فصل: تفسير الآيات (1- 4):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرآن العظيم (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (9- 11):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)}.
يقول تعالى آمرًا لعباده المؤمنين بكثرة ذكره وناهيا لهم عن أن تشغلهم الأموال والأولاد عن ذلك ومخبرًا لهم بأنه من التَهَى بمتاع الحياة الدنيا وزينتها عما خُلِقَ له من طاعة ربه وذكره، فإنه من الخاسرين الذين يخسرون أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، ثم حثهم على الإنفاق في طاعته فقال: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} فكل مُفَرِّط يندم عند الاحتضار، ويسأل طول المدة ولو شيئا يسيرًا، يستعتب ويستدرك ما فاته، وهيهات! كان ما كان، وأتى ما هو آت، وكل بحسب تفريطه، أما الكفار فكما قال الله تعالى: {وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ} [إبراهيم: 44] وقال تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 99، 100]
ثم قال تعالى: {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} أي: لا ينظر أحدًا بعد حلول أجله، وهو أعلم وأخبر بمن يكون صادقًا في قوله وسؤاله ممن لو رُدّ لعاد إلى شر مما كان عليه؛ ولهذا قال: {وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} وقال أبو عيسى الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا جعفر بن عون، حدثنا أبو جَنَاب الكلبي، عن الضحاك بن مُزاحم، عن ابن عباس قال: من كان له مال يبلغه حج بيت ربه، أو تجب عليه فيه زكاةٌ، فلم يفعل، سأل الرجعة عند الموت. فقال رجل: يا ابن عباس، اتق الله، فإنما يسأل الرجعة الكفار. فقال سأتلوا عليك بذلك قرآنا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} قال: فما يوجب الزكاة؟ قال: إذا بلغ المال مائتين فصاعدا. قال: فما يوجب الحج؟ قال: الزاد والبعير.
ثم قال: حدثنا عبد بن حُميَد، حدثنا عبد الرزاق، عن الثوري، عن يحيى بن أبي حَيَّة- وهو أبو جناب الكلبي- عن الضحاك، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحوه.
ثم قال: وقد رواه سفيان بن عيينة وغيره، عن أبي جَنَاب، عن ابن الضحاك، عن ابن عباس، من قوله. وهو أصح، وضعَّف أبا جناب الكلبي.
قلت: رواية الضحاك عن ابن عباس فيها انقطاع، والله أعلم.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا ابن نُفَيل، حدثنا سليمان بن عطاء، عن مسلمة الجهني، عن عمه- يعني أبا مشجعة بن رِبْعِي- عن أبي الدرداء، رضي الله عنه، قال: ذكرنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الزيادة في العمر فقال: «إن الله لا يؤخر نفسًا إذا جاء أجلها، وإنما الزيادة في العمر أن يرزق الله العبدَ ذُرية صالحة يدعون له، فيلحقه دعاؤهم في قبره».
آخر تفسير سورة المنافقون ولله الحمد والمنة.

.سورة التغابن:

وهي مدنية، وقيل: مكية.
قال الطبراني: حدثنا محمد بن هارون بن محمد بن بكار الدمشقي، حدثنا العباس بن الوليد الخلال، حدثنا الوليد بن الوليد، حدثنا ابن ثوبان، عن عطاء بن أبي رباح، عن عبد الله بن عَمرو، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود يولد إلا مكتوب في تشبيك رأسه خمس آيات من سورة التغابن».
أورده ابن عساكر في ترجمة الوليد بن صالح وهو غريب جدًّا، بل منكر.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 4):

{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (4)}
هذه السورة هي آخر المُسَبِّحات، وقد تقدم الكلام على تسبيح المخلوقات لبارئها ومالكها؛ ولهذا قال: {لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ} أي: هو المتصرف في جميع الكائنات، المحمود على جميع ما يخلقه ويقدره.
وقوله: {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أي: مهما أراد كان بلا ممانع ولا مدافع، وما لم يشأ لم يكن.
وقوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} أي: هو الخالق لكم على هذه الصفة، وأراد منكم ذلك، فلابد من وجود مؤمن وكافر، وهو البصير بمن يستحق الهداية ممن يستحق الضلال، وهو شهيد على أعمال عباده، وسيجزيهم بها أتم الجزاء؛ ولهذا قال: {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}
ثم قال: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ} أي: بالعدل والحكمة، {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} أي: أحسن أشكالكم، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار: 6- 8]
وكقوله: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} الآية [غافر: 64] وقوله: {وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} أي: المرجع والمآب.
ثم أخبر تعالى عن علمه بجميع الكائنات السمائية والأرضية والنفسية، فقال: {يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}

