فصل: 2- أسباب ورود القرآن على سبعة أحرف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الواضح في علوم القرآن



.2- أسباب ورود القرآن على سبعة أحرف:

أ- التخفيف على هذه الأمة المسلمة، وإرادة اليسر بها، والتهوين عليها؛ شرفا لها، وتوسعة ورحمة، وخصوصية لفضلها.
ب- الإجابة لقصد نبيها محمد صلّى الله عليه وسلّم أفضل الخلق وحبيب الحقّ، حيث أتاه جبريل فقال: «إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف. فقال صلّى الله عليه وسلّم: أسأل الله معافاته ومعونته، إن أمتي لا تطيق ذلك» ولم يزل يردّد المسألة حتى بلغ سبعة أحرف.
روي عن ابن مسعود، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان الكتاب الأوّل نزل من باب واحد وعلى حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب وعلى سبعة أحرف».
وقد أوضح الحافظ ابن الجزري الحكمة الكامنة في ذلك بقوله: إن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا يبعثون إلى قومهم الخاصّين بهم، والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعث إلى جميع الخلق، أحمرها وأسودها عربيها وعجميها، وكانت العرب الذين نزل القرآن بلغتهم لغاتهم مختلفة، وألسنتهم شتى، ويعسر على أحدهم الانتقال من لغته إلى غيرها، أو من حرف إلى آخر، بل قد يكون بعضهم لا يقدر على ذلك ولا بالتعليم والعلاج، لاسيما الشيخ والمرأة، ومن لم يقرأ كتابا، كما أشار إليه صلّى الله عليه وسلّم، فلو كلّفوا العدول عن لغتهم والانتقال عن ألسنتهم، لكان من التكليف بما لا يستطاع، وما عسى أن يتكلّف المتكلف وتأبى الطباع.
ج- التدرّج بالأمة، لتجتمع في لهجاتها على لغة واحدة هي لغة قريش.

.3- معنى الأحرف السبعة والمقصود بها:

المراد بالأحرف السبعة سبعة أوجه في الاختلاف ورسم القراءة واحد، وهو ما ذهب إليه أبو الفضل الرازي وابن قتيبة، وابن الطيّب، واستحسنه ابن الجزري، وهذه الأوجه هي:

.الأول: اختلاف الأسماء من إفراد، وتثنية، وجمع، وتذكير، وتأنيث:

مثل: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ} [المؤمنون: 8] قرئ (لأمانتهم).

.الثاني: اختلاف تصريف الأفعال، من ماض ومضارع وأمر:

مثل: {فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا} [سبأ: 19] قرئ (ربّنا بعّد).

.الثالث: اختلاف وجوه الإعراب:

مثل: {وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة: 282] قرئ (ولا يضارّ).

.الرابع: الاختلاف بالنقص والزيادة:

مثل: {وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى} [الليل: 3] قرئ (والذكر والأنثى) بنقص (ما خلق).

.الخامس: الاختلاف بالتقديم والتأخير:

مثل: {وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} [ق: 19] قرئ (وجاءت سكرة الحقّ بالموت).

.السادس: الاختلاف بالإبدال:

مثل: {وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها} [البقرة: 259] قرئ (ننشرها) بالراء.

.السابع: اختلاف اللغات- اللهجات- كالفتح والإمالة، والترقيق والتفخيم، والإظهار والإدغام:

مثل: {وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى} [طه: 9] تقرأ بالفتح والإمالة في (أتي) ولفظ (موسي).

.والمقصود من هذه الأحرف السبعة:

1- أن جبريل نزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بها حرفا حرفا، وأنه صلّى الله عليه وسلّم قرأ بها جميعا، وأقرأ الناس عليها، وقرءوا بها، فلا يسبقن إلى الذهن أن الأحرف السبعة راجعة إلى لغات الناس واختيارهم في ذلك كما يشاءون.
2- إن الحرف الواحد والأحرف السبعة للقرآن الكريم هي تنزيل من لدن حكيم حميد، وليس فيه لرسولنا صلّى الله عليه وسلّم إلا البلاغ المبين، وقد فعل صلّى الله عليه وسلّم وأدى الأمانة، وبلّغ الرسالة، على أكمل وجه.
3- ليس المراد أن كل كلمة تقرأ على سبعة أوجه، بل المراد أن القرآن أنزل على هذا الشرط وهذه التوسعة، بحيث لا تتجاوز وجوه الاختلاف سبعة أوجه، مهما كثر ذلك التعدّد والتنوع في أداء اللفظ الواحد، ومهما تعددت القراءات وطرقها في الكلمة الواحدة.
4- لا نزاع بين العلماء المعتبرين أن الأحرف السبعة ليست قراءات القراء السبعة المشهورة، بل أول من جمع ذلك ابن مجاهد في القرن الرابع؛ ليكون ذلك موافقا لعدد الحروف التي أنزل عليها القرآن، لا لاعتقاده واعتقاد غيره من العلماء أن القراءات السبع هي الحروف السبعة، أو أن هؤلاء السبعة المعينين هم الذين لا يجوز أن يقرأ بغير قراءاتهم.

.4- مصير الأحرف السبعة:

إن الأحرف السبعة باقية إلى يومنا هذا، وستبقى ما بقي القرآن؛ لأنها لا ترجع إلى الاختلاف في الألفاظ مع اتحاد المعاني، ولا اختلاف اللغات، وإنما ترجع إلى أمور بسيطة يحتملها جميعا رسم القرآن الكريم على كتبته الأصلية دون إعجام وحركات، ويرجّح ابن الجزري صواب هذا الرأي، لأن الأحاديث الواردة تشهد له وتدلّ عليه، فيقول: «والمصاحف العثمانية مشتملة على ما يحتمله رسمها من الأحرف السبعة فقط، جامعة للعرضة الأخيرة التي عرضها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على جبريل عليه السلام، متضمنة لها، لم تترك حرفا منها».

.الفصل الثاني الفرق بين الأحرف والقراءات:

.تمهيد:

يحسن بنا قبل أن نذكر الفرق بين الأحرف والقراءات، أن نحدّد مصدر القراءات، وطريقة تلقيها وأخذها عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ونذكر من اشتهر بالقراءة من الصحابة والتابعين، وذلك في الفقرات التالية:
1- مصدر القراءات: كالأحرف السبعة: قراءة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأمر ربه، فقد كان صلّى الله عليه وسلّم يقرأ على أصحابه ما نزل عليه من القرآن فربما قرأ ألفاظا منه بوجوه عديدة من النطق والأداء، مما يتعلق بأوجه في الإعراب جائزة أو بمد أو قصر، أو تخفيف وتثقيل أو نقل أو إبدال ونحو ذلك مما يتفق على وجه واحد من الكتابة في الجملة، ويختلف اختلافا ما في النطق والأداء، فكان يجيز للصحابة رضوان الله تعالى عليهم أن يقرءوا بأيّ هذه الوجوه شاءوا.
ولم تكن هذه الوجوه من القراءات محصورة في سبع أو عشر قراءات، بل ربما بلغت أوجه القراءات في مجموعها أكثر من ذلك.
2- إن المعول عليه في القرآن الكريم إنما هو التلقي والحفظ ثقة عن ثقة وإمام عن إمام إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقد يقع خطأ في نسخ المصحف كما تقع أخطاء في طبعه، ولأن الأصل في القرآن أنه لا يكون منقوطا ولا مشكولا ليسع القراءات فلابد من أخذ القراءة عن إمام.
3- وقد اختلف أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أخذ القرآن عنه صلّى الله عليه وسلّم، فمنهم من أخذه عنه بحرف واحد، ومنهم من أخذه بحرفين، ومنهم من زاد، ثم تفرّقوا في البلاد، وهم على هذه الحال، فاختلف بسبب ذلك أخذ التابعين عنهم.
4- وقد بعث عثمان رضي الله عنه بالمصاحف- حين كتبها زيد بن ثابت بأمره- إلى الأمصار والآفاق العديدة، وأرسل مع كل مصحف من توافق قراءته في الأكثر الأغلب، وهذه القراءات قد تخالف الذائع الشائع في القطر الآخر عن طريق المبعوث الآخر بالمصحف الآخر.
5- كان المشتهرون من الصحابة بإقراء القرآن عثمان، وعليّ، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وابن مسعود، وأبو الدرداء، وسائر أولئك الذين أرسلهم عثمان رضي الله عنه وعنهم بالمصاحف إلى الآفاق الإسلامية. وكان المشتهرون من التابعين بإقراء القرآن سعيد بن المسيب، وعروة، وسالم، وعمر بن عبد العزيز، وسليمان بن يسار، وأخوه عطاء وآخرون.
6- في آخر عهد التابعين انتبه كثير من علماء القرآن إلى ما أخذ يتسلل إلى الناس من اضطراب السلائق، ومظاهر العجمة وبوادر اللحن، فتجرد قوم منهم ونهضوا بأمر القراءات يضبطونها ويحصرونها ويعنون بأسانيدها كما فعلوا مثل ذلك في الحديث وعلم التفسير.
وقد اشتهر ممن نهض بذلك أئمة سبعة حازوا ثقة العلماء والقراء في مختلف الأمصار وإليهم تنسب القراءات السبعة.
وهم: نافع بن نعيم المدني المتوفى سنة (169 هـ)، وعاصم بن أبي النجود الأسدي، المتوفى سنة (127 هـ)، وحمزة بن حبيب الزيات الكوفي، المتوفى سنة (156 هـ)، وابن عامر: عبد الله بن عامر اليحصبي الدمشقي، المتوفى سنة (118 هـ)، وابن كثير: عبد الله بن كثير الداري، المتوفى بمكة سنة (120 هـ)، وابن العلاء: أبو عمرو، زبّان بن العلاء البصري، المتوفى بالكوفة سنة (154 هـ)، والكسائي: أبو الحسن، علي بن حمزة الكسائي النحوي، المتوفى بالري سنة (189 هـ). وقد اعتمد علماء آخرون ثلاثة قراء آخرين، فأصبح الأئمة عشرة إليهم تنسب القراءات العشرة. وأولئك الثلاثة هم: أبو جعفر المدني، المتوفى بالمدينة سنة (132 هـ)، وابن إسحاق الحضرمي، المتوفى بالبصرة سنة (205 هـ)، وخلف بن هشام، المتوفى ببغداد سنة (229 هـ).

.الفرق بين الأحرف والقراءات:

1- إن الأحرف ألفاظ متعدّدة تجمع على مصحف واحد، أما القراءات فلفظ واحد قد يقرأ على أوجه من القراءات.
2- الحكمة من تعدّد الأحرف التيسير على الأمة، أما القراءات فقد تفيد كلّ قراءة فائدة زائدة ليست في الأخرى، كما في قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] قرئ: {حَتَّى يَطْهُرْنَ}، فالأولى معناها: ينقطع حيضهن، والثانية معناها: يغتسلن. وهي باقية ما بقي القرآن الكريم.

.الفصل الثالث القراءات المتواترة والشاذة- ضابط القراءات المتواترة:

.1- أنواع القراءات:

أنواع القراءات من حيث السند ستة:

.1- المتواتر:

وهو ما رواه جمع عن جمع لا يمكن تواطؤهم على الكذب عن مثلهم. مثاله: ما اتفقت الطرق في نقله عن السبعة وهذا هو الغالب في القراءات.

.2- المشهور:

هو ما صحّ سنده، بأن رواه العدل الضابط عن مثله، وهكذا، ووافق العربية ووافق أحد المصاحف العثمانية، سواء كان من الأئمة السبعة أم العشرة أم غيرهم من الأئمة المقبولين.
وهذان النوعان يقرأ بهما مع وجوب اعتقادهما ولا يجوز إنكار شيء منهما.

.3- ما صح سنده:

وخالف الرسم أو العربية، ولم يشتهر الاشتهار المذكور.
مثاله قوله تعالى: {لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 128] قرئ (من أنفسكم) بفتح الفاء. وهذا النوع لا يقرأ به ولا يجب اعتقاده.

.4- الشّاذّ:

وهو ما لم يصح سنده: مثاله قوله تعالى: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} [يونس: 92] ورد بطريق غير صحيح أنه قرئ (فاليوم ننحيك) بالحاء المهملة بدل الجيم.

.5- الموضوع:

وهو ما ينسب إلى قائله من غير أصل، مثاله قوله تعالى: {إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ} [فاطر: 28] افتري على أبي حنيفة أنه قرأ: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) وكيف يخشى الخالق المخلوق؟ ولماذا؟

.6- ما يشبه المدرج من أنواع الحديث:

وهو ما زيد من القراءات على وجه التفسير، مثاله قوله تعالى: {فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: 89] قرأ ابن مسعود (ثلاثة أيام متتابعات).

.2- الفرق بين القراءات المتواترة والشاذة:

(1) إن القراءات المتواترة صحيحة النسبة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بنقل الجمع الكثير عن الجمع الكثير حتى يبلغ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
(2) يجب اعتقاد القراءات المتواترة بحيث يكفر جاحدها جملة، معاذ الله.
(3) هذه القراءات هي التي يقرأ بها القرآن الكريم ويتعبد به في الصلاة وخارج الصلاة.
(4) هذه القراءات يستعان بها على فهم القرآن الكريم وإدراك مراميه.
أما القراءات الشاذة فعلى عكس ذلك.
أ- فهي مما لا تصحّ نسبة القراءة بها إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
ب- ويحرم اعتقادها، بل قد يكفر معتقدها إذا علم بطلان سندها.
ج- لا يقرأ بها في الصلاة أو خارج الصلاة، ولا يتعبد الله تعالى بتلاوتها.
د- لا يستعان بها على فهم القرآن، ولكن من المهم أن يعرف توجيهها، قال بعضهم: توجيه القراءات الشّاذّة أقوى في الصناعة من توجيه المشهورة.