فصل: الفصل الأول تعريفات (المحكم والمتشابه والمبهم):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الواضح في علوم القرآن



.3- ضابط قبول القراءات:

ضابط قبول القراءة أمور ثلاثة:
1- موافقة أحد المصاحف العثمانية: المنسوبة إلى الخليفة عثمان رضي الله عنه لأمره بكتابتها، ولو تقديرا بغير صراحة.
فيدخل فيها مثل قراءة ابن عامر في قوله تعالى: {وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ} [البقرة: 116] فإنه قرأ بحذف الواو أولها: قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه.
ويدخل فيها قوله تعالى: {مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قراءة من قرأ: {ملك يوم الدين} بدون ألف، فالرسم يحتمل ذلك تقديرا، فإن الألف قد تحذف في الكتابة.
2- موافقة اللغة العربية ولو بوجه من وجوه اللغة سواء كان أفصح أم فصيحا، مجتمعا عليه أم مختلفا فيه اختلافا لا يضرّ مثله. فيدخل فيها قراءة أبي عمرو في قوله تعالى: {فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ} [البقرة: 54] فإنه قرأ بسكون الهمزة في: {بارِئِكُمْ}.
قال الحافظ أبو عمرو الداني: والإسكان أصح في النقل وأكثر في الأداء. ثم قال: وأئمة القراء لا تعتمد في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة والأقيس في العربية، بل على الأثبت في الأثر والأصح في النقل، والرواية إذا ثبتت عندهم لا يردها قياس عربية ولا فشوّ لغة، لأن القراءة سنة متبعة يلزم قبولها والمصير إليها.
3- صحة السند إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وذلك أن يروي تلك القراءة العدل الضابط عن مثله، وهكذا حتى ينتهي، وتكون مع ذلك مشهورة عند أئمة هذا الشأن، غير معدودة عندهم من الغلط، أو مما شذّ به بعضهم.
ويعتبر الإمام ابن الجزري: أن ما اشتهر واستفاض من القراءات موافقا لرسم القرآن الكريم واللغة العربية ولو بوجه من الوجوه، هو في قوة المتواتر في القطع بقرآنيته، وإن كان غير متواتر في نفسه.
ملاحظة:
إنما اكتفى القراء في ضابط القراءة المشهورة بصحة السند مع موافقة الرسم والعربية ولم يشترطوا التواتر مع أنه لابد منه في تحقيق القرآنية لأسباب ثلاثة:
(1) إن هذا ضابط لا تعريف، والتواتر قد لوحظ في تعريف القرآن. والضابط ليس لبيان الماهية.
(2) التيسير على الطالب في تمييز القراءات المقبولة من غيرها، فإنه يسهل عليه بمجرد رعايته لهذا الضابط أن يميز القراءات المقبولة من غير المقبولة.
(3) إن هذه الأركان الثلاثة تكاد تكون مساوية للتواتر في إفادة العلم القاطع بالقراءات المقبولة.
بيان هذه المساواة: أن ما بين دفتي المصحف متواتر ومجمع عليه من الأمة في أفضل عهودها وهو عهد الصحابة، فإذا صحّ سند القراءة ووافقت قواعد اللغة العربية ثم جاءت موافقة لخط هذا المصحف المتواتر، كانت هذه الموافقة قرينة على إفادة هذه الرواية للعلم القاطع وإن كانت آحادا.

.الباب الخامس المحكم والمتشابه والمبهم:

الفصل الأول: تعريفات.
الفصل الثاني: الآيات المتشابهة والحكمة منها.
الفصل الثالث: افتتاحيات السور.

.الفصل الأول تعريفات (المحكم والمتشابه والمبهم):

.تمهيد:

قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ} [آل عمران: 7].
هذه الآية الكريمة من كتاب الله تعالى هي البداية والنهاية لفرع من علوم القرآن نجده يبدأ منها وينتهي عندها. فقد احتوت كلماتها على المحكم، ويقابله المتشابه، والراسخون في العلم يقابلهم الذين في قلوبهم زيغ، ومن هنا كانت البداية في تعريف كل من المحكم والمتشابه، لننتهي إلى فهم الآية وتفسيرها.