.تفسير الآيات (5- 6):

{أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (5) ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (6)}
يقول تعالى مخبرًا عن الأمم الماضين، وما حل بهم من العذاب والنكال؛ في مخالفة الرسل والتكذيب بالحق، فقال: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ} أي: خبرهم وما كان من أمرهم، {فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ} أي: وخيم تكذيبهم ورديء أفعالهم، وهو ما حل بهم في الدنيا من العقوبة والخزي {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي: في الدار الآخرة مضاف إلى هذا الدنيوي. ثم علل ذلك فقال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} أي: بالحجج والدلائل والبراهين {فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا}؟ أي: استبعدوا أن تكون الرسالة في البشر، وأن يكون هداهم على يدي بشر مثلهم، {فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا} أي: كذبوا بالحق ونكلوا عن العمل، {وَاسْتَغْنَى اللَّهُ} أي: عنهم {وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}

.تفسير الآيات (7- 10):

{زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7) فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (10)}
يقول تعالى مخبرًا عن المشركين والكفار والملحدين أنهم يزعمون أنهم لا يبعثون: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ} أي: لتُخْبَرُنَّ بجميع أعمالكم، جليلها وحقيرها، صغيرها وكبيرها، {وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} أي: بعثكم ومجازاتكم.
وهذه هي الآية الثالثة التي أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقسم بربه، عز وجل، على وقوع المعاد ووجوده فالأولى في سورة يونس: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} [يونس: 53] والثانية في سورة سبأ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} الآية [سبأ: 3]
والثالثة هي هذه {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} ثم قال تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزلْنَا} يعني: القرآن، {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} أي: فلا تخفى عليه من أعمالكم خافية.
وقوله: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ} وهو يوم القيامة، سمي بذلك لأنه يجمع فيه الأولون والآخرون في صعيد واحد، يسمعهم الداعي وينَفُذَهم البصر، كما قال تعالى: {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ} [هود: 103] وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ الأوَّلِينَ وَالآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الواقعة: 49، 50]
وقوله: {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} قال ابن عباس: هو اسم من أسماء يوم القيامة. وذلك أن أهل الجنة يغبنون أهل النار.
وكذا قال قتادة ومجاهد.
وقال مقاتل بن حيان: لا غبن أعظمُ من أن يدخل هؤلاء إلى الجنة، ويُذْهَب بأولئك إلى النار.
قلت: وقد فسر ذلك بقوله تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} وقد تقدم تفسير مثلُ هذه غير مرة.

.تفسير الآيات (11- 13):

{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (12) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (13)}
يقول تعالى مخبرًا بما أخبر به في سورة الحديد: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد: 22] وهكذا قال هاهنا: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ} قال ابن عباس: بأمر الله، يعني: عن قدره ومشيئته.
{وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} أي: ومن أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله وقدره، فصبر واحتسب واستسلم لقضاء الله، هدى الله قلبه، وعَوَّضه عما فاته من الدنيا هُدى في قلبه، ويقينا صادقًا، وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه، أو خيرًا منه.
قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} يعني: يهد قلبه لليقين، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
وقال الأعمش، عن أبي ظِبْيان قال: كنا عند علقمة فقرئ عنده هذه الآية: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} فسئل عن ذلك فقال: هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله، فيرضى ويسلم. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
وقال سعيد بن جبير، ومقاتل بن حيان: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} يعني: يسترجع، يقول: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156]
وفي الحديث المتفق عليه: «عجبًا للمؤمن، لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيرًا له، إن أصابته ضَرَّاء صبر فكان خيرًا له، وإن أصابته سَرَّاء شكر فكان خيرًا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن».
وقال أحمد: حدثنا حسن، حدثنا ابن لَهِيعة، حدثنا الحارث بن يزيد، عن علي بن رَبَاح؛ أنه سمع جنادة بن أبي أمية يقول: سمعت عبادة بن الصامت يقول: إن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ قال: «إيمان بالله، وتصديق به، وجهاد في سبيله». قال: أريد أهونَ من هذا يا رسول الله. قال