فصل: كراء عملية جراحية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ البيمارستانات في الإسلام



.خزانة الشراب:

هي الصيدلية في البيمارستان قال أبو العباس القلقشندي: هذه الخزانة هي المعبر عنها في زماننا أي زمن القلقشندي المتوفى سنة 821هـ - 1418م بالشرابخاناه وهي الحواصل المعبر عنها بالبيوت، ذلك أنهم يضيفون كل واحد منها إلى لفظ خاناه كالشراب خاناه والطشت خاناه والطبل خاناه ونحوها وخاناه لفظ فارسي معناه البيت فتأويلها بيت الشراب إلخ. إلا أنهم يؤخرون المضاف عن المضاف إليه على عادة الفرس في ذلك. وكان فيها من أنواع الأشربة والمعاجين النفيسة والمربيات الفاخرة وأصناف الأدوية والعطريات الفائقة التي ر توجد إلا فيها. وفيها من الآلات النفيسة والآنية الصيني من الزبادي والبراني والأزبار ما لا يقدر عليه غير الملوك. وقد كان لكل مارستان خزانة للشراب كاملة كما في وقفية المارستان المنصوري قلاوون وغيره ولكل شراب خاناه مهتار يعرف يمهتار الشرابخاناه ومهتر بالفارسية بمعنى رئيس متسلم لحواصلها له مكانة عالية وتحت يده غلمان عنده برسم الخدمة يطلق على كل واحد منهم شراب دار.
وفي الشرابخاناه الخاصة بالسلطان وظيفة الشادّ بها تكون لأمير من أكابر أمراء المئين الخاصكية المؤتمنين ولها مهتار يعرف بمهتار الشرابخاناه متسلم لحواصلها.
ووظيفة الشادّ موضوعها التحدث في أمر الشرابخاناه السلطانية وما عمل إليها من السكر والمشروب والفواكه وغير ذلك وتارة يكون مقدما وتارة يكون طبلخاناه.

.نظر البيمارستان ورتب أطبائه:

كان للبيمارستان ناظر ينظر أو يشرف على إدارته وكان النظر عليه معدودا من الوظائف الديوانية العظيمة قال أبو العباس أحمد القلقشندي:
من الوظائف الديوانية نظر البيمارستان وقد صار النظر عليه معدوقا بالنائب نائب السلطان يفوض التحدث فيه إلى من يختاره من أرباب الأقلام. وقال عند الكلام عن نائب السلطنة: ومعه أي نائب السلطان يكون نظر البيمارستان الكبير النوري الذي بدمشق كما يكون نظر البيمارستان المنصوري قلاوون بالقاهرة مع أتابك العساكر وقال عن الوظائف الكبيرة بالقاهرة: إن منها صحابة ديوان البيمارستان وموضوعها التحدث في كل ما يتحدث به ناظر البيمارستان. وقال عن وظيفة نظر البيمارستان والمراد البيمارستان النوري: هي من أجل الوظائف وأعلاها وعادة النظر فيه من أصحاب السيوف لأكبر الأمراء بالديار المصرية وذكر ابن إياس: إن نظر البيمارستان كان من أهم وظائف الدولة يتولاه الأتابكي ويذهب إليه في حفلة حافلة وقال في حوادث سنة 901هـ ومستهلها يوم الأحد: في هذا اليوم خلع على الأتابكي تمراز وقرره في نظر البيمارستان المنصوري فتوجه هناك في موكب حافل وذلك كان في سلطنة الملك الأشرف أبي النصر قايتباي المحمودي في عصر الخليفة المتوكل على الله العباسي. وقال خليل بن أبيك الظاهري إن للبيمارستان شادا وظيفته من وظائف الدولة تقضي لمن يستقر فيها إمرة عشرين حاجبا. وقال أبو العباس القلقشندي من الوظائف بدمشق وظائف أرباب الصناعات منها رياسة الطب ورياسة الكحالة ورياسة الجرائحية وكلها على نحو ما هو موجود في الديار المصرية وولاية كل منها بتوقيع كريم من النائب.
وألقاب أرباب الوظائف من أهل الصناعات هي:
1. رئيس الأطباء وهو الذي يحكم على طائفة الأطباء ويأذن لهم في التطبيب ونحو ذلك.
2. رئيس الكحالين وحكمه في الكلام على طائفة الكحالة حكم رئيس الأطباء في طائفة الأطباء.
3. رئيس الجرائحية وحكمه في الكلام على طائفة الجرائحية والمجبرين كالرئيس المتقدم.
وكانت أعظم الوظائف الصناعية في الدولة الفاطمية بمصر وظائف الأطباء فكانت ألقاب أرباب الصناعات الرئيسية كرياسة الطب من الدرجة الأولى درجة المجلس أو إمرة المجلس وموضوعها التحدث على الأطباء والكحالين ومن شاكلهم ولا يكون إلا واحدا وفي المرتبة الأولى مرتبة المجلس العالي.
وكان من الوظائف الصناعية العظيمة وظيفة الطبيب الخاص وهو الطبيب الخاص بالخليفة يجلس على باب دار الخلافة كل يوم ويجلس على الدكك التي بالقاعة المعروفة بقاعة الذهب بالقصر، دونه أربعة أطباء أو ثلاثة فيخرج الأستاذون الخدم والطواشية فيستدعون منهم من يجدونه للدخول على المرضى بالقصر لجهات الأقارب والخواص، فيكتب لهم رقاعا على خزانة الشراب فيأخذون ما فيها وتبقى الرقاع عند مباشرتها شاهدا لهم ولكل منهم الجاري والراتب على قدره.

.التوقيع بنظر البيمارستان:

التواقيع بنظر البيمارستان هي المراسيم بتعيينهم في وظائفهم وسنأتي هنا ببعض صور من تلك التواقيع. وهم أي النظار من الدرجة الأولى: درجة المجلس.

.نسخة توقيع لمن كان في المرتبة الأولى مرتبة المجلس العالي:

المجلس العالي القضائي العالي الفاضلي الكاملي الأوحدي فلان... جمال الإسلام والمسلمين سيد الرؤساء في العالمين أوحد الفضلاء والمقربين خاصة الملوك والسلاطين.
وهذه صورة أخرى لما يكتب به من المراسيم لناظر البيمارستان لصاحب سيف كتب: توقيع شريف أن يفوض إلى المقر الكريم أو الجناب الكريم أو العالي على قدر رتبته الأميري الكبيري الفلاني فلان الناصري مثلا أعز الله أنصاره أو نصرته أو ضاعف الله نعمته بحسب ما يليق به نظر البيمارستان المعمور المنصوري على أجمل العوائد وأكمل القواعد بما لذلك من المعلوم الشاهد به الديوان المعمور على ما شرح فيه.
وهذه نسخة توقيع بنظر البيمارستان العتيق الناصري الذي رتبه السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب في بعض قاعات قصر الفاطميين وهي:
رسم بالأمر الشريف لا زالت أيامه تفيد علاء، وتستخدم أكفاء؛ وتضفي ملابس النعماء، على كل عليّ فتكسوه بهجة وبهاء أن يستقر فلان في نظر البيمارستان الصلاحي بالقاهرة المحروسة بالمعلوم الشاهد به الديوان المعمرر إلى آخر وقت لكفاءته التي اشتهر ذكرها، وأمانته التي صدق خَبَرَها خُبْرُها، ونزاهته التي أضحى بها على النفس فغدا بكل ثناء ملياًّ، ورياسته أحلت قدره أسمى رتبة فلا غرو أن يكون علياًّ، فليباشر البيمارستان المذكور مباشرة يظهر بها انتفاعه، وتتميز بها أوضاعه، ويضحى عامر الأرجاء والنواحي، ويقول لسان حاله عند حسن نظره وجميل تصرفه: الآن كما بدا صلاحي، وليجعل همته مصروفة إلى ضبط مقبوضه ومصروفه، ويظهر نهضته المعروفة بتشعير ريعه، حتى يتضاعف مداد معروفه، ويلاحظ أحوال من فيه، ملاحظة تذهب عنهم اليأس، ويراعي مصالح حاله في تنميته وتركيبته حتى لا يزال منه شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس، وليتناول المعلوم الشاهد به الديوان المعمور من استقبال تاريخه بعد الخط الشريف أعلاه.