.أولا: تعريف المحكم:

المحكم في اللغة: يستعمل بمعنى المتقن والممنوع. يقال: أحكم الأمر:
أتقنه. ويقال: أحكم الرأي: أتقنه ومنعه من الفساد. والحكمة: ما يحيط بحنكي الفرس من لجامه، لتمنعه من الحركة والاضطراب.
والقرآن الكريم: بهذا المعنى اللغوي محكم كلّه، أي: متقن ممتنع عن النقص والخلل، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه: {كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود: 1].
والمحكم في الاصطلاح: هو الذي يدلّ على معناه بوضوح لا خفاء فيه، أو هو ما لا يحتمل إلا وجها واحدا من التأويل، أو هو ما كانت دلالته راجحة، وهو الظاهر والنص.
والظاهر في اللغة: الواضح. وفي الاصطلاح: هو الذي ظهر المراد منه بنفسه؛ من غير توقّف على أمر خارجي؛ مثل قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} [البقرة: 275] فكلمة أحلّ وحرّم تدلّان على أن البيع حلال والربا حرام دون حاجة إلى قرينة خارجية. والظاهر لا يراد منه المقصود الأصلي من سياق الآية؛ وهو نفي المماثلة بين البيع والربا، ردا على المشركين الذين قالوا: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا} [البقرة: 275].
والنص: هو ما دل بنفس لفظه وصيغته على المعنى، من غير توقّف على أمر خارجي، مثل آية: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} [البقرة: 275]. إذ هي نص في التفرقة بين البيع والربا. وهذا المعنى هو المقصود الأصلي من سياق الآية. ونستنتج من هذا أنّ النصّ أظهر في دلالته من الظاهر على معناه، وعند التعارض بينهما نرجّح النصّ على الظاهر.

.ثانيا: تعريف المتشابه:

المتشابه في اللغة: المتماثل، يقال: أمور متشابهة، أي متماثلة يشبه بعضها بعضا، ويقال شابهه وأشبهه: أي ماثله إلى درجة الالتباس.
قال الله تعالى في وصف رزق أهل الجنة: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً} [البقرة: 25] أي: متماثلا في الشكل والحجم، ومختلفا في الطعم.
وقال الله تعالى: {إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا} [البقرة: 70] أي: تماثل والتبس، فلا ندري أي بقرة نذبح.
والقرآن الكريم بهذا المعنى اللغوي: محكم جلّه، وبعضه متشابه، قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ} [آل عمران: 7].
والمتشابه في الاصطلاح: ما كانت دلالته غير واضحة. وقال بعضهم: المتشابه ما لا يستقل بنفسه، بل يحتاج إلى بيان، فتارة يبين بكذا، وتارة بكذا، لحصول الاختلاف في تأويله.

.أنواع المتشابه:

المتشابه على ثلاثة أضرب (أنواع):
1- ضرب لا سبيل إلى الوقوف عليه، كوقت الساعة، وخروج الدابة وكيفيته، ونحو ذلك.
2- وضرب للإنسان سبيل إلى معرفته، كالألفاظ الغريبة والأحكام الغلقة.
3- وضرب متردّد بين الأمرين، يجوز أن يختصّ بمعرفة حقيقته بعض الراسخين في العلم، ويخفى على من دونهم، وهو الضرب المشار إليه بقوله صلّى الله عليه وسلّم لعليّ رضي الله عنه: «اللهم فقّهه في الدين وعلّمه التأويل». وقوله لابن عبّاس مثل ذلك.

.ثالثا: تعريف المبهم:

المبهم في اللغة: المشتبه. يقال: أبهم الأمر؛ اشتبه، كاستبهم.
والمبهم اصطلاحا: ما لا سبيل إلى معرفته إلا بتبيين المبهم عبارة أو إشارة.
وللإبهام أسباب:
1- أن يكون أبهم في موضع استغناء ببيانه في سياق الآية، كقوله تعالى: {يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ} [الانفطار: 15] بيّنه بقوله تعالى: {وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ} [الانفطار: 17].
2- أن يتعيّن لاشتهاره، كقوله تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: 35] ولم يقل حواء، لأنه ليس غيرها.
3- قصد الستر عليه، ليكون أبلغ في استعطافه، كقوله تعالى: {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ} [البقرة: 108] والمراد بالسائلين هو رافع بن حريملة، ووهب بن زيد.
4- ألّا يكون في تعيينه كبير فائدة، كقوله تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ} [البقرة: 259] المراد به عزير، الذي مرّ على بيت المقدس.
5- التنبيه على التعميم، وهو غير خاص، بخلاف ما لو عيّن، كقوله تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النساء: 100] قال عكرمة: أقمت أربع عشرة سنة أسأل عنه حتى عرفته، هو ضمرة بن العيص، وكان من المستضعفين بمكة وكان مريضا، فلما نزلت آية الهجرة خرج منها فمات بالتنعيم.
6- تعظيمه بالوصف الكامل دون الاسم، كقوله تعالى: {وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} [النور: 22]، والمراد أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه.
7- تحقيره بالوصف الناقص، كقوله تعالى: {إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3] المراد به العاصي بن وائل السهمي.

.الفرق بين المتشابه والمبهم:

1- المتشابه ما يحتمل أوجها عديدة من التفسير ولا سبيل إلى معرفة حقيقته معرفة يقين.
2- أما المبهم فيمكن معرفة حقيقته، ولكن لا سبيل إلى معرفته إلا بتبيين من المبهم عبارة أو إشارة.

.الفصل الثاني الآيات المتشابهة، والحكمة منها:

مدخل: سبق تعريف المتشابه اصطلاحا بأنه: ما احتمل أوجها من التأويل فيحتاج إلى بيان. ومنشأ التشابه يعود إلى خفاء مراد الشارع من كلامه، والخفاء يعود إلى أسباب ثلاثة:
1- خفاء في اللفظ، مثل: فواتح السور، أو في المفرد بسبب اشتراكه بين عدّة معان، مثل العين: تأتي للجارحة، ونبع الماء، والذهب، والفضة، وغير ذلك.
2- خفاء في المعنى، مثل: ما جاء في القرآن الكريم والسّنّة الشريفة وصفا لله تعالى أو لأهوال القيامة، أو لنعيم الجنة، وعذاب النار، فإنّ العقل البشري لا يمكن أن يحيط بحقائق صفات الخالق، ولا بأهوال القيامة، ولا بنعيم أهل الجنة وعذاب النار، وكيف السبيل إلى أن يحصل في نفوسنا صورة ما لم نحسّه وما لم يكن فينا مثله ولا جنسه؟
3- خفاء في اللفظ والمعنى معا، مثل قول الله تعالى: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها} [البقرة: 189] فقد كان العرب في الجاهلية إذا أحرموا وأرادوا دخول بيوتهم- وكانوا من أهل البيوت لا من أهل الخيام- نقبوا نقبا في ظهور بيوتهم يدخلون ويخرجون منه، وإن كانوا من أهل الأخبية خرجوا من خلف الأخبية، فنزل: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها} [البقرة: 189]. فمنشأ الخفاء في اللفظ الاختصار، كأنّ المعنى: وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها إذا كنتم محرمين. ومنشأ الخفاء في المعنى: أنه لابد من معرفة عادة العرب في الجاهلية، وإلا لتعذّر فهمه.
فقد ظهر لنا بأنّ الخفاء الراجع إلى السبب الأول والثالث مما يمكن إزالته، وفهم المراد فيه. وما كان الخفاء فيه راجعا إلى السبب الثاني فذلك مما لا يمكن إزالته، ولا سبيل لتعيين المراد فيه.
فالآيات المتشابهة تعود إلى التشابه والخفاء من جهة المعنى.

.نماذج من الآيات المتشابهة:

قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ} [المجادلة: 7].
{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ} [الواقعة: 85]. {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا} [الطور: 48].
وقال سبحانه: {الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى} [طه: 5] {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ} [الزخرف: 84] {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ} [الأنعام: 3].
وقال جل جلاله: {وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 22]. {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ} [البقرة: 210]. {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً} [الأنعام: 158]. وقال سبحانه: {يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 50] {وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر: 54- 55].
تلك آيات من المتشابه من جهة المعاني في القرآن الكريم، ولا سبيل إلى معرفة حقيقة المراد بها.