكّلته أن يزوجها فزوجها أباه أو ابنه لم يجز عند أبي حنيفة رحمه الله، وجاز عندهما إلا أن يكون الابن صغيرًا فلا يجوز بلا خلاف، ولو زوجها أعمى، أو مقعدًا، أو زمنًا، أو عنينًا، أو خصيًا جاز، قيل: هو قول أبي حنيفة رحمه الله، لو وكلت رجلًا أن يزوجها فزوجها من كفء بمهر مثلها فالكلام فيه كالكلام فيما إذا زوجت نفسها، وأنه على الخلاف على ما يأتي بيانه في موضعه بعد هذا إن شاء الله تعالى، فكذا هذا.
وإن زوجها من غير كفء لها لم يجز عليها، هكذا ذكر في وكالة الأصل، من مشايخنا من قال: هذا الجواب قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله أولًا، أو قياس رواية الحسن عند أبي حنيفة رحمه الله: أن المرأة لا تملك أن تزوج نفسها من غير كفءٍ، أما على ظاهر رواية أبي حنيفة رحمه الله أن المرأة تملك أن تزوج نفسها من غير كفءٍ وينبغي أن يجوز. ومنهم من قال: هذا قول الكل، فهذا القائل يحتاج إلى الفرق على قول أبي حنيفة رحمه الله في ظاهر الرواية بين التوكيل من جانب الرجل وبين التوكيل من جانب المرأة، حيث لم يقيد التوكيل من جانب الرجل بالكفاءة وقيد التوكيل من جانب المرأة بالكفاءة. ولو وكّله بالتزويج ثم إن المرأة تزوجت بنفسها خرج الوكيل من الوكالة علم الوكيل بذلك أو لم يعلم، ولو أخرجها عن الوكالة أو لم يعلم بذلك لا يخرج عن الوكالة، وإذا زوجها جاز النكاح ولو كان وكيلًا من جانب الرجل.
تزوج امرأة بعينها ثم إن الزوج تزوج أمها أو ابنتها خرج الوكيل عن الوكالة وإذا وكلت المرأة رجلًا أن يزوجها وقالت له: ما صنعت من شيء فهو جائز حتى جاز للوكيل أن يوكل غيره ليزوجها، فحضر الوكيل المؤمَّن فأوصى إلى رجل بالتزويج فزوجها الوكيل الثاني بعد موت الأول يجوز، وكان ينبغي أن لا يجوز؛ لأن الأول أضاف الوكالة إلى ما بعد موته وبعد الموت لا يبقى وكيلًا فكيف يصح توكيله بعد الموت؟ والجواب: أن الأول رسول عن المرأة في التوكيل، وعبارة الرسول منقولة إلى المرسل فحينئذ مخيّر.
قال لغيره: أوصيت إليك بالتزويج وهو وكيل حال ما قال هو بالمقالة صار كلامه منقولًا إلى المرأة وكأن المرأة قالت: هو وكيل بتزويجي بعد موت الأول، ولو خرجت المرأة بهذا متى مات الوكيل الأول فزوّجها الوكيل الثاني كان جائزًا، كذا فهمنا، وصار الحاصل: أن الوكيل الثاني وكيل المرأة، وكذا هذا في سائر الوكالات.
قال محمد رحمه الله في (الجامع): وكل الرجل رجلًا أن يزوج له امرأة فزوجه امرأة بغير إذنها زوجها أبوها فلم يبلغها الخبر حتى نقض الوكيل النكاح بغير محضر منها وبغير محضر من أبيها فزوجها جاز؛ لأنه على وكالته بعد. بيانه: وهو أن الوكالة متى صحت فهي على حالها ما لم يوجد العزل أو انتهت بتحصيل ما وكل به ولم يوجد العزل هنا، والوكيل لم يحصل ما وكل به على التمام؛ لأنه وكله بالعقد التام وقد أتى بأصل العقد. إذا بقي على وكالته فنقول: تصرف الوكيل حال بقاء الوكالة كتصرف الموكل بنفسه، والموكل يقدر على إبطال هذا العقد فكذا الوكيل، وبهذا الطريق قلنا: إن الوكيل بالبيع مطلقًا يملك البيع بشرط الخيار لإطلاق اللفظ ويملك فسخع في مدة الخيار لبقاء الوكالة، ولكون تصرف الوكيل بمنزلة تصرف الموكل حال بقاء الوكالة فإن قيل تصرف (الوكالة) حال بقاء الوكالة كتصرف الموكل تصرفًا دخل تحت الوكالة، لا تصرفًا لم يدخل تحت الوكالة والداخل تحت الوكالة العقد لا نقضه قلنا: نعم الداخل تحت الوكالة العقد ولكن لحمكة النظر في حق الموكل، فربما يكون النظر في عقد آخر لا يمكنه تحصيل عقد آخر إلا بنقض هذا العقد، فكان نقض هذا العقد من ضرورات تحصيل المأمور به، فيكون هو قائمًا مقامه في هذا النقض.
وإنما لم يشترط حضرة المرأة ولا حضرة أبيها؛ لأن حكم العقد لم يظهر في حقها أصلًا، ولو أن الوكيل لم ينقض هذا النكاح ولكن زوج الموكل أخت هذه المرأة بإذنها كان ذلك نقضًا للنكاح الأول؛ لأنه وكيل في العقد الثاني؛ لأن العزل لم يوجد ولم تنته الوكالة على أمر وبين النكاحين تنافي فيكون الإقدام على الثاني فسخًا للأول، وكذلك لو زوجه الثانية بغير إذنها كان نقضًا للنكاح الأول؛ لأن نكاح الثانية أيضًا موقوف؛ لأنه على وكالته بعد، والجمع بين الأختين ملكًا كما هو حرام فالجمع بينهما عقدًا أيضًا حرام، فتضمن إقدامه على النكاح الثاني فسخًا للأول، ولو كان مكان الوكيل فضولي بأن زوج رجل رجلًا امرأة بغير أمره ثم فسخ المزوج العقد قبل أن يخبره الزوج كان فسخًا باطلًا، وعن أبي يوسف رحمه الله أن فسخه صحيح، فأبو يوسف رحمه الله قاس النكاح على البيع، فإن الفضولي إذا باع ثم فسخ قبل الإجازة صح فسخه، ومحمد رحمه الله فرق بينهما.
ووجهة الفرق أنه ثبت للزوج ولمن وقع البيع له حق الإجازة في هذا العقد، وفي النقض إبطاله، والإنسان لا يملك إبطال حق الغير إلا بطريق النيابة عن صاحب الحق أو ضرورة دفع الضرر عن نفسه والنيابة لم توجد، وليس في بعض النكاح دفع الضرر عن العاقد؛ لأن حقوق العقد لا ترجع إليه على تقدير النفاد، أما في بعض البيع دفع الضرر عن العاقد؛ لأن الحقوق ترجع إليه على تقدير النفاد. فرّع محمد رحمه الله في الجامع على أصله فقال: عاقد النكاح في الفسخ على أربعة أوجه: منها ما لا يملك الفسخ بالقول والفعل وهو (....) بالعقد الذي لم يؤمر به إذا فسخه لم يصح فسخه، ولو زوجه أمها كان الثاني موقوفًا ولم ينفسخ الأول.
والثاني: أن يملك الفسخ بالقول ولا يملك الفسخ بالفعل، نحو أن يوكله بأنه يزوجه امرأة بعينها فزوجها إياه، وخاطب من جانب المرأة أجنبي فإنه يملك الفسخ قبل أن يخبر المرأة بالقول ولا يملك الفسخ بالفعل حتى لو زوجه أختها كان الثاني موقوفًا أيضًا ولم ينفسخ الأول، وقد ذكرنا الوجه فيه.
والثالث: أنه يملك الفسخ بالقول، نحو أن يزوجه امرأة بغير أمره ثم إن الزوج وكله أن يزوجه امرأة فزوجه أختها فيفسخ العقد الأول؛ لأنه في العقد الثاني وليه وينزل قوله نزلة قول الموكل: لو أن الموكل تزوج أختها، انفسخ العقد الموقوف، فكذا إذا زوجه الوكيل أختها ولكن لو فسخ الوكيل ذلك العقد بالقول لا يصح فسخه، وقدمنا الوجه فيه.
والرابع: أنه يملك الفسخ بالقول والفعل جميعًا نحو: أن يوكله أن يزوجه امرأة بغير عينها، فزوجه امرأة وخاطب عنها فضولي ملك الفسخ بالقول، وكذا لو زوجه أختها انفسخ العقد الأول؛ لأنه وكيل في النكاح الثاني فانتقل فعله إلى الموكل، فصار كأن الموكل تزوج بنفسه.
وذكر في (العيون): رجل وكل رجلًا أن يزوجه امرأة نكاحًا فاسدًا فزوجه امرأة نكاحًا جائزًا لم يجز، فرّق بين الوكيل بالنكاح الفاسد وبين الوكيل بالبيع الفاسد فإن الوكيل بالبيع الفاسد، لو باع بيعًا صحيحًا يجوز. والفرق: أن الوكيل بالبيع الفاسد وكيل بالبيع؛ لأن البيع الفاسد بيع لأنه يفيد الملك، فإذًا صار وكيلًا بالبيع؛ فإذا باع بيعًا جائزًا فقد خالف إلى خير، وأما الوكيل بالنكاح الفاسد ليس بوكيل بالنكاح، فإن النكاح الفاسد ليس بنكاح؛ لأنه لا يفيد الملك، ولهذا لا يجوز طلاقها ولا ظهارها، وإذا لم يصر وكيلًا لم ينفذ تصرفه على الموكل.
في (فتاوى الفضلي) رحمه الله: أكره رجل ابنه على أن يوكله بتزويج ابنته لهذا الابن، وقال الابن للأب من ارسوما يررنرنترارم مرخه خواهى كن فذهب الأب فزوج ابنة الابن، لا يجوز النكاح؛ لأنه لا يراد بمثل هذا الكلام التحقيق.
في آخر (فتاوى أبي الليث) رحمه الله: رجل وكل رجلًا أن يزوجه امرأة بألف درهم فزوجه بالزيادة إن كانت الزيادة مجهولة ينظر إلى مهر مثلها إن كان ألفًا أو أقل جاز النكاح ويجب لها ذلك، وإن كان أكثر لا يجوز ما لم يُجز الزوج؛ لأن الزيادة إذا كانت مجهولة كان الواجب مهر المثل، فإذا كان مهر المثل أكثر من الألف صار كأنه زوجها بالزيادة على ما سمى له الموكل فيقف على الإجازة، وإن زاد شيئًا معلومًا لا يجوز ما لم يُجِزْ الزوج.
في (الأصل): إذا وكلت المرأة رجلًا أن يزوجها فزوجها على مهر صحيح أو فاسد أو وهبها لرجل بشهود، أو تصدق بها على رجل وقبل ذلك الرجل جاز النكاح، أما إذا زوجها على مهر صحيح فظاهر، وكذلك إذا زوجها على مهر فاسد؛ لأن فساد التسمية لا أثر لها في إفساد عقد النكاح، وكذلك إذا وهبها أو تصدق؛ لأنه أتى بمعني التزويج إلا أنه ترك التسمية، ولكن ترك التسمية في هذا الباب ليس بضائر، كما لو باشرت بنفسها وتركت التسمية.
وإذا وكلته أن يزوجها من رجل ويكتب لها كتاب المهر؛ فزوجها ولكن لم يكتب لها كتاب المهر جاز؛ لأنه مأمور بشيئين بالنكاح وكتابة كتاب المهر، وقد أتى بأحدهما وترك الآخر وترك بعض المأمور به لا يوجب خللًا في المأتي به.
وكلت رجلًا بأن يزوجها من فلان يوم الجمعة فزوجها يوم الخميس لا يجوز، وكذلك لو وكّلته أن يزوجها منه اليوم بعد الظهر فزوجها قبل الظهر؛ لأن التفويض تناول زمانًا مخصوصًا ولا يثبت قبله. إذا وكلته أن يزوجها من فلان بأربعمائة درهم فزوجها الوكيل فأقامت معه سنة ثم زعم الزوج أن الوكيل زوجها منه بدينار وصدقه الوكيل في ذلك، فإن كان الزوج مقرًا أن المرأة لم توكله بدينار فالمرأة بالخيار إن شاءت أجازت النكاح بدينار وليس لها غير ذلك، وإن شاءت ردت ولها عليه مهر مثلها بالغًا ما بلغ، ولا نفقة لها في العدة؛ لأنها لما ردت النكاح تبين أن الدخول حصل في نكاح موقوف فيوجب مهر المثل ولا يوجب النفقة في العدة. وإن كان الزوج منكرًا، أو وقع الاختلاف بينهما فكذلك الجواب أيضًا؛ لأن القول قولها مع يمينها.
في (فتاوى أبي الليث) رحمه الله: ومن هذا الجنس وكل الرجل رجلًا بأن يزوجه امرأة بثمانٍ، فزوجه امرأة بثمانٍ وخمسين حتى صار مخالفًا صار فضوليًا في العقد وتوقف العقد على إجازة الزوج فإن أجازه وجب ثمان وخمسون، وإن رده وقد كان دخل بها وهو لا يعلم فعليه الأقل من المسمى ومن مهر المثل كما في النكاح الفاسد.
وفي (فتاوى أهل سمرقند): رجل قال لغيره: زوِّج ابنتي هذه رجلًا ذا علم وعقل ودين بمشورة فلان وفلان، فزوجها من رجل بهذه الصفة من غير مشورة فلان وفلان جاز؛ لأن الأمر بالمشورة لتحقيق هذه الصفة. وقد وجد في هذا الموضع.
امرأة وكلت رجلًا أن يتصرف في أمورها فزوجها من نفسه فقالت المرأة: أردت البيع والأشرية لا يجوز النكاح؛ لأنها لو وكلته بالنكاح أو التزويج فزوجها من نفسه لا يجوز فهاهنا أولى.
في (فتاوى أبي الليث) رحمه الله: رجل وكل رجلًا أن يخطب له ابنة فلان الوكيل إلى أب المرأة فقال: هب ابنتك مني فقال الأب: وهبت، ثم ادعى الوكيل أني أردت النكاح لموكلي إن كان القول من المخاطب وهو الوكيل على وجه الخطبة، ومن الأب على وجه الإجازة على وجه العقد لا ينعقد النكاح بينهما أصلًا، وإن كان على وجه العقد ينعقد النكاح للوكيل لا للموكل، وكذلك إذا قال الوكيل بعد ذلك قبلت لفلان؛ لأن الوكيل لما قال: هَبْ ابنتك مني وقال الأب: وهبت تم العقد بينهما من غير أن يحتاج فيه إلى قبول الوكيل فكان قبول الوكيل بعد ذلك فَصْلًا.
فأما إذا قال الوكيل: هب ابنتك من فلان فقال الأب: وهبت لا ينعقد النكاح ما لم يقل الوكيل قبلت، وإذا قال قبلت فهو على وجهين إما إن قال: قبلت لفلان أو قبلت مطلقًا؛ ففي الوجهين جميعًا ينعقد النكاح للموكل.
وفي (فتاوى أهل سمرقند) من نص: كَلَّ لسانه فقال له رجل: أكون وكيلًا عنك في تزويج ابنتك فقال: أرى أرى فذهب الوكيل فزوجها لا يجوز؛ لأن هذا لفظ مجمل، يحتمل: أرى وكيلي، ويحتمل أرى وكيل كيمت وفيه نظر، ينبغي أن يجوز النكاح؛ لأن قوله: أرى جواب فينعقد بالسؤال، والسؤال عن الوكالة الحالية والله أعلم.

.الفصل التاسع في معرفة الأولياء:

يجب أن يعلم بأن الولي من كان من (....) وهو عاقل بالغ حتى لا يثبت الولاء للصبي والمجنون، ولا يثبت الولاء للكافر على المسلم، ولا للمسلم على الكافر، ولأن كل واحد منهما يحتاج إلى معرفة (...) فنقول: أقرب الأولياء إلى المرأة الابن وإنه على الخلاف على ما يأتي بيانه بعد هذا، ثم ابن الابن وإن سفل، ثم الأب، ثم الجد أب الأب وإن علا، ثم الأخ لأب وأم، ثم الأخ لأب، ثم ابن الأخ لأب وأم، ثم الابن الأخ لأب وإن سفلوا، ثم العم لأب وأم، ثم العم لأب، ثم ابن العم لأب وأم، ثم ابن العم لأب وإن سفلوا، ثم عم الأب لأ وأم، ثم عم الأب لأب، بنوهم على هذا الترتيب، ثم رجل هو أبعد العصبات إلى المرأة، وهو ابن عم بعيد لأن مرجع العشيرة إلى أب واحد وإن تباعدوا، ثم مولى العتاقة ثم عصبة مولى العتاقة، ثم الآمر ثم ذو الأرحام الأقرب فالأقرب، وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله وهو استحسان، وقال محمد رحمه الله لا ولاية للأم وقومها ولا لأحد من ذوي الأرحام وهو القياس وقول أبي يوسف رحمه الله (....).
ذكر القدوري مع محمد رحمه الله وذكر الطحاوي رحمه الله قوله مع أبي حنيفة رحمه الله، ثم مولى الموالاة، ثم سلطان القاضي، ومن نصبه القاضي لا يرث من صاحبه.
ولا تثبت الولاية للعبد؛ لأنه لا يرث من أحد بعد هذا. إذا شرط تزويج الصغار والصغائر في عهده وإذا لم يشترط فلا ولاية له، ثم إنما يحتاج إلى الولي في الصغير والصغيرة والمجنون والمجنونة. وإذا زال الصغر والجنون تزول الولاية عندنا.
وسئل إسماعيل بن حمّاد عن امرأة جاءت إلى القاضي وقالت إني أريد أن أتزوج وليس لي ولي ولا يعرفني أحد، قال القاضي يقول لها: إن لم تكوني قُرشية ولا عربية ولا ذات زوج ولا في عدة أحد فقد أذنت لك. وإذا اجتمع للمجنونة أب وابن فالابن أولى عند أبي حنيفة رحمه الله، وإحدى الروايتين عن أبي يوسف رحمه الله، وقال محمد رحمه الله: الأب أولى، وعلى هذا الاختلاف الجد مع الابن، هكذا ذكر القدوري، وذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن عند أبي يوسف رحمه الله الابن أولى من الجد (في) رواية.
وفي نوادر هشام عن محمد رحمه الله: إذا كان الرجل بخيلًا وله ابن وأب فالتزويج إلى الابن عند أبي حنيفة رحمه الله والتبع للأب، وفي قولهما إلى الأب.
وإذا اجتمع الجد والأخ لأب وأم أو لأب فعند أبي حنيفة رحمه الله الجد أولى، وغيرهما يستويان كما في الميراث. قال الشيخ الإمام الأجل شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في شرحه: الأصح عندي أن الجد أولى في الإنكاح عند الكل؛ لأن في الولاية معنى الشفقة معتبرة، وشفقة الجد فوق شفقة الأخ، وإذا اجتمع الابن والأخ لأب وأم أو لابن فعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله: الابن أولى وقال محمد رحمه الله: الأخ أولى.
وفي (المنتقى) قال محمد رحمه الله: الأخ أولى، وفي (المنتقى) قال محمد رحمه الله: إن كان للصغير ولد الأب الفاسد ابن فاسق أو جد لم يزوجهما القاضي، وإن كان الأب فاسدًا أو الجد ينبغي للقاضي أن يزوجهما من الكفء. وإن زوج الصغير أو الصغيرة أبعد الأولياء؛ فإن كان الأقرب حاضرًا أو هو من أهل الولاية توقف نكاح الأبعد على إجازته، وإن لم يكن من أهل الولاية بأن كان صغيرًا أو كان كبيرًا مجنونًا جاز، وإن كان الأقرب غائبًا غيبة منقطعة جاز نكاح الأبعد، وتكلموا في حق الغيبة المنقطعة، وأَكثَرَ المشايخُ الكلام فيه، وكذلك اختلفت الروايات فيه. والأصح: أنه إذا كان في موضع لو انتظر حضوره أو استطلاع رأيه فات الكفء الذي حضر فالغيبة منقطعة، وإن كان لا يفوت فالغيبة ليست بمنقطعة، وإلى هذا أشار في الكتاب فقال: أرأيت لو كان في السواد وأتوه أما كان يستطلع رأيه؟ أشار إلى أن المعتبر استطلاع الرأي، فمن المشايخ من لم يتجاوز عن هذا المقام، ومنهم من يتجاوز عنه، وقال: الكفؤ لا ينتظر أيامًا كثيرة وينتظر قليلًا، فلابد من حد فاصل بينهما، فقدرنا ذلك بثلاثة أيام ولياليهما؛ لأنه لا نهاية لما زاد على الثلاث، وهو قول أبي عصمة سعد بن معاذ المروزي رحمه الله ومحمد بن مقاتل الرازي رحمه الله، فصار حدّ الغيبة المنقطعة على قولهما ثلاثة أيام ولياليهما، وهكذا كان يفتي القاضي الإمام ركن الدين علي السعدي رحمه الله، فإنه سئل عن صغيرة زوجتها أمها ولها ولي بنسف وهذا السؤال كان ببخارى قال من بخارى إلى نسف مسيرة شهر فهو غيبة منقطعة.
قال القاضي الإمام رحمه الله: هذا إذا زوج الأبعد، ولا يعرف أن الولي الأقرب أين هو يجوز، وإن ظهر أنه في ذلك المصر، وإذا زوجها الأقرب من حيث هو؛ اختلف المشايخ فيه: في (المنتقى) عن محمد رحمه الله: المرأة إذا لم يكن لها ولي حاضر استحسن أن تولي رجلًا يزوجها، وهكذا جاء عن ابن عمر رضي الله عنه، والرجل الذي يعول الصغير أو الصغيرة فلا له ولاية في إنكاحهما، وكذلك الوصي لا ولاية له في إنكاح الصغير والصغيرة سواء أوصى إليه الأب بالنكاح أو لم يوص، إلا إذا كان الوصي وليهما، فحينئذ يملك الإنكاح بحكم الولاية لا بحكم الوصاية.
في (مجموع النوازل): سئل شيخ الإسلام عن رجل غاب غيبة منقطعة وله بنت صغيرة فزوجتها أختها لأب أو لأم حاضرة، قال: إن لم يكن لها عصبة أولى من الأخت جاز النكاح، قيل: لا تكون الأم أولى من الأخت قال: لا لأن الأخت؟ لأب وأم أو لأب من قوم الأب، والنساء اللواتي من قوم الأب لهن ولاية التزويج عند عدم العصبات بإجماع بين أصحابنا رحمهم الله وهي الأخت والعم وبنت الأخ وبنت العم، فأما الأم والنساء اللواتي من قبل الأم فلهن ولاية عند أبي حنيفة رحمه الله، وعند محمد رحمه الله لا ولاية لهن.
وقد ذكرنا قبل هذا: إن ولاية ذوي الأرحام على الخلاف، فما ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن النساء اللواتي من قوم الأم لهن ولاية التزويج عند عدم العصبات بإجماعٍ بين أصحابنا مستقيم في الأخت لا في العمة وبنت الأخ وبنت العم؛ لأنهن من جملة ذوي الأرحام. وإذا زوج الصغير أو الصغيرة غير الأب والجد ثم بلغا فلهما الخيار عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله، والمسألة معروفة، ولو زوجتها أمها فبلغت فلها الخيار عند أبي حنيفة رحمه الله (على) أصح الروايتين، والقاضي إذا زوج الصغير أو الصغيرة فله الخيار في أظهر الروايتين عن أبي حنيفة وهو قول محمد إذا كان الوصي وليًا وزوج الصغير أو الصغيرة وبلغ فله الخيار لأن نفاذ تصرفه ليس يكون وصيًّا فصار بكونه وصيًا وغير وصي سواء.
في (العيون): معتوهة زوجها عمها أو أخوها ثم عقلت فلها الخيار، وإن زوجها أبوها أو جدها فلا خيار لها؛ لأن المعتوهة بمنزلة الصغيرة وفي الصغيرة الحكم كذلك.
وإن زوج المعتوهة ابنها فلا رواية عن أبي حنيفة رحمه الله فيه، ويجوز أن لا يكون لها الخيار؛ لأن عند أبي حنيفة رحمه الله إذا اجتمع الابن والأب في البالغة المعتوهة فولاية الإنكاح للابن، وإذا كان الابن مقدمًا على الأب عنده ولا خيار لها في تزويج الأب جاز أن لا يكون لها الخيار في تزويج الابن من طريق الأولى، وكما ثبت خيار البلوغ للأنثى ثبت للذكر لأن سبب ثبوت هذا الخيار صدور العقد عن شفقة قاصرة، وهذا المعنى يعم الذكر والانثى ولا تكون الفرقة فيه إلا بقضاء القاضي.
ويبطل هذا الخيار في جانبها بالسكوت إذا كانت بكرًا ولا يمتد إلى آخر المجلس حتى سكتت كما لو بلغت وهي بكر بطل خيارها، وإن كانت ثيبًا في الأصل أو كانت بكرًا، إلا أن الزوج قد بنى بها ثم بلغت عند الزوج لا يبطل خيارها بالسكوت، ولا بقيامها عن المجلس؛ لأن سكوت البنت لم يجعل رضًا شرعًا، وإنما يبطل خيارها إذا رضيت بالنكاح صريحًا أو يوجد منها فعل يستدل به على الرضا، وذلك نحو التمكين من الجماع أو طلب النفقة أو ما ذلك.
أما لو أكلت من طعامه خدمته كما كانت فهي على خيارها، وفي جانبه لا يبطل هذا الخيار بالسكوت، وهذا لأنا نعتبر الإجازة بالإنشاء، وسكوت البنت والغلام لا يجعل رضًا بالإنشاء بعد البلوغ، فكذا لا يجعل إقراره للعقد الذي سبق البلوغ، وإنما يبطل خياره بتصريح الرضا أو بما يدل عليه من قربان المرأة وتجهيزها أو تسليم الصداق إليها، وهذا الخيار يبطل بالجهل؛ لأنه جهل في غير موضعه. وتفسير ذلك: إذا علمت بالعقد ساعة ما بلغت لكن جهلت ثبوت الخيار، أما إذا لم تعلم بالعقد ساعة ما بلغت كان لها الخيار إذا علمت.
وإذا بلغت وسألت عن اسم الزوج أو عن المهر المسمى، أو سلمت على الشهود بطل خيار البلوغ، وإذا وقعت الفرقة بخيار البلوغ (......) الزوج دخل بها ولا مهر لها؛ وقعت الفرقة باختيار الزوج فيما تختاره المرأة، وإن كانت قد دُخل بها فلها المهر كاملًا وقعت الفرقة باختيار الزوج أو باختيار المرأة.
إبراهيم عن محمد رحمهما الله ينبغي للصغيرة أن تختار نفسها مع رؤية الدم. قلت: فإن رأت الدم في جوف الليل؟ قال: ينبغي أن تقول بلسانها: قد فسخت النكاح، وتُشْهِد إذا أصبحت وتقول: رأيت الدم الآن لأنها لا تُصدق أن تقول: رأيت بالليل وفسخت والنكاح. قال إبراهيم: قلت لمحمد رحمه الله ويسعها ذلك؟ قال: نعم، قال هشام: سألت محمد رحمه الله عن الصغيرة التي زوجها عمها إذا حاضت؟ فقال: الحمدلله قد اخترت فهي على خيارها، وإن بعثت خادمها حيث حاضت تدعوا الشهود لشهدهم، فلم تقدر على الشهود وهي في موضع منقطع عن الناس، فمكثت أيامًا لا تقدر على الشهود قال: التزمها النكاح ولم يجعل هذا عذرًا.
ابن سماعة عن محمد رحمه الله: إذا اختارت نفسها وأشهدت على ذلك ولم تتقدم إلى القاضي شهرين فهي على خيارها ما لم تمكنه من نفسها.
إذا زوج القاضي صغيرة لا ولي لها ولم يكن السلطان أذن للقاضي في تزويج الصغائر ثم أذن له في ذلك فأجاز ذلك النكاح لم يجز، وإن كان قد أذن له قبل التزويج فزوج جاز، هكذا ذكر في (فتاوى الفضلي) رحمه الله، وعلى قياس ما قال محمد رحمه الله في الجامع: العبد إذا تزوج امرأة بغير إذن المولى، ثم إن المولى أذن له في النكاح فأجاز ذلك النكاح أنه يجوز استحسانًا.
والفضولي إذا زوج رجلًا امرأة ثم إن الزوج وكله أن يزوجه امرأة فاجاز ذلك النكاح. لم يجز استحسانًا، ينبغي في هذه المسألة أن تجوز إجازته ذلك النكاح، تزوجها فزوجها القاضي بغير علم الأخ قال: لا يصح النكاح إلا إذا كان الأخ غائبًا أو (......)، فحينئذ يجوز للأب أو الجد أو غيرهما.
إذا زوج الصغيرة ممن لا يكافئها، أو زوج الصغيرة امرأة ليست بكفء له فقد وجدت هذه المسألة في فصل الكفاءة، وإذا زوج الأبُ أو الجدُ الصغيرَ امرأة بأكثر من مهر مثلها؛ أو زوج الصغيرة بأقل من مهر مثلها إن كانت الزيادة أو النقصان بحيث يتغابن الناس في مثله يجوز بالاتفاق، وكذلك الجواب في غير الأب والجد من سائر الأولياء، وأما إذا كانت الزيادة أو النقصان فاحشًا بحيث لا يتغابن الناس في مثله قال أبو حنيفة رحمه الله: صح النكاح وصح الحطّ والزيادة، وقال أبو يوسف ومحمد رحمها الله: لا يجوز، ولم يتبين بإذنه لا يجوز النكاح أو التسمية، فروى الحسن بن زياد رحمه الله: أن النكاح جائز والتسمية لا تجوز، وذكر هشام عن محمد رحمه الله أن النكاح جائز. وفي (الجامع الصغير) عنهما: أن النكاح لا يجوز وأجمعوا على أن غير الأب والجد لو زاد أو نقص بحيث لا يتغابن الناس في مثله أنه لا يجوز النكاح، حتى لو أجاز بعد البلوغ لا تعمل إجازته، وأجمعوا على أن الأب أو الجد لو زوزج أمة ابنه الصغير بأقل من مهر المثل أنه لا يجوز.
إذا كان الرجل يجن ويفيق هل تثبت له ولاية الغير عليه في حال جنونه؟ ذكر شمس الأئمة الحلواني رحمه الله في أدب القاضي في باب شهادة: الأعمى أنه إذا كان يجن يومًا أو يومين فهو بمنزلة المغمى عليه، ولا تثبت للغير عليه ولاية في حال جنونه، وتقبل شهادته في حال إفاقته، وأما الجنون المطبق يوجب الولاية، وقدره في بعض المواضع بأكثر من السنة في قول أبي يوسف، ومحمد رحمهما الله قدره أولًا بشهر، ثم رجع وقدره بالسنة.
وفي (واقعات الناطفي): قدر المطبق في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله بالشهر، فالحاصل أن الصلوات في حق المطبق تقدر بست صلوات وفي حق الصوم بالشهور، وفي الزكاة وما سواها على الخلاف، وإذا عرفت حد الجنون المطبق فغير المطبق ما دونه وهو المراد في قوله في الكتاب يجن ويفيق.
في آخر (فتاوى أبي الليث) رحمه الله: رجل زوج ابنه الكبير امرأة فلم يجز الابن حتى جُنّ الابن جنونًا مطبقًا فأجاز الأب ذلك النكاح جاز؛ لأنه لو استأنف النكاح عليه في هذه الحالة يجوز فكذا إذا أجازه، وإذا أقرّ الولي على ولده الصغير بالنكاح؛ فإن قال: كنت زوجت ابنتي الصغيرة أمس من فلان أو زوجت لابني الصغير فلانة أمس فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله لا يصدق الأب على ذلك وإن صدقته المرأة أوالزوج ما لم يشهد بذلك شاهدان أو يصدقان بعد الإدراك.
وإنما تبين هذا فيما إذا أقر الولي عليهما بالنكاح ثم أدركا فكذا هذا، أو أقام المدعي عليهما شاهدين بعد البلوغ بإقرار الولي عليهما بالنكاح في حالة الصغر، وكذلك على هذا الوكيل بالنكاح من جانب الرجل أو المرأة إذا أقر على موكله بالنكاح، وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في آخر باب النكاح بغير شهود: أنّ على رواية كتاب الطلاق الخلاف في إقرار الولي بالنكاح على الصغير، فأما إقرار الوكيل فجائز على الموكل عند أبي حنيفة رحمه الله إذا كان الأمر مقرًا بأن امرأة تعقله قال رحمه الله والأصح أن الخلاف في الكل، فإن قيل: على من تقام البينة في مسألة الصغير والصغيرة، والبينة لا تقبل إلا على منكر يعتبر إنكاره؟ وليس هنا منكر يعتبر إنكاره، قلنا: القاضي ينصب خصمًا للصغير والصغيرة حتى ينكر فتقام عليه البينة فيثبت النكاح في حق الصغير والصغيرة.
ومما يتصل بهذا الفصل مسألة النكاح بغير ولي. الحرة البالغة العاقلة لوزوجت نفسها من رجل هو كفء لها أو ليس بكفء لها نفذ النكاح في ظاهر رواية أبي حنيفة رحمه الله وهو قول أبي يوسف رحمه الله آخرًا، لا أن الزوج إذا لم يكن كفئًا فللأولياء حق الاعتراض، فروى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله أن الزوج إذا لم يكن كفؤًا لا ينفذ النكاح وكان أبو يوسف رحمه الله أولًا يقول: يتوقف النكاح إلى أن يجيزه الولي أو الحاكم، على كل حال وهو قول محمد رحمه الله، وصح رجوع محمد إلى قول أبي حنيفة رحمه الله وأبي يوسف رحمه الله آخرًا، ذكره في كتاب (الحيل) وإذا قصرت في مهر مثلها فللأولياء حق المخاصمة مع الزوج حتى تبلغ تمام مهر مثلها أو يفرق القاضي بينهما.
وإذا فرّق القاضي بينهما. لا يجب لها إلا المسمى في العقد، وعلى قول أبي يوسف رحمه الله ليس للأولياء حق المخاصمة وجاز النكاح بما سمت، وقول محمد رحمه الله لا يأتي في هذه المسألة، وإنما يأتي في مسألة أخرى: أن السلطان إذا أكره رجلًا أن يزوج وليته من كفء بأقل من مهر مثلها فرضيت المرأة بذلك ثم زال الإكراه فللولي حق الخصومة مع الزوج حتى تبلغ مهر مثلها أو يفرق القاضي بينهما، وعلى قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله: لا حق للولي في ذلك وكذلك في مثله. إذا كانت المرأة مكرهة ثم زال الإكراه؛ على قول أبي حنيفة رحمه الله حق الخصومة للمرأة مع الولي، وعلى قولهما: حق الخصومة للولي لا غير، وهو بناء على أن الحق إلى تمام مهر مثلها عند أبي حنيفة رحمه الله للمرأة وللأولياء حق الكفاءة، وعندهما: الحق للمرأة لا غيرها، يقولان: المهر خالصُ حقهم حتى استندت بالتصرف فيه استيفاء وإسقاطًا.
وأبو حنيفة رحمه الله يقول: الأولياء يتغيرون بالتحسين عن مهر المثل كما يتغيرون بالوضع عند من لا يكافئهم، فإن أمرت رجلًا حتى زوجها فهو على هذا الخلاف؛ لأن تزويج المأمور إياها بأمرها بمنزلة مباشرتها بنفسها. وإن طلقها الزوج ثلاثًا قبل إجازة الولي أو الحاكم؛ فعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله: لا يحل له أن يتزوجها قبل التزويج بزوج آخر، وكذلك على قول محمد رحمه الله على القول المرجوع إليه، وعلى قوله الأول يكره له التزويج قبل التزوج بزوج آخر، لكن لا يحرم؛ لأن الطلاق لم ينفذ عنده على الحقيقة.
في (المنتقى): إبراهيم عن محمد رحمه الله: صغيرة زوجتها أمها من رجل ثم طلقها الزوج قبل أن يدخل بها له أن يتزوج أمها؛ لأن ذلك ليس بنكاح، وهذا لأن الأم ليست بولية عند محمد رحمه الله، وإن كانت كبيرة فزوجت نفسها أو زوجتها أمها برضاها ثم طلقها قبل أن يخلو بها فليس له أن يتزوج بأمها قال: لأن الناس اختلفوا في النكاح بغير ولي، وكُرِهَ هنا لاختلاف الناس فيه.
وعنه أيضًا: رجل زوج أمها برضاها قال أبوهما: قد أبطلت النكاح، لا يكون إبطالًا حتى يطلبه القاضي، وقال: للولي أن يجيز النكاح وليس له أن ينقضه، أشار إلى أن في النكاح بغير ولي يحتاج إلى إبطال القاضي ولا يكفيه إبطال الولي. وفي (فتاوى الفضلي): سئل عن امرأة زوجت نفسها بحضرة امرأتين وحضرة وليها من رجل، قال: النكاح جائز على مذهب أبي حنيفة رحمه الله، ويصير الولي شاهدًا مع المرأتين أكثر في الباب أن الولي إذا اعتبر شاهدًا كان هذا نكاحًا بغير ولي إلا أن النكاح بغير ولي جائز عنده. في فوائد المشايخ المتقدمين ببخارى: أن القاضي إذا زوج الصغيرة من نفسه فهو نكاح بغير ولي؛ لأنه رعية في حق نفسه، وإنما الحق للذي هو فوقه وهو الوالي، والوالي في حق نفسه أيضًا رعية: وكذلك الخليفة في حق نفسه رعية والله أعلم.

.الفصل العاشر في نكاح الصغار والصغائر وتسليمهن إلى الأزواج وتصرف الأولياء في المهر:

قال محمد رحمه الله في (الأصل) بلغنا أن رسول الله عليه السلام «بنى بعائشة وهي ابنت تسع سنين» فيه دليل أن للزوج أن يدخل بامرأة صغيرة إذا بلغت تسع سنين، وإن لم تبلغ فإن بلوغها لم ينقل في الحديث، وبه أخذ المشايخ، ومن المشايخ من قال: ليس للزوج أن يدخل بها ما لم تبلغ، وأكثر المشايخ على أنه لا عبرة للسن في هذا الباب، وإنما العبرة للطاقة إن كانت صحة سمينة تطيق الرجال ولا يخاف عليها المرض من ذلك؛ كان للزوج أن يدخل بها وإن لم تبلغ تسع سنين. فإن كانت نحيفة مهزولة لا تطيق الجماع ويُخاف عليها المرض لا يحل للزوج أن يدخل بها، وإن كبر سنها وهو الصحيح.
وكذلك المشايخ اختلفوا على نحو هذا في ختان الصغيرة، بعضهم اعتبروا البلوغ وبعضهم اعتبروا تسع سنين وبعضهم عشر سنين، وبعضهم يعتبر أن الطاقة إن كان قويًا بحيث يطيق ألم الختان يختتن قبل سنة أو أكثر. وإذا نقد الزوج المهر فطلب من القاضي أن يأمر أبا المرأة بتسليم المرأة فقال أب المرأة: إنها صغيرة لا تصلح للرجال، ولا تطيق الجماع. وقال الزوج: لا بل هي تصلح للجماع وتطيق الرجال، قال ننظر؛ إن كانت ممن يخرج أخرجها القاضي وأحضرها ونظر إليها فإن صلحت للرجال أمر برفعها للزوج، وإن لم تصلح لم يأمر، وإن كانت ممن لا يخرج أمر من يثق بهن من النساء أن ينظرن إليها فإن قلن: إنها تطيق الرجال وتحتمل الجماع أمر الأب برفعها إلى الزوج، وإن قلن لا تحتمل الجماع لا يؤمر بتسليمها إلى الزوج.
في (أدب القاضي) للخصاف في باب المطالبة بالمهر: وإن ادعى الزوج أنها بلغت مبلغ النساء وقال الأب: هي صغيرة لم تبلغ ولا تحتمل الرجال وهي ممن يشك في بلوغها، إذا قلن إنها تحتمل الرجال دفعت إلى الزوج في هذا الباب، وإن للزوج بينة تشهد على سنها قد عرفت مولدها. فإن كانت قد أتى عليها خمس عشر سنة دفعت إلى الزوج؛ لأن الظاهر أن المرأة إذا بلغت هذا المبلغ تصلح للرجال فتدفع إليه إلاّ إذا تبين بخلافه، ألا ترى أن البالغة إذا كانت لا تحتمل لا يؤمر بدفعها إلى الزوج كذا هنا.
صغيرة لا يُستمتع بها زفها أبوها فللأب أن يطالب الزوج بمهرها بخلاف النفقة في هذا الباب، وفي (فتاوى أبي الليث) رحمه الله أيضًا. والفرق: وهو أن النفقة بإزاء الاحتباس في حق الزوج وهي غير محبوسة لحق الزوج؛ لأن الزوج لا يستمتع بها بخلاف المهر؛ لأن المهر بإزاء الملك والملك ثابت، وفي (البقالي) قيل: ليس للأب أن يطالب الزوج بمهر ابنته الصغيرة إلى أن تصير بحال ينتفع بها (......) الزوج مهر ابنته البكر، وإن كانت كبيرة استحسانًا إلا إذا نهته عن القبض فحينئذ ليس له علاقة بمطالبته، فليس لأحد من الأولياء ذلك إلا بوكالة منها، وإن كانت بنتًا كانت كبيرة فليس للأب المطالبة بالمهر.
وفي (المنتقى) إبراهيم عن محمد رحمه الله وبشر عن أبي يوسف رحمهم الله: إذا أقر الأب بقبض المهر والبنت بكر صُدّق وعنه أيضًا إبراهيم عن محمد رحمه الله: رجل تزوج امرأة بكرًا ودفع المهر إلى الأب برئ وليس للأب أن يأخذ الزوج بالمهر إلا بوكالة منها، ولو قبض الهبة وهدية الزوج لم يكن قبضه قبضًا لها، وللزوج أن يأخذ ذلك من الأب معنى المسألة: إذا وهب الزوج لامرأته قبل أن يبني بها هبة وأهدى إليها بهدية فقبض الأب ذلك والمرأة بكر فقبض الأب لا يكون قبضًا لها حتى كان للزوج أن يأخذ ذلك من الأب بخلاف قبض الأب المهر، فإنه جعل قبضًا لها إذا كانت بكرًا حتى برئ الزوج عنه.
وفيه أيضًا: بشر عن أبي يوسف رحمه الله: إذا زوج الرجل ابنته وهي بكر وكان الزوج مقرًا بالنكاح والمهر، فللأب أن يخاصم بالنفقة والمهر وإن كان جاحدًا للنكاح أو المهر فليس له أن يخاصم إلا بالوكالة، وفي (فتاوى الفضلي): وللرجل أن يخاصم في مهر ابنته البكر البالغة بغير وكالة منها لما أن له أن يقبض المهر، ثم في حق البكر البالغة إنما تملك قبض مهرها المسمى حتى لو كان المسمى بيضًا لا تملك قبض السود وكذا على العكس، هكذا ذكر في (أدب القاضي) للخصاف في باب المطالبة بالمهر، وهذا تنصيص على أنه لا يملك قبض الصاع بدلًا عن الدراهم، وفي (فتاوى أبي الليث) رحمه الله الأب إذا قبض ضيعة بمهر ابنته البكر إن كان ذلك في بلد لم يَجْرِ التعارف بدفع الضيعة بالمهر لم يجز لأن هذا إسراف وليس بقبض للمهر، وليس للأب أن يشتري على ابنته البالغة. وإن كان في بلدة جرى التعارف بذلك جاز إذا كانت بكرًا؛ لأن هذا قبض للمهر. وللأب قبض مهر ابنته البكر وإن كانت بالغة، وإن كانت صغيرة، وأخذ الأب ضياعًا بمهرها وإن كان يساوي المهر فهو جائز سواء كان في بلدة جرى التعارف بدفع الضيعة بالمهر، أو كان في بلدة لم يَجرِ التعارف بدفع الضيعة بالمهر لأن هذا إما أن يعتبر قبضًا للمهر أو شراء، وأيَّا ما كان فللأب ملك ذلك على ابنته الصغيرة. وإن كانت الضيعة لا تساوي المهر إن كان في بلدة جرى التعارف بدفع الضيعة بالمهر بأضعاف قيمتها جاز؛ لأن هذا قبض للمهر، وإن كان في بلد لم يَجْرِ بذلك التعارف لا يجوز؛ لأن هذا شراء وليس للأب ولاية الشراء على ابنته الصغيرة بأضعاف القيمة. وفي (البقالي): وللقاضي أن يقبض مهر البكر البالغة كالأب والجد والوصي، رواه هشام عن محمد رحمه الله وأطلق الخصاف أنه لا يقبض إلا الأب يعني من غير وكالة منها. وفيه أيضًا: وأما الشراء بالمهر فالأشبه أنه لا يجوز، قال: وقد قيل أنه يعتبر فيه العادة، وفيه أيضًا: ولا يجوز إقرار الأب بعد بلوغها بقبض المهر في صغرها، ولا يضمن للزوج؛ لأن الزوج قد صدقه إلا أن يقول وقت القبض أقبضه على أن أبرئك من ابنتي.
معنى المسألة: إذا زوج الرجل ابنته وهي صغيرة ثم أدركت وطالب زوجها بالمهر فقال الزوج: دفعت إلى أَبيْك وأنت صغيرة وصدقه الأب في ذلك؛ فإن إقرار الأب اليوم لا يجوز على ابنته، ولها أن ترجع بالمهر على الزوج، ولا يرجع به الزوج على الأب من قبل أنه مقر أنه دفعه إليه، ودفعه جائز.
وإن كان الأب قال: أخذت منك المهر على أن أبرئك من ابنتي وباقي المسألة بحالها كان للزوج أن يرجع على الأب؛ لأنه قبضه على أن يبرئه من صاحبه.
قال في (المنتقى): والحكم (فيهما كالحكم) فيما بين الوكيل والمديون، وإن الدين في مثل هذا نظير الحكم فيما بين المرأة والأب. (والأب) إذا قبض مهر ابنته البالغة من الزوج ثم ادعى عليه الرد؛ فإن كانت البنت بكرًا لم يصدق إلا ببينة لأن له حق القبض وليس له حق الرد فقد ادعى ما ليس حقه فلا يصدق، وإن كانت ثيبًا يصدق؛ لأنه ليس له حق قبض مهر الثيب البالغة إلا بوكالة منها ولم توجد الوكالة فلا يقع قبضه للبنت وإنما يقع قبضه للزوج وكان المهر أمانة للزوج في يده، فإذا قال: رددت على الزوج فقد ادعى رد الأمانة على صاحبها فيصدق.
الأب إذا زوج ابنته من إنسان فطلبوا منه أن يقر بقبض بعض الصداق أو يهب شيئًا من الصداق فالإقرار بالقبض باطل؛ لأن أهل المجلس يعرفون أنه كذب حقيقة، وأما الهبة فإن كانت الابنة كبيرة فالأب يقول: أهب بإذن البنت كذا وكذا ثم يضمن للزوج عنها ويقول: إن أنكرت الإذن بالهبة ورجعت عليك فأنا ضامن لك عنها، ويكون هذا الضمان صحيحًا لكونه مضافًا إلى سبب الوجوب، وإن كانت البنت صغيرة فالحيلة أن يباشرا العقد على ما وراء... الملتمس هيئته، فلا يحتاجان إلى الهبة، أو يحيل الزوج بعض الصداق على أن الصغيرة فيفرغ ذمته إن كان أب الصغيرة أملى من الزوج.
إذا جعل الأب بعض المهر لابنته البالغة معجلًا أو البعض مؤجلًا والبعض هبة كما هو المعهود ثم قال الأب: إن لم تجز البنت الهبة فهي عليّ لا يلزم الأب بهذا شيء.
في شهادات (فتاوى أبي الليث) رحمه الله، ذكر الخصاف في (أدب القاضي): لو أن رجلًا قدم رجلًا إلى القاضي، وقال إني زوجت هذا ابنتي على صداق كذا وكذا بأمرها وهي بكر....... فإن أمر الزوج بالتزويج والمهر وقال: لم أدخل بها أَمَرَهُ بدفع المهر إلى الأب، ولا يشترط إحضار المرأة للاستيفاء عند علمائنا الثلاثة رحمهم الله، وقال زفر رحمه الله: يشترط إحضارها وهو قول أبي يوسف رحمه الله آخرًا، هو يقول إنّ النكاح معاوضة فكان بمنزلة البيع، ثم البائع إنما يملك مطالبة المشتري بالثمن إذا أحضر المبيع مع نفسه ليسلمه عقيب قبض الثمن فكذا في النكاح، وإنا نقول بأن العادة جرت فيما بين الناس بتسليم الصداق أولًا وبتجهيز الولي المرأة بذلك وتسليمها إلى الزوج مع جهازها، فصار الزوج راضيًا بتأخير تسليم المرأة فلا معنى لاشتراط إحضار المرأة ولا كذلك البيع.
وإذا قال الزوج للقاضي: من الأب فليقبض المهر مني ويُسلِّم الجارية إليّ، قال له القاضي: اقبض المهر وادفع الجارية إليه، فإن قال الأب: ليس عليّ دفعها فهو يطلبها حيث هي فالقاضي يقول: إن المهر الذي تريد أخذه ثمن بضعها، وعليها إذا كانت كبيرة وقبضت المهر أن تُسلّم نفسها إلى الزوج، فإذا قبضت أنت المهر لها كان عليك تسليمها إليه إن كانت في منزلك فإن قال الأب: ليست ابنتي في منزلي ولا أقدر عليها فأنا أقبض المهر، وهو يطلبها حيث هي، ليس له ذلك. وإن قال: هي في منزلي فأنا أقتصر المهر وأجهزها به أسلمها إليه فالقاضي يأمر الزوج بدفع المهر إليه.
فإن قال الزوج: هو يدافعني عنها ويريد أن يأخذ المهر ولا يسلمها إليّ فمُرْهُ فليوثق لي من المهر بكفيل، فالقاضي يأمر الأب أن يوثق من المهر للزوج بكفيل فيعطيه بالمهر، فيأمر الزوج بدفع المهر حتى إذا سلّم له البنت إليه برئ الكفيل، وإن عجز عن ذلك توصل الزوج إلى حقه بالكفيل فيعتدل النظر في الجانبين، وهكذا كان يقول أبو يوسف رحمه الله أولًا، ثم رجع وقال: القاضي يأمر إلا أن تجعل المرأة مهيأة للتسليم ويحضرها ويأمر الزوج بدفع المهر، وللأب بتسليم البنت فيكون دفع الزوج المهر عند تسليمها نفسها إلى الزوج؛ لأن النظر لا يحصل للزوج بالكفالة لأنه لا يصل إلى المرأة بإمهاله بالكفالة، وإنما النظر في تسليم المهر بحضرتها، وقال الخصاف: وهذا أحسن القولين.
وإن كان الأب إنما قدم الزوج إلى قاضي الكوفة والخصومة بينهما على ما وصفنا (قال) الأب: ابنتي بالبصرة وثمة كان عقدة النكاح؛ أو قال: كانت ابنتي بالكوفة إلا أنها انتقلت إلى البصرة فأنا أسلمها إليه بالبصرة فإن الأب لا يُجبر على حملها إلى الكوفة، ولكن يقال للزوج: ادفع المهر إلى الأب واخرج إلى البصرة مع الأب وخذ المرأة هناك من الأب، فقد ذكرنا قبل هذا أن إحضار المرأة ليس بشرط لتسليم المهر. فإن اتهم الزوج الأب بما قُلنا من قبل، فالقاضي يأمر الزوج أن يأخذ من الأب كفيلًا بالمهر على أنه إن سلم الأب البنت بالبصرة يرى الكفيل، فإذا أتى البصرة وسلم الأب البنت إليه يرى الكفيل والأب، وإن عجز عن تسليم البنت إليه يخاصم الكفيل ويستوفي حقه منه فيعتدل النظر من الجانبين.
وإن قال الزوج: لا يمكنني الخروج إلى البصرة ولكن أوجه وكيلًا يحولها إلى منزلي بالبصرة فذلك له، فإن قال الزوج يحملها وكيلي إليّ فإن كان الوكيل محرمًا فله ذلك بناء على أن المرأة إذا استوفت صداقها كان للزوج أن ينقلها حيث أحب، وستأتي المسألة بعد هذا مع قول الفقيه أبي القاسم الصفار رحمه الله إن شاء الله، وإن لم يكن الوكيل محرمًا لم يؤمن بالخروج معه وإن رضي الزوج بذلك، لأنه رضي بما لا يرضى به الشرع وهو خروج المرأة إلى السفر من غير محرم هذا هو الكلام في الأب.
جئنا إلى الوكيل بقبض المهر من جهة المرأة فنقول: إذا وكلت المرأة رجلًا بقبض مهرها من الزوج كان الأمر في اشتراط حضرة المرأة وأخذ الكفيل بالمهر من الوكيل عند التهمة، ورجوع أبي يوسف رحمه الله كالكلام في الأب، وهذه المسألة على هذا التفصيل استفيدت من جهة الخصاف رحمه الله. وإن كان الزوج قد دخل بامرأته فليس للأب أن يقبض مهرها إلا بوكالة منها (فيما) ذكرنا.
فإن طالب الأب الزوج بالمهر وقال: ابنتي بكر في منزلي، وقال الزوج دخلت بها فالقول في ذلك قول الأب لأنه متمسك بالأصل فينكر العارض، وإن قال الزوج للقاضي حلف الأب أنه لم يسلّم أني قد دخلتُ بها؛ ذكر الصدر الشهيد رحمه الله هذه المسألة في (الواقعات) في الباب المعلّم بعلامة النون وقال: لم يذكر جوابًا عن هذه المسألة في (الكتاب) ويحتمل أن يحلف؛ لأن الأب لو أقر بذلك صح إقراره في حق نفسه حتى لم يكن له أن يطالبه بالمهر، وكانت المطالبة إلى البنت فكان التحليف معتبرًا.
ونص الخصاف في (أدب القاضي) في باب المطالبة بالمهر: لا يحلف إنما لا يحلف لوجهين: أحدهما: ما أشار إليه الخصاف فقال: لأنه لو أقرّ بالدخول لم يَجْرِ ذلك عليها؛ لأنه إقرار على الغير إلا أنه يبطل حقه في القبض ما لم يوجد التوكيل منها وكان بمنزلة الوكيل بقبض الدين. إذا ادعى المديون أن الموكل أبرأه أو استوفى الدين منه فإنه لا يحلف الوكيل، وإن كان الإبراء أو الاستيفاء من الموكل لو ثبت يبطل حق الوكيل.
والثاني: أن الزوج لا يدعي على الأب شيئًا، وإنما يدعي عليها معنى وهو الدخول، حتى لو ثبت ذلك يسقط حق الأب في قبض الصداق، فهذا بمنزلة ما لو اشترى جارية ثم ادعى أنها ذات زوج وطلب يمين البائع لا يمين (عليه) لأنه لا يدعي على البائع شيئًا، وإنما يدعي علبها معنى وهو النكاح، حتى إذا ثبت النكاح ثبت للمشتري حق الرد بالعيب، كذا هنا. فإن قال الزوج للقاضي: مُر الأب بإحضارها وسلها عما أقول من دخولي بها، فإن كانت المرأة ممن تخرج في حوائجها أَمَرَهُ بإحضارها ليسألها عن دعوى الزوج؛ لأن الزوج لو ادعى عليها شيئًا آخر وهي ممن يخرج في حوائجها فالقاضي يحضرها مجلسه كذا هنا.
وإن كانت ممن لا يخرج في جوانحها فالقاضي يبعث إليها أمينًا من أمنائه، ويدخل عليها الأب رجلين عدلين ممن يعرفها مع الأمين والزوج، ويسألها الأمين عن دعوى الزوج، فإن أقرت بذلك شهد الشاهدان بذلك عند القاضي وأجبرها القاضي على المصير إلى منزل زوجها ويطالبه بمهرها.
ولو أنكرت الدخول فالقول قولها، فإن قال الزوج لأمين القاضي حلّفْها أني لم أدخل بها حلفها الأمين، إن كان القاضي أمر الأمين باستحلافها إن أنكرت.
وإن قال الزوج: دخلت بها برضاها وقالت هي: لم أرض بذلك ولكنه استكرهني على نفسي؛ فالقول قولها مع يمينها على ذلك أنه لم يدخل بها برضاها؛ لأن حق حبس النفس كان ثابتًا لها فالزوج يدعي سقوط ذلك أقرّ بالدخول بها برضاها وهي تنكر فكان القول قولها.
وهو نظير ما إذا قبض المشتري المبيع قبل نقد الثمن وادعى القبض برضا البائع وأنكر البائع ذلك كان القول قول البائع، وطريقة ما قلنا.
ولو قالت المرأة: قد خلا بي إلا أنه لم يقع علي ولم أمكنه (من) ذلك حتى أقبض مهري، فالقول قولها لما قلنا، وليس للزوج أن يحتجّ على القاضي ويقول: إن الخلوة أقيمت مقام الجماع، ولو كنت جامعتها أليس يلزمها الذهاب إلى منزلي ثم تطالبني بالمهر فهنا كذلك؛ لأن من حجة القاضي أن يقول: الخلوة ليست بجماع حقيقة وإنما أقيمت مقامه في حق بعض الأحكام دون البعض، ألا ترى أنه (إن) طلقها بغير الخلوة لا يملك مراجعتها في هذه العدة، وإن كان أهل الصغيرة دفعوها إلى الزوج أو كان أبوها قد دفعها إلى زوجها ثم رجعت إلى منزل أبيها فطلبها الزوج وقال: قد دخلت بها وقال أهلها: نعم قد دخلت بها إلا أنك قد عقرتها لما أنها لا تحتمل الرجال، وقال الزوج: إنها تحتمل الرجال إلا أنها نشزت عليّ فالقاضي يريها النساء، فإن قلن: إنها تصلح للرجال دفعت إلى الزوج.
وإذا كان أبوها دفعها إليه وهي ممن لا تطيق الرجال ولا تحتمل الوطء فصارت في منزل زوجها، ثم إنها رجعت إلى منزل أبيها، وقال أبوها: لا أدفعها إلى أن تصير إلى الحالة التي تحتمل الرجال، وقال الزوج: قد كنتَ دفعتَها إليّ فصارت في منزلي فليس لك منعها عني بعد ذلك فللأب ذلك، هكذا ذكر الخصاف رحمه الله، وأشار إلى المعنى وقال: لأن الزوج لا ينتفع بها في هذه الحالة.
سئل شمس الإسلام الأوزجندي رحمه الله عمن تزوج صبية ومضى على ذلك مدة هل لأب الصبية أن يطالب الزوج بدفع المهر والزفاف؟ قال: أما دفع المهر فنعم، وأما الزفاف فكذلك إن كانت تصلح للرجال، وإن كانت لا تصلح فلا. وإذا زوج ابنته الصغيرة وضمن لها المهر عن الزوج صح، بخلاف ما لو باع شيئًا من مالها وكفل الثمن عن المشتري حيث لا يصح، والفرق: أن المطالبة بالثمن مملوكة للأب؛ لأن حقوق العقد في باب البيع والشراء ترجع إلى العاقد عقدها، ولهذا لو بلغت الصغيرة كان حق القبض للأب؛ لأنها لو نهت الأب عن القبض لا يصح نهيها ولو صحت الكفالة لاستوجب الأب المطالبة على نفسه بنفسه وهذا لا يجوز.
أما المطالبة بالمهر غير مملوك الأب؛ لأن حقوق العقد في باب النكاح ترجع إلى من وقع له العقد لا إلى العاقد، ولهذا لو بلغت كانت المطالبة بالمهر لها (لأب ونهت) عن القبض يصح نهيها، وإذا لم تكن المطالبة مملوكة الأب صار الأب في هذه وأجنبي آخر سواء، وإذا صح الضمان عندما بلغت البنت كان لها الخيار إن شاءت طالبت الزوج بالمهر بحكم النكاح، وإن شاءت طالبت الأب بحكم الضمان، وإذا أدّى الأب لا يرجع على الزوج بشيء إن ضمن بغير أمر الزوج، وإن ضمن بأمره رجع عليه بما أدى.
في شرح (الكافي) وفي (أدب القاضي) للخصاف في باب في نكاح الصغيرة: وإن كان هذا الضمان من الأب في مرض موته كان باطلًا، وإذا زوج ابنه الصغير امرأة وضمن عنه المهر، وكان ذلك في صحته جاز، ومعناه: إذا قبلت المرأة الضمان، وإذا أدى الأب ذلك إن كان الأداء في حالة الصحة لا يرجع على الابن بما أدى استحسانًا إلا إذا كان شرط الرجوع في أصل الضمان، وفي (المنتقى) عن محمد رحمه الله: إذا أشهد عند الأداء أنه يرجع به في مال أبيه فله أن يرجع، وإن لم يشهد على الرجوع حين ضمن. وذكر إبراهيم هذه المسألة في (نوادره) ووضَعَها فيما إذا كبر الابن وأدى الأب وأشهد عند الأداء، وذكر الجواب على نحو ما ذكرنا.
وفي (المنتقى) في موضع آخر: إذا لم يشهد عند العقد لا يرجع وإنما لا يرجع بدون الشرط بحكم العرف والعادة، فإن العادة أن الآباء يتحملون المهر عن الأبناء الصغار، وهو نظير ما لو أنفق على ابنه الصغير في طعامه وكسوته من مال نفسه؛ فإنه لا يرجع في مال الصغير بذلك إلا إذا اشترط الرجوع وقت الانفاق، وإنما لا يرجع بحكم العرف والعادة. هذا بخلاف ما لو اشترى لابنه الصغير شيئًا آخر سوى الطعام والكسوة ونقد الثمن من مال نفسه، فإنه يرجع على الصغير بذلك وإن لم يشترط الرجوع؛ لأنه لا عُرف؛ لأن الآباء يتحملون الثمن عن الأبناء ولو كان مكان الأب وصيٌ أو غيره من الأولياء وضمن المهر عن الصغير وأدى من ماله رجع في مال الصغير وإن لم يشترط الرجوع؛ لأنه لا عرف في الأوصياء والأباعد من الأولياء أنهم يتحملون المهور عن الصغار، هذا إذا كان الضمان والأداء من الأب في حالة الصحة.
وإن كان الضمان في حالة الصحة والأداء في حالة المرض؛ ذكر الخصاف في (أدب القاضي): أنه لا يكون متبرعًا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما، ويحتسب ذلك في ميراث الابن، وعلى قول أبي يوسف رحمه الله يكون متبرعًا حتى لا يرجع هو ولا ورثته بعد موته على الابن بشيء. هذا إذا أدى الأب ذلك في صحة أو مرض.
وأما إذا لم يؤد الأب ذلك حتى مات الأب فهذه صلة لم تتم للابن، ثم المرأة بالخيار إن شاءت أخذت الصداق من الزوج وإن شاءت أخذت من تركة الأب، فإن أخذت من تركة الأب رجع سائر الورثة بذلك في نصيب الابن أو عليه إن كان قبض نصيبه عند أصحابنا الثلاثة رحمهم الله في شرح (الكافي) باب نكاح الصغير والصغيرة، وذكر الخصاف أن على قول أبي يوسف رحمه الله: سائر الورثة لا يرجعون بذلك في نصيب الابن ولا عليه إن كان قد قبض نصيبه. ووجه ذلك: أن هذا الضمان انعقد غير موجب للرجوع، ألا ترى أن الأب لو أدى ذلك في حياته وصحته لا يرجع بذلك في مال الابن فلا ينقلب موجبًا للرجوع بعد ذلك، وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله قالا: إذا جعلت الأداء في حالة الصحة، وهذا كله إذا حصل الضمان في حالة الصحة.
أما إذا حصل الضمان في مرض الموت؛ فباطل لأنه قصد بهذا الضمان إيصال النفع، والمريض محجور عن ذلك فلا يصح. وكذلك كل دين ضمن عن وارثه أو لوارثه في مرض موته فهو باطل لما قلنا، وفي (البقالي): إذا قال الأب: اشهدوا أني زوجت ابنتي فلانة بألف من مالي لم تلزمه إلا أن يؤدي وتكون صلة قال: كأنه عن أبي يوسف رحمه الله.
امرأة زوجت ابنتها وهي صغيرة وقبضت صداقها ثم أدركت فإن كانت الأم وصيتها فللبنت أن تطالب أمها بالصداق دون الزوج، وإن لم تكن وصيتها فلها أن تطالب زوجها، والزوج يرجع على الأم؛ لأنها قبضت وليس لها حق القبض، وكذا هذا الجواب في سائر الأولياء سوى الأب والجد.
ذكر رحمه الله في الباب الأول من نكاح (واقعاته): غير الأب والجد إذا زوج الصغير فالاحتياط أن يعقد مرتين؛ مرة بمهر مسمى ومرة بغير تسمية لأمرين: أحدهما أنه لو كان في التسمية نقصان لا يصح النكاح الأول ويصح النكاح الثاني بمهر المثل.
والثاني: أن الزوج لو كان حلف بطلاق امرأته يتزوجها بلفظ أي، أو بلفظ كل امرأة يتزوجها فينعقد النكاح الثاني ويحل وطؤها، وإن كان الأب والجد زوجها فكذلك الجواب عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله للمعنيين جميعًا، وعند أبي حنيفة رحمه الله: للمعنى الثاني في (فتاوى أبي الليث) رحمه الله.
وأما إذا لم يؤد الأب ذلك حتى مات الأب فهذه صلة لم تتم للابن، ثم المرأة بالخيار إن شاءت أخذت الصداق من الزوج وإن شاءت أخذت من تركة الأب، فإن أخذت من تركة الأب رجع سائر الورثة بذلك في نصيب الابن أو عليه إن كان قبض نصيبه عند أصحابنا الثلاثة رحمهم الله في شرح (الكافي) باب نكاح الصغير والصغيرة، وذكر الخصاف أن على قول أبي يوسف رحمه الله: سائر الورثة لا يرجعون بذلك في نصيب الابن ولا عليه إن كان قد قبض نصيبه. ووجه ذلك: أن هذا الضمان انعقد غير موجب للرجوع، ألا ترى أن الأب لو أدى ذلك في حياته وصحته لا يرجع بذلك في مال الابن فلا ينقلب موجبًا للرجوع بعد ذلك، وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله قالا: إذا جعلت الأداء في حالة الصحة، وهذا كله إذا حصل الضمان في حالة الصحة.
أما إذا حصل الضمان في مرض الموت؛ فباطل لأنه قصد بهذا الضمان إيصال النفع، والمريض محجور عن ذلك فلا يصح. وكذلك كل دين ضمن عن وارثه أو لوارثه في مرض موته فهو باطل لما قلنا، وفي (البقالي): إذا قال الأب: اشهدوا أني زوجت ابنتي فلانة بألف من مالي لم تلزمه إلا أن يؤدي وتكون صلة قال: كأنه عن أبي يوسف رحمه الله.
امرأة زوجت ابنتها وهي صغيرة وقبضت صداقها ثم أدركت فإن كانت الأم وصيتها فللبنت أن تطالب أمها بالصداق دون الزوج، وإن لم تكن وصيتها فلها أن تطالب زوجها، والزوج يرجع على الأم؛ لأنها قبضت وليس لها حق القبض، وكذا هذا الجواب في سائر الأولياء سوى الأب والجد.
ذكر رحمه الله في الباب الأول من نكاح (واقعاته): غير الأب والجد إذا زوج الصغير فالاحتياط أن يعقد مرتين؛ مرة بمهر مسمى ومرة بغير تسمية لأمرين: أحدهما أنه لو كان في التسمية نقصان لا يصح النكاح الأول ويصح النكاح الثاني بمهر المثل.
والثاني: أن الزوج لو كان حلف بطلاق امرأته يتزوجها بلفظ أي، أو بلفظ كل امرأة يتزوجها فينعقد النكاح الثاني ويحل وطؤها، وإن كان الأب والجد زوجها فكذلك الجواب عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله للمعنيين جميعًا، وعند أبي حنيفة رحمه الله: للمعنى الثاني في (فتاوى أبي الليث) رحمه الله.

.الفصل الحادي عشر في نكاح الأبكار:

اعلم بأن السكوت من البكر البالغة جعل رضًا بالنكاح سواء استأمرها الولي قبل النكاح أو زوجها الولي قبل الاستئمار، فبلغها الخبر فسكتت. والأصل فيه قوله عليه السلام: «البكر تستأمر في نفسها فسكوتها رضاها» والحكمة في ذلك صيانة مصلحة النكاح عن الفوات في حق الأبكار وهذا لأن النكاح لا ينفد على البكر البالغة من غير رضاها، إنما يعرف من جهتها وهي تستحيي عن الرضا صريحًا لما فيه من إظهار الرغبة في الحال لو لم يكتف بسكوتها لجواز النكاح فإن مصالح النكاح (تتعطل). وإنما جعل السكوت من البكر البالغة إذنًا إذا كان المستأمر وليًّا، أو كان وليًا إلا أن هناك وليٌّ وآخر وهو أقرب إلى المرأة من هذا الولي المستأمر، فالسكوت لا يكون إذنًا في حق الولي المستأمر إلا إذا كان الولي المستأمر رسول الولي.
وذكر شمس الأئمة الحلواني رحمه الله أن المستأمر أو المخبر عن النكاح إذا لم يكن وليًّا ولم يكن رسول الولي فسكتت كان سكوتها رضا في ظاهر الرواية، وذكر الكرخي رحمه الله أنه لا يكون رضًا.
وفي (البقالي): وأكثر المتأخرون على أن الرسول كالولي وقيل عن أبي حنيفة رحمه الله خلافه في (النوادر) وهو ظاهر قول الكرخي، وقيل في الرسول بعد النكاح إنه كالولي، و(في) (مجموع النوازل): أن المخبر بالنكاح إذا كان أجنبيًا فسكتت هل يكون رضًا؟ فيه اختلاف المشايخ؛ والمختار أنه رضا، وفي (فتاوى شمس الأئمة السرخسي) رحمه الله وشمس الإسلام الأوزجندي رحمه الله أنه لا يكون رضًا، وهذا إذا سمى الزوج عندها تسمية تقع لها المعرفة به فكان الزوج كفؤًا والمهر وأما إذا أبهم الزوج لم يكن السكوت رضًا، وكذلك إذا سمى الزوج وسمى المهر والزوج ليس بكفء والمهر ليس بوافر إن كان الزوج كفئًا والمهر ليس بوافر أو كان المهر وافرًا إلا أن الزوج ليس بكفء فالسكوت لا يكون رضًا في حق جميع الأولياء إلا في حق الأب والجد عند أبي حنيفة رحمة الله عليه؛ لأنهما وليّان عنده، أجنبيان عندهما، والمسألة معروفة، وإن كان المخبر أجنبيًا ليس بولي والرسول عنه فإن كان المخبر رجلين عدلين أو غير عدلين أو كان رجلًا واحدًا عدلًا لا يثبت النكاح، حتى لو سكتت ولم ترد يلزمها النكاح.
وإن كان المخبر رجلًا واحدًا غير عدل فإن صدقته (في) ذلك ثبت النكاح وإن كذبته لا يثبت وإن ظهر صدق الخبر عند أبي حنيفة، وعندهما يثبت النكاح إذا ظهر صدق الخبر، وفي (فتاوى أبي الليث) رحمه الله: البكر البالغة إذا استأمرها أبوها في التزويج فسكتت فزوجها أبوها ثم قالت: لا أرضى ينظر إن كان الأب وقت الاستئمار لم يذكر ممن يزوجها ولم يذكر أنه بكم يُزوجها لا ينعقد النكاح ولها أن ترد. وإن كان الأب ذكر الزوج والمهر جميعًا بعد النكاح فلا يصلح الرد. وإن كان ذكر الزوج ولم يذكر المهر فإن وهبها بعد النكاح بمهر المثل، وإن زوجها بمهر مسمى لا ينعقد لأنه إذا وهبها فتمام العقد الزوج والمرأة عالمة بالزوج (وثم بالرضا) بهذا العقد.
وإذا زوجها بمهر مسمى فتمام العقد بالزوج، فيذكر البدل وهي غير عالمة بالبدل فلا يتم الرضا بهذا العقد، قال الشيخ الإمام الأجل شمس الأئمة الحلواني رحمه الله في شرح كتاب النكاح: إن اشتراط تسمية المهر عند الاستئمار قول المتأخرين من المشايخ لأن رغبتها تختلف باختلاف الصداق في القلة والكثرة. والكبيرة على ما عليه إشارات محمد رحمه الله في كتاب النكاح تسمية المهر عند الاستئمار ليس بشرط، إنما الشرط تسمية الزوج فعلى ما عليه إشارات محمد ينفذ نكاح الأب في هذا الوجه وإن كان بمهر مسمى. وذكر شمس الأئمة الحلواني رحمه الله في (شرحه): أنه إذا لم يسم لها الزوج أو المهر فسكتت، ففيه اختلاف المشايخ المتأخرين، فمنهم من رآه رضًا ومنهم من أبى مطلقًا من غير فصل بينما إذا وهبها أو زوجها بمهر مسمى، هذا إذا أخبرها بالنكاح (قبل) العقد. وأما إذا أخبرها به بعد العقد فسكتت ففيما إذا لم يذكر المهر أو الزوج.
قال الفقيه أبو نصر رحمه الله: ينفذ هو فرّق بين الماضي (واللاحق).
وقال الفقيه أبو الليث رحمه الله لا ينفذ، قال الصدر الشهيد رحمه الله وهو الصحيح وعليه الفتوى، وفيما إذا ذكر الزوج والمهر ينفذ وفيما إذا ذكر الزوج، ولم يذكر المهر فالمسألة على التفصيل الذي ذكرنا، وهو اختيار الصدر الكبير برهان الأئمة تغمده الله بالرحمة والرضوان، قال الشيخ الإمام الأجل الزاهد شيخ الإسلام المعروف بخواهر زاده رحمه الله إن أصحابنا رحمهم الله جعلوا السكوت رضًا في مسائل معدودة:
أحدها: في البكر إذا استأمرها وليها في التزويج.
الثانية: إذا قبض الأب أو الجد مهر البكر البالغة فسكتت كان سكوتها رضًا حتى برئ الزوج.
ولو قبض المهر غير الأب والجد فسكتت أو قبض الأب أو الجد سائر..... فسكتت لا يكون سكوتها رضًا.
الثالثة: إذا سكت الشفيع بعدما علم بالبيع ساعة بطلت شفعته كما لو سلم الشفعة.
الرابعة: إذا تواضعا في السر أن يظهر البيع تلجئه ثم قال أحدهما علانية، بمحضر من صاحبه قد بدا لي أن أجعله بيعًا صحيحًا فسكت صاحبه ولم يقل شيئًا.... كان البيع جائزًا.
الخامسة: عبدٌ أسره المشركون فوقع بعد ذلك في غنيمة المسلمين وساقه في قسم واحد من الغانمين فباعه الذي وقع في سهمه ومولاه الأول حاضر عند البيع فسكت لا سبيل له على أخذ العبد بعد ذلك.
السادسة: إذا قبض المشتري البيع والبائع يراه فسكت ولم يمنعه من القبض بطل حقه في الحبس، ذكره الطحاوي رحمه الله في باب المأذون، وهو مخالف لما ذكر محمد رحمه الله في باب الإكراه.
السابعة: مجهول النسب إذا بيع وهو ساكت كان ذلك إقرارًا منه بالرق ذُكر في كتاب الإقرار، زاد الطحاوي رحمه الله وقيل له بعد البيع قم مع مولاك فقام فذلك منه إقرار بالرّق.
الثامنة: إذا رأى المولى عبده يبيع ويشتري فسكت صار العبد مأذزونًا في التجارة.
قال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله في (شرحه) في النكاح: وكذلك الولي إذا رأى الصبي المحجور يبيع ويشتري..... والتكثير فسكت جعل فكًا للحجر.
التاسعة: وهب لرجل جارية والجارية حاضرة فقبلها وقبضها في المجلس بمحضر من الواهب ولم يأذن له الواهب بالقبض، ولم ينهه عنه بل هو ساكت، فإنه يثبت له إذن بالقبض استحسانًا ويثبت الملك للموهوب له.
ولو قام الواهب عن المجلس قبل قبض الموهوب له لم يصح قبضه حتى يأمره بذلك.
العاشرة: إذا باع بيعًا فاسدًا والمبيع حاضر عند العقد فقبضه المشتري بحضرة البائع ولم يمنعه من قبضه وسكت كان إذنًا له بالقبض حتى يملكه المشتري، دفع الثمن أو لم يدفع.
الحادي عشر: إذا قال: والله (لا) أُسْكِنُ فلانًا في داري، أو قال: والله لا أتركه في داري وفلان في دار الحالف فسكت الحالف بعد اليمين ولم يقل: اخرج منها حنث. ولو قال اخرج منها فأبى (أن) يخرج فسكت عنه لا يحنث في يمينه.
الثاني عشر: إذا كان الخيار للمشتري فرأى عبده الذي اشتراه يبيع ويشتري فسكت فهو اختيار للبيع وإبطال لخياره، ولو كان الخيار للبائع لا يكون إبطالًا لخياره.
والثالث عشر: إذا سكت عن نفي الولد حتى مضى على ذلك زيادة على يومين لزمه الولد في قول أبي حنيفة رحمه الله، وروى ابن أبي مالك عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمهما الله إذا هنئ بالولد فسكت لزمه الولد، وزاد شمس الأئمة الحلواني رحمه الله على هذه المسائل، ما إذا قال لغيره: بع عبدي فلم يقبل ولم يرد بل سكت ثم قام وباع جُعل بائعًا بتوكيل، وجعل السكوت منه قبولًا، وكذلك رآه غيره شق زقه فسكت حتى سال ما فيه لم يضمن الشاق ما سال منه واحتج على صاحب الزق بسكوته.
وهنا مسألة أخرى من هذا الجنس: إنّ غير الأب والجد إذا زوج الصغيرة فبلغت وهي بكر فسكتت ساعةً بطل، وجعل سكوتها بمنزلة الرضا صريحًا، ولو ضحكت البكر عند الاستئمار أو بعدما بلغها الخبر فهو رضًا، هكذا ذكر القدوري وشيخ الإسلام رحمهما الله، وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله أنها إذا ضحكت كالمستهزئة لمّا سمعت لا يكون رضًا، وإن ابتسمت فهو رضًا، هو الصحيح من المذهب، ذكره شمس الأئمة الحلواني رحمه الله، ولو بكت ذكر هشام في (نوادره): أنه يكون رضًا، وذكر المعلى عن أبي يوسف رحمه الله أنه لا يكون رضًا، وذكر القدوري رحمه الله في (شرحه): أن عند أبي يوسف رحمه الله فيه روايتان: في رواية لا يكون رضًا وهو قول محمد رحمه الله، ومن المشايخ من قال: إن كان النكاح عن سكوت وإقرار فهو رضًا، وإن كان عن صياح ولطمِ وجهٍ فهو ردّ، ومنهم من قال: إن كان الدمع حارًّا فهو رد، وإن كان باردًا فهو رضًا.
وإذا زوج البكر وليان كل واحد منهم رجل وهما في الدرجة على السواء، فبلغها العقدان فأجازتهما بطلا، ولو سكتت ذكر القدوري في (شرحه): أن عند محمد رحمه الله في هذا روايتين: في رواية سكوتها بمنزلة رضاها بالعقدين فبطلا، وفي رواية: هو ليس برد ولا إجازة، والأمر موقوف.
وإذا زوج البالغة أبوها من رجل وأخوها بعد ذلك من رجل آخر وأجازت نكاح الأخ كان جائزًا، وبطل نكاح الأب؛ لأن النكاح لا ينعقد على البالغة بغير رضاها فتوقف النكاحان على إجازتها، فإذا أجازت نكاح الأخ وجد شرط النفاذ في هذا النكاح فينفذ، ومن ضرورته بطلان الآخر ويكون هذا نكاحًا بلا ولي؛ لأن الأخ مع الأب ليس بولي فيكون على الاختلاف على ما مرّ.
وفي (فتاوى الفضلي): صغيرة زوجها عمها لأبيها ثم زوجها عمها لأبيها وأمها فبلغت فأجازت نكاح العم لأب قال: نكاح العم لأب باطل، ولا يبطل نكاح العم لأب وأم بردّها حتى يفرق القاضي بينهما؛ لأن نكاح العم لأب موقوف على إجازة العم لأب وأم (و) نكاح العم لأب وأم ثابت فقد نفذ، لكن لها حق فسخه، والفسخ لا يكون إلا عند القاضي ولم يوجد، والنافذ متى ورد على الموقوف أبطله.
البكر إذا بلغها الخبر فقالت: لا أرضى ثم قالت قد رضيت فلا نكاح بينهما؛ لأن النكاح قد بطل بردها، فالرضا صادَف عقدًا مفسوخًا، وعن هذا استحسن المشايخ تجديد العقد عند الزفاف؛ لأن البكر في المرة الأولى تظهر الرد وغير ذلك لم.... منها لو لم يجدد العقد لكانت تزف إلى أجنبي.
في (المنتقى): ابن سماعة عن محمد رحمه الله: إذا قال الرجل لابنته الكبيرة وهي بكر: فلان وفلان خطباك إليّ وأنا مزوجك، أو لم يقل: وأنا مزوجك فسكتت فله أن يزوجها أيهما شاء، وكذلك إذا قال لها: إن بني فلان يخطبونك وهم يحصون ويعرفون ولم يذكر قبيلة ولا فخذًا. وكذلك إذا قال: جيراني يخطبونك، وهم يحصون.
ولو قال: إن بني تميم يخطبونك وأصحاب فلان يخطبونك وهم لا يحصون لم يكن سكوتها عند هذا الذِّكر رضًا. قال الحاكم الشهيد أبو الفضل رحمه الله: وهكذا روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهم الله في المسلمين جميعًا.
المعلى عن أبي يوسف رحمه الله في بكر كبيرة استأذنها وليُّها أن يزوجها فسكتت ولم يخبرها ممن يزوجها ثم زوجها من نفسه فذلك جائز.
ابن سماعه عن محمد رحمه الله في رجل وكَّل رجلًا يزوّج ابنته الكبيرة فزوجها ولم يبلغها حتى زوجها الأب من آخر بلغها فلها أن تجيز نكاح أيهما شاءت.
رجل خطب امرأة من أبيها وهي بكر فقال الأب مراكد خدا بسر راست برجه واكررواست، فزوج الابن أخته من رجل فبلغها فسكتت، ثم زوجها أبوها من آخر، فبلغها فسكتت يجوز نكاح الأب ولا يجوز نكاح الأخ، ولم يجعل سكوتها عن نكاح الأخ إجازة؛ لأن السكوت إنما جعل إجازة لنكاح الولي لا لنكاح غير الولي، والأخ مع الأب ليس بولي. هكذا ذكر المسألة في (فتاوى أهل سمرقند) وفيه نظر، ينبغي أن يجوز نكاح الأخ ولا يجوز نكاح الأب لأن الابن وكيل عن الأب في هذا العقد قائم مقام الأب فكأنّ الأب باشره بنفسه فيجعل سكوتها رضًا به.
قال محمد رحمه الله في (الأصل): إذا قالت البكر: لم أرض بالنكاح حين بلغني وادعى الزوج رضاها فالقول قولها عند علمائنا الثلاثة رحمهم الله؛ لأنها تنكر تملك بضعها، وبمثله لو وقع الاختلاف في خيار البلوغ فقالت المرأة: اخترت نفسي ورددت النكاح لمّا بلغت وقال الزوج: لا بل سكت وسقط خيارك فالقول قول الزوج لأنه ينكر زوال ملكه عن بضعها، فإن أقام الزوج بينة على سكوتها حين بلغها الخبر فهي امرأته وإلا فلا نكاح بينهما ولا يمين عليها في قول أبي حنيفة رحمه الله، وعندهما: عليها اليمين، وإذا نكت يقضى عليها بالنكول. وإن أقام الزوج بينة على سكوتها حين بلغها الخبر وأقامت هي بنية على الرد فبينتها أولى، قال (البقالي): وقد روي أنه إذا كان بحضرتها قوم حين بلغها النكاح فلم يسمعوها تكلمت لم تُصدّق في دعوى الرد.
ولو كانت البكر قد دخل بها زوجها ثم قالت: لم أرض لم تصدق على ذلك وكان تمكينها إياه من الدخول بها رضًا منها إلا إذا دخل بها وهي مكرهة فحينئذ لا يثبت الرضا، فإن أقامت بنية على الرد في هذه الصورة ذكر في (فتاوى الفضلي) أنه تقبل بينتها، قيل: والصحيح أنه لا تقبل بينتها لأن التمكين منها في معنى الإقرار بالرضا. ولو أقرت بالرضا ثم ادعت الرد لا تصح دعواها ولا تقبل بينتها لمكان التناقض كذا هنا.
وذكر الخصاف في (أدب القاضي) في باب الشفعة: إذا زوج ابنته البكر البالغة ثم خاصمت مع الزوج فقال الزوج: بلغك الخبر وسكّت فقالت المرأة: بلغني الخبر ورددت فالقول قولها، ولو قالت بلغني الخبر يوم كذا ورددت أو قالت وقت كذا ورددت أو قالت: علمت يوم كذا ورددت، وقال الزوج: بل سكتّ فالقول قول الزوج.
وفي (المنتقى): هشام سألت محمدًا رحمه الله عن بكر زوجها وليُّها فقالت بعد سنة: قد كان بلغني النكاح يوم زوجني فلم أسكت قلت: لا أرضى وادعى الزوج أنها كانت رضيت فالقول قول المرأة وإنه خالف ما ذكر الخصاف.
ومن جنس هذه المسائل: روى ابن سماعة في (نوادره) عن أبي يوسف: امرأة خاصمت زوجها فزعمت أن أخاها زوجها وهي صغيرة وبنى بها أي: دخل بها وهي صغيرة كارهة له فجاءت تخاصمه وتريد فراقه وقالت...... وقال الزوج بنيت بها وهي كبيرة وقد أدركت فالقول قول الزوج.
وعنه أيضًا برواية ابن سماعة في رجل زوج ابنتًا له كبيرة بغير أمرها فمات زوجها فجاءت (تريد) الميراث وقالت: قد كنت أجزت النكاح لم تصدق إلا ببينة. وإن قالت: زوجني بأمري فالقول قولها. وعنه أيضًا برواية خالد بن صبيح: رجل زوج ابنة له.... وهو وليها قال الزوج للمرأة بعدذلك: أنت قد علمت وما رضيت، وقالت المرأة لا بل أجزت ورضيت، لا تكون هذه المقالة من الزوج فرقة وهي امرأته فالقول قولها وكذلك إذا قال الزوج: لم تعلمي، وقالت المرأة لا بل علمت وأجزت فالقول قولها، ولو مات الزوج قبل هذه المقالة فقالت الورثة وهم كبار: قد علمت وما رضيت وقالت المرأة: لا بل رضيت فالقول قولها، وهذه الرواية بخلاف رواية ابن سماعة، وبخلاف رواية (فتاوى أبي الليث) رحمه الله فالمذكور في (الفتاوى) في هذه الصورة: أن القول قول ورثة الزوج فلا مهر لها ولا ميراث.
وإن كانت الورثة قالوا للمرأة بعد موت الزوج: لم تعلمي...... حتى تقيم البينة على سكوتها بعد...... إن كانت بكرًا أو على رضاها إن كانت ثيبًا، هكذا رواه خالد.
وإن كانت المرأة لم تقل: بلغني النكاح وأجزت لكن قالت زوجني أخي بأمري.... الميراث والمهر وعليها العدة، ولو كانت هي الميتة وكان الطالب للميراث هو الزوج، والأخ المزوج هو الوارث فقال الأخ: لم تكن أمرتني ولم تعلم حتى ماتت وادعى الزوج رضاها بهذا الزوج أو أنها أمرته بذلك فعلى الزوج البينة على ذلك والله أعلم بالصواب.

.الفصل الثاني عشر في النكاح بالكتاب والرسالة وفي النكاح مع الغائب:

قال محمد رحمه الله في (الأصل): إذا كتب إليها يخطبها فزوجت نفسها منه كان صحيحًا والأصل في ذلك أن الكتابة من الغائب بمنزلة الخطاب من الحاضر، وقد صح أن رسول الله عليه السلام كتب إلى النجاشي يخطب أم حبيبة فزوجها النجاشي له...... منه إلا أن الكتاب من الغائب مع الخطاب مع الحاضر يفترقان من وجه، فإن الحاضر إذا خطبها فلم تجبه في مجلس الخطاب وإنما أجابته في ملجس آخر لا يصح النكاح، وإذا بلغها الكتاب وقرأت الكتاب ولم تزوج نفسها منه في ذلك المجلس وإنما زوجت نفسها في مجلس آخر بين يدي الشهود وقد سمع الشهود كلامها وما في الكتاب يجوز النكاح وإذا بلغها الكتاب فقالت زوجت نفسي من فلان، فكان ذلك بمحضر من الشهود لا ينعقد النكاح وإن بلغه الخبر، وأجاز عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله لأن سماع الشهود كلامَ المتعاقدين شرط انعقاد النكاح والشهود إن سمعوا كلامها لم يسمعوا كلام الزوج.
ولو قرأت الكتاب على الشهود أو قالت: إن فلانًا كتب إلي يخطبني فاشهدوا أني قد زوجت نفسي منه صح النكاح؛ لأن الشهود سمعوا كلامها بإيجاب العقد، وسمعوا كلام الخاطب بإسماعها إياهم إما بقراءة الكتاب أو العبارة عنه، وإن جاء الزوج بالكتاب مختومًا وقال: هذا كتابي إلى فلانة فاشهدوا عليه لا يصح عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله حتى يقرأ عليهم الكتاب، أو يعلمهم ما في الكتاب خلافًا لأبي يوسف رحمه الله. ثمرة الخلاف تظهر فيما إذا جحد الزوج الكتاب فشهدوا أن هذا كتابه إلى فلانة ولم يشهدوا بما في الكتاب لا تقبل الشهادة عندهما ولا يقضي بالنكاح.
وإذا أرسل إليها رسولًا فالحر والعبد والصغير والكبير والعدل والفاسق في ذلك على السواء؛ لأن الرسالة تبلغ عبارة المرسل إلى المرسل إليه، ولكل واحد من هؤلاء عبارة مفهومة فيصح تبليغ الرسالة منهم.
وإذا بلغ الرسالة وقال: إن فلانًا يسألك أن تزوجي نفسك منه، فأشهدت أنها قد زوجت كان ذلك جائزًا إذا أقرّ الزوج بالرسالة أو قامت عليه البينة؛ لأن الرسول بلغها عبارة المرسل فكأنّ المرسل حضر بنفسه، وعبّر عن نفسه بين يدي الشهود، وإن كان الرسول قد خطبها وضمن لها المهر وقال: أمراني بذلك فزوجت نفسها ثم حضر الزوج وصدّق الرسول في الرسالة، والأمر بالضمان صح النكاح وصح الضمان إذا كان الرسول من أهل الضمان، فإذا أدّى الضامن رجع بذلك على الزوج، وإن كذبه في الأمر بالضمان وصدّقه في الرسالة صح النكاح، وصح الضمان فيما بين المرأة والرسول، لا في حق المرسل، حتى كان للمرأة أن ترجع على الرسول بالصداق فلا يرجع الرسول على الزوج بما أدى من ذلك، وإن كذبه في الرسالة والأمر بالضمان ولا بينّة له على ذلك، فالنكاح باطل والمهر على الزوج، ولها أن تطالب الرسول بالمهر؛ لأن في زعمها أن النكاح صحيح وأن الضمان صحيح.
بعد هذا اختلفت الروايات، ذكر في نكاح (الأصل) وفي بعض روايات كتاب الوكالة أن المرأة تطالب الرسول بنصف الصداق، وذكر في بعض روايات كتاب الوكالة أن المرأة تطالب الرسول بجميع المهر، فقيل: في المسألة روايتان، وقيل: اختلف الجواب لاختلاف الموضوع وهو الصحيح، وقد ذكرناه في فصل الوكالة.
وإن قال الرسول: لم يأمرني فلان ولكني أزوجه وأضمن عليه المهر ففعل ثم أجاز الزوج النكاح جاز عليه ولزم الرسول الضمان، وإن أبى الزوج أن يجيز النكاح (لم) يكن على الرسول شيء من الضمان لأنه أصل السبب فلا يبقى الزوج النكاح فينتفي حكمه، وهو وجوب الصداق فبراءة الأصيل حقيقة توجب براءة الكفيل. وإذا عَقَدَ عَقْدَ النكاح واحد وهو وليّ من الجانبين بولاية أصلية نحو الملك أو القرابة أو بولاية عارضة نحو الوكالة صح العقد.
بيان الأول: إذا زوج ابنة أخيه الصغيرة من ابن أخيه الصغير وليس لهما أقرب، أو زوّج ابنة عمه وهي صغيرة من نفسه (وليس) لها أقرب منه، أو كانت بنت العم كبيرة قال لها: إني أريد أن أزوجك من نفسي فسكتت وهي بكر فذهب وتزوجها.
بيان الثاني: إذا وكلّه رجل أن يزوجه فلانة ووكّلته فلانة أن يزوجها من ذلك الرجل، أووكلّت امرأةٌ رجلًا أن يزوجها من نفسه فتزوجها، ولا يتوقف شطر العقد على ما وراء المجلس عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله، خلافًا لأبي (يوسف) رحمه الله، حتى إن فضوليًا لو قال: زوجت فلانة من فلان وهما غائبان ولم يقبل عنه أحد، أو قالت امرأة زوجت نفسي من فلان الغائب ولم يقبل عنه أحد وقال رجل: تزوجت فلانة وهي غائبة ولم يجب عنها أحدٌ، وعلى قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله لا يقف هذا على إجازة الغائب وعلى قول أبي يوسف رحمه الله يقف، وكذلك إن كان فضوليًا من أحد الجانبين، وكيلًا من الجانب الآخر، وفي توقف كلامه اختلاف.
ولو قال فضولي: زوجت فلانة من فلان، وقبل عن فلان فضولي آخر، وقال رجل: تزوجت فلانة فقال رجل فضولي: زوجتها منك أو قالت امرأة: زوجت نفسي من فلان، فقال فضولي قبلت عنه.
وفي هذه المسائل يتوقف العقد على الإجازة بالاتفاق، هذا هو الكلام في النكاح، واتفق علماؤنا رحمهم الله أن العقد في باب البيع لا يقف على ما وراء المجلس، حتى إن الرجل إذا قال لقوم: اشهدوا أني قد بعت عبدي فلانًا فبلغ ذلك فلانًا وقال: قد اشتريته لم يجز بالاتفاق، قال محمد رحمه الله: ولو كتب رجل إلى رجل: بعني عبدك بألف فقال: بعت كان جائزًا، قال شيخ الإسلام رحمه الله: وهذا لا يكاد يصح لأن الحاضر لو قال لغيره: بعني عبدك بكذا فقال: بعت لا يتم البيع ما لم يقل قبلت فكذلك إذا كتب، فلابد من زيادة بعني وذلك بأن يكتب: قد اشتريت عبدك بكذا فبعه مني، فإذا قال الآخر بعت حينئذ يتم البيع بينهما كما لو كان حاضرًا، وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله وجه تصحيح ما ذكر محمد رحمه الله أن قول الحاضر: بعني يكون استيامًا عادة، ومن الغائب إذا كتب يكون أحد شطري العقد عادة، فإذا انضم إليه الشطر الثاني يتم البيع والله أعلم.

.الفصل الثالث عشر في بيان أسباب التحريم:

فنقول: أسباب التحريم كثيرة، من جملة ذلك النسب، ومسائله معروفة، ومن جملة ذلك المصاهرة.
قال محمد رحمه الله في (الأصل): إذا وطئ الرجل امرأة بنكاح أو ملك أو فجور حرمت عليه أمُّها وابنتها، وهو محرم لهما؛ لأنه لا يجوز له نكاحهما، وحرمت هي على آبائه وأبنائه، وكما ثبتت هذه الحرمة بالوطء تثبت بالمسّ والتقبيل والنظر إلى الفرج بشهوة سواء كان بنكاح أو ملك أو فجور عندنا إذا كان المحل مشتهاه، ولا تثبت هذه الحرمة بالنظر إلى سائر الأعضاء وإن كان عن شهوة وحد، والشهوة: أن تنتشر آلته إليه بالنظر إلى الفرج أو المس إذا لم يكن منتشرًا قبل هذا، وإذا كان منتشرًا فإن كان يزداد قوة و..... بالنظر والمسّ كان ذلك عن شهوة وما (لا) فلا، وهذا إذا كان شابًا قادرًا على الجماع، وإن كان شيخًا أو عنينًا فحدُّ الشهوة أن يتحرك قلبه بالاشتهاء إن لم يكن متحركًا قبل ذلك، ويزداد الاشتهاء إن كان متحركًا فهذا هو حدّ الشهوة التي حكاها.... عن أصحابنا رحمهم الله، وإليه مال شيخ الإسلام المعروف بخواهر زاده وشمس الأئمة السرخسي رحمهما الله.
وكثير من المشايخ لم يشترطوا الانتشار، وجعلوا حدّ الشهوة أن يميل قلبه إليها ويشتهي جماعها. وكان الفقيه محمد بن مقاتل الرازي رحمه الله لا يعتبر تحرك القلب، وإنما يعتبر تحرك الآلة، وكان لا يفتي بثبوت الحرمة في الشيخ الكبير العنين والذي ماتت شهوته حتى لم يتحرك عضوه بالملامسة.
وروى ابن رستم عن محمد رحمه الله: أنه إذا لمسها بشهوة فلم ينتشر عضوه أو كان منتشرًا فلم يزدد انتشاره حتى تركها ثم ازداد انتشاره بعد لم تثبت به الحرمة، وإنما تثبت الحرمة إذا انتشر بالمس وهو بعدُ لامسها، أو يزداد انتشاره وهو لامسها بعد.
جئنا إلى حدّ المشتهاة: حكي عن الشيخ الإمام الجليل أبي بكر محمد بن الفضل رحمه الله: أنها إذا كانت بنت تسع سنين أو أكثر فهي مشتهاة من غير تفصيل، وإذا كانت بنت خمس سنين أو دونه لم تكن مشتهاة. وإن كانت بنت سبع سنين أو بنت ست سنين أو بنت ثماني ينظر إن كانت عبدة ضخمة كانت مشتهاة وما لا فلا.
قال الفقيه أبو الليث رحمه الله في (أيمان الفتاوى): المشايخ سكتوا في الثمان والتسع والغالب أنها لا تشتهى ما لم تبلغ تسع سنين.
قال الصدر الشهيد رحمه الله في شرح كتاب النفقات وعليه الفتوى، وحكي عن الشيخ الإمام أبي بكر هذا رحمه الله أنه كان يقول: ينبغي للمفتي أن يفتي في السبع، والثمان أنها لا تحرم إلا إذا بالغ السائل أنها عبلة ضخمة وجسيمة فحينئذ يفتي بالحرمة.
وفي (البقالي) عن محمد رحمه الله، في بنت ثمان أو تسع إذا كانت ضخمة سمينة أنه تثبت به الحرمة، وإن لم تكن بهذه الصفة فإلى ثنتي عشرة.
وعن أبي يوسف رحمه الله: إذا كانت الصبيّة بنت خمس ويشتهى مثلها فهي مشتهاة فلا توقيت فيه، ورواه عن أبي حنيفة رحمه الله، وإذا جامعها ولم يُفْضِها فهي ممن يجامع مثلها، وإذا أفضاها لم تثبت به الحرمه خلاف أبي يوسف رحمه الله استحسانًا. قال محمد رحمه الله وربما أفضت التي يفضى مثلها، وأطلق أبو يوسف رحمه الله في رواية ابن سماعة في بنت سبع وخمس أشهر وطئها فيما دون الفرج بشهوة ماتت ولا يُدرى هل كان يُشتهى مثلها في حسنها وجمالها، لم تحل له الأم.
وفي (الفتاوى): سئل الفقيه أبو بكر عمن: قبّل امرأة ابنه وهي بنت خمس سنين أو ست سنين عن شهوة، قال: لا تحرم على ابنه؛ لأنها غير مشتهاة، وإن اشتهاها هذا فلا ينظر إلى ذلك. قيل له: فإن كبرت حتى خرجت عن حد الاشتهاء والمسألة بحالها؟ قال تخرج؛ لأن الكبيرة دخلت تحت الحرمة فلا تخرج وإن كبرت، ولا كذلك الصغيرة.
وسئل ابن سلمة عن امرأة أدخلت ذكر صبي في فرجها، والصبي ليس من أهل الجماع قال: تثبت به حرمة المصاهرة، وقال أصحابنا رحمهم الله: وتثبت الحرمة بالتقبيل والمس والنظر إلى الفرج بشهوة في جميع النساء؛ الدميمة وغيرها في ذلك سواء، بخلاف العقد ثم المسّ إنما يوجب حرمة المصاهرة إذا لم يكن بينهما ثوب، أما إذا كان بينهما ثوب فإن كان صفيقًا لا يجد حرارة الممسوس لا تثبت حرمة المصاهرة، وإن انتشرت آلته إليه بذلك، وإن كان رقيقًا بحيث تصل حرارة الممسوس إلى يده تثبت حرمة المصاهرة.
وفي طلاق (المنتقى): الحسن بن زياد عن أبي يوسف رحمهما الله: إذا لمس الرجل شيئًا من جسد امرأة من فوق الثياب عن شهوة؛ فإن كان يجد مس جسدها حرمت عليه امرأته، وكذلك إذا مسّ رجلها فوق الخف أو ساق الخف أو أسفل الخف.
وفيه أيضًا: المعلى عن أبي يوسف رحمه الله: إذا قبّل الرجل المرأة وبينهما ثوب، إن كان يجد برد إليها أو برد الشفه فهو تقبيل ومس.
ويعتبر في النظر: النظر إلى داخل الفرج، وكذلك إنما يكون إذا كانت متكئة، أما إذا كانت قاعدة مستوية أو قائمة لا تثبت حرمة المصاهرة، قال شيخ الإسلام رحمه الله: هو الصحيح. وقال أبو يوسف في رواية ابن سماعة: النظر إلى المدخل والركب سواء، وتحرم بذلك أمُّها إذا كان بشهوة، وروى إبراهيم عن محمد رحمه الله: أن النظر إلى موضع الجماع من الدبر في حرمة المصاهرة نظير النظر إلى الفرج، ثم رجع وقال: لا يحرمه إلا النظر إلى الفرج من الداخل.
وروى ابن سماعة عن أبي يوسف رحمه الله أن النظر إلى دبر المرأة لا يوجب حرمة المصاهرة، وكذلك ذكر محمد رحمه الله في (الزيادات) في باب: إتيان المرأة في غير الفرج، وإنما وقع الفرق بين النظر إلى موضع الجماع من الدبر وبين النظر إلى موضع الجماع من القبل؛ لأن النظر إلى القبل سبب يفضي إلى الوطء في القبل؛ الذي تحصل به الحرمة والتعصيب؛ إذ السبب يقوم مقام المسبب خصوصًا في باب الحرمات، وأما النظر إلى الدبر يفضي إلى الجماع في الدبر، وبه لا تحصل الحرمة والتعصيب، ولا تثبت به الحرمة.
والجماع في الدبر لا يثبت حرمة المصاهرة، ذكره محمد رحمه الله في (الزيادات) في باب إتيان المرأة في غير الفرج، وبه أخذ بعض مشايخنا، وبعض مشايخنا قالوا: يوجب حرمة المصاهرة، وبه كان يفتي شمس الإسلام محمود الأوزجندي رحمه الله.
ووجهه: أن الجماع في الدبر لا يخلو عن اللمس بشهوة، ومجرد اللمس بشهوة تثبت حرمة المصاهرة عندنا، فهذه الزيادة إن كانت لا توجب زيادة حرمة لا توجب خلافها، وما ذكر محمد رحمه الله أصح؛ لأن المس بشهوة إنما يوجب حرمة المصاهرة، لكونه سببًا مفضيًا إلى الوطء في القبل، الذي تحصل به الحرمة، وبالإتيان في غير المأتى تبيّن أن ذلك المس لم يكن مفضيًا إلى الوطء الذي تحصل به الحرمة، فلا تثبت به حرمة المصاهرة، وكذلك ألا ترى أن من مس امرأة بشهوة وأمنى لا تثبت حرمة المصاهرة؛ إذا نظر إلى فرج امرأة بشهوة وأمنى لا تثبت حرمة المصاهرة؛ لأن المس المجرد والنظر المجرد إنما يوجب حرمة المصاهرة، لكونه سببًا للوطء الذي هو سبب للحرمة، وباتصال الإنزال تبيّن أن ذلك المس لم يكن بهذه الصفة، فلا ثبتت به حرمة المصاهرة.
وكذلك إذا قبلها ثم قال: لم تكن عن شهوة، أو لمسها أو نظر إلى فرجها (وقال): لم يكن عن شهوة فقد ذكر الصدر الشهيد رحمة الله: أن في القبلة يفتى ثبوت الحرمة ما لم يتبين أنه قبّل بغير شهوة، وفي المس والنظر إلى الفرج لا يفتى بالحرمة، إلا إذا تبين أنه فعل بشهوة؛ لأن الأصل في التقبيل الشهوة، بخلاف المس والنظر.
الدليل عليه: أن محمدًا رحمه الله في أي موضع ذكر التقبيل لم يقيده بشهوة، وفي أي موضع ذكر المس والنظر فيه قيدهما بالشهوة.
وفي بيوع (العيون) بخلاف هذا قال: إذا اشترى جارية على أنه بالخيار وقبلها أو نظر إلى فرجها ثم قال لم يكن شهوة وأراد ردّها، فالقول قوله، ولو كانت مباشرة، وقال لم يكن عن شهوة لم يصدق.
ومن المشايخ من فصّل في التقبيل بينما إذا كان على الفم وبينما إذا كان على الجبهة والرأس فقال: إن كانت القبلة على الفم يفتى بالحرمة ولا يصدق إن كان بغير شهوة، وإذا كان على الرأس أو على الذقن أو على الخد لا يفتى بالحرمة، إلا إذا ثبت أنه فعل بشهوة. ويصدق إن لم يكن بشهوة وهكذا ذكر في (مجموع النوازل).
وكان الشيخ الإمام ظهير الدين رحمه الله يفتي بالحرمة في القبلة على الفم والذقن والخد والرأس وإن كان على المقنعة وكان يقول: لا يصدق في أنه لم يكن بشهوة، وظاهر ما أطلق في (بيوع العيون) يدل على أنه يصدق في القبلة سواء كانت على الفم أو على موضع آخر.
وفي (البقالي): ويصدق إذا أنكر الشهوة، يعني في المس إلا أن يقوم منتشرًا فيعانقها قال: له، وكذا قال في (المجرد): وانتشاره دليل الشهوة وهذا إشارة إلى أن في المس لا يُفتى بالحرمة ما لم ينضم إليه دليل آخر يدل على الشهوة.
وإذا أخذ بدنها وقال كان ذلك عن غير شهوة ففيه كلام. وإذا ركبت على ظهره وعبر بها الماء ثم قال لم يكن عن شهوة صُدّق. ولو أخذت امرأة ذكر ختنها في الخصُومة وشدته وقالت: كان عن غير شهوة صدّقت، وفي (كراهة الحاوي): أن مسّ شعر المرأة عن شهوة لا يوجب حرمة المصاهرة.
وفي (الأجناس): إن مسّ شعر رأس المرأة عن شهوة يوجب حرمة المصاهرة والرجعة، وأنكر القاضي الإمام علي السغدي رحمه الله ما ذكره في (الأجناس) قال: لأن الرأس تحت الشعر فيصير ماسًا شعرها لا بدنها، فهو بمنزلة ما لو مسّ يدها من وراء الكم، وتقبل الشهادة على الإقرار باللمس بشهوة. وعلى الإقرار بالتقبيل بشهوة.
وهل تقبل الشهادة على نفس اللمس والتقبيل عن شهوة؟ اختلف فيه المشايخ قال بعضهم: لا تقبل وإليه مال الشيخ الإمام الجليل أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله، وهذا لأن الشهوة أمر باطن لا يوقف عليها عادة، وقال بعضهم تُقبل وإليه مال الشيخ الإمام الزاهد علي البزدوي رحمه الله، وهكذا ذكر محمد رحمه الله في (نكاح الجامع)؛ لأن الشهوة مما يوقف عليها في الجملة إما لتحرك العضو من الذي يتحرك عضوه أو آثار أخرى ممن لا يتحرك عضوه.
ابن سماعة في (نوادره): عن أبي يوسف رحمه الله: رجل نظر إلى فرج ابنته من غير شهوة فتمنى أن تكون جارية: فوقعت له الشهوة مع وقوع نظره قال: إن كانت الشهوة منه على ابنته حرمت عليه امرأته، وإن كانت الشهوة وقعت على ما تمنى لم تحرم؛ لأن النظر إلى فرج ابنته حينئذ لا يكون عن شهوة.
في (واقعات الناطفي): إذا قصد أن يقيم امرأته إلى فراشه أو يجامعها وهي نائمة ومعها ابنتها المشتهاة، فوصلت يده إلى الابنة فقرصها بإصبعه وظنّ أنها امرأته؛ إن كانت يده إلى الابنة وهو تشتهي لها، حرمت عليه امرأته وإن كان يحسبها امرأته؛ لأنه مسها بشهوة، وإن كان لا شهوة له في وقت ملامستها لا تحرم؛ لأنه لم يوجد مسها بشهوة، وإن اختلفا فالقول قول الزوج؛ لأنه ينكر ثبوت الحرمة فالقول قول المنكر.
في (فتاوى أبي الليث) رحمه الله: زوج جدة المرأة محرم لها؛ إن كان قد دخل بالجدة سواء كانت الجدة من قبل أبيها أو من قبل أمها، وزوج بنت البنت محرم للجدة دخل الزوج بها أو لم يدخل؛ لأن البنت لا تحرم بنفس نكاح الأم، فكذا بنفس نكاح الجدة والأم تحرم بنفس نكاح البنت، فكذا بنفس نكاح بنت البنت.
في (العيون): نظر إلى فرج امرأة من خلف ستر أو زجاجة وتبيّن من خلفها فرجها وكان النظر بشهوة؛ حرمت عليه أمها وابنتها، بخلاف ما لو نظر في المرآة، والفرق: أن المرئي في المرآة عكس الفرج لا عين الفرج، ولا كذلك المرئي من خلف الستر والزجاجة.
أقر بحرمة المصاهرة يؤاخذ به ويفرق بينهما. وكذلك إذا أضاف ذلك إلى ما قبل النكاح بأن قال لامرأته: كنت جامعت أمك قبل نكاحك يؤاخذ به ويفرق بينهما، ولكن لا يصدق في حق المهر حتى يجب المسمّى دون العقر، ولكن إذا كان قبل الدخول بها يجب نصف المسمَّى، وإن كان بعد الدخول بها يجب كمال المسمى، والإقرار على الإقرار ليس بشرط في القضاء، حتى لو أقر بجماع أم امرأته أو مسها، ثم رجع عن ذلك وقال كذبت؛ فالقاضي لا يصدقه، ولكن فيما بينه وبين الله تعالى إن كان كاذبًا فيما أقرّ لا تحرم عليه امرأته، والدوام على المس ليس بشرط لثبوت الحرمة، حتى قيل إذا مدّ يده إلى امرأته بشهوة فوقعت على كف ابنتها فازدادت شهوته حرمت عليه امرأته، وإن نزع من ساعته.
في نكاح (المنتقى) في باب ما يبطل المهر بعقد أحد الزوجين: إذا قبل امرأة ابنه بشهوة، أو قبل الأب امرأة ابنه بشهوة وهي مكرهة، وأنكر الزوج أن يكون ذلك عن شهوة فالقول قول الزوج؛ لأنه ينكر بطلان ملكه، وإن صدقه الزوج أنه كان عن شهوة وقعت الفرقة ويجب المهر على الزوج، ويرجع الزوج بذلك على الذي فعل ذلك إن تعمد الفاعل الفساد؛ لأنه وجب الحد بالوطء، والمال مع الحد لا يجتمعان.
قال: ولو كان جامعها بشبهة وهي مكرهة وبين وجه الشبهة فقال: بأنّ زوّجها أبوها منه بغير أمرها فلا حدّ عليه، ورجع الأب عليه بنصف المهر في قول أبي حنيفة رحمه الله. وقال أبو يوسف رحمه الله: عليه الحدّ ولها على الأب نصف المهر ولا يرجع به على الابن من قبل الحد الذي لزمه، قال أبو يوسف رحمه الله فلا أحفظه عن أبي حنيفة رحمه الله. وينبغي في قياس قوله أن لا يرجع الأب عليه بذلك من قبل المهر الذي وجب عليه بالدخول بناءً على شبهة النكاح، فلا يجب مهر آخر في هذا الباب أيضًا.
وفيه أيضًا: رجل تزوج بأمةِ رجل ثم إن الأمة قبّلت ابن زوجها قبل الدخول بها، فادعى الزوج أنها قبلته بشهوة، وكذبه المولى فإنها تبين من زوجها، لإقرار الزوج أنها قبّلت بشهوة، ويلزمه نصف الصداق؛ لتكذيب المولى إيّاه أنها قبّلت بشهوة، ولا يقبل قول الأمة في ذلك ولو قالت قَبَّلْتُه بشهوة. قيل لرجل: ما فعلت بأمِّ امرأتك؟ قال: جامعتها، قال: تثبت حرمة المصاهرة، قيل: إن السائل والمسؤول هازلان، قال: لا يتفاوت ولا يصدق أنه كذب. في أيمان (مجموع النوازل): والشهوة من أحد الجانبين في فصل المس تكفي لثبوت هذه الحرمة.
ومن جملة أسباب التحريم: الرضاع، فالرضاع في إيجاب الحرمة كالنسب والصهرية. والأصل فيه: قوله عليه السلام «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» والمعنى في ذلك: أن الماء أصل في التكوين، واللبن أصل في النشوء والزيادة، فجرى النشوء من أصل التكوين مجرى الوصف من الأصل مجرى الحق من الحقيقة، والحرمان يختلط في أنسابها، فالحق ألحق بالحقيقة والوصف بالأصل.
قال أصحابنا رحمهم الله: وما يتعلق به التحريم في النسب يتعلق في الرضاع إلا في مسألتين: أحدهما: أنه لا يجوز للرجل أن يتزوج أخت ابنه من النسب ويجوز في الرضاع، وإنما كان كذلك؛ لأن أخت ابنه من النسب إن (كانت) منه فهي ابنته، وإن لم تكن منه فهي ربيبته، فإنما حرمت لهذا المعنى، وهذا المعنى لا يتأتى في الرضاع حتى إن في النسب لو لم يوجد أحد هذين المعينين فإن كانت جارية بين شريكين جاءت بولد فادعياه، حتى يثبت النسب منهما ولكل واحد منهما ابنة من امرأة أخرى جاز لكل واحد من الموليين أن يتزوج ابنة شريكه، وإن كل واحد من الموليين متزوجًا بأخت من النسب.
والمسألة الثانية: لا يجوز للزوج أن يتزوج بأم أخته من النسب ويجوز في الرضاع، وإنما كان كذلك؛ لأن في النسب إن كانا أخوين لأم؛ فأم الأخ أمه، وإن كانا أخوين لأب فأم الأخ امرأة أبيه، وهذا المعنى معدوم في الرضاع، وأما فيما عدا هاتين المسألتين حكم الرضاع وحكم النسب سواء.
والتحريم بالرضاع كما يثبت من جانب المرأة يثبت من جانب الرجل وهو الزوج الذي نزل لبنها بوطئه ويسميه الفقهاء: لبن الفحل.
وبيانه: أن المرأة إذا أرضعت بلبن حدث من حمل رجل فذلك الرجل أب الرضيع، لا يحل لذلك الرجل نكاحها وإن كانت أنثى. وكذلك إذا كان الرجل امرأتان وحملتا منه، فأرضعت كل واحدة منهما صغيرًا فقد صارا أخوين لأب، فإن كانت إحداهما أنثى لا يحل النكاح بينهما، وإن كانتا ابنتين لا يحل الجمع بينهما؛ لأنهما أختان لأب.
وإن كانت للرجل امرأة واحدة فحملت منه، وأرضعت صبيين صارا أخوين لأب وأم، وأخوات الزوج عمات المرضع ولا يحل له مناكحتهن، ويجوز له مناكحة أولادهن، وأم الزوج جدة المرضع تحرم عليه ولا يحل لهذا المرضع أن يتزوج امرأة وطئها الزوج، ولا للزوج أن يتزوج امرأة وطئها المرضع. فهذا تفسير لبن الفحل والدليل على ثبوت هذه الحرمة من جانب الرجل قوله عليه السلام: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب».
وقال عليه السلام: «إن الرضاعة تحرم ما تحرّم الولادة» وسألت عائشة رضي الله عنها وقالت: يا رسول الله: إن أفلح بن أبي العقيس يدخل عليّ وأنا في ثياب فضلٍ تقيني فقال عليه السلام: «ليلج عليك أفلح فإنه عمك من الرضاعة، فقالت عائشة رضي الله عنها: إنما أرضعتني المرأة لا الرجل فقال عليه السلام: إنه عمك فليلج عليك».
والعم من الرضاعة يكون لا الأمر لبن الفحل.
وفي النكاح للحسن بن زياد رحمه الله: في امرأة ولدت من زوج وأرضعت ولدها ثم تيبس لبنها ثم درّ لها اللبن بعد ذلك، فأرضعت صبيًّا إن لهذا الصبي أن يتزوج بابنة هذا الرجل من غير هذه المرأة، قال: وليس هذا بلبن الفحل، وكذلك إذا تزوج امرأة ولم تلد منه قط ثم نزل لها اللبن فإن هذا اللبن من هذه المرأة دون زوجها حتى لو أرضعت صبية لا تحرم على ولد هذا الزوج من غير هذه المرأة.
ولو زنى بامرأة فولدت منه فأرضعت بهذا اللبن صبيّة لا يجوز لهذا الزاني أن يتزوج بهذه الصبّية ولا لأبيه ولا لآبائه ولا لأبناء أولاده لوجود التعصيب بين هؤلاء، وبين الزاني، فلما لم يجز للزاني أن يتزوجها فكذا لا يجوز لهؤلاء.
والرضاع الموجب للتحريم ما كان في حالة الصغر دون الكبر قال عليه السلام: «الرضاع ما أنبت اللحم وأنشز العظم» وقال عليه السلام: «لا رضاع بعد الفصال» ولأن الحرمة بالرضاع من حيث إنه سبب للنشوء والزيادة، وذلك في حالة الصغر؛ لأن الصغير لا يتربى بغيره بخلاف الكبير.
وقليل الرضاع وكثيره في إثبات التحريم سواء؛ لأن المنصوص عليه فعل الإرضاع دون العدد، قال الله تعالى: {وَأُمَّهَتُكُمُ الْلاَّتِى أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] ولمدة الرضاع ثلاثة أوقات: أدنى وأوسط وأقصى.
فالأدنى: حول ونصف، والأوسط: حولان، والأقصى: حولان ونصف، حتى لو نقص عن الحولين لا يكون شططًا، ولو زاد على الحولين لا يكون تعديًا. والوسط هو حولان فلو كان الولد يستغني عنها دون الحولين ففطمه في حول ونصف يحل ولا تأثم بالإجماع، ولو لم يستغن عنها بحولين فلها أن ترضعه بعد ذلك ولا تأثم عند عامة العلماء، خلافًا لخلف بن أيوب رحمه الله.
وإنما الكلام في ثبوت الحرمة: بالرضاع وفي استحقاق الأجر، فأما الكلام في ثبوت الحرمة، قال أبو حنيفة رحمه الله: يثبت بحكم الرضاع في الصغير إلى ثلاثين شهرًا، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله إلى سنتين.
حجتهما: قوله تعالى: {وَالْولِدتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] وقال عليه السلام: «لا رضاع بعد الحولين» ولأبي حنيفة رحمه الله قوله تعالى: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} [البقرة: 33] اعتبر التراضي والتشاور.
في الفصال بعد الحولين ورفع الجناح عن الفصال بعد الحولين بالتراضي والتشاور فهذا دليل على أن ما بعد الحولين مدة الرضاع، ولأن الرضاع يتعلق باللبن في حق الصغير؛ لأنه سبب للنشوء والزيادة وهو الغذاء الأصلي في حقّه، والغذاء لا يتغير إلا بعد زمان فلابد من اعتبار مُدّة بعد ذلك حتى يتغير به الغذاء، فقدّر أبو حنيفة رحمه الله تلك المّدة بستة أشهر لأنها مدّة تغيّر الغذاء، فإن الولد يبقى في النظر ستة أشهر ويتغذى بغذاء الأم، ثم ينفصل ويصير أصلًا في الغذاء، فإنما قدّر المدّة بستة أشهر لهذا.
أما الكلام في استحقاق الأجر؛ قال الشيخ الإمام شمس الأئمة الحلواني رحمه الله: هو على هذا الخلاف، حتى إن المطلقة تستحق أجرة رضاع الولد على الأب إلى تمام حولين ونصف عند أبي حنيفة، وعند أبي يوسف ومحمد رحمهم الله: تستحق إلى تمام حولين ولا تستحق فيما دون الحولين.
وكثير من المشايخ قالوا: إن مدة الرضاع في حق استحقاق الأجرة على الأب مقدرة بحولين عند الكل حتى لا تستحق المطلّقة أجرة الرضاع بعد الحولين بالإجماع، وتستحق في الحولين بالإجماع.
ولو فطم الرضيع في مدة الرضاع ثم سقي بعد ذلك في المدة فهو رضاع على قول من يرى الرضاع في تلك المدة؛ لوجود الإرضاع والظاهر من المذهب، وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله أنه قال: هذا إذا لم يتعود الصبي الطعام حتى لا يكتفي بالطعام بعد الفطام، وأما إذا صار بحيث يكتفي بالطعام لا تثبت الحرمة بعد ذلك؛ لأنه إذا صار بحيث يكتفي بالطعام فاللبن يفسده بعده ذلك ولا يغذيّه ولا يحصل به النشوء، وهو المعنى المعوّل عليه في إثبات الحرمة بعد الرضاع. وفي (البقالي): إذا فطم في الحولين واستغنى بالطعام فأرضع بعد ذلك؛ فعن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله روايتان.
والبكر إذا نزل لها اللبن تعلق به الحرمة ما تتعلق بلبن الثيب. قال في (الأجناس): وفائدته لو تزوجت بزوج فطلقها قبل أن يدخل بها له أن يتزوج بهذه الصبية؛ ولو دخل بها، والمسألة بحالها لا يجوز له أن يتزوج بهذه الصبية لأنها ربيبته المدخولة. ولبن الحية والميتة سواء في التحريم؛ لاستوائهما في المعنى الموجب للحرمة وهو حصول التسوية.
وتثبت حرمة الرضاع بالسعوط والوجور لأنه مما يغذي الصبي، فالسعوط يصل إلى الدماغ فيتقوى به، والوجور يصل إلى الجوف فيحصل به النشوء.
والإقطار في الأذن لا يثبت الحرمة؛ لأن الظاهر أنه لا يصل إلى الدماغ لضيق ذلك الثقب. وكذلك الإقطار في الإحليل؛ لأن أكثر ما فيه أن يصل إلى المثانة فلا يتغذى به الصبي عادة، وكذلك الحقنة في ظاهر الرواية لا يوجب الحرمة.
وإذا وُضِعَ لبن المرأة في طعام فأكله صبي، فإن كانت النار قد مسته وأنضج الطعام حتى يتغير لا تثبت الحرمة، سواء كان اللبن غالبًا أو مغلوبًا. وإن كانت النار لم تمسه فإن كان الطعام هو الغالب لا تثبت به الحرمة، وإن كان اللبن هو الغالب فعلى قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله: تثبت الحرمة اعتبارًا للغالب. وعلى قول أبي حنيفة رحمه الله لا تثبت.
وشرط القدوري رحمه الله على قول أبي حنيفة أن يكون الطعام مستبينًا معناه إذا كان بمنزلة الثريد، وهذا لأن الطعام إنما كان مستبينًا فهو الأصل، واللبن وإن كان غالبًا فهو كالتَّبَعِ للطعام فيما هو المقصود، فإن اللبن يغلب الثريد، ويكون الأصل هو الثريد.
قيل إنما لا تثبت الحرمة على قول أبي حنيفة رحمه الله إذا كان لا يتقاطر اللبن عند حمل اللقمة، وأما إذا كان يتقاطر تثبت به الحرمة وقيل لا تثبت به الحرمة، وقيل: لا تثبت الحرمة على قول أبي حنيفة رحمه الله على حال، وإليه مال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله، وذكر شيخ الإسلام خواهر زاده رحمه الله، أن على قول أبي حنيفة رحمه الله إنما لا تثبت الحرمة إذا أكل لقمةً لقمةً. أما إذا حَسَا حسوًا تثبت الحرمة، وقيل: إذا وصل اللبن منفردًا فلا خلاف، وإذا تناول الثريد فلا خلاف. وفي كتاب الرضاع للخصاف: إذا ثردت له خبزًا في لبنها حتى نشف الخبز ذلك اللبن، أو بلّت به سويقًا أو شيئًا ثم أطعمته إيّاه؛ إن كان طعم اللبن يوجد فهو رضاع؛ وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهما الله، هكذا ذكر صاحب (الأجناس).
ولوخلط لبن المرأة بالماء أو بالدواء أو بلبن البهيمة فالعبرة للغالب. في (المنتقى): فسّر الغلبة في رواية ابن سماعة عن أبي يوسف رحمه الله فقال: إذا جعل في لبن المرأة دواء فغيّر اللون ولم يتغيّر الطعم أو على العكس فأوجرته صبيًّا حرم، وإن غيّر اللون والطعم فلم يوجد طعم اللبن وذهب لونه لم يحرم، وفسّر الغلبة في رواية ابن الوليد عن محمد رحمه الله فقال: إذا لم يتغير الدواء من أن يكون لبنًا تثبت به الحرمة، وإن خُلط بلبن امرأة أخرى فكذلك عند أبي يوسف، وعند محمد رحمها الله: تثبت الحرمة بينهما وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله.
وإذا طلق الرجل امرأته ولها منه لبن فتزوجت بزوج آخر بعدما انقضت عدتها ووطئها الثاني؛ أجمعوا أنها إذا ولدت من الثاني، فاللبن من الثاني وينقطع عن الأول، وأجمعوا على أنها إذا لم تحبل من الثاني فاللبن من الأول. وأما إذا حبلت من الثاني ولكن لم تلد منه؛ قال أبو حنيفة رحمه الله: اللبن يكون من الأول حتى تلد من الثاني، وقال أبو يوسف رحمه الله: إن علم أن اللبن من الثاني بأمارة أو علامة فهو من الثاني، وإن علم أنه من الأول فهو من الأول، وإن لم يعلم أنه من الأول أو من الثاني فهو من الأول، وذكر في اختلاف زفر ويعقوب رحمهما الله: أن على قول أبي يوسف رحمه الله: اللبن من الثاني على كل حال.
فروى الحسن بن زياد عن أبي يوسف رحمهما الله: أن اللبن من الأول كما هو قول أبي حنيفة رحمه الله، وقال محمد رحمه الله: اللبن منهما.

.نوع منه ولا فرق في التحريم بين الرضاع الطارئ والمقدم:

بيانه: إذ تزوج رضيعة فأرضعتها أمه، حرمت عليه؛ لأنها صارت أختًا له؛ وهذا لأن المحرمية إنما تمنع النكاح لعلة المنافاة، فإن بين الحل والحرمة تنافٍ، والمنافي كما يؤثر إذا اقترن بالسبب يؤثر إذ جرى عليه.
وكذلك: إذا تزوج رضيعتين فأرضعتهما امرأة معًا، أو واحدة بعد أخرى حرمتا عليه؛ لأنهما صارتا أختين من الرضاعة، ويجب لها نصف الصداق؛ لأن الفرقة ثبتت بفعل غيرهما، فإن الأخوة إنما ثبتت بينهما بواسطة الأمومة والأمومة، حصلت بفعل الكبيرة؛ والإضافة إلى فعلها أولى من الإضافة إلى فعل الصغيرة؛ لأن اختيارها معتبر، واختيار الصغيرة ساقط الاعتبار شرعًا، فيرجع الزوج على المرضعة بذلك إن تعمدت الفساد، ويعتبر القصد مع العلم بالحكم.
وإن أخطأت وأرادت الخير؛ بأن خافت على الرضيع الهلاك من الجوع فلا يرجع عليها، وهذا لأن المرضعة مسببة إلى الفرقة وليست بمباشرة، والمسبب إنما يضمن إذا كان متعديًا في تسببه، فإذا تعمدت الفساد فهي متعدية، وإذا أخطأت أو أرادت الخير فهي ليست بمتعدية، وتصدق المرضعة أنها لم تتعمد الفساد إذا لم يظهر خلافه.
في (البقالي): وعن محمد رحمه الله: أنه يرجع عليها بكل حال؛ لأن من أصله أن المسبب كالمباشر. أصله: مسألة فتح باب القفص والإصطبل وأشباه ذلك.
في (العيون): رجل تزوج رضيعتين فجاءت امرأتان ولهما منه لبن، فأرضعت كل واحدة منهما إحدى الصبيتين معًا، وتعمدتا الفساد، لا ضمان على كل واحدة منهما؛ لأن كل واحدة منهما غير مفسدة بصنعها وبنفسها خاصةً هكذا وضع المسألة في (العيون).
وفي (المنتقى): وضع المسألة فيما إذا جاءت امرأتان برجل أجنبي، لهما من ذلك الرجل الأجنبي لبنٌ، وأرضعت كل واحدةٍ منهما إحدى الصبيتين معًا وتعمدتا الفساد، وأجاب: أنه لا ضمان على واحدة منهما لأن كل واحدة منهما غير مفسدة بنفسهما وبصنعها خاصة، قال: هو بمنزلة مريض قال لامرأتين: إن دخلتما هذه الدار فأنتما طالقان، أو قال لهما: أنتما طالقان إن شئتما فشاءتا معًا، وما ذكر في (العيون) وقع سهوًا؛ لأن الفساد في تلك الصغيرة بعلّة البنتية، فإن المرضعة تصير ابنةً للزوج، وبإرضاع كل واحدة من الكبيرتين صارت الصغيرة التي أرضعتها هذه الكبيرة ابنةً للزوج، من غير أن يتوقف ذلك على إرضاع الكبيرة الأخرى، فصارت كل واحدة من الكبيرتين مفسدة نكاح الصغيرة، التي أرضعتها بصنعتها خاصة.
أما موضوع (المنتقى) صحيح؛ لأن الفساد في تلك الصغيرة بعلّة الأجنبية، والأجنبية إنما يثبت بصنعتها فلم يصر لكل واحدة منهما مفسدة بصنعها خاصة.
وفي (المنتقى): رجل تحته كبيرة ورضيعة، جاء رجل وأخذ من لبن الكبيرة وأوجر الصغيرة بانتا؛ لأنهما صارتا أمًّا وابنةً، وللصغيرة نصف المهر، وكذا الكبيرة إن لم يكن الزوج دخل بها، ويرجع الزوج بذلك على ذلك الرجل إن تعمّد الفساد.
وفي (العيون): لو كانت عنده كبيرة مجنونة أو معتوهة وصغيرة، وأرضعت الكبيرة الصغيرة حتى بانتا، لا رجوع للزوج على الكبيرة؛ لأن فعل المجنونة والمعتوهة لا يوصف بالجناية.
وفي (المنتقى): إذا كان تحت رجل صغيرتان جاءتا إلى امرأة نائمة وشربتا منها لبنًا بانتا، ولكل واحدة نصف الصداق ولا يرجع الزوج على النائمة.
وفي (الأصل): إذا تزوج الرجل صبية، ثم تزوج عمّتها وفرّق بينه وبين العمّة لا تحرم الصغيرة، فإن جاءت أم العمّة وأرضعت الصغيرة لا يفسد نكاح الصغيرة، وإن ثبتت الأختية بينها وبين العمة؛ لأن نكاح العمّة وقع باطلًا فلم يتحقق الجمع المحرم.
وفي (المنتقى): إذا تزوج امرأة نكاحًا فاسدًا ووطئها وفرّق بينهما، ثم تزوج صبية رضيعة فأرضعت أم الكبيرة الصغيرة فسد نكاح الصغيرة، يريد به: إذا كان الإرضاع في عدة الكبيرة بدليل أنه علّل وقال: من قبل أنها صارت أخت الكبيرة، والكبيرة في العدة، فعلى هذا إذا كان الإرضاع بعد انقضاء عدّة الكبيرة لا تحرم الصغيرة.
تزوج رجل ثلاث صبيات فجاءت امرأة وأرضعتهن معًا بأن حلبت لبنها في قارورة وألقمت إحدى ثدييها إحداها والأخرى الأخرى وأوجرت الثالثة معًا بِنَّ جميعًا؛ لأنهن صِرْنَ أخوات معًا، وإن أرضعتهن واحدة بعد أخرى بانت الأوليتان والثالثة امرأته؛ لأنه لما أرضعت الثانية ثبتت الأختية بين الثانية وبين الأولى، فتقع الفرقة بينه وبينهما، فإذا أرضعت الثالثة صارت الثالثة أختًا لهما إلا أنه لم يبق الجمع فلا يفسد نكاح الثالثة لهذا.
ولو أرضعت الأولى ثم أرضعت الثنتين معًا حرمن عليه؛ لأن رضاع الأولى لم يتعلق به تحريم، فإذا أرضعت الثنتين صرن أخوات وقد تحقق الجمع فيهن فيحرمن، ولو كنّ أربع صبيات فأرضعتهن واحدة بعد أخرى حرمن عليه.
وطريقه: أن بإرضاع الثانية حرمت الأولى والثانية، وبإرضاع الرابعة حرمت الرابعة والثالثة، وكذلك لو أرضعت واحدة ثم أرضعت الثلاث معًا حرمن عليه جملة، وكذلك ولو أرضعت الثلاث منهن معًا ثم أرضعت الرابعة لا تحرم الرابعة.
ولو تزوج صغيرة وكبيرة فأرضعت الكبيرة الصغيرة بانتا، ولا مهر للكبيرة إن كان قبل الدخول بها، وللصغيرة نصف المهر، وله أن يتزوج بالصغيرة إن لم يكن دخل بالكبيرة، ولا يتزوج الكبيرة؛ لأن الصغيرة ربيبته من الرضاع ولم يدخل بها، والكبيرة أم امرأته.
ولو تزوج كبيرة وصغيرتين، وأرضعتهما الكبيرة واحدة بعد أخرى؛ فإن لم يكن دخل بالكبيرة حرمت الكبيرة والصغيرة الأولى؛ لأنه حين أرضعتها فقد صارتا أمًا وابنة، فوقعت الفرقة بينهما، فحين أرضعت الثانية فليس في نكاح فبقي نكاحهما؛ لأن السابق مجرد العقد على الأم، ولا تحل له هذه الكبيرة أبدًا، وتحل له الصبية إذا فارق التي عنده، وإن كان ذلك بعدما دخل بالكبيرة حرمن عليه جميعًا؛ لأنهما صارتا ابنتيها من الرضاعة، ولا تحل له واحدة منهن أبدًا؛ لوجود الدخول بالأم، وصحة العقد ما لا يثبت.
ولو تزوج كبيرة وثلاثًا صفارًا فأرضعتهن واحدة بعد أخرى حرمن عليه، دخل بالكبيرة أو لم يدخل، أما حرمة الكبيرة والصغيرة الأولى؛ لأنهما صارتا أمًا وبنتًا، وأما حرمة الصغيرة الثانية والثالثة إن لم يدخل بالكبيرة، فلثبوت الأختية بينهما، وإن دخل بالكبيرة؛ لأن كل واحدة منهما ربيبته وقد دخل بالأم.
ولو تزوج كبيرتين وصغيرتين، ولم يدخل بالكبيرتين بعد، حتى عمدت الكبيرتان إلى إحدى الصغيرتين وهي زينب، فأرضعتاها إحداهما بعد الأخرى، ثم أرضعتا الصغيرة الثانية وهي عمرة إحداهما بعد الأخرى، بانت الكبيرتان، والصغيرة الأولى وهي زينب، والصغيرة الثانية وهي عمرة امرأته؛ لأن إحدى الكبيرتين حين أرضعت زينب بانتا؛ لأنهما صارتا ابنةً وأمًا، فحين أرضعت الكبيرة الأخرى زينب صارت أم امرأته فحرمت أيضًا، فإن أرضعتا عمرة صارت عمرة ربيبته ولم يدخل بأمها فلا يحرم.
ولو أنّ إحدى الكبيرتين أرضعت الصغيرتين واحدة بعد أخرى، ثم أرضعت الكبيرة الأخرى الصغيرتين واحدة بعد أخرى، فإن كانت الكبيرة الثانية بدأت بالتي بدأت بها الكبيرة الأولى وهي زينب بانت، الكبيرتان والصغيرة الأولى وهي زينب، والصغيرة الأخرى وهي عمرة امرأته، ولو بدأت الكبيرة الثانية بالصغيرة الأخرى حَرُمْنَ عليه جُملة.
ولو كانت تحته صغيرة وكبيرة، فأرضعت أم الكبيرة الصغيرة بانتا؛ لأنهما صارتا أختين. وكذلك لو أرضعتهما أخت الكبيرة؛ لأن الصغيرة صارت بنت أخت الكبيرة، والجمع بين المرأة وابنة أختها لا يجوز، ولو أرضعتها عمة الكبيرة أو خالتها لم تبن واحدة منهما؛ لأن الجمع بين المرأة وابنة عمها أو ابنة عمتها أو ابنة خالها جائز.
وإذا كانت تحت الرجل كبيرة وصغيرة فطلّق الكبيرة، ثم إن أخت الكبيرة أرضعت الصغيرة والكبيرة في العدة بعد؛ بانت الصغيرة؛ لأن حرمة الجمع في حالة العدة كحرمتها حال قيام النكاح.
ولو زوج رجل ابنه الصغير امرأة لها لبن فارتدت وبانت من الصبي، ثم أسلمت فتزوجها رجل فحبلت منه، وأرضعت بلبنها ذلك الصبي الذي كان زوجها، حرمت عليه زوجها الثاني؛ لأن الصبي صار ابنًا لزوجها، فكانت هذه امرأة الابن فحرمت عليه.
ولو زوج رجل أم ولده مملوكًا له وهو صغير فأرضعته بلبن السيد حرمت على زوجها وعلى مولاها؛ لأن المملوك صار ابنًا لمولاه، فحرمت على المولى لأنها امرأة ابنه وحرمت على الزوج لأنها موطوءة ابنه.
ولو تزوج صغيرة وطلقها، ثم تزوج كبيرة فأرضعت هذه الكبيرة تلك الصغيرة بلبنها أو لبن غيرها حرمت عليه؛ لأنها أم امرأته.

.نوع منه ولا تقبل في الرضاع إلا شهادة رجلين أو شهادة رجل وامرأتين عدول:

هكذا روي عن علي وابن عباس رضي الله عنهما. والمعنى: أن ثبوت الحرمة لا تقبل الفصل عن زوال الملك في باب النكاح، وإبطال الملك عن المحل لا يثبت إلا بشهادة شاهدين، وهذا بخلاف ما إذا اشترى لحمًا فأخبره مسلم أنه ذبحه مجوسي، فإنه لا يحل تناوله؛ لأن حرمة التناول تقبل الفصل عن زوال الملك، فكان هذا من باب الدين، فقبل قول الواحد فيه، وإن كان المخبر واحدًا ووقع في قلبه أنه صادق فالأولى أن يتنرّه ويأخذ بالثقة، وحط الإخبار قبل العقد أو بعده، ولا يجب عليه ذلك. وإذا شهد بذلك رجلان أو رجل وامرأتان وهم عدول لم يتسع لكل واحد منهما المقام مع صاحبه؛ لأن الحجة قد تمّت.
صبيّة أرضعها بعض أهل القرية فهو في سِعَةٍ من المقام معها في الحكم؛ لأنه لم يظهر المانع في (فتاوى أهل سمرقند). وفيه أيضًا: أدخلت المرأة حلمة ثديها فم رضيع ولم تدر أدخل اللبن في حلقه أم لا فإنه لا يحرم النكاح؛ لأن في المانع شك.
وفي آخر (فتاوى أبي الليث) رحمه الله: رجل تزوج امرأة رضيعة ومضى على ذلك زمان فقالت أم الزوج أو أختها: إني قد أرضعتها، إن قالت قد أرضعتها قبل النكاح لا يحل للزوج أن يتزوج أختها ما لم تُطلّق الرضيعة؛ لأن إقدام الزوج على النكاح إقرار منه بصحة النكاح، وإقراره حجة في حقّه. وإن قالت: أرضعتها بعد النكاح جاز له أن يتزوج بأختها قبل أن يطلقها والله أعلم.

.نوع منه:

إذا قال الزوج: هذه المرأة أمي من الرضاعة أو قال: ابنتي أو قال: أختي، ثم أراد أن يتزوجها بعد ذلك وقال: أو همت أو أخطأت أو لبست، وصدقته المرأة فهما مصدقان في ذلك وله أن يتزوجها، وهذا استحسان وإن ثبت على قوله الأول وقال: هو حق كما قلت، ثم تزوجها فرّق بينهما قياسًا واستحسانًا.
وجه القياس: أن الرجوع عن الإقرار فيما هو على المقرّ غير عامل؛ لأن الإقرار ملوم بنفسه على ما عرف.
وجه الاستحسان: أن هذا أمر قد تسببه، وقد وقع عند الناس أن بينه وبين امرأة رضاع، فيخيّر بذلك ثم يتفحص عن حقيقة الحال فيتبيّن أنه غلط في ذلك، وفيما يقع فيه الاشتباه إذا أخبر بالغلط وليس هناك من يكذبه يجب قبول خبره، ولم يوجد المكذب هنا.
وإذا أقرت المرأة أن هذا أبي من الرضاعة أو أخي أو ابن أخي وأنكر الرجل، ثم كذبت المرأة نفسها فقالت أخطأت فتزوجها فالنكاح جائز، وكذلك لو لم يتزوجها قبل تكذيب نفسها.
ولو قالت المرأة بعد النكاح: قد كنت أقررت: أنك أخي وقد قلت: إن ما أقررت به حق حين أقررت بذلك وقد وقع النكاح فاسدًا، فإنه لا يفرق بينهما، ولو كان هذا القول من الزوج يفرق بينهما.
وإذا أقرّ الرجل أن هذه المرأة أخته من الرضاعة، وثبت على ذلك وأشهد عليه شهودًا، ثم تزوجها ولم تعلم المرأة بذلك، ثم جاءت بهذه الحجة بعد النكاح فرقت بينهما، ولو أقرّا بذلك جميعًا ثم أكذبا أنفسهما وقالا: أخطأنا، ثم تزوجها كان النكاح جائزًا، وكذلك هذا في النسب، ليس يلزم من ذلك إلا ما ثبتا عليه؛ لأن الغلط والاشتباه فيه مما يتحقق، ولو تزوج امرأة ثم قال بعد النكاح هي أختي من الرضاعة أو ما أشبه، ثم قالت المرأة: أُوهمت، ليس الأمر كما قلت لا يفرق بينهما استحسانًا، ولو ثبت على هذا المنطق وقال: هو حق كما قلت، يفرق بينهما، ولو جحد بعد ذلك لا ينفعه جحوده.
والحاصل: أنّ مثل هذا الإقرار إنما يوجب الفرقة بشرط الثبات عليه، فإذا قال: أُوهمتُ فقد انعدم ما شرطه فلا يوجب الفرقة. وإذا قال بعد الإقرار: هو حق كما قلت: هذه أختي أو هذه ابنتي، وليس لها نسب معروف ثم قال: أُوهمت يصدق، وهذا بخلاف ما لو قال لعبده: هذا ابني، أو قال لأمته: هذه ابنتي ثم قال: أُوهمت، لا يصدق ويحكم بعتق العبد والأمة.
والفرق: أن الأشتباه لا يقع بين العبد وبين ابنه إلا نادرًا لأن العبد في الغالب.... لابنه في المطعم والملبس والمجلس، والنادر لا عبرة له، فلا يُعتد بقوله: أوهمت، والاشتباه بين ابنته وبين زوجته ليس بنادر بل هو غالب، لتفارقهما في المطعم والملبس والمجلس، والغالب معتبر شرعًا، ولهذا تعلّل إذا قال: أوهمت فهو الفرق بين الصورتين.
ولو قال: هذه ابنتي من النسب، قال ذلك لامرأته وثبت عليه، ولها نسب معروف لم أفرق بينهما، وكذلك لو قال: هذه أمي والأم معروفة وثبت عليه، ذلك لا يفرق بينهما؛ لأنه مكذب شرعًا فيما قال.
ولو صار مكذبًا من جهة نفسه بأن قال: أوهمت لم يفرق بينهما، فكذا إذا صار مكذبًا شرعًا. ولو قال: هي ابنتي وليس لها نسب معروف ومثلها يولد لمثله، وثبت على ذلك يفرق بينهما، فبعد ذلك إن صدقته المرأة أنها ابنته ثبت النسب وما لا فلا، وإن كان مثلها لا يولد لمثله لا يثبت النسب منه ولا يفرق بينهما؛ لأنه ثبت كذب إقراره حقيقةً، والله أعلم.

.الفصل الرابع عشر في بيان ما يجوز من الأنكحة وما لا يجوز:

قال أصحابنا رحمهم الله: لا يجوز للرجل أن يتزوج بأم امرأته دخل بها أو لم يدخل بها، وهذا لقوله تعالى: {وَأُمَّهَتُ نِسَآئِكُمْ} [النساء: 23] حرم أمهات النساء مطلقًا، وهو معنى قول ابن عباس رضي الله عنه أم المرأة.... في القرآن أي: مطلقة.
ولا يجوز أن يتزوج بابنة امرأته إن كان قد دخل بها، وإن لم يدخل بها فلا بأس لقوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّتِى في حُجُورِكُمْ مّن نِّسَآئِكُمُ اللَّتِى دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23].
وإذا جمع بين امرأتين في النكاح فالأصل في جنس هذه المسائل: أن كل امرأتين لو صورنا إحداهما من هذا الجانب أو من ذلك الجانب ذكرًا لم يجز النكاح بينهما، برضاع أو نسب لم يجز الجمع بينهما، ولو جاز لواحد منهما أن يتزوج بالأخرى، والجمع جائز كالجمع بين المرأة وابنة زوج كان لها من قبل، وإن كانت ابنة الزوج لو كان ذكرًا لا يجوز النكاح بينهما، إلا أن امرأة الأب لو كانت ذكرًا يجوز النكاح بينهما، وهذا لأن الأصل في هذا الباب ذواتي رَحِمٍ محّرم، وهناك الحرمة بائنة من الجانبين، لو صورنا إحداهما رجل أي جانب كان، وكل امرأتين هما في معناهما، ثبت هذا الحكم في حقهما وما لا فلا.
وكما لا يجوز للزوج أن يتزوج بأخت امرأته في عدة امرأته فكذا لا يجوز له أن يتزوج أحدًا من ذوات محارمها في عدتهما؛ لأنهما في معنى الأجنبي في حرمة الجمع بينهما، فلا يجوز له أن يتزوج أمّه على الحرمة؛ الحرّ والعبد في ذلك سواء عندنا، بعموم قوله عليه السلام «لا تنكح الأمة على الحرة».
ولو جمعهما في عقد صحّ نكاح الحرة وبطل نكاح الأمة؛ لأن الأمة ليست بمحلٍ حالة الضم إلى الحرة، وهذا لما عرف أن الرق في جانب النساء منقصٌ للحل كما في جانب الرجال، غير أن في جانب النساء لا يمكن إظهار النقصان في حق العدد، فأظهر بالنقصان في حق الأحوال، فجعلناها من المحللات قبل الحرة، ومن المحرمات بعد الحرة ومع الحرة، وهذا إذا كان يصح نكاح الحرة وحدها.
وأما إذا كانت الحرة لا يصح (نكاحها) وحدها فضمهما إلى الأمة لا يوجب بطلان نكاح الأمة، كما لو جمع بين حرة وأمة وللحرة زوج، فإنه لا يبطل نكاح الأمة.
قال محمد رحمه الله في (الجامع): أختان قالت كل واحدة منهما لرجل واحد قد زوجت نفسي منك بكذا، وخرج الكلامان معًا، فقبل الزوج نكاح إحداهما فهو جائز، لأن كلامهما منفصل في الأصل فلم يتحقق الجمع لا في حق الحكم ولا في حق النسب.
وفيه أيضًا: رجل له بنت كبيرة وأمة كبيرة فقال الرجل: قد زوجتهما كل واحدة منهما بكذا، فقبل الزوج نكاح الأمة كان باطلًا؛ لأن الموجب جمع بين والأمة والحرة في الإيجاب، وذلك يوجب بطلان نكاح الأمة، لكون نكاح الأمة دافعًا نكاح الحرة فإن قبل بعد ذلك نكاح الحرة جاز؛ لأن نكاحها توقف على قبوله ولم يرتد بقبول نكاح الأمة؛ لأن الإيجاب في حق الأمة باطل.
وفيه أيضًا: رجل وكّل رجلًا أن يزوجه امرأة، ووكّل رجلًا آخر يمثل ذلك، فزوجه كل واحد منهما امرأة بغير أمرها، وهما أختان من الرضاعة، وخرج الكلامان معًا فهما باطلان، وكذلك لو كان أحد النكاحين برضا المرأة أو كان كلاهما برضاهما لما ذكرنا.
وقال أبو حنيفة رحمة الله: عليه لا يتزوج الأمة في عدة الحرة، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: يتزوج في عدة المبتوتة.
هما يقولان: المحرم إدخال الأمة في نكاح الحرة لا الجمع، بدليل أن نكاح الأمة إذا كان سابقًا يجوز، ولا يتحقق الإدخال إذا كانت الحرة مبتوتة.
وأبو حنيفة يقول: بأن العدّة حق من حقوق النكاح... من... فيتحقق الإدخال. على الحرة من وجه، فيعتبر بالإدخال من كل وجه احتياطًا لأمر الحرمة.
ولو تزوج أمة وحرّة والحرة في عدة من نكاح فاسد أو عن وطئ بشبهة ذكر الحسن أنه على هذا الخلاف وغيره. قال: يجوز نكاح الأمة هنا بالاتفاق، ويجوز له أن يتزوج أخت أمته التي وطئها، وأخت أم ولده، ولكن لا يطأ الزوجة حتى تحرم الأمة وأم الولد على نفسه، بنكاح أو ببيع الأمة، فلا يجوز له أن يتزوج أخت أم ولده في عدة أم الولد، بأن أعتق أم الولد ثم أراد أن يتزوج بأختها في عدتها فإنه لا يجوز، ويجوز له أن يتزوج أربعًا، وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: يجوز نكاح الأخت والأربع؛ لأن العدة أثر ذلك الفراش، وذلك الفراش لم يكن مانعًا نكاح الأخت ولا نكاح الأربع فكذا أثره.
وأبو حنيفة رحمه الله يقول في الفرق: أن المقصود من النكاح الوطئ، وهذا الرجل باختيار عدة أم الولد غير ممنوع عن وطئ الأربع بالنكاح؛ بأن يعتقها وتحته أربع نسوة، فإن له أن يظاهر، فكذا لا يكون ممنوعًا من العقد على الأربع، وهو باعتبار عدتها ممنوع عن وطئ أختها بالنكاح، فيكون ممنوعًا من العقد عليها أيضًا، بمنزلة العدة من النكاح. وقال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله: يجوز أن يتزوج امرأة حاملًا من الزنا، ولا يطأها حتى تضع، وقال أبو يوسف وزفر رحمهما الله: لا يصح النكاح، والفتوى على قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله؛ وهذا لأن المنع من النكاح إذا كان الحمل من النكاح لأجل الحق المحترم لصاحب.... يدخل على فراشه غيره، وأما فيما يرجع إلى الحمل بنفسه فأثره في حق المنع من الوطئ؛ كيلا يصير ساقيًا زرع غيره بمائة.
وفي (مجموع النوازل): إذا تزوج امرأة قد زنى هو بها وظهر بها، حبل فالنكاح جائز عندالكل، وله أن يطأها عند الكل، ويستحق النفقة عند الكل.
في (المنتقى): قال هشام سألت محمدًا رحمه الله: رجل تزوج امرأة لم يكن لها زوج قبل ذلك وزنى بها فجاءت بولد لأم لأقل من ستة أشهر من يوم تزوجها، قال: النكاح فاسد في قولي وقول أبي يوسف رحمه الله؛ لأنه تزوجها وهي حامل، وإن جاءت بسقط استبان خلقه أو بعض خلقه لأربعة أشهر منذ تزوجها أو أكثر، النكاح جائز، وإن جاءت به لأقل من ذلك فالنكاح فاسد، قال: لأنه بلغنا أنه يكون نطفة أربعين يومًا ثم علقة أربعين يومًا ثم مضغة أربعين يومًا، فإذا أسقطت لأربعة أشهر منذ تزوجها أو أكثر من ذلك فهو ابن الزوج والنكاح جائز، قال محمد رحمه الله: والأربعة الأشهر وجبت عندي في السقط الذي استبان خلقه مثل الستة الأشهر في الولد التام.
قال: ولا نحفظ عن أبي حنيفة رحمه الله في السقط؛ الذي استبان (من) خلقه شيئًا. قال محمد رحمه الله: وإن نقص عدد الأربعة الأشهر من عشرين ومائة يعني في السقط لم أنظر فيه إلى الشهور يعني إلى الأهلّة، وإنما أنظر فيه على عدد الأيام على ما جاء في الحرمة والوقت فيه تمام مائة وعشرين يومًا، وأما الولد التام فعلى عدد الشهور.
فإن تزوجها على رأس عشرة أيام من شهر عددت لها عشرين يومًا من هذا الشهر. وخمسة أشهر بالأهلة، وعشرة أيام من الشهر السادس.
وقال أبو حنيفة رحمه الله في الحربية إذا هاجرت إلى دار الإسلام مسلمة جاز تزوجها ولا عدة عليها. وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: عليها العدة لأن البنيونة إنما وقعت بعد دخول دار الإسلام فيلزمها حكم الإسلام، ولأبي حنيفة رحمه الله قوله تعالى في آية المهاجرات: {وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] ومتى حكمنا بوجوب العدة كان حكمًا ببقاء العصمة.
والفقه فيه: أن العدة أثر النكاح. حكم الشرع به: إظهار الخطر، وهذا المعنى لا يمكن تحقيقه في نكاح الحربي الذي لا خطر لملكه، ألا ترى أنها لو سُبيت لا تجب العدة، حتى يحل للثاني وطئها بعد الاستبراء، فإن كانت حاملًا، فعن أبي حنيفة رحمه الله فيه روايتان، روى أبو يوسف عنه: أنه يجوز النكاح فلا يطأها حتى تضع، وهو اختيار الكرخي رحمه الله، وروى محمد رحمه الله عنه: أنه لا يتزوجها؛ لأن النسب ثابت وظهر الفراش في حق النسب، فكذا في حق المنع عن النكاح.
ولا يجوز وطئ كافرة بنكاح ولا ملك يمين، إلا الكتابيات، فنكاح غير الكتابية لا يجوز للمسلم بحال، ونكاح الكتابية يجوز للمسلم سواء كانت حربية أو غير حربية، غير أنها إذا كانت حربية وتزوجها المسلم في دار الإسلام جاز نكاحها من غير كراهة، وإن تزوجها في دار الحرب يجوز نكاحها ويكره هذا، هكذا ذكر محمد رحمه الله في (الأصل) واختلف المشايخ فيه، قال بعضهم: إنما يكره إذا كان من قصده، وقال بعضهم: إنما يكره إذا كان من قصده أن يطأها ثمة كما قال محمد رحمه الله المغازي: إذا دخل دار الحرب بأمته يكره أن يطأها ثمة، وقال بعضهم: إنما يكره إذا كان من قصده أن يستولدها ثمة.
والمرتدة لا يجوز نكاحها على أحد، وكذا المرتد لا يجوز نكاحه مع أحد. وإذا تزوج الرجل بجارية من اكتساب مكاتبه لا يجوز. ولو تزوج بجارية ثم استبرأه المكاتب لا يفسد النكاح، وكذا المكاتب إذا تزوج بجارية من اكتسابه لا يجوز. ولو تزوج بجارية ثم اشتراها بنفسه لا يفسد النكاح.
والفرق: أن الثابت للمولى في اكتساب المكاتب حق الملك لا حقيقة الملك، وحق الملك يمنع ابتداء النكاح ولا يمنع بقاؤه؛ لأن حق الملك ليس إلا الملك الثابت من وجه دون وجه، فاعتبار شبه الوجود إن كان يبقى النكاح، فاعتبار شبه العدم لا يبقى، فلا يجوز نكاح لم يكن بالشك، ولا يبطل نكاح قد كان بالشك.
وإذا زوج الرجل ابنته وهي بالغة برضاها من مكاتبه أو من عبده يجوز، وقد مرّ هذا فيما تقدم. وإن مات المولى ولم يدع مالًا آخر سوى هذا المكاتب وترك ابنته هذه وعصبته لا يفسد النكاح؛ لأن المرأة لا تملك شيئًا من رقبة زوجها، ولو فسد النكاح في هذه الصورة لفسد من هذا الوجه.
بيانه: أن المكاتب لا يملك بسائر أسباب الملك حقًا للمكاتب، فلا يملك بالإرث أيضًا، فإن طلقها المكاتب فإن كان الطلاق رجعيًا كان له أن يراجعها، وإن كان الطلاق بائنًا ليس له أن يتزوجها، وهذا لأنه ثبت للمرأة في رقبة المكاتب حق الملك، ولهذا لا يملك المكاتب التزوج إلا برضاها، والطلاق البائن يزيل النكاح، فهذا حال ابتداء النكاح، وحق الملك يمنع ابتداء النكاح، وأما الطلاق الرجعي لا يزيل ملك النكاح، والرجعة في حكم استدامة الملك، وحق الملك لا ينافي استدامة ملك النكاح.
ولو لم يكن شيء من ذلك، ولكن مات المكاتب بعد موت المولى وترك ثلاثة آلاف درهم ومهرها على المكاتب ألف درهم، وبدل الكتابة ألف درهم ابتداء بالمهر ثم يستوفي بدل الكتابة ويحكم بعتقه في آخر جزء من أجزاء حياته، فيكون ذلك ميراثًا عن مولى المكاتب، النصف للبنت والنصف للعصبة.
بقي هنا ألف آخر يكون ميراثًا عن المكاتب لورثته فيكون المثبت الرابع بحكم الزوجية والباقي للعصبة، وإن لم تكن الابنة في نكاح فلا شيء لها من هذه الألف وهي لعصبة المولى، وعليها عدة الوفاة ولو لم... المكاتب، ولكن عجز فسد النكاح؛ لأنها ملكت نصف رقبة زوجها.
بيانه: أن بالعجز ينفسخ عقد الكتابة وهو المانع من الإرث، وسقط كل الصداق وإن لم يدخل بها لوقوع الفرقة بمعنى من قبلها وهو يملكها شيئًا من رقبة زوجها قبل الدخول بها والله أعلم.

.الفصل الخامس عشر: في الأنكحة التي لا تتوقف على الإجازة:

والتي تتوقف على الإجازة ثم تنفذ بدون الإجازة وما يحتاج فيه إلى الإجازة.
قال محمد رحمه الله في (الزيادات): عبد أو مكاتب تزوج امرأة بغير إذن المولى يوقف ذلك؛ لأن له مجيز حال وقوعه وهو المولى، فإن عتق قبل إجازة المولى ينفذ ذلك العقد عليه من غير إجازة. والصبي إذا تزوج امرأة ثم بلغ إن أجاز ذلك العقد نفذ عند علمائنا الثلاثة رحمهم الله، وإن لم يجز لا يجوز. والفرق: أن امتناع النفاذ في حق العبد والمكاتب مع كمال أهليتهما لحقّ المولى، وحق المولى قد زال بالعتق.
وأما امتناع النفاذ في حق الصبي لقصور أهليته فلابد من الخبر........ الولي (أو) القاضي أو إجازته بعد البلوغ، فلا ينفد إلا بإجازة الولي والقاضي قبل البلوغ أوإجازته بعد لبلوغ.
مكاتب زوج عبده امرأة لم يجز ولم يتوقف؛ لأنه لا مجيز له حال وقوعه. أما المكاتب لأن تزويج العبد ليس بتجارة ولا كسب، بل هو تغييب وتنقيص للمالية، والداخل تحت ولاية المكاتب التجارة والكسب. وأما المولى؛ فلأنه اغتنى عن اكتساب مكاتبه.
ولو وكَّل المكاتب بذلك وكيلًا كان التوكيل باطلًا؛ لأن المكاتب لا يملك المباشرة بنفسه فلا يملك التعويض إلى غيره، فلو زوجه الوكيل قبل عتق المكاتب لم يجز ولم يتوقف، ولو زوجه بعد عتق المكاتب يوقف على إجازته؛ لأن الوكالة لما بطلت كان هذا فضوليًا، زوج عبد الغير وذلك الغير من أهل الإجازة وقت المباشرة فيتوقف على إجازته، ولو تزوج عبد المكاتب بنفسه بغير أم المكاتب لم يتوقف حتى لو عتق المكاتب وأجاز ذلك لا يجوز لأنه لا مجيز له. ولو تزوج بعدما عتق المكاتب جاز.
وإذا وكّل الصبي رجلًا أن يزوجه امرأة فزوجه الوكيل قبل البلوغ؛ يتوقف على إجازة الولي أو القاضي قبل البلوغ أو إجازته بعد البلوغ.
وإن زوّجَهُ الوكيل امرأة بعد البلوغ يتوقف النكاح على الإجازة أيضًا، ولكن على إجازة الصبي لا غير، وهذا لأن الوكالة حصلت عن رأي.... فلا تكون لازمة، فصار الوكيل كالفضولي فيتوقف نفاد تصرفه على الإجازة.
قال في (الجامع) عبد زوجه رجل امرأتين في عقد بغير إذنه وإذن مولاه، ثم زوجه أيضًا امرأتين في عقد كذلك، ولم يبلغه حتى عتق، فأي العقدين أجازه نفذ. وكذلك لو أجاز إحدى الأوليين ونكاح إحدى الأخريين جاز أيضًا، وهذا لأن نكاح كل واحدة وقع موقوفًا، ألا ترى أن المولى لو أجاز نكاح واحدة منهن قبل العتق جاز، وكذلك إذا أجاز العبد، إلا أن إجازة العبد كانت لا تعمل قبل العتق بحق المولى، وحق المولى قد أسقط بالاعتبار، ولو أجاز نكاحهن جملة بطل الكل؛ لأن العقد ينفد، إلا موقوفًا على إجازة اثنين، فلا يصح إجازة الكل ويصير بإجازة الكل معرضًا عن العقد فيبطل العقدان لعدم الفائدة في اتفاقهما.
ولو أجاز نكاح الثلاث منهن بأعيانهن بطل نكاحهن، وإن أجاز نكاح الواحدة الباقية بعد ذلك صح لأن عقدها بقي موقوفًا فلا يكون إجازة نكاح الثلاث فسخًا لنكاحها؛ لأن الإجازة إنما تعمل في إبطال النكاح الموقوف بعد صحة الإجازة، وإجازة الثلاث لم تصح فبقي نكاح الرابعة موقوفًا على الإجازة فتنفذ بالإجازة.
وفيه أيضًا: حرُّ تحته امرأة زوجه رجل أربع نسوة بعقد بغير أمره، فبلغه الخبر فأجاز نكاح بعضهن لم يجز؛ لأن أصل الخطاب وقع فاسدًا، أو زوجه أربع نسوة في عقود متفرقة فأجاز نكاح بعضهن جاز لأن هناك الخطاب ما وقع فاسدًا، وإن أجاز نكاحهن في هذه الصورة لم يجز وبطل نكاح الكل، حتى لو أجاز بعد ذلك نكاح بعضهن لا يجوز، ولو بانت امرأته قبل الإجازة في العقد الواحد وفي العقود المتفرقة، ثم أجاز نكاح الكل لم يجز. أما في العقد الواحد فظاهر، وأما في العقود المتفرقة؛ فلأن الموقوف على الإجازة نكاح الثلاثة لا غير.
وفي نكاح (الأصل) رجل تزوج أمة بغير إذن المولى، ثم تزوج حرّة ثم أجاز مولى الأمة نكاحها لم يجز؛ لأن الإجازة لاقت عقدًا مفسوخًا؛ لأن نكاح الأمة واقع بعد نكاح الحرة باعتبار النظر إلى ما هو المقصود من العقد وهو الملك والمحل، فانفسخ بنكاح الحرة، أو لأنه أعترض بعد عقد الأمة قبل الإجازة ما يمنع ابتداء عقد الأمة، فمنع الإجازة أيضًا، ألا ترى أنه لو تزوج امرأة نكاحها موقوفًا ثم تزوج أختها، ثم إن الأولى أجازت لم يجز، أرأيت إذا تزوج أم هذه الأمة أو ابنتها، وهي حرة قبل إجازة مولاها، ثم أجاز مولاها أكان يجوز؟ لا شك أنه لا يجوز.
وفي (نوادر ابن سماعة) عن محمد رحمه الله: عبد تزوج أمة ثم تزوج حرة ثم تزوج أمة ثم أجاز المولى، نكاحهن جاز نكاح الأمة الآخرة، ولو كان دخل بكل واحدة منهن لم يجز نكاح شيء منهن.
وفي (نوادر ابن رستم) عن محمد رحمه الله: عبد تزوج أمة ثم حرة بغير إذن المولى، فبلغ المولى فأجاز النكاحين، فنكاح الحرة جائز ونكاح الأمة باطل.
ولو كان تزوج حرة ثم أمة بغير إذن المولى، فأجاز المولى، فنكاح الحرة جائز ونكاح الأمة باطل في قول أبي حنيفة رحمه الله، وقال محمد رحمه الله: نكاح الأمة جائز ونكاح الحرة باطل؛ لأن محمدًا رحمه الله يقول: نكاح الأمة في عدة الحرة جائز.
ومما يتصل بهذا الفصل: انتقال الإجازة إلى غير من توقف العقد عليه. يجب أن يعلم أن العقد قد يتوقف على إجازة الغير ثم تنتقل الإجازة إلى غيره وتصح بإجازته وقد لا يصح انتقال الإجازة إلى غيره.
بيان الأول: إذا زوج رجل ابنة أخيه من ابنه وهما صغيران.... أخيه، إن مات الأب قبل إجازة النكاح وأجاز العم هذا النكاح قبل بلوغها صحت الإجازة ونفد النكاح، وكذلك إذا زوج الرجل ابنه البالغ بغير إذن الابن فلم يبلغه حتى صار معتوهًا فأجاز الأب ذلك النكاح جاز، وكذلك العبد إذا تزوج بغير إذن المولى ثم خرج عن ملكه إلى ملك غيره فأجاز الثاني النكاح صحت إجازته ونفذ العقد.
وكذلك به: أمة زوجت نفسها بغير إذن المولى، ثم خرجت عن ملكه إلى ملك غير البيع أو بالهبة أو بالإرث، فإن لم يحل فزوجها للمالك الثاني بأن ورثها جماعة أو... أبيه وكان الميت قد وطئها أو باعها أو وهبها. من جماعة أو من أبيه وكان الأب قد وطئها فللوارث الإجازة.
وبيان الثاني: إذا كانت الجارية تحل للثاني في هذه الصورة بأن وهبها من أجنبي، أو باعها من أجنبي، أو وهبها من أجنبي، أو من أبيه ولم يكن الأب قد وطئها، أو ورثها ابنه ولم يكن الأب وطئها، فإنه لا تصح الإجازة من الثاني، ولا يصح النكاح بإجازة الثاني.
والأصل في جنس هذه المسائل: أن الإجازة إنما لا يصح انتقالها إلى غير من توقف العقد عليه؛ إذا ثبت الحل لذلك الغير، وهو يعني ما نقل عن مشايخنا: أن الحل الثابت إذا طرأ على الحل الموقوف أبطله، أما إذا لم يثبت الحل لذلك الغير صح الانتقال إلى غير من وقع عليه، وعن هذا قلنا: إن الجارية إذا زوجت نفسها بغير إذن المولى، ووطئها الزوج ثم باعها الولي من رجل صحّت الإجازة من الثاني؛ لأن وطئ الزوج يمنع ثبوت الحل للمشتري فلم يرتفع الحل الموقوف والله أعلم.

.الفصل السادس عشر في المهور:

وهذا الفصل يشتمل على أنواع، منه في بيان ما يصح مهرًا، وفي بيان مقداره وكميتّه. قال الكرخي رحمه الله في كتابه: المهر لا يكون إلا ما هو مال أو ما هو يوجب تسليم المال، فإن سمى في العقد مالًا كان المملوك في العقد مضمومًا بالمسمى، وإن لم يسمّ كان مضمومًا مهر المثل حتى لو مات عنها قبل الدخول بها وجب مهر المثل عندنا، بناء على أن النكاح لم يشرع إلا معاوضة البيع بالمال عندنا.
والأصل فيه قوله (تعالى): {تَبْتَغُواْ بِأَمْولِكُمْ} [النساء: 24] أحلّ ما وراء المحرمات بشرط الابتغاء بالمال، فإذا سمى في العقد ما هو مَعْدوم في الحال بأن تزوجها على ما تثمر أو على ما تخرج أرضه العام، أو على ما يكتسب غلامه العام لا تصح التسمية وكان لها مهر المثل؛ لأن المعدوم لا يوصف بالمالية، ولا يصح ذكره مهرًا، وكذا إذا سمى ما ليس بمال للحال من كل وجه بأن تزوجها على ما في بطون غنمها، وعلى ما في بطن جاريته لا تصح التسمية، وكان لها مهر المثل، وكذا لو تزوجها على طلاق امرأة أخرى، أو عفو عن قصاص فلها مهر مثلها؛ لأن المسمى ليس بمال.
وإذا تزوجها على أن لا مهر لها صح النكاح ووجب لها مهر المثل. والنساء التي يعتبر مهرها بمهور من قوم أتها أخواتها لأبيها وأمها، أو لأبيها وعماتها وبنات عماتها، ولا يعتبر مهرها بمهر أمها وقوم أمها، إلا أن تكون أمها من قوم أبيها بأن كانت ابنة عم أبيها فحينئذ يعتبر مهرها؛ لا لأنها أمها؛ بل لأنها ابنت عم أبيها، وإنما يعتبر من.... من هي مثلها في الحسن والجمال والسّن والمال والبكارة، وكذلك يعتبر أن تكون تلك المرأة من بلدتها؛ لأن المهر يختلف باختلاف البلدان.
ومن المشايخ من قال: لا يعتبر الجمال في المرأة إذا كانت من أهل بيت الحسب والشرف والنسب. فإن لم توجد من قوم أبيها امرأة بهذه الصفة؛ ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في أول باب المهر أنه يعتبر مهرها بمهر مثلها من الأجانب في بلدها ولا تعتبر بمهر مثلها من قوم أمها.
وذكر هو أيضًا في مسألة اختلاف الزوجين في هذا الباب: أن على قول أبي حنيفة رحمه الله تقدير مهرها بأقرانها من الأجانب، فكان المذكور في أول باب قولهما، وإذا تزوجها ولم يُسمِّ لها مهرًا ثم سمى لها مهرًا، أو فرض لها مهرًا، أو رافعته إلى القاضي ففرض لها مهرًا جاز ويكون ذلك تقديرًا لمهر المثل.
وفي (الفتاوى): سئل أبو القاسم عن امرأة زوجت نفسها بغير مهر، وليس لها مثل في قبيلة أبيها في المال والجمال؛ قال: ننظر إلى قبيلة أخرى مثل قبيلة أبيها فيقضي لها مهر مثلها من نساء تلك القبيلة، وإنما يعتبر حالها في السن والجمال حالة التزوج.
وفي المهر حقوق ثلاثة:
حق الشرع: وهو أن لا يكون حق من عمر.
وحق الأولياء: وهو أن لا يكون أول من مهر مثلها. وحق المرأة: وهو كونه ملكًا لها، غير أن حق الشرع وحق الأولياء يعتبر وقت العقد لا في حالة البقاء، حتى لو زوجت نفسها من رجل بعشرة ثم أراد أنه عن كلها أو عن بعضها جاز، وكذلك إذا زوجت نفسها من رجل بمقدار مهر مثلها، ثم أراد أنه عن كلها أو بعضها، لا يكون للأولياء حق الاعتراض. وعن هذا قلنا: إذا تزوجها على ثوب قيمته ثمانية فلم يقبضه حتى صارت قيمته عشرة فلها الثوب ودرهمان.
ولو كانت قيمة الثوب عشرة فلم يقبضه حتى صارت قيمته ثمانية فلها الثوب لا غير؛ لأن في الوجه الثاني حق الشرع صار.... إذ قيمة الثوب وقت العقد كانت عشرة، فالانتقاص بعد ذلك لا يصير بخلاف الوجه الأول؛ لأن حق الشرع لم يصر.... لأن قيمة الثوب يوم العقد ثمانية.
وقد ذكرنا أن حق الشرع إنما تداعى وقت العقد، فروى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله: أن في الثوب وما ليس من ذوات الأمثال تعتبر القيمة يوم التسليم، وفي المكيل والموزون تعتبر القيمة يوم العقد، وهذه الرواية إنما يتضح وجهها؛ إذا لم يكن الثوب معيبًا في العقد، ووجه ذلك: أن القيمة أصل في التسليم ألا ترى أنه لو أجبرت على القبول، فتعتبر القيمة يوم التسليم، وأما المكيل والموزون فقد استحكم الوجوب في الذمة، وذكرها الدراهم سواء، فتعتبر القيمة يوم الوجوب.
وفي (نوادر ابن سماعة) عن محمد رحمه الله: إذ تزوج امرأة على قطعة فضة.... عشرة ولا تساوي عشرة مضروبة، جاز ولا يلزمه فضل ما بينهما.
ولو شرط تعليم القرآن مهرًا لا يصح؛ لأنه ليس بمال. ولو تزوجها على أن يخدمها سنة لم يجز.
ولو تزوجها على أن يرعى غنمها سنة لم يجز على رواية الأصل. وروى ابن سماعة أنه يجوز في الرعي، وقد اختلف أصحابنا رحمهم الله في هذا؛ فمنهم من يقول: بأن المنفعة صلحت مهرًا؛ لأنها متقومة بالعقد، إلا أن الزوج يمنع عن الخدمة لما فيه من الاستهانه ولا استهانة في رعي الغنم فيجوز شرطه.
ومنهم من قال بأن منفعة الحر لا تصلح مهرًا، وعلى هذا الأصل قال أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله: إذا تزوجها على خدمته سنة فلها مهر المثل. وقال محمد رحمه الله: لها قيمة خدمته، فمحمد رحمه الله يقول: بأنّ المنفعة تصلح عوضًا في سائر العقود فتصلح عوضًا في باب النكاح أيضًا، لا أنه منع من التسليم شرعًا لما فيه من الاستهانة به مع صلاحيته مهرًا فيصار إلى قيمته، كما لو تزوجها على عبد الغير ولم يجز ذلك الغير...... بأن المنافع في الأصل ليست.... ولهذا لا يضمن بالغصب، وإنما يظهر لها حكم المالية والتقويم شرعًا بالعقد ضرورة الحاجة إليها، فإذا تمّ يجب التسليم بالعقد... لا تندفع له الحاجة فبقي حكم الأصل، فلم تظهر المالية والتقويم فيجب مهر المثل.
وفي (المنتقى) عن محمد رحمه الله: إذا تزوجها على خدمت نفسه يجوز، ولو تزوجها على خدمة عبده سنة جاز بلا خلاف.
وإذا تزوجها على هذا العبد وهو ملك الغير، أو على هذه الدار (التي) هي ملك الغير، فالنكاح جائز والتسمية صحيحة، فتسمية مال الغير صداقًا صحيح؛ لأن المسمى مال معدوم، فبعد ذلك ينظر؛ إن أجاز صاحب الدار فصاحب العبد ذلك فلها غير المسمى، وصار الجواب في النكاح مع... المستحق التسمية نظير الجواب في البيع.
وإن.... المستحق لا يبطل النكاح ولا التسمية، حتى لا يجب مهر المثل، وإنما تجب قيمة المسمى بخلاف البيع، فإن في باب البيع متى لم يجز المستحق التسمية ينفسخ البيع من كل وجه حتى لا تجب قيمة المسمى.
وفي (المنتقى) ابن سماعة عن أبي يوسف رحمه الله: رجل تزوج امرأة على عبد لها فلها مهر مثلها، ولم يجعل هذا بمنزلة من تزوج امرأة على عبد غيره؛ لأن الذي له العبد لو أجاز كان جائزًا وليس كذلك المرأة.
وفيه أيضًا: إذا تزوج امرأة على عبد ورفعه إليها ووهبته للزوج، ثم استحق فالمرأة ترجع على الزوج بقيمة العبد.
وفي (الأصل): إذا تزوجها على شيء بعينه، وهلك قبل التسليم أو استحق؛ فإن كان ذلك من ذوات الأمثال رجعت على الزوج بالمثل وإلا بالقيمة، وإذا تزوجها على ألف درهم على أن ترُدّ ألفًا عليه فلها مهر المثل لأن الألف المشروط بمقابلة الألف المسمى حتى لا تؤدي إلى..... فيبقى النكاح بلا تسمية، حتى تزوجها على ألف درهم على أن تردّ عليه مائة دينار بقيمة الألف على المائة دينار وعلى مهر مثلها؛ فما أصاب الدنانير كان صرفًا يشترط فيه التقابض في المجلس، وما يخص مهر المثل يكون صداقًا وكذلك إذا تزوجها على ألف درهم على أن ردت عليه عبدًا بعينه فهو جائز، وتقسم الألف على قيمة العبد ومهر مثلها، فما أصاب قيمة العبد يكون شراءً........ العبد قبل التسليم أو وجد الزوج به عيبًا بطل ذلك القدر، وما أصاب مهر مثلها فهو صداقها.

.نوع منه: فيما إذا سمى لهامالًا وضمّ إليه ما ليس بمال:

وفي (الأصل): إذا تزوجها على ألف وعلى أرطال معلومة من خمر فليس لها الألف؛ لأن ذكر الخمر جعل كالعدم، فكأنه تزوجها على ألف، ولو تزوجها على......... وأرطال من خمر معلومة؛ بأن تزوجها قبلًا على خمسة أو ستة وأرطال معلومة من خمر فلها تمام عشرة دراهم؛ لأن ذكر الخمر يعد كالعدم فكأنه تزوجها على خمسة.
ولو تزوجها على هذا الدّن من الخمر وقيمة الطرف عشرة؛ فعن محمد رحمه الله في ذلك روايتان: إحداهما أنه يجب لها الدّن لا غير لأنه جمع بينهما.
... يصلح مهرًا وبينهما لا يصلح مهرًا فهو كما لو جمع بين الخل والخمر على ما يأتي بعد هذا إن شاء الله. وفي رواية أخرى عنه: أنه يجب مهر المثل؛ لأن الطرف لا يقصد بالعقد وإنما يقصد ما فيه، وقد لغت تسمية ما في الطرف فبلغوا تسمية الطرف بطريق التبعية.
فإذا تزوجها على ألف وعلى طلاق فلانة وقع الطلاق على فلانة؛ بنفس العقد، بخلاف ما إذا تزوجها على ألف وعلى أن يطلق فلانة؛ لأن في الفصل الأوّل أوجب الطلاق عوضًا بالعقد، والعوض ثبت بنفس العقد، وفي القصد ما أوجب الطلاق عوضًا، إنما شرط التطليق فلا يقع الطلاق ما لم تطلق. ثم إذا شرط التطليق ولم يطلق فلانة كان لها....... مهر مثلها؛ لأنها إنما رضيت بالنقصان عن مهر المثل ليحصل لها منفعة طلاق الضرة، فإذا لم يسلم لها ذلك كان لها تمام مهر مثلها كما لو تزوجها على ألف درهم وعلى كرامتها، أو تزوجها على ألف درهم وعلى أن هذي لها هدية فلم يف بالشرط والمعنى ما ذكرنا، وكذلك في كل شرط لها فيه منفعة، إذا لم يف الزوج بالشرط.
ولو تزوجها على ألف درهم وعلى طلاق ضرتها فلانة على إن ردت عليه عبدًا وقع الطلاق بنفس العقد، وانقسم الألف والطلاق على بعضها وعلى العبد، وهذا لأن الزوج بذل شيئًا: الألف والطلاق. والمرأة بذلت شيئين أيضًا: البضع والعبد فانقسم الطلاق والألف على البضع وقيمة العبد، فإذا كانت قيمة العبد وقيمة البضع سواء كان نصف الألف ونصف الطلاق عوضًا عن العبد، ونصف الألف ونصف الطلاق عن البضع صداقها، وانقسم البضع والعبد على الطلاق والألف أيضًا، وصار بمقابلة الطلاق نصف العبد ونصف البضع، ويكون طلاق فلانة في هذه الصورة بائنًا؛ لأن بمقابلة الطلاق نصف العبد ونصف البضع فيكون طلاقًا يحصل.
ثم إنما جعلنا نصف العبد ونصف البضع بمقابلة الطلاق؛ لأن المجهول إذا لم يضم إلى المعلوم فالانقسام باعتبار الذات دون القيمة، وجعل الطلاق الذي ليس بمتقوم ولا مقدر متقومًا ومقدرًا بانضمام ما هو متقوم ومقدر إليه.
فإن استحق العبد أو هلك قبل التسليم رجع بخمس مائة حصة العبد، ورجع بنصف قيمة العبد أيضًا؛ لأن نصف العبد بمقابلة نصف الطلاق. واستحقاق الجعل وهلاكه قبل التسليم يوجب قيمته على من كان...... تسليمه.
وإن كان تزوجها على ألف وعلى أن يطلق ضرتها فلانة على إن ردت عليه عبدًا.... لا يقع الطلاق على الضرّة ما لم يطلقها فصار نصف الألف صداقًا لها، والنصف ثمن العبد إذا كان قيمة البضع، وقيمة العبد على السواء، فبعد ذلك ينظر؛ إن وفّى لها بالشرط بأن يطلق فلانة فلها الخمسمائة لا غير، فإن لم يطلق فلانة فلها تمام مهر مثلها لأنها، إنما نقصت عن مهر المثل رغبة في طلاق ضرتها.... عدم حصول المرغوب كان لها تمام مهر مثلها والله أعلم.

.نوع منه: في المهر يدخل الجهالة:

الأصل: أن جهالة المسمى إذا كانت جهالة جنس تمنع صحة التمسية ويجب مهر المثل. وإن كانت جهالة وصف لا يمنع صحة التسمية وللمرأة الوسط من ذلك.
بيان الأول: إذا تزوج امرأة على دابة أو ثوب فلها مهر مثلها بالغًا ما بلغ. وكذلك إذا تزوجها على دار، لأن المسمى مجهول الجنس.... أجناس مختلفة، لاختلاف أصولها من القطن والكتاب والإبريسم والخز. وكذلك الدابة؛ لأن اسم الدابة يقع على الخيل والبغال والحمير، وأنها أجناس، وكذلك الدار؛ لأنها في معنى الأجناس المختلفة، فإنها تختلف باختلاف البلدان والمحالّ، وباختلاف الضيق والسعة وكثرة المرافق وقلتها.
بيان الثاني: إذا تزوج امرأة على عبد أو ثوب هروي ولم يصف، فالتسمية صحيحة ولها الوسط من ذلك نظرًا للجانبين، والزوج بالخيار إن شاء أعطاها الوسط؛ وإن شاء أعطاها القيمة لأن الوسط لا يعرف إلا بالقيمة، فتسليم الغير تسليم ما هو المستحق بالعقد فصارت القيمة أصلًا في التسليم والسوط من.... في زماننا أدنى التركي وأرفع الهندي، وتعتبر قيمة الوسط في الوسط على قدر غلاء السعر والرخص عندهما وهو الصحيح، وهذا إذا ذكر العبد والثور مطلقًا غير مضاف إلى نفسه، أما إذا ذكره مضافًا إلى نفسه فإن قال: تزوجتك على عبدي، أو قال.... ليس له أن يعطي القيمة؛ لأن الإضافة من أسباب التعريف كالإشارة، ولو كان العبد والثوب مشار إليه في العقد ليس له أن يعطيها القيمة فكذا هنا، والمسألة مذكورة في (السير) في أبواب الإمام.
ولو تزوجها على ثوب موصوف فكذلك الجواب في ظاهر الرواية للزوج الخيار إن شاء أعطاها غير الثوب، وإن شاء أعطاها القيمة، فروي عن أبي حنيفة رحمه الله أنه يجبر على تسليم عين الثوب، وهو قول زفر رحمه الله؛ لأن الثوب بذكر الصفة يلتحق بذوات الأمثال، ألا ترى أن يجوز السلم فيه، وعن أبي يوسف رحمه الله: إن ذكر الأجل مع ذلك يجبر على التسليم، وإن لم يذكر الأجل كان للزوج الخيار؛ لأنه إذا ذكر الأجل صار نظير السلم فيجبر على التسليم كما في السلم.
وذكر (البقالي): إن في الثياب الموصوفة روايتان.
ولو تزوجها على كر حنطة ولم يصف، فإن شاء أعطى كرًا وسطًا، وإن شاء أعطى القيمة، فروي عن أبي حنيفة رحمه الله أنه يجبر على تسليم الكر، وهو قول زفر رحمه الله بخلاف العبد على هذه الرواية، فإن هناك لا يجبر على تسليم العبد مع أن الواجب في الصورتين جميعًا الوسط؛ لأن العبد من ذوات الأمثال، فطريق معرفة الوسط فيه القيمة فكانت القيمة أصلًا في التسليم فلا كذلك الحنطة؛ لأنها من ذوات الأمثال، فيمكن معرفة الوسط منها بدون القيمة فلم تكن القيمة أصلًا في التسليم ثمة.
والجواب في سائر المكيلات والموزونات نظير الجواب في الحنطة. وإذا تزوجها على شيء مما يكال أو يوزن فسمى منه كيلًا أو وزنًا معلومًا من صنف معلوم فلما ما سمى من ذلك، وإن جاء بقيمته دراهم أو دنانير لم تجبر المرأة على القبول بخلاف الحيوان والثوب الهروي، هكذا ذكر الشيخ الإسلام رحمه الله في (النوادر).
إذا تزوجها على مكيل ووصفه بحيث يكفي مثله في السلم لا يجبر على قبول القيمة، وإن قصر في الوصف وترك شيئًا مما يشترط في السلم أجبرت على قبول القيمة، وهو قول زفر رحمه الله.
ولو تزوجها على بيت فاسم البيت في عرفنا ينصرف إلى المبني من المدر، فإنه لا يصلح صداقًا إذا لم يكن تعينه. وفي (نوادر ابن سماعة) عن محمد رحمه الله: إذا تزوجها على ألف رطل خل فإن كان الغالب في ذلك البلد خل التمر فهو عليه، إن كان الغالب خل الخمر فهو عليه، وكذلك لو تزوجها على كذا رطل لبن فهو على الغالب من ذلك، فإن لم يكن واحد منهما غالبًا فلما مهر المثل، لأن هذا من جنسين، ألا ترى أنه لو اشتراه على أنه خل خمر، فإذا هو خل تمر كان البيع فاسدًا.
ولو تزوجها على كر تمر فلها كر تمر وسط، قال: لأن هذا جنس واحد.
وفي (المنتقى) عن محمد رحمه الله، قال أبو حنيفة رحمه الله: إذا تزوج امرأة على ما له من الحق من هذه الدار، قال: أفرض لها مهر المثل لا أجاوزنه قيمة الدار، وفي قولنا: لها ما كان من الحق في الدار لا غير، إذا بلغ ذلك عشرة.
وفي (المنتقى): أيضًا عن أبي حنيفة رحمه الله: إذا تزوجها بنصيبه من هذه الدار، فلها الخيار إن شاءت أخذت النصيب، وإن شاءت أخذت مهر المثل لا يجاوزنه قيمة الدار.
وفيه أيضًا: إذا تزوجها على دراهم ولم يسم كم هي فلها مهر مثلها، قال: لا يشبه هذا الخلع، ولو قال: تزوجتك على ثوب يساوي خمسين درهمًا فلها مهر المثل، وقال أبو حنيفة: إذا تزوجها على قيمة هذا الثوب فلها مهر المثل عن محمد رحمه الله: إذا تزوجها على ألف فهذا على أقربهما على مهر مثلها من الدراهم والدنانير، وإذا تزوجها على ألف دينار ولم يسم نيسابوريًا أو تجاريًا أو ملكنا فقد قيل: يجب مهر المثل لأن اسم الدينار يقع على جميع هذه الأنواع، وكان المسمى مجهولًا، وقيل لها الوسط، وهو التجاري؛ لأن هذه جهالة نوع، فلا تمنع صحة التسمية وينصرف إلى الوسط، كما في العبد والثوب الهروي.
وفي (الجامع الأصغر): إذا تزوجها على دراهم وفي البلد نقود مختلفة ينصرف إلى الغالب، وإن لم يكن نظر إلى مهر مثلها وإلى تلك النقود ما بها وافق مهر المثل حكم لما به.
وإذا تزوجها على ناقة من إبله هذه فلها مهر مثلها في قول أبي حنيفة رحمه الله، وقال أبو يوسف رحمه الله: يعطيها ما شاء من تلك الإبل.
روى بشر في (نوادره): وكذا لو تزوجها على ملأ هذا البيت أو هذا الجوالق أو هذا الرطل حنطة، فلها مهر المثل عند أبي حنيفة رحمه الله، وعند أبي يوسف رحمه الله لها المسمى فإن أو الجوالق صدق في مقداره.
قال في (البقالي): عقب ذكر مسألة... وكذلك إذا تزوجها بوزن هذا الحجر، أو بقية هذا العبد، أو بجميع ما يملك أو على مهر فلانة ولو تزوجها على حكمها أو حكم أجنبي أو حكمه فالتسمية فاسدة، فبعد ذلك ينظر، إن شرط حكمه وحكم مهر المثل أو أكثر فلما ذلك، وإن حكم بالأول فلها مهر المثل إلا أن ترضى المرأة، وإن شرط حكمها وحكمت بمهر المثل، أو أقل فلها ذلك، وإن حكمت باأكثر فلها مهر المثل إلا أن يرضى الزوج. وإن شرط حكم أجنبي، فإن حكم بأقل من مهر المثل لم يجز إلا برضى المرأة، وإن حكم بأكثر من مهر المثل لم يجب إلا برضى الزوج، وإن حكم بمهر المثل جاز حكمه ولا يتوقف على الرضى والله أعلم.

.نوع منه في الرجل يتزوج امرأة على مهر فهو حد على خلاف ما سمى:

قال أبو حنيفة رحمه الله: إذا تزوج امرأة على عبد معين، أو دن من خل معين، أو شاة ذكية معينة، فوجد العبد حرًا أو الخل خمرًا أو الشاة ميتة، فلها مهر المثل في جميع ذلك.
وقال أبو يوسف رحمه الله: لها مهر مثل ذلك العبد عندنا ومثل ذلك الدن من خل وسط، ومثل تلك الشاة ذكية.
وقال محمد رحمه الله: في الميتة كما قال أبو حنيفة. في الخمر الخمر كما قال أبو يوسف رحمه الله.
هذه المسألة في الحاصل، بناء على أصل معروف في البيوع: أن الإشارة مع التسمية إذا اجتمعوا والمشار إليه من خلاف جنس المسمى، فالعبرة للتسمية. وإن كان المشار إليه من جنس المسمى إلا أنهما يختلفان وصفًا فالعبرة للإشارة بعد هذا. قال أبو يوسف رحمه الله: الحر مع العبد والخل مع الخمر جنسان مختلفان؛ لأن أحدهما مال يصلح صداقًا، والآخر ليس بمال لا يصلح صداقًا، يتعلق الحكم بالتسمية والمسمى حال، فاعتبرت الإشارة لبيان وصف المسمى، كأنه قال: علي مثل هذا العبد في الوصف فكذا في الخل والشاة. محمد رحمه الله يقول: الخل من الخمر جنسان مختلفان؛ لأن المطلوب من كل واحد منهما غير المطلوب من الآخر، وأما الحر مع العبد جنس واحد؛ لأن منفعة الحر مع العبد تحصل على نمط واحد، فكانت العبرة للإشارة. والمشار إليه لا يصلح مهرًا، فصار كأنه قال: تزوجتك على هذا، أو سكت.
وأبو حنيفة رحمه الله يقول: اختلاف الجنس باختلاف الصورة والمعنى؛ لأن قيام الشيء بالصورة والمعنى، وصورة الخل والخمر تنفي معنى المجانسة من وجه، فلم يسقط حكم الإشارة فيجب مهر المثل.
ولو سمى حرامًا وأشار إلى حلال بأن قال: تزوجتك على هذا الخمر، وأشار إلى الخل.
وتزوجتك على هذا الحر وأشار إلى العبد، فلها المشار إليه في ظاهر قول أبي حنيفة رحمه الله، وهو قول أبي يوسف رحمه الله اعتبار الإشارة.
عن محمد عن أبي حنيفة رحمها الله: أن يجب مهر المثل لأنه.... التسمية مسقط حكم التسمية أصلًا، وعن محمد رحمه الله: أن لها المشار إليه، وفي رواية أخرى عنه أن لها مهر المثل.
ولو جمع بين حر وعبد وخل وخمر فقد روي عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمهما الله: إن لها الحلال المشار إليه لا غير، إذا بلغ عشرة وإلا....، وفي رواية مهر المثل أخرى عنه إذا كان الحلال أقل من مهر المثل، فإنه يبلغ.
وقال أبو يوسف رحمه الله: لها العبد، وقيمة الحر لو كان عبدًا، وقال محمد رحمه الله: لها الحلال المسمى لا غير.
في (نوادر ابن سماعة): رجل تزوج امرأة على شيء، وأشار إلى شيء بعينه وسمى شيئًا سواه وكانا جميعًا حلال فلها مثل الذي سمى، وإن كان أحدهما حرامًا، إما الذي سمى، وإما الذي أشار إليه فلها مهر المثل، قال: لا يشبه: إذا كانا حلالين، إذا كان أحدهما حرامًا، معنى قوله في ابتداء المسألة: أشار إليه بعينه وسمى شيئًا سواه، وسمى نوعًا آخر. الحاصل: في النوعين يعتبر المسمى على ما ذكرنا فإذا كانا حلالين يجب مثل المسمى، وإذا كان أحدهما حرامًا يجب مهر المثل.
بيانه: إذا تزوجها على هذا الثوب الهروي، فذا هو مروي فلها ثوب هروي مثل جودة التي رأته، وكذلك إذا تزوجها على هذا الدن الخل، فإذا هو طلاء فلها خل مثل كيل الطلي.
وإن قال: على هذا الدن من الخمر فإذا هو خل فلها مهر المثلها، قال.... جعلنا على التسمية.... نوعان وهما إحدى الروايتين عن محمد رحمه الله على ما ذكرنا.
ولو تزوجها على هذه الشاة الميتة فإذا هي ذكية أو هي حية، قال: هذا نوع واحد فيقع العقد على المشار إليه ولا تعتبر فيه التسمية، وكان المشار إليه ميتة فلها مهر مثلها، وإن كان قد سمى ذكية، وإن المشار إليه ذكية أو حية فلها ذلك، وإن كان قد سمى ميتة.
وذكر الحسن عن أبي يوسف رحمه الله في (كتاب الاختلاف): إذا تزوج امرأة على عبد وهو لا يعلم حاله، فإذا هو حر فلها قيمته، وإن كانت تعلم أنه حر فلها مهر مثلها، وإن كان مدبرًا أو مكاتبًا أو أم ولد وهي تعلم بذلك، أو لم تعلم وكان مشكلًا وقت العقد فلها قيمته.
وفي (نوادر إبراهيم) عن محمد رحمه الله: إذا تزوج امرأة على هذه الشاة، فإذا هي خنزير فلها مهر مثلها في قول أبي حنيفة رحمه الله، وفي قول أبي يوسف رحمه الله.
وقولنا عليه قيمة شاة وسط.
وفي (نوادر ابن سماعة): عن محمد رحمه الله: إن عليه شاة وسط.
وقال محمد رحمه الله في (الإملاء): إذا تزوجها على هذه الشاة فإذا هي خنزيرًا، أو على هذا الخنزير، فإذا هي شاة وهي تعلم حالة المشار إليه، فالنكاح على المشار إليه، ولا تعتبر فيه التسمية فبعد ذلك ينظر إن كانت المشار إليه حلالًا فلها ذلك مهرًا وليس لها غير ذلك، وإن كان حرامًا فلها مهر مثلها.
قال: ألا ترى أن رجلًا لو قال لآخر: ابتعتك هذا الخنزير بألف، وأشار إلى الشاة وهما يعلمان أنها شاة، فالبيع جائز وكذلك إذا قال لغيره: ابتعتك هذا الخنزير بألف وأشار إلى عبد وهما يعلمان أنه عبد فالبيع جائز، وإن كان مشكلًا فالبيع باطل في قولهم، وهذه المسألة مع أجناسها بناء على أصل أن الإشارة مع التسمية إذا اجتمعنا والمشار إليه خلاف جنس المسمى، إنما يتعلق العقد بالمسمى: إذا لم يعلم المتعاقدان حال المشار إليه، أما إذا علم المتعاقدان حال المشار إليه فالعقد يتعلق بالمشار إليه، وسائل هذا الأصل مذكورة في (الزيادات) في باب الوكالة بالشيء يكون على غير ما أمرته.
وفي (المنتقى) عن محمد رحمه الله: إذا تزوج امرأة على أرض وحددها على أن فيها نخلًا فيها عشرة،أجرته ببعضها المرأة فإذا تبينت أجرته وكان ذلك مثل أن يزرعها فلها الخيار؛ إن شاءت أخذت الأرض ولا شيء لها غيرها، وإن شاءت ردت الأرض وأخذت أو وهبتها وسلمتها ثم علمت أنها سنة أجرتها فلا شيء لها غير الأرض؛ لأن الزوج يقول لها: ردي الأرض وخذي قيمة عشرة أجرته، وكذلك اللؤلؤة إذا انتقصت من وزنها، والثياب إذا انتقصت من ذراعها، ولو لم يكن باعها فلا.... ولكن غلب عليها دجلة أو نحوها من الأنهار مجرى فيها فصارت مستهلكة ثم ملحت لها سنة أجرته رجعت على الزوج بتمام قيمة الأرض.
وكذلك إذا تزوجها على عشر أثواب هروية... على أن كل ثوب منها عشاري فوجد كلها.... فهي بالخيار إن شاءت أخذتها وإن شاءت ردتها وأخذت قيمتها لو كانت عشارية على مثل حالة التي هي عليه، فإن وجدت كلها عشارية إلا واحدة منها فإنها.... فهي بالخيار، إن شاءت أخذت الثياب العشارية وردت الثوب الذي وجدته ساعيا وأخذت قيمته لو كانت عشارية على مثل جودته ورفعته.
وإذا تزوج امرأة على الأرض على أن فيها ألف نخلة وحددها، أو تزوجها على دار وحددها على أنها مبنية بالآجر والجص والساج، فإذا الأرض لا يخيل منها، والدار لا بناء فيها، فهي بالخيار، إن شاءت أخذت الدار والأرض ولا شيء غير، وإن شاءت أخذ مهر مثلها، وإن طلقها قبل أن يدخل بها لم يكن لها إلا نصف الأرض ونصف الدار على وحدتها عليه إلا أن تكون متعتها أكثر من ذلك فيكون الخيار للمرأة، إن شاءت أخذت نصف الأرض ونصف الدار لا شيء غير ذلك، وإن شاءت أخذت المتعة والله أعلم.

.نوع منه في الشروط في المهر:

إذا تزوج امرأة على ألف درهم أو على ألفي درهم فالنكاح جائز ويحكم مهر المثل عند أبي حنيفة رحمه الله، فإن كان مهر مثلها ألف أو أقل فلها ألف، وإن كان ألفان أو أكثر فلها الألفان، وإن كان أكثر من ألف أو أقل من ألفي فلها مهر مثلها.
فالحاصل: أن عنده لا ينقص عن الأقل، ولا يزاد على الأكثر، وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله لها الألف في الوجوه كلها، وهذه المسألة بناء على أن الموجب الأصل في باب النكاح عند أبي حنيفة رحمه الله مهر المثل، وإنما يصار إلى المسمى عند صحة التسمية من كل وجه، وعندهما الموجب الأصلي المسمى، وإنما يصار إلى مهر المثل عند فساد التسمية من كل وجه وعلى هذا الأصل مسألة ذكرها محمد رحمه الله في (الجامع الكبير) وصورتها:
إذا تزوج امرأة على ألف حالة أو على ألف إلى سنة فعلء قول أبي حنيفة رحمه الله: يحكم مهر المثل، وإن كان مهر مثلها ألف درهم أو أكثر فلها ألف حالة، وإن كان أقل من ألف فلها إلى سنة وعلى قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله: لها ألف إلى سنة على حال، وهذا لأن تأخير الأجل في نقصان المالية، ولهذا التجار يشترون بالنقد بأقل مما يشترون بالنسيئه ولما كان هكذا كان الزوج على ألف حالّة أو ألف نسيئة بمنزلة... الزوج على ألف أو على ألفين.
وهناك الجواب على الاختلاف كذا هنا، فلو كان تزوجها على ألف حالة أو على ألفين إلى سنة، فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله إن كان مهر مثلها ألفي درهم أو أكثر كانت المرأة بالخيار؛ إن شاءت أخذت ألفي درهم إلى سنة وإن شاءت أخذت ألفًا حالة؛ لأن المرأة رضيت عن نقصان مهرها على كل حال.
بعد هذا نقول: الألف أزيد وصفًا وأنقص قدرًا، والألفان أزيد قدرًا أو أنقص وصفًا لما من أن المؤجل أنقص من المال والإنسان مدة يختار هذا لتعجله، ومدة يختار دارًا لكبرته. وإن كان مهر مثلها أول من الألف فالخيار إلى الزوج يعطيها أي المال شاء لأنه..... إحدى الزيادتين، فكان الخيار كما في جانب المرأة.
وإن كان مهر مثلها أكثر من ألف، أو أقل من ألفين فلها مهر مثلها في قول أبي حنيفة رحمه الله لما ذكرنا: أنه إنما يعدل عن مهر المثل عنده عند استقرار التسمية، وعندهما الخيار إلى الزوج في الوجوه كلها؛ لأنه لا يلزمه للأول، والأول مما يختاره الزوج.
فرّق أبو حنيفة رحمه الله بين هذا وبين الخلع على ألف أو ألفين، والإعتاق على ألف أو ألفين، فإن هناك جوابه كجوابهما.
والفرق أنه ليس للخلع موجب أصلي يُصار إليه فيجب المتيقن من المسمّي، فالنكاح موجب أصلي، وهو مهر المثل لا يعدل عنه إلا بعد استقرار التسمية. إذا تزوجها على ألف إن لم يخرجها من البلدة، وعلى ألفين إن أخرجها فالنكاح جائز، والمعتبر في المهر الشرط. فإن وفّى به الأول فلها المسمى على ذلك الشرط، وإن لم يف فلها مهر المثل لا ينقص عن الأول، ولا يزاد على الأكثر، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: الشرطان جائزان.
وفي (فتاوى أهل سمرقند): إذا تزوج امرأة على ألف إن كانت قبيحة وعلى ألفين، إن كانت جميلة. فإن كانت جميلة؛ فلها الألفان. وإن كانت قبيحة فلها الألف، وهذا بلا خلاف، وفرّق أبو حنيفة رحمه الله بين هذا وبين ما إذا تزوج على ألف وبينما إذا تزوجها على ألفين إن أخرجها من القرية، وعلى ألفين إن لم يخرجها فإن الشرط الأول جائز عنده، والشرط الثاني فاسد. والفرق أن في مسألة الإخراج دخلت المخاطرة في التسمية فإنه لا يدري أن الزوج يخرجها أو لا يخرجها.
وفي مسألة القبح والجمال والمخاطرة أصلًا، فإن المرأة على صفة واحدة قبيحة كانت أو جميلة، لكن الزوج لا يعرف وجهالته لا توجب الخطر. وذكر نجم الدين النسفي رحمه الله في شرح (الشافي): أن من تزوج امرأة على ألف إن كانت أعجمية وعلى ألفين إن كانت عربية وجعلها بمنزلة شرط الإخراج من البلدة. وما ذكر من الفرق يشكل بهذه المسألة.
وإذا تزوجها على هذا العبد أو على هذا العبد بحكم مهر المثل عند أبي حنيفة رحمه الله فإن كان مهر مثلها مثل ذويها قيمة فلها الأدون إلا أن يرضى الزوج بالأرفع، فإن كان مثل أرفعها قيمة فلها الأرفع إلا أن ترضى المرأة بالأدون، وإن كان فيما بين ذلك فلها مهر المثل.
وفي (المنتقى): إذا قال لامرأة: أتزوجك على ألف على أن تزوجيني فلانة بمهر من عندك يعطها إيّاه وتزوجها على ذلك كان النكاح بحصتها من الألف إذا قسم على مهرها فليس (لها) أن تزوجه فلانة.
ولو قال: أتزوجك على أن تزوجيني فلانة بألف، فقبلت ذلك وتزوجت، فهذه امرأة قد تزوجت بغير مهر مسمى فلها مثل نسائها. كرجل تزوج امرأة على ألف على أن تردّ عليه ألف درهم، ولو أن المرأة التي شرط نكاحها ووجب....... بخمس مائة جاز، ونكاح الأولى على ما وضعت لك بغير مهر مسمى.
وفيه أيضًا: لو تزوج امرأة على أن يهب لأبيها ألف درهم، فهذا الألف لا يكون مهرًا ولا يجبر على أن يهب، ولها مهر مثلها، وإن سلّم الألف فهو للواهب وله أن يرجع فيها إن شاء.
ولو قال له: على أن أهب له عنك ألف درهم فالألف مهر إن طلقها قبل الدخول، وقد وقع الهبة.... عليها بنصف ذلك وهي الواهبة.
وفيه أيضًا: لو تزوجها على أن يعطيها عبد فلان، فالنكاح جائز والشرط باطل.
ابن سماعة عن محمد رحمه الله: رجل تزوج امرأة على ألفين، ألفًا لها وألفًا لأبيها، أو قالت المرأة زوجت نفسي منك على ألفين ألفًا لي وألفًا لأبي فذلك جائز والألفين لها.
وعنه أيضًا: رجل تزوج ابنة من رجل على ألفي درهم وأشهد على نفسه أنه زوج فلانة من فلان بألفي درهم على أن عليّ ألف درهم من مالي، وعلى فلان ألف درهم، فقبل الزوج بالمهر فالمهر كله على الزوج والأب ضامنٌ عنه من ألف درهم. فإن أخذت المرأة ذلك من أبيها أو ميراثها كان للأب أو لورثته أن يرجع بذلك على الزوج؛ لأن قول الأب على أنّ ألف درهم عليّ من مالي بمنزلة الضمان لذلك، والزوج لما قبل العقد بالمهر فقد أجاز ذلك الضمان فصار كأنه أمره به.
وفي (نوادر ابن هشام) عن محمد رحمه الله: أولياء المرأة إذا قالوا للذي يريد أن يتزوجها: زوجناك على ألف درهم على أن مائة منها لك فهو جائز، والمهر تسعمائة ولو قالوا: زوجناك على ألف درهم على أن لنا خمسين دينارًا فالدراهم والدنانير كلها للمرأة.
وعنه أيضًا: رجل تزوج امرأة على خادم على أن يخدم الخادم الزوج ما عاش، قال: إن كان مهر... المرأة مثل قيمة الخادم فلها مهر مثلها إلا أن يشاء...... الزوج لها الخادم بغير خدمة.
فروى بشر عن أبي يوسف رحمه الله: رجل تزوج امرأة على جارية على أن له خدمتها ما عاش أو في بطنها، قال: الجارية وما في بطنها وخدمتها كلّه للمرأة وكذلك الغنم، ولو قال: على أن أصوافها لي فالصوف له استحسانًا.
الحسن بن زياد في كتاب (الاختلاف) عن أبي يوسف رحمه الله. رجل (قال) لامرأته أتزوجك على ألف على أن أهب لك عبدي فداء، فتزوجها على ذلك قال: إن دفع الذي سمى فهو مهرها، وإن أبى (أن) يزيد لا يجبر عليه، فكان عليه مهر مثلها لا يجاوز بذلك الألف، ولا قيمة العبد، وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله.
ابن سماعة عن محمد رحمه الله: امرأة زوجت نفسها من رجل على أن أبرأ فلانًا ممّا له عليه من (الدين) بدين:... فلان منه، ولها على الزوج مهر مثلها، وعن أبي يوسف رحمه الله في (الأمالي): إذا زوج ابنته على أن يبرئه من الدين الذي له عليه أو زوجت المرأة نفسها على أن يبرئها من الدين الذي له عليها وهو كذا فالبراءة جائزة ولها مهر مثلها.

.نوع منه في الزيادة في المهر وما في معنى الزيادة:

الزيادة في المهر صحيحة، قال: قيام النكاح عند علمائنا الثلاثة خلافًا لزفر رحمه الله والخلاف فيه نظير الخلاف في الزيادة في الثمن. هكذا ذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في شرحه.
وفي (المنتقى) ذكر أبو سليمان عن أبي يوسف رحمه الله أن الزيادة في المهر جائزة عند أبي حنيفة رحمه الله، وفي قول أبي يوسف رحمه الله لا يجوز.
وفي (فتاوى أبي الليث) رحمه الله: أن الزيادة في المهر بعد الفرقة باطلة، وهكذا روى بشر عن أبي يوسف رحمه الله، وصورة ما روى بشر: إذا طلق امرأته ثلاثًا قبل الدخول بها أو بعده، ثم رادّها في المهر لم يصح، وكذلك إذ انقضت عدة المطلقة طلاقًا رجعيًا ثم رادّها في المهر بعد ذلك لم تصح الزيادة.
وفي القدوري: أن الزيادة في المهر بعد موت المرأة جائزة عند أبي حنيفة رحمه الله، وعندهما لا يجوز.
وفي (فتاوى أبي الليث) إذا وهب المرأة مهرها من زوجها، ثم إن الزوج بعد ذلك أشهد أن عليه لها كذا من المهر تكلموا فيه. واختار الفقيه أبو الليث رحمه الله: أنه يجوز إقراره لأنه أمكن تجويز إقراره بأن يجعل الزوج زائدًا لها في مهرها فينقضي هذا الإقرار وأمكن جعله زائدًا لها، فإن الزيادة في المهر بعد هبة المهر صحيحة.
وإذا تزوجها بألف درهم، ثم جدّد العقد بألفي درهم، فعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله لا تثبت الزيادة، فيكون مهرها ألف درهم. وعلى قول محمد رحمه الله: تثبت الزيادة ويكون مهرها ألفا درهم. هكذا ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في شرح النكاح، وذكر شمس الأئمة السرخسي في شرحه: أن على قول أبي حنيفة رحمه الله تثبت زيادة المهر، وعلى قولهما لا تثبت الزيادة. وفي شرح (مختصر الطحاوي): أن على قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تثبت الزيادة، وعلى قول: لا تثبت الزيادة. وفي (إقرار المختصر): أنه لا تثبت الزيادة من غير خلاف.
وإذا تزوج امرأة على صداق في السّر وسمع في العلانية بأكثر، من ذلك فالمسألة على وجهين:
الأول: أن يتواضعا في السر على مهر ثم يتعاقدا في العلانية بأكثر فيقول: إن كان ما تعاقدا عليه في العلانية من.... عليه في السر، إلا أنه أكثر مما تواضعا عليه في السر، فإن اتفقا على المواضعة وأشهد الرجل عليها أو على وليها أن المهر هو المسمى في السر والزيادة سمعه والمهر ما تواضعا عليه في السر. وإن اختلفا وادعى الزوج المواضعة في السر على ألف وأنكرت المرأة المواضعة على ذلك فالمهر هو المسمى في العقد ويكون القول قول المرأة إلا أن يقوم الزوج ببينة.
وذكر ابن سماعة في (نوادره) عن محمد رحمه الله: إذا أشهد الزوج على نفسه في السّر أن المهر (الذي) يريد أن يتزوج عليه ألف، ثم أشهد على نفسه من الغد بألفين قال أبو حنيفة رحمه الله: المهر ألفان.
وقال أبو يوسف رحمه الله: إذا أشهدت الشهود أنه قد أشهدها في السّر أن المهر ألف وأنه يسمع بألفين فالمهر ألف، قالوا: هذا خلاف ما حكي عن أبي حنيفة رحمه الله في الأصل، وإن كان ما تعاقدا عليه في العلانية من خلاف جنس ما تواضعا عليه؛ فإن لم يتفقا على المواضعة فالمهر (هو) المهر المسمى في العقد، وإن اتفقا على المواضعة ينعقد النكاح (على) مهر المثل.
الوجه الثاني: أن يتعاقدا في السر ثم أقرّ في العلانية بأكثر من ذلك فإن اتفقا على.... في السر أو أشهد أن الزيادة في العلانية سمعه والمهر هو المذكور عند العقد في السر.
وأما إذا لم يشهد أن الزيادة في العلانية سمعه. ذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله أن على قول أبي حنيفة: المهر مهر العلانية فيكون هذا منه زيادة لها في المهر، وعلى قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله هو الأول.
وفي (شرح مختصر الطحاوي): أن على قول أبي يوسف رحمه الله المهر هو الأول، وعلى قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله: المهر مهر العلانية، فيكون زيادة على المهر الأول سواء كان من جنسه أو من خلاف جنسه، غير أنه كان من خلاف جنسه فجميعه يكون زيادة على المهر الأول. وإن كان من جنسه فتقدر الزيادة على المهر الأول تكون زيادة.
فروى ابن سماعة في (نوادره): وإنما تتأكد الزيادة إما بالدخول بها أو بالخلوة الصحيحة أو بموت أحدهما، حتى لو وقعت الفرقة بينهما قبل وجود واحد من هذه الأشياء بطلت الزيادة وينتصف الأصل دون الزيادة.
وذكر شيخ الإسلام رحمه الله: أنهما إذا تعاقدا في السر بألف وأظهرا في العلانية خلاف ذلك ثم اختلفا فقال الزوج: ما أوردت به في العلانية هزل. وقالت المرأة: لا بل جد، فالقول قول المرأة، والمهر هو المذكور في العلانية إلا أن يقوم الزوج ببيّنة على ما ادعى.
إبراهيم عن محمد رحمه الله: قالت لِرَجلٍ: زوجتك نفسي على ألف فقال الزوج قبلت النكاح بألفين، فالنكاح جائز على الفين كأنه زادها ألفًا.
إبراهيم عن محمد رحمه الله: رجل زوج أمته من رجل على مهر معلوم ثم أعتقها ثم زادها الزوج في المهر شيئًا معلومًا؛ فالزيادة للمولى؛ لأن الزيادة في أصل النكاح. فروى ابن سماعة عن أبي يوسف رحمه الله أن الزيادة لها، ولا أجبر الزوج على دفع الزيادة............
وفي (فتاوى الفضلي): إذا طلّق امرأته ثم راجعها فقال لها: زدت في مهرك لا يصلح لمكان الجهالة ولو قال لها: راجعتك بمهر ألف درهم فإن قبلت المرأة ذلك وإلا فلا؛ لأن هذه زيادة في المهر فيتوقف على قبولها.
قال محمد رحمه الله في (الجامع): عبد تزوج أمة بغير إذن مولاها على مائة درهم فقال الزوج للمولى: أخِّر النكاح فقال المولى: أخرته على أن تزيد في الصداق خمسين درهمًا، فإن رضي الزوج فذلك صح وتثبت الزيادة، وإن لم يرض به لم تثبت الإجازة. الأصل في جنس هذه المسائل: أن تعليق الإجازة في النكاح الموقوف بقبول الزوج زيادة مال على المسمى صحيح، وكذلك بقبول مال آخر سوى المسمى، وتعليقه بسائر الشروط لا يصح، وهذا لأن الإجازة لها حكم ابتداء العقد على ما عرف في مواضع كثيرة، وتعليق أصل العقد بقبول الزوج المال صحيح، ولا يصح تعليق سائر الشروط فكذا تعليق الإجازة.
إذا ثبت هذا جئنا إلى تخريج المسألة فنقول: المولى أثبت الإجازة معلقة بشرط رضا الزوج بزيادة خمسين درهمًا؛ لأن كلمة (على) كلمة شرط، وقد صحّ التعليق لما ذكرنا.
فإن رضي الزوج بالزيادة ثبتت الإجازة لوجود شرطها. قال: ولا يكون كلام المولى ردًّا للعقد بمائة حتى لو أجاز النكاح بمائة قبل رضا الزوج بالزيادة صح، ولو ردّه ينفسخ؛ لأن هذا التماس الزيادة في الصداق، وذلك يقتضي تقدير الأصل لا ردّه.
وكذلك الجواب فيما إذا قال المولى: لا أجيز النكاح إلا بزيادة خمسين درهمًا أو قال: لا أجيز النكاح حتى تزيدني خمسين درهمًا. ولو قال: لا أجيز النكاح ولكن زدني خمسين درهمًا أو قال: لا أجيزه إن زدتني خمسين درهمًا كان هذا من المولى نقضًا للنكاح حتى لو أجاز بعد ذلك بالمائة لا يجوز، وكل جواب عرفته في المولى مع الأمة فهو الجواب في الولي يزوج البالغة بغير أمرها فيبلغها فتجيز في جميع ما بيّنا.
وفي (الجامع) أيضًا: أمة منكوحة أعتقت حتى ثبت لها الخيار على ما يأتي بيانه بعد هذا إن شاء الله تعالى فقال لها زوجها: زدتك في صداقك خمسين درهمًا على أن تختاريني ففعلت، صح الاختيار وثبتت الزيادة وتكون الزيارة للمولى، وبمثله لو قال لها:... على خمسين درهمًا على أن تختاريني ففعلت فلا شيء لها وبطل خيارها؛ لأن في الوجه الأول جعل الخمسين بإزاء بضعها، فإنه جعله زيادة في الصداق، ولكن علل هذا الجمل باختيارها زوجها، فإذا وجد الاختيار (صارت) الزيادة عوضًا عن منافع بضعها لا للحاقها بأصل العقد ولا كذلك الوجه الثاني لأن في الوجه الثاني؛ ما جعل الخمسين بإزاء البضع، إنما جعله بإزاء اختيارها زوجها، وإنه غير مستقيم؛ لأن اختيارها زوجها ليس بمال والتزام المال بمقابلة ما ليس بمال غير مستقيم.
وفي نكاح (المنتقى): رجل ادعى نكاح امرأة وهي تجحد، ثم إن الزوج مع المرأة اصطلحا على أن أعطاها ألف درهم على أن أجازت له النكاح الذي ادعى فهو جائز. وكذلك إذا قال لها: أزيدك مائة على أن تقرِّي بالنكاح ففعلت. وإن وجد بينة على أصل النكاح الأول لم يكن له أن يرجع في المائة لأنها بمنزلة زيادة في المهر. والبيع نظير النكاح؛ لأن الزيادة في الثمن صحيحة كالزيادة في المهر.
ولو كان هذا منه في الطلاق بأن ادعت امرأة على زوجها أنه طلقها بألف درهم وأنها نقدته المال، فجحد الزوج فصالحته على مائة أخرى على أن يقرّ بالطلاق بالجعل الأول ففعل، ثم إنها وجدت بينة على الطلاق بالجعل الأول فلها أن ترجع بالمائة لأن الزيادة في جعل الطلاق بعد وقوعه لا يصلح، والصلح في القصاص في العتاق كالصلح في الطلاق. والكتابة كالبيع يعني: إذا ادعى المملوك الكتابة والله أعلم:

.نوع منه:

في المرأة نفسها بمهرها.... جعل في المهر وما يتصل به. قال الكرخي رحمه الله: وللمرأة أن تمنع الزوج عن الدخول بها حتى يوفيها جميع المهر، قال: وليس للزوج أن يمنعها من السفر والخروج من منزله وزيارة أهلها حتى يوفيها المهر.
وإن كان المهر مؤجلًا لم يكن لها أن تمنع نفسها منه وله أن يمنعها من السفر وزيارة بعض أهلها بغير إذنه، قال أبو يوسف رحمه الله: القياس كذلك، كما في البيع، لكن استحسنا وقلنا: لها أن تمنع نفسها منه، وليس له أن يمنعها من السفر وزيارة بعض أهلها حتى يوفيها المهر. قال: وليس هذا كالبيع، وهذا آخر قوله.
قال أبو يوسف رحمه الله: إذا كان بعض المهر حالًا وبعضه مؤجلًا فله أن يدخل بها إذا أعطاها الحال. وقال أبو حنيفة رحمه الله: إذا كان المهر مؤجلًا فإن دخل بها الزوج حتى تحل الأجل فمنعت نفسها عن الزوج حتى يوفيها المهر فليس لها ذلك من قبل أن أصله لم يكن حالًا.
ثم لا خلاف لأحد أن تأجيل المهر إذا كان إلى غاية معلومة نحو شهر أو سنة إنه صحيح، وإن كان لا إلى غاية معلومة فقد اختلف المشايخ (فيه). بعضهم قالوا: لا يصح، وبعضهم قالوا: يصح وهو الصحيح، وهذا لأن الغاية معلومة في نفسها وهو الطلاق أو الموت، ألا ترى أن تأجيل البعض صحيح وإن لم يتفقا على غاية معلومة نحو الشهر أو السنة، وإنما يصح بالطريق الذي قلنا. قال مشايخنا رحمهم الله: وفي عرف ديارنا ليس للمرأة أن تمنع نفسها من زوجها حتى تستوفي جميع المهر؛ لأن في عرفنا؛ البعض مؤجل والبعض معجّل والمعجل يسمى دست بيمان والمؤجل يسمى كابين برني والمعروف كالمشروط، فإن بينا مقدار المعجل ومقدار المؤجل فهو على ما بينا، وإن لم يبينا شيئًا ننظر إلى المسمى وإلى المرأة إن مثل هذه المرأة كم يكون لها من مثل هذا المسمى معجلًا، وكم يكون لها مؤجلًا في العرف فنقضي بالعرف.
وما ذكر في (مجموع النوازل) أنه يقضي لها نصف المهر معجلًا فإنما ذلك بناء على عرف أهل سمرقند أنهم يعجلون النصف من المسمى، وهو اختيار الفقيه أبي الليث رحمه الله إلا أن ذلك يختلف باختلاف البلاد، والصحيح ما ذكرنا. وإن شرطا تعجيل الكل في العقد فهو كما شرطا، ووجب تعجيل الكل، إذ لا تعتبر دلالة العرف إذا جاء الصريح بخلافها. ولو دخل الزوج بها خلا بها برضاها فلها أن تمنع نفسها منه وتمنعه عن السفر بها حتى تستوفي جميع المهر على جواب (الكتاب) والمعجل في عرف ديارنا في قول أبي حنيفة رحمه الله، وقال أبو يوسف رحمهما الله: ليس لها ذلك وأجمعوا على أنه لو دخل بها كارهة أو دخل بها وهي صغيرة أو مجنونة إنه لا يبطل حقها في المنع والحبس.
ووجه قولهما: أن المقصود عليه صار مُسَلَّمًا بالوطأة الواحدة، ألا ترى أن المهر كله يتأكد الوطآة واحدة، فلو ثبت لها حق المنع تصير مستردة، والثابت لها حق المنع عن التسليم لا حق الاسترداد بعد التسليم، ولأبي حنيفة رحمه الله: أن المستوفى بالوطء وإن كثر فهو مستحق بعقد فلا يجوز اخلاؤه عن العوض إبانةً لخطره لأن في حق تأكد المهر أقيم وطأه واحدة مقَامَ جميع الوطآت لأنه لا يمكن تأكيده بقدره؛ لأنه لا يعرف مقدار عدده لكن إذا وجد وطآت أُخر فالبدل مقابل الكل فكانت ممتنعة عن تسليم ما قابله البدل لا مستردة.
وكان الشيخ الفقيه أبو القاسم الصّفار رحمه الله، يُفتي في السفر بقول أبي حنيفة رحمه الله وفي منع النفس بقولهما، واستحسن بعض مشايخنا اختياره.
في (العيون): تزوج امرأة على ألف درهم إلى سنة فأراد الزوج الدخول بها قبل السنة قبل أن يعطيها شيئًا، وإن كان شرط الزوج في العقد أن يدخل بها قبل السنة فله ذلك وليس لها أن تمنع نفسها منه بلا خلاف، وإن لم يشترط ذلك، فله ذلك عند محمد رحمه الله وعلى قول أبي حنيفة رحمه الله ليس له ذلك استحسانًا وقد مَرَّ هذا.
قال الصدر الشهيد رحمه الله: وبهذا يفتى وإنه حسن، قال رحمه الله ففي ديارنا إذا ادعى المعجّل ولم يؤدّ المؤجل فله أن يبني بلا خلاف؛ لأن الدخول عند أداء المعجل مشروط عرفًا فصار كما لو كان مشروطًا نصًا.
فأما إذا كان الكل مؤجلًا فالدخول غير مشروط لا عرفًا ولا نصًا فلم يكن له أن يبني على (قول) أبي يوسف رحمه الله استحسانًا. قال القدور في (كتابه): قال أبو يوسف رحمه الله: لو كان المهر حالًا فأخرته مدة فأراد الدخول بها قبل مضي المدة فليس له ذلك، ولها أن تمنع نفسها منه، وهذا مستقيم على قول أبي يوسف آخرًا، وهو استحسان؛ لأن الأصل لو كان مقارنًا للعقد كان لها أن تمنع نفسها منه على قوله استحسانًا، فكذا إذا كان طارئًا.
وذكر في (المنتقى): أن الزوج إذا كان شرط الدخول قبل مضي المدة فله ذلك، وإن لم يشترطا لدخول قبل مضي المدة فليس له ذلك إلا برضاها وهذا مستقيم على قول أبي يوسف رحمه الله استحسانًا.
وفي (المنتقى) أيضًا: إذا كان المهر حالًا فأحالت عليه غريمًا لها بالمهر فلها أن تمنع نفسها منه حتى يأخذ غريمها بمنزلة وكيلها، ولو أن الزوج أحالها بالمال على غريم له على أن أبرأته منه ففي القياس له أن يدخل بها، وفي الاستحسان: لا يدخل حتى تأخذ المهر، وعن أبي حنيفة رحمه الله روايتان.
روى الحسن بن زياد رحمهما الله عنه: أن له أن يدخل بها قبل ذلك، فروى الحسن ابن أبي مالك عنه: أنه ليس له ذلك.
ولو باعها بالمهر متاعًا فلها أن تمنع نفسها منه حتى تقبض المتاع، وقال أبو يوسف رحمه الله: إذا قبضت المهر فإذا هو زيوف أو دراهم لا تنفق فلها أن تمنع نفسها منه حتى يبدلها.
ولو كان دخل بها برضاها ثم وجدت المهر المقبوض زيوفًا أو ما أشبه ذلك أو كان متاعًا اشترت منه وقبضته فاستُحق بعدما دخل بها فليس لها أن تمنع نفسها منه؛ لأن من أصله أنها لو سلمت نفسها من غير قبض ليس لها حق المنع والحبس فهنا أولى.
وفي (واقعات الناطفي): إذا زوج ابنته البالغة فأراد أبوها التحول إلى بلد آخر بعياله فله أن يحملها معه وإن كره الزوج ذلك إذا لم يكن أعطاها المهر، وإن كان قد أعطاها المهر فليس له ذلك إلا برضا الزوج.
وفي (فتاوى أهل سمرقند): بأن صغيرة زوجت وذهبت إلى بيت زوجها بدون أخذ تمام مهرها كان لمن كان (له) حق بإمساكها قبل التزوج أن يمنعها حتى تأخذ جميع المهر ويأخذ من له حق الأخذ؛ لأن هذا الحق ثابت للصغيرة. ولو بطل بطل برضاها وهي ليست من أهل الرضا.
ولو زوج العم بنت أخيه وهي صغيرة بصداق مسمى وسلمها إلى الزوج قبل قبض جميع الصداق فالتسليم فاسد، وترد إلى بيتها لأنه ليس للعم ولاية إبطال حقها.
وفي (فتاوى أبي الليث) رحمه الله: وإذا أراد الزوج (أن) يخرج المرأة من بلد إلى بلد وقد أوفاها مهرها فجواب (الكتاب): أن له ذلك، اختيار الفقيه أبي الليث رحمه الله على أنه ليس لها ذلك. ولو أراد أن يخرجها من البلد إلى القرية أو من القرية إلى البلد فله ذلك.
وفي (المنتقى): إذا تزوجها على أن ينقدها عليه والباقي إلى.... قال: كله إلى سنة إلا أن يقيم بيّنة أنه.... عليه شيء منه أو كلّه فيأخذه.
طلق امرأته طلاقًا رجعيًا ثم راجعها هل لها أن تطالب الزوج بالمهر المؤجل؟ فيه اختلاف المشايخ، فكذلك لو ارتدت والعياذ بالله ثم أسلمت وأجبرت على النكاح هل لها أن تطالبه ببقية المهر؟ فيه اختلاف المشايخ.

.نوع منه في وجود العيب في المهر، وفي تغيره عن وصف:

ويرد الصداق بالعيب الفاحش وهل يرد بالعيب اليسير إن لم يكن من ذوات الأمثال لا يرد، فإن كان من ذوات الأمثال يرد، والعيب اليسير ما يدخل تحت تقويم المقومين فهو أن يقومه مقوِّم وهو صحيح بألف. ويقومه مقوم آخر وبه هذا العيب بألف، وهذا لأن الرد بالعيب اليسير في غير ذوات الأمثال لا يفيد لأنها ترجع بقيمته. ولا فرق بين عين الشيء وبه عيب يسير وبين قيمته وبه فارق أما إذا كان من ذوات الأمثال؛ لأن هناك يرجع بمثله صحيحًا ويقيم الفرق بين شيئين: أحدهما صحيح والآخر معيب.
وإذا كان العيب يسيرًا فالرد مفيد، وكذلك إذا كان العيب فاحشًا فالرد مفيد لأنه يرجع بقيمته صحيحًا فيقع الفرق بين عين الشيء وبه عيب فاحش وبين قيمته صحيحًا.
قال الكرخي رحمه الله في (كتابه): إذا انتقص الصداق في يد الزوج بفعل أجنبي فالمرأة بالخيار إن شاءت أخذت وابتعت الجاني بالأرش، وإن شاءت أخذت من الزوج يوم العقد قيمته واتبع الزوج الجاني بالأرش؛ لأن الصداق قد تغيّر في ضمان الزوج لأنه كان عينًا والآن صار قيمةً، فيثبت لها الخيار كما يثبت الخيار للمشتري إذا تغيّر المبيع في ضمان البائع، وإن انتقص بآفة سماوية فالمرأة بالخيار إن شاءت أخذته ناقصًا ولا شيء لها وإن شاءت أخذت القيمة يوم العقد.
أما الخيار: فلما ذكرنا، وأما لا شيء لها إذا اختارت الأخذ لأن الصداق مضمون على الزوج بالعقد فلا تظهر في حق الأوصاف؛ لأن العقد لا يرد على الوصف، وهذا إذا كان العيب فاحشًا، وأما إذا كان يسيرًا فلا خيار لها كما لو كان موجودًا حالة العقد. وإن كان النقصان بفعل الزوج فالمرأة بالخيار إن شاءت أخذته فضمنته النقصان وإن شاءت أخذت القيمة يوم العقد.
هذا هو المشهور من الرواية، مروي عن أبي حنيفة رحمه الله أنه لا ضمان عليه في الأرش ولكنها بالخيار إن شاءت أخذته ناقصًا ولا شيء لها، وإن شاءت أخذت القيمة.
وسوّى بين هذا والبيع، فإن البائع إذا جنى على المبيع قبل القبض لم يكن عليه ضمان. وجه المشهور من الرواية: أن الوصف صار مقصودًا بالإتلاف فيجب ضمانه كما لو أتلفه أجنبي وإنما لم يجب الضمان على البائع؛ لأن المبيع مضمون على البائع بالثمن وضمان الثمن يمنع ضمان المهر؛ لأن المحل الواحد لا يصير مضمونًا بضمانين، والصداق غير مضمون على الزوج بضمان آخر ينافي ذلك ضمان القيمة ألا ترى أنه لو أتلفه يضمن قيمته فكذا إذا تلف والبائع إذا أتلف المبيع لا يضمن قيمته بل ينفسخ البيع ويسقط الثمن.
وإن كان النقصان بفعل المهر بأن جنى المهر على نفسه ففيه روايتان: أحدهما: أنها كالآفة السماوية؛ لأن جناية الإنسان على نفسه هدر، والرواية الأخرى أنها في حكم جناية الزوج لأن المحل مضمون في يده فصار كالمغصوب إذا جنى على نفسه في يد الغاصب.
وإن كان النقصان بفعل المرأة صارت قابضة بالجناية ويدخل في ضمانها، كالمشتري إذا جنى على المبيع في يد البائع.
وفي (فتاوى أبي الليث) رحمه الله: إذا تزوج امرأة على ألف درهم من الدراهم التي من نقد البلد فكسدت قبل القبض فصار النقد غيرها كان على الزوج قيمتها يوم كسدت. قال الصدر الشهيد رحمه الله في (واقعاته): هو المختار، وهذا قول محمد رحمه الله.
وأما على قول أبي حنيفة رحمه الله: على الزوج قيمتها يوم الخصومة. ولو كان مكان النكاح بيعٌ فسد البيع، والفرق: أن الكساد بمنزلة الهلاك، وهلاك البدل في باب البيع قبل القبض يوجب فساد البيع، أما هلاك البدل في باب النكاح لا يوجب فساد النكاح، فتجب قيمته كان مشايخ ما وراء النهر قبل هذا يقولون بجواه لكون عقد النكاح بما وراء النهر بالفطر يفي لا بالعدلي لأن العدلي يتغير والفطر يفي لا يتغير، وهذا إذا كان في الزمان الماضي. أما في زماننا يجب أن يكون العقد بالذهب أو بالفضة. والحكم في الانقطاع كالحكم في الكساد.
وإن غلت الدراهم بأن ازدادت قيمتها فلها تلك الدراهم ولا خيار للزوج، وإن رخصت بأن انتقصت قيمتها فقد اختلف فيه المتأخرون. بَعْضهم قالوا لها من تلك الدراهم وليس لها أن تطالبه بالتفاوت وإن فحش، وبعضهم قالوا: إن كان يوجد من تلك الدراهم بالعيار الذي ورد العقد عليه تطالبه بذلك، وإن كان لا يوجد تطالبه بقيمة ما ورد عليه العقد. وإن تزوجها بكذا من العدليان وهي كاسدة ماذا يجب لها؟ قالوا: يجب لها مهر المثل لأنها إذا كانت كاسدة وقت النكاح كان المهر مجهولًا لأنها إذا كانت كاسدة كانت سلعة وزنية، والسلعة الوزنية إنما تعرف بالإشارة أو بذي الوزن وهو ما ذكر الوزن إنما ذكر العدد.
ولو كانت رائجة وقت العقد وهي نوعان من الضرب أولًا وآخرًا ينبغي بيان نوعه وقت العقد، ولو لم يبين ننظر إلى مهر مثلها فأي نوع من ذلك وافق مهر مثلها، يقضى لها بذلك النوع. وقد مرّ جنس هذا النوع.
وفي (المنتقى): بشر عن أبي يوسف رحمه الله: رجل تزوج امرأة على أمة بعينها ودفعها إليها وماتت عندها، ثم علمت أنها كانت عمياء رجعت عليه بنقصان العمى وهذا ظاهر. ولو كان تزوجها على خادم بغير عينها وأعطاها جارية وسطًا وماتت عندها، ثم علمت أنها كانت عمياء فإنها تضمن قيمتها عمياء، ويضمن الرجل قيمة خادم وسط فيتقاصان إن صار كأن لم يكن بينهما فضل ويترادان الفضل والله أعلم.

.نوع منه في اختلاف الزوجين في المهر:

إذا ادعت المرأة أن المهر ألفان وادعى الزوج أنه ألف درهم، فأيهما أقام البيّنة قبلت بينته، فإن أقاما البينة فالبينة بينة المرأة؛ لأنها تثبت زيادة في المهر، وإن لم يكن لهما بينة فإنهما لا يتحالفان عندنا. هكذا ذكر في (الأصل). بعد هذا قال أبو يوسف رحمه الله: القول قول الزوج إلا أن يأتي بشيء مستنكر جدًّا ولذلك تفسيران:
أحدهما: أن يدعي أنه تزوجها بأقل من عشرة، وبه أخذ بعض المشايخ؛ لأن ما دون العشرة مستنكر شرعًا.
والثاني: أنه يدعي أنه تزوجها بما لا يتزوج مثل تلك المرأة بمثل ذلك المهر، وبه أخذ عامة المشايخ وهو الصحيح.
وذكر ابن سماعة في (نوادره) عن أبي يوسف رحمه الله في المرأة يموت عنها زوجها فتدعي مهرًا وهو مهر مثلها والورثة يقولون قد تزوجها على (شي) إلا أنا لا ندري ما هو قال: أجعل لها مهر مثلها، قال ابن سماعة: وقد كان قال قبل ذلك بخلاف هذا، قال: هذا في رجب سنة ثلاث وتسعين ومائة.
وقال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله: يحكم مهر مثلها فإن كان مهر مثلها، ما قال الزوج ألفًا أو أقل فلها ما قال الزوج مع يمينه بالله ما تزوجتها على ألفين على الغبن، فإن كان مثل ما قالت المرأة ألفين أو أكثر فلها ما قالت مع يمينها بالله ما زوجت نفسها منه بألف درهم، وإن كان مهر مثلها بين الدعوتين فإنهما يتحالفان ثم يقضى لها بمهر المثل، وهو نظير ما ذكر في كتاب الإجارات، إذا وقع الاختلاف بين رب الثوب وبين الصباغ في الأجرِ يحكم في ذلك قيمة الصبغ، فإن كانت قيمة الصبغ بين الدعوتين فإنهما يتحالفان كذا هنا.
وذكر الكرخي رحمه الله في (كتابه): إذا لم يكن لهما بينّة فإنهما يتحالفان أولًا، فإذا حلفا حينئذ يحكم مهر المثل عندهما. قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله: والأصلح ما ذكره الكرخي رحمه الله؛ لأن ظهور مهر المثل عند انعدام التسمية، وإنما تنعدم التسمية بالتحالف وإنما يدعي كل واحد منهما... بيمين صاحبه فيبقى نكاحًا بلا تسمية، فيكون موجبه مهر المثل، وغيره من المشايخ صححوا ما ذكر في (الأصل)؛ لأنه إنما يصار إلى التحالف إذا لم يكن ترجيح قول أحدهما على الآخر بشهادة الظاهر له وإذا كان مهر المثل يشهد لأحدهما فالظاهر شاهد له فلا يصار إلى التحالف.
وإن وقع الاختلاف بينهما على هذا الوجه بعد الطلاق. فإن كان قد دخل بها فهذا والأول سواء، فإن لم يدخل بها فقد ذكر في كتاب النكاح: أن القول قول الزوج وعليه نصف ما أقرّ به. وقد ذكر في (الجامع): أن القول قول تشهد له المتعة، فمن مشايخنا من قال: ما ذكر في النكاح قول أبي يوسف رحمه الله وما ذكر في (الجامع) قولهما ومنهم من قال: ما ذكر في النكاح قولهما، أيضًا، وإنما اختلف قولهما لاختلاف الموضوع موضوعَ المسألة في (الجامع) في الاختلاف في العشرة والمائة فالزوج يدعي الزواج بالعشرة فيكون مقرًا لها بالخمسة وذلك لا يبلغ متعتها فأفاد تحكيم المتعة. موضوع المسألة في النكاح في الاختلاف في الألف والألفين فيكون الزوج مقرًا لها بالخمس مائة وذلك يزيد على متعتها عادة فلا يفيد تحكيم المتعة.
ومن المشايخ من قال: ما ذكر في (الجامع) قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله. وما ذكر في النكاح قول أبي يوسف رحمه الله، فصار في تحكيم المتعة في الطلاق قبل الدخول روايتان عن أبي حنيفة رحمه الله على قول هذا القائل.
وحكى القاضي أبو القاسم عن القضاة الثلاثة رحمهم الله أن ما ذكر في النكاح قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله، وما ذكر في (الجامع) قول محمد رحمه الله، فصار الحاصل على قول هذا القائل أن على قول أبي يوسف رحمه الله القول قول الزوج قبل الطلاق وبعده إلا أن يأتي بشيء مستنكرٍ جدًا، وعلى قول محمد رحمه الله يحكم مهر المثل قبل الطلاق والمتعة بعد الطلاق، وعلى قول أبي حنيفة رحمه الله يحكم مهر المثل قبل الطلاق ولا تحكم المتعة بعد الطلاق فيكون القول قول الزوج بعد الطلاق.
والفرق له: أن مهر المثل (واجب) لأن الزوج استوفى بدله حين دخل بها، فأما المتعة ليست ببدل على البضع؛ لأن الزوج (لم) يدخل بها فلا يجب اعتبار المعادلة فنصير فيه إلى الأصل، والأصل: أن من ادعى على آخر شيئًا وأنكر الآخر فالقول قول المنكر، والمنكر هنا الزوج.
ولو مات أحدهما ثم وقع الاختلاف بين ورثة الميت وبين الحي فهذا وما لو اختلفا وهما حيّان سواء. ولو ماتا فهاهنا فصلان:
أحدهما: أن يتفق الورثة أنه لم يكن في العقد تسمية، وفي هذا الفصل القياس أن يقضى لها مهر المثل وهو قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله، قال أبو حنيفة رحمه الله: أستحسن في هذا أن أبطل المهر، وله في ذلك طريقان: أحدهما: يشير إلى أنه إنما يقول ببطلان مهر المثل إذا تقادم العهد وانقرض أهل ذلك العصر، حتى تعذر على القاضي الوقوف على مقدار مهر المثل. أما إذا لم يتقادم العهد وأمكن للقاضي الوقوف على مقدار مهر المثل لا يبطل مهر المثل فيقضى لها بمهر المثل كما هو مذهبهما.
والثاني: يشير إلى أنه يقول ببطلان مهر المثل لموتهما على كل حال تقادم العهد أو لم يتقادم.
الفصل الثاني إذا وقع الاختلاف بين قولهما في مقدار المسمّى:
فعلى قول محمد رحمه الله يحكم مهر المثل، وعلى قول أبي يوسف رحمه الله: القول قول ورثة الزوج إلا (أن) يأتوا بما هو مستنكر جدًا، وأما على قول أبي حنيفة رحمه الله فهو المثل لا يبقى بعد موتهما على أحد الطريقين مطلقًا، وعلى أحد الطريقين إذا تقادم العهد فيكون القول قول ورثة الزوج إلا أن يقوم لورثة المرأة بينة على ما ادعوا. قال الكرخي رحمه الله في (مختصره): لو ادعى الزوج أن المهر هذا العبد، وقالت المرأة: هذه الجارية فالكلام فيه كالكلام في الألف والألفين إلا في فَصلٍ واحد؛ أنه إذا كان مهر مثلها مثل قيمة الجارية أو أكثر فلها قيمة الجارية، لأن بملك الجارية لا يكون إلا بالتراضي، وإذا لم يتفقا على ذلك فقد تعذر التسليم فوجبت القيمة.
وعلى هذا: إذا قال الزوج: تزوجتك على عبدي الأسود هذا وقيمته ألف، وقالت المرأة: تزوجتني على عبدك الأبيض هذا وقيمته ألفي درهم فهو نظير الاختلاف في الألف والألفين إلا في فصل واحد؛ أنه إذا كان مهر مثلها مثل قيمة الأبيض أو أكثر فلها قيمة الأبيض لما قلنا في فصل العبد والجارية.
ولو اختلفا في طعامٍ بعينه فقال الزوج: تزوجتك على هذا الطعام بشرط أنه كرّ، وقالت المرأة: لا بشرط أنه كرّين فهو مثل الاختلاف في الألف والألفين. والأصل في جنس هذه المسائل: أن الزوجان إذا اتفقا على تسمية شيء بعينه في النكاح واختلفا في مقداره أنه كان شيئًا لا يضره التبعيض كالمكيل والموزون يحكم فيه مهر المثل، فيتحالفان إذا كان مهر المثل بين الدعوتين.
بيانه في هذه المسألة: فيما إذا تزوجها على نُقرة فضة بعينها واختلفا فقال الزوج: تزوجتك على هذه النُقرة بشرط أنها مائتي درهم، وقالت المرأة: لا بشرط أنها ثلاثمائة وإن كان شيئًا يضرّه التبعيض كما لو تزوجها على ثوب خز بعينه ثم اختلفا فقال الزوج: تزوجتك على هذا الثوب على أنه عشرة أذرع، وقالت المرأة: لا بل على أنها تسعة أذرع؛ ففي هذه الصورة القول قول الزوج ولا يتحالفان.
وكما لو تزوجها على إبريق فضة بعينه ثم اختلفا في وزنه فالقول قول الزوج، فإذا وقع الاختلاف في الصفة في مسمى بعينه، كما لو قال الزوج: تزوجتك على هذا الكر على أنه رديء، وقالت المرأة: لا بل على أنه جيد فالقول قول الزوج ولا يتحالفان كما في....
فإن الاختلاف في الصفة في باب البيع لا يوجب التحالف، كما لو اختلفا في اشتراط صفة البكارة. وإن كان المهر دينارًا واختلفا في صفته أو جنسه أو نوعه بأنه يحكم مهر المثل ويتحالفان؛ لأن الدين إنما يعرف بالصفة، والأوصاف تختلف فكان الاختلاف في الوصف اختلافًا في أصل التسمية.
وإن اختلفا فيما يضرّه التبعيض في القدر والصفة جميعًا؛ ففي القدر بحكم مهر المثل، وفي الصفة قول الزوج مع يمينه اعتبارًا لحالة الاجتماع بحالة الانفراد. هذا إذا اختلفا حال قيام النكاح فأما إذا اختلفا بعد الطلاق وكان الطلاق بعد الدخول فيمكن تحكيم مهر المثل. وإن كان الطلاق قبل الدخول بها إن اتفقا على مسمىً بعينه واختلفا في صفة ذلك أو في قيمته فالقول قول الزوج بالإجماع، ولا يحكم متعة مثلها؛ لأنهما اتفقا على ما يوجب سقوط المتعة؛ لأن مع تسمية شيء بعينه لا تجب المتعة بالطلاق قبل الدخول بها، فيقدر بحكم المتعة فوجب اعتبار الدعوى والإنكار.
وإن اختلفا في جنس المهر أو مقداره أو في صفته والمهر دين، فعلى قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله: يحكم متعة مثلها فالقول قول من تشهد له المتعة، وعلى قول أبي يوسف رحمه الله: القول قول الزوج إلا أن يأتي بشيء مستنكرٍ جدًا.
ولو تزوجها على عبد بعينه وملك العبد في يد الزوج، واختلفا في قيمته فالقول قول الزوج ولا يحكم مهر المثل؛ لأنهما اتفقا على تسمية صحيحة وذلك يوجب العدول عن مهر المثل بعيب وهي مدعية الزيادة والزوج ينكر، فيكون القول قوله مع يمينه.
ولو قال: تزوجتك على عبدي الأسود وقيمته ألف، ومات في يدك فإنه يحكم مهر المثل ويتحالفان إن كان مهر المثل بين الدعوتين.
ولو تزوجها على كرّ بعينة وهلك واختلفا في مقداره أو في صفته، أو تزوجها على ثوب بعينه أو نقرة فضة بعينها أو إبريق فضة بعينه وهلك، واختلفا في الذرعان أو الوزن؛ ففي كل ما ذكرنا أن القول قول الزوج قبل الهلاك كان القول قوله بعد الهلاك أيضًا.
ولو ادعى على أحدهما ألف درهم والآخر مائة دينار فهو نظير الاختلاف في الألف والألفين. إذا بعث إلى امرأته دقيقًا أو عسلًا أو تمرًا ثم قال: بعثت من المهر، وقالت المرأة: بعتث هدية فالقول قول الزوج لأنه هو المملّك، فيكون القول قوله في جهة التمليك إلا فيما صار مكذبًا عرفًا وذلك في شيء يفسد ولا يبقى.
في (عيون المسائل) وإليه أشار محمد رحمه الله في (السير الكبير)، وفي (نوادر ابن رستم) عن محمد رحمه الله: إلا أن يكون الخبيص واللحم والشاة المذبوحة والثريد ونحو هذا من الطعام مما لا يبقى، فحينئذ القول قول المرأة استحسانًا. وفي (فتاوى أبي الليث) رحمه الله: بعث إلى امرأته متاعًا وبعث أن المرأة.... متاعًا ثم ادعى الزوج أن الذي بعث كان صداقًا كان القول قوله مع يمينه؛ لأنه هو المملك، فإن حلف والمتاع قائم فللمرأة أن ترد وترجع بما بقي منه، إن كان هالكًا لم يكن على الزوج شيء، وإن كان قائمًا وقد بعثه الأب من مال نفسه فله أن يرجع فيه؛ لأن الواهب في هذه الصورة.... وقد وهبت من زوجها.
وفي (فتاوى أبي الليث) رحمه الله و(فتاوى أهل سمرقند): تزوج امرأة وبعث إليها عبدًا وعوضته المرأة على ذلك عوضًا، ثم زفت إليه ثم فارقها وقال: إنما بعثت إليك عارية وأراد أن يسترد ذلك وأرادت المرأة أن تسترد العوض فالقول قوله في الحكم لأنه أنكر التمليك وإذا استردّ ذلك من المرأة كان للمرأة أن تسترد منه ما عوضته عليه.
وفي (فتاوى أبي الليث) رحمه الله: اشترى لامرأته أمتعة بأمرها بعدما بيّن لها، ودفع إليها دراهم حتى اشترت هي أيضًا، ثم اختلفا فقال الزوج: هو من المهر، وقالت المرأة: هدية. فالقول قول الزوج أنه من المهر إلا أن يكون شيئًا مأكولًا.
قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: المختار أن ننظر إن كان ذلك من متاع سوى ما يجب على الزوج فالقول قوله أنه من المهر، وإن كان ذلك يجب على الزوج من الخمار والدرع ومتاع الليل ليس له أن يحتسبه من المهر؛ لأن الظاهر يكذبه. والخف والملاءة لا تجب عليه؛ لأنه ليس عليه إن نهى لها أمر الخروج.
بعث إلى امرأة ابنه ثيابًا ثم ادعى أنه بعث أمانة صُدِّق، وكذا لو ادعى بعد موت المرأة. وفي (مجموع النوازل): بعث إلى امرأته أيام العيد دراهم وقال: إنها عيدي أو قال سم سكر فيصير متناقضًا في دعواه بعد ذلك أنه من المهر.
امرأة ادعت على زوجها بعد وفاته أن لها عليه ألف درهم من مهرها، تُصدق في الدعوى إلى تمام مهر مثلها في قول أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن عنده يحكم مهر المثل فمن شهد له به بمهر المثل كان القول قوله مع يمينه.
في (المنتقى): بشر بن الوليد عن أبي يوسف رحمه الله: إذا اختلف الزوج..... فإن أمر بشيء مسمىً وحلف عليه فالقول....، وإن لم يقرّ بشيء وحلف على ما ادعت جعلت لها وكثير من مهر مثلها ومما ادعت، قال وكذلك.... وورثتهما بعد موتهما.
وفيه أيضًا: إذا قالت المرأة لزوجها: تزوجتني بغير شيء، وقال الزوج: تزوجتك على هذا العبد، فإن كان قيمة العبد مثل مهر مثلها أو أقل؛ مقدار ما يتغابن الناس فيه فالمرأة بالخيار؛ إن شاءت أخذت عين العبد وإن شاءت أخذت قيمة العبد أقل من مهر مثلها مقدارًا ما لا يتغابن الناس فيه فلها مهر مثلها.
وفيه أيضًا: قال هشام: قلت لمحمد رحمه الله: رجل أقام بينّة أنه تزوج هذه المرأة وكان عقد النكاح على ألفين وقال: المهر ألف. قلت: ولِمَ وقد يكون أن تقع عدة النكاح على ألف ثم يزيد بها يقيم البينة على الزيادة، قال هشام:....... محمد رحمه الله بأن القاضي لو كان حضر العقد على ألف وجاءت المرأة بألفين قال الحاكم أبو الفضل رحمه الله في (المنتقى) وفي هذا الجواب نظر، وذكر في (المنتقى): بعد هذه المسألة نورد ما يشبه الخلاف.
قال هشام: سألت محمدًا رحمه الله عن امرأة ادعت أن هذا الرجل تزوجها بالكوفة منذ سنة على ألفين، وأقامت على ذلك بينة، وأقام الزوج بينّة أنه تزوجها بالبصرة منذ سنتين على ألف، قال: البينة بينة المرأة، قلت وإن كان معها..... سنتين قال: وإن كان.

.نوع في بيان ما يستحق به جميع المهر:

المهر كما يتأكد بالدخول يتأكد بالخلوة الصحيحة عندنا؛ لأن البدل في عقود المعاوضات يُقدّر بتسليم من له البدل، لا بحقيقة استبقاء المبدل ألا ترى أن البائع إذا خلّى بين المبيع وبين المشتري، أو الآجر إذا اخلّى بين المستأجَر والمستأجر يتأكد البدل وإن لم يوجد القبض حقيقة، والمعنى فيه: أنا لو وقفنا بقدر البدل على استيفاء المبدل حقيقة؛ فمن عليه البدل يمنع عن الاستيفاء قاصدًا الإضرار بمن له البدل، والضرر مدفوع شرعًا.
وتعتبر الخلوة الصحيحة لأن ثمة مانع يمنعها لا حقيقة ولا شرعًا حتى لو كان أحدهما مريضًا مرضًا يمنع الجماع لا تصح الخلوة، وإن كان مريضًا مرضًا لا يمنع الجماع تصح الخلوة. والحاصل: أن المرض من جانبها مسوّغ بلا خلاف، وأما المرض من جانبه فقد قيل: إنه مسوغ أيضًا، وقيل: إنه غير مسوغ وأنه غير ممنوع، وأنه يمنع صحة الخلوة على كل حال، جميع أنواعه في ذلك على السواء.
قال الصدر الشهيد رحمه الله: هو الصحيح، وكذا لو كان أحدهما محرمًا بحجة فرض أو نافلة أو كانت المرأة حائضًا لا تصح الخلوة. وكذا إذا كان أحدهما صائمًا في رمضان لا تصح الخلوة، واختلفت الرواية في غير صوم رمضان.
قال القدوري رحمه الله: الصحيح أن الصوم للتطوع والقضاء والنذر لا يمنع، ولو كان معهما ثالث لا تصح الخلوة إلا أن يكون الثالث ممن لا يشعر بذلك، كصغير لا يعقل أو مغمى عليه، والمجنون كالصبي، وفي بعض المواضع: لو كان معهما مجنون أو مغمىً عليه لا تصح الخلوة ولو كان معهما أعمى أو نائم لا تصح الخلوة، ولو كانت ثمة أمته كان محمد رحمه الله أولًا يقول: تصح الخلوة، بخلاف ما إذا كانت ثمة أمتها، ثم رجع وقال: لا تصح الخلوة، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله، ولو خلا بها ومعها امرأة أخرى لهذا الزوج فقد أفتى محمد رحمه الله بالرقة أنه خلوة ثم رجع عنه وقال: ليس بخلوة.
قال هشام: كان محمد رحمه الله يقول أولًا: للرجل أن يطأ امرأته بين يدي امرأة أخرى له، فجعل ذلك خلوة ثم رجع وقال: ليس له أن يطأها بين يدي امرأة أخرى له فلم يجعلها خلوة.
والمكان الذي تصح فيه الخلوة: أن يأمنا فيه اطلاع غيرهما بغير إذنهما كالبيت والدار وما يشبهه. ولهذا لا تصح الخلوة في المسجد، والطريق الأعظم، والحمام، وكان شداد رحمه الله يقول: في المسجد والحمام إنه خلوة إذا كان ظلمة لأن الظلمة كالسترة إذ لا يراهما أحد.
وفي (المنتقى): إبراهيم عن (محمد) رحمه الله: رجل ذهب بامرأته إلى رستاق.... أو ما أشبه ذلك، وكان ذلك بالليل قال إن سار بها في طريق الجادة لا تكون خلوة، وإن عدل بها عن الطريق في موضع خالٍ كان خلوة.
ولو حج بها ونزل المفازة من غير خيمة فليس بخلوة، وكذلك لو خلا بها في جبل. ولو خلى بها في بيت غير مسقوف فهو خلوة، وكذلك الكوخ ولو خلى بها على سطح من الدار فهو خلوة، ذكر مسألة السطح في (المنتقى) مطلقًا. قالوا: إذا لم يكن على جوانب السطح سترة لا تكون خلوة، وعلى قياس ما قاله شداد في مسألة المسجد والحمام أنه يكون خلوة. إذا كان في ظلمة يجب أن تكون خلوة في مسألة السطح إذا كان في ظلمة أيضًا.
هشام عن محمد رحمه الله: إذا خلا بها في بستان ليس عليه باب يغلق فليس بخلوة، وإن كان لها باب وأغلق فهو خلوة. ولوخلا بها في محمل عليه قبة مضروبة ليلًا أو نهارًا، فإن كان يقدر أن يطأها فهو خلوة ولو خلا بها وبينها وبين النساء سترة من ثوب رقيق يرى منه؛ قال أبو يوسف رحمه الله: ليس هذا بخلوة، قال وكذلك لو كانت سترة قصيرة. قدرها لو قام إنسان رآهم، رواه بشر.
المرأة إذا دخلت على الزوج ولم يكن معه أحد ولم يعرفها الزوج لا يكون هذا خلوة ما لم يعرفها، هكذا اختارٍ الفقيه أبو الليث رحمه الله؛ لأن الخلوة إنما تقام مقام الوطء إذا تحقق التسليم بالخلوة، وإذا لا يحصل بدون المعرفة، وقال الفقيه أبو بكر رحمه الله: تكون خلوة وكذلك إذا كانت نائمة. وإن عرفها الزوج ولم تعرفه فهو خلوة.
هذه الزيادة من (مجموع النوازل)، وفي (مجموع النوازل) أيضًا: سئل شيخ الإسلام رحمه الله عمن تزوج امرأة فأدخلتها عليه أمها وخرجت وردت الباب إلا أنها لم تغلقه والبيت في خان يسكنها أناس كثيرة، ولهذا البيت طوائق مفتوحة، والناس قعود في ساحة الخان ينظرون من بعيد هل تصح هذه الخلوة؟ قال: إن كانوا ينظرون في الطوائق يترصدون لهما وهما يعلمان بذلك لا تصح الخلوة، وأما النظر من بعيد والعقود في الساحة فغير مانع من صحة الخلوة، فإنهما يقدران أن ينتقلا في هذا البيت إلى زواية لا تقع أنظارهم عليهما، فقد قيل: إن الزوجين إذا اجتمعوا في بيت بابه مفتوح، والبيت في دار لا يدخل عليهما أحد إلا بإذن؛ فالخلوة صحيحة وإلا فلا.
هذه جملة ما ذكر شيخ الإسلام رحمه الله وعلى قياس ما روى بشر عن أبي يوسف رحمه الله، في السترة القصيرة ينبغي أن يقال في هذ المسألة: إذا كان البيت والطوائق بحيث لو نظر فيهما إنسان رآهما لا تصح الخلوة، ولو كان معهما كلب معقور لا تصح الخلوة وقيل في الكلب: إذا لم يكن عقورًا؛ إن كان كلب المرأة يمنع صحة الخلوة، وإن كان كلب الزوج لا يمنع. ولو خلا بها ولم تمكنه من نفسها فقد اختلف المتأخرون فيه.
وفي طلاق (النوازل): إذا قال لامرأته: إن خلوت بك فأنت طالق، فخلى بها يقع الطلاق وعليه نصف المهر؛ لأن الطلاق وقع عقيب الخلوة فلا فصل، فلم يكن متمكنًا من الوطء ليقام مقام الوطء والخلوة بالرتقاء ليست بخلوة، وخلوة المجبوب خلوة صحيحة عند أبي حنيفة رحمه الله، وعندهما ليست بخلوة، هكذا ذكر الكرخي في مختصره.
وفي (المنتقى) ابن سماعة عن أبي يوسف رحمه الله أنه قال: لا توجب خلوة المجبوب بامرأته مهرًا تامًا إلا أن تجيء بولد، فإن جاءت بولد لزمه وعليه المهر لأنهم زعموا أنه يحتمل.
وخلوة العنين والخصي خلوة صحيحة، ثم إن أصحابنا رحمهم الله أقاموا الخلوة مقام الوطء في حق بعض الأحكام دون البعض.
أما الأحكام التي أقاموا الخلوة فيها مقام الوطء تأكد جميع المسمى إن كان في العقد تسمية، وتأكد مهر المثل إن لم يكن في العقد تسمية، وثبوت النسب ووجوب العدة، ووجوب النفقة والسكنى في هذه العدة، وحرمة نكاح أختها ما دامت العدة قائمة، وحرمة نكاح أربع سواها، وحرمة نكاح الأمة عليها على قياس قول أبي حنيفة رحمه الله في حرمة نكاح الأمة على الحرة في العدة عن الطلاق البائن، ومراعاة وقت الطلاق في حقها. وأما الأحكام التي لا تقوم الخلوة فيها مقام الوطء: فالإحصان حتى لا يصير محصنًا بالخلوة، وحرمة البنات والإحلال للزوج الأول، والرجعة، والميراث حتى لو طلقها ثم مات في العدة لا ترث. أما وقوع طلاق آخر في هذه العدة فقد قيل: لا يقع، وقيل: يقع وهو أقرب إلى الصواب؛ لأن الأحكام لمّا اختلفت في هذا الباب يجب القول بالوقوع احتياطًا. وكام يتأكد جميع المهر بالدخول، وبالخلوة الصحيحة يتأكد بموت أحدهما.
ولو فقلت الحرة نفسها فلها المهر عندنا، ولو كانت أمة فقتلها المولى فلا مهر عند أبي حنيفة رحمه الله، وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله: يجب المهر للمولى. ولو قتلت الأمة نفسها فعن أبي حنيفة رحمه الله روايتان: في رواية لا يجب، وفي رواية يجب، وهو قولهما. وإذا تأكد المهر لم يسقط وإن جاءت الفرقة من قبلها بأن.... أو طاوعت ابن زوجها بعدما دخل بها أو خلى بها وقبل ذلك يسقط جميع المهر لمجيء الفرقة من قبلها والله أعلم.

.نوع منه في بيان حكم المهر وما يجب لها بالطلاق قبل الدخول:

وللمطلقة قبل الدخول بها نصف المفروض لقوله تعالى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] وإن لم يكن في النكاح مفروضًا وفرض لها بعد العقد مهرًا فرضيت به أو رفعت الأمر إلى القاضي ففرض لها مهرًا ثم طلقها قبل الدخول بها؛ فعلى قول أبي يوسف الأول رحمه الله: لها نصف المفروض بعد العقد، وهذا أو المسمى في العقد سواء ثم رجع وقال: المتعة، وهو قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله؛ لأن الفرض لمهر المثل. وعلى اعتبار الطلاق قبل الدخول لا يجب مهر المثل فلا يجب نصف المفروض. وعلى هذا إذا سمى لها مهرًا ثم زاد لها في مهرها ثم طلقها قبل الدخول بها فلها نصف المسمى مع نصف الزيادة. وعلى قوله الآخر وهو قول أبي حنيفة رحمه الله: ثم المتعة واجبة للمطلقة قبل الدخول إذا لم يسم لها مهرًا. وكذلك في كل فرقة جاءت من قبل الزوج قبل الدخول بها ولم يسم لها مهرًا فإنها مستحقة لكل مطلقة، يريد به المطلقة بعد الدخول بها إذا لم يكن في النكاح تسمية أو كان فيه تسمية والمطلقة قبل الدخول بها إذا كان في النكاح تسمية. وفي القدوري: وكل فرقة جاءت من قبل المرأة فلا متعة فيها، وإن كان من قبل الزوج ففيها المتعة.
وفيه أيضًا: وكل فرقة من جهة الزوج بعد الدخول يُستحب فيها المتعة إلا أن ترتدّ أو تأبى عن الإسلام وفيه أيضًا: ولو خيّر المرأة فاختارت فهي فرقة من قبل الزوج، والمتعة ثلاث أثواب؛ قميص وملحفة ومقنعة وسطًا لا جيدًا غاية الجودة فلا ولا رديء غاية الرداءة فيجب لها ذلك إلا (إذا) زاد ذلك على نصف مهر مثلها فلها الأثواب إلا أن تنقص قيمتها عن خمس دراهم.
والحاصل: أن لها الأقل من نصف مهر المثل ومن المتعة إلا أن تكون قيمة المتعة أقل من خمس دراهم، فحينئذ لا تنقص عن خمسة، وهذا لأن مهر المثل هو للعوض الأصلي، ولكن تعذر بنصفه لجهالته، فيصير إلى المتعة خلفًا عنه فلا يجوز أن يزيد على نصف مهر المثل، فلا ينقص عن خمسة دراهم لأن المهر لا يكون أقل من عشرة دراهم.
وإن كانت المتعة مثل نصف مهر المثل فلها المتعة، ويعتبر فيها حال الدخول لقوله تعالى: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] أي: على قدره. وكان الكرخي رحمه الله يقول هكذا في المتعة المستحبة. وفي المتعة الواجبة يقول: يعتبر حالها؛ لأنها خلف عن مهر المثل، وفي مهر المثل المعتبر حالها فكذا في خلفه.
ولا متعة للمتوفى عنها زوجها سمى لها مهرًا أو لم يسم، دخل بها زوجها أو لم يدخل، وكذلك كل نكاح فاسد فرق فيه بينهما قبل الدخول بها، وقبل الخلوة وبعد الخلوة، والزوج منكرٌ للدخول فلا متعة فيها؛ لأن المتعة خلف عن مهر المثل، وما هو الأصل لا يجب في النكاح الفاسد قبل الدخول، فكذلك ما هو خلف عنه، والعبد بمنزلة الحر في وجوب المتعة إذا كان النكاح بإذن المولى؛ لأنه مساوٍ الحر في سبب الوجوب وهو النكاح فيساويه في الموجب.
ولو شرط مع المسمى ما ليس بمال نحو طلاق الضرة أو على أن لا يخرجها من البلدة، ثم طلقها قبل الدخول بها فلها نصف المسمى وسقط الشرط، وكذا إذا شرط مع المسمى كرامتها، ولو تزوجها على أقل من عشرة ثم طلقها قبل الدخول بها فلها نصف ما سمى وتمام خمسة دراهم، لأن العشرة في كونها مهرًا لا تتجزأ، وذكر بعض ما لا يتجزأ كذكر الكل فكأنه سمى عشرة، وكذا إذا تزوجها على ثوب يساوي خمسة دراهم وطلقها قبل الدخول فلها نصف الثوب ودرهمان ونصف.
وإذا كان المهر في يدي الزوج وغنيًا وطلقها قبل الدخول بها عاد الملك في النصف إلى الزوج بنفس الطلاق، حتى لو كانت أمة فأعتقها بعد العتق في النصف ولو كان مقبوضًا لم ينفسخ الملك بنفس الطلاق ولم يعد إلى ملك الزوج حتى يقضي القاضي عليها برد النصف أو تسلم هي النصف إلى الزوج، وذكر القدوري رحمه الله: لو كان الطلاق مقبوضًا لم ينفسخ الملك بنفس الطلاق حتى يفسخه الحاكم أو تسلمه المرأة أو يقول الزوج: قد فسخت، إلا رواية رويت عن أبي يوسف رحمه الله، فقد روي عنه في (النوادر): أنه ينفسخ الملك في النصف بنفس الطلاق وإن كان الصداق مقبوضًا وهو قول زفر رحمه الله.
والفرق: أن سبب ملكها في النصف يفسد بالطلاق قبل الدخول فيفسخ من وجه دون وجه؛ لأن الطلاق قبل الدخول إن كان قطعًا صورة فهو فسخ معنىً؛ لأن المقصود عليه يعود إلى ملكها بكماله كما خرج، فجعل فسخًا من وجه دون وجه.
والأصل: أن العقد متى انفسخ من وجه دون وجه يعتبر فاسدًا؛ لأنه لو انفسخ من كل وجه ارتفع أصل العقد وصفة الجواز جميعًا، ولو لم ينفسخ أصلًا بقي أصل العقد والجواز جميعًا، فإذا انفسخ من وجه دون وجه يرتفع الجواز ويبقى أصل العقد اعتبارًا للمعنيين.
وإذا ثبت أن سبب ملكها يفسد بالطلاق قبل الدخول فنقول: فساد السبب لا يمنع ثبوت الملك في البدل بعد القبض فأولى أن لا يمنع البقاء.
أما فساد السبب قبل القبض يمنع ثبوت الملك في البدل فيمنع البقاء. وإنما ينتقض الملك بعد القبض بالقضاء أو بالرضا كما في المقبوض بحكم العقد الفاسد. وكذلك ينتقض بقول الزوج قد فسخت على (ما) ذكره القدوري رحمه الله لما ذكرنا أنه فسد سبب ملكها، ولكل واحد من المتعاقدين، فلأنه فسخ السبب الفاسد كما في البيع الفاسد، وبعدما وجد القضاء أو الرضا أو انتقض الملك يعتبر الانتقاض على حالة القضاء أو الرضا حتى لو كان المهر مملوكًا أو اكتُسِبَ اكتسابًا بعد الطلاق فالكسب يكون للمرأة، هكذا ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في شرحه وفي (الجامع) ما يدل عليه.
ولو كان المهر دراهم أو دنانير أو مكيلًا أو مقرونًا في الذمة فقبضت وطلقها قبل الدخول بها، فعليها رد مثل نصف ما قبضت، وليس عليها رد عين المقبوض، لأن الدراهم والدنانير لا يتعينان في عقد النكاح فلا يتعينان في فسخه. ولو كان المهر عبدًا في الذمة، أو إبلًا في الذمة، أو ثوبًا في الذمة، ثم عيّنه ودفعه إليها ثم طلقها قبل الدخول فعليها رد نصف عين ما قبضت. من المشايخ من أبى ذلك وقال: إذا لم يكن العبد أو الإبل متعينًا وقت العقد فالمرأة لا تستحق عين العبد وعين الإبل، وإنما المستحق لها أحد الشيئين الوسط من المسمى أو قيمته، والخيار إلى الزوج، فعند فسخ النكاح بالطلاق قبل الدخول كيف يستحق الزوج عليها نصف العبد ونصف الإبل.
ومنهم من صحَّحَ ذلك وقال: العبد والإبل إن لم يكن معيّنًا وقت العقد إلا أن ما بعد تعيينه التحق بالمعين وقت العقد، وجعل كأن العقد من الابتداء ورد على هذا المعين وإنما التحق بالمعين وقت العقد ضرورة أنه لو لم يلتحق وجب عليها بالطلاق قبل الدخول ما وجب على الزوج بالعقد فلا وجه إليه؛ لأنه يقع التفاوت بين مثل نصف المقبوض؛ وبين نصف المقبوض لأن الحيوان ليس من ذوات الأمثال وكذا يقع التفاوت بين مثل نصف المقبوض وبين قمته لأن القيمة إنما تعرف بالحزر والظن وعليها رد مثل نصف المقبوض بلا زيادة ولا نقصان والتحرز عن هذا التفاوت ممكن بإيجاب رد نصف المقبوض وإلحاق المقبوض بالعين وقت العقد، وألحقنا المقبوض بالمعين وقت العقد فأوجبنا رد نصف المقبوض بخلاف ابتداء العقد؛ لأن الاحتراز عن هذا التفاوت في ابتداء العقد بإيجاب المعين غير ممكن رده... حالة العقد غير متعين.
أما بعد الطلاق تعين المقبوض بالقبض، فأمكن إيجاب نصفه احترازًا عن التفاوت، فأوجبنا ذلك، وهذا بخلاف الدراهم والدنانير؛ لأن الدراهم والدنانير بالتعيين لا تلتحق بالمعين وقت العقد وكيف تلتحق وإن تعيينها وقت العقد لا يصح. إذا وقعت الفرقة بين الزوجين بمعنى من قبل الزوج قبل الدخول بها إن وقعت بالطلاق لفظًا وحكمًا أو حكمًا لا لفظًا يوجب سقوط نصف الصداق. وإن وقعت بما هو فسخ من كل وجه بأن لم يوجد لفظ الطلاق ولا حكمه يوجب سقوط كل الصداق، وهذا لأن الفرقة من قبل الزوج قد تكون بماهو فسخ من كل وجه، ألا ترى أن غير الأب والجد إذا زوج الصغير امرأة ثم بلغ قبل الدخول واختار الفرقة وفسخ القاضي العقد بينهما كان ذلك فسخًا من كل وجه حتى يسقط الصداق، ففي كل موضع وجد الطلاق لفظًا أو ثبت حكمه كانت الفرقة بالطلاق قد سقط نصف الصداق.
وفي كل موضع لم يوجد الطلاق لفظًا أو لم يتثبت حكمه كانت الفرقة بحكم الفسخ فيوجب سقوط كل الصداق، وصارت الفرقة الواقعة من قبل الزوج بحكم الفسخ نظير الفرقة الجائية من قبل المرأة قبل الدخول بها، وإنها فسخ من كل وجه؛ لأنه تعذر أن تُجعل ذلك الفرقة بالطلاق؛ لأنها لا تملك الطلاق وتملك الفسخ؛ لأنها تفسخ النكاح بخيار البلوغ وعدم الكفاءة فاعتبر فسخًا من كل وجه فيوجب سقوط كل الصداق، وهذا لأن سقوط نصف المهر بالطلاق قبل الدخول عرف بخلاف القياس بالشرع، فإنه فسخ معنى لأن به يعود المعقود عليه إلى مُلك العاقد كما خرج عن ملكه من غير سبب جديد طلاقًا حقيقة وحكمًا، وكل ما كان في معناه من كل وجه أو من وجه يلتحق به وما (لا) فلا.
ولهذا قلنا: إذا ارتد الزوج أو قبّل أم امرأته بشهوة قبل الدخول بها سقط نصف الصداق لأنه فسخ معنى وطلاق حكمًا، فإن حكم الطلاق ثبوت الحرمة وقد ثبتت الحرمة والزوج يملك إثبات الحرمة بالطلاق فيعتبر طلاقًا في حق المرأة فيوجب سقوط النصف.
وإذا اشترى منكوحته قبل الدخول بها سقط كل الصداق، والفرقة جاءت من قبل الدخول بها، ومع هذا سقط الصداق كله؛ لأن الفرقة وقعت بما هو فسخ من كل وجه؛ لأنه لم يوجد الطلاق لا لفظًا ولا حكمًا، فإن الحرمة لم تثبت هنا، هذه الجملة في (شرح الجامع).
وفي (المنتقى): رجل وكل رجلًا بشراء امرأته فاشتراها الوكيل من المولى حتى فسد النكاح، فلا مهر للمولى.
ولو باعها المولى من رجل ثم إن الزوج اشتراها من المشتري فعليه نصف المهر للمولى الأول لأن في هذا الوجه لم يكن من قبله معونة على فساد النكاح.
ولو وكل الرجل من يشتريها له ووكل المولى من يبيعها فاشتراها وكيل الزوج من وكيل المولى فقد بطل المهر. ولو باعها المولى من أجنبي وخرج المشتري بها إلى بلدة أخرى وعلى الزوج في السفر إليها مؤنة فلا مهر لها على الزوج حتى يؤتى بها في قول أبي حنيفة رحمه الله، وكذلك في قول أبي يوسف رحمه الله.

.نوع منه:

في المهر يزيد أو ينقص في يد الزوج أو في يد المرأة فطلقها الزوج قبل الدخول بها أو أخذت الزيادة في يد الزوج في المهر، فإن كانت متصلة كالسمن والجَمَال فإنها تنصف مع الأصل بالطلاق قبل الدخول بالإجماع، وإن كانت منفصلة فإن كانت متولدة من العين كالولد أو كانت مستفادة بسبب العين كالعفو والأرش فإنها تنصف مع الأصل بالإجماع لأن هذه الزيادة صداق بمنزلة الزيادة المتولدة من مبيع المبيع على ما يأتي بيانه في تلك المسألة. وللقبض شبه بالعقد فكانت الزيادة الموجودة لدى العقد، وإن كانت الزيادة مستفادة بسبب المنافع كالكسب والغلّة. والأصل يتنصف بالطلاق قبل الدخول بالإجماع.
وأما الزيادة فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله لا تتصف بل تكون كلها للمرأة. وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تنصف الزيادة مع الأصل. قال القدوري رحمه الله في شرحه: ولو أخر الزوج المهر فالأجرة له ويتصدق بها، وهذا لأن المنافع إنما تتقوم بالعقد عندنا، والعقد كان من الزوج غير أنه يتصدق بالأجرة لأنها حصلت عن محل مملوك للغير فدخل الخبث هذا إذا حدثت الزيادة في يد الزوج.
وإن حدثت الزيادة في يد المرأة ثم طلقها قبل الدخول فهذه الزيادة لا تنصف بلا خلاف وهل منع تنصف الأصل، فإن كانت الزيادة منفصلة وقد استفيدت بسبب المنافع كالكسب والغلة يمنع تنصف الصداق. وإن كانت الزيادة متولدة من العين كالولد أو كانت مستفادة سبب العين كالإرث يمنع تنصف الأصل، وعلى المرأة نصف قيمة الأصل يوم قبضت، فكذلك لو لم يطلقها الزوج في هذه الصورة، لكنها ارتدت أو قبّلت ابن زوجها فعليها رد جميع القيمة يوم القبض فصار أثر الردة في حق الكل بمنزلة أثر الطلاق في حق الطلاق.
فروي عن أبي يوسف رحمه الله في الردة والتقبيل أنه يجب عليها رد الأصل والزيادة. فرّق بين الزيادة والتقبيل وبين الطلاق، وإن كانت الزيادة الحادثة في يد المرأة متصلة؛ كالسمن والجمال فإنها تمنع تنصف الأصل عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله، وعلى المرأة نصف قيمة الأصل يوم القبض. وقال محمد رحمه الله لا يمنع تنصف الأصل. ولو هلكت هذه الزيادة ثم طلقها كان لها نصف الأصل لأن المانع من التنصيف قد ارتفع، ولو حدثت هذه الزيادة في يد المرأة بعد الطلاق أو الزيادة ثبت حق الزوج في الزيادة. هكذا ذكر القدوري رحمه الله؛ لأن الصداق في يدها في هذه الصورة بمنزلة المقبوض بحكم العقد الفاسد، فيجب عليها الرد بزوائدها المتصلة والمنفصلة جميعًا.
وفي (المنتقى): قال هشام: سألت محمدًا رحمه الله عن رجل تزوج امرأة على نخيل صغار طول النخلة قدر شبر وسلمها إليها، فمكثت حتى صارت النخيل طول الرماح إلا أنها لم تحمل ثم طلقها قبل الدخول بها قال: له أن يأخذ بعضها بالعدد.
فقد أشار إلى الزيادة المتصلة في يد المرأة تنصف، وأنه يخالف رواية الأصل كما بيّنا.
قال هشام: قلت: فإن تزوجها على زرع حنطة بعل ودفعه إليها، وأعارها الأرض حتى بلغ الزرع وانعقد الحب قال: إن كان الحب قد استبدَ فلا سبيل للزوج على الزرع؛ لأنه قد خرج من الحالة التي تزوجها عليها. قلت: فإن تزوجها على عشرين شاة عجاف فأحسنت إليها حتى حملت ودرّ اللبن من ضروعها ثم طلقها قبل أن يدخل بها قال: يأخذ بعضها على حالها. هذا هوالكلام في الزيادة.
جئنا إلى النقصان فنقول: إذا انتقص المهر في يد الزوج ثم طلقها قبل الدخول بها فهذا على وجوه:
أحدها: أن يكون النقصان بآفة سماوية وأنه على وجهين: إن كان النقصان يسيرًا كان لها نصف الخادم معينًا من غير ضمان النقصان، ليس لها غير ذلك، وإن كان النقصان فاحشًا فلها الخيار؛ إن شاءت تركت المهر على الزوج وضمنته نصف قيمته يوم العقد، وإن شاءت أخذت نصف الخادم معينًا من غير أن يضمن الزوج ضمان النقصان.
الوجه الثاني: أن يكون بفعل الزوج فإنه على وجهين أيضًا: إن كان النقصان يسيرًا فإنها تأخذ نصف الخادم على الزوج وتضمنه قيمة الخادم، وإن كان النقصان فاحشًا إن شاءت أخذت نصف قيمة الخادم يوم العقد وتركت الخادم، وإن شاءت أخذت نصف الخادم وضمن الزوج نصف قيمة النقصان.
الوجه الثالث: أن يكون النقصان بفعل المرأة، وفي هذا الوجه لها نصف الخادم لا شيء لها غير ذلك، فلا خيار لها سواء كان النقصان يسيرًا أو فاحشًا.
الوجه الرابع: أن يكون النقصان بفعل الصداق، ففي ظاهر الرواية كالنقصان بآفة سماية، وروي عن أبي حنيفة رحمه الله أنه بمنزلة تعييب الزوج.
الوجه الخامس: أن يكون النقصان بفعل الأجنبي وأنه على وجهين: إن كان يسيرًا فإنها تأخذ نصف الخادم ويضمن الأجنبي نصف قيمة النقصان ليس لها غير ذلك. وإن كان فاحشًا إن شاءت أخذت نصف الخادم وأتبعت الأجنبي بنصف قيمة النقصان وإن شاءت تركت الخادم على الزوج وأخذت من الزوج نصف قيمة الخادم يوم العقد، ثم الزوج أتبع الجاني علة النقصان. هذا إذا حصل النقصان في يد الزوج.
فإن حصل النقصان في يد المرأة ثم طلقها قبل الدخول بها، فإن كان بآفة سماوية والنقصان يسيرًا أخذ الزوج نصف المهر معيبًا ليس له غير ذلك. وإن كان النقصان فاحشًا إن شاء أخذ النصف كذلك معيبًا من غير ضمان النقصان، وإن شاء ترك ذلك على المرأة وضمنها نصف قيمته صحيحًا يوم القبض؛ لأن قبضها غير مضمون عليها؛ لأنها قبضت ملك نفسها، فما أخذت من النقصان لا يكون مضمونًا عليها، لكن الزوج يتخير لأنه وجب عليها الرد كما قبضت وإن كان النقصان في يد المرأة بعد الطلاق ذكر الحاكم الشهيد رحمه الله: أن هذا وما لو كان النقصان قبل الطلاق سواء، وعامة المشايخ على أن للزوج أن يأخذ بعضها مع نصف النقصان وهكذا ذكر القدوري رحمه الله في شرحه وهو الصحيح لما ذكرنا أن الصداق في يد المرأة بعد الطلاق بمنزلة المقبوض بحكم يقع فاسدًا فيكون مضمونًا بجميع أجزائه، وإن شاء أخذ نصف قيمته يوم قبضت.
وإن كان النقصان قبل الطلاق أو بعد الطلاق بفعل المرأة فهذا وما لو كان النقصان بآفة سماوية سواء. وإن كان النقصان بفعل المهر فكذلك الجواب أيضًا. وإن كان النقصان قبل الطلاق بفعل الأجنبي ينقطع الرجوع عن المهر وعليها نصف القيمة للزوج يوم قبضت؛ لأن الأجنبي قد ضمن الأرش فتصير هذه زيادة منفصلة إلا أن تكون هي أبرأت الزوج عن الجناية أو هلك الأرش في يدها قبل الطلاق، فحينئذ يتنصف المهر لزوال المانع. وإن كان النقصان بعد الطلاق: ذكر الحاكم الشهيد رحمه الله: أن هذا وما لو حصل النقصان قبل الطلاق سواء، وذكر القدوري رحمه الله: في شرحه أن الزوج يأخذ نصف الأصل وهو بالخيار في الأرش، إن شاء أتبع الجاني وأخذ منه نصف الأرش، وإن شاء أخذ من المرأة لما ذكرنا أن الصداق في يدها بعد الطلاق بمنزلة المقبوض بحكم عقد فاسد فيكون مضمونًا عليها.
وإن كان النقصان قبل الطلاق بفعل الزوج فهذا وما لو كان النقصان بفعل الأجنبي سواء؛ لأن الزوج ضمن الأرش كالأجنبي، فصار الجواب في حقه كالجواب في حق الأجنبي.
وإن هلك الصداق في يد الزوج ثم طلقها قبل الدخول بها فلها على الزوج نصف القيمة يوم العقد. وإن هلك في يد المرأة وطلقها قبل الدخول بها فله على المرأة نصف القيمة يوم القبض والله أعلم بالصواب.

.نوع منه في المرأة تهب الصداق من زوجها ثم يطلقها الزوج قبل الدخول بها:

الصداق لا يخلو أن يكون دينًا، كالدراهم والدنانير والمكيل والموزون في الذمة لها، فلا رجوع له عليها بشيء سواء وهبت قبل القبض أو بعد القبض؛ لأن عين ما وجب رده عاد إلى الزوج، وكذلك لو كان المهر حيوانًا في الذمة أو عروضًا في الذمة فأعطاها حيوانًا وسطًا أو عرضًا وسطًا ثم وهبته من الزوج لما مر أنه يلتحق بالمعين وقت العقد، ولو كان المهر دينًا فوهبته منه قبل القبض ثم طلقها قبل الدخول بها لا يرجع عليها بشيء عند علمائنا الثلاثة رحمهم الله.
ولو قبضت ذلك منه ثم وهبته منه رجع عليها بنصف المقبوض؛ لأن رد العين ليس بواجب، ألا ترى أن لها أن تمسك المقبوض وترد مثله، فصار كأنها وهبته مالًا آخر. ولو قبضت النصف ووهبت منه النصف الباقي ثم طلقها قبل الدخول بها؛ قال أبو حنيفة رحمه الله: لا يرجع عليها بشيء. وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: يرجع بنصف المقبوض، هكذا ذكر في (الأصل) وفي (القدوري)، ولم يذكر ما إذا وهبت النصف المقبوض. ذكر في (المنتقى) إبراهيم عن محمد رحمها الله إذا تزوج امرأة على ألف ودفع إليها خمس مائة ثم إنها وهبت من الزوج الخمس مائة المقبوضة ثم طلقها الزوج قبل الدخول بها فلا رجوع له عليها، ولو دفع إليها ست مائة ووهبتها منه ثم طلقها قبل الدخول بها رجع عليها بمائة. علل فقال: لأن ما وقع إليها بينهما نقصان: وما بقي بينهما نقصان بيانه: أن رد عين المقبوض ليس بواجب عيلها بل لها أن تمسك المقبوض وتردّ مثله مكانها، وهبت بالآخر وبقيت الستمائة المقبوضة مهرًا في يدها على حالها، فتنصفت الستمائة بالطلاق قبل الدخول بها كما تنصفت الأربعمائة التي بقيت في الذمة، فمئتان بمائتين وبقيت له مائة. ولو كانت الستمائة التي دفعها إليها والأربعمائة الباقية رجع عليها بثلاث مائة وهو بناءً على ما قلنا.
وفيه أيضًا: لو دفع الألف كلها إليها ثم اختلعت منه بألف قبل أن يدخل بها رجع عليها في القياس بخمس مائة.
وفي الاستحسان: لا يرجع عليها بشيء. وفي الأصل: إذا وهبت الصداق من أجنبي وسلطته على قبضه فقبض ثم طلقها قبل الدخول بها رجع عليها بنصفه. ولو قبضت الصداق ووهبته من أجنبي ثم الأجنبي وهبه من الزوج، ثم طلقها قبل الدخول بها رجع عليها بالنصف الدين والعين فيه على السواء، وهذا لأن المستحق للزوج بالطلاق قبل الدخول سلامة نصف المهر من جهة المرأة من غير عوض ولم يوجد ذلك هنا.
وفي القدوري: لو باعته المهر ووهبته على عوض ثم طلقها قبل الدخول بها رجع عليها بنصف القيمة، وتعتبر القيمة يوم البيع، ولو كانت قبضت ثم باعت اعتبرت القيمة يوم القبض.

.نوع منه:

في وجوب المهر بلا نكاح إذا وطئ جارية الابن مرارًا فعليه مهر واحد، وإذا وطئ جارية الأب مرارًا أو ادعى الشبهة فعليه بكل وطئة مهر، وهذا لأن الثابت في حق الأب شبهة ملك فكان الوطء الثاني استيفاء بملكه. ومن استوفى منفعة ملكهِ مرارًا لا يلزمه إلا بَدَلٌ واحدفي ابتداء.... والثابت في حق الابن بشبهة اشتباه فكان كل وطء استيفاء ملك الغير فيجب بكل وطء مهر.
وعلى هذا إذا وطئ جارية امرأته مرارًا يجب بكل وطء مهر؛ لأن له شبهة اشتباه. ولو وطئ مكاتبته مرارًا فعليه مهر واحد لأن له شبهة ملك. هذه الجملة في (واقعات الناطفي) وإذا وطئ أحد الشريكين الجارية المشتركة مرارًا يجب بكل وطئة نصف مهر إذ ليس له في النصف الثاني شبهة ملك فصار بمنزلة جارية ووطئها مرارًا ثم استحقت فعليه مهر واحد.
وإذا استحق نصفها فعليه نصف مهر. وفي (نوادر هشام) أيضًا عن محمد رحمه الله في صبي ابن أربع عشر سنة جامع امرأة ثيبًا وهي نائمة لا تدري فلا مهر عليه. وإن كانت بكرًا فأفضاها فعليه المهر. وكذلك المجنون.
وفي آخر حدود شيخ الإسلام رحمه الله: الصبي إذا زنى بصبيّةٍ فعليه المهر؛ لأنه مؤاخذ بأفعاله، فإن أُمر الصبي بذلك فلا مهر عليه.
وإذا زنى الصبي بامرأة حرة بالغة فأذهب عذريتها؛ إذا كانت مكرهة ضمن الصبي المهر، وإن كانت طائعة دعته إلى نفسها فلا مهر عليه. والصبية إذا دعت صبيًّا إلى نفسها فأذهب عذريتها فعليه المهر؛ لأن أمرها لم يصح في إسقاط حقها بخلاف البالغة. والأمة إذا دعت صبيًّا وزنى بها لزمه المهر؛ لأن أمرها لا يصح في حق المولى.
وفي (واقعات الناطفي): إذا وطئ منكوحته مرارًا ثم ظهر أنه كان حَلَفَ بطلاقها يلزمه مهر واحد؛ لأن له شبهة ملك.
وفي (نوادر ابن سماعة) عن محمد رحمه الله: رجل طلّق امرأته وهو يجامعها ثم تم على جماعه إياها حتى قضى حاجته منها فلا حدّ عليه ولا مهر، إلا أن يكون أخرجه بعد الطلاق ثم عاد إلى المخالطة فيكون ذلك جماعًا مستقبلًا؛ لأن الجماع ليس بجماع تام إلا بابتداء إدخاله ثم بإخراجه.
فإذا كان الجماع أوّله وآخره حلالًا فهذا ليس بجماع تام على الحرمة فدرأت عنه الحد ولم ألزمه، قال: وكذلك ثم تم على جماعه ثم طلقها فإني أدرأ عنه الحد وألزمه مهرين؛ مهر بابتداء الغشيان ومهر آخر بالتزوج لأن مكثه على الجماع لا يكون أولى من الخلوة في إيجاب المهر. ألا ترى أنها لو حملت من جماعه ذلك كان ابنه، ولا أجعل هذا منه إحصانًا. وفي (نوادر المعلى) عن أبي يوسف رحمه الله: رجل غصب امرأة وجامعها فيما دون الفرج وجاءت بولد، فإن كانت بكرًا فعليه المهر، وإن كانت ثيبًّا فلا مهر عليه.
وعنه أيضًا: إذا وطئ الرجل امرأته أبيه من قبل أن يدخل بها الأب وإن كان علم أنها امرأة أبيه فعليه لها مهر بالدخول، ونصف المهر للأب بما أفسد عليه، فإن كان لا يعلم أنها امرأة أبيه فعليه لها مهر الدخول، وعلى الأب لها نصف المهر في قولي وفي قول أبي حنيفة رحمه الله.
قال الحاكم أبو الفضل رحمه الله. ذكر هذه المسألة بخلاف هذا في رواية بشر. وفي (المنتقى): بشر عن أبي يوسف رحمه الله لو أن أخوين تزوج أحدهما بامرأة، والآخر بابنتها فأدخلت كل واحدة منهما على غير زوجها منهما ودخل بها فقد بانت منهما امرأتاهما، وعلى كل واحد منهما نصف المهر، وللتي وطئها مهر مثلها وليس لواحد منهما أن يتزوج بامرأته بعد ذلك، ولزوج الأم أن يتزوج بالابنة التي وطئها وإن كانت هي ربيبته إلا أنه لم يدخل بالأم. وليس لزوج الابنة أن يتزوج الأم التي وطئها لأنها أم امرأته، وكذلك لو لم يكن بين الزوجين قرابة.
وفي (المنتقى): رجل وابنه تزوجا امرأتين أجنبيتين فأدخلت كل واحدة منهما على زوج صاحبتها، فعلى كل واطئ مهر التي وطئها ولا شيء عليه لامرأته؛ لأن الوطء كان بمطاوعةٍ منها والآخر بابنتها فأدخلت امرأة الأب على الابن وأدخلت امرأة الابن على الأب فوطئاهما فإن على الواطئ الأوّل نصف مهر امرأته وجميع مهر الموطوءة فلا شيء على الواطئ الآخر من مهر امرأته فإن كان الوطء منهما معًا فلا شيء على واحد منهما لامرأته. وفيه أيضًا: إذا قال لامرأته ولم يدخل بها: أنت طالق حين أخلو بك أو قال: إذا خلوت بك، فخلى بها وجامعها فعليه مهر ونصف مهر بالدخول، ونصف مهر بالطلاق قبل الدخول، ولا أثر للخلوة في هذه الصورة في تأكيد المهر؛ لأن المهر إنما يتأكد بالخلوة إذا كانت فيها مُدّة يمكنه الدخول فيها. وإن لم يكن جامعها بعد الخلوة فعليه نصف المهر.
وفيه أيضًا: إذا قال لأجنبية: إذا تزوجتك وخلوت بك ساعة فأنت طالق فتزوجها وخلى بها وقع الطلاق عليها ولها مهران: مهر بالخلوة، ومهر بالدخول بعد الخلوة بساعة. وإن كان الدخول مع الخلوة لم يكن عليه إلا مهرٌ لأن الطلاق وقع بعد الدخول.
في (العيون): إذا قال لامرأة: كلما تزوجتك فأنت طالق، فتزوجها في يوم واحد ثلاث مرات ودخل بها في كل مرّة فهي امرأته وعليه مهران ونصف وقد وقعت تطليقتان على قياس قول أبي حنيفة، وهو قول أبي يوسف رحمهما الله؛ لأنه لما تزوجها أولًا وقعت تطليقة ووجب نصف مهر، فلما دخل بها وجب مهر كامل؛ لأن هذا وطء عن شبهة في المحل ووجبت العدة، فإذا تزوجها ثانيًا وقع طلاق آخر. وهذا الطلاق بعد الدخول معنى، فإن من تزوج المعتدة وطلقها قبل الدخول بها عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله يكون هذا الطلاق بعد الدخول معنى فيجب مهر كامل فصار مهران ونصف.
فإذا دخل بها فقد دخل بها وهي معتدة عن طلاق رجعي فصار مراجعًا، ولا يجب بالوطء شيء، فإذا تزوجها ثالثًا لا يصح النكاح؛ لأنه تزوجها وهي منكوحة. ولو قال: كلما تزوجتك فأنت طالق بائن والمسألة بحالها بانت بثلاث وعليه خمس مهور ونصف مهر في قياس قولهما يخرج على الأصل الذي بينّا.
ذكر نجم الدين النسفي رحمه الله تفسير العقر الواجب بالوطء في بعض المواضع حاكيًا عن القاضي الإمام الإسبيجابي رحمه الله: أن ينظر بكم يستأجر هذه المرأة بالوطء لو كان الاستئجار بالوطء حلالًا.
وفي (واقعات الناطفي) في آخر كتاب البيوع أن تفسيره عند أبي حنيفة رحمه الله أن ينظر بكم يتزوج به مثلها وأحاله إلى اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى رحمهما الله.

.الفصل السادس عشر في النكاح الفاسد وأحكامه:

إذا وقع النكاح فاسدًا وفرق القاضي بين الزوج وبين المرأة فإن لم يكن دخل بها فلا مهر لها ولا عدة، وإن كان قد دخل بها فلها الأول (إن) لم يكن دخل مما سمى لها ومن مهر المثل إن كان ثمة مسمى، وإن لم يكن ثمة مسمى فلها مهر المثل بالغًا ما بلغ وتجب العدة. ويعتبر الجماع في القبل حتى يصير مستوفيًا المعقود عليه، وتعتبر العدة من حين يفرق بينهما عند علمائنا الثلاثة رحمهم الله، ولكل واحد من الزوجين فسخ هذا النكاح بغير محضر من صاحبه عند بعض المشايخ، وعند بعضهم إن لم يدخل بها فكذلك الجواب.
وإن دخل بها فليس لواحد منهما حق الفسخ إلا بمحضر من صاحبه، كما في البيع الفاسد لكل واحد من المتعاقدين حق الفسخ بغير محضر من صاحبه قبل القبض فليس له ذلك بعد القبض.
وإن فرّق القاضي بين الزوج وامرأته بحكم فساد النكاح وكان ذلك بعد الدخول بها وجبت عليها العدة، ثم تزوجها في العدة نكاحًا صحيحًا، ثم طلقها قبل الدخول بها فلها المهر الثاني كاملًا وعليها العدة مستقبلة عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله، وعند محمد رحمه الله: يجب نصف المهر الثاني وتلزمها بقية العدة الأولى.
وكذلك لو كان النكاح الأول صحيحًا وطلقها تطليقة بائنة بعد ما دخل بها، ثم تزوجها في العدة ثم طلقها في النكاح الثاني قبل الدخول بها فلها المهر الثاني كاملًا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله. فالحاصل: أن في الدخول في النكاح الأول دخول في النكاح الثاني إذا حصل النكاح الثاني في العدة، وأجمعوا على النكاح الثاني لو كان فاسدًا وفرق بينهما قبل الدخول بها في النكاح الثاني أنه لا يجب المهر الثاني؛ لأن الدخول في النكاح الأول إنما اعتبر دخولًا في النكاح لتمكنه من الدخول شرعًا، وذلك بالعقد الفاسد لا يكون. وبهذا الطريق قلنا: إن الخلوة في العقد الفاسد لا توجب المهر والعدة، هذه الجملة في نكاح (الأصل) في باب الأكفاء. ذُكر في (فتاوى أبي الليث) رحمه الله: رجل تزوج امرأة نكاحًا فاسدًا وجاءت بولد أتى بستة أشهر ثبت النسب، فالنكاح الفاسد بعد الدخول في حق النسب بمنزلة النكاح الصحيح ويعتبر أقله وذلك ستة أشهر من وقت النكاح عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله، وعند محمد رحمه الله من وقت الدخول.
قال الفقيه أبو الليث: والفتوى على قول محمد رحمه الله؛ لأن النكاح الصحيح إنما يقام مقام الوطء؛ لأنه داعٍ إليه شرعًا، والنكاح الفاسد ليس بداعٍ فلا يقام مقام الوطء.
وذكر في كتاب الدعوى في (الأصل): إذا تزوجت الأمة بغير إذن مولاها ودخل الزوج ثم ولدت لستة أشهر منذ تزوجها، فادعاه المولى والزوج فهو ابن الزوج؛ لأن النكاح الفاسد عند اتصال الدخول به في حق النسب ملحق بالنكاح الصحيح، والجواب في النكاح الصحيح ما قلنا فكذا هنا، فقد اعتبر المدة من وقت النكاح فإنه وضع المسألة فيما إذا ولدت لستة أشهر منذ تزوجها، ولم يحك خلافًا.
قال الشيخ الإمام شمس الأئمة الحلواني رحمه الله: هذه المسألة دليل على أن الفراش ينعقد بنفس العقد في النكاح الفاسد، خلافًا لما يقوله بعض مشايخنا لا ينعقد إلا بالدخول. وذكر شيخ الإسلام رحمه الله أيضًا: أن الفراش لا ينعقد بالنكاح الفاسد إلا بالدخول.
وتأويل هذه المسألة على (ما) ذكره شيخ الإسلام: أن الدخول كان عقيب النكاح بلا فصل، فتكون المدة في وقت النكاح وفي وقت الدخول سواء. إذا تزوجها نكاحًا فاسدًا وخلا بها وجاءت بولد وأنكر الزوج الدخول فعن أبي يوسف رحمه الله روايتان، في رواية قال: يثبت النسب ووجب المهر والعدة، وفي رواية قال: لا يثبت النسب ولا يجب المهر ولا تجب العدة وهو (قول) زفر رحمه الله، وإن لم يخل بها لا يلزمه الولد.
في (مجموع النوازل) الطلاق في النكاح الفاسد ليس بطلاق على الحقيقة بل هو متاركة، حتى لا ينتقص من عدد الطلاق، والمتاركة في النكاح الفاسد لا تتحقق بعدم مجيء كل واحد منهما إلى صاحبه، وإنما تتحقق بالقول بأن يقول الزوج مثلًا: تركتك، تركتها خليت سبيلك، خليت سبيلها والله أعلم بالصواب.

.الفصل السابع عشر في ثبوت النسب:

قال محمد رحمه الله في كتاب الدعوى: إذا تزوج الزوج جارية وجاءت بولد فقال الزوج: تزوجتك منذ شهر، وقالت المرأة: لا بل منذ سنة فإن الولد ثابت النسب، وإن كانا تصادقا أنه تزوجها منذ شهر لم يثبت نسب الولد منه. وإن قامت البيّنة بعدما تصادقا أنه تزوجها منذ سنة قبلت. أما إذا كان الولد كبيرًا وقد أقام البينة بنفسه فهذا الجواب ظاهر؛ لأن هذه بينة قامت من خصم على خصم.
وأما إذا كان الولد صغيرًا فقد تكلّم المشايخ في تخريج المسألة، بعضهم قالوا: القاضي ينتصب خصمًا عن الصغير لأن النسب حق الصغير، فينتصب عنه خصمًا لتكون البينة قائمة ممن هو خصم، ثم الخصم إنما يقيم البينة على الزوج هنا؛ لأن النسب ثابت منهما على كل حال.
وبعضهم قالوا: يسمع البينة من غير أن ينتصب عنه خصمًا بناء على أن الشهادة على النسب هل يقبل جنسه من غير دعوى، وقد اختلف مشايخنا فيه منهم من قال يقبل. وزعم أن هذه المسألة تدل عليه، وإذا كان الصبي في يدي امرأة فقال رجل للمرأة: هذا ابني من نكاح وقالت المرأة: هو ابنك من زنى لم يثبت نسبه، لإنكارها ما ادعاه من الفراش. وإن قالت بعد ذلك: هو ابنك من نكاح ثبت نسبه منهما؛ لأنها أقرّت له بالنكاح بعدما أنكرت، والإقرار بعد الانكار صحيح، فثبت النكاح بينهما، فمن ضرورته ثبوت نسب للولد منهما.
وإذا كان الولد في يد رجل وامرأته فقال الزوج: هذا الولد من زوج كان لك قبلي، وقالت المرأة: بل هو منك فهو منه؛ لأن السبب بينهما ظاهر وهو الفراش، وما ادعاه الرجل غير معلوم.
رجل تحته امرأة وفي يدي المرأة ولد والولد ليس في يد الزوج فقالت المرأة: تزوجتني بعدما ولدت هذا الولد من زوج قبلك، وقال الزوج: لا بل ولدته في ملكي فهو ابن الزوج لما بيّنا أن السبب ظاهر بينهما.
ولو كان الولد في يد الزوج دون المرأة فقال: هو ابني من غيرك، فقالت هو ابني منك فالقول قول الزوج، ولا تصدق المرأة، بخلاف ما سبق. والفرق أن قيام الفراش بينه وبينها لا يمنع فراشًا آخر على غيرها إما بنكاحٍ أو ملك.
فإذا كان الولد في يده كان بيان نسبته إليه في أي فراش حصل. أما ثبوت الفراش له عليها يمنع فراشًا لغيره عليها فكان هذا الفراش في حقها متعينًا، وباعتباره ثبت النسب من هذا الزوج.
قال أصحابنا رحمهم الله: لثبوت النسب مراتب ثلاثة:
أحدها: النكاح الصحيح وما هو من معناه في الزواج الفاسد، والحكم فيه أنه يثبت النسب من غير دعوى، ولا ينتفي بمجرد النفي وإنما ينتفي باللعان، فإن كانا ممن لا لعان بينهما لا ينتفي نسب الولد.
والثاني: الولد والحكم فيه أن نسب ولدها ثبت بدون الدعوى ولكن ينتفي لمجرد النفي.
الثالث: الأمة والحكم فيه أن نسب ولدها لا يثبت بدون الدعوى، قالوا وإنما يثبت نسب ولد أم الولد بدون الدعوى إذا كانت بحال يحل للمولى وطئها، وأما إذا كانت بحال لا يحل للمولى وطئها لا يثبت النسب بدون الدعوى حتى أن المولى إذا كانت أم ولده فجاءت بولد بعد ذلك لا يثبت نسبه بدون الدعوى. وكذلك الجارية إذا كانت بين رجلين جاءت بولد.... حتى يثبت النسب منهما ثم جاءت بولد آخر لا يثبت نسب هذا الولد بدون الدعوى.
وفي (الواقعات) إذا غاب عن امرأته وهي بكر أو بنت عشر سنين فتزوجت وجاءت بالأولاد فالأولاد من الزوج الأول عند أبي حنيفة رحمه الله، ووضع المسألة في (الأصل) فيما إذا نُعِيَ إلى المرأة زوجها فاعتدت وتزوجت وولدت من الزوج الثاني ثم جاء الزوج الأول حيّا فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله الولد للزوج الأول على كل حال؛ لأنه صاحب الفراش الصحيح؛ لأنه بغيبته لا يفسد فراشه. وفراش الزوج الثاني فاسد، ولا معارضة بين الصحيح والفاسد بوجه... الفاسد مدفوع بالصحيح. وروى عبد الكريم الجرجاني عن أبي حنيفة رحمه الله أن النسب من الزوج الثاني وهو قول ابن أبي ليلى رحمه الله.
وكان أبو يوسف رحمه الله يقول: إن جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر منذ تزوجها فالأولاد للزوج الأول. وإن جاءت بالولد لستة أشهر فصاعدًا منذ تزوجها فالأولاد للزوج الثاني وقال محمد رحمه الله: إن جاءت بالولد لأقل من سنتين منذ دخل بها الزوج الثاني فالأولاد للأول. وإن جاءت بالولد لأكثر من سنتين منذ دخل بها الزوج الثاني فالأولاد للثاني وكذلك لو ادعت الطلاق فاعتدت وتزوجت والزوج الأول جاحد لذلك فهو على الخلاف الذي قلنا.
هكذا ذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله شرح في كتاب (الدعوى). وفي نكاح (المنتقى): رجل له زوجة تزوجت وهو حاضر فجاءت بولد، فإن الولد للأول في هذا الموضع. قال ثمة: بهذا يحتج أبو حنيفة رحمه الله في فصل الغيبة قال وقول أبي يوسف رحمه الله كقول أبي حنيفة رحمه الله إذا كان الزوج حاضرًا أو غائبًا غيبة منتهية، وإن كان غائبًا غيبة منقطعة معروفة فالولد للآخر.
ذكر الحسن بن زياد عن أبي يوسف رحمه الله في مجبوب تزوج امرأة وبقيت عنده زمانًا ثم جاءت بولد قال: لزمه الولد وأجعل ذلك إحصانًا، ويحلها ذلك لزوج كان قبله، وبهذا طلاقه.
وفي نوادر هشام قال: سمعت أبا يوسف رحمه الله في رجل اشترى أمة فولدت منه، ثم أقام رجل البينة أنها امرأته زوجها مولاها منه قال: أجعلها وأجعل الولد ولد الزوج لأنه صاحب الفراش، وأعتق الولد بدعوة المولى يعني: لو ادعاه بحكم يعتقه.
وفي (نوادر ابن سماعة) عن محمد رحمه الله: رجل زوج ابنه وهو صغير لا يجامع مثله ولا تحمل المرأة (منه) فجاءت امرأته (بولد) لا يلزمه الولد ولا ترد المرأة ما أنفق أب الزوج عليها عن ابنه لأنها إن زنت وحملت فلها النفقة وهي على ذلك؛ لأنه لا يعرف أبوه، يعني أب الولد، وإن أقرّت أنها تزوجت ردت على الزوج نفقه ستة أشهر مقدار مدة الحمل، وإن كان زوّجه أمة فجاءت بولد فادعاه السيد فهو ابنه؛ لأنه عبده لا يعرف له نسب فيجوز دعوته فيه.
رجل زنى بامرأة فحملت منه فلما استبان حملها تزوجها الذي زنى بها فالنكاح جائز، فإن جاءت بالولد بعد النكاح لستة أشهر فصاعدًا يثبت النسب منه وترث منه، لأنها جاءت به في مدة حمل بأنه عقيب نكاح صحيح، فإن جاءت به لأقل من ستة أشهر لا يثبت النسب ولا ترث منه إلا أن يقول: هذا الولد مني ولم يقل من الزنى.
في (فتاوى أبي الليث) رحمه الله. وفيه أيضًا: رجل له جارية يطأها يعزل عنها فجاءت بولد، فإن كانت الجارية غير محصنة تخرج وتدخل وأكثر ظن الرجل أن الولد ليس منه فهو في سعة من نفيه وإن كانت محصنة لا يسعه نفيه ولا يعتمد العزل؛ لأنه قد يعزل في الفرج الخارج ويظن أنه لا يدخل ويدخل ومتى عزل وعاد وجامع (من غير) أن يبول تحبل لأنه يبقى الماء في ذكره فالعزل مما لا يعتمد عليه. وهذا أيضًا في كتاب العتاق.
جارية هربت من مولاها يومًا ثم وجدها، ويطأها ويعزل عنها وظهر بها حبل وولدت بعد ستة أشهر منذ هربت ومات الولد فإن كانت الجارية قد ذهبت إلى متهم بها فالمولى في سعة من بيعها إلا أن الغالب أن الولد كان من فجور، وإن كانت الجارية عفيفة لم يظهر منها فجور لا ينبغي له أن يبيعها، وينبغي أن يشهد أنها أم ولده حتى لا تباع بعد موته، هذا حق لازم ديانةً لأن الغالب أنه منه، فالعزل مما لا يعتمد عليه على ما ذكرنا.
وإذا طلق امرأته طلاقًا بائنًا وجاءت بولد ما بينهما وبين سنتين ثبت النسب منه. وإن جاءت به لأكثر من سنتين لا يثبت. وأما المطلقة الرجعية فيثبت نسب ولدها بينها وبين سنتين ولم يصر الزوج مراجعًا. وإن جاءت به لأكثر من سنتين ثبت النسب وصار مراجعًا، وهذا كله إذا لم تقر بانقضاء العدة، فأما إذا أقرت بانقضاء العدة ثم جاءت بولد لستة أشهر فصاعدًا من وقت الإقرار لم يثبت نسبه من الزوج في الفصول كلها. وإن جاءت به لأقل من ستة أشهر من وقت الإقرار؛ ففي فصل الموت والطلاق البائن يثبت النسب إلى سنتين من وقت الموت والطلاق.
وفي الطلاق الرجعي يثبت النسب من الزوج وإن جاءت به لأكثر من سنتين من وقت الطلاق.
وإذا طلق الرجل امرأته الصغيرة تطليقة بائنة أو مات عنها زوجها فعلى هذا ثلاثة أوجه: الأول: أن تدعي حملًا بعد الموت والبينونة في هذه العدة، وفي هذا الوجه الحكم فيها والحكم في الكسوة سواء.
الوجه الثاني: أن تقر بانقضاء العدة عند مضي ثلاثة أشهر من البينونة أو عند مضي أربعة أشهر وعشرًا من الموت، ثم جاءت بولد، إن جاءت بالولد لتمام ستة أشهر من وقت الإقرار لا يثبت النسب، وإن جاءت به لأقل من ذلك يثبت، وإن كانت لم تدع الحبل ولم تقر بانقضاء العدة فعلى قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله إن جاءت بالولد لأقل من تسعة أشهر من وقت الطلاق أو لأقل من عشرة أشهر وعشرًا من وقت الموت يثبت النسب. وإن كان لتسعة أشهر فصاعدًا من وقت الطلاق ولعشرةِ أشهر وعشرًا من وقت الموت لا تثبت. وعلى قول أبي يوسف رحمه الله: يثبت النسب إذا جاءت به لأقل من سنتين، وإن كان الطلاق رجعيًا ثبت النسب إذا جاءت بالولد لأقل من سبعة وعشرين شهرًا لا بالحكم؛ لأن العلوق كان في مدة العدة فصار به مراجعًا، وأما المتوفى عنها زوجها إذا كانت كبيرة فيثبت نسب ولدها إلى سنتين.

.الفصل الثامن عشر في نكاح العبيد والإماء:

لا يتزوج العبد أكثر من ثنتين، الحرتان والأمتان في ذلك على السواء، ولا يتزوج أمة على حرّة عندنا، والمكاتب والمدبر وابن أم الولد بمنزلة العبد، فكما لا يجوز للعبد أن يتزوج بغير إذن المولى فكذا لا يجوز للمكاتب والمدبر وابن أم (الولد)، وكذلك معتق البعض عند أبي حنيفة رحمه الله، وكذلك الأمة والمكاتبة وأم الولد والمدبرة لا يصح نكاحهن بغير إذن المولى، ولا يجوز للمولى أن يزوج المكاتبة والمكاتب بغير رضاهما، ويجوز نكاحه على الأمة بغير رضاها، وكذا على العبد إلا رواية عن أبي حنيفة رحمه الله فيجوز للمكاتب والمكاتبة أن يزوجا ابنيهما من غير رضى المولى وتزوجهما أمتهما يخالف تزوجهما أنفسهما.
وإذا تزوج العبد أو المكاتب أو المدبر وابن أم الولد بغير إذن المولى ثم طلقها ثلاثًا قيل إجازة المولى فهذا الطلاق مشارك للنكاح وليس بطلاق حقيقةً، حتى لا ينتقص من عدد الطلاق ولكن لو وطئها بعد الطلاق يلزمه الحدّ، فإن أجاز المولى هذا النكاح بعد ذلك لا تعمل إجازته؛ لأنه قد ارتفع بالطلاق.
وإن أذن له أن يتزوجها بعد هذا الطلاق كرهت له أن يتزوجها، ولم أفرق بينهما إن فعل. وقال أبو يوسف رحمه الله لا أكرهه، وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله الخلاف على هذا الوجه في شرحه.
وفي (المنتقى) بشر عن أبي يوسف رحمه الله: أمة تزوجت بغير إذن مولاها وطلقها الزوج ثلاثًا كان فرقة لا طلاقًا، غير أني أكره أن يتزوجها حتى تنكح زوجًا غيره. وإذا أذن له سيده في النكاح مطلقًا فتزوج امرأتين في عقدة لم تجز واحدة منهما عليه، وهذا بناء على أن الإذن بالنكاح مطلقًا ينصرف إلى امرأةٍ واحدة إلا إذا اقترن به ما يدل على التعميم بأن قال: تزوج ما شئت من النساء أو ما أشبهه فحينئذ يتعمم ويتزوج ثنتين. وإن قال المولى: عنيت به امرأتين جاز نكاحهما عليه؛ لأنه نوى ما عمله لفظه، لأنه نوى كل الفعل في حقه، ونية الكل في اسم الجنس صحيحة، وكل مهر وجب للأمة بعقد أو دخول فهو للمولى. أما المكاتبة ومعتقة البعض فالمهر لهما لأن ما لزم من مهر العبد بإذن الولي يباع فيه لأنه ظهر وجوبه في حق المولى.
وأما المكاتب والمدبر فيستبقيان فيه؛ لأنه تعذر الاستيفاء من غير الرقبة فيستوفى من الكسب، وما لزمهم بغير إذن المولى اتبعوا به بعد العتق؛ لأنه لم يظهر الوجوب في حق المولى فصار بمنزلة الدين الثابت بالإقرار.
وإذا أذن لعبده في النكاح مطلقًا فتزوج امرأة نكاحًا فاسدًا ودخل بها لزمه المهر في الحال على قول أبي حنيفة رحمه الله، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: يتأخر إلى ما بعد العتق، وهذا بناء على أن الإذن بالنكاح مطلقًا ينصرف إلى الجائز والفاسد عند أبي حنيفة رحمه الله، وعندهما إلى الجائز وحده.
وثمرة الخلاف إنما تظهر في مسألتين إحداهما: هذه المسألة.
الثانية: لو أن العبد بعدما تزوج هذه المرأة نكاحًا فاسدًا أَوَلَهُ أن يتزوج هذه أو أخرى بعد ذلك نكاحًا صحيحًا؟ لا يملك عند أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن الإذن انتهى، وعندهما يملك.
قال محمد رحمه الله في (الجامع): عبد تزوج امرأة بغير إذن المولى ثم إن المولى أذن له في النكاح فأجاز ذلك النكاح، فإن أبا يوسف رحمه الله قال: القياس أن لا يجوز لكني استحسن أن أُجيره، وإنما أضاف جواب القياس إلى أبي يوسف رحمه الله؛ لأن أبا يوسف يقول بالقياس في هذه المسألة ثم رجع وقال بالاستحسان. ومحمد رحمه الله كان يقول بالاستحسان من الابتداء، ولم يذكر قول أبي حنيفة رحمه الله؛ لأنه لم يحفظ عنه لا لأن قوله بخلاف قولهما.
وجه الاستحسان أن الإجازة إتمام لذلك العقد، والإذن بالشيء إذن به ومما هو من تمامه، ألا ترى أن الوكيل بالشراء يملك القبض؛ لأن القبض من تمامه، وألا ترى أن الوكيل بالقبض يملك إسقاط خيار الفرق، به بخلاف ما إذا أذن له بنكاح امرأة بعينها فتزوج امرأة أخرى لا يجوز؛ لأن نكاح غيرها غير ذلك ليس من تمام نكاحها، وبخلاف العبد المحجور إذا باع شيئًا من كسبه ثم أذن له المولى في التجارة فأجاز ذلك البيع حيث لا يجوز؛ لأن الإجازة هناك ليست من تمام ما تحت الإذن لأن بيع مال المولى ليس بداخل تحت الإذن في التجارة وكسب العبد ودخل المحجور الخالص مال المولى، ألا ترى أنه لو باع هذا المال بعد الإذن في التجارة لا يجوز وإذا لم يكن بيع هذا المال داخلًا تحت الإذن لم يكن إدخال إجازة ذلك البيع تحت الإذن من حيث إنها إتمام لذلك البيع. أما الإجازة في النكاح إتمام لذلك النكاح؛ لأن نكاح أية امرأة شاء العبد داخل تحت الإذن، ألا ترى أن العقد يملك التزوج بعد إذن المولى فيملك من إتمامه. ومن المشايخ من قال: القياس ما كان. ووجد استحسان في هذه المسألة من وجه آخر. القياس: أنه يبطل النكاح الموقوف بإذن المولى عنده في النكاح فلا تعمل إجازة العبد، وفي الاستحسان لا يبطل فتعمل إجازته. ثم على جواب الاستحسان لا ينفذ هذا العقد من غير إجازة، بخلاف ما إذا أعتق العبد حيث ينفذ ذلك النكاح عليه من غير إجازة.
وفيه أيضًا: إذا أذن الرجل لعبده أن يتزوج على رقبته فتزوج على رقبته أمة أو مدبرة أو أم ولد بإذن مولاهن جاز النكاح، فصار رقبة العبد لمواليهن وأنه أجاز النكاح؛ لأنه لو لم يجز إنما لم يجز من حيث أنه يقارن نكاحها.... في نكاحها وهو ملكها رقبة زوجها من حيث أن الملك في المهر يثبت للأمة أولًا، ثم ينتقل إلى المولى وليس كذلك، بل الملك في المهر يثبت للمولى ابتداءً؛ لأن المملوك ليس كذلك من أهل الملك.
ولو قلنا: إن الملك يثبت لها ابتداءً إلا أن هذا ملك لاقرار له فلا يكفي لقيان النكاح حرة على رقبته لا يجوز؛ لأنها تملك رقبة زوجها، لو جاز النكاح مقارنًا للنكاح؛ لأن الملك في البدلين في المعاوضات يقع معًا، وهذا ملك له قرار يمنع صحة النكاح، ألا ترى أنه لو طرأ على النكاح أبطله، فإذا فارقه منع ثبوته، وكذلك لو تزوج مكاتبة على رقبته كان النكاح باطلًا؛ لأنه لو جاز هذا النكاح ثبت له حق الملك في رقبة زوجها إذنٌ؛ لأن المكاتبة في الكتابة حق الملك هذا إذا أذن له أن يتزوج على رقبته امرأة.
أما إذا (أذن) له أن يتزوج امرأة ولم يقل على رقبتك، فتزوج امرأة حرة أو مكاتبة أومدبرة أو أم ولد على رقبته جاز النكاح بقيمته استحسانًا، بخلاف ما إذا أذن له أن يتزوج على رقبته فتزوج حرة أو مكاتبة أو على رقبته فإنه لا يجوز.
وإذا (أذن) لمكاتبه أو مدبره أن يتزوج على رقبته فتزوج على رقبته أمة أو مدبرة أو أم ولد جاز وهذا ظاهر أنه يجوز مثل هذا من العبد مع أن العبد، يقبل النقل من ملك إلى ملك وكذا إذا تزوج حرة أو مكاتبة، لأن المرأة لا تملك شيئًا من رقبة الزوج هنا؛ لأن المكاتب والمدبر لا يقبلان النقل من ملك إلى ملك بخلاف العبد.
وإذا صح النكاح يجب على المكاتب والمدبر قيمتهما ويسيعيان في ذلك، وهذا لأنه إن يقدر تصحيح النكاح هنا تعين المسمى أمكن تصحيحه بقيمة المسمى، لأن المسمى مال معلوم إلا أنه معجوز التسليم لحقٍ مستحق شرعًا لا لفساد العقد، وفي مثل هذا يجوز النكاح بالقيمة، كما لو تزوج امرأةً على عبد الغير ولم يجز ذلك الغير.
وفي (الجامع) أيضًا: عبد تزوج حرةً أو أمةً أو مكاتبةً أو أم ولدٍ أو مدبرةٍ على رقبته وبغير إذن المولى فبلغ المولى ذلك فأجازه، فإن كان تزوج أمة أو مدبرة أو أم ولدٍ عملت إجازته وصح النكاح.
وإن كان تزوج حرة أو مكاتبة لا تعمل إجازته، فإن كان قد تزوج على رقبته حرة وقد دخل بها لزمه الأقل من قيمته ومن مهر المثل بعد ذلك، ينظر إن دخل بها بعدما دخل بها بعدما أجاز المولى النكاح يكون ذلك دينًا في رقبته يباع فيه إلا إن يفديه المولى.
وإن دخل بها قبل إجازة المولى النكاح يؤاخذ مما لزمه بعد العتق، وهذا لأن هذا النكاح فاسد والمهر في النكاح الفاسد لا يجب بمجرد العقد، وإنما يجب بالعقد والدخول والدخول آخرهما فيضاف الوجوب إليه.
إذا ثبت هذا فنقول: إذا دخل بعد إجازة المولى والإجازة في الانتهاء كإذنٍ في الابتداء كان النكاح والدخول حاصلًا بإذن المولى؛ لأن إذن المولى له بالعقد إذن بالدخول. والإذن بالدخول يوجد في المستقبل معتبر، فكان هذا دينًا لزمه بسبب هو مأذون فيه، فيؤاخذ به للحال. أما إذا دخل بها قبل إجازة المولى فالإذن في حق العقد إن عمل؛ لأنه قائم بمن ينفسخ بعد. ففي حق الدخول لم يعمل؛ لأنه مضى وانقضى حقيقة، فبقي الدخول بغير إذن فكان هذا دينًا لزمه هو بسبب ليس بمأذون فيه فيؤاخذ به بعد العتق.
وإن كان تزوج على رقبته أمةً أو مدبرةً أو أم ولدٍ وقد دخل بها، إن دخل بها بعد إجازة المولى النكاح لا يجب إلا المسمى، وهو رقبة العبد لمواليهن؛ لأن الدخول حصل في نكاح نافذ. وإن دخل بها قبل إجازة المولى النكاح فكذلك الجواب لا يجب إلا المسمى، وهو رقبة العبد للمولى. بعض مشايخنا قالوا: ما ذكر جواب الاستحسان. والقياس: أن يجب مهر المثل بالدخول والمسمى بالعقد، وقاسوا هذه المسألة على مسألة ذكرها في (الأصل) وصورتها:
عبد تزوج امرأة بغير إذن مولاه بألف درهم ودخل بها قبل اجازة المولى النكاح ثم أجاز المولى النكاح، ذكر أن القياس: أن يلزمه مهر المثل بالدخول والمسمى بالنكاح؛ لأنه بالدخول قبل الإجازة لزمه مهر المثل؛ لأنه دخل بها عن شبهة، وبالإجازة نفذ النكاح فلزمه المسمى في النكاح.
وفي الاستحسان يجب المسمى لا غير؛ لأن مهر المثل في مثل هذه الصورة لو وجب بالدخول وجب باعتبار العقد، فإنه لولا العقد كان الواجب هو الحد، والمسمى واجبٌ بالعقد أيضًا. والعقد الواحد لا يوجب مهرين.
وبعض مشايخنا.... ذكر من القياس ثمة لا يبالي هنا؛ لأن مولى الأمة ملك رقبة العبد عند الإجازة، فسقط مهر المثل الواجب بالدخول عن شبهة، إذًا المولى لا يستوجب على عبده شيئًا. وإذا سقط ذلك في مسألتنا لم يجتمع المسمى ومهر المثل على طريق القياس ولا كذلك مسألة الأصل.
وإذا زوج أمته من عبده لا مهر لهاعليه، واختلف المشايخ في تخريج المسألة، بعضهم قالوا: لا يجب المهر أصلًا؛ لأنه لا فائدة في إيجاب وقال بعضهم: يجب ثم يسقط، وإذا أعتقت الأمة فلها الخيار؛ لأن بالعتق يزداد الملك عليها؛ لأن الملك قبل العتق يزول بتطليقتين، وبعد العتق لا يزول إلا بثلاث تطليقات، فكان لها أن ترفع زيادة الملك عن نفسها، وذلك برد أصل النكاح، فيثبت لها رد أصل النكاح، وكما ثبت لها الخيار بالعتق حال قيام النكاح يثبت لها الخيار بالعتق في العدة عن طلاق رجعي، هكذا ذكر في (المنتقى).
ويستوي أن تكون الأمة صغيرة أو كبيرة، إلا أنها إذا كانت صغيرة لا ينصرف بحكم هذا الخيار فسخًا، فلا إجازة ما لم يبلغ فسخًا بأن تختار نفسها، وأجازه بأن تختار وزوجها لتردده بين الضرر النفع، والصغير لم يؤهل لمثل هذا التصرف، فلا يملك وليها التصرف بحكم هذا الخيار أيضًا؛ لأن وليها قائم مقامها فلما بلغت خيرها القاضي خيار العتق فلا يخيرها خيار البلوغ.
وقوله: ولا يخيرها خيار البلوغ يحتمل فلا يخيرها خيار البلوغ؛ لأنه ليس لها خيار البلوغ فلا يخيرها خيار البلوغ مع أن خيار البلوغ ثابت لأنه ثبت لها خيار العتق وخيار العتق ينتظم خيار البلوغ؛ لأنه أعم من خيار البلوغ.
واختلف المشايخ فيه، منهم من قال بالأول وهو الأصح، هكذا ذكر محمد رحمه الله في (الجامع) في فصل العبد على ما يأتي بيانه بعد هذا. وهذا لأن العقد صدر ممن هو كامل الولاية؛ لأن ولاية المولى على مملوكه نسبت الملك، ولا نقصان في الملك فكانت الولاية كاملة فلا يثبت خيار البلوغ كما في الأب والجد، ثم الكلام في خيار العتق في فصول:
أحدها: أن خيار العتق يثبت للأنثى دون الذكر. الثاني: أن خيار العتق لا يبطل بالسكوت فيبطل بقول أو فعل يدل على اختيارها النكاح، وقد ذكر الكرخي عن محمد رحمه الله أن المعتقة إذا قالت: رضيت بالنكاح بطل خيارها. والثالث: أنه يبطل بالقيام عن المجلس. الرابع: أن الجهل بخيار العتق عذر حتى لو علمت بالعتق ولم تعلم بالخيار لا يبطل خيارها وإن قامت عن المجلس على ما عليه إشارات في (الجامع) وهو قول الكرخي رحمه الله وجماعة مشايخ بخارى خلافًا لما قاله القاضي الإمام أبو طاهر الدباس وأحمد ابن... رحمهما الله. والخامس: أن الفرقة بخيار العتق فرقة بغير طلاق؛ لأن خيار العتق إنما يثبت للأنثى دون الذكر والفرقة من جانب المرأة لا تكون طلاقًا.
قال في (المنتقى) وخيار العتق نظير خيار الطلاق، سوّى بين الخيارين مطلقًا. وفي الكتب الظاهرة بينهما فرق في حق بعض الأحكام، فإن الفرقة ثمة طلاق والجهل ثمة ليس بعذر إلى غير ذلك من الأحكام.
قال: إذا زوج الرجل عبده الصغير امرأةً حرةً، ثم إن المولى أعتق العبد ثم بلغ فليس له خيار البلوغ ولا خيار العتق. وبهذه المسألة ينبني أن الصحيح في فصل الأمة قول من يقول بأن خيار البلوغ غير ثابت لها لا أنه ثابت لكن ينتظمه خيار العتق، ألا ترى أن في حق العبد خيار العتق غير ثابت ولم يثبت له خيار البلوغ، والمعنى: ما ذكر أن له إنكاح صدر ممن له ولايةٍ كاملة، ولأن إنكاح المملوك حق المولى باعتبار ملكه، ولم يكن حقًا للعبد عليه بطريق النظر حتى يجب التخيير بطريق النظر بخلاف ما إذا أثبتنا النكاح بعد العتق وهو صغير؛ لأنه حق على المولى بطريق النظر فكان هو بمنزلة اليتيم فيجب التخيير بطريق النظر.
رجل كانت جاريته وهي بنت عشر سنين ولم تبلغ وقبلت المكاتبة والمكاتبة جائزة؛ لأن المكاتبة منفعة محضة؛ لأنها تعتق بأداء كسب يكون ملكًا للمولى من غير عتق، والصبي العاقل من أهل مثل هذا التصرف. فإن زوجها المولى بعد ذلك بغير إذنها يوقف النكاح على إجازتها؛ لأن الكتابة لما صحت من الصغيرة العاقلة حَسُنت صحتها من البالغة وكانت الصغيرة بالمكاتبة فيما يُبنى على الكتابة بمنزلة البالغة، ولو كانت المكاتبة بالغة فزوجها المولى بغير رضاها تتوقف على إجازتها كذا هنا، وإن لم ترد النكاح حتى أدّت فعتقت بقي النكاح موقوفًا على الإجازة ولكن على إجازة المولى لا على إجازتها، حتى يجوز بإجازة المولى، فرق بين هذا وبين المكاتبة إذا زوجت نفسها من رجل بغير إذن المولى ثم إنها أدت فعتقت بعد النكاح عليها من غير إجازة وإنما كانت كذلك لأنها إذا زوجت نفسها بغير إذن المولى فالنكاح إنما يوقف بحق المولى لا لحقها وحق المولى زال بالعتق فزال التوقف.
كالراهن إذا باع الرهن ثم قضى الدين، فأما إذا زوج المولى المكاتبة بغير رضا المكاتبة، والتوقف لحق المكاتبة صارت حرة يدًا وحرية اليد التي كان يوقف النكاح من المولى لأجلها تأكدت. وازدادت بالعتق فبقي الموجب للتوقف فبقي التوقف فكان العبد إذا تزوج بغير إذن المولى ثم أذن له المولى في التزوج فإنه لا ينفذ ذلك النكاح من غير إجازة العبد أو المولى وإن صار للعبد ولاية التزوج بالإذن لأن التوقف كان لحق المولى لقيام ملكه في رقبته وبعد الإذن ملك المولى باقٍ، فكان الموجب للتوقف باقيًا، فبقي التوقف إلا أنه لا تعمل إجازتها بعدما عتقت قبل أن تبلغ بحكم الصغير، وتعمل إجازة المولى؛ لأن الولاية تحولت إلى المولى بحكم الولاية؛ لأنه عصبتها إذا لم يكن لها ولي أقرب منه.
قال مشايخنا رحمهم الله: هذه المسألة من..... المسائل وأعجبها، فإنهم صححوا إجازة المكاتبة الصغيرة نكاحها قبل العتق، وقبل العتق هي حرة يدًا لا رقبةً ولم يصححوا إجازته قبل العتق الذي هو حال قيام الملك حقيقة.
وأما الأول فلأن قبل العتق هي مكاتبة والمكاتبة وإن كانت صغيرة فهي ملحقة بالبالغة حكمًا في حق الأحكام التي على الكتابة.
ولو كانت بالغة حقيقة صحت إجازتها، فكذا إذا كانت ملحقة بالبالغة، حكمًا. وأما بعد العتق لم تبق مكاتبة وبطل التحاقها بالبالغة فعادت القضية الأصلية والصغيرة يقضية الأصل ليست من أهل الإجازة كما أنها ليست من أهل ابتداء النكاح. وأما الثاني فلأن أصل العتق هي ملحقة بالبالغة، ولو كانت بالغة حقيقة لا تعمل إجازة المولى عليها، فكذا إذا ألحقت بالبالغة، وبعد العتق بطل إلحاقها بالبالغة فهذه حرة صغيرة والمولى وليها إذا لم يكن لها ولي أقرب منه فيملك إجازة النكاح عليها كما يملك الإنشاء عليها، ثم إذا أجاز المولى نكاحها وعمل إجازته ونفذ النكاح عليها كان لها الخيار إذا بلغت عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله؛ لأن الإجازة بمنزلة نكاح مبتدأ فكأنه زوجها بعد العتق، ولو كان كذلك كان لها خيار البلوغ؛ لأنه زوجها بأثر الملك وهو الولاية فكان ناقض الولاية، فكان كالأخ والعم.
ولو أن هذه المكاتبة الصغيرة حين زوجها المولى رضيت بالنكاح وهي صغيرة نفذ، حتى صح رضاها ونفذ النكاح، ثم أدت فعتقت لا خيار لها حتى تبلغ، كالأمة الصغيرة إذا أعتقت فإن بلغت فلها خيار العتق عند علمائنا رحمهم الله لما ذكرنا وليس لها خيار البلوغ وكان ينبغي أن يكون لها خيار البلوغ؛ لأن المولى بحكم الملك وبعد الكتابة ملكه ناقص والتزويج صدر ممن هو ناقص الولاية. والجواب:
إنما لم يثبت لها خيار البلوغ لوجهين: أحدهما: أنه يثبت لها خيار العتق وأنه أعم، فلا يقيد إثبات خيار البلوغ معه.
الثاني: أن صدور العقد ممن له ولاية ناقصة، إنما يثبت الخيار إذا لم يوجد الرضا من المولى عليه بعد البلوغ اعتبارًا على (ما) ذكرنا قال: ولو أن هذه المكاتبة لم ترض بالنكاح ولم تنقضه حتى عجزت وردت في الرق بطل النكاح حتى لو أجازه المولى لا تعمل إجازته؛ لأن بالعجز حلت للمولى فطرأ للمولى على الحل الموقوف حل بات فأوجب بطلان الموقوف حتى لو كان مكان المكاتبة مكاتب صغير أو قد زوجه المولى امرأة بغير رضاها ثم عجز ورد رقيقًا لم يبطل نكاحه بل يبقى موقوفًا على إجازة المولى؛ لأنه لم يطرأ حل بات على حل موقوف، وكان ينبغي أن ينفذ نكاح المكاتب من غير إجازة المولى، إنما رضي بهذا النكاح ليكون المهر والنفقة في كسب هو غير مملوك للمولى، فإن كسب المكاتب حال قيام الكتابة غير مملوك للمولى، وبعد العجز يصير كسبه مملوكًا للمولى وهو لم يرضَ بكون المهر والنفقة في مثل هذا الكسب فلهذا توقف على إجازته.

.فرع على مسألة المكاتب:

فقال: لو لم يعجز المكاتب ولكن أدى وعتق بقي النكاح موقوفًا على إجازة المولى أيضًا لما قلنا في فصل المكاتبة، ففي حق المكاتب لا يختلف الجواب بين العجز والعتق، إنما يختلف ذلك في حق المكاتبة.
ولو طرأ الرق على النكاح فهو كالمقارن في حق ثبوت خيار العتق عند أبي يوسف رحمه الله، وذلك نحو الحربية إذا تزوجت ثم سبيت وأعتقت. والمسألة: إذا تزوجت ثم ارتدت مع زوجها ثم سبيا ثم أعتقت فلها الخيار في قول أبي يوسف رحمه الله وعن محمد رحمه الله، أنه لا يثبت لها الخيار، هكذا ذكره القدوري رحمه الله.
قال (البقالي): والصحيح أن الخلاف على العكس، هكذا قال القدوري. قال أبو يوسف رحمهما الله: يجوز أن يثبت خيارالعتق مرة أخرى نحو أن تعتق فتختار زوجها ثم ترتد مع الزوج ثم تسبى فتعتق فتختار نفسها، وقال محمد رحمه الله: يثبت خيار واحد إذا اختارت المعتقة نفسها قبل الدخول بها ولا مهر لها أصلًا، وإن اختارت بعد الدخول بها وجب لسيدها، ولو اختارت زوجها كان المسمى لسيدها دخل بها أو لم يدخل بها. إذا زوجت الأمة نفسها بغير إذن المولى ثم أعتقها المولى بعد العتق لما قلنا في جانب العبد. ولا خيار للأمة، ويجب مهر واحد إن لم يكن الزوج دخل بها قبل العتق فيكون لها؛ لأنه ملك بضعها وهي حرّة؛ لأن نفاذ النكاح بعدالعتق، فصار كما لو عقد العقد عليها وهي حرة ولأجل ذلك قال: لا خيار لها.
وإن كان الزوج قد دخل بها قبل العتق فالقياس أن يجب مهران: مهر للمولى بالدخول بشبهة النكاح قبل العتق، ومهر لها بنفوذ العقد عليها بعد العتق. وفي الاستحسان: لا يجب إلا مهر واحد ويكون للمولى؛ لأن وجوب المهر بالدخول في هذه لا يكون إلا بالعقد، ألا ترى أنه لو لم يسبق العقد لا يجب المهر بل يجب العقد، والعقد الواحد لا يوجب إلا مهر لواحد. فإذا وجب به مهر واحد للمولى لا يجب مهر آخر لها. وأما المدبرة إذا زوجت نفسها من غير إذن مولاها وعتقت (...) النكاح عليها كما في الأمة، هكذا ذكر شيخ الإسلام رحمه الله.
وفي (المنتقى) إذا خرجت المدبرة من الثلث جازالنكاح، وإن لم تخرج لم يجز من قول أبي حنيفة رحمه الله حتى..... ويجوز في قول أبي يوسف رحمة الله عليه، وأما أم الولد إذا زوجت نفسها بغير إذن المولى ثم مات المولى حتى عتقت هل ينفذ النكاح عليها؟ لم يذكر محمد رحمة الله عليه هذا الفصل في (الأصل)، ومشايخنا فصّلوا الجواب فيها تفصيلًا فقالوا:
إن كان الزوج قد دخل بها قبل موت المولى ثم مات المولى نفذ النكاح عليها، وإن لم يدخل بها الزوج حتى مات المولى بطل النكاح، قيل: وهذا الجواب إنما يستقيم على رواية ابن سماعة، فإن على روايته: أم الولد إذا زوجت نفسها بغير إذن المولى ودخل بها الزوج قبل الإجازة ثم مات المولى لا تجب العدة عن المولى فينفذ النكاح.
أما على (ظاهر الرواية) تجب العدة عن المولى فلا ينفذ النكاح، وإن لم يدخل بها الزوج حتى مات المولى لا ينفذ النكاح، وإن لم لأجل العدة التي لزمتها للمولى، ولو لم يمت المولى ولكن أعتقها فهو على هذا التفصيل أيضًا، إن أعتقها قبل أن يدخل بها الزوج بطل النكاح إلى آخر ما ذكرنا في فصل الموت.
وإذا زوج أحد الشريكين الجارية المشتركة بدون رضا صاحبه ودخل بها الزوج ثم رد الآخر النكاح، فللمزوج الأول من نصف مهر المثل ومن نصف المسمى؛ لأنه راضٍ بالمسمى، ورضاه معتبر في حقه. وإن لم يدخل بها الزوج حتى رد الآخر النكاح فلا مهر لواحد منهما خلا بها الزوج أو لم يخل بها.
وهذا لأن الخلوة إنما تعتبر في النكاح الصحيح، وهذا النكاح لم يصح. قال (البقالي) في فتاويه: ومهر مثل الأمة على قدر الرغبة، وعن الأوزاعي رحمه الله ثلث قيمتها. وفي (البقالي): إذا زوج أمته ثم أعتقها ثم زاد الزوج في مهرها فالزيادة للمولى. رواه ابن رستم عن محمد رحمه الله، وعن أبي يوسف رحمه الله أن الزيادة لها، وكذلك لو باعها ثم زاده فالزيادة للمشتري. في (المنتقى): ابن سماعة عن محمد رحمه الله في أمة تزوجت بغير إذن المولى ثم وطئها المولى لم يكن ذلك نقضًا للنكاح. وعن أبي يوسف رحمه الله أنه ينفسخ النكاح.
ولو باعها على أنه بالخيار فهو نقض للنكاح من قبل أن البيع ينفذ إذا سكت عن نقضه حتى تمضي مدة الخيار. بشر عن أبي يوسف رحمه الله: أمة تزوجت بغير إذن المولى ثم إن المولى أوصى بها لرجل، فإن قبلها صاحب الوصية انفسخ النكاح، وإن لم يقبل لا ينفسخ، ولو وهبها لم ينفسخ النكاح، ولو مات المولى وتركها ميراثًا فهذا في القياس ملك حادث فيكون فسخًا للنكاح.
وفي الاستحسان: لا ينفسخ؛ لأن الوارث يقوم مقام المورث في تركته. في (المنتقى) ابن سماعة عن محمد رحمه الله عبد تزوج حرة أذن مولاهما ودخل بها ثم تزوج أمة لم يكن تَزَوُّجُهُ الأمة في عدة الحرة ردًا لنكاح الحرة في قول أبي حنيفة رحمه الله، وفي قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله: هو ردّ بناء على أن عند أبي حنيفة رحمه الله لا يتزوج الأمة في عدة الحرة خلافًا لهما، ولو تزوج حرة ودخل بها ثم تزوج أختها ودخل بها لم يكن ذلك ردًا النكاح الأول.
وفي (نوادر بشر) بن الوليد عن أبي يوسف رحمه الله: عبد تزوج بغير إذن مولاه أمة رجل بإذنه ثم قال: لا حاجة لي في نكاحها فهذا رد، ولو لم يقل ذلك حتى دخل بها ثم تزوج بعض من لا يصلح له نكاحها في عدتها لم يكن ذلك نقضًا للنكاح. في (المنتقى): تزوج العبد حرة بإذن المولى على غير مهر، ثم جعل المولى العبد لامرأته بمهرها وقبلت ذلك انتقض النكاح حين ملكته وعليها أن ترد نكاح العبد إن لم يكن دخل بها.
قال محمد رحمه الله في (الجامع): رجل زوج أمته برضاها من رجل بغير أمر الزوج والزوج بالغ عاقل خاطب عنه أبوه أو أجنبي بغير أمره حتى توقف النكاح على إجازة الزوج فأعتق المولى الأمة قبل أن يجيز الزوج النكاح بقي النكاح كذلك موقوفًا على إجازة الزوج، وأيهما نقض هذا النكاح يعني الأمة أو الزوج قبل إجازة الزوج صح نقضه، أما إذا نقض الزوج فظاهر، وأما إذا نقضت الأمة فلأن حكم العقد يلزمها عند الإجازة، فكان لها النقض دفعًا لحكم العقد عن نفسه، ثم نقضها صحيح وإن لم يعلم به الزوج؛ لأن المولى فضولي في النكاح في حق الزوج وتصرّف الفضولي غير منعقد في حق الحكم، فصار عقد المولى في حق الزوج بمنزلة غير المنعقد فكان النقض في حق الزوج امتناعًا عن العقد لا إلزامًا على الزوج فيص3ح من غير علم الزوج بخلاف مسألة البيع بشرط الخيار إذا منعه من له الخيار بغير علم صاحبه حيث لا يصح عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله لأن البيع بشرط الخيار منعقد وإنما الحكم معلق، فصار الفسخ إلزامًا على خصمه فيتوقف على علمه.
ولو أراد المولى أن ينقض هذا العقد بعد العتق قبل إجازة الزوج لم يذكر هذا الفصل في (الكتاب)، وقد اختلف المشايخ فيه والصحيح أنه ليس له ذلك.
وإن أجاز الزوج النكاح بعدما عتقت حتى نفذ النكاح لم يكن لها خيار العتق؛ لأن الإجازة بمنزلة نكاح مبتدأ في حق الحكم، فكأنه تزوجها بعد العتق برضاها، وهناك لا يثبت لها خيار العتق كذا هنا ويكون المهر للمعتقة. ولو كان المولى زوجها بغير رضاها وباقي المسألة بحالها ثم إن الأمة بعدما أعتقت نقضت النكاح قبل إجازة الزوج أو بعد إجازة الزوج فإنه يعمل نقضها في الحالين، فرق بين هذا وبينما إذا زوجها برضاها ثم نقضت الأمة النكاح بعد (ما) أعتقت وقد أجاز الزوج النكاح، حتى لا يعمل نقضها.
والفرق: أن في الفصلين جميعًا تعتبر الإجازة كابتداء العقد، فإذا كان النكاح عليها برضاها يجعل المولى كالمستأنف للعقد عليها برضاها بعد العتق، ولو استأنف العقد عليها برضاها بعد العتق وأجاز الزوج النكاح لا يصح نقضها بعد ذلك، وإن كان النكاح عليها بغير رضاها يجعل المولى كالمستأنف للعقد بغير رضاها بعد العتق، وإن استأنف العقد عليها بعد العتق بغير رضاها كان لها أن تنقضه بعد إجازة الزوج وقبلها.
قال في (الأصل): وإذا زوج الرجل أمته أو مدبرته أو أم ولده وبوّأ لها بيتًا مع زوجها ثم بدا له أن يستخدمها ويردها إلى منزله فله ذلك؛ لأن للمولى حق استخدامها بحكم الملك، والملك قائم في المحل فلا يسقط بالتبوء به، ألا ترى أنه لا يسقط بالإنكاح، وكذلك لو كانت شرطت ذلك للزوج كان الشرط باطلًا يمنعه ذلك من استخدامها؛ لأن المستحق للزوج بالنكاح ملك البضع، ومنافع سائر الأعضاء باقية على ملك المولى فيصير المولى معتبرًا منافع سائر الأعضاء التي بقيت على ملكه، والإجازة شرعت غير لازمة فليس إلى العباد تغيير المشروط في المزوج فيلغو هذا الشرط.
رجل زوج أمته من عبد رجل فولد بينهما أولاد فالأولاد لمولى الأمة؛ لأن الولد يتبع الأم في الملك، ألا ترى الولد يتبع الأم في الرق والحرية.
تزوج الرجل امرأة على أنها حرة أخبرت عن حرية نفسها ثم ظهر بعد ذلك أنها أمة قد أذن لها المولى في النكاح، وقد ولدت ولدًا فالولد حر بالقيمة لمكان الغرور يضمن الأب ذلك لمولى الأمة وتعتبر القيمة يوم الخصومة. ولو مات الولد قبل الخصومة فلا ضمان على الأب فيه ويرجع الزوج بقيمة الولد عليها إذا عتقت؛ لأنها لما زوجت نفسها منه على أنها حرة فقد ضمنت له سلامة الأولاد في ضمن عقد المعاوضة فكان بمنزلة الكفالة والمملوك يؤاخذ بضمان الكفالة بعد العتق، وإن ظهر أنها مدبرة أو مكاتبة أو أم ولد فكذلك الجواب في ظاهر الرواية، فروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله أنه إذا ظهر أنها أم ولد فلا شيء على الأب لأن ولد أم الولد لا قيمة له عند أبي حنيفة رحمه الله كما لا قيمة لأم الولد، ألا ترى أنه لا يضمن بالغصب عنده كما لا يضمن أم الولد، فروى الحسن عن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله أنه إذا ظهر بها مكاتبة فلا شيء على الأب لأنه لو ضمن، ضمن لها وهي تسعى لتحصيل الحرية لنفسها وولدها، ففي حرية ولدها تحصيل بعض مقصود، وكيف يجب الضمان به ويرجع الزوج بقيمة الأولاد عليهم بعد العتق لما قلنا، هذا كله إذا اشترطت الأمة الحرية للزوج بغير إذن المولى، أما إذا اشترطت ذلك بإذن المولى تجب عليها قيمة الولد للزوج في الحال إلا في المكاتبة فإن المكاتبة لا تؤاخذ بقيمة الأولاد للحال، وإن أذن له المولى باشتراط الحرية لما ذكرنا أن ضمان الغرور بمنزلة ضمان الكفالة، والمكاتب لا يؤاخذ بضمان الكفالة في الحال وإن أذن له المولى.
ولو مات الولد في هذه الصورة وترك مالًا فالمال لأبيه بحكم الإرث ولا ضمان على الأب فيه يريد به: لو مات الولد قبل الخصومة، وهذا لأن الضمان على المقدور بالمنع بعد الطلب فإذا مات قبل الخصومة لم يوجد المنع بعد الطلب فلم يوجد سبب الضمان. ولو قتل الولد وأخذ الأب قيمته كان عليه قيمة الولد لمولى الأمة؛ لأنه سلم له بدل نفسه، وحكم البدل حكم للمبدل فيتحقق المنع بعد الطلب ولو مات الأب في هذه الصورة ونفى الولد أخذ المولى قيمته من تركة الأب، فلا يرجع بها بقية الورثة في حصة الولد، وإن لم يترك الأب شيئًا لم يؤخذ الولد بشيء كما لا يؤخذ بسائر ديون الأب.
فإن كان المخبر عن حرية الجارية رجل خنثى إلا أن الرجل المخبر لم يزوجها إيّاه بل الزوج تزوج بنفسه على أنها حرة فالزوج لا يرجع على الرجل المخبر بقيمة الولد لأنه لم يضمن له سلامة الولد نصًا، ولا في ضمن عقد المعاوضة؛ لأنه ما زوجها منه، ولكن يرجع بقيمة الولد على الجارية إذا أعتقت لما ذكرنا. وإن كان الرجل المخبر زوجها منه على أنها حرة فالزوج يرجع بقيمة الولد على المخبر للحال. أما الرجوع لأنه ضَمِنَ له سلامة الولد في ضمن عقد المعاوضة، وأما في الحال فلأن الحر يؤاخذ بضمان الكفالة في الحال.
قال في (المنتقى): قال إبراهيم: سألت محمدًا رحمه الله عن امرأة قالت للقاضي: زوجني فإني حرة فزوجها وولدت أولادًا ثم استحقت قال: أخذها المستحق وعقرها وقيمة ولدها، ولا يرجع على القاضي بشيء ولكن يرجع عليها. وإن تزوج وأخذت هؤلاء امرأة بإذن المولى على أنها حرّة ثم ظهر أنها أمة لا يكون مقذورًا حتى لا يكون الولد حرًا بالقيمة، بل يكون رقيقًا، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله آخرًا، وكان أبو يوسف رحمه الله أولًا يقول: الولد حر بقيمته تجب على الأب بعد العتق وهو قول محمد رحمه الله.
اشترى جارية وزوجها قبل القبض إن تم البيع جاز النكاح، وإن انتقض البيع بطل النكاح عند أبي يوسف خلافًا لمحمد رحمهما الله. قال الصدر الشهيد رحمه الله: والمختار قول أبي يوسف رحمه الله؛ لأن البيع إذا انتقض قبل القبض ينتقض من الأصل ويصير كأن لم يكن، فيكون النكاح باطلًا.
عبد طلب من مولاه أن يزوجه معتقة فأبى ثم تشفع العبد أن يأذن له في التزويج، فأذن له فذهب وتزوج المعتقة جاز؛ لأن الإذن حصل مطلقًا...
في (مجموع النوازل) في (فتاوى أبي الليث) رحمه الله: إذا أذن الوارث لكاتب موروثة في النكاح جاز لأنهم لم يملكوا رقبته فالولاء لهم. وفيه أيضًا: عبدٌ تزوج امرأةً ثم امرأةً ثم امرأةً فبلع المولى فأجاز الكل، فإن لم يكن دخل بهن جاز نكاح الثالثة؛ لأن الإقدام على نكاح الثالثة ردٌ لنكاح الأولى والثانية، بقي الموقوف نكاح الثالثة.
وإن كان دخل بهن فَسَدَ نكاحهن؛ لأن الإقدام على نكاح الثالثة لا يمكن أن يجعل ردًا لعدة الأولى والثانية، ونكاح الثالثة في عدة الأولى، فكذا الحر إذا تزوج عشر نسوة بغير إذنهن فبلغهن فأجزن جميعًا جاز نكاح التاسعة والعاشرة لأن الخامسة ردٌ لنكاح الأربع اللاتي قبلها، ونكاح التاسعة رد لنكاح الخامسة والسادسة والسابعة والثامنة وكان الموقوف نكاح التاسعة والعاشرة.
وفي (الأصل): الأب يملك تزويج أمة ولده الصغير وكذا الوصي، ولا يملكان تزويج عبد الصغير، وهل يملكان تزويج أمة الصغيرة من عبده سيأتي ذلك في كتاب الوصايا والمكاتب يملك تزويج أمته والشريك شركة معاوضة، وأما العبد المأذون، والصبي المأذون، والشريك شركة عنان والمضارب، لا يملكون تزويج الأمة عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله، وقال أبو يوسف رحمه الله: يملكون والله أعلم بالصواب.

.الفصل التاسع عشر: في نكاح الكفار:

هذا الفصل يشتمل على أنواع، نوع منه في نكاح أهل الذمة، وكل نكاح جائز بين المسلمين فهو جائز بين أهل الذمة، وأما (ما) لا يجوز بين المسلمين فهو أنواع منها: النكاح بغير شهود قال محمد رحمه الله: إذا تزوج الذمي ذميةً بغير شهودٍ وهم يدينون ذلك فهو جائز حتى لو أسلما يقر على أن ذلك عند علمائنا الثلاثة رحمهم الله.
وكذلك إذا لم يسلما، ولكن طلبا من القاضي حكم الإسلام أو طلب أحدهما ذلك فالقاضي لا يفرق بينهما.
ومنها نكاح معتدة الغير، قال محمد رحمه الله إذا تزوج الذمي معتدة الغير وجبت العدة من مسلم كان النكاح فاسدًا بالإجماع، ويتعرض لهم في ذلك قبل الإسلام وإن كانوا يدينون جوازالنكاح في حالة العدة، وإن وجبت العدة من كافر وهم يدينون جواز النكاح في حالة العدة فما داموا على الكفر لا يتعرض لهم بالإجماع. وإن أسلما أو أسلم أحدهما فعلى قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله يفرق بينهما، وكذلك إذا لم يسلما ولكن ترافعا إلى القاضي وطلبا حكم الإسلام أو رافع أحدهما، وأما على قول أبي حنيفة: القاضي لا يفرق بينهما أسلما أو أسلم أحدهما ترافعا أو رافع أحدهما.
واختلف المشايخ في تخريج قوله، وأكثرهم على أن العدة لا تجب عنده على الذمية من الذمي؛ لأن خطاب العدة لم يعمل في حقهم، ألا ترى أنهم لو لم يدينوا وجرت العدة، لم يتعرض لهم في ذلك، وهذا لأن العدة إما أن تجب عليها حقًا للشرع ولا وجه إليه؛ لأنهم لا يخاطبون بحقوق الشرع، وإما أن تجب لحق الزوج ولا وجه إليه إذا كان الزوج لا يدين ذلك، بخلاف ما إذا كانت العدة من المسلم؛ لأن خطاب العدة إذا كانت العدة من المسلم يعلم في حقهم، ألا ترى أنهم لو لم يدينوا وجرت العدة من المسلم يتعرض لهم في ذلك، وهذا لأنه أمكن إيجاب العدة من المسلم لحقه إن لم يكن إيجابه لحق الشرع. وإذا لم تجب العدة على الذمية من الذمي كان النكاح مصادفًا محلًا فارغًا فصح.
ومنها نكاح المحارم والجمع بين الخمس والجمع بين الأختين:
قال محمد رحمه الله: إذا تزوج ذمي بمحارمه أو تزوج خمس نسوة (أو) بأختين فما داموا على الكفر ولم يترافعُوا إلينا لا نتعرض لهم بالاتفاق إذا كانوا يدينون ذلك، غير أن على قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله: هذا النكاح يقع فاسدًا حالة الكفر حتى لو طلبت من قاضي المسلمين النفقة فالقاضي لا يقضي بذلك ولا يجري الإرث بينهما، وإذا دخل بها يسقط إحصانه لو أسلم بعد ذلك وقذفه قاذف لا يحد. وأما على قول أبي حنيفة رحمه الله اختلف المشايخ، قال مشايخ العراق: يقع فاسدًا، وقال مشايخنا: يقع جائزًا، واتفقوا على (قول) أبي حنيفة رحمه الله أنه لا يجري الإرث بينهما ويقضى بالنفقة ولا يسقط إحصانه متى دخل بها، واتفقوا على قوله أيضًا أنه لو تزوج أختين في عقدة واحدة ثم فارق إحداهما قبل الإسلام ثم أسلم إن الباقية نكاحها على الصحة، حتى يُقرّان على النكاح، والباقي عين الثابت، وإنه دليل جواز هذا النكاح فإن (أسلما) أو أسلم أحدهما يفرق بينهما بالإجماع وكذلك إذا لم يسلما ولكن رفعا الأمر إلى القاضي، وإن رفع أحدهما الأمر إلى القاضي فالقاضي يفرق بينهما. قال القدوري رحمه الله في (كتابه): وقال أبو يوسف رحمه الله: يفرق القاضي بينهما إذا علم بذلك سواء ترافعا إلينا أو لم يترافعا.
وإذا طلّق الذمي امرأته ثلاثًا أو خالعها ثم أقام عليها، فرافعته إلى السلطان، فالقاضي يفرق بينهما بالاتفاق بخلاف نكاح المحارم على قول أبي حنيفة رحمه الله فإنه لا يفرق بينهما بمرافعةِ أحدهما وأما إذا تزوجها بعد الطلاقات الثلاث برضا قبل التزوج بزوج آخر، الآن هذا ونكاح المحارم في جميع التفريعات على السواء، هكذا ذكر في (الأصل). وفي (القدوري): إذا طلق امرأته ثلاثًا أو خالعها ثم أقام عليها فإنه يفرق بينهما، وإن لم يترافعا يحتمل ترك المرافعة بينهما، ويحتمل ترك المرافعة من أحدهما.
وإذا تزوج الذمي ذمية على أن لا مهر لها صح ذلك ولا شيء لها، وإن أسلمت في قول أبي حنيفة رحمه الله، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله لها مهر مثلها فلو تزوجها وسكتا عن المهر فلها مهر المثل في ظاهر رواية (الأصل).
قال أبو الحسن الكرخي رحمه الله: قياس قول أبي حنيفة رحمه الله أن لا فرق بين حالة السكوت وحالة النفي، ولا يجب المهر إلا إذا سمى. ولو تزوجها على ميتة أو دم وذلك في دينهم جائز فلها مهر المثل في رواية (الأصل). وذكر في (الجامع الصغير): أنه لا يجب شيء. قيل: ما ذكر في (الجامع) قوله، أما على قولهما لها مهر المثل إذا مات عنها أو دخل بها، فإن كان المذكور في (الجامع) قول أبي حنيفة كان المذكور في (الأصل) وفي (مختصر الكرخي) قولهما، وإن كان ما ذكر في (الجامع الصغير) قول الكل كان في المسألة روايتان.
ولو تزوجها على خمر أو على خنزير فهو جائز فلها المسمى، فإن أسلما أو أسلم أحدهما فإن كان الخمر أو الخنزير عينًا في العقد فلها ذلك وليس لها غيره في قول أبي حنيفة رحمه الله، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: لا يجب الخمر أو الخنزير بعد إسلام أحدهما، وأجمعوا على أنه إذا سمى الخمر أو الخنزير دَيْنًَا في الذمة لم يجب لها غير ذلك ولم يكن لها أن تقبض.
بعد هذا قال أبو حنيفة رحمه الله يجب لها في الخمر القيمة وفي الخنزير مهر المثل سواء كان بعينه أو بغير عينه، وقال محمد رحمه الله لها القيمة، في ذلك كله، وإن كان مهرها مقبوضًا قبل الإسلام فلا شيء لها. وتجوز المناكحة بين أهل الذمة وإن اختلفت مراتبهم، والمولود بين الكتابي والمجوسي تابع للكتابي تحل مناكحته للمسلمين، وتحل ذبيحته عندنا خلافًا للشافعي رحمه الله.
قال: الأصل إذا زوجت صبية من صبي وهما من أهل الذمة فأدركا، فإن كان المزوج أبًا فلا خِيَارَ لهما؛ لأن الشفقة لا تتفاوت. وإن كان المزوج غير الأب والجد فلهما الخيار عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله. وإذا تزوجت الذمية ذميًا فقال الولي: هو ليس بكفء لا يلتفت إلى قوله لأنهم أكفاء بعضهم لبعض؛ لأن ذل الشرك وصغار الجزية لجمعهم، فلا يَظهر مع ذلك نقصان النسب. ألا ترى أنهم لو استرقوا كانوا أكفاء، ولو أعتقوا كذلك، ولو أسلموا كذلك فلا يكون للمولى أن يخاصم، قال: إلا أن يكون أمرًا مشهورًا يعني كانت بنت ملك خدعها حَائك أو سائس وهنا يفرق بينهما لا لانعدام الكفاءة بل لتسكين الفقيه والقاضي مأمور بن سكين الثمنية فيما هو بينهم كما هو مأمور به فيما بين المسلمين والله أعلم.

.نوع منه في نكاح أهل الحرب:

الحربي إذا تزوج حربية على أن لا مهر لها، فلا يجب المهر بلا خلاف بخلاف الذميين على قولهما. وإذا تزوج الحربي خمس نسوة أو بأختين ثم أسلم وأسلمن معه، فإن تزوجهن في عقدة واحدة بطل نكاحهن، وإن تزوجهن في عقد منفرد صح نكاح الأربع الأُوَل وبطل نكاح الخامسة.
وكذلك الحكم في الأختين إن تزوجهما في عقد واحد بطل نكاحهما، وإن تزوجهما في عقدتين متفرقتين صح نكاح الأولى وبطل نكاح الثانية، هذا قول أبي حنيفة رحمه الله وأبي يوسف رحمه الله، وقال محمد رحمه الله: يختار من الخمس أربعًا، ومن الأختين واحدة سواء تزوجها أو تزوجهن في عقدة واحدة أو في عقود متفرقة.
وجه قول محمد: أن الأنكحة وقعت صحيحة في الأصل لأن حرمة الجمع بخطاب الشرع وخطاب الشرع قاصر عنهم، ألا ترى لو ماتت واحدة من الخطاب الخمس أو من الأختين أو فارقها قبل الإسلام ثم أسلم كان نكاح الباقية على الصحة والباقي غير الثابت، وإنما تثبت من الإجماع في العقد حرمة الجمع في حقّه في حالة الإسلام فيجب الإعراض عما وجد في الابتداء من الاجتماع في العقد والتفريق، ويجب اعتبار حالة الإسلام فيرفع ما يتحقق به الجمع وهو نكاح إحداهما في الأختين ونكاح إحداهن في الخمس.
قال محمد رحمه الله في (السير الكبير): ولو كانت هذه العقود فيما بين أهل الذمة كان الجواب على ما قال أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله لأن الخطاب بحكم الشيوع في دار الإسلام يجعل ثابتًا في حق أهل الذمّة وإن كنا لا نتعرض لهم ما لم يسلموا، وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله قالا: خطاب التحريم بسبب الجمع كان موجودًا حالة الكفر، ولكن امتنع عمله لمكان الكفر، فإذا زال الكفر يعمل الخطاب عمله على وجه لولا المانع فكان عاملًا فيثبت الحكم. إلا أن على وفاق ما يقتضيه السبب في الابتداء ولولا الكفر حرم نكاح الكل إن كان النكاح واحدًا لأن الجمع حصل بالكل وحرم نكاح الخامسة والأخت الثانية إن كان النكاح متفرقًا لأن الجمع حصل بهما كذا هنا.
وعلى هذا لو أسلم وتحته أم وابنة وأسلما معه، فان كان تزوجهما في عقد واحد بطل نكاحهما ثم ينظر إن لم يكن دخل بهما فله أن يتزوج الابنة دون الأم، وإن كان دخل بهما، لم يكن له أن يتزوج بواحدة منهما، وكذلك إن كان دخل بالأم وحدها، وإن كان دخل بالابنة وحدها فله أن يتزوج الابنة دون الأم، وإن كان تزوجهما في عقدين، فنكاح الأولى جائز ونكاح الثانية فاسد، وهذا إذا دخل بهما أو دخل بالأولى، فإن كان دخل بالثانية فإن كانت الأولى ابنة فسد نكاحهما، وإن كانت الأولى أمًا فنكاح الابنة صحيح، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله، وعلى قول محمد رحمه الله، فسواء تزوجهما في عقدةٍ واحدةٍ أو في عقدتين، فنكاح الابنة صحيح لأن العقد على الابنة يُحرِّم الأم والعقد على الأم لا يحرم الابنة إلا أن يكون دخل بالأم فحينئذ يفرق بينه وبينهما، وهذا إذا كان دخوله بالأم بعدما تزوج الابنة، وإن كان قبل أن يتزوج الابنة، فنكاح الأم صحيح لأن نكاح الأم لو بطل بطل بحكم نكاح الابنة إلا أن نكاح الابنة هنا لم يصح؛ لأنها حرمت بالدخول بالأم، وإذا لم يصح نكاح الابنة كيف يبطل نكاح الأم؟ إلا أن يكون دخل بالبنت أيضًا، فحينئذ تقع الفرقة بينه وبينهما بالمصاهرة وليس له أن يتزوج بواحدة منهما.
وإذا أسلم الحربي وامرأته وقد كان طلقها ثلاثًا ثم تزوج قبل أن تنكح زوجًا غيره فرّق بينهما لأن الطلقات الثلاث تقع في دار الحرب حسب وقوعها في دار الإسلام؛ لأنهم يعتقدون ذلك، وإنها تثبت حرمة المحل إلى وقت إصابة التزوج، وكذلك لو كان جامع أمّها أو ابنتها أو قبل واحدة منهما بشهوة؛ لأنها الحرمة بسبب المصاهرة نظير الحرمة بسبب الرضاع، وذلك يتحقق في دار الحرب كما تتحقق في دار الاسلام وهذا مثله.
وإذا خرج أحد الزوجين من دار الحرب إلى دار الإسلام وترك الآخر كافرًا في دار الحرب وقعت الفرقة بينهما عندنا، فبعد ذلك ينظر إن كان الخارج إلى (دار الإسلام) الزوج فلا عدة على المرأة بلا خلاف. وإن كان الخارج هي المرأة فلا عدة لها عند أبي حنيفة رحمه الله خلافًا لهما وقدّم مسألة المرأة قبل هذا في فصل ما يجوز من الأنكحة وما لا يجوز. ولو كذلك خرج أحدهما ذميًّا وقعت الفرقة بينهما، ولو خرج إلينا بأمان لم تقع الفرقة بينهما.
ولو سُبي حربي مع أربع نسوة له بطل نكاح الكل عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله سواء تزوجهن في عقدة واحدة أو في عقود متفرقة، بخلاف ما إذا أسلم مع خمس نسوة تحته أو مع أختين لأن في هذه الصورة حال وقوع النكاح لم يكن سبب التحريم قائمًا؛ لأنه كان حرًّا وكان نكاح الأربع مشروعًا فوجب اعتبار حالة البقاء واعتبار حالة البقاء توجب بطلان الكل؛ لأن الجمع يقوم بالكل بخلاف مسألة الإسلام على ما ذكرنا.

.نوع منه في نكاح المرتد:

إذا ارتدّ أحد الزوجين وقعت الفرقة بينهما في الحال، هذا هو جواب ظاهر الرواية وبعض مشايخ بلخ وبعض مشايخ سمرقند رحمهم الله كانوا يفتون بعدم الفرقة بارتداد المرأة حسمًا لباب المعصية، وعامتهم على أنه تقع الفرقة إلا أنها تجبر على الإسلام، والنكاح مع زوجها الأول لأن الحسم يحصل بالجبر على النكاح الأول، ومشايخ بخارى رحمهم الله، كانوا على هذا.
وفي (المنتقى) عن أبي يوسف رحمه الله برواية ابن سماعة: إذا تكلمت بالكفر وقلبها مطمئن بانت وهي مشركة، ثم إن كانت المرأة هي المرتدة ولم يكن الزوج دخل بها فلا مهر، وهذه فرقة بغير طلاق بلا خلاف، وإن كان الزوج هو المرتد ولم يكن دخل بها فلها نصف المهر، وتكون هذه فرقة بغير طلاق عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله، وعند محمد رحمه الله تكون فرقة بطلاق.
ولو ارتد الزوجان معًا لم تقع الفرقة استحسانًا عند علمائنا الثلاثة رحمهم الله، فإن أسلما فهما على نكاحهما، وإن أسلم أحدهما وقعت الفرقة ويجعل إصرار صاحبه على الردة بعد إسلامه كإنشاء الردة منه.
مسلمٌ تحته نصرانية ثم تمجسّا معًا فهما على النكاح، قال: لأن هذا منهما ردة فصار كما لو ارتدا معًا، قال: ولو تهودا بانت منه قال: لأن هذا منها ليس بردة فصار كأنه ارتد الزوج وحده، روى المسألة مع هذا التعليل ابن رستم عن محمد، وعن محمد رحمهما الله رواية أخرى في التهود أنها لا تبين كما لو تمجسا فحصل عن محمد فيما إذا تهودا روايتان، وعن أبي حنيفة رحمه الله فيما إذا تهودا روايتان أيضًا، فيما إذا تمجسا رواية واحدة أنهما على النكاح، وعن أبي يوسف رحمه الله روايتان في الفصلين جميعًا.
وفي (الأصل): إذا أسلم النصراني وتحته نصرانية فتحولت إلى اليهودية، فهي امرأته كما لو كانت يهودية في الابتداء، أو إن أسلم النصراني وتحته مجوسية ثم ارتد عن الاسلام بانت منه لأن النكاح بعد إسلامه باقٍ ما لم يفرق القاضي بينهما، وتفرُّدُ أحد الزوجين بالردة يوجب الفرقة، وكذلك لو أسلمت المجوسية ثم ارتد بانت منه، وإن لم يرتد الزوج ولم يسلم حتى مات الزوج فلها المهر كاملًا دخل بها أو لم يدخل بها.
قال محمد رحمه الله في (الجامع): مسلم تزوج صبية مسلمة زوجها أبوها منه ثم ارتد أبواها عن الإسلام ولحقا بدار الحرب أو لم يلحقا، فإنها لا تبين من زوجها ما دامت في دار الإسلام؛ لأنها بقيت مسلمة ما بقيت في دار الإسلام، بيانه: وهو أن الصغيرة قبل ارتداد الأبوين كانت مسلمة تبعًا للأبوين ولدار الإسلام؛ لأن لدار الإسلام أثرًا في الاستتباع كما للأبوين، ألا ترى أن من سُبي صغيرًا أو صغيرة وأدخله دار الإسلام يحكم بإسلامه كما دخل دار الاسلام تبعًا للدار حتى لو مات يصلي عليه، وإذا كان لدار الإسلام أثر في الاستتباع كما للأبوين كان إسلام الصغيرة حكم بسبب التبعية مضافًا إليهما وأحدهما قائم بعد ردتهما، فبقي إسلامها.
فإن قيل: دار الاسلام إنما توجب إسلام الصغير حال فقد الأبوين كما في الصغير إذا سبي وحده، فأما حال وجود الأبوين فلا، ألا ترى أن الولد الحادث بين النصرانيين في دار الإسلام وبين اليهوديين يكون نصرانيًا ويهوديًا تبعًا للأبوين فلا يكون مسلمًا تبعًا للدار؛ وهذا لأن سبب الاستتباع في جانبها بالجزئية والتعصبية، وفي الدار بالمجاورة والاتصال وأبدًا يحال بالحكم على الأقوى، فجعلناها مسلمة تبعًا للأبوين وبارتدادهما زالت التبعية فيحكم بكفرها وتبين من زوجها.
قلنا: إنما يحال بالحكم على أقوى السببين إذا كان الأقوى من السبب يوجب من الحكم خلاف ما يوجبه الأضعف؛ لأنه حينئذ يتعذر العمل بهما لما بينهما من التنافي في الحكم، فيجب العمل بالراجح لما في المسألة التي أوردها إذ الشخص الواحد لا يتصور أن يكون مسلمًا وكافرًا، أما إذا كان الحكم واحدًا يضاف بالحكم إليهما ألا ترى أنه لو كان في حادثة نصّ الكتاب وخبر الواحد والقياس وموجب الكل حكم واحد كان ذلك الحكم مضافًا إلى الكل، فيقال هذا حكم ثبت بالكتاب والسنة والقياس، وهنا الحكم واحد وهو إسلامها وأضفناه إليهما والتقريب ما ذكرنا حتى لو ألحقاها بدار الحرب بانت من زوجها لأن تبعية الدار قد زالت كما زالت تبعية الأبوين فحكمنا بردتها فبانت وبطل مهرها.
ولو ماتت أمها مسلمة في دار الإسلام أو بعدما ارتدت ولحق بالصبية أبوها مرتدًا بدار الحرب لم تبن من زوجها، بخلاف ما إذا كانا حيين ولحقا بالصبية بدار الحرب مرتدين. فإنها تبين من زوجها.
مسلم تزوج صبية نصرانية زوجها أبوها وأبواها نصرانيان ثم تمجس أحد أبويها وبقي الآخر على النصرانية، فهذه البنت لا تبين من زوجها؛ لأن الولد يتبع خير الأبوين دينًا، وخيرهما دينًا النصراني قال: النصراني أقرب إلى الإسلام من المجوسي حتى تحل ذبيحته، ويحل للمسلم نكاح النصرانية فبقيت نصرانية تبعًا لوالدها النصراني، ولو كان الأبوان تمجسا والجارية صبية على حالها بانت من زوجها. وإن لم يكن أدخلاها دار الحرب فرق بين هذه المسألة وبين الصغيرة المسلمة إذا ارتد أبواها لا تبين من زوجها ما لم يدخلاها دار الحرب، والفرق أن في تلك المسألة الصغيرة بقيت مسلمة بعد ارتداد الأبوين تبعًا لدار الإسلام، وهاهنا لا يمكن إبقاؤها نصرانية تبعًا للدار إذ الدار ليست دارًا للتنصر، واستشهد في (الكتاب) لحال بعد النكاح بحال ابتداء النكاح فقال: ألا ترى أن بعد تمجس الأبوين ليس للقاضي ولا لأحد أن يزوج الصغيرة من مسلم، وبعد ردّة الأبوين جاز للقاضي أن يزوج الصبية من مسلم، فكذا في حالة البقاء، قال وليس لها من المهر قليل ولا كثير، علل فقال: لأن الفرقة جاءت من قبلها.
فإن قيل: كيف يستقيم هذا التعليل، فإنه لم يوجد منه صنيع أصلًا إنما الصنيع للأبوين في التمجس، قلنا: ما قاله محمد رحمه الله مستقيم؛ لأنه لم يقل: الفرقة جاءت بصنعها حقيقة، إنما قال الفرقة جاءت من قبلها أي من عندها والفرقة جاءت من عندها لأن الفرقة وقعت بردتها تبعًا للأبوين، وتبعيتها بسبب الصغر، وصغرها من قبلها لأنه وصفها، وكذلك الجواب فيما إذا بلغت معتوهة؛ لأنها إذا بلغت معتوهة بقيت تابعة للأبوين وللدار في الدين لأنه ليس للمعتوهة إسلام نفسها حقيقة فكانت بمنزلة الصغيرة من هذا الوجه.
امرأة مسلمة بالغة صارت معتوهة ولها أبوان مسلمان زوجها أبوها وهي معتوهة حتى جاز النكاح ثم ارتد الأبوان والعياذ بالله ولحقا بها بدار الحرب لم تبن من زوجها. فرّق بين هذه وبين الصغيرة. المسلمة إذا ارتد أبواها ولحقا بها بدار الحرب إنها تبين من زوجها والفرق إنها إذا بلغت عاقلة فقد زالت تبعية الأبوين، وإذا وصفت الإسلام صارت مسلمة بإسلامها مقصودًا وبعد صفة العته إسلامها باق حقيقة؛ لأن العته لا يُنافي الإسلام فأما الصغيرة فهي مسلمة تبعًا للأبوين لا بإسلام نفسها وبعدما ارتد الأبوان لا يمكن إبقاؤها مسلمة تبعًا للأبوين وليس لها إسلام نفسها فلهذا بانت من زوجها، والصغيرة إذا عقلت الإسلام ووصفت ثم صارت معتوهة كانت بمنزلة هذه؛ لأنها لما عقلت الإسلام ووصفت صارت مسلمة بطريق الأصالة كالبالغة.
مسلم تزوج نصرانية صغيرة، ولها أبوان نصرانيان، فكبرت وهي لا تعتد دينًا من الأديان ولا تصفه وهي غير معتوهة، فإنها تبين من زوجها، معنى قوله لا تعتد دينًا من الأديان لا تعْرف دينًا من الأديان بقلبها ومعنى قوله: لا تصفه لا تعرفه باللسان لأنه له هو لها دين الأبوين لزوال التبعية ولم تظهر لها جهة الأصالة، فكانت جاهلة ليس لها ملّة معنية والملّة المعينة شرط النكاح ابتداءً وبقاءً.
وكذلك الصغيرة المسلمة إذا بلغت عاقلة وهي لا تعتقد الإسلام ولا تصفه وهي غير معتوهة بانت من زوجها لما ذكرنا، ومحمد رحمه الله سمى هذه في (الكتاب) مرتدة؛ لأنا حكمنا بإسلامها بطريق التبعية، والآن بكفرها، فكانت مرتدة. ولم يذكر في (الكتاب) إذا بلغت فعرفت الإسلام بأن قالت أنا أعقل الإسلام وأعرفه وأقدر على وصفه إلا أني لا أصفه أنها هل تبين من زوجها؟ قيل: يجب أن يكون فيه اختلاف المشايخ على قول من يشترط الإقرار باللسان لصيروته مسلمًا تبين من زوجها؛ لأنها تركت ما هو الركن بلا عذر وكذلك لم يذكر ما إذا قالت أنا أعقل الإسلام، ولكن لا أقدر على الوصف هل تبين من زوجها قيل يجب أن يكون فيه اختلاف المشايخ على نحو ما بينّا، على قول من يشترط الإقرار باللسان تبين من زوجها لأنها تركت ركنًا بغير عذر لأن العجز إنما جاء من ناحية الجهل لانعدام الآلة، والجهل في دار الإسلام ليس بعذر، ولو كانت هاتان اللتان بلغتا قد عقلتا الإسلام أو النصرانية قبل أن تبلغا ولكن لم تصفا ذلك ولا غيره لم تبن واحدة منهما من زوجها، فهذا دليل على أن من صَدق بقلبة كان مسلمًا وإن لم يقرّ لسانه. وهكذا روي عن أبي حنيفة رحمه الله في كتاب العالم والمتعلم، وبه أخذ الشيخ الإمام الزاهد أبو منصور الماتريدي رحمه الله وهو مذهب أبي الحسن الأشعري، وعامة مشايخنا قالوا لا بل الإقرار باللسان شرط لصيرورته مسلمًا، فتأويل هذه المسألة على قول عامة المشايخ أنهما عقلتا الإسلام قبل البلوغ ولم يصفا ذلك ولا غيره وأنهما لا تبينان من زوجيهما ما دامتا صغيرتين لأنهما ما دامتا صغيرتين؛ كانت تبعية الأبوين باقية، فكانت المسلمة مسلمة والنصرانية نصرانية تبعًا. وأما بعد البلوغ فلا. فإن وصفت المجوسية ودانت بانت من زوجها عند أبي حنيفة رحمه الله هذا بمنزلة الردة، وردة الصبي العاقل صحيحة عندهما وعند أبي يوسف رحمه الله: إن تمجست وكانت مسلمة لا تبين من زوجها؛ لأن ردة الصبي المسلم عنده غير صحيحة، وإن تمجست وكانت نصرانية فقد اختلف المشايخ فيه على قول بعضهم قالوا: تبين من زوجها بخلاف ما إذا كانت مسلمة؛ لأن التمجس هناك إنما لم يصح لما فيه من ضرر زوال الإسلام، وإنه لا يتأتى هنا لأنها انقلبت من كفر إلى كفر، فصح التمجس منها فتبين من زوجها.
وبعضهم قالوا: لا تبين من زوجها؛ لأنه إن لم يمكن في التمجس ضرر زوال الإسلام، ففيه ضرر ببنيونتها عن الزوج، والصبي محجور عما هو ضرر في حقّه، فلم يصح التمجس منها فلهذا لا تبين من زوجها والله أعلم.

.نوع منه في إسلام أحد الزوجين:

إذا أسلم أحد الزوجين في دار الإسلام، فإن كان الذي أسلم هي المرأة يعرض الإسلام على الزوج، فإن أسلم بقيا على النكاح وإلا فرّق بينهما، ويحتاج في هذه الفرقة إلى القضاء فتكون هذه فرقة بطلاق عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله إذا كان الزوج من أهل الطلاق، وإن لم يكن الزوج من أهل الطلاق بأن كان صبيًّا عقل الإسلام حتى اعتبر إباؤه فقد اختلف المشايخ فيه، قال بعضهم: هي فرقة بغير طلاق؛ لأن الصبي ليس من أهل الطلاق، وقال بعضهم: هي فرقة بطلاق والطلاق هو المعتبر للفرقة شرعًا، فإذا استحقت الفرقة لم تستحق إلا بما وضع له شرعًا، فيكون لها نصف المهر إن كان إباء الزوج قبل الدخول بها ونفقة العدة إن كان بعد الدخول بها.
وإن كان الذي أسلم هو الزوج فإن كانت المرأة كتابية أقرّا على النكاح، وإن كانت مجوسية أو وثنية عرض عليها الإسلام، فإن أسلمت وإلا فرّق بينهما وتكون هذه فرقة بغير طلاق بلا خلاف ولا مهر لها إن كان الإباء قبل الدخول بها، وإن كان بعد الدخول بها فليس لها نفقة العدة.
وإن أسلم أحد الزوجين في دار الحرب، فإن الفرقة توقف على مضي ثلاث حِيَضٍ، فإذا مضت وقعت الفرقة، وهذا لأنه تعذر اعتبار التفريق من جهة القاضي لانتزاع ولايته من دار الحرب، ولانقضاء ثلاث حيض أثّر في وقوع الفرقة بالطلاق فأقمنا مضي ثلاث حيض مقام التفريق عند تعذر اعتبار التفريق.
قال محمد رحمه الله في (الأصل): وإذا عقد النكاح على صبيين من أهل الذمة ثم أسلم أحدهما وهو يعقل الإسلام حتى صح إسلامه عندنا استحسانًا عرض على الآخر الإسلام إن كان يعقل الإسلام، فإن أسلم فهما على نكاحهما، فإن أبى أن يسلم، فإن كان الزوج هو المسلم، والمرأة كتابية أقرّا على النكاح، وإن كانت مجوسية أو وثنية ففي القياس لا يفرّق بينهما. وفي الاستحسان يفرق بينهما، ولا مهر لها إن لم يكن دخل بها، وهذا هو وضع المسألة في (الأصل)، وفي (الجامع) وضع المسألة في مجوسي تزوّج جارية مجوسية بنت عشر سنين تعقل الإسلام، زوجها أبوها فأسلم الزوج عرض على الجارية الإسلام، فإن أسلمت فهي امرأته وإن أبت فرّق بينهما ولا مهر لها إن لم يكن دخل بها، وهذا استحسان والقياس أن لا يفرق بينهما.
ومن مشايخنا من قال: هذا ليس بقياس واستحسان مبتدأ في هذه المسألة إنما هو القياس. والاستحسان الذي يذكر في الصبي العاقل إذا أسلم، فالقياس أن لا يصح إسلامه، وفي الاستحسان: يصح ومنهم من قال: هذا قياس واستحسان آخر في هذه المسألة وجه: القياس في ذلك: أن في عرض الإسلام عليها وهي صغيرة خطاب لها بالإسلام، والإجماع أن خطاب العقل ساقط عن الصغير ما لم يبلغ، إذ اختلفوا أنه إذا أسلم هل يصلح إسلامه. وجه الاستحسان: أن الصبي العاقل والصبية العاقلة إنما لا يخاطبان بالعقل قبل البلوغ لحق الله، وهاهنا لا تخاطب الصغيرة بالإسلام لحق الله وإنما تخاطب به لحق الزوج حتى يبقيان على النكاح، والصغيرة يجوز أن تخاطب بأداء حقوق العباد، فإن أسلمت بقيا على النكاح، فإن أبت فُرّق بينهما، وهذا لا يشكل على قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله؛ لأن على قولهما ردتهما عن الإسلام صحيحة وإنها إنكار بعد الإقرار، فأولى أن يصح إباؤها، وإنه امتناع عن قبول الإسلام، وأما على قول أبي يوسف رحمه الله اختلف المشايخ منهم من لم يصحح إباءها على قوله وسوى بينه وبين الردة، ومنهم من صحح إباءها وفرق بين الإباء والردة. واختلفت عباراتهم في ذلك بعضهم قالوا: إن أبا يوسف رحمه الله إنما أبطل الردة شرعًا رحمة على الصبي، وهاهنا وُجد الإباء بناء على العرض حقًا على العبد وإنه تقتضي صحته، وبعضهم قالوا: الردة تبدليل الاعتقاد ولا اعتقاد للصغير ولا ردة فأما الإباء مداومة على ما كان قبل ذلك، فلا حاجة فيه إلى اعتقاد بعدما تيقنابإبائه وحكمنا به، ولم يقع مثله في الردة ولم يحكم به.
قال محمد رحمه الله في (الجامع): نصراني زوج ابنه النصراني وهو صغير لا يعقل امرأةً كبيرة نصرانية، فأسلمت المرأة وطلبت من القاضي التفريق، فالقاضي لا يفرق بينهما حتى يبلغ الصغير أو يعقل الإسلام، وإذا عَقَلَهُ عرض عليه الإسلام فإن أبى فرق بينهما ولا يجعل إباءً لأن قبل بلوغه بمنزلة إبائه بعد البلوغ. فرق بين هذا وبينما إذا كان الزوج نصرانيًا معتوهًا مطبقًا لا ترجى صحته، وأبواه نصرانيان زوّجه أبوه امرأة نصرانية فأسلمت وأرادت التفريق فإن القاضي يُحضر والده إن كان حيًّا، ووالدته إن كان الوالد ميتًا، ويقول له: إما أن تسلم فيصير ابنك مسلمًا بإسلامك وإلا فأفرق بينهما والقاضي عاجز عن عرض الإسلام على الزوج في الموضعين، وكل واحد منهما يصير مسلمًا بإسلام الأب، والفرق بينهما: أن التفريق بعد إسلام المرأة معلق بإباء الزوج الإسلام من كل وجه، وكذلك بأن يوجد الإباء من الزوج حقيقة وحكمًا، وبقاؤهما على النكاح معلّق بإسلام الزوج من كل وجه، وذلك بأن يوجد الإسلام من الزوج حقيقة وحكمًا، وهذا مرجو متى عقل الصغير أو بلغ ولبلوغه غاية معلومة فتأخر الأمر إلى أن يوجد من الزوج الإسلام من كل وجه أو الإباء من كل وجه ولا يكون هذا إبطالًا لحق المرأة في التفريق فوجب التأخير ولم يجز إقامة إسلام ناقص وإباء ناقص مقام الكامل من غير ضرورة، وأما في مسألة المعتوه متى أخرنا الأمر إلى أن يزول العته وليس لزواله غاية معلومة أدى إلى إبطال حقها في التفريق وإنه لا يجوز، فلهذه الضرورة أقمنا إباء ناقصًا وإسلامًا ناقصًا مقام الكامل.
فإن قيل: هذا القول يُشْكل بما لو كان الزوج غائبًا وهو صبي، فإنه لا يعرض الإسلام على أبيه وليس لإبائه وإسلامه من حيث الحقيقة والحكم وقت معلوم. قلنا: الغائب من يعرف مكانه، ومتى عرف مكانه عُرض الإسلام عليه من حيث الحقيقة، إما بإحضاره أو بأن توكل المرأة وكيلًا حتى تخاصم معه حيث هو..... عقل، فيعرض الإسلام عليه حتى لو كان مفقودًا لا يُعرف مكانه نقول: يعرض الإسلام على أبيه.
ثم إن محمدًا رحمه الله قال في مسألة المعتوه: يعرض الإسلام على والده، فإن أسلم وإلا فرق بينهما. قال الشيخ الإمام شمس الأئمة السرخسي في تعليقه على القاضي الإمام أبي عاصم العامري رحمه الله: ليس هذا على طريق الحكم لكن إنما قال ذلك لأن للوالدين شفقة على ولدهما كما أن لهما شفقة على أنفسهما، فيجوز أن تحملهما شفقة الولاد على الإسلام، فيصير المعتوه مسلمًا بإسلامه، كما أن شفقته على نفسه تحمله على أن يسلم فلا يفرق بينهما، فإنما قال: يعرض الإسلام عليه لهذا الأمر طريق الحكم. وفي مسألة الصبي صحح عرض الإسلام عليه وإن كان لا يخاطب الصبي بالإسلام عندنا؛ لأن ذلك وضع عنه، وقبل منه إذا أدّاه في حق الرحمة عليه، وهاهنا وجب العرض لحقوقها، وحقوق العباد لا تسقط بعذر الصغر فيوجه الخطاب بالعرض لحق العبد لا لحق الله تعالى، واستشهد في (الكتاب) فقال: ألا ترى أن امرأة النصراني إذا أسلمت فرفعت الأمر إلى القاضي، فوكل الزوج رجلًا بالخصومة وغاب الزوج، فالقاضي لا يفرق بينهما حتى يحضر الزوج فيفرق بينهما إذا أبى الإسلام؛ لأنه يمكن اعتبار إباء الزوج حقيقة وحكمًا، فلا ضرورة إلى إقامة إباء الوكيل مقام إباء الزوج كذا مسألتنا.
ثم فرّع على مسألة المعتوه فقال: إن كان الأبوان قد ماتا، فالقاضي ينصب خصمًا عنه ويفرق بينهما؛ لأنه تعذر عرض الإسلام عليه وعلى غيره، فغلب الإمساكَ بالمعروف التسريحُ بالإحسان.
فإن قيل: لما تعذر اعتبار الإسلام والإباء حقيقة ينبغي أن تقام ثلاث حيض مقام الفرقة إقامة للشرط مقام (العلة) كما لو أسلم أحد الزوجين في دارالحرب، قلنا: في تلك المسألة: إنما أقمتم ثلاث حيض مقام الفرقة إقامة للشرط مقام العلة لتكون الحِيَض شرط الفرقة، وهاهنا أمكن اعتبار العلة حقيقة وهو تفريق القاضي بأن ينصب عنه وكيلًا، فلا ضرورة إلى إقامة الشرط مقام العلة، والله أعلم بالصواب.

.الفصل العشرون: في الخصومات الواقعة بين الزوجين:

وما يتصل بها هذا الفصل يشتمل على أنواع أيضًا: نوع منه في دعوى النكاح وإقامة البينة عليه.
قال محمد رحمه الله في (الأصل): رجل ادى على امرأة نكاحًا، وأقام على ذلك بيّنة وأقامت أخت المرأة على هذا الرجل بينة أنها امرأته، وأنه تزوجها، فالبينة بينة الزوج، لأن الزوج ببنيته يثبت لنفسه ملك المتعة التي هي أصل في باب النكاح، والأخت ببنيتها تُثبت لنفسها ملك المهر الذي هو تبع في باب النكاح، إنما ملك المتعة يثبت عليها لعبرة ولا شك أن الأصل أقوى من التبع فكانت بيّنة الزوج أكثر إثباتًا فكانت أولى بالقبول، وإذا قضى ببينة الزوج بطل نكاح الأخرى ولا يقضي للأخرى بالمهر إن لم يكن الزوج دخل بها، وهذا كله إذا لم تؤرخ البينتان أو أرخ وتاريخهما على السواء، أما إذا كان تاريخ أحدهما أسبق يجب القضاء ببينة من كان أسبق تاريخًا، ويفسد نكاح الأخرى اعتبارًا للثابت بالبينة بالثابت معاينة. وفي (المنتقى) عن أبي حنيفة رحمه الله: لو وقتت بينة المرأة ولم توقت بيّنة الرجل، فدعوى الرجل جائزة، ويثبت نكاح المرأة التي ادعاها فيبطل نكاح المدعية.
قال في (الأصل): وإن شهد شهود الزوج أنه تزوج إحداهما ولا تعرف بعينها غير أن الزوج يقول: هي هذه، فإن صدقته المرأة فهي امرأته ويحكم بصداقها، وإن جحدت فلا نكاح بينه وبين واحدة منهما؛ لأن الشهود لم يشهدوا على نكاح امرأة بعينها إنما شهدوا على نكاح إحداهما، ونكاح إحداهما مجهول، والشهادة بالمجهول لا تكون حجة فبقي دعوى الزوج، وبمجرد دعوى الزوج لا يَثبت النكاح، ولا يمين للزوج على التي يدعى عليها النكاح عند أبي حنيفة رحمه الله، والمسألة معروفة فلا مهر عليه إن لم يكن دخل.
وكذلك لو شهد شهود امرأة أنه تزوجها أحد هذين الرجلين ولا يعرف بعينه غير أن المرأة تقول: هو هذا، فإن صدقه ذلك الرجل فهي امرأته وإن كذبه فلا نكاح بينهما وبين واحد منهما، ولا مهر على واحد منهما ولا يمين لها عليه في قول أبي حنيفة رحمه الله، وإن كانت ادعت أنه طلقها قبل الدخول بها وأن لها عليه نصف (المهر) يستحلف على نصف المهر.
وكذلك لو ادعت أنه طلقها بعد الدخول بها، وأن لها عليه جميع المهر يستحلف على جميع المهر؛ لأن الدعوى الآن وتقع في المال، وإذا نكل قضي بالمهر ولا يقضى بالنكاح؛ لأن عند النكول إنما يقضى بما وقع فيه الاستحلاف، والاستحلاف وقع في المال، ألا ترى أن في دعوى السرقة إذا استحلف ونكل يقضى بالمال دون القطع كذا ها هنا.
وإذا ادعت أختان على رجل بعينه كل واحدة تدعي أنه تزوجها أولًا وأقامت كل واحدة بيّنة على حسب ما ادعت كان ذلك إلى الزوج، فأيتهما قال الأولى فهي الأولى وهي امرأته، ويفرق بينه وبين الأخرى ولا مهر عليه للأخرى إن لم يكن دخل بها.
قال الشيخ الإمام شيخ الإسلام المعروف بخواهر زاده رحمه الله: وبهذه المسألة تبين أنه إذا وجد التصادق بعد إقامة البينة، فالنكاح يعتبر ثابتًا بالبينة، إذ لو اعتبر ثابتًا بالتصادق يجب أن تُقبل بينّة الأخت في هذه المسألة وقد أقامت البينة أنه تزوجها أولًا وإن جحد الزوج ذلك كله وقال: (لم) أتزوج واحدة منهما أو قال تزوجتهما ولا يدري أيتهما أولى فهو سواء، ويفرق بينه وبينهما وعليه نصف المهر بينهما إن لم يكن دخل بهما.
من مشايخنا من قال: هذا الجواب لا يستقيم فيما إذا أنكر الزوج نكاحهما أصلًا؛ لأنه لما أنكر نكاحهما فقد أنكر وجوب المهر على نفسه وتعذر القضاء بالبينتين لمكان التعارض فكيف يجب نصف المهر لهما عليه؟ قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله: لا بل هذا الجواب مستقيم في الفصلين لأن التعارض لا بين البينتين في حكم الحل دون المهر، ألا ترى أن البينتين لو قامتا بعد موت الزوج عمل بهما في حق المهر والميراث، وإذا لم يكن بينهما تعارض في حكم المهر وجب نصف المهر على الزوج، وليست إحداهما أولى من الأخرى فيكون بينهما.
وعن أبي يوسف رحمه الله في (الإملاء) أنه لا شيء عليه؛ لأن المقضي له مجهول وعن محمد رحمه الله أنه يقضى عليه بجميع المهر؛ لأن النكاح لم يرتفع بجحوده فوجب القضاء بجميع المهر للتي صح نكاحها، وإن كان دخل بإحداهما كان لها المهر المسمى وهي امرأته؛ لأنه صار مهرًا بأولية ملك نكاح الموطوءة حكمًا للإقدام على الوطء.
وإن قال: هي الآخرة وتلك الأولى فرق بينها وبينه ولزم المهر المسمى للتي دخل بها لا ينقص عنه وإن كان المسمى أكثر من مهر المثل.
قال محمد رحمه الله في (الجامع): رجل ادعى نكاح امرأة والمرأة أنكرت ذلك، وأقام المدعي بيّنة أنها امرأته وأقامت المرأة بينة أنه كان تزوج أختها قبل الوقت الذي ادعى فيه نكاحها، وأنها اليوم امرأته على حاله والزوج ينكر أجمعوا على أن القاضي لا يقضي بنكاح الغائبة، وهل يقضي بنكاح الحاضرة القياس أن يقضي وبه أخذ أبو حنيفة رحمه الله، وفي الاستحسان لا يقضي بل يوقف الأمر إلى أن تحضر الغائبة، فإن حضرت وأقامت البينة على ما ادعت لها الحاضرة يقضى بأنها امرأته ويفرق بين الزوج وبين الحاضرة، وإن أنكرت ذلك يقضى بنكاح الحاضرة ببينة الزوج ولا يلتفت إلى بيّنة الحاضرة، وبه أخذ أبو يوسف ومحمد رحمهما الله. الأصل في هذه المسألة وأجناسها أن القضاء بالبينة على الغائب أو للغائب لا يجوز إلا إذا كان عنه خصم حاضر، إمّا قصدي وذلك بتوكيل الغائب إياه، وإما حكمي وذلك أن يكون المدعى على الغائب سببًا لثبوت المدعى على الحاضرة لا محالة لو شرطا له على ما ذكر فخر الإسلام علي البزدوي رحمه الله، وعند عامة المشايخ أن يكون المدعى على الغائب سببًا لثبوت المدعى على الحاضرة لا محالة وإليه أشار محمد رحمه الله في (الكتاب) في مواضع، ثم سوى شيخ الإسلام خواهر زاده رحمه الله بينما إذا كان المدعى على الغائب والحاضر شيئان وبينما إذا كان المدعى شيء واحد بشرط السببية لانتصاب الحاضر خصمًا عن الغائب في الفصلين جميعًا وذكر القاضي الإمام الكبير أبو زيد في كشف المشكل وعامة المشايخ في شروحهم أن السببية تشترط فيما إذا كان المدعى شيئين، وهو الأشبه والأقرب إلى الفقه.
بيان هذا الأصل فيما إذا كان المدعى عليهما واحدًا: إذا ادعى رجل دارًا في يدي رجل أنها داره اشتراها من فلان الغائب وهو يملكها وقد غصبها ذو اليد منّي، وقال ذو اليد: الدار داري فأقام المدعي بينة على دعواه قبلت بينته ويكون ذلك قضاء على الحاضرة والغائب، وينصب الحاضر خصمًا عن الغائب.
وأما على ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله فلأن المدعى على الغائب والحاضر شيء واحد، والمدعى على الغائب سبب لثبوت المدعى على الحاضر لا محالة، وهذا ما ذكره عامة المشايخ، ولأن المدعى على الحاضر والغائب شيء واحد.
بيان هذا الأصل فيما إذا كان المدعى عليهما شيئان: إذا شهد شاهدا الرجل على رجل بحق من الحقوق، فقال المشهود عليه: هما عبدان لفلان الغائب، وأقام المشهود له بينة أن فلانًا الغائب أعتقهما وهو يملكهما فإنه تقبل هذه الشهادة ويثبت العتق في حق الحاضر والغائب جميعًا، والمدعى شيئان: المال على الحاضر، والعتق على الغائب إلا أن المدعى على الغائب سبب لثبوت المدعي على الحاضر لا محالة لأن العتق لا ينفك عن ثبوت ولاية الشهادة بحال، فصار كشي واحد من حيث المعنى، فينتصب الحاضر خصمًا عن الغائب ويقضى بالعتق في حق الحاضر والغائب جميعًا.
وإذا كان المدعى عليهما شيئين إلا أن المدعى على الغائب ليس سببًا لثبوت المدعى على الحاضر لا محالة، بل قد يكون سببًا وقد لا يكون سببًا لا ينتصب الحاضر خصمًا عن الغائب، وهذا لأن الغائب ما جعل الحاضر خصمًا عن نفسه لكن جعلناه خصمًا عنه في موضع لا ينفك المدعى على الغائب عن المدعى على الحاضر ضرورة ولا ضرورة فيما إذا كان ينفك عنه فيعمل فيه بالحقيقة.
بيان هذا الأصل في رجل قال لامرأةِ رجلٍ غائب: إن زوجك فلان الغائب وكلني أن أحملك إليه، فقالت المرأة: إنه قد كان طلقني ثلاثًا، وأقامت على ذلك بينة قبلت بينتها في حق المرأة أنه قد كان (طلقها في حق) قصر يد الوكيل عنها لا في إثبات الطلاق على الغائب، حتى لو حضر الغائب وأنكر الطلاق فالمرأة تحتاج إلى إعادة البينة؛ لأن المدعى على الغائب وهو الطلاق ليس بسبب لثبوت المدعى على الحاضر وهو قصّر يده لا محالة، فلأن الطلاق متى تحقق قد لا يوجب قصر يد الوكيل بأن لم يكن وكيلًا بالحمل قبل الطلاق، وقد يوجب بأن كان وكيلًا بالحمل قبل الطلاق، فكان المدعى على الغائب سببًا لثبوت المدعى على الحاضر من وجه دون وجه، فمن حيث إنه سبب يقضي به في حق قصر يد الوكيل، ومن حيث إنه ليس بسبب لا يقضي به في حق إزالة ملك الغائب عملًا بهما.
وإذا كان المدعى عليهما شيئان والمدعى على الغائب سبب للمدعى على الحاضر باعتبار البقاء لا ينتصب فالقاضي لا يلتفت إلى دعوى المدعى، ولا يقضي ببينته لا على الحاضر ولا على الغائب.
بيان هذا رجل اشترى من آخر جارية، ثم إن المشتري ادعى أن البائع قد كان زوجها من فلان الغائب قبل أن أشتريها وقد اشتريتها ولم أعلم بذلك، وأنكر البائع دعواه، فأقام على ذلك بيّنة يريد رد الجارية لا تقبل هذه البينة لا على الحاضر ولا على الغائب لأن المدعى شيئان النكاح على الغائب والرد على الحاضر، والمدعى على الغائب من النكاح نفسه ليس بسبب لما يدعيه على الحاضر من غير اعتبار البقاء، فإن البائع لو زوجها ثم الزوج طلقها لا يكون للمشتري الرد، وإنما السبب بقاء النكاح إلى حالة الرد؛ ولم يقم البينة على البقاء، ولو أقام البينة على البقاء لا تقبل أيضًا ولا يقضي بالرد لأن البقاء تبع الابتداء فإذا لم يمكن أن يجعل خصمًا في نفس النكاح لم يمكن أن يجعل خصمًا في إثبات البقاء.
وبعد الوقوف على هذه الجملة جئنا إلى تخريج المسألة، فوجه قول أبي حنيفة رحمه الله أن المدعى على الحاضر والغائب شيئان، ونفس ما تدعي الحاضر على أختها الغائبة من النكاح من غير اعتبار البقاء لا يكون سببًا لما يدعي على الزوج من فساد نكاح نفسها، لأنه إذا كان طلّق الغائبة قبل نكاح الحاضرة يصح نكاح الحاضرة فلا تقبل بينة الحاضرة أصلًا، فإذا لم تُقبل بينة الحاضرة لم يثبت نكاح الغائبة، وحجة القضاء للزوج على الحاضرة موجودة وإنما يمتنع عملها لمانع مخصوص وهو نكاح الغائبة، فإذا لم يثبت نكاح الغائبة لم يمتنع عملها.
فإن قيل: أليس إن محمدًا رحمه الله وضع المسألة فيما إذا شهدوا أنه زوجها قبل ذلك، وأنها اليوم امرأته وشهادتهم أنها اليوم امرأته ينافي نكاح الأخرى.
قلنا هذه الزيادة بناء على علمهم بابتداء النكاح، فصار وجود ذلك والعدم بمنزلة ولأنها إذا لم تصلح خصمًا في إثبات أصل نكاح الغائبة لا تصلح خصمًا في إثبات بقائه.
وجه قولهما ان القياس ما قاله أبو حنيفة رحمه الله، إلا أنا تركنا القياس هنا لنوع ضرورة؛ لأن الباب باب الفروج، فإن الحاضرة ادعت حرمة فرجها على الزوج بسبب فساد نكاحها، وقد يترك القياس في باب الفرج احتياطًا ما لا يترك لغيرها.
ثم في (الكتاب) يقول: إذا حضرت الغائبة وأقامت البينة على ما ادعت لها الحاضرة قضي بنكاحها بشرط إعادة البينة من الغائبة للقضاء بنكاحها، بعض مشايخنا قالوا: إذا حضرت الغائبة وصدقت شهود الحاضرة فيما شهدوا من نكاحها تثبت نكاحها ولا يحتاج إلى إعادة البينة، وقد حكي عن بعض مشايخنا أنه كان يقول: لا خلاف في هذه المسألة حقيقة؛ لأن أبا يوسف ومحمد رحمهما الله إنما قالا: لا يُقضى بنكاح الحاضرة بطريق الاحتياط؛ لأن الغائبة إذا حضرت إنما تصدق شهود الحاضرة أو تعيد البينة على نكاحها فيفسد نكاح الحاضرة، ويجب التفريق بين الحاضرة والزوج، وما يكون بطريق الاحتياط لا يكون فرضًا.
وكذلك لو أقامت الحاضرة بينة على إقرار الزوج بنكاح الغائبة، فهذا والأول سواء لا تقبل بينة الحاضرة عند أبي حنيفة رحمه الله، وإنما لم تقبل لا لأنها قامت على غير خصم بل قامت على خصم؛ لأنها قامت على إقرار الزوج، والزوج خصم حاضر إلا أن من شرط قبول البينة أن يكون المشهود به حقًا يلزمه المشهود عليه، والمشهود به هاهنا إقرار الزوج بنكاح الغائبة قبل نكاح الحاضرة حتى يثبت مكان فساد نكاح الحاضرة؛ فبهذا القدر من الإقرار لا يلزم الزوج فساد نكاح الحاضرة لأن للزوج أن يقول: كنت تزوجت الغائبة قبل نكاح الحاضرة إلا أني طلقتها قبل نكاح الحاضرة.
قال: ولو أقرّ الزوج عند القاضي أن الغائبة كانت امرأته، فالقاضي يسأله هل كان بينه وبينها فرقة؟ فإن قال: لا، فالقاضي يفرق بينه وبين الحاضرة، ولكن لا يثبت نكاح الغائبة إلا بتصديق الغائبة أو ببينة يقيمها عليها؛ لأن الزوج أقرّ بفساد نكاح الحاضرة، وهذا أمر عليه، وبنكاح الغائبة وإنه أمر له، فيُصدق فيما عليه ولا يصدق فيما له.
وإن قال الزوج: قد كنت طلقتها قبل أن أدخل بها أو بعدما دخلت بها، وأخبرتني عن انقضاء العدة في مدة تنقضي في مثلها العدة، وكذبته الحاضرة في الطلاق، وقد أقام هو البينة على نكاح الحاضرة يقضى له بنكاح الحاضرة؛ لأن الزوج بما قال ادعى سقوط حق الغائب في النفقة والسكنى فتزول حرمة نكاح الحاضرة فلئن كان لا يصدق في سقوط حق الغائبة لأنه ضمين يدعي سقوط ما عليه من الضمان يصدق في زوال الحرمة؛ لأنه أمين في ذلك لأن الحرمة خالص حق الله تعالى والعبد في حقوق الله تعالى أمين والأمين فيما أخبر مصدق إذا احتمل خبره الصدق وقد احتمل خبره الصدق إذا كان في مدة تنقضي في مثلها العدة وصار كالمطلقة ثلاثًا إذا تزوجت بزوج آخر وفارقها قبل خلوة ظاهرة فقال الزوج؛ فارقتها قبل الخلوة والإصابة، وقالت المرأة: فارقني بعد الإصابة صدقت المرأة في حق زوال الحرمة على الزوج الأول؛ لأنه من حقوق الله تعالى وإن لم تصدق في استحقاق كمال المهر على الزوج الثاني كذا هاهنا هذا إذا لم تحضر الغائبة.
فإن حضرت الغائبة وكذبت الزوج في الطلاق وادعت أنها امرأته، فإن الطلاق واقع عليها بإقرار الزوج وعليها العدة منذ أقر الزوج بالطلاق إن كان قد دخل بها، والحاضرة امرأته لأن نكاح الغائبة ثبت بتصادق الزوج والغائبة إلا أن الزوج يدّعي الطلاق في زمان ما مضى وأخبر عن إخبارها بانقضاء العدة في مدة تنقضي في مثلها العدة، وفي مثل هذا يعتبر قول الزوج في حق جواز نكاح أختها وأربع سواها كما لو كان نكاح الغائبة ثابتًا معاينة. هذا إذا أقامت الحاضرة بينّة أن هذا الزوج المدعي تزوج أختها قبل الوقت (الذي فيه) ادعى نكاحها.
فأما إذا أقامت بيّنة أنه تزوج أمها أو ابنتها قبل الوقت الذي ادعى نكاحها فيه فهذه المسألة والمسألة الأولى سواء على قول أبي حنيفة رحمه الله يقضي بنكاح الحاضرة ولا يلتفت إلى بينتها. وعلى قولهما يوقف الأمران على حضور الغائبة.
وهذا الجواب من أبي حنيفة رحمه الله لا يشكل فيما إذا ادعت الحاضرة أنه تزوج أمها؛ لأن ما ادعته الحاضرة من نكاح الأم ليس بسبب لثبوت ما تدعي على الزوج من فساد نكاح نفسها لا محالة لجواز أنه تزوج الأم قبل الابنة ثم طلقها قبل الدخول بها؛ لأن مجرد نكاح الأم لا يوجب حرمة الابنة، إنما يشكل فيما إذا أقامت البينة أنه تزوج ابنتها؛ لأن نكاح الابنة سبب لفساد نكاح (الأم) (أثبت) نكاح الأم لا محالة، وفي هذا ينتصب الحاضر خصمًا عن الغائب فينبغي أن تقبل البينة على نكاح البنت.
والجواب: أن أصل نكاح الابنة ليس بسبب لفساد نكاح الحاضرة لا محالة؛ لأن نكاح الابنة إذا كان فاسدًا ولم يدخل بها لم تحرم الأم، وإنما سبب فساد نكاح الحاضرة نكاح الابنة بوصف الصحة، وإذا لم يكن أصل نكاح الابنة سببًا لفساد نكاح الحاضرة لا تنتصب الحاضرة خصمًا عن الغائبة في إثبات أصل نكاحها، ولا تنتصب خصمًا في إثبات وصف الصحة وإن كان ذلك سببًا للفساد؛ لأن الوصف تبع للأصل.
ولو أقامت الحاضرة بينة على إقرار الزوج بذلك إن أقامت بينة على إقرار الزوج بنكاح الأم لا تقبل بينتها؛ لأن هذه البينة لا تلزم المشهود عليه حقًّا لأنه يمكنه أن يقول: نكحها ثم فارقتها قبل الدخول بها، حتى لو أقامت بينة على إقرار الزوج أنه تزوج أمهّا وأنها امرأته للحال تُقبل بينتها؛ لأنها تلزم المشهود عليه حقًا. وإن قامت البينة على إقرار الزوج بنكاح الابنة تقبل بينتها؛ لأنها قامت على خصم حاضر، وإنها تلزم على المشهود عليه حقًا؛ لأن مطلق إقرار الزوج بالنكاح ينصرف إلى نكاح صحيح. ونكاح الابنة متى صحّ كان سببًا لفساد نكاح الأم.
فرّق بين هذا وبينما إذا أقامت البينة على نفس نكاح الابنة حيث لا تقبل بينتها ولم يصرف مطلق الشهادة إلى النكاح الصحيح كما صرف مطلق الإقرار إلى النكاح الصحيح، والظاهر في الفصلين هو الصحة إلا أنه يحتمل الفساد، فتتمكن الشبهة، والشهادة لا تثبت مع الشبهة، والإقرار لا يبطل بالشبهة هذا إذا أقامت الحاضرة بينة أن الزوج تزوج أمها أوابنتها أو على إقرار الزوج بذلك ولم تتعرض للجماع.
أما إذا تعرضت لذلك وأقامت البينة أن الزوج تزوج بأمها (أو) ابنتها وجامعها، أو أقامت بينة على إقرار الزوج بذلك فرّقنا بينه وبين الحاضرة ولم يثبت نكاح الغائبة وقبلت هذه البينّة على جماع الغائبة لا على نكاح الغائبة، وهذا لأن دعوى نكاح الغائبة غير محتاج إليه عند دعوى الجماع فيما هو المقصود، وهو إثبات فساد نكاح الحاضرة؛ لأن جماع الأب يوجب حرمة الابنة سواء كان بصفة الحال أو بخلافه، فصار دعوى النكاح عند دعوى الجماع والعدم بمنزلته. وصار كأنها أقامت البينة على الجماع لا غير، وهناك لا تقبل بينتها لأن البينة على الجماع قامت على خصم وهو الزوج؛ لأن الجماع يتم بالزوج وحده من غير أن يوجد من المرأة فعل؛ لأن الزوج يجامعهما وهي نائمة، فكان الزوج خصمًا في دعوى جماع الغائبة عليه، وجماع الغائبة سبب لما تدّعي الحاضرة من فساد نكاحها، بخلاف ما لو أقامت الحاضرة البينة على مجرد النكاح؛ لأن النكاح لا يتم بالزوج وحده وإنما يتم به وبقبولها، وقدر ما يوجد من الزوج وإن كان الزوج فيه خصمًا إلا أنه يكفي لما ادعى الحاضرة من فساد نكاحها، وما يوجد من قبول الغائبة والزوج فيه ليس بخصم، فتلك البينة قامت على غير الخصم أماها هنا بخلافه.
ثم إذا قضى القاضي بجماع الغائبة هل يقضى لها بالمهر، حتى إذا حضرت أخذت الزوج بذلك من غير إعادة البنية؟ لم يذكر محمد رحمه الله هذا الفصل في (الكتاب)، وإنما أشار إلى أنه يقضي، وعليه عامة المشايخ.
وكذلك إذا أقامت الحاضرة البينة على أن الزوج تزوج أمها أو ابنتها أو قبّلها بشهوة، أو لمسها بشهوة أو نظر إلى فرجها بشهوة، فالجواب فيه كالجواب فيما إذا أقامت البينة أنه تزوجها وجامعها، وكذلك لو أقامت البينة على إقرار الزوج أنه قبّلها أو لمسها بشهوة ثم هذه المسألة دليل على أن الشهادة على التقبيل واللمس بشهوة مقبولة، وهذا فصل اختلف فيه المشايخ، وبعضهم قالوا: لا تقبل، وإليه مال الشيخ الإمام الجليل أبو بكر محمد بن الفضل البخاري رحمه الله.
ومعنى قول محمد رحمه الله في (الكتاب) شهدوا أنه قبلها أو لمسها بشهوة على قول هؤلاء: شهدوا على إقرار الزوج بذلك بعضهم قالوا: تقبل، وإليه مال الشيخ الإمام فخر الإسلام علي البزدوي رحمه الله. وهذه المسألة دليل على قول هؤلاء، ولا يمكن حمل المسألة على الشهادة على إقرار الزوج؛ لأن محمدًا رحمه الله ذكر فصل الشهادة على اللمس والتقبيل بشهوة أولًا، وعطف عليه فصل الشهادة على إقرار الزوج بذلك.
وفي (المنتقى): إبراهيم عن محمد رحمه الله: رجل أقام بينّة على امرأة أنها امرأته، وأقامت المرأة بينة على رجل آخر أنها امرأته وهو يجحد فالبيّنة بيّنة الزوج. علل فقال: لأن شهود الزوج شهدوا عليها بالنكاح وبه يثبت إقرارها بنكاح هذا الرجل فإقرارها على نفسها أصدق من بينتها، قال: ألا ترى أنه لو أقام رجل على رجل البينة أني اشتريت منك ثوبك هذا وأقام صاحب الثوب بيّنة على آخر أني بعتك هذا الثوب وهو يجحد، والبينة بينة المدعي على صاحب الثوب، وطريقه ما قلنا.
قال: ولو كانت المرأة حين أقامت البينة على ذلك الرجل إذا ادعى الرجل نكاحها كانت البينة بينة المرأة. وهو كامرأة أقام عليها رجلان البينة على النكاح ولمن. لم يؤقتا فأيهما صدّقته المرأة فهو زوجها، هذا هو لفظ (المنتقى).
قال في (الأصل): إذا تبايع رجلان في امرأة كل واحد يدعي أنها امرأته، وأقام البينة، وإن كانت في بيت أحدهما أو كان دخل بها أحدهما فهي امرأته لأنه تمكنه من الدخول بها أو من نقلها إلى بيته دليل سبق عقده فيقضى له بالمرأة إلا إذا أقام الآخر بيّنة أنه تزوجها قبله فحينئذ يسقط اعتبار دليل السبق عند التصريح بالسبق وإن لم تكن في بيت واحد منهما ولا دخل بها أحدهما، فإن وقّتا فالوقت الأول أولى، فإن لم يوقتا أو وقتا وقتًا واحدًا، فالذي زكيت بينته فهو أولى، وإن زكيت البينتان تسأل المرأة عن ذلك، وإن لم تقر المرأة بنكاح أحدهما فرّق بينها وبينهما.
وإن أقرت لأحدهما أنه تزوجها قبل الآخر أو أنه تزوجها دون الآخر، فهي امرأته إلا إذا أقام الآخر بينة أنه تزوجها قبل هذا، وهذا لأن العمل بالبينتين متعذر فيسقط اعتبارهما، فبقي تصادق أحد الرجلين مع المرأة فثبت النكاح بينهما بتصادقهما. إذا لم تقر المرأة لأحدهما حتى فرّق بينها وبينهما إن لم يكن دخلا بها فلا مهر لها. وإن كان قد دخلا بها ولا يدرى أيهما أول فعلى كل واحد منهما الأقل ممّا سمى له ومن مهر المثل وإن جاءت بولد فهو ابنهما يرث من كل واحد منهما ميراث ابن كامل ويرثانه ميراث أب واحد. وإن ماتت في هذه الصورة وهو ما إذا لم تقرّ بنكاح أحدهما كان على كل واحد منهما نصف ما سمى لها من المهر وكان ميراث الزوج من تركتها بينهما نصفان. وإن (لم) تمت هي ولكن مات أحد الرحلين، فإن قالت المرأة: هذا الميت هو الأول فهي للأول، ولها في ماله المهر والميراث؛ لأن تصديقها بعد موت الزوج كتصديقها في حال حياته، فثبت نكاح هذا بتصادقهما وانتهى بالموت.
وفي (المنتقى): بشر عن أبي يوسف رحمه الله في عشرة ادعوا نكاح امرأة قال: إن كان دخل بها أحدهم فهي امرأته، وإن ادعت هي واحد منهم فهو زوجها. وإن واحد دخل بها ولا يعرف هو ولم تدع هي واحدًا منهم، فلها على كل واحد منهم نصف مهر، وإن ماتوا كان لها عشر مهر كل واحد منهم ولها عشر ميراث امرأة من كل واحد منهم. وإن ماتت هي كان على كل واحد منهم عشر مهر ولهم ميراث زوج بينهم إذا تصادقوا أنهم لا يعلمون.
رجلان ادعيا نكاح امرأة وهي ليست في يد أحدهما، فأقرت لأحدهما فهي للمقر له، فإن أقام الآخر بعد ذلك بينة على النكاح فصاحب البينة أولى. ولو أقاما البينة بعدما أقرّت لأحدهما فإن وقّتا فالوقت الأول أولى، وإن لم يوقتا فالذي زكيت بينته أولى، فإن زكيت بينتهما، فعند بعض المشايخ يقضى للذي أقرت له بالنكاح سابقًا وهو الأقيس، وعند بعض المشايخ لا لواحد منهما، وإليه أشار في (أدب القاضي) للخصاف في باب الشهادة على النكاح.
ذكر القاضي الإمام علي السغدي رحمه الله في (شرح المبسوط): إذا تنازع اثنان في امرأة، وكل واحد يقيم البينة أنها امرأته، وإن أرّخا وتاريخهما سواء ولا يد لواحد منهما عليها أو لكل واحد منهما يد عليها ولم يؤرخا، فإنه لا تقبل بينتهما، وكذا إذا أرّخا على السواء ولأحدهما يد عليها يقضى له وتترجح بينته بحكم اليد، وكذا إذا أرّخا على السواء فأقرت لأحدهما يقضى للمقر له لأن الإقرار بمنزلة اليد، وإن أرخا على السواء ولا يد لواحد منهما ولم تقر هي لأحدهما فرّق بينهما وبينها، فإن كان قبل الدخول لا يقضى لها بشيء من المهر على أحدهما. وإن تنازعا بعد موتها فهذا أيضًا على وجوه، ولا يعتبر فيه الإقرار واليد. فإن سبق تاريخ أحدهما قضي له بالميراث، وإن كان تاريخهما على السواء أو لم يؤرخا يرثان ميراث زوج واحد ويكون بينهما وعلى كل واحد نصف المهر.
وذكر هو في موضع آخر إذا ادعى كل واحد منهما أنه تزوجها أولًا وأقاما البينة، فإن القاضي لا يقبل واحدة من البينتين يترجح على صاحبها بإحدى معان ثلاثة:
إما بإقرارها أو بكونها في بيت أحدهما أو بكونها مدخولة لأحدهما ولم يفصل بينما إذا أقرّت لأحدهما قبل إقامة البينة أو بعدها إلى هذا من حاشيته.
ادعيا نكاح امرأة وهي تجحد وليست في يد أحدهما، فأقام أحدهما البينة على النكاح وأقام الآخر البينة على النكاح وعلى إقرار المرأة له بالنكاح لا تترجح بينة من يدعي إقرارها بالنكاح؛ لأن الآخر ببينته أثبت نكاحها وبه يثبت إقرارها بالنكاح للآخر فاستوت البينتان في إثبات الإقرار معنى، وقيل: تترجح بينة من يدعي إقرارها؛ لأن الثابت بالبينة العادلة كالثابت عيانًا، من يدعي إقرارها لأحدهما بعدما أقاما البينة كان المقر له أولى. وما يقول بأن الآخر أثبت إقرار المرأة، قلنا: نعم ولكن في ضمن إثبات النكاح، وهذا أثبتَ إقرارها قصدًا، ولا شك أن اعتبار القصدي أولى من اعتبار الضمني.
ادعيا نكاح امرأة وهي ليست في يد أحدهما وأقاما البينة من غير تأريخ، وسئلت المرأة عن ذلك ولم تقر لأحدهما حتى تهاترت البينتان، ثم أقام أحدهما البينة على إقرارها له بالنكاح قضي له بالنكاح كما لو أقرت لأحدهما بالنكاح بعدما أقاما البينة عيانًا.
ادعى رجل نكاح امرأة وهي ليست في يد أحد، وأقام بينة على دعواه قضيتُ له بالمرأة، فإن جاء رجل آخر وأقام بينة على مثل ذلك لم أحكم له بها إلا إذا شهد شهود الثاني أنه تزوجها قبل الأول؛ لأن دعوى النكاح بمنزلة دعوى الشراء، ومن ادعى الشراء في عين من رجل وقضي له بها ثم ادعى آخر الشراء في ذلك العين من ذلك الرجل لا يقضى للثاني كذا هنا.
ادعى نكاح امرأة وهي في يد رجل، فأقام المدعي البينة على ذلك وقضى القاضي له بالنكاح ثم أقام صاحب اليد بعد ذلك بينة على النكاح من غير ذكر تاريخ يقضى لصاحب اليد عند بعض المشايخ؛ لأن يده دليل على سبق نكاحه، فصار كما لو أقام بينته على النكاح بتاريخ سابق صريحًا، وبعض مشايخنا قالوا: ينبغي أن لا تسمع بينة صاحب اليد في هذه الصورة. وإليه مال الصدر الشهيد والدي تغمده الله بالرحمة والرضوان، وعلى قول من يقول: تسمع بينة صاحب اليد لو أقام الخارج بعد ذلك بينة على أنه تزوجها قبل صاحب اليد يقضى للخارج، وفي (الحاوي): إذا شهد الشهود بعد الدعوى والإنكار أنها امرأته وحلاله، ولم يقولوا: إنه تزوجها قبل لا تقبل الشهادة ما لم يشهدوا على العقد.
قال: وفي كتاب الحدود إشارة إلى أنها تقبل، فإن محمدًا رحمه الله قال: إذا قال المشهود عليه بالزنا: إني قد تزوجتها أو قال: هي امرأتي درئ الحد سوّى بين الأمرين فدلّ أنهما واحد فتقبل.
ادعى رجل نكاح امرأة وهي في يد آخر وأقرّت المرأة للمدعي ثم أقاما البينة بدون التاريخ. بعض مشايخنا قالوا: يُقضى للخارج بحكم الإقرار، وقال بعضهم: يقضى لصاحب اليد، فلو أنها ما أقرت للخارج حتى أقام الخارج البينة على النكاح وأرّخ شهوده وأقام ذو اليد بينة على النكاح مطلقًا من غير ذكر تاريخ إن أقام ذو اليد بينة على أنها امرأته ومنكوحته كانت بينة الخارج أولى كما في دعوى الملك. وإن أقام بينة على أنه تزوجها كانت بينة ذي اليد أولى، فإن لم يؤرخ فكأن يده دليل سبق نكاحه، هكذا حكي عن بعض مشايخنا وبعض مشايخنا قالوا: يجب أن تكون بينة ذي اليد أولى على كل حال؛ لأن السبب متعين في باب النكاح فيصير مذكورًا لا محالة، ولأجل هذا المعنى قلنا: إن من ادعى على امرأة أنها امرأته بسبب النكاح وشهد الشهود مطلقًا أنها امرأته تقبل الشهادة؛ لأن السبب لما كان متعينًا في باب النكاح صار هو مذكورًا في الشهادة.
ولو أقام الخارج بينة على النكاح وأرّخ شهوده وأقام بينة على إقرار ذي اليد أن نكاح (ذي) اليد كان في وقت كذا، ولكن وقّتا بعد تاريخ بينة الخارج كانت بينة الخارج أولى، فتندفع به بينة ذي اليد إلا إذا وقت ذو اليد فقال تزوجتها قبل تزوج الخارج ثم جددنا العقد بعد ذلك التاريخ، فحينئذ لا تدفع بيّنة ذي اليد بينة الخارج، فكانت بينة الخارج أولى.
رجل ادعى امرأة في يد رجل أنها امرأته، وأقام على ذلك بينة، وأقام الذي في يديه بينة أنها امرأته، قال بعض مشايخنا: إن ادعى كل واحد أنها امرأته مطلقًا ولم يذكر أنه تزوجها لا يقضى لذي اليد بل يقضى للخارج إن ذكر كل واحد منهما أنه تزوجها والشهود شهدوا كذلك يقضى لصاحب اليد، وهذا القائل قاس هذا على دعوى الملك، فإن الخارج مع ذي اليد إذا ادعيا مُلك عين ملكًا مطلقًا وأقاما البينة على ذلك يقضى للخارج.
ولو ادعيا الشراء من رجل واحد وأقاما البينة يقضى لصاحب اليد، ومنهم من قال يقضى لصاحب اليد على كل حال؛ لأن السبب متعين في دعوى المرأة وهو التزوج، فصار ذلك مذكورًا في الدعوى، ولا كذلك ملك العين.
في (فتاوى أبي الليث) رحمه الله. سئل ابن سلمة عن امرأة ادعت على رجلٍ أنه تزوجها فأنكر، قال: قال أبو يوسف رحمه الله: يحلف بالله ما هي بزوجة له وإن هي زوجة له فهي طالق بائن، أما الاستحلاف على النكاح فهو مذهبهما وهو المختار، اختاره الفقيه أبو الليث رحمه الله رفقًا بالناس، وأما ضمّ الحلف بالطلاق إلى الحلف على النكاح، فلأنه يجوز أن يكون كاذبًا في الحلف على النكاح، وبجحوده لا يقع الطلاق فتبقى معلقة، فيضم إليه الحلف بالطلاق حتى لا تبقى معلقه لو كان كاذبًا في الحلف على النكاح.
وفي (الجامع الأصغر) قال: حَلَفَ متى حلف ولا بينة لها فالقاضي يقول: فرقت بينكما وما لم يقل ذلك لا تقع الفرقة.
ولو ادعى رجل على امرأة نكاحًا والمرأة في نكاح الغير ولا بينة للمدعي يستحلف الزوج والمرأة، فيبدأ بيمين الزوج فيحلف بالله ما يعلم أنها امرأة هذا المدعي. وإن حلف انقطع دعوى المدعي، وإن نكل تحلف المرأة على الثبات بالله ليست امرأة لهذا المدعي فإن نكلت قُضي عليها بالنكاح.
وفي دعوى (الفتاوى) عن محمد رحمه الله فيمن تزوج امرأة وابنتها في عقدتين ثم قال: لا أدري السابق منهما إذا ادعيا السبق يحلف بكل واحدة منهما أنه تزوجها قبل صاحبتها، بأيهما شاء بدأ وإن شاء أقرع، فإن حلف لإحداهما ثبت نكاح الأخرى وإن نكل لزمه وبطل نكاح الأخرى.
وسئل نصر عن رجلين ادعيا نكاح امرأة فأقرت هي لأحدهما، قال: ليس للآخر أن يحلفها ما لم يحلف الذي أقرت هي له به، فإن حلف برئ، وإن نكل عن اليمين يفرق بينهما ثم حلف المرأة، فإن حلفت برئت وإن نكلت عن اليمين صارت زوجة له.
بشر بن الوليد عن أبي يوسف رحمه الله: إذا تزوج العبد حرة ثم ادعى أن المولى لم يأذن له في النكاح، وقالت المرأة قد أذن له فإني أفرق بينهما لإقراره بفساد النكاح، قال: ولا أصدقه في إبطال المهر وألزمه الساعة إن كان دخل بها ولها النفقة ما دامت في العدة وإن لم يدخل بها جعلت لها نصف المهر. وكذلك لو قال: لا أدري أذن لي أم لم يأذن.
قال: محمد رحمه الله في (الجامع): رجل تزوج امرأة ثم أقرّ بعدما تزوجها أن فلانًا كان تزوجها قبلي إلا أنه طلقها وانقضت عدتها ثم تزوجتها بعد ذلك، وقالت المرأة: إن فلانًا تزوجني قبلك وهو زوجي في الحال ولا نكاح بيني وبينك وفلان المقر له غائب، فالقاضي لا يفرق بين المرأة وبين الزوج الثاني في الحال، فإن حضر الغائب وأقرّ بالنكاح وأنكر الطلاق قضي بالمرأة للذي حضر؛ لأن نكاح الذي حضر ثبت بتصادق الكل ولم يثبت طلاقه لما أنكر الطلاق، فظهر أن الثاني تزوجها وهي منكوحة الأول، فلم يصح نكاح الثاني فيفرق بين الثاني وبين المرأة ويقضى بالمرأة للأول.
ثم ننظر إن كان الثاني لم يدخل بها كان للأول أن يقربها للحال؛ لأنها امرأته ولم تجب عليها العدة عن الغير، وإن كان الثاني قد دخل بها فليس للأول أن يدخل بها للحال؛ لأنه وجب عليها العدة من الثاني؛ لأنه وطئها بشبهة النكاح ولا يجوز وطء معتدة الغير كما لا يجوز وطء منكوحة الغير. ونكاح الأول على حاله وإن صارت معتدة عن الثاني؛ لأن العدة تمنع ابتداء النكاح أما لا تمنع بقاءه وإن أقرّ الذي حضر بالطلاق وانقضاء العدة كما قاله الزوج الثاني، وأنكرت المرأة الطلاق وانقضاء العدة فإن الطلاق يقع عليها من الأول حين أقر بالطلاق، وتجب عليها العدة منذ يوم أقر للأول بطلاقها، ويفرق بينها وبين الزوج الثاني؛ لأن الذي حضر أقرّ بالطلاق وأسند الطلاق إلى وقتٍ ما مضى، فيصدّق في حق الطلاق ولا يصدق في الإسناد عند تكذيب المرأة إياه في الإسناد لما في الإسناد من إبطال حقها في النفقة والسكنى ويقع الطلاق في الحال وتجب العدة في الحال.
فإن قيل: وجد من المرأة التصديق في هذا الإسناد لما أقدمت على تزويجها من الزوج الثاني. قلنا: هذا التصديق لم يقع معتبرًا؛ لأنه وجد في غير أوانه؛ لأنه وجد قبل إقرار الأول بالطلاق؛ لأن التصديق منها يقتضي إقدامها على النكاح الثاني، وذلك قبل إقرار الأول بالطلاق، وما وجد في غير أوانه فوجوده وعدمه سواء، ثم إذا لم يعتبر الإسناد في هذه المسألة ووقع الطلاق للحال ظهر أن الثاني تزوجها وهي امرأة الأول، فيفرق بينهما وإن صدقت المرأة الزوج الذي حضر في الطلاق، وانقضاء العدة لم يفرق بينها وبين الثاني؛ لأنا إنما لا نصدق الذي حضر في الإسناد، لحق المرأة فإذا وجد التصديق منها ثبت الإسناد وظهر أن الزوج الثاني تزوجها بعدما طلقها وانقضت عدتها.
فإن قيل: ينبغي أن لا يصدقا لحق الله تعالى؛ لأن في العدة حق الله. قلنا: نعم إلا أن المعتدة في حقوق الله تعالى أمنية والأمين إذا أخبر عما اوئتمن فيه وهو محتمل الصدق فإنه يصدق.
وحكي عن الشيخ الإمام الزاهد عبد الواحد الشيباني رحمه الله أنه كان يفتي في الزوجين يتصادقان على الطلاق وانقضاء العدة أنهما لا يصدقان على إبطال العدة، وعليها أن تعتد من وقت الإقرار وإن كان جواب هذا الكتاب والإقرار أنهما يصدقان، وكان يحتاط بهذا الجواب دفعًا للحيل الباطلة وردًا للعادة القبيحة. وإن أنكرت المرأة نكاح الغائب أصلًا والمسألة بحالها فهي امرأة الثاني.
ولو أن هذا الزوج قال: كان لها زوج قبلي ولم يسمه بل أبهمه إبهامًا طلقها وانقضت عدتها ثم تزوجها وقالت المرأة: نعم كان لي زوج قبلك إلا أنه لم يطلقني، فالقاضي لا يفرق بينها وبين الزوج الثاني، فإن جاء رجل وادعى نكاحها وأقرت المرأة به وقالا: يعني المرأة والذي حضر: هذا هو الذي أقرّ به الزوج الثاني، وأنكر الثاني ذلك فالقول قول الزوج الثاني، لأنه أقر بمجهول والإقرار للمجهول لا يصح، فإذا جاء رجل وادعى كان هذا بمنزلة ابتداء الدعوى من غير تقدم الإقرار، فيكون القول في إنكار نكاحه قول الزوج الثاني.
قال: ولا يمين على الزوج الثاني في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله، وفي قياس قولهما يستحلف، فإن حلف فهي امرأة الثاني، وإن نكل فرق بين المرأة والزوج الثاني وقضى بها للذي حضر. وبعض مشايخنا قالوا: يجب أن يستحلف الزوج الثاني هاهنا بلا خلاف؛ لأن الدعوى هاهنا في التفرقة. ألا ترى لو نكل الزوج الثاني يفرق بينه وبين المرأة، والاستحلاف يجري في دعوى الفرقة بلا خلاف فإن المرأة إذا ادعت الطلاق على الزوج وأنكر الزوج الطلاق يستحلف بلا خلاف.
فإن قيل: وجد من المرأة التصديق في هذا الإسناد لما أقدمت على تزويجها من الزوج الثاني. قلنا: هذا التصديق لم يقع معتبرًا؛ لأنه وجد في غير أوانه؛ لأنه وجد قبل إقرار الأول بالطلاق؛ لأن التصديق منها يقتضي إقدامها على النكاح الثاني، وذلك قبل إقرار الأول بالطلاق، وما وجد في غير أوانه فوجوده وعدمه سواء، ثم إذا لم يعتبر الإسناد في هذه المسألة ووقع الطلاق للحال ظهر أن الثاني تزوجها وهي امرأة الأول، فيفرق بينهما وإن صدقت المرأة الزوج الذي حضر في الطلاق، وانقضاء العدة لم يفرق بينها وبين الثاني؛ لأنا إنما لا نصدق الذي حضر في الإسناد، لحق المرأة فإذا وجد التصديق منها ثبت الإسناد وظهر أن الزوج الثاني تزوجها بعدما طلقها وانقضت عدتها.
فإن قيل: ينبغي أن لا يصدقا لحق الله تعالى؛ لأن في العدة حق الله. قلنا: نعم إلا أن المعتدة في حقوق الله تعالى أمنية والأمين إذا أخبر عما اوئتمن فيه وهو محتمل الصدق فإنه يصدق.
وحكي عن الشيخ الإمام الزاهد عبد الواحد الشيباني رحمه الله أنه كان يفتي في الزوجين يتصادقان على الطلاق وانقضاء العدة أنهما لا يصدقان على إبطال العدة، وعليها أن تعتد من وقت الإقرار وإن كان جواب هذا الكتاب والإقرار أنهما يصدقان، وكان يحتاط بهذا الجواب دفعًا للحيل الباطلة وردًا للعادة القبيحة. وإن أنكرت المرأة نكاح الغائب أصلًا والمسألة بحالها فهي امرأة الثاني.
ولو أن هذا الزوج قال: كان لها زوج قبلي ولم يسمه بل أبهمه إبهامًا طلقها وانقضت عدتها ثم تزوجها وقالت المرأة: نعم كان لي زوج قبلك إلا أنه لم يطلقني، فالقاضي لا يفرق بينها وبين الزوج الثاني، فإن جاء رجل وادعى نكاحها وأقرت المرأة به وقالا: يعني المرأة والذي حضر: هذا هو الذي أقرّ به الزوج الثاني، وأنكر الثاني ذلك فالقول قول الزوج الثاني، لأنه أقر بمجهول والإقرار للمجهول لا يصح، فإذا جاء رجل وادعى كان هذا بمنزلة ابتداء الدعوى من غير تقدم الإقرار، فيكون القول في إنكار نكاحه قول الزوج الثاني.
قال: ولا يمين على الزوج الثاني في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله، وفي قياس قولهما يستحلف، فإن حلف فهي امرأة الثاني، وإن نكل فرق بين المرأة والزوج الثاني وقضى بها للذي حضر. وبعض مشايخنا قالوا: يجب أن يستحلف الزوج الثاني هاهنا بلا خلاف؛ لأن الدعوى هاهنا في التفرقة. ألا ترى لو نكل الزوج الثاني يفرق بينه وبين المرأة، والاستحلاف يجري في دعوى الفرقة بلا خلاف فإن المرأة إذا ادعت الطلاق على الزوج وأنكر الزوج الطلاق يستحلف بلا خلاف.
قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله: هذا هو الصحيح أن الزوج الثاني يحلف بالإجماع؛ لأنه استحلاف على الفرقة، وأبو حنيفة رحمه الله يرى ذلك ومحمد رحمه الله في (الكتاب) يقول في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله ولم يقل في قول أبي حنيفة رحمه الله فيكون هذا تخريجًا على قول أبي حنيفة رحمه الله، ويجوز أن محمدًا أخطأ في هذا التخريج فلا يسلم هذا التخريج على قول أبي حنيفة رحمه الله.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: الأول أصح؛ لأن أبا حنيفة رحمه الله إنما يرى التحليف على الفرقة إذا وقع الدعوى في الفرقة مقصودًا كما في المسألة التي ذكرها، والدعوى هاهنا ما وقع في الفرقة مقصودًا إنما وقع في النكاح؛ لأن الذي حَضَرَ لا يدعي الفرقة على الثاني إنما يدعي نكاح نضعه إلا أنه متى نكل الثاني وثبت نكاح الذي حضر يجب التفريق بين المرأة وبين الزوج الثاني حكمًا لثبوت نكاح الذي حضر لا أصلًا ومقصودًا.
والأصل في هذا الباب دعوى النكاح، ودعوى الفرقة تبع، والتبع ليس له حكم نفسه إنما له حكم الأصل فإذا لم يجزئ الاستحلاف فيما هو الأصل وهو النكاح لا يجزئ فيما هو التبع له وهو الفرقة، ولو أن المدعي في ابتداء الدعوى أقام البينة على طلاق الغائب، فالقاضي يقبل بينته ويقضي بالمرأة للمدعي ويتعدى القضاء إلى الغائب حتى لو حضر (و) أنكر الطلاق لا يحتاج إلى إعادة البينة.
ولو شهد شاهدان أنه مات وهي امرأته ووارثته وقضى القاضي لها بالميراث، ثم شهد آخر أن الميت كان طلقها ثلاثًا في صحته هل تقبل بينة الطلاق؟ أشار في (السير الكبير) أنها تقبل. والمذكور في (السير): رجل مات فجاءت امرأة وادعت أنها امرأة الميت ووارثته فأنكر ولد الميت نكاحها فأقامت بينة أنه مات وهي امرأته ووارثته ولا وارث له من النساء غيرها وقضى القاضي لها بالميراث واستهلكته. ثم أقام الولد بينة أن الميت قد كان طلقها ثلاثًا في صحته، فإن الضمان فيه على المرأة، فلا يجب على الشاهدين ولولا أن بينة الطلاق مقبولة وإلا لما وجب الضمان على المرأة. وهذه المسألة قبلت بينة الطلاق تؤيد قول القاضي الإمام في المسألة المتقدمة لأن في هذه المسألة قبلت بينة الطلاق مع أن شهود النكاح شهدوا بالنكاح يوم الموت، فلأن تكون بينة الطلاق أولى في تلك المسألة، وشهود النكاح لم يشهدوا بالنكاح يوم الموت كان أولى في تلك المسألة، ثم إنما قبلت بينة الطلاق في مسألة (السير) لأن قول شهود النكاح: مات وهي امرأته غير محتاج إليها للقضاء بالميراث، فإنهم لو قالوا: كانت امرأته فالقاضي يقضي لها بالميراث، وما لا يحتاج إليه في الشهادة وجوده وعدمه بمنزلة، ولو لم يقولوا: وهي امرأته كان تقبل بينة الطلاق دون بينة النكاح كذا هاهنا.
وفي (فتاوى الفضلي) رحمه الله سئل عن (رجل) مات فشهد شاهدان أن هذه المرأة كانت امرأته، وشهد آخران أنه كان طلقها قبل الموت قال: بينة النكاح أولى لأنه..... كأنه طلقها ثم تزوجها، وقال القاضي الإمام ركن الإسلام علي السغدي رحمه الله بينة الطلاق أولى؛ لأنها ثبتت زيادة أمر وهو الطلاق بعد النكاح، وفي (مجموع النوازل): إذا شهد أحد الشاهدين أنها زوجت نفسها منه، وشهد الآخر أن وليها زوجها برضاها لا تفيد لاختلافها لفظًا ومعنى.
ولو ادعى هذا المدعي بعد هذه الدعوى أنها زوجت نفسها منه ثم شهد بذلك شاهدان تقبل ولا يتحقق التناقض؛ لأنه يمكنه أن يقول: تزوجها مدة بتزويج الولي إياها منّي وتزوجتها مرة أخرى بتزويجها نفسها منّي.
وفيه أيضًا: إذا أقامت المرأة بينة على الطلقات الثلاث، وأقام الزوج بينة في دفع دعواها عليها أنها أقرّت أنها اعتدت بعد طلقاته الثلاث، فتزوجت بزوج آخر ودخل بها ثم طلقها وانقضت عدتها، ثم تزوجته وهي حلال له هل يصح دعواه عليها على هذا الوجه؟ قال: لا لأن أكثر ما فيه أنه ثبت بهذه البينة أنها مبطلة في دعواها إلا أن دعواها ليس بشرط لسماع البينة القائمة على الحرمة وصحتها. قال: هو نظير ما لو أقامت البينة أنه طلقها ثلاثًا وادعى في دفع دعواها أنها أقرت أنها استأجرت هؤلاء الشهود ليشهدوا لها بذلك زورًا، لا يبطل ما أقامت من البينة على الطلقات الثلاث لأنه وإن ثبت ببينة الزوج بطلان دعواها وإقرارها بكذب الشهود إلا أن دعواها ليس بشرط لسماع البينة على الحرمة.
ادعى على امرأة نكاحًا، فشهد الشهود بهذا اللفظ باهر دور أذن وشوى داتست أيم، فالقاضي لا يقضي بشهادتهم؛ لأن هذا بمنزلة ما لو قالوا: نشهد فيما نعلم، وذلك غير مقبول عند أبي حنيفة رحمه الله. وكذلك لو شهدوا فقالوا: إنسان جنان ناشيده ايدكي رنان وشوبان باشند لا تقبل شهادتهم.
إذا ادعى على امرأة نكاحًا وأقام على ذلك بينة ثم إن المرأة ادعت عليه على وجه الدفع أنك أقررت في حال جواز إقرارك طائعًا أنك خالعتني ووقعت الفرقة بيننا بالخلع ولم يبق بيننا نكاح وأقامت على ذلك بينة، فهذا دفع صحيح ويجعل كأن المدعي تزوجها ثم خالعها، فهذا من باب العمل بالبينتين وسواء كان هذا الدفع قبل القضاء بالنكاح أو بعده؛ لأن إقامة البينة على الخلع يقرر النكاح السابق.
رجل ادعى النكاح على امرأة وهي تنكر وحلفت على دعواه لا يحل للرجل أن يتزوج بأختها وأربع سواها، لأن في زعم الرجل أن النكاح ثابت وأن المرأة كاذبة في إنكارها، وزعمه معتبر في حقّه، وكذلك لو ادعت امرأة النكاح على رجل وحلف الرجل لا يحل لها أن تتزوج بزوج آخر؛ لأن في زعم المرأة أن الرجل كاذب وأني منكوحته.
رجل ادعى على امرأة النكاح والمرأة تجحد نكاحه وتقر بالنكاح لرجل آخر فأقام المدعي بينة على دعواه فلم تظهر عدالة الشهود، فالقاضي يسلّم المرأة إلى المقر له، وهذا إذا قال المدعي: لا بينة لي سوى هذه البينة. وأما إذا قال: لي بينة أخرى فالقاضي لا يسلمها إلى المقر له بل يحول بينها وبين المقر له إلى أن يظهر عجز المدعي عن إقامة البينة.
امرأة ادعت على رجل النكاح والرجل يجحد فأقامت المرأة شاهدين شهد أحدهما أن هذا الرجل أقرّ أن هذه المرأة امرأتي وشهد الآخر أنه أقرّ أنها كانت امرأتي تقبل هذه الشهادة. وكذلك إذا شهد أحدهما أنها كانت امرأته وشهد الآخر أنها امرأته وشهد أحدهما بالفارسية ابن زن وى است وشهد الآخر اين زن وى تودست تقبل لأن الذي شهد أنها كانت امرأته شاهد أنها امرأته للحال، ألا ترى أن في دعوى ملك الأعيان، لو شهد أحد الشاهدين أن هذه العين كان ملك هذا المدعي وشهد الآخر أنه ملكه تقبل شهادتهما، ولو كان الزوج يدعي أنها كانت امرأته وشهد الشهود أنها امرأته ينبغي أن لا تقبل هذه الشهادة كما في دعوى ملك العين، فإن من ادعى عينًا في يد إنسان أنه ملكه وشهد الشهود أنها ملكه أو ادعى أنه كان له وشهد الشهود أنه له لا تقبل هذه الشهادة عند أكثر المشايخ وهو الأصح.
رجل ادعى النكاح على امرأة وهي تجحد وتقول: إن لي زوجًا في بلد كذا وسمت ذلك الزوج أو لم تسمِّ، فأقام الرجل بينة على دعواه، فالقاضي يقضي بالنكاح عليها، ولا يكون إقرارها بالنكاح لغير هذا المدعي مانعًا من القضاء ببينة المدعي.
تزوج امرأة بشهادة شاهدين ثم أنكرت المرأة النكاح وتزوجت بآخر وقد مات شهود الأول ليس للزوج الأول أن يخاصم المرأة، لأن المخاصمة للتحليف والمقصود من التحليف النكول الذي هو إقرار، ولو أقرت صريحًا بنكاح الأول بعدما تزوجت بالثاني لا يصح إقرارها ولكن الزوج الأول يخاصم الزوج الثاني ويحلفه، فإن نكل حتى صار مقرًّا ببطلان نكاحه الآن يخاصم المرأة ويحلفها، وقد ذكرنا تمام المسألة قبل هذا.
في (واقعات الناطفي): لو أقام رجل بينة على امرأة، أن أباها زوجها منه قبل بلوغها وأقامت المرأة بينة أنه زوجها منه بعد البلوغ بغير رضاها، فبينتها أولى لأن البلوغ معنى خاف يثبت ببينتها فكانت بينتها أكثر إثباتًا ثم يثبت فساد النكاح ضرورة.
وفي (فتاوى الفضلي) رحمه الله: تزوج الرجل امرأة ودخل بها ثم ادعت بعد الدخول أنها قد ردت النكاح حين زوجها الأب وأقام على ذلك بينة تقبل بينته. قال الصدر الشهيد رحمه الله في (واقعاته): الصحيح أن لا تقبل بينته لأن التمكين قائم مقام الإقرار. ولو ادعت الرد بعد الإقرار لا تسمع دعواها الرد ولا تقبل بينتها على ذلك كذا هاهنا.
وفي هذا الموضع أيضًا إذا زوج الرجل وليّته فردت النكاح، فادعى الزوج أنها صغيرة وادعت هي أنها بالغة، فالقول قولها إذا كانت مراهقة لأنها إذا كانت مراهقة، فقد أخبرت عما هو محتمل للثبوت فيقبل قولها لأنها تنكر معنىً. وإن كانت مدعية صغيرة؛ لأنها تنكر وقوع الملك عليها.
والشهادة على النكاح بالشهرة والتسامع جائز. وفي (المنتقى): الشهادة على المهر بالتسامع يجوز. وفي (الإملاء) عن محمد رحمه الله أن الشهادة على المهر بالتسامع لا تجوز. وأما الشهادة على الدخول بالشهرة والتسامع فقيل: لا يجوز، وإذا أرادت المرأة إثبات تأكد المهر ينبغي أن تثبت الخلوة الصحيحة بالبينة، وقد قيل: يجوز الشهادة بالشهرة والتسامع، وبه أخذ شمس الأئمة السرخسي رحمه الله، وهكذا ذكر الخصاف في (أدب القاضي).
ادعى النكاح على امرأة فشهد الشهود بهذا اللفظ كواهي ميد هم كه جوف بدروي يزني دأدر وإذا شت نكاح بدربا، قال بعض مشايخنا: لا تقبل الشهادة لأنهم شهدوا على الرضا بالنكاح، وهذا سهو ينبغي أن تقبل الشهادة لأنهم شهدوا على النكاح وعلى رضاها بالنكاح وحيث قالوا: جون بدررا بزني دأد رواداشت نكاح بدررا ادعى النكاح بمحضر من الشهود لابد وأن يذكر سماع الشهود كلام المتعاقدين؛ لأن بين العلماء اختلافًا في أن سماع الشهود كلام المتعاقدين هل هو شرط، والأصح أنه شرط فلابد من ذكره لتصحّ الدعوى.
شهدا أنه زوج ابنته فلانة من فلان إلا أنهما قالا: نحن لانعرفها بوجهها، فإن لم يكن له إلا ابنة واحدة، أو كانت له ابنتان أو ثلاثة إلا أنه ليس له بهذا الاسم إلا واحدة فالشهادة جائزة، وإن كانت له ابنتان كبرى وصغرى فشهد شاهدان أنه تزوج ابنته الكبرى من هذا وقالا: نحن لا نعرف الكبرى بوجهها فالشهادة جائزة. ويقضي القاضي بالنكاح، وإذا أحضر المدعي بعد ذلك امرأة ويدعي أنها هي الكبرى، فالقاضي يأمره بإقامة البينة على أنها هي الكبرى.
وفي إقرار (المنتقى): امرأة ادعت على رجل أنه تزوجها، وقال الرجل: ما فعلت ثم قال: بلى فعلت فهو جائز، وكذلك ادعى الرجل النكاح وجحدت المرأة ثم أقرت، ولو كانت المرأة بدأت بالدعوى فقالت: زوجني إياك أبي، فقال قد فعلت إلا أني قد رددت النكاح ثم قال بعد ذلك قد كنت أجزته فلا نكاح بينهما إلا أن تعود المرأة إلى تصديقه فيجوز حينئذ، قال: وليس إنكاره النكاح كادعائه الفسخ، ألا ترى أنه لو أقامت بيّنة على رجل أن أباها زوجها إيّاه وقد رضي بالنكاح، فقال الرجل: زوجني إياها إلا أني قد فسخت النكاح ولم أقبل، فإني أفرّق بينهما وألزمه نصف المهر.ولو بدأ الزوج فقال قد زوجني إياك أبوك، فقالت قد فعل إلا أني قد رددت أو قالت لم يفعل ثم قالت قد فعل ورضيت لزمها في الوجهين. وفي كتاب الدعوى من (المنتقى) ابن سماعة عن أبي يوسف رحمه الله في رجل مع امرأة لها منه أولاد وهي معه في منزله يطؤها وتلد له سنينًا ثم أنكرت أن تكون امرأته، قال: إذا أقرت أن هذا الولد ولده منها فهي امرأته، وإن لم يكن بينهما ولد وإنما كانت معه على هذا الحال فالقول قولها.
وفيه أيضًا: ادعى رجل على امرأة أنه تزوجها ثم أنكرت ثم مات الرجل، فجاءت تدعي ميراثه فلها الميراث، وكذلك لو كانت المرأة ادعت النكاح وأنكر الزوج ثم ماتت المرأة فجاء الرجل لطلب ميراثها وزعم أنه تزوجها فله الميراث.
وفي إقرار (الأصل): إذا أقرّ رجل أنه تزوج فلانة بألف وصدقته المرأة بعدما مات عمل تصديقها حتى كان لها المهر والميراث. ولو أقرّت المرأة أنها تزوجت فلانًا بألف درهم فصدقها الزوج بعد موتها عمل تصديقه عندهما حتى يرث منها. وعند أبي حنيفة رحمه الله لا يعمل تصديقه حتى لا يرث منها.
ادعى أنها امرأته وشهد الشهود أنه تزوجها في شهر كذا تقبل، وعلى العكس لا تقبل. شهد أحد الشاهدين أنه تزوجها وشهد الآخر أنها وهبت نفسها منه تقبل الشهادة؛ لأن لفظ الهبة صارت كناية عن التزويج مجازًا، ولو شهد أحدهما أنه نكحها وشهد الآخر أنه تزوجها تقبل الشهادة، وقيل: لا تقبل شهادتهما؛ لأن النكاح يستعمل في الوطء، وهذا القائل يقول: لو شهدا أنه نكحها لا تقبل شهادتها، وعلى القول الأول: تقبل شهادتها وهو الصحيح.
ولو شهد أحدهما أنه نكحها وشهد الآخر بالفارسية ورا بزني خواشت لا تقبل هذه الشهادة، هكذا قيل، وقيل تقبل، وهكذا ذكر (البقالي)، في (فتاويه)، وإذا اختلفا في الزمان فقد ذكرنا هذا الفصل في أول الكتاب في فصل الشهادة. وإذا اختلفا في المكان لا تقبل الشهادة، وكذا إذا اختلفا في الإنشاء والإقرار لا تقبل الشهادة.
وإذا ادعى النكاح وشهد الشهود على إقرارها تقبل الشهادة. وإذا ادعى أنه تزوجها على ألف وخمس مائة، وشهد أحد الشاهدين بذلك، وشهد الآخر بألف قضى بالنكاح بألف لأن المقصود والمتبقي من جانب الزوج ملك البضع وقد اتفقا عليه، ولو كان الدعوى من جانب المرأة، فكذا الجواب عند أبي حنيفة رحمه الله، وعندهما لا يقضى بالنكاح، وعن أبي يوسف رحمه الله في (الإملاء) مثل قول أبي حنيفة رحمه الله.
ولو شهد أحدهما أنه تزوجها على هذا العبد وقيمته ألف، وشهد الآخر أنه تزوجها على ألف، فإن كان الدعوى من جانب الزوج قضى بالنكاح، وإن كان من جانب المرأة يجب أن تكون على الخلاف أقام رجل (امرأة) على امرأة أنها منكوحته وقضى القاضي ببينته وجاء آخر وأقام البينة على تلك المرأة بالنكاح، فالقاضي لا يلتفت إلى دعوى الثاني وبينته كما في دعوى الشراء إذا (أقام) المدعي بينة على الشراء من رجل بعينه. وقضى القاضي له ببينته ثم جاء آخر وادعى شراء تلك العين من ذلك الرجل بعينه فالقاضي لا يلتفت إلى الثاني وبينته كذا هاهنا.

.نوع منه في اختلافهما في متاع البيت:

إذا اختلف الزوجان في متاع البيت حال قيام النكاح أو بعد الفرقة بالطلاق وما أشبهه، قال أبو حنيفة رحمه الله: ما يصلح للرجل، فهو للرجل وذلك نحو السيف والقوس وأشباه ذلك إلا أن تقيم المرأة البينة، وما يصلح للنساء فهو للمرأة وذلك نحو الدرع والخمار والمغزل وأشباه ذلك إلا أن يقيم هو البينة، وإن أقاما فبينتها أولى. وما يصلح لهما نحو الدار والخادم والغنم السائمة فهو للرجل إلا أن يقيم الزوج البينة، وإن أقاما البينة في ذلك فالبينة بينة الزوج. وقال أبو يوسف رحمه الله: للمرأة جهاز مثلها والباقي للرجل، وهذا الذي ذكرنا إذا اختلفا بعد الفرقة في متاع كان في أيديهما حال قيام النكاح أما لو اختلفا بعد وقوع الفرقة في متاع أحدهما بعد الفرقة فهو بينهما؛ أي شيء كان.
وإذا مات أحدهما ثم وقع الاختلاف بين الباقي وورثة الميت، فعلى قول أبي يوسف رحمه الله تعطى المرأة جهاز مثلها إن كانت حيّة ولورثتها إن كانت ميتة، والباقي للزوج إن كان حيًّا ولورثته إن كان ميتًا، وعلى قول أبي حنيفة ومحمد: ما يصلح للرجال فهو للرجل إن كان حيًّا ولورثته إن كان ميتًا، وما يصلح للنساء، فعلى هذا. وما يصلح لهما فعلى قول محمد رحمه الله هو للرجل إن كان حيًّا ولورثته إن كان ميتًا. قال أبو حنيفة رحمه الله: المشكل للباقي منهما، وما كان من متاع التجارة والرجل معروف بتلك التجارة فهو للرجل، وإن كان أحدهما حرًّا والآخر مملوكًا؛ فإن كان المملوك محجورًا فالمتاع للحر منهما أيهما كان. وإن كان أحدهما مأذونًا أو مكاتبًا عند أبي حنيفة رحمه الله هذا وما لو كان أحدهما محجورًا سواء. وعندهما هذا وما لو كانا حُرَّين سواء. وإن كانت له نسوة ووقع الاختلاف بينه وبينهن في المتاع؛ فإن كن في بيت واحد، فمتاع النسوة بينهن على السواء، وإن كانت كل واحدة في بيت على حدة فما كان في بيت (على) امرأة فهو بينها وبين زوجها على ما وصفنا لا تشارك بعضهن بعضًا.
وإن أقرت المرأة بمتاع أن الرجل اشتراه فهو للرجل اعتبارًا للثابت بإقرارها بالثابت عيانًا. وإذا كان المنزل ملكًا للزوج، فالقول في المتاع على ما وصفنا. وإن كان أحد الزوجين غير مدرك إلا أنه يجامع مثله فالقول في المتاع على ما وصفنا، وإن كانا مملوكين أو مكاتبين، فالقول في المتاع على ما وصفنا؛ لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر.
وفي (المنتقى): ابن سماعة عن محمد رحمه الله في رجل له بنون زوجهم إلا أنه لم يبوئهم بيوتًا بل مع أبيهم في داره وفي عياله، قال البنون: المتاع متاعنا فإن المتاع للأب إلا الثياب اللاتي عليهم. وإذا كان الأبوان في عيال ابن كبير في منزله فالمتاع متاع الابن؛ لأنه رب الدار وصاحب النفقة. وقال أبو يوسف رحمه الله ما كان على الأمة مما يلبس النساء من الثياب والحلي فهو لها، وكذلك ما كان على العبد من لباس يلبسه الرجال قال: ولا أحفظ في هذا عن أبي حنيفة رحمه الله، ولكني أحفظ عنه في رجل أجر عبده من رجل ليعمل عنده فما كان في يد العبد فهو لأستاذه، وما كان العبد لابسه فهو للعبد، فهذا على ذلك.
أبو سليمان عن أبي يوسف رحمه الله: إذا اختلف الزوجان في دار في أيديهما فهي للزوج في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله، فإن أقاما البينة فالبينة بينة المرأة، وإن اختلف في متاع من متاع النساء وأقاما البينة قضى به للزوج.

.نوع منه في اختلافهما في المتاع وفي النكاح:

قال هشام: سألت محمدًا رحمه الله عن رجل وامرأة في دار ادعت المرأة أن الدار دارها وأن الرجل عبدها وأقامت على ذلك بيّنة، وادعى الرجل أن الدار داره وأن المرأة امرأته قال: أقبل بينة المرأة على الدار لأني أجعل الدار في يد الرجل، فالدار دارها وأجعل البينة بينة الزوج في التزويج وأجعلها امرأته وتزويجها نفسها منه إقرار منها بأنه ليس بمملوك لها.
وروى بشر عن أبي يوسف رحمه الله: رجل وامرأة في أيديهما دار أقامت المرأة بينة أن الدار لها والرجل عبدها، وأقام الرجل بينة أن الدار له وأن المرأة زوجته تزوجها على ألف درهم ودفعها إليها ولم يقم بينة أنه حرّ، فإنه يقضي بالدار للمرأة ويقضي بالرجل عبدًا لها، ولو أقام بينة أنه حرّ الأصل، والمسألة بحالها كانت المرأة امرأته ويقضي بأنه حر ويقضي بالدار للمرأة من قبل أن الدار والمرأة في يدي الرجل حيث جعلها امرأته، فالمرأة هي المدعية للدار كزوجين في أيديهما دار أقام كل واحد منهما بينة أن الدار داره وهناك يقضي بالدار للمرأة، قال: وهكذا في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله، قال: ولو لم يكن بينهما بيّنة كانت الدار للزوج.

.نوع منه في اختلافهما في صحة العقد وفساده:

امرأة قالت لزوجها تزوجتني بغير شهود وقال الزوج: لا بل تزوجتك بشهود، فالقول قول الزوج. ولو قالت المرأة: تزوجتني وأنا صبية، وقال الزوج: تزوجتك وأنت بالغة فالقول قولها.
الأصل في جنس هذه المسائل ما مر قبل هذا في فصل الشهادة في النكاح أن الزوجين إذا اختلفا في صحة العقد وفساده، فالقول قول من يدعي الصحة لشهادة الظاهر له فبعد ذلك إن كان المدعي للصحة المرأة يفرّق بينهما، يجعل كأن الزوج أمر بثبوت حرمة حالية كأنه قال لها: أنت عليّ حرام للحال، فيفرق بينهما ولها عليه نصف المهر إن لم يدخل بها، وجميع المهر إن دخل بها وعليها العدة. وإذا اختلفا في وجود أصل النكاح فالقول (قول) من ينكر الوجود.
إذا ثبت هذا فنقول: في الفصل الأول: اختلفا في صحة العقد وفساده لا في وجود أصله: لأن الشهادة شرط صحة العقد لا شرط وجوده. وفي الفصل الثاني: اختلفا في وجود أصل العقد لأن النكاح في حالة الصغر قبل إجازة الولي ليس بنكاح معنى لأن النكاح متردد بين الضرر والنفع، وعبارة الصبي في مثل هذا التصرف ملحق بالعدم، فكانت منكرة وجود العقد، فكان القول قولها. وإذا جعلنا القول قول الزوج في المسألة الأولى وقضى القاضي بالنكاح بينهما ذكر أن في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله وأبي يوسف الأول وسعها أن تدعه يجامعها، وإن مات الزوج حل لها أخذ الميراث، وإن كانت صادقة فيما قالت لا يسعها المقام معه ولا يسعها أن تدعه يجامعها ولا يأخذ ميراثها إلا أن يرجع عن هذا القول قبل موت الزوج، وهذه المسألة فرع مسألة قضاء القاضي بشهادة الزور.
وكذلك إذا قالت المرأة لزوجها: تزوجتني وأنا معتدة فلان، وقال الزوج: تزوجتك بعد انقضاء العدة، فالقول قول الزوج ويقضى بالنكاح بينهما لأن الاختلاف وقع في صحة العقد، فالزوج يدعي صحته، فيكون القول قوله. وهل يسعها المقام معه وأن تدعه يجامعها؟ إن علمت وقت القضاء أنها كانت منقضية العدة يسعها ذلك في (قول) أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله الأول؛ لأن بالقضاء ثبت لهما نكاح مبتدأ، وهي في هذا الوقت كانت خالية عن العدة محلًا للنكاح، وإن علمت أن وقت القضاء كانت في العدة لا يسعها ذلك بالاتفاق؛ لأن بالقضاء إنما يثبت النكاح في محلّه، ومعتدة الغير ليست بمحل أصلًا.
وفصل أخذ الميراث على هذا إن علمت أن وقت القضاء كانت منقضية العدة حل لها أخذ الميراث، وإن علمت أن وقت القضاء كانت في العدة لم يحلّ لها أخذ الميراث؛ فإن عادت المرأة إلى تصديق الزوج إن كان ذلك قبل موت الزوج ثم مات الزوج كان لها الميراث، وإن كان ذلك بعد موت الزوج لم يكن لها الميراث لأنها في التصديق بعد الموت متهمة لكون ما بعد الموت وقت الميراث ولا كذلك حالة الحياة.
وكذلك لو أن مجوسية أسلمت فادعى عليها رجل النكاح بعد الإسلام فقالت المرأة: تزوجتني قبل الإسلام فالقول قول الزوج ويقضى بالنكاح بينهما، وهل يسعها المقام معه فهو على ما ذكرنا.
وكذلك لو أن امرأة قالت لزوجها: إني أختك من الرضاعة وقال الزوج: لا بل أنت أجنبية، فالقول قول الزوج ويقضي القاضي عليها بالنكاح وهل يسعها المقام معه وأخذ ميراثه؟ فهو على ما ذكرنا هذه الجملة في شهادة الجامع قبيل باب الشهادة في الحائط المائل.
وفي باب الإحصان من نكاح (الأصل): إذا أقرت المطلقة الثلاثة بعدما تزوجت بآخر وطلقها أن الزوج الثاني قد دخل بها حل للزوج الأول أن يتزوجها؛ لأنها أخبرت بزوال الحرمة التي هي حق الشرع والعبد مصدق فيما هو حق الله تعالى. ولم يشترط في (الكتاب) أن تكون ثقة، وكذلك لو أخبر عنها بذلك ثقة، يريد به أنها أرسلت رسولًا بذلك، كان الجواب كما قلنا، فقد شرط العدالة في الرسول، ولم يشترط ذلك في المرأة. وذكر هذه المسألة في تجريد (القدوري)، وذكر أنه يجوز له أن يتزوجها إذا كانت عنده ثقة أو وقع في قلبه أنها صادقة.
وإن كان الزوج الثاني هو الذي أقرّ بالدخول، والمرأة ما أقرت بذلك لم يحل للزوج الأول أن يتزوجها، ولا يصدق الزوج الثاني عليها وإن كان قد خلا بها ولو أنكرت الدخول بعدما تزوجها الأول بإقرارها لم تصدق في ذلك لكونها متناقضة فيه.
وإن كان الزوج الأول بعدما تزوجها أنكر أن يكون الزوج الثاني دخل بها وادعت هي الدخول كان القول قولها؛ لأن إقدام الزوج الأول على النكاح بعد النكاح الثاني إقرار منه بالدخول دلالة، ولو أقر بذلك صريحًا ثم أنكر لا يلتفت إلى إنكاره كذا هاهنا.
وفي (فتاوى أبي الليث) رحمه الله المطلقة ثلاثًا إذا طلقها الزوج الثاني واعتدت منه، وعادت إلى الأول بنكاح جديد ثم ادعت أن الثاني لم يكن دخل بها فإن كانت عالمة بشرائط الحل الأول لا تصدق، وله أن يمسكها، وإن كانت عالمة بالشرائط صدقت؛ لأن إقدامها على النكاح مع العلم بشرائط الحل إقرار بوجود تلك الشرائط، فأما الإقدام مع الجهل بالشرائط لا يكون اقرارًا بوجود الشرائط.
وفي نكاح (المنتقى): قال هشام: سألت محمدًا رحمه الله عن رجل طلق امرأته بعد الدخول بها ثم تزوجت بزوج آخر بعد الطلاق بيوم فقال الزوج: تزوجتك ولم تنقض عدتك وقالت: قد كنت أسقطت بعد الطلاق، فالقول قول الزوج ولو بدأت هي قبل أن تزوج نفسها من هذا الرجل أو بعد ذلك، وقالت قد كنت أسقطت وانقضت عدتي وتزوجت قبل قولها وإن قال الزوج بعد ذلك كنت في العدة حين تزوجتك فسخ النكاح بينهما وقضيت لها بنصف المهر على الزوج.
وفي طلاق (المنتقى): أبو سليمان عن أبي يوسف رحمهما الله رجل طلق امرأته ثلاثًا فمكثت شهرين ثم تزوجها رجل، فقالت بعد النكاح: لم تكن عدتي انقضت لم تصدق المرأة وله أن يمسكها في قول أبي حنيفة رحمه الله وقولهما، وتزويجها نفسها إقرار بانقضاء العدة، ولو كان التزويج بعد الطلاق في وقت لا تنقضي في مثله العدة قبل قولها فلو تزوجها الزوج الأول بعد سنين من وقت الطلاق، فقالت بعد ذلك: لم أتزوج غيرك، فالقول قولها قال: وليس هذا كالعدة.

.نوع منه:

امرأة غزلت قطن زوجها ثم وقع بينهما فرقة أو لم تقع واختلفا في الغزل، فقال كل واحد منهما: الغزل لي فإن كان الزوج بياع القطن فالغزل لها وعليها مثل قطن الزوج؛ لأن الظاهر أنه اشترى القطن للتجارة لا لغزل المرأة، فتصير المرأة بالغزل غاصبة، وإن لم يكن الزوج بياع القطن، فالغزل له؛ لأن الظاهر أنه إنما حمل القطن إلى البيت لغزل المرأة، والظاهر أن المرأة تغزل للزوج، وكذلك هذا الجواب فيما إذا طبخت المرأة القديد من اللحم الذي جاء به الزوج.
ولو قال لها الزوج حين جاء بالقطن: اغزلي ليكون لك ولي منه الثوب والمتاع فالغزل للزوج ولها أجر مثلها؛ لأنه استأجرها ببعض ما يحصل من عملها، فإن اختلفا فقالت المرأة: غزلت بأجْرٍ وقال الزوج: بغير أجْرٍ كان القول قول الزوج؛ لأن هذا الشرط وهو شرط الأجر يستفاد من مثله فيكون القول له مع يمينه هذه الجملة في (فتاوى أهل سمرقند).
وفي نكاح (فتاوى أبي الليث) رحمه الله: امرأة غزلت قطن زوجها بإذنه وكانا يبيعان من ذلك للكرباس ويشتريان بالثمن أمتعة لحاجة بينهما واتخذا ببعض الكرباس ثياب البيت فجيمع ذلك من الكرباس وما اشترى به للرجل؛ لأن المرأة تعمل للرجل عادة، فيكون ذلك للرجل إلا شيئًا اشترى لها أو علم عادة أنه اشترى لها فيكون لها.
وفي بيوع (فتاوى أبي الليث) رحمه الله: رجل كان يدفع إلى امرأته ما تحتاج إليه وكان يدفع إليها أحيانًا دراهم ويقول: اشتري بها قطنًا واغزلي، فكانت تشتري وتغزل ثم تبيع وتشتري بثمنها أمتعة البيت كانت الأمتعة لها لأنها اشترت من غير توكيل الزوج إياها بالشراء فتكون مشترية لنفسها.
ولو اشترى الزوج قطنًا فغزلته المرأة بإذنه أو بغير إذنه كان ذلك للزوج؛ لأن هذا من جملة خدمة البيت، فكانت عاملة للزوج.
وفي (المنتقى): بشر عن أبي يوسف رحمه الله في رجل اشترى قطنًا و(أمر) امرأته أن تغزله فغزلته، قال تغزله فإن وضعه في البيت فغزلته فهو لها دونه ولا شيء عليها هو بمنزلة الطعام وضعه في بيته فأكلته. وفيه: رجل جاء بقطن لتغزله امرأته ولم يقل لها اغزليه أو قال لها اغزليه أو تركه عندها نفقة لها كلّها وتنتفع بها ولم يفرض لها كل شهر نفقة واشترت منه قطنًا وغزلته فهو للزوج في جميع هذه الوجوه.
وإن فرض لها كل شهر نفقة واشترت منها قطنًا وغزلته فهو لها. وإن كان له في بيته قطن فغزلته بغير أمره فهو لها.
وفي (نوادر هشام) عن محمد رحمه الله: رجل اشترى قطنًا فغزلته امرأته، فقال لها الرجل: غزلته بغير أمري، فالقول له قال: لأن القطن له.
ومما يتصل بهذا الفصل:
رجل زوج ابنته وجهزها فماتت الابنة، فزعم أبوها أن الذي دفع إليها من الجهاز ماله وأنه لم يهبه منها، وإنما أعاره منها، فالقول للزوج وعلى الأب البينة؛ لأن الظاهر شاهد للزوج لأن الظاهر أن الأب إذا جهز ابنته يدفع ذلك إليها بطريق الملك، والبينة الصحيحة أن يشهد عند التسليم إلى البنت أني إنما سلمت هذه الأشياء إلى البنت بطريق العارية أو يكتب نسخة معلومة، ويشهد الأب على إقرارها أن جميع ما في هذه النسخة ملك والدي عارية في يدي منه لكن هذا يصلح للقضاء لا للاحتياط لجواز أنه اشترى لها بعض هذه الأشياء في حالة الصغر، فهذا الإقرار لا يصير للأب فيما بينه وبين الله تعالى، فالاحتياط أن يشتري منها ما في هذه النسخة بثمن معلوم. ثم إن البنت تبرئة عن الثمن، وحكي عن القاضي الإمام ركن الإسلام علي السغدي رحمه الله أن القول قول الأب؛ لأن اليد استفيدت من جهته، فيكون القول قوله أنه يأتي إلى جهة أبيها، وبه أخذ بعض مشايخ زماننا. وهكذا ذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في (شرح كتاب السير) في باب العصبة بالمال، فقال: العارية تبرع، والهبة تبرع، والعارية أدناهما، فحمل على الأدنى.
وقال الصدر الشهيد رحمه الله في (واقعاته): المختار للفتوى أن العرف إذا كان مستمرًا أن الأب يدفع ذلك جهازًا لا عارية كما في ديارنا فالقول قول الزوج. وإن كان العرف مشتركًا فالقول قول الأب.
وفي (فتاوى أبي الليث) رحمه الله امرأة ماتت واتخذت والدتها مأتمًا فبعث زوج الميتة إليها بقرة فذبحتها وأنفقتها أيام المأتم، فطلب الزوج قيمة البقرة، فإن اتفقا أنه بعث إليها وأمرها أن تذبح وتطعم من اجتمع عندها ولم يذكر القيمة ليس له أن يرجع عليها لأنها فعلت ما فعلت بإذن الزوج من غير شرط القيمة. وإن اتفقا على أنه بعث إليها لتذبح وتطعم من اجتمع عندها ليرجع بالقيمة عليها كان له أن يطالبها بالقيمة لاتفاقهما على شرط القيمة، وإن اختلفا في ذلك فالقول قول أم الميتة لأن حاصل اختلافهما في شرط الضمان وأم الميتة تنكر ذلك والله أعلم.

.الفصل الثاني والعشرون: في بيان ما للزوج أن يفعل: وما ليس له أن يفعل، وفي بيان ما للمرأة أن تفعل، وما ليس لها أن تفعل:

ذكر الخصاف في (أدب القاضي) في باب نفقة المرأة وفي كتاب النفقات: إذا مَنَع الرجل أم المرأة أو أباها أو أحدًا من أهلها من الدخول عليها في منزله فله ذلك، ولكن لا يمنعهم من النظر إليها وتعاهدها والتكلم معها، فيقوموا على باب الدار والمرأة داخل الدار. هذا في حق (أهلها) وكل ذي رحم محرم ومن لا يتهمه الزوج، أما إذا لم يكن محرمًا ويتهمه الزوج كان له أن يمنعه من النظر إليها، وكذلك إن كان لها ولد من غيره ليس له أن يمنع بعضهم من أن ينظر إلى البعض، فروي عن أبي يوسف رحمه الله أن الزوج لا يملك أن يمنع الأبوين عن الدخول عليها للزيارة في كل شهر مرتين وأما يمنعهما من الكينونة.
وفي (فتاوى أبي الليث) رحمه الله عن الفقيه أبي بكر الإسكاف رحمه الله أن الزوج لا يملك أن يمنع الأبوين عن الدخول عليها عن الزيارة في كل جمعة وأما يمنعهما عن الكينونى وعليه الفتوى. وأما غير الأبوين من المحارم، فقد ذكر الخصاف أيضًا في هذين الموضعين أنه يمنعهم عن الزيارة في كل سنة وعليه الفتوى. وأما إذا أرادت المرأة أن تخرج إلى زيارة المحارم نحو الخالة أو العمة أو إلى زيارة الأبوين فهو على هذا يعني لا يمنعها عن زيارة الأبوين في كل جمعة وعن زيارة سائر المحارم في كل سنة. وكان القاضي الإمام ركن الإسلام علي السغدي رحمه الله يقول: لا تخرج إلى زيارة الأبوين ولكن الأبوان يحضران منزلها بحضرة الزوج في كل شهر أوشهرين مرة.
وفي (نوادر فضل بن غانم) عن أبي يوسف رحمه الله أنها لا تخرج إلى زيارة المحارم والأبوين إذا كانا يقدران على إتيانها، وإن كانا لا يقدران على إتيانها أذن لها في زيارتهما في شهرين بنحوه مرة، وذكر هذه المسألة في (النوادر) في موضع آخر، وقال: تذهب إلى الأبوين للعيادة إن مرضا أو مرض أحدهما ولا يمنعها الزوج عن العيادة، أما غير هذا فلا.
ذكر في (فتاوى أبي الليث) رحمه الله أن للزوج أن يضرب امرأته على أربع خصال وما هو في معنى الأربع: أحدهما على ترك الزينة لزوجها، والزوج يريدها. والثانية: على ترك الإجابة إذا دعاها إلى فراشه. والثالثة: على ترك الصلاة وعلى ترك الغسل. الرابعة: على الخروج من المنزل.
وفي كتاب العلل: ليس للزوج أن يضرب امرأته على ترك الصلاة، وليس للأب أن يَضرب ولده على ترك الصلاة في رواية وفي رواية له ذلك. ضرب الزوج زوجته لترك مطاوعته في الفراش فهلكت ضمن، وكذا الأب إذا ضرب ولده للتأديب.
وفي كتاب (الخراج) لأبي يوسف رحمه الله: وللرجل أن يأمر جاريته الكتابية بالغسل عن الجنابة ويجبرها على ذلك، والمرأة الكتابية تكون تحت مسلم على هذا القياس. قيل: و... الزوج في معنى الأربع.
إذا أراد أن يطلق امرأته بغير ذنب منها يسعه فيما بينه وبين الله تعالى أن يعطيها مهرها ونفقة عدتها ويطلقها لما روي عن الحسن بن علي رضي الله عنهما أنّه كان كثير النكاح كثير الطلاق، فقيل له في ذلك فقال: إني أَحبُّ الغنى، والله تعالى جمع الغنى في هذين قال الله تعالى: {إِن يَكُونُواْ فُقَرَآء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [النور: 32]، وقال الله تعالى: {وإن يتفرقا يغن الله كلًا من سعته} [النساء: 130].
في (العيون): رجل له امرأة لا تصلي، فطلقها حتى لا يصحب امرأة لا تصلي فإن لم يكن له ما يعطي مهرها فالأولى أن يطلقها. قال أبو حفص الكبير البخاري رحمه الله: إن لقي الله ومهرها في عنقه أحب إلي من أن يطأ امرأة لا تصلي. وذكر الشيخ الإمام أبو حفص السفكردري رحمه الله في (فوائده): أنه لا ينبغي للرجل الحنفي أن يزوج ابنته من شفعوي المذهب، وعن بعض مشايخنا أنه يجوز لنا أن نتزوج بناتهم، ولا يجوز لنا أن نزوج بناتنا منهم. وعن الشيخ الإمام الجليل أبي بكر محمد بن الفضل أن من قال: أنا مؤمن إن شاء الله إنه يكفر في الحال، فعلى هذا القياس لا يجوز المناكحة بيننا وبينهم أصلًا.
إذا عزل عن امرأته بغير إذنها لما يخاف من سوء هذا الزمان، فظاهر جواب (الكتاب) لا يسعه ذلك، وفي (فتاوى أهل سمرقند) أن له ذلك. وفيه أيضًا: إذا منع الرجل امرأته عن الغزل فله ذلك.
وفي (مجموع النوازل) وللرجل أن يأذن لامرأته بالخروج إلى سبعة مواطن:
أحدها: إلى زيارة الأبوين وعيادتهما أو أحدهما وتعزيتهما أو تعزية أحدهما. والثانية: زيارة الأقرباء. والثالثة: إذا كانت قابلة. والرابعة: إذا كانت غسالة. والخامسة: إذا كان لها على آخر حقًّا. والسادسة: إذا كان لآخر عليها، وفي هذه الصورة يجوز لها أن تخرج بغير إذن. والسابعة: للحج، فلا يجوز له أن يأذن لها فيما عدا ذلك من زيارة الأجانب وعيادتهم والوليمة وأشباهها. ولو أذِنَ وخرجت كانا عاصيين. وإذا أرادت أن تخرج إلى مجلس العلم لنازلة وقعت لها، فإن كان الزوج يسأل عن العالم ويخبرها بذلك، فليس لها أن تخرج. وإذا امتنع من السؤال، فلها أن تخرج وإن لم تقع لها نازلة، فأرادت أن تخرج إلى مجلس العلم لتتعلم بعض مسائل الصلاة والوضوء، فإن كان الزوج يحفظ المسائل ويذكر عندها له أن يمنعها من الخروج، وإن كان لا يحفظ ولا يذكر عندها، فالأولى أن يأذن لها بالخروج أحيانًا، وإن لم يأذن فلا شيء عليه، ولا يسعها أن تخرج ما لم تقع لها نازلة.
وفي (فتاوى أبي الليث) رحمه الله، وفي هذا الموضع أيضًا: امرأة لها أب زمن ليس له من يقوم عليه غير البنت، ويمنعها الزوج عن تعاهده جاز لها أن تعصي زوجها وتطيع أباها مؤمنًا كان الأب أو كافرًا؛ لأن القيام عليه فرض عليها في هذه الحالة وحق الزوج لا يظهر مع الفرائض.
المنكوحة والمعتدة إذا امتنعت من الطبخ والخبز إن كان بها علّة لا تقدر على الطبخ أو الخبز، عن إبراهيم (عن يحتمل) للمرأة أن لا تخبز لزوجها ولا تطبخ ولا تخدمه ولا تعمل شيئًا وفيه: إن كانت من بنات الأشراف لا تجبر عليه، وعلى الزوج أن يأتيها بمن يطبخ ويخبز. وإن كانت ممن يقدر على ذلك، وهي من جملة (من) يخدم نفسها تجبر عليهما؛ لأنها متعنتة، فإن النبي عليه السلام جعل خدمة داخلِ البيت على فاطمة وخدمة خارج البيت على علي رضي الله عنهما.
وذكر شمس الأئمة السرخسي أنها لا تجبر أصلًا، ولكن لا يُعطى لها الإدام حينئذ وهو الصحة.
وفي (المنتقى) عن عيسى عن محمد رحمهم الله: ليس للزوج أن يستخدم امرأته الحرة. وفيه عن أبي حنيفة رحمه الله: للمرأة أن لا تخبز لزوجها ولا تطبخ له والزوج بالخيار إن شاء أعطاها خبزًا وإن شاء أعطاها دقيقًا. إذا كان للرجل والدة أو أخت أو ولد من امرأة أخرى أو إنسان ذو رحم محرم من الزوج، وكانت المرأة نازلة له معهم في...... واحد فقالت المرأة للزوج: أنا لا أنزل مع أحد من هؤلاء، فصيرني في منزل على حدة فالمسألة على وجهين: إن كان في الدار بيوت فأعطاها بيتًا تغلق عليه وتفتح لم يكن لها أن تطالبه بمنزل آخر، وإن لم يكن في الدار إلا بيت واحد، فلها أن تطالبه بمنزل آخر لوجهين:
أحدهما: أنها تخاف على أمتعتها والثاني: أنه يكره المجامعة ومعها في البيت غيرهما ذكر الخصاف المسألة في (أدب القاضي) في باب نفقة المرأة.
وإن كانت للرجل أمة فقالت المرأة: أنا لا أسكن مع أمتك وأريد بيتًا على حدة قيل: ليس لها ذلك؛ لأن جارية الرجل بمنزلة متاعه، وإنه مشكل على المعنيين جميعًا. أما على المعنى الأول فظاهر. وأما على المعنى الثاني، فلأنه تكره المجامعة بين يدي أمة الرجل، هذا هو قول محمد رحمه الله آخرًا، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله.
إذا اشتكت المرأة عند القاضي أن الزوج يضربها وطلبت من القاضي أن يأمره أن يسكنها بين قوم صالحين، فإن علم القاضي أن الأمر كما قالت زجره عن ذلك ومنعه من التعدي عليها، وإن لم يعلم فإن كان جيران هذه الدار قومًا صالحين أقرها هنا وسأل عنهم، فإن ذكروا منه مثل ما ذكرت زجره عن ذلك ومنعه من التعدي عليها، وإن ذكر بأنه لا يؤذيها تركها، وإن لم يكن في جواره من يوثق به أو كانوا يميلون إليه؛ أمره أن يسكنها بين قوم صالحين ويسأل عنهم وبيّن الأمر على جبرهم في هذا الباب أيضًا والله أعلم.

.الفصل الثالث والعشرون: في العنين والمجبوب والخصي:

إذا وجدت المرأة زوجها عنينًا، فلها الخيار إن شاءت أقامت معه كذلك، وإن شاءت خاصمته عند القاضي وطلبت الفرقة، فإن خاصمته فالقاضي يؤجله سنة وتعتبر السنة عند أكثر المشايخ بالأيام، وهو رواية ابن سماعة عن محمد رحمه الله، وعليه الفتوى، ولا يكون التأجيل إلا عند سلطان يجوز قضاؤه. وابتداء التأجيل من وقت المخاصمة. فإذا مضت سنة من وقت التأجيل وادعى الرجل أنه وصل إليها فإن كانت ثيبًا فالقول قول الزوج مع يمينه، فإن كانت بكرًا أراها القاضي النساء، والواحدة تكفي، والمثنى أحوط، فإن قلن ثيب ثبت ثيابتها وصوله إليها، فيكون القول في ذلك قول الزوج مع يمينه، وإن قلن: هي بكر فالقول قولها في عدم الوصول إليها، فإن شهد البعض بالبكارة والبعض بالثيابة يريها غيرهن، فإن قلن: هي بكر يخيرها القاضي، وإن اختارت زوجها أو قامت من مجلسها أو أقامها أعوان القاضي أو قام القاضي قبل أن تختار شيئًا بطل خيارها. وإن اختارت الفرقة أمر القاضي زوجها أن يطلقها، وإن أبى فرّق القاضي بينهما، هكذا ذكر محمد رحمه الله في (الأصل).
وذكر في (المنتقى): هشام عن محمد رحمه الله في العنين إذا مضى سنة خيّر القاضي امرأته، وصار كأن الزوج خيرها، فإذا اختارت نفسها بانت منه، فعلى هذه الرواية لم يشترط قضاء القاضي لوقوع الفرقة وإنها تخالف رواية (الأصل) أيضًا.
بشر عن أبي يوسف رحمه الله: خيار امرأة العنين إذا تم الأجل وخيرها القاضي بمنزلة خيار الزوج ذكره مطلقًا ولم يفسّره قال الحاكم أبو الفضل رحمه الله: تأويله عندي في القيام عن المجلس قبل أن تختار شيئًا ثم رضاها بالمقام عند السلطان أو غيره يسقط حقها، واختيارها نفسها لا يكون إلا عند السلطان. ثم إذا فرّق القاضي بينهما على ما هو المذكور في (الأصل) كانت هذه تطليقة بائنة؛ لأن حكم الرجعة تختص بعدّةٍ واجبة بعد الدخول حقيقة، ولها المهر كاملًا وعليها العدة. ولو خاصمته وهو محرم أُجل سنة بعد الإحرام، ولو خاصمته وهو مظاهر فإن كان يقدر على العتق أجله سنة من حين الخصومة. وإن كان لا يقدر على العتق أمهله شهرين لأجل التكفير ويؤجله سنة بعد الشهرين.
ولو ظاهر بعدما أجّل لم يزد على المدة شيئًا؛ لأنه كان متمكنًا من أن لا يظاهر منها بخلاف ما إذا خاصمته وهو مظاهر. وإن كان يصل إلى غيرها من نسائه وجواريه يؤجل في حق هذا، وإذا وصل إليها مرة بطل خيارها وسقط حقها في التفريق وإذا وجدت زوجها عنينًا وأخرت المرافعة إلى القاضي لا يسقط حقها ما لم تقل: رضيت بالمقام معه (فيسقط) حقها. وكذلك إذا أخرت الخصومة بعد مضي الأجل لا يبطل حقها في الخصومة ما لم تقل رضيت.
وإذا أجل العنين؛ فأيام الحيض وشهر رمضان يحتسب عليه ولا يجعل له بدل، ولو مرض أحدهما مرضًا لا يستطيع الجماع معه وإن كان أقل من نصف شهر احتسب عليه فلا يجعل له بدل. وإن كان أكثر من نصف عن محمد لا يحتسب، شهر وما دونه يحتسب، وهذا أصح الأقاويل، شهر لا يحتسب عليه ويجعل له بدل، هكذا روى ابن سماعة في (نوادره) عن محمد رحمه الله. وعن أبي يوسف رحمه الله روايتان، في رواية كما قال محمد رحمه الله، وفي رواية ما لم يمرض سنة لا يعوض مكانه. وفي (المنتقى) جعل غيبة أحدهما وحبسه بمنزلة المرض، ولو حجت لا يحتسب على الرجل مدة خروجها، ولوحج هو احتسب عليه هكذا روي عن أبي يوسف رحمه الله.
ولو تزوجها ووصل إليها ثم عُنَّ وفارقته ثم تزوجها ولم يصل إليها فلها الخيار ولو كانت المرأة رتقاء والزوج عنين فلا خيار لها هذا إذا وجدت زوجها عنينًا، فإن وجدت زوجها مجبوبًا، فالجواب فيه كالجواب فيما إذا وجدت زوجها عنينًا إلا في مسألة: أن المجبوب لا يؤجل؛ لأنه لا فائدة منه بخلاف العنين.
قال محمد رحمه الله في (الجامع): امرأة الصبي إذا وجدت الصبي مجبوبًا، فالقاضي يفرق بينهما بخصومتها في الحال ولا ينتظر بلوغ الصبي بخلاف ما إذا وجدت امرأة الصبيِّ الصبيَّ عنينًا لا يصل إليها، فإن القاضي لا يفرق بخصومتهما في الحال بل ينتظر بلوغ الصبي. والفرق أن الصبي إذا كان عنينًا لم يتعين سبب الفرقة؛ لأن الصبي يفقد الشهوة، فلعلَّ عجز الصبي عن الوطء بسبب الصبا لا بسبب العنة فلم يتيقن بسبب التفريق وهو العنّة.
وإذا كان مجبوبًا فقد تيقنا سبب الفرقة وهو الجب وهو نظير المريض إذا تزوج فوجدته المرأة لا يقدر على جماعها فرافعته (إلى) القاضي، فالقاضي لا يفرق بينهما للحال بل ينتظر برءه وبمثله لو وجدته مجبوبًا يفرق بينهما للحال.
فإن قيل: يجب أن ينتظر بلوغ الصبي في الجب لأن الفرقة بالجبّ فرقة بطلاق كالفرقة بسبب العنّة، والصبي ليس من أهل الطلاق، قلنا: الفرقة بالجب إذا كان الزوج من أهل الطلاق فرقة بطلاق، وإذا لم يكن الزوج من أهل الطلاق بأن كان صبيًّا فقد اختلف المشايخ فيه، بعضهم قالوا: هي فرقة بغير طلاق نظير الفرقة بخيار البلوغ، وهذا لأن هذه الفرقة لحق المرأة، وحق المرأة في نفس الفرقة لا في الطلاق، وبعضهم قالوا: هي فرقة بطلاق لا بسبب فرقة قد تحققت وهو الجب، والطلاق هو المتعين للفرقة شرعًا، وإذا استحقت الفرقة قد استحقت ما تعيّن لها شرعًا ولا حاجة في الإيقاع إلى عبارة الصبي؛ لأن القاضي هو الذي يوقعه، فصار الصبي في هذا كالبالغ فصار كالصبي إذا مَلَكَ قريبه يعتق عليه، وإن لم يكن الصبي من أهل العتق؛ لأنه تحقق سببه وهو ملك القريب، ولا يحتاج فيه إلى عبارة الصبي، فصار هو في حق عتق القريب كالبالغ كذا هنا إلا أن القاضي لا يفرق بين الصبي وامرأته ما لم يكن عنه خصم حاضر لأن القضاء على الغائب لا يجوز، والصغير وإن كان حاضرًا حقيقة فهو غائب حكمًا لكونه عاجزًا عن الخصومة بنفسه.
وإن كان للصغير أب أو وصي أب كان خصمًا عن الصغير في ذلك كما كان خصمًا في جميع ما كان للصغير وعليه، وإن لم يكن الأب ولا وصيه، فالجد أو وصيه خصمه فيه، فإن لم يكن له جد ولا وصيه فالقاضي ينصب عنه خصمًا فإذا جاء الخصم بحجة يبطل الحاكم حق المرأة من بيّنة يقيمها على رضاها بهذا العيب أو علمها بهذا العيب لم يفرق بينهما، وإن لم يكن للخصم بينة على ذلك وطلبَ يمين المرأة تحلف المرأة، لأنه يدعي عليها معنى لو أقرّت به يلزمها فإن نكلت لم يفرق بينهما فإن حلفت فرق بينهما.
ولو كانت المرأة صغيرة زوجها أبوها، فوجدت زوجها مجبوبًا لا يفرّق بينهما بخصومة الأب حتى تبلغ، علل محمد رحمه الله في (الكتاب) فقال: لأني (لا) أدري لعلها سترضى بزوجها إذا بلغت، وفرّق بين هذه المسألة وبينما إذا ورث الصغير عبدًا قد اشتراه مورثه، واطلع الولي على عيب (بالعنين) قد كان عند بائع مورثه كان للولي أن يخاصم البائع في العيب، ولا ينتظر بلوغه. وكذلك إذا كان للصغير قصاص أو شجة فللولي أن يستوفيه ولا ينتظر بلوغه.
ولو كانت المرأة البالغة والمسألة بحالها فوكلت المرأة رجلًا بالخصومة مع زوجها وجاءت هل يفرق بينهما بخصومة الوكيل؟ لم يذكر محمد رحمه الله هذا الفصل في (الكتاب). وقد اختلف المشايخ فيه، قال بعضهم: لا يفرق بل ينتظر حضورها ألا ترى أنه لا يفرق بخصومة الأب إذا كانت البنت صغيرة، وبعضهم قالوا: يفرق بينهما. وفرق بين الصورتين والفرق أن المرأة إذا كانت بالغة غائبة فلو أخرنا التفريق إلى أن يحضر، وليس بحضرتها من الغيبة وقت معلوم كان في هذا التأخير إبطالٌ لحقها في التفريق، فيفرق بخصومة الوكيل لصيانة حقها، فأما إذا كانت صغيرة فليس في تأخير الفرقة إلى أن تبلغ إبطال حقها في التفريق لأن لبلوغها غاية معلومة والرضا بعد البلوغ موهوم فوجب التأخير، وإذا وجب التأخير لم يكن إقامة الأب مقامها في استيفاء هذا الحق قبل البلوغ كما لو كان لها دين مؤجل على إنسان لا يقوم الأب مقامها في استيفاء ذلك قبل الأجل، وإن كان استيفاء الدين مما يجري فيه النيابة، وإن وجدت زوجها خصيًا، فإن كان بحال تنتشر آلته ويصل إلى المرأة لا خيار لها، وإن كان لا تنتشر آلته ولا يصل إلى المرأة فالجواب فيه كالجواب في العنين. ولو تزوجت وهي تعلم بحاله فلا خيار لها. ومن المشايخ من قال في المجبوب لا خيار لها، وفي الخصي والعنين لها الخيار؛ لأنها طمعت حالة العقد أن يزول العذر وتصل إلى حقها. وقال مشايخ العراق: إن كان عنينًا قضى القاضي بعيبه مرة لا خيار لها. وإذا فرّق بين العنين وبين المرأة فجاءت بولد ما بينها وبين سنتين لزمه الولد، لأن النسب يثبت حقًا للصبي. فإن ادعى الزوج الوصول إليها فقال: كنت وصلت إليها أبطل الحاكم الفرقة، كذا روي عن أبي يوسف رحمه الله لأن بيان النسب دليل على الدخول؛ لأنه الموضوع له بقضية الأصل. ولو شهد شاهدان على الدخول أليس إن يبطل الفرقة كذا هاهنا. ولو كان الزوج مجبوبًا ففرق القاضي بينهما فجاءت بولد لأقلّ من ستة أشهر من وقت الفرقة لزمه الولد خلا بها أو لم يخل بها، وهذا عند أبي يوسف رحمه الله، وقال أبو حنيفة رحمه الله يلزمه إلى سنتين إذا خلا بها، والفرقة ماضية بلا خلاف، وإن كان الزوج مجبوبًا وهي لم تعلم بحاله فجاءت بولد فادعاه وأثبت القاضي نسبه ثم علمت بحاله وطلبت الفرقة فلها ذلك، قال: لأن الولد لزمه بغير جماع.
ولو أقام الرجل بينة قبل الفرقة على إقرارها أنه وصل إليها بطلت الفرقة، ولو أقرت هي بعد الفرقة أقرت بالوصول بعد الفرقة أنه قد كان وصل إليها قبل الفرقة لا تبطل الفرقة، وإذا كان زوج الأمة عنينًا فالخيار إلى المولى عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله، فقال محمد وزفر رحمهما الله: الخيار لها، وقال محمد رحمه الله: وللمرأة الخيار في الجنون والجذام وكل عيب لا يملكها المقام معه إلا بضرر، ألا ترى أنه لها ثبت الخيار في الجبّ والعنة وإنما ثبت دفعًا للضرر عنها، وفرّق بين جانب الرجل وبين جانب المرأة من حيث إنّ الرجل متمكن من دفع الضرر عن نفسه بالطلاق؛ لأن الطلاق في يده بخلاف المرأة وهما سويا بين جانب المرأة وبين جانب الرجل فيما سوى الجب والعنة والله أعلم.

.الفصل الرابع والعشرون: في بيان حكم الولد عند افتراق الزوجين:

قال محمد رحمه الله في (الأصل): إذا كان للرجل ولد صغير وقد فارق أمّه، فالأم أحق بالولد من الأب إلى أن يستغني عنها، فإذا استغنى عنها فالأب أحق به.
وحدّ الاستغناء في الغلام أن يأكل وحده ويشرب وحده. وفي غير رواية الأصول ويتوضأ وحده يريد به الاستنجاء، ولم يقدر محمد رحمه الله في ذلك تقديرًا من حيث السنة. وذكر الخصاف في كتاب النفقات أن الأم أحقّ بالغلام ما لم يبلغ تسع سنين أو ثمان. وذكر الفقيه أبو بكر الرازي رحمه الله: أن الأم أحق به إلى تسع سنين.
وأما في الجارية، فحدّ الاستغناء أن تحيض أو تبلغ مبلغ النساء بالسن، وبعد ذلك الأب أولى. وروى هشام عن محمد رحمه الله أن الأم أولى بها إلى مبلغ حدّ الشهوة. فإن وقع الاختلاف بين الأم وبين الأب فقالت الأم: هذا ابن ست سنين وأنا أحق بإمساكه. وقال الأب: هو ابن سبع سنين وأنا أحق به، ينظر إلى الصبي إن استغنى بأن كان يأكل ويشرب ويلبس ويستنجي وحده دفع إلى الأب وإلا فلا؛ لأنا إنما اعتبرنا سبع سنين بطريق القيام مقام الاستغناء فإذا وقع الاختلاف في السن يجب بحكم الاستغناء.
فإن تركت الأم الولد على الأب هل تُجبر الأم على حضانته وتربيته؟ لم يذكر محمد رحمه الله هذه المسألة في (الأصل)، وذكر شيخ الإسلام رحمه الله أنها لا تجبر إلا أن لا يكون للولد ذو رحم محرم سوى الأم، فحينئذ تجبر كيلا يفوت حق الولد، وذكر البقالي في (فتاويه) مطلقًا أنها لا تجبر، قال: وقد قيل خلافه. وفي (فتاوى أبي الليث) رحمه الله سئل أبو بكر الإسكاف رحمه الله عن حالة الصغيرتين لا زوج لهما قالت: لا آخذهما ولا أمنعهما عن الكون معي في منزلي فلها ذلك، فإن قالت: لا أدعهما حتى يكونا في منزلي، فإنها تجبر على أن يكونا معها في المنزل حتى يستغنيا.
قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: عليها أن تتعاهدهما كما لو كانت تقدر على النفقة وهما محتاجان إلى النفقة تجبر على نفقتهما، فكذا إذا كانا محتاجين إلى التعاهد. وإن ماتت الأم فأُمُّ الأم أولى بحضانة الولد، وبعدها أم الأب أولى، وذكر البقالي عن أبي يوسف رحمه الله أن أم الأب أولى من أم الأم وبعد أم الأب الحضانة إلى الإخوان: أولهن الأخت لأب وأم، وبعدها الأخت الأم، وبعدها قال شيخ الإسلام: اختلفت الروايات ذكر في بعضها بنت الأخت لأب وأم، ثم بنت الأخت لأم ثم الخالة ثم بنات الخالة ثم الأخت لأب، وذكر في بعضها الأخت لأب بعد الأخت لأم ثم بنات الأخوات. ثم الخالات ثم العمات.
وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله أن بعد الأخت لأم اختلاف الروايات في تقديم الخالات على الأخت لأب. قال في كتاب النكاح: الأخت لأب أولى، وقال في كتاب الطلاق: الخالة أولى، فعلى رواية كتاب النكاح اعتبر القرب، والأخت لأب أقرب، وعلى رواية كتاب الطلاق اعتبر المدلى به، فقال: الأخت لأب تدلي بالأب، والخالة تدلي بالأم، والأم في الحضانة مقدمة على الأب، فمن يدلي بالأم يكون أولى ممن يدلي بالأب.
قال شمس الأئمة رحمه الله وبعد الأخوات بناتهن وبعدهن الخالات وبعدهن بنات الأخ وبعدهن العمات، والتي لأم في هذه القرابات أولى من التي لأب والخالة لأب أولى من العمة. وأما بنات العم والخال والعمة والخالة فلا حق لهن في الحضانة، هكذا ذكر القدوري رحمه الله، وذكر البقالي في (الفتاوى) روى أن أولاد العمات والخالات بمنزلتهن والظاهر خلافه، قال: ويستوي في حق الحضانة المسلمة والكتابية. قال الفقيه أبو بكر الرازي: إذا كانت الأم كافرة فعقل الولد فإنه يؤخذ منها جارية كانت أو غلامًا لأنه مسلم بإسلام الأب وإنما تعلمها الكفر فلا يؤمن من الفتنة إذا ترك عندها. ومن تزوج من هؤلاء بزوج فإن كان الزوج أجنبيًا يسقط حقها في الحضانة، وإن كان ذو رحم محرم من الصغير لم يسقط حقها في الحضانة كالأم إذا تزوجت بعم الصغير، وكالجدّة إذا تزوجت بجد الصغير، ومن تزوجت بأجنبي ثم بانت من زوجها عاد حقها في الحضانة وتصدق المرأة أنها لم تتزوج أو أنها بانت إذا لم تقر بزوج بعينه. وإذا اجتمع النساء ولهن أزواج أجانب يضعها القاضي حيث شاء. ولا حقّ للأمة ولأم الولد في حضانة الولد الحر.... إذا طلقها فكذلك المكاتبة إذا طلقها زوجها ويكون الولد عند مولى الأم، ولكن لا يفرق بين الولد وبين الأم على ما عرف في موضعه.
وإذا أعتق الرجل أُمّ ولده أو مات عنها فهي كالحرة في حق الحضانة ولا حق للمرتدة في الولد وليس لمن سِوَى الجدتين والأم حق في الولد إذا أكل وشرب ولبس وحده جارية كانت أو غلامًا.
وإذا بلغ الولد عند واحدةٍ منهن هذا المبلغ أو بلغ عند الأم والجدتين ما قلنا فالأب أحق بالولد ثم بعده الجد أب الأب يعتبر الأقرب فالأقرب من العصبات، ولا حقّ لابن العم في حضانة الجارية؛ لأنه ليس بمحرم منها ويحل له نكاحها، فلا يؤتمن عليه وكذلك كل ذي رحم محرم منها إذا كان لا يؤتمن عليها لفسقه ومجانته فلا حقّ له فيها، وإن لم يكن للجارية من عصبات إلا ابن العم اختار لها القاضي أفضل المواضع؛ لأن الولاية إليه. هكذا ذكر القدوري رحمه الله، وذكر في (الأصل) إذا لم يكن للجارية والد، وأخوها أو عمها مخوف عليه فالقاضي لم يفصل بينه وبينها ولكن يجعل معهما امرأة ثقة قال محمد: وإنما يثبت الحق للعصبات في هذه الصغيرة إذا كان على دين الولد، قال محمد رحمة الله عليه: في كل ذكر من قبل النساء كالأخ من الأم والخال لأب ولأم، فلا حقّ لهم في الولد، وعنه أيضًا. إنه يثبت الحق حتى قال: إذا كان لها ابن عم وخال، فالخال أولى وأب الأم أولى من الخال والأخ لأم.
وإذا اجتمع إخوة في درجة واحدة بأن كان الكل لأب وأم، أو لأب فأبينهم صلاحًا أولى، فإن استووا في الصلاح فأكبرهم سنًا أولى.

.نوع منه:

إذا بلغ الغلام رشيدًا فله أن ينفرد بالسكنى، وليس للأب أن يضمه إلى نفسه إلا أن يكون مفسدًا مخوفًا، وأما الجارية إذا بلغت فإن كانت ثيبًا فليس للأولياء حق الضم إلى أنفسهم، ولها أن تنزل حيث شاءت إلا أن يخاف عليها الفساد، فحينئذ للأولياء حق الضم إلى أنفسهم، وإن كانت بكرًا فللأولياء حق الضم، وإن كان لا يخاف عليها الفساد إذا كانت حديثة، فأما إذا دخلت في السن واجتمع لها رأيها وعقلها فليس للأولياء حق الضم، ولها أن تنزل حيث أحبّت حيث لا يتخوف عليها، وإذا بلغت الجارية وهي ممن يخاف عليها الفساد وليس لها والد، وأخوها أو عمها مخوف عليها فالقاضي لم يحل بينه وبينهما بل يضع عندها امرأة ثقة والله أعلم.

.نوع منه:

إذا وقعت الفرقة بين الرجل وبين امرأته، فأرادت أن تخرج بالولد عند انقضاء عدتها إلى مصرها، فإن كان النكاح وقع في غير مصرها فلها ذلك، وإن كان وقع النكاح في مصرها فليس لها ذلك إلا أن يكون بين موضع الفرقة وبين مصرها قرب بحيث لو خرج الأب لمطالعة الولد يمكنه الرَّوح إلى منزله قبل الليل، فحينئذ هما بمنزلة محالّ مختلفة في مصر ولها أن تحوّل من مَحِلَّةٍ إلى محلة. وذكر في (البرامكة) أن لها أن يخرج بالولد إلى بلدها من غير تفصيل، وهكذا ذكر شمس الأئمة الحلواني رحمه الله في (شرحه).
ولو أرادت أن أن تنقله إلى حيث وقع النكاح وليس ذلك ببلدها، فليس لها ذلك في رواية (الأصل).
وذكر في (الجامع الصغير) أن المعتبر، ولو أرادت أن تنقله إلى بلد ليس بلدها ولم يقع فيه النكاح، فليس لها ذلك إلا إن كان بين البلدتين قرب على التفسير الذي قلنا، وإن كان النكاح في رستاق لها قرى متفرقة، فأرادت أن تنقله إلى قريتها، فإن كان النكاح في قريتها فلها ذلك، وإن لم يكن النكاح في قريتها فليس لها ذلك إلا أن تكون القرى قريبة بعضها من بعض على التفسير الذي قلنا، وعلى رواية (البرامكة) على قياس البلدتين يجب أن يكون لها ذلك من غير تفصيل.
ولو أرادت أن تنقله من قرية إلى مصر جامع وليس ذلك مصرها ولا وقع النكاح فيها، فليس لها ذلك، إلا أن يكون المصر قريبًا من القرية على التفسير الذي قلنا.
ولو أرادت أن تنقله من مصر جامع إلى قرية فليس لها ذلك. وإن كانت القرية قريبة إلا أن تكون قريتها وقد وقع أصل النكاح فيها، فحينئذ لها ذلك، وذكر البقالي: ولا تخرجه من المصر إلى القرية بحال، فإن كانت القرية بعيدة لا ذكر لها في الكتب، ويجب أن يكون الجواب فيه على التفصيل الذي (قلنا). وليس لها (أن) تنقله إلى دار الحرب، وإن كان النكاح وقع ثمة ذكر البقالي في (فتاويه): ولها أن تنقله إلى بعض نواحي المصر.
وإن كان الأب لا يمكنه الرجوع من زيارته في يومه إلى وطنه قبل الليل، وكذلك إذا كان له جانبان. وفي (المنتقى): ابن سماعة عن أبي يوسف رحمه الله: رجل تزوج امرأته بالبصرة وولدت له ولدًا ثم إن هذا الرجل أخرج ولده الصغير إلى الكوفة وطلقها فخاصمته في ولدها فأرادت رده عليها، قال: إن كان الزوج أخرجه بأمرها، فليس عليه أن يردّه ويقال لها: اذهبي فخذيه.
وإن كان أخرجه بغير أمرها فعليه أن يجيء به إليها، فروي عنه أن الرجل إذا خرج مع المرأة وولدها في البصرة إلى الكوفة ثم ردّ المرأة إلى البصرة ثم طلقها إن عليه إن يرد الولد ويؤخذ بذلك لها والله أعلم.

.الفصل الخامس والعشرون: في المسائل المتعلقة بنكاح المحلل وما يتصل به ونكاح الفضولي في طلاق المضاف والحيل في رفع اليمين في طلاق المضاف وقضاء القاضي في مسألة العجز عن النفقة وأمثالها:

وأما المسائل المتعلقة بالمحلل وفي (مجموع النوازل): المطلقة ثلاثًا إذا زوجت نفسها من غير كفء ودخل بها حلّت للزوج الأول عند زفر رحمه الله، وهذا الجواب عن أبي حنيفة رحمه الله مستقيم على ظاهر الرواية، وأما على رواية الحسن عنه لا يستقيم؛ لأن على رواية الحسن عنه: إذا زوجت نفسها من غير كفء لا يجوز النكاح، ولابد من صحة نكاح الزوج الثاني لتحل على الزوج الأول وجماع الصبي الذي يجامع مثله والمجنون يحل للزوج الأول.
وإن كانت المطلقة ثلاثًا صغيرة تُجامَع، فتزوجها رجل ودخل بها حلّت للزوج الأول، ولو كان الزوج الثاني عبدًا أو مدبرًا أو مكاتبًا تزوجوا بإذن المولى ودخل بها حلّت للزوج الأول؛ لأنه وُجد الدخول في نكاح صحيح. وكذلك لو كان مشلولًا فجامع. ولو كان مجبوبًا لم تحل للزوج الأول، فإن حبلت وولدت حلّت للأول عند أبي يوسف رحمه الله، وقال زفر رحمه الله والحسن: لا تحل للأول وإن كانت النصرانية تحت مسلم طلقها ثلاثًا فتزوجت بنصراني ودخل بها حلّت للمسلم الذي طلقها ثلاثًا؛ لأنه دخول في نكاح صحيح وإذا طلق الرجل امرأته ثلاثًا، فتزوجت بزوج آخر وطلقها الزوج الثاني ثلاثًا قبل الدخول ثم تزوجت الثالث ودخل بها حلّت للزوجين الأولين. ولو وطئها الزوج الثاني في حيض أو نفاس أو إحرام حلّت للزوج الأول لإطلاق قوله عليه السلام «ويذوق من عسيلتك». وفي (فتاوى النسفي) رحمه الله سئل عن الزوج المحلل إذا كان عبدًا صغيرًا لإنسان زوجت نفسها منه وقَبِلَ عنه مولاه ومثله يجامع فدخل بها فوهبه مولاه منها حتى فسد النكاح واعتدت هل تحل للزوج الأول بالنكاح قال: نعم، والأولى أن يكون حرًا بالغًا، فالجواب في الجواز عن أصحابنا رحمهم الله منصوص عليه، وأما الأولية أما في اشتراط البلوغ فلأن مالكًا يشترط الإنزال، وأما في اشتراط الحرية، فلأنه روي عن أبي يوسف رحمه الله أن الحرة إذا زوجت نفسها من عبد لا يجوز لعدم الكفاءة فيتحرز عن خلافهما، وقد ذكرنا في أول هذا الفصل أيضًا أن على رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله لو زوجت نفسها من غير كفء لا تحل للزوج الأول، فيتحرز عن هذه الرواية أيضًا. وفي (القدوري): إذا زوجت المطلقة ثلاثًا بزوج، فكان من قصدهما التحليل إلا أنهما لم يشترطا ذلك يقول: حلّت للزوج الأول، ولو شرطا الإحلال بالقول فإن تزوجها لذلك، فالنكاح صحيح في قول أبي حنيفة وزفر رحمهما الله، وتحل للأول ولكن يكره ذلك للأول والثاني، وقال أبو يوسف رحمه الله: النكاح الثاني فاسد ولا تحل للأول.
وقال محمد رحمه الله: النكاح الثاني صحيح فلا تحل للأول، وفي (الجامع الأصغر) وقال بعض أشياخنا: إذا تزوجها ليحللها للأول فهذا الثاني مأجور في ذلك؛ لأنه نوى أن يصل الأول إلى الحلال بما هو مباح، وليس فيه إبطال حق على أحد فلا إضرار بالغير والمراد من قوله «لعن الله المحلل والمحلل له» أن يقول لغيره: أحللت لك ابنتي بكذا وما أشبهه. والحكم في الأمة المنكوحة بعد الثنتين نظير الحكم في الحرة بعد الثلاث لا تحل لزوجها ما لم تتزوج بزوج آخر ويدخل بها الثاني ووطء المالك لا يحلها للزوج الأول، ولو اشتراها الزوج لم تحل له بملك اليمين. وقد ذكرنا بعض هذه المسائل في النوع الرابع من الفصل العشرين.
ومما يتصل بهذه المسائل: سئل نجم الدين النسفي رحمه الله عمن حلف بثلاث تطليقات وظنّ أنه لم يحنث فاستفتيت المرأة فأفتيت بوقوع الثلاث، وعلمت أنها لو أخبرت الزوج بذلك أنكر اليمين، هل لها أن يحللها بعدما فارقها زوجها بسفر أو غيره وتنقضي عنها فتعتد من الزوج الثاني ثم تأمر الأول بعد الإياب بتجديد النكاح لشيء دخل قلبها من شبهة.
قال: فأما في القضاء فلا لإنكار الزوج وقوع الثلاث ولا بيّنة لها، وأما فيما بينها وبين الله تعالى فهي في سعة من ذلك، قال: وقد وقعت هذه الحادثة في زمن السيد الإمام أبي شجاع، فسألته عن ذلك بالفتوى وكَتَب أنه يجوز ثم سألته بعد ذلك بمدّة فقال لا يجوز ولا نطلق لها ذلك، فلعله إنما أجاب بذلك في حق التي لا يوثق بقولها، فلا يؤمن من أن تكذب تطرقًا في مخالطة من تريده سفاحًا فتصور ذلك نكاحًا.
وسئل أبو القاسم عن امرأة سمعت من زوجها أنه طلقها ثلاثًا، ولا تقدر أن تمنع نفسها منه هل يسعها أن تقتله؟ قال: لها أن تقتله في الوقت الذي يريد أن يقربها ولا تقدر على منعه إلا بالقتل، قال نجم الدين النسفي رحمه الله في (فتاويه): وهكذا كان فتوى شيخ الإسلام أبي الحسن عطاء بن حمزة، والسيد الإمام الأجل أبي شجاع رحمهما الله فكان القاضي الإمام الإسبيجابي رحمه الله يقول: ليس لها أن تقتله، وكان يستدل بما ذكر محمد رحمه الله في كتاب الإكراه أن السلطان إذا أكره امرأة على الزنا، فمكنت لا تأثم بخلاف الرجل إذا كان مكرهًا على الزنا حيث يأثم، وإذا لم تأثم أن توطأ وهي مكرهة لم تكن مضطرة إلى قتل الزوج. قال نجم الدين رحمه الله فحكي له أن السيد الإمام أبا شجاع رحمه الله يقول: لها (أن) تقتله فقال: إنه رجل كبير وله مشايخ أكابر لا يقول ما يقول إلا عن صحة فالاعتماد على قوله.
وفي (فتاوى محمد بن الوليد السمرقندي) رحمه الله في باب مناقب أبي حنيفة رحمه الله عن عبدالله بن المبارك عن أبي حنيفة رحمهما الله أن من طلق امرأته ثلاثًا ثم قصدها، فإنها ترده عن نفسها ولها أن تقتله. وفي آخر باب الاستحسان: إذا شهد شاهدان عدلان أن زوجها طلقها ثلاثًا وهو يجحد ذلك ثم ماتا أو غابا قبل أن يشهدا عند القاضي لم يسعها أن تقيم معه وأن تدعه يقربها. فإن حلف الزوج على ذلك والشهود قد ماتوا فردها القاضي عليه لا يسعها المقام معه، وينبغي لها أن تفتدي بمالها أو تهرب منه وإن لم تقدر على ذلك قتلته متى علمت أنه يقربها، لكن ينبغي أن تقتله بالدواء، وليس لها أن تقتل نفسها، وإذا هربت منه لم يسعها أن تعتد وتتزوج بزوج آخر، قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في شرح كتاب الاستحسان: هذا جواب الحُكم. فأما فيما بينها وبين الله تعالى إذا هربت فلها أن تعتد وتتزوج بزوج آخر والله أعلم.

.نكاح الفضولي في النكاح المضاف:

وأما المسائل التي تتعلق بنكاح الفضولي في الطلاق المضاف: إذا حلف الرجل بطلاق امرأة بعينها إن تزوجها، فزوجه رجل تلك المرأة بغير أمره وأجاز هو قولًا أو فعلًا. أو حلف بطلاق كل امرأة يتزوجها، فزوجه رجل امرأة بغير أمره فأجاز هو قولًا أو فعلًا، قال بعض مشايخنا: إن أجاب بالقول يحنث وإن أجاز بالفعل؛ لا يحنث. وقال بعضهم: يحنث أجاز بالقول أو بالفعل، لأن الإجازة في الانتهاء بمنزلة الإذن (في) الابتداء من حيث إن العاقد بالإجازة يصير نائبًا عن المجيز من ذلك الوقت، وفعل النائب كفعل المنوب عنه، فيصير متزوجًا من ذلك الوقت، وقال بعضهم لا يحنث أجاز بالقول أو بالفعل وإليه أشار في (الزيادات) وهو الأشبه. ووجه ذلك أنّا لو جعلناه حانثًا بالإجازة لجعلناه متزوجًا إياها عند الإجازة لأن شرط الحنث التزوج، ولو صار متزوجًا إياها لصار متزوجًا من وقت مباشرة العقد فيقع الطلاق من ذلك الوقت. وإذا وقع من ذلك الوقت تبين أن الإجازة كانت باطلة إذ تبين أن الإجازة بعد وقوع الطلاق وارتفاع النكاح والإجازة بعد ارتفاع النكاح لا تعمل.
وإذا تبين بطلان الإجازة تبين أنه لم يصر متزوجًا إياها وبدونه لا يقع الطلاق، فتبيّن بطلان الطلاق ففي إيقاع الطلاق ابتداء إبطاله انتهاءً، ولا يقع الطلاق ابتداءً ويجعل في حق الطلاق كأن الإجازة لم توجد، قال نجم الدين رحمه الله: فكلُّ جواب عرفته في قوله أتزوجها فهو الجواب في قوله كل امرأة تدخل في نكاحي؛ لأن دخولها في نكاحه لا يكون إلا بالتزوج، فكان ذكر الدخول في نكاحه بمنزلة ذكر التزوج، فصار كأنه قال: كل امرأة أتزوجها. وبتزويج الفضولي لا يصير متزوجًا. وهذا بخلاف ما لو قال: كل عبد يَدخل في ملكي فهو حرٌّ، فإنه يعتق بعقد الفضولي إذا أجازه؛ لأن ملك اليمين لا يختص بالشراء، بل له أسباب، فلا يكون ذكره ذكرًا للشراء أما هاهنا بخلافه؛ وإذا قال: كل امرأة تصير حلالًا لي فهذا وما لو قال: كل امرأة تدخل في نكاحي سواء.
وحكي عن الفقيه أبي جعفر الهندواني رحمه الله أنه قال: وقال بعض الفقهاء الحيلة في هذه الصورة أن يزوجه فضولي امرأة بغير أمره وبغير أمرها ثم يجيز هو النكاح ثم تجيز النكاح فيقع الحنث قبل إجازة المرأة بإجازة الزوج، فإجازتها لا تعمل فيجددان النكاح بعد ذلك، فيكون هذا نكاحًا جائزًا لأن اليمين انعقدت على زوج واحد، ثم الفعل الذي تقع به الإجازة في نكاح الفضولي فعل هو يختص بالنكاح، وهو بعث شيء من المهر وإن قل، وأما بعث الهدية والعطية لا يكون إجازة؛ لأنه لا يختص بالنكاح بل قد يكون بطرًا أو أجرًا فلا يكون ذلك إجازة للنكاح، هكذا حكي عن نجم الدين رحمه الله، فعلى هذا القياس لو بعث إليها شيئًا من النفقة لا تكون إجازة؛ لأن النفقة لا تختص بالنكاح.
وسئل نجم الدين رحمه الله عمن قال: كل امرأة أتزوجها أو يتزوجها غيري لأجلي، فهي طالق ثلاثًا فما الوجه فيه؟ قال إن تزوج الفضولي لأجله فيقع الطلقات الثلاث ولكن لا يحرمه عليه؛ لأنها تطلق قبل دخولها في ملك الزوج فلا تحرم عليه، ألا ترى أن بعد عقد الفضولي لو طلقها الزوج ثلاثًا لا تحرم عليه وإنما لا تحرم؛ لأن الطلاق إنما يقع قبل دخولها في ملك الزوج فكذا هاهنا؛ إلا أنه لا تقبل الإجازة؛ لأنه صار مردودًا فيعقد الفضولي ثانيًا لأجله ويجيز هو بالفعل على ما ذكرنا، هكذا حكي عن نجم الدين رحمه الله، وعندي: أن في الكرّة الثانية لا حاجة إلى عقد الفضولي بل إذا تزوج بنفسه لا تطلق؛ لأن اليمين في حق هذه المرأة انجلت بتزوج الفضولي له. ألا ترى أن من قال: إن تزوجت فلانة أو أمرت إنسانًا أن يزوجها فهي طالق فأمر إنسانًا ليزوجها منه فزوجها لم تطلق؛ لأن اليمين انحلت بالأمر لا إلى جزاء وكذلك إذا قال: إن خطبت فلانة أو تزوجتها فهي طالق فتزوجها لم تطلق لأن اليمين انحلت بالخطبة لا إلى جزاء وسئل هو أيضًا عمن إذا قال لامرأة: أتزوجها أو تزوجها غيري لأجلي وأجيزه فهي طالق ثلاثًا، قال: لا وجه لجوازه، لأنه شدد على نفسه.
إذا قال الحالف لغيره راسوكند ست براين وجه وبعقد فضولي حاجب است ولم يأمره بالعقد فعقد وأجاز الحالف بالفعل لا يحنث. ولو قال: ارتهرمن عقد فضولي إن فهذا توكيل فيحنث الحالف، وإذا حلف لا تطلق امرأته وطلقها فضولي، وأجاز النكاح الزوج ذلك قولًا أو فعلًا، فالجواب فيه نظير الجواب في النكاح، والله أعلم.

.الحيل في رفع اليمين في الطلاق المضاف:

وأما المسائل التي تتعلق برفع اليمين في الطلاق المضاف الحنفي إذا عقد اليمين على جميع النسوة بأن قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق، أو عقد اليمين على امرأة واحدة بأن قال لامرأة: إن أتزوجك فأنت طالق فتزوج امرأة في الفصل الأول أو تزوج تلك المرأة بعينها في الفصل الثاني ثم إنهما رفعا الأمر إلى حاكم يعتقد مذهب الشافعي رحمه الله وقضى بجواز النكاح وبطلان اليمين المضاف نفذ قضاؤه وصارت المرأة حلالًا له بلا خلاف إن كان الحالف عاميًّا، وإن كان فقيهًا فكذلك في قول محمد رحمه الله. وعلى قول أبي يوسف رحمه الله: لا تصير حلالًا، هكذا وقع في بعض النسخ، ووقع في بعض النسخ وإن كان فقيهًا فكذلك في ظاهر الرواية فروي عن أبي يوسف رحمه الله في غير رواية (الأصل) لا تصير حلالًا.
واعلم بأن المبتلى بالحادثة سواء وقع الحكم له أو عليه، وإن كان فقيهًا له رأي إن وقع الحكم عليه بأن كان هو يعتقد الحِل فقضى القاضي بالحرمة فعليه أن يتبع قضاء القاضي، وإن حصل الحكم له بأن كان يعتقد الحرمة وقضى القاضي بالحل فعليه أن يتبع حكم القاضي في قول محمد رحمه الله وعلى قول أبي يوسف رحمه الله لا يترك رأي نفسه، ولا يلتفت إلى إباحة القاضي فيما يعتقده حرامًا، هكذا وقع في بعض النسخ، وذكر الخصاف في (أدب القاضي) في هذه الصورة أن عليه أن يتبع حكم القاضي في ظاهر الرواية، وذكر في غير رواية الأصول أن على قول أبي يوسف رحمه الله لا يلتفت إلى إباحة القاضي فيما يعتقده حرامًا. وإذا كتب القاضي الحنفي إلى القاضي الشافعي في تقليده في هذه الصورة وأمثالها إن كان التقليد للحكم ببطلان اليمين كان جائزًا في قول أبي حنيفة رحمه الله خلافًا لهما بناء على مسألة معروفة أن القاضي إذا قضى في فصل مختلف بخلاف رأيه على قول أبي حنيفة رحمه الله ينفذ قضاؤه، وعلى قولهما لا ينفذ. وإذا كان من مذهبهما أن قضاءه بخلاف رأي نفسه لا ينفذ، فكذا لا يجوز التقليد بخلاف رأيه عندهما أيضًا.
وإن كان التقليد للحكم بما يراه ويقتضيه الشرع كان التقليد صحيحًا عند الكل وفي (الجامع الأصغر) قال أبو نصر الدبوسي رحمه الله: في الحاكم المحكم إذا حكم بجواز النكاح بعد الطلاق المضاف وهو يرى ذلك نفذ حكمه وجاز النكاح فلا يقع الطلاق، وقال كثير من مشايخ بلخ: لا يجوز، وذكر شمس الأئمة الحلواني رحمه الله في (شرح أدب القاضي) للخصاف رحمه الله أن حكم الحاكم المحكم إذا حكم فيما عدا الحدود والقصاص من المجتهَدَات، نحو الكنايات والطلاق المضاف جائز هو الظاهر من مذهب أصحابنا، وهو الصحيح، لكن مشايخنا امتنعوا عن هذه الفتوى، وقالوا: يحتاج إلى حكم الحاكم المقلد كما في الحدود والقصاص كيلا يتجاسر العوام فيه.
وسئل الصدر الشهيد حسام الدين رحمه الله عن هذا فقال أقول: لا يحل لأحد أن يعتقد هذا، ولا أزيد على هذا. قال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله: وقد روي عن أصحابنا ما هو أوسع من هذا، وهو أن صاحب الحادثة إذا استفتى فقيهًا عدلًا من أهل الفقه والفتوى، فأفتاه ببطلان اليمين وسعه اتباع فتواه، وإمساك المرأة المحلوف بطلاقها، قال: وقد روي عنهم ما هو أوسع من هذا أن صاحب الحادثة إذا استفتى فقيهًا وأفتاه ببطلان اليمين وسعه إمساك المرأة، فإن تزوج امرأة أخرى فكان حلف بطلاق كل امرأة يتزوجها، فاستفتى فقيهًا آخر فأفتاه بصحة اليمين يفارق الأخرى ويمسك الأولى عملًا بفتواهما جميعًا.
وإذا قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق، فتزوج امرأة وفسخ اليمين عليها وقال لامرأة بعينها: إن تزوجتك فأنت طالق، فتزوجها وفسخ اليمين عليها بطريقة إلى عقد جديد والعقد الأول يكفي، هكذا حكي عن شمس الأئمة الحلواني رحمه الله، عن أستاذه القاضي الإمام علي النسفي رحمه الله وهذا لأن القاضي بالفسخ لا يرفع الطلاق الواقع إذ لا سبيل إليه ولكن يبطل اليمين السابق بقضائه وتبيّن أن الطلاق لم يكن واقعًا. وعن هذا قلنا: لو كان الزوج وطئها قبل الفسخ ثم فسخ القاضي اليمين كان ذلك الوطء حلالًا؛ لأن بقضاء القاضي بالفسخ تبين أن اليمين لم تكن منعقدة وأن الطلاق لم يقع، فتبين أن الوطء كان حلالًا. وإذا عقد على جميع النسوة يمينًا واحدة بأن قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق فتزوج امرأة وفسخ اليمين عليها ثم تزوج امرأة أخرى هل يحتاج إلى الفسخ على المرأة الأخرى على قول محمد رحمه الله لا يحتاج، والفسخ على امرأة واحدة فسخ على جميع النسوة، وعلى قول أبي يوسف رحمه الله، يحتاج إلى الفسخ على المرأة الأخرى، والصدر الشهيد الأكبر برهان الأئمة، والقاضي الإمام الأجل جمال الدين جدّي، والقاضي الإمام عماد الدين والصدر الشهيد حسام الله رحمهم الله، كانوا يفتون بقول محمد رحمه الله وأصل المسألة في كتاب (المنتقى): إذا قال الرجل: كل عبد اشتريته إلى سنة فهو حرّ، فاشترى عبدًا وخاصمه إلى القاضي وأقام البينة على هذه اليمين، وقضى القاضي بعتقه ثم اشترى عبدًا آخر وخاصمه، قال محمد رحمه الله: أقضي بعتقه ولا أكلفه بإعادة البينة قال: من قبل أني قضيت على الحالف بذلك اليمين، فالبينة لهما جميعًا، وهو رواية ابن سماعة عن أبي يوسف رحمه الله.
وروى المعلى عن أبي يوسف رحمه الله أن القاضي لا يقضي بعتقه حتى يعيد البيّنة، وهو رواية ابن سماعة عن أبي حنيفة رحمه الله.
وإذا عقد على جماعة من النسوة على كل امرأة يمينًا على حدة، وفسخ القاضي اليمين على امرأة واحدة لا ينفسخ اليمين في حق امرأة أخرى بالاتفاق.
وإذا عقد أيمانًا على امرأة واحدة بأن قال لها: إن تزوجتك فأنت طالق، قال ذلك مرارًا ثم تزوجها وقضى القاضي بصحة نكاحها ترتفع الأيمان كلها.
وإذا عقد على امرأة واحدة بكلمة كلّما بأن قال لها: كلما تزوجتك، أو عقد على كل امرأة بكلمة: كلما، بأن قال: كلما تزوجت امرأة فهي طالق، فتزوج تلك المرأة في الفصل الأول وفسخ القاضي اليمين عليها ثم طلقها ثلاثًا أو تزوج امرأة في القضاء الثاني وفسخ القاضي اليمين عليها ثم طلقها وتزوجها ثانيًا هل يحتاج إلى الفسخ في حقها مرة أخرى يجب أن تكون المسألة على روايتين بناء على مسألة أخرى أن الثابت من كلمة كلما في الحال يمين واحدة، ويتحدد انعقادها على حسب الحنث، أو أيمان متفرقة والمسألة معروفة في (الجامع).
وإذا قال: إن تزوجت فلانة، فهي طالق ثم قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق ثم تزوج امرأة وفسخ اليمين عليها، ثم تزوج فلانة طلقت فلانة لأن بالفسخ على تلك المرأة انفسخ في حق فلانة اليمين العامة دون اليمين الخاصة. ثم على قول من يعتبر الفسخ على امرأة واحدة فسخًا على النسوة كما يظهر الفسخ في حق التي يتزوجها بعد التي فسخ النكاح عليها يظهر الفسخ في حق التي سبقها حتى إذا تزوج امرأة ووقع عليها ثلاث تطليقات ثم تزوج امرأة ثانية وفسخ اليمين على الثانية تصير المرأة الأولى حلالًا له وكذلك إذا سبقها بثنتين أو ثلاث، وإن سبقها أربع لا يظهر الفسخ في حقهن إذ لو ظهر الفسخ في حقهن لظهر أن القضاء يُحلّ هذه وبفسخ اليمين على هذه كان باطلًا؛ لأنه يظهر أن هذه خامسة، وإذا بطل في حق هذه بطل في حق الأربع أيضًا، فيبطل من حيث يصح.
وكذلك لو كانت الثانية أخت الأولى لا يظهر الفسخ في حق الأولى، هكذا حكي عن الصدر الشهيد رحمه الله، ورأيت مكتوبًا بخط بعض المشايخ أن القاضي لا يفسخ اليمين على المرأة التي سبقها أربع؛ لأنه لو فسخها عليها يظهر الفسخ في حق الأربع التي سبقن فيظهر أن نكاح الأربع وقع صحيحًا، فظهر بطلان نكاح الخامسة فلأن يكون الفسخ معتدًا في حق الخامسة، وكذلك لا يفسخ اليمين على الأخت الثانية على قول هذا القائل.
وإذا قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق، فتزوج امرأة ووقع الثلاث عليها ثم إن هذه المرأة تزوجت بزوج آخر، ولم يعلم به الزوج الأول ثم إن الزوج الأول، طلب من المرأة أن يرفعا الأمر إلى قاض يعتقد مذهب الشافعي حتى يفسخ تلك اليمين ويقضي بصحة نكاحهما ففعلا ذلك فقضى القاضي بفسخ تلك اليمين ويقضي بصحة نكاحهما هل يصح قضاؤه؟ ذكر نجم الدين رحمه الله في (فتاويه) أنه لا يصح، قال: قيام النكاح بين المرأة والزوج الثاني يمنع صحة القضاء بالنكاح للزوج الأول.
وسمعت عن الشيخ الإمام ظهير الدين الحسن بن علي رحمه الله أن هذه المسألة على وجهين: إن كان الزوج الثاني غائبًا لا يصح قضاؤه؛ لأن هذا حكم بفساد نكاح الزوج الثاني والقضاء على الغائب لا يجوز. وإن كان الزوج الثاني؛ حاضرًا يصح قضاؤه وبطل نكاح الثاني لأنه لما قضى ببطلان تلك اليمين ظهر أن الطلقات الثلاث لم تقع وأن الثاني تزوج بها وهي منكوحة الأول.
وإذا قال: كل امرأة أتزوجها طالق ثلاثًا، فتزوج امرأة وطلقها ثلاثًا، ثم ترافعا إلى قاض يعتقد مذهب الشافعي، فحكم ببطلان تلك اليمين هل يصح حكمه؟ فاعلم بأن هذه المسألة اختلف المشايخ فيها، أكثرهم على أن الزوج إن لم يكن دخل بها حتى طلقها ثلاثًا لا يصح حكمه لانعدام دعوى صحيحة؛ لأنه لا يمكن دعوى حقوق النكاح بعد انقطاعه، وهاهنا انقطع النكاح بلا خلاف عندنا بالطلاق المعلق، وعند الشافعي رحمه الله بالطلاق المرسل وبدون الدعوى لا يصح الحكم.
وإن كان الزوج قد دخل بها بعد النكاح ثم طلقها ثلاثًا وادعت هي نفقة العدة الواجبة بالطلقات المرسلة بعد الدخول والزوج ينكر ذلك بناء على اعتقاده وقوع الطلاق المعلق عقيب النكاح لاعتقاده صحة اليمين. فإذا قضى ببطلان تلك اليمين ووقوع الطلاق المرسل ونفقة العدة عليها ينفذ قضاؤه؛ لأن قضاءه حصل في فصل مجتهد فيه وقد تقدمه دعوى صحيحة.
وفي (فتاوى النسفي) سئل عن حنفي قال: إن تزوجت امرأة فهي طالق ثلاثًا، فتزوج امرأة ثم ترافعا إلى قاض حنفي فبعثها إلى عالم شفعوي المذهب ليسمع خصومتهما ويقضي بينهما، فأمره بذلك فقضى ذلك العالم الشفعوي ببطلان اليمين وصحة النكاح هل يجوز؟ قال للسائل: هل أخذ القاضي الأول على هذه الحادثة شيئًا، قال: نعم، قال: إذا قضى الثاني باطل؛ لأن القاضي إذا أخذ على القضاء مالًا، فقد عمل لنفسه فلم يكن قضاء فلم ينفذ.
قيل: إن أخذ القاضي من صاحب الحادثة أجر مثل الكتابة هل يصح الحكم من المكتوب إليه، قال: نعم، وإن لم يأخذ القاضي هذا القدر من الأجر كان أفضل. قيل: وهل يحتاج لصحة ذلك إلى إجازة القاضي الأول، قال: العرف على هذا أنه يرفع إليه، ولكن في الحكم لا حاجة إلى ذلك لأنه فعل بأمره.
وفي (مجموع النوازل): سئل شيخ الإسلام أبو الحسن عطاء بن حمزة رحمه الله عن رجل غاب عن امرأته غيبة منقطعة وقد كان النكاح بينهما بشهادة الفسقة هل يجوز إلى القاضي أن يبعث للقاضي الشفعوي ليبطل هذا النكاح بهذا السبب. قال نعم، وللقاضي الحنفي أن يفعل ذلك نفسه أخذًا بهذا المذهب، وإن لم يكن هذا مذهبه، فقد ذكر في (الكتاب) القاضي إذا قضى بشيء ثم ظهر أنه قضاء بخلاف مذهبه إنه ينفذ قضاؤه، وقد ذكرنا هذه المسألة من قبل. قال فروي عن أبي يوسف رحمه الله أنه صلى بالناس للجمعة ثم أخبر بوجود الفأرة في بئر الحمام وقد كان اغتسل فيه وكان ذلك بعد تفرق الناس فقال نأخذ بقول إخواننا من أهل المدينة أن الماء إذا بلغ قلتين لا يحمل خبثًا ولم يكن مذهبه.
وفيه أيضًا: وسئل شيخ الإسلام رحمه الله عمن تزوج امرأة بغير ولي وطلقها ثلاثًا بعدما وطئها ثم تزوجها ثانيًا بتزويج الولي وارتفعا إلى القاضي وقضى القاضي بأن النكاح الأول لم يقع صحيحًا لعدم الولي وأن الطلقات الثلاث لم تقع، وأن النكاح الثاني بتزويج الولي الأول قد صح هل يصح قضاء القاضي على هذا الوجه، قال: لا أرى ذلك؛ لأن محمدًا رحمه الله هو الذي يشترط الولي ثم هو يقول في الكتاب: لو طلقها ثلاثًا ثم أراد أن يتزوجها، فإني أكره له ذلك، وفيه نظر، لأن الشافعي فيه مخالف فإنه بانعقاد النكاح بدون الولي، فيكون قضاء القاضي، في مُجتَهَدٍ فيه، ولكن على خلاف رأي القاضي، وإنه صحيح على قول أبي حنيفة رحمه الله على ما مر، قيل له: فإن كتب الحنفي بذلك إلى عالم شفعوي لا يرى انعقاد النكاح بدون الولي حتى يعقد فيما بينهما ثم يقضي القاضي بذلك قال: إن أخذ القاضي المكاتب.... المكتوب إليه مالًا من المقضي له لا يصح ذلك، وقد مثّل هذا، قيل له: إن لم يأخذ بذلك شيئًا وقضى المكتوب إليه بذلك هل يصح قضاؤه؟ قال نعم.
قيل له: وهل يظهر له بذلك القضاء أن الوطء في النكاح الأول كان ضدانًا أو فيه شبهة، وإن كان بينهما ولد هل يكون فيه خبث قال لا لأنهما حنفيّان يعتقدان صحة ذلك النكاح، وقضاء هذا القاضي كان لما في حق إبطال الطلقات الثلاث، فلا يتعدى عنهما إلى حكم آخر.

.قضاء القاضي في مسألة العجز عن النفقة وأمثالها:

وفيه أيضًا: وسئل شيخ الإسلام رحمه الله عمن غاب عن زوجته غيبة منقطعة ولم يخلف نفقتها فرفع الأمر إلى القاضي فكتب القاضي إلى عالم يرى التفريق بالعجز عن النفقة ففرّق بينهما هل يصح؟ قال: نعم إذا تحقق العجز، قيل فإن كان للزوج هاهنا عتاد ومتاع وأملاك هل يتحقق العجز؟ قال: نعم إذا لم يكن جنس النفقة؛ لأن بيع هذه الأشياء للنفقة لا يجوز؛ لأنه قضاء على الغائب هكذا نقل عنه وفيه نظر، والصحيح: أنه لا يصح قضاؤه إذ العجز لا يعرف حالة الغيبة لجواز أن يكون في يديه مال وهو يقدر على أن يبعث إليها بنفقتها، فلا يبعث فيكون هذا ترك الإنفاق لا العجز عن الانفاق وترك الإنفاق، من الحاضر لا يوجب التفريق بالاتفاق فمن الغائب أولى فلم يكن قضاؤه في المجتهد فلا ينفذ.
فإن رفع قضاءه إلى قاض حنفي فأجاز قضاءه هل ينفذ ذلك القضاء؟ والصحيح: أنه لا ينفذ؛ لأن هذا الفصل ليس بمجتهد لما ذكرنا أن العجز لم يثبت.

.الفصل السادس والعشرون: في المتفرقات:

في (المنتقى) عن محمد رحمه الله ليس للرجل أن يزوج أمة ابنه الصغير من عبد ابنه الصغير. وفي (نوادر بشر) عن أبي يوسف رحمه الله: الوصي يزوج أمة اليتيم من عبد اليتيم وكذلك الأب؛ ابن سماعة عن محمد: تزوج امرأة على الألف التي له على فلان فالنكاح جائز فإن مات أخذ الزوج بالألف، وإن شاءت أخذت فلان، ويأخذ الزوج حتى يوكلها بقبضها منه.
وعنه أيضًا: إذا قال لامرأته: تزوجتك على الألف التي لي على فلان أتى ببينة ورضيت بذلك، فإذا أخذت زوجها بالألف أخذته إلى بينة.
إبراهيم عن محمد رحمه الله: إذا قال الرجل لغيره: زوجتك أمتي هذه وبعتك عبدي هذا بألف درهم، فقال هذا الغير: قبلت البيع ولا أقبل النكاح فهو باطل.
رجل جاء إلى معتدة الغير وقال: أنفق عليك ما دمت في العدة على أن تزوجي نفسك مني إذا انقضت عدتك، فرضيت به المرأة فأنفق عليها، حتى انقضت عدتها كان له أن يرجع عليها بما أنفق زوجت نفسها أو لم تزوج. وفي (فتاوى الفضلي) لأنها رشوة معنًى، والسبيل في الرشوة (الرد، تزوج) أو لم يزوج في (فتاوى الردة)، وحكي عن بعض المشايخ أن الزوج إنما يرجع إذا شرط الرجوع عند الإنفاق بأن قال: أنفق عليك بشرط أن تزوجيني نفسك مني، فإن لم تفعلي أرجع عليك بما أنفقْ أما بدون شرط الرجوع لا يكون له حق الرجوع والأول أصح هذا إذا أنفق عليها بشرط التزوج، فأما إذا أنفق عليها من غير هذا الشرط ولكن عُلِمَ عُرفًا أنه ينفق بشرط أن تزوج نفسها منه اختلف المشايخ فيه، منهم من قال: يرجع على قياس ما ذكره الفضلي؛ لأن المعروف كالمشروط وهو عندنا. قال الصدر الشهيد رحمه الله: الصحيح أنه لا يرجع؛ لأنه أنفق على طمع التزوج لا على شرط التزوج فلا يكون في معنى الرشوة.
ومن هذا الجنس: إذا قال الرجل: اعمل معي في كرمي هذه السنة حتى أزوجك ابنتي، فعمل معه السنة كلها، ثم بدا للرجل أن يزوج ابنته منه هل يجب للعامل عليه مثل أجر عمله؟ وقد اختلف المشايخ فيه بعضهم قالوا: لا يجب، وبعضهم قالوا: يجب، وهو الأشبه، وكذلك اختلفوا فيما عمل العامل ابتداءً من غير.... البنت إيّاه بالعمل بشرط التزوج، ولكن علم أنه إنما يعمل معه طمعًا في التزويج. وعلى هذا إذا قال الرجل: اعمل معي في كرمي حتى أقفل في جعل كذا وكذا ثم أبى أن يفعل.
إذا تزوج امرأتين على ألف درهم وإحداهما لا تحل له بأن كانت ذات زوج، أو معتدة من زوج، أو محرّمة عليه برضاع أو مصاهرة، فعند أبي حنيفة رحمه الله: الألف كلها مهر التي تحل له، وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله: تُقسم الألف على مهرهما، فمهر التي تحل لها حصتها من ذلك، فهما احتجا على أبي حنيفة رحمه الله بفصلين أحدهما: أنا أجمعنا على أنه لو دخل بالتي لا تحل له يلزمها مهر مثلها لا يجاوز به حصتها من الألف. والمسألة مذكورة في (الزيادات)، وهذا بذلك على اختيار انقسام المهر. الثاني: أنه لا يلزمه الحد بوطء التي لا تحل له مع العلم، وهذا يدل على دخولها تحت العقد، ومن ضرورة دخولها تحت العقد انقسام البدل المسمى.
فأبو حنيفة رحمه الله يقول انقسام المهر من حكم المعاوضة والمساواة في الدخول في العقد؛ والمحرمة لم تدخل تحت العقد؛ لأنها ليست بمحل لعقد النكاح، بيانه أن النكاح يختص لمحل الحل لأن موجبه ملك الحل، وبين الحل والحرمة تناف وأما إذا دخل بالتي لا تحل له ذكر في نكاح (الأصل) لها مهر مثلها مطلقًا، وهو الأصح على قول أبي حنيفة رحمه الله، وما ذكر في (الزيادات) قولهما، وبعد التسليم بقول المنع من المجاورة لمجرد التسمية ورضاها بالعدد المسمى لا بانعقاد العقد، وذلك موجود في حق التي لا تحل له فأما الانقسام باعتبار المعاوضة في الدخول تحت العقد، والتي تحل له من المحصنة بالدخول تحت العقد، وأما فصل سقوط الحد قلنا سقوط الحد عند أبي حنيفة رحمه الله لا تحل صورة العقد لا لأجل انعقاده، وقد وجد صورة العقد في حق التي لا تحل له، فأما انقسام البدل من حكم انعقاد العقد. في (المنتقى) إبراهيم عن محمد رحمه الله: رجل زوج امرأة على خمسة دراهم وصالحته من الخمسة على بحر يساوي خمسين درهمًا ثم طلقها قبل الدخول فهي بالخيار إن شاءت أمسكت الكر ولا شيء لها غير ذلك، وإن شاءت ردت نصفه ورجعت عليه درهمين ونصف.
في (فتاوى أبي الليث) رحمه الله: رجل زوج ابنته الصغيرة من ابن كبير لرجل بغير إذنه خاطب عنه أبوه ثم مات أب الصغير قبل أن يخير الابن النكاح؛ بطل النكاح لأن لأب الصغير أن يفسخ هذا النكاح، لأنه في هذا النكاح قائم مقام الصغيرة، والصغيرة لو كانت كبيرة فزوجت نفسها من ابن كبير لرجل بغير إذنه خاطب عنه أبوه كان لها أن تفسخ النكاح قبل إجازة الابن فكذا الأب الذي هو قائم مقامها، وإذا كان للأب ولاية الفسخ جعل موته بمنزلة رجوع.، ولو كان مكان الصغيرة كبيرة زوجها بغير إذنها وباقي المسألة بحالها لا يبطل النكاح بموت الأب، لأن الأب لو أراد أن ينقض نكاحها لا يملك لأنه بمنزلة الفضولي، وذكر ابن سماعة في (نوادره) عن أبي يوسف رحمه الله في رجل زوج ابنة له صغيرة من رجل غائب ثم مات الأب وبلغ الزوج النكاح، فأجاز ذلك فهو جائز في قولي، وهذا نص أن بموت الأب لا يبطل نكاح الصغيرة، فهذه الرواية مخالفة لما ذكر أبو الليث رحمه الله في (فتاويه)، ثم فصل الكبيرة دليل على أن بقاء الفضولي في باب النكاح ليس بشرط لصحة الإجازة، والبيع في هذا بخلاف النكاح ألا ترى أن العاقد الفضولي لو قال: رجعت قبل قبول الآخر عمل رجوعه في البيع، ولا يعمل رجوعه في النكاح وهذا لأن حقوق العقد في البيع ترجع إلى العاقد، وفي النكاح لا يرجع إليه.
سئل نصير عن امرأة قالت لرجل: زوجتك نفسي على ألف درهم، فقال الزوج: قبلت النكاح على ألفين، قال: يجوز النكاح في قول محمد رحمه الله، فإن قالت المرأة قبل أن يتفرقا قبلت له ألفين فعلى الزوج ألفان، وإن تفرقا من غير قبول جاز على ألف ولا يلزمه الزيادة، وقال شداد: لا يثبت النكاح وبه قال زفر رحمه الله، ولو قال رجل لامرأة تزوجتك على ألف فقالت المرأة: قبلت النكاح على خمسمائة قال محمد رحمه الله: جاز النكاح ولها خمسمائة، لأنها حطت الفضل عن الزوج، وقال شداد: لا يثبت، وبه قال زفر رحمه الله، قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: وهذا مثل ما قالوا: في رجل وكل رجلًا بأن يبيع عبده بألف درهم، فباعه بألفين يجوز في قول علمائنا الثلاثة رحمهم الله، وفي قول زفر رحمه الله لا يجوز.
ذكر في الشراء وسئل نصير عن رجل قال لآخر زوجتك ابنتي على مهر ألف درهم فقال الرجل: قبلت النكاح ولا أقبل المهر فالنكاح باطل وإن قبل النكاح وسكت عن المهر فالنكاح جائز على ما سمى من المهر، وفي شهادات (فتاوى الفضلي) في الوكيل بالنكاح من جهة امرأة إذا زوجها من رجل، أو الأب إذا زوج ابنته البكر الكبيرة أو الصغيرة من رجل بمهر مسمى ثم أبرأ الوكيل أو الأب الزوج على كل المسمى أو البعض عن مهرها على شرط الضمان قال: إذا لم تجز المنكوحة الهبة أو البراءة لم يلزمها الضمان؛ لأن الضمان للزوج انما يكون فيما له على غيره، وهذا إنما ضمن له أن يدفع إليه مثل ما وهب له من ماله، وهذا لا يجوز كمن قال لغيره: ضمنت لك أن أدفع إليك من مالي لم يلزمه بهذا الضمان شيء كذا هاهنا.
قال محمد رحمه الله في (الزيادات): رجل تزوج بأمة الغير ثم تزوج امرأة حرة على هذه الأمة بإذن مولاها أو بغير إذن مولاها لكن بلغه الخبر، وأجاز ذلك أو أمر الزوج المولى أن يزوجه حرة على رقبة أمته هذه، ففعل فإن نكاح الحرة صحيح في هذه الوجوه كلها، ولا يفسد نكاح الأمة؛ لأنه لو فسد إنما يفسد لعلة أن (في) النكاح الزوج ملك رقبتها ولم يملك. بيانه: ان تسمية مال الغير مهر صحيح، ووجب على الزوج العين أو القيمة وصار المولى بالإجازة قاضيًا دينًا على الزوج بأمره، ومن قضى دين غيره بأمره يخرج المقضي به عن ملك القاضي إلى ملك المقضي له من غير أن يدخل في ملك المقضي عنه، ولأن الزوج لو ملكها ملكها بالاستقراض، لأنه لما جعل رقبتها مهرها فقد طلب من المولى أن يقرضها، والمولى بالإجازة أقرضها فلا وجه إليه، لأن القرض لا يفيد الملك قبل القبض ولم يوجد القبض من الزوج وقبض المرأة لا يقع للزوج؛ لأنها قابضة غير حقها، وملكها لا يتوقف على القبض بل يثبت بمجرد العقد، والإنسان في قبض حقه لا يصلح نائبًا على الغير فانقلبت الجارية من ملك المولى إلى ملك المرأة من غير أن تدخل في ملك الزوج، وعلى الزوج قيمتها للمولى، إما لأن المولى قضى دين الزوج بأمره من مال نفسه فيستوجب بدله، والحيوان ليست من ذوات الأمثال، فيستوجب القيمة، وإما لأن الزوج صار مستقرضًا الجارية من المولى حيث جعلها مهرها، والمستقرض مضمون.
وإن قبضتها الحرة من الزوج ثم طلقها الزوج قبل الدخول بها حتى وجب عليها رد نصف الأمة على الزوج لا يفسد نكاح الأمة ما دامت في يد الحرة بناء على ما قلنا: إن الصداق إذا كان مقبوضًا لا ينفسخ الملك في نصفه بنفس الطلاق قبل الدخول بل يحتاج فيه إلى القضاء وإلى رد المرأة فإن ردت النصف على الزوج بقضاء أو بغير قضاء فسد نكاح الأمة، وكان ينبغي أن لا يفسد؛ لأن الجارية خرجت عن ملك المولى إلى ملك الحرة من غير أن تدخل في ملك الزوج، فعند ارتفاع السبب يجب أن تعود إلى ملك المولى من غير أن يدخل في ملك الزوج، والجواب قضية الأصل ما قلتم، ولكن تركنا هذا الأصل لضرورة؛ لأن المولى استحق البدل على الزوج لو عاد نصف الجارية إلى ملك المولى يجتمع البدل والمبدل في ملك رجل واحد، وإنه لا يجوز على أنا نقول: سبب الملك للزوج في الجارية موجود هاهنا، وهو الاستقراض لكن لم يثبت الملك للزوج فيها لمانع وهو ملك الحرة فيها مهر، فإذا زال ملك الحرة يملكها الزوج بهذا السبب والعود إلى ملك من خرج إنما يكون في موضع لم يوجد في حق غيره سبب ملك قائم.
بعد هذا ينظر إن كان القاضي قضى للمولى بقيمة الجارية، فلا سبيل له على الجارية. وإن لم يقض كان للمولى الخيار إن شاء استرد النصف من الزوج وضمنه النصف، وإن شاء ترك النصف على الزوج وضمنه جميع القيمة، وإنما كان للزوج حق استرداد الجارية مع أن الزوج يملكه بالاستقراض؛ لأنه ملك فاسد بسبب قبض فاسد، فإن استقراض الحيوان فاسد في نفسه، إلا أنه ما دام تبعًا للعقد لم يثبت فيه حكم الفساد؛ فإذا انفصل بالطلاق ظهر حكم الفساد، والفاسد يستحق الرد شرعًا.
ولو أن زوج الأمة قال لمولاها: زوجتي حرة ولم يقل بهذه الأمة صح النكاح، فصارت أمته مهرًا للحرة ولا قيمة لمولاها على الزوج؛ لأنه متبرع في جعلها مهرًا؛ لأن العدة في باب النكاح ترجع إلى الزوج لا إلى المأمور، والزوج لم يأمره بإمهارها ومن قضى دين غيره بغير أمره لا يستحق عليه البدل. ألا ترى لو زوجها إياه على ألف درهم وقضاها الألف من ماله كان متبرعًا فكذا هاهنا، بخلاف المسألة الأولى؛ لأن هناك الزوج بالإمهار صار مستقرضًا الجارية منه فيلزمه قيمتها عند الصرف إلى قضاء دين نفسه، وبخلاف الوكيل بالشراء إذا نقد الثمن من مال نفسه، فإنه يرجع على الموكل وإن لم يأمره الموكل بالنقد من مال نفسه؛ لأن العهدة في باب الشراء ترجع إلى المأمور، فلم يصر بالقضاء متبرعًا فإن قبضت الحرة الأمة ثم طلقها قبل الدخول بها لا يفسد نكاح الأمة؛ لأنها تعود إلى ملك المولى هاهنا لا إلى ملك الزوج؛ لأن المولى قضى دين الزوج متبرعًا، ومن قضى دين غيره متبرعًا في عقود المعاوضات ثم انفسخ ذلك العقد بوجه من الوجوه عاد المقضي به إلى ملك القاضي بخلاف ما تقدم لأن هناك قضاء الدين حصل بأمر الزوج، ألا ترى أن من قضى الثمن عن الغير متطوعًا ثم انفسخ البيع يعود الثمن إلى ملك القاضي. ولو قضى بأمر المشتري يعود إلى ملك المشتري كذا هاهنا.
في (مجموع النوازل): امرأة أرضعت رضيعين أحدهما كافر والآخر مسلم فاشتبها عليها وعلى الوالدين، ولا يعرف الكافر من المسلم، فهما مسلمان ولا يرثان من أبويهما، أما هما مسلمان لأن الغلبة للإسلام، وأما لا يرثان من أبويهما فلمكان الشك.
فيه أيضًا: سئل عن السكران إذا زوج ابنته بأقل من مهر مثلها قال: لا يجوز بلا خلاف، بخلاف الصاحي على قول أبي حنيفة رحمه الله، والعرف أن أبا حنيفة رحمه الله إنما جوز ذلك من الصاحي؛ لأنه ذو شفقة كاملة ورأي كامل، فالظاهر أنه تأمل غاية التأمل، فرأى في نقصان مهرها منفعة تربو عليه، هذا لا يتأتى في السكران إذ ليس له رأي كامل يقف به على المنافع والمضار.
سئل الشيخ الإمام الزاهد أبو الحسن الرشيفعي رحمه الله عن المناكحة بين أهل السنة وبين أهل الاعتزال قال: لا يجوز؛ لأنهم عندنا كفار؛ لأن من مذهبهم أن من يعتقد غير مذهب الإعتزال فهو ليس بمسلم.
امرأة زوجت نفسها بمهر مثل أمها، والزوج لا يعلم قدر مهر أمها فالنكاح جائز بمقدار مهر أمها. ولو طلقها الزوج قبل الدخول بها، فلها نصف ذلك، وللزوج الخيار إذا علم مقدار مهرها، كما لو اشترى شيئًا بوزن هذا الحجر ثم علم بوزنه، ولا خيار للمرأة، والبيع نظير النكاح لو باع بما باع فلان جاز؛ لأن الوقوف على ما باع فلان ممكن بخلاف ما لو باع كما يبيع الناس؛ لأن الوقوف عليه غير ممكن.
في (مجموع النوازل) عن شيخ الإسلام رحمه الله: في رجل يدعي على امرأة أنها منكوحته وحلاله وهي تقول: كنت امرأته وقد طلقني وانقضت عدتي وتزوجت بهذا الرجل الثاني والثاني يدعي ولم يقم المدعي بينة على دعواه فتوسط المتوسطون بين المدعي وبين هذه المرأة حتى اختلعت من المدعي بمال واعتدت هل يحل لهذا الرجل الثاني من غير تجديد العقد قال لا حاجة إلى الاعتداد وإلى تجديد العقد ولا صحة لهذا الخلع، لأن نكاح المدعي لم يثبت فكيف يصح الخلع منه، وإقدام المرأة على الإختلاع وأن جعل إقرارًا منها لنكاح المدعي دلالةً إلا أن إقرارها بالنكاح في حق الزوج الثاني غير عامل لو أقرت صريحًا، فكيف إذا أقرت دلالة؟ فلم يثبت نكاح المدعي، ولم يصح الخلع منه ولم يجب اعتداد، وبقي نكاح الثاني صحيحًا كما كان. ادعى زيد وعمرو نكاح امرأة فأقرت المرأة لزيد فقضى القاضي بالمرأة لزيد بحكم إقرارها فقال القاضي بعد ذلك للمرأة: كان زوجك القديم عمرو ولك منه أولاد ثم أقررت بالنكاح لزيد وكيف الحال فقالت: بلى كان زوجي القديم عمرو، إلا أنه طلقني وانقضت عدتي وتزوجت بزيد بعد انقضاء عدتي، وأنكر عمرو أنه طلقها، فإن كان للقاضي علمًا أن هذه المرأة كانت امرأة عمرو لها منه أولاد سلمها إلى زيد، وكذلك لو أن القاضي سألهما حين ادعيا نكاحها بهذا السؤال قبل إقرارها بالنكاح لزيد، فأجابت على نحو ما بينا وأقرت بالنكاح لزيد فالقاضي لا يقضي بالنكاح لزيد ما لم يثبت زيد طلاق عمرو.
إذا زوج الرجل أخته ثم قال لها وقت الزفاف هل أجزت ما فعلت فقالت: أجزت، وقد كان الأخ باع أملاكها فقالت: ما علمت ببيع الأملاك، وما أراد به بقوله لي أجزت فالقول قولها وصرف قولها أجزت إلى ترتيب الزفاف.
زوج ابنة البالغ امرأة فذهب الابن إلى بيت الصهر وسكن معهم، وإذا سئل أين تسكن يقول في بيت صهري فهذا من أجازه للنكاح كذا حكى شيخ الإسلام الأوزجندي رحمه الله. صبي عامل تزوج امرأة وغاب، وتزوجت المرأة تاجرًا فحضر الصبي، وقد بلغ وأجاز النكاح الذي باشره في حال صغره، ينظر إنّ كانت المرأة قد تزوجت التاجر قبل بلوغ الصبي وإجازته، صح النكاح ويتضمن إقدامها على النكاح الثاني فسخًا للأول، وإن كانت قد تزوجت التاجر بعد إجازة الصبي وبلوغه؛ إن كان النكاح من الصبي بمهر النكاح أو بأكثر مقدار يتغابن الناس فيه لا يصح النكاح الثاني لأن نكاح الصبي في هذه الصورة قد انعقد وعمل إجازته بعد البلوغ، وصارت المرأة امرأة الصبي ولا يصح نكاحها مع الثاني، وإن كان نكاحها بأكثر من مهر المثل مقدار ما لا يتغابن الناس فيه، فإن كان للصغير أب أوجد، فكذلك لأن نكاحه قد انعقد لأن له مجيز وهو الأب أو الجد، لأنهما يملكان مباشرة هذا العقد على الصغير فيملكان إجازته وهذا الجواب إنما يستقيم على قول أبي حنيفة رحمه الله ما عرف، وإن لم يكن للصغير أب أو جد فنكاحها مع الثاني صحيح لأن نكاح الصبي في هذه الصورة لا ينعقد لأنه لا مجيز له فيجوز نكاحها مع الثاني.
في (فتاوى أبي الليث) رحمه الله وفي (النوازل) امرأة وهبت مهرها لزوجها ثم ماتت بعد مدة وطلبت ورثتها مهرها من زوجها، وقالوا: كانت هبتها المهر في مرض موتها فلم تصح فقال الزوج: لابل كانت الهبة في الصحة، فالقول قول الزوج لأنهم يدعون عليه الدين وهو ينكر، وفي المسألة نوع إشكال لأن المهر كان ثابتًا فالزوج يدعي السقوط وهم ينكرون ذلك والجواب على المهر كان ثابتًا ولكن حقًا للمرأة لاحقًا للورثة فهم يدعون الاستحقاق لأنفسهم ولم يعرف هذا الاستحقاق لهم، والزوج ينكر فكان القول قوله، وفيه أيضًا تزوج امرأة على ألف درهم ومهر مثلها ألوف ولم يعلم الأولياء بذلك حتى ماتت المرأة ثم علموا بعد ذلك فليس لهم حق مطالبة الزوج بكمال المهر لأن للأولياء حال حياتها أن يقولوا للزوج إما أن يبلغ مهر مثلها أو يفسخ القاضي النكاح بينكما، أما ليس لهم حق المطالبة بتكميل المهر عينًا فلا يمكن إثبات حق المطالبة بتكميل المهر عينًا، بعد موتها.
رجل خطب امرأة إلى أبيها وقال الأب: إن تقرب المهر وذلك كذا وكذا إلى خمسة أشهر أزوجكها فذهب الخاطب واشتغل بالنقد فكان الخاطب يبعث إلى الأب بهدايا فمضى خمسة أشهر ولم يقدر على نقد المهر ولم يزوجه الأب ابنته هل له أن يسترد ما بعث، قال في (مجموع النوازل): ما بعث على وجه المهر فله أن يسترده إن كان قائمًا وقيمته أو مثله إن كان هالكًا، وما بعث على وجه الهدية فله أن يسترده إن كان قائمًا وإن كان هالكًا فلا شيء له، ويجب أن تكون هذه المسألة على قياس مسألة الانفاق على معتدة الغير قيل لرجل مرا فلانة فقال ومرا نكاح في سان فهذا لغو من الكلام وله أن يتزوجها متى شاء.
ذكر في (مجموع النوازل): رجلٌ قال لامرأته بمحضر من الشهود جزاك الله خيرًا قد وهبت مهركِ أبرأت ذمتي فقالت: أرى فقال الشهود هل تشهدي على هبتك المهر قالت: أرى كراناست هل هي هبة قال في (مجموع النوازل): هذا الكلام يحتمل الهبة والرد والشهود يقفون على هيأة كلامها بمحضر الكلام إن كان هيأة كلامها هيأة التعزير حمله عليه وإن كان هيأة كلامها هيأة لكلامه والامتناع عن الإجابة يحمل عليه أيضا. إذا قالت المرأة لأبيها فوضت إليك الأمر في المعجل فذهب الأب وأجل المعجل سنه لا يصح غير الأب والجد، ولا يملك قبض صداق الصغيرة وإنما يقبضه القاضي، سأل نجم الدين رحمه الله عن رجلٍ تزوج صغيرةً زوجها أبوها منه ثم غاب الزوج ومات الأب وكبرت الصغيرة وتزوجت بزوج آخر ثم حضر الزوج الأول وادعاها ولم يكن له بينة فلم يقض للأول وقضى بها للثاني فولدت من الثاني بنتًا ولزوج الأول ابن صغير من امرأة أخرى، فأراد الزوج الأول أن يزوج هذه البنت من ابنه الصغير لا يجوز لأن من زعم الزوج الأول أن أم البنت زوجته والابنة ولدت على فراشه فهي ابنته بزعمه فلا يجوز له أن يزوجها من ابنه وأما إذا كبر الابن وأراد ان يتزوج البنت بنفسه من غير تزويج الأب يجوز لأن زعم الأب لا يعتبر في حقه. والصحيح من الجواب أن الابن بعدما كبر أن يصدق الأب في دعواه له أن يتزوج البنت وإن لم يكن يصدقه فله أن يتزوج لأنه لما صدقه فقد زعم أن الابنة وزعم الأب إن كان لا يعتبر في حق الابن فزعم الابن يعتبر في حقه إذا لقنت المرأة بالعربية حتى قالت: زوجت نفسي من فلان وفلان حاضر فقبل وكان ذلك بمحضر من الشهود إلا أن المرأة لم تعرف أن هذا تزويج والشهود يعرفون أنه تزويج فقد قيل بأن النكاح ينعقد، وهذا القائل يقيس النكاح على الطلاق فإن الرجل إذا قال لامرأته: أنت طالق وهو لا يعرف أن هذا تطليق، أو قال لعبده: أنت حر وهو لا يعلم أن هذا تحرير يقع الطلاق والعتاق، وقيل: إنه لا ينعقد لأن النكاح معاوضة وتمليك، وفي المعاوضة والتمليك يشترط على المتعاقدين بمعناه كما في البيع والإيجارة وغير ذلك.
زوج ابنه البالغ امرأة بغير إقراره، ومات الابن واختلف الأب والزوجة بعد ذلك، فقال الأب: مات الابن قبل أن يخير، وقالت المرأة: لا بل مات بعد الإجازة، فالقول قول الأب والبينة بينة المرأة. الولي ادام وجه وليه فردت النكاح فقال الزوج والولي إنها صغيرة فردها باطل، وقالت هي: أنا كبيرة فروي صحيح، فإن كانت مراهقة فالقول قولها، لأنها أخبرت عما يحتمل ثبوته.
إذا ادعى رجل على امرأة أن وليها زوجها منه في حال صغرها وأقام على ذلك بينة وأقامت المرأة بينة أن الولي زوجها منه بعد البلوغ بغير رضاها فالبينة بينة المرأة، لأنها تُثبت أمرًا حادثًا وهو البلوغ، وان لم يكن لها بينة فالقول قول المرأة لأنها تنكر الملك، وقيل يجب أن يكون القول قول الزوج، لأن البلوغ حادث فيحال بحدوثه إذا أقرت له، أو مات وهو ما بعد النكاح ولكن الأول أصح لأن البلوغ كما هو حادث فالنكاح أيضًا حادث فيحال بحدوثه إلى أقرب الأوقات وهو ما بعد البلوغ فتعارض الحادثان بقيت المرأة منكرة الملك فكان القول قولها، وكذلك البيع على هذا القياس إذا باع مال ولده ووقع الاختلاف بين الابن وبين المشتري وقال الابن: البيع كان بعد البلوغ وقال المشتري: لا بل كان قبل البلوغ، فالبينة بينة الابن والقول قول الابن أيضًا، لأنه ينكر التمليك عليه.
ادعى على امرأة نكاحًا وقال هذه امرأتي وفي يدي وأقام البينة على ذلك، فرجل آخر أقام البينة أنها امرأته وهي في يدي الثاني معاينة، قضى للثاني في المرأة لأن له يد معاين، والآخر مشهود بها والمعاينة أقوى من الخبر، ولو أقام الأول بينة على أنها امرأته وفي يديه وأنه تزوجها وأقام الثاني بينة أنها امرأته وفي يديه، ولا يدري أن المرأة في يد من (قبله) فالمرأة للأول لأن كل واحد منهما أثبت أنها امرأته، وأنها في يده وتفرد الأول بإثبات العقد وعلى قياس ما ذكرنا قبل هذا أن دعوى الرجل أن هذه امرأته دعوى النكاح، يجب أن البنتان لأنهما استويا في الاثبات وهو الانسب.
في (فتاوى النسفي): سئل شيخ الإسلام رحمه الله عن امرأة نعي إليها زوجها ففعلت هي وأهل الميت ما يفعل أهل المصيبة من إقامة رسم التعرفة واعتدت، فتزوجت بزوج آخر، ثم جاء آخر وأخبرها أن زوجها حيّ، وأني رأيته في بلد كذا، كيف حال نكاحها مع الثاني؟ وهل يسعها أن تقيم معه؟
قال: إن صدقت المخبر الأول لا يمكنها تصديق المخبر الثاني، ولا يبطل نكاح الثاني ويسعها المقام معه، وقيل: إن كان المخبر الأول عدلًا أو كان أكثر رأيها أنه صادق بما أخبر لا يفرق بينها وبين الثاني، وفي (مجموع النوازل): رجلٌ طلق امرأته ثلاثًا وانقضت عدتها وتزوجت بعبدٍ بغير إذن سيده ودخل بها، ثم أجاز السيد النكاح، فلم يطأها بعد ذلك حتى طلقها فإنه لا يحل النكاح للزوج الأول حتى يطئها بعد الإجازة، وفيه أيضًا: أمة زوجت نفسها من رجل بغير إذن مولاها على عشرة دراهم ومهر مثلها منه درهم، فوطئها الزوج، فإن أجاز المولى النكاح لم يكن له إلا عشرة دراهم وإن لم يُجِز أخذ مهرًا لها وإن أجاز المولى النكاح ثم طلقها قبل أن يدخل بها بعد الإجازة فإن ذلك الوطء كان بعد الإجازة وإن لم يجز النكاح ولكنه اعتق الأمة وهو يعلم بالنكاح أو لم يعلم جاز النكاح والمهر للمولى. وفيه أيضًا عبد تزوج امرأة على رقبته بغير إذن سيده فقال السيد: أجيز النكاح وأجيز على رقبته النكاح فلها الأول من مهر مثلها ومن قيمة العبد باع منه، وفيه أيضًا: رجل قال لآخر: زوجني امرأة على مائة درهم فزوجه امرأة على ألف درهم ودخل بها ومهر مثلها ألفي درهم فلها الألف لأنها رضيت بالألف، ولو أن امرأة قالت لرجل زوجني على ألف درهم فزوجها على مائة درهم ودخل بها ومهر مثلها ألفي درهم فلها ألفي درهم لأن الوكيل لم يزوجها على ما رضيت به.
ادعى على امرأة أن هذه امرأته تزوجها في غرة شهر كذا وأقام على ذلك بينة، وأقامت المرأة بينة أنه أقر بعد هذا التاريخ بثلاثة أشهر أنها حرام عليه وأنها ليست بامرأته إقرارًا صحيحًا فهذا دفع صحيح حتى يحلف بالله ما أردت به الطلاق فإن نكل تندفع الخصومة عن المرأة والله أعلم.