.أرزاق الأطباء في البيمارستان وفي الخدمة الخاصة:

كان للأطباء على وجه العموم من لدن الخلفاء والملوك والأمراء، الإحسان الكبير والأفضال الغزيرة، والجامكية الوافرة والصلات المتواترة، وكانت تطلق للأطباء مع الجامكية الجراية وعلوفة للدابة التي يركبونها.
أما المرتبات الشهرية فكانت كما يأتي:
أطباء الخاص أي المنقطعون للخليفة أو السلطان وكانا اثنين لكل منهما في الشهر خمسون دينارا ولمن دونهما من الأطباء وهم نحو ثلاثة أو أربعة، المقيمين بالقصر لكل واحد منهم عشرة دنانير ولكل طبيب بالمارستان ما يقوم بكفايته.
فكان للأطباء بالمارستان على العموم جامكية خمسة عشر دينارا وكان لبعضهم رزقان أي ثلاثون دينارا في كل شهر لعملين مختلفين كرضي الدين الرحبي، فقد أطلق له صلاح الدين يوسف بن أيوب في كل شهر ثلاثين دينارا ويكون ملازما للقلعة والبيمارستان، وبعد وفاة صلاح الدين أطلق له الملك المعظم عيسى بن الملك العادل خمسة عشر دينارا ويكون مترددا إلى البيمارستان.
وكان لبعضهم كجبرائيل الكحال ألف درهم في كل شهر. وكان لماسويه جامكية من الفضل في كل شهر ستمائة درهم وعلوفة دابته، ثم تزيد إلى ألفي درهم ومعونة في السنة عشرة آلف درهم وعلوفة ونزل. وممن كان يأخذ رزقين جبريل بن عبد الله بن بختيشوع، فكان يأخذ برسم الخاص ثلاثمائة درهم شجاعية وبرسم البيمارستان ثلاثمائة درهم شجاعية سوى الجراية. وكان لعز الدين بن السويدي جامكية في أربع جهات في البيمارستان النوري وفي بيمارستان باب البريد في دمشق وللتردد على قلعة دمشق ولتدريسه في مدرسة الدخوارية.
وكان من أطباء الأمير سيف الدولة بن حمدان من يأخذ رزقين لتعاطيه علمين، ومن يأخذ ثلاثة أرزاق لتعاطيه ثلاثة علوم وكان في جملتهم عيسى النفيس الطبيب فكان يأخذ ثلاثة أرزاق: رزقا للنقل من السرياني إلى العربي، ورزقين آخرين بسبب علمين آخرين.
ولم يكن حسن موقع الأطباء لدى الخلفاء والملوك وإطلاق الجامكية الوافرة لهم بمانع من أن يشتغل بعضهم في البيمارستان احتسابا، فقد كان كمال الدين الحمصي يتردد على البيمارستان الكبير النوري يعالج المرضى فيه احتسابا.
وقد بلغ بعض الأطباء من حسن الحال ورغد العيش إلى درجة عظيمة، فقد بلغ بختيشوع في زمان الخليفة المتوكل في الجلالة والرفق عظم المنزلة وحسن الحال وكثرة المال وكمال المروءة ومباراة الخليفة في اللباس والزي والطيب والفرش والضيافات والتفسح في النفقات مبلغا يفوق حد الوصف.

.كراء عملية جراحية:

من المستملح أن يعرف أهل زماننا الحاضر مقدار ما كان يتناوله الطبيب في ذلك العصر السالف أجرا لعملية أجريت لمريض قال سليمان بن حسان: حدثني أحمد بن يونس الحراني قال:
حضرت بين يدي أحمد بن وصيف الصابئ وقد حضر سبعة أنفس لقدح أعينهم وهي العملية التي تعمل للماء أي الكتر كتا وفي جملتهم رجل من أهل خراسان، أقعده بين يديه ونظر إلى عينيه فرأى ماء تهيأ للقدح، فساومه على ذلك واتفق معه على ثمانين درهما أي ما قيمته جنيهان الآن وحلف أنه لا يملك غيرهما فلما حلف الرجل اطمأن وضمه إلى نفسه فوقعت يده على عضده فوجد فيها نطاقا صغيرا فيه دنانير. فقال له ابن وصيف: ما هذا؟ فتلوى فقال له ابن وصيف: قد حلفت بالله وأنت حانث وترجوه رجوع بصرك إليك! والله لا أعالجك إذ خادعت ربك. فطلب إليه، فأبى أن يقدحه وصرف إليه الثمانين درهما ولم يقدح عينه.

.نظام المعالجة في البيمارستان (الدرس بجانب سرير المريض):

كان في البيمارستان طريقان للعلاج: علاج خارجي أي أن المريض يتناول الدواء من البيمارستان ثم ينصرف ليتعاطاه في منزله وعلاج داخلي يقيم المريض في أثنائه في البيمارستان في القسم الخاص والقاعة الخاصة بمرضه حتى يشفى.
ففي الطريقة الأولى كان الطبيب يجلس على دكة ويكتب لمن يرد عليه من المرضى للعلاج أوراقا يعتمدون عليها، ويأخذون بها من البيمارستان الأشربة والأدوية التي يصفها الطبيب.
وأما العلاج الداخلي أي في داخل البيمارستان، فكان المرضى يوزعون على القاعات بحسب أمراضهم، وكان لكل قسم من أقسام البيمارستان طبيب أو اثنان أو ثلاثة أطباء بحسب الساعة وكثرة المرضى، وكان إذا دعا الحال يدعى طبيب من قسم آخر غير القسم الذي فيه المريض للاستشارة.
وكان الأطباء يشتغلون في البيمارستان بالنوبة فجبريل بن بختيشوع كانت نوبته في الأسبوع يومين وليلتين.

.الدروس الطبية الإكلينيكية:

قال موفق الدين أبو العباس بن أبي أصيبعة:
كنت بعد ما يفرغ الحكيم مهذب الدين والحكيم عمران من معالجة المرضى المقيمين بالبيمارستان وأنا معهم أجلس مع الشيخ رضي الدين الرحبي فأعاين كيفية استدلاله على الأمراض، وجملة ما يصفه للمرضى وما يكتب لهم وأبحث معه في كثير من الأمراض ومداولتها ثم قال: وكان معه أي مع مهذب الدين في البيمارستان لمعالجة المرضى الحكيم عمران وهو من أعيان الأطباء وأكابرهم في المداواة والتصرف في أنواع العلاج فتضاعف الفوائد المقتبسة من اجتماعهما ومما كان يجري بينهما من الكلام في الأمراض ومداولتها وما كانا يصفان للمرضى.
وذكر موفق الدين أبو العباس ابن أبي أصيبعة نقلا عن شيخه مهذب الدين عبد الرحيم بن علي: أنه كان في البيمارستان الكبير النوري وهو يعالج المرضى المقيمين به فكان من جملتهم رجل به استسقاء زقي قد استحكم به وقصد إلى بزله، وكان في ذلك الوقت في البيمارستان ابن حمدان الجرائحي وله يد طولى في العلاج فجزموا على بزل المستسقى، قال: فحضرنا وبزل الموضع على ما يجب. وذكر أن أبا المجد بن أبي الحكم كان يدور على المرضى بالبيمارستان الكبير النوري، ويتفقد أحوالهم، ويعتبر أمورهم، وبين يديه المشارفون والقوام لخدمة المرضى فكان جميع ما يكتبه لكل مريض من المداواة والتدبير لا يؤخر عنه ولا يتوانى في ذلك. قال: وبعد فراغه من ذلك يأتي فيجلس في الإيوان الكبير الذي للبيمارستان وجميعه مفروش، ويحضر كتب الاشتغال. وكان السلطان نور الدين محمود بن زنكي قد وقف على هذا البيمارستان جملة كبيرة من الكتب الطبية وكانت في الخرستانين الخزانتين اللذين في صدر الإيوان، فكان جماعة من الأطباء والمشتغلين يأتون إليه ويقعدون بين يديه، ثم يجري مباحث طبية ويقرئ التلاميذ ولا يزال معهم في اشتغال ومباحثة ونظر في الكتب الطبية مقدار ثلاث ساعات، ثم يركب إلى داره.
وكان بعض متقدمي الأطباء قد جعل له مجلسا عاما لتدريس صناعة الطب للمشتغلين عليه.
وقد وقف مهذب الدين عبد الرحيم بن علي سنة 622، الدار التي له بدمشق، وجعلها مدرسة يدرس فيها صناعة الطب، ووقف لها ضياعا وعدة أماكن يستغل منها ما ينصرف في مصالحها، وفي جامكية المدرسة وجامكية المشتغلين بها.
ولم يكن الأطباء يغفلون النظر في أبوال المرضى، فقد كانوا يسمون ذلك القارورة، ويسمون الاستنتاج من نظر البول التفسرة، فما كان يعالج مريض دون النظر إلى قارورته، ولهم في نظرها آراء وعلامات يتعرفون منها حالة البول من صحة وسقم. ونحن نقص الحكاية الآتية للدلالة على مهارة الأطباء وقوة استدلالهم وحسن استنتاجهم من النظر في بول المريض:
أراد الرشيد أن يمتحن بختيشوع الطبيب، أمام جماعة من الأطباء فقال الرشيد لبعض الخدم: أحضره ماء دابة حتى تجربه. فمضى الخادم وأحضر قارورة الماء، فلما رآه قال: يا أمير المؤمنين ليس هذا بول إنسان. قال له أبو قريش وقد كان حاضرا: كذبت هذا ماء حظية الخليفة. فقال له بختيشوع: لك أقول أيها الشيخ الكريم، لم يبل هذا إنسان البتة، وإن كان الأمر على ما قلت فلعلها صارت بهيمة. فقال له الخليفة: من أين علمت أنه ليس ببول إنسان؟ قال بختيشوع: لأنه ليس له قوام بول الناس، ولا لونه، ولا ريحه، ثم التفت الخليفة إلى بختيشوع فقال له: ما ترى أن نطعم صاحب هذا الماء فقال: شعيرا جيدا. فضحك الرشيد ضحكا شديدا، وأمر فخلع عليه خلعة حسنة جليلة، ووهب له مالا وافرا، وقال: بختيشوع يكون رئيس الأطباء كلهم، وله يسمعون ويطيعون.
وكان للطبيب الحرية التامة في العمل والتجريب واستنباط الأساليب المناسبة للعلاج. وكانت التجارب تدون في كتب خاصة يقرؤها الجمهور من الأطباء. فقد كان لأبي البيان المدور المتوفى سنة 580هـ - 1184م بالقاهرة كتاب في مجرباته في الطب وكان للساهر يوسف القس كناش وهو ما استخرجه وجربه في أيام حياته ولأفرايم بن الزَّقان تعاليق ومجريات، ولابن العين رزبي مجريات في الطب، ولابن أبي الفضائل الناقد مجريات في الطب، ولأبي المعالي تمام بن هبة الله بن تمام تعاليق ومجريات في الطب، ولمحمد بن زكريا الرازي كتاب عنوانه قصص وحكايات المرضى ومنه نسخة في خزانة كتب بودليان في إكسفورد وطبع منه الدكتور العالم المستشرق مكس مايرهوف جزءاً.
وكان لبعض الأطباء أنواع من العلاج هي من مبتكرات قرائحهم كعلاج أوحد الزمان أبي البركات هبة الله بن علي بن ملكا أحد المرسومين بالوهم، وفوق الهمة العظيمة والتدبير الحسن والعناية التامة براحة المرضى، فقد كان لهم من حسن الخلق وطول الأناة والتسامح مع المرضى الشيء الكثير: كان أبو الحسن سعيد ابن هبة الله يتولى مداواة المرضى بالبيمارستان العضدي، فإنه كان يوما بالبيمارستان وقد أتى إلى قاعة الممرورين يتفقد أحوالهم ومعالجتهم، وإذا بامرأة قد أتت إليه واستفتته فيما تعالج به ولدا لها فقال: أن تلازميه بتناول الأشياء المبردة المرطبة فهزأ به بعض من كان مقيما في تلك القاعة من الممرورين وقال: هذه صفة يصلح أن تقولها لأحد تلامذتك ممن يكون قد اشتغل بالطب وعرف أشياء من قوانينه، وأما هذه المرأة فأي شيء تدري ما هو من الأشياء المبردة المرطبة، وإنما سبيله أن تصف لها شيئا معينا تعتمد عليه. فلم يتحرج الطبيب من هذا القول. وقد أوصلهم سمو الخلق وبسطة العلم إلى أعلى الدرجات. فإن القاضي ابن المرخم يحيى بن سعد صار أقضى القضاة في أيام المقتفي ببغداد، وقد كان طبيبا في المارستان المحمول وفصادا فيه. والإمام العالم علامة زمانه أفضل الدين أبو عبد الله محمد بن نامادار الخونجي قد تميز في العلوم الحكمية وأتقن العلوم الشرعية وفي آخر أيامه تولى القضاء بمصر وصار قاضي القضاة بها وبأعمالها توفي سنة 646هـ وصار سعيد بن البطريق بطريركا بالإسكندرية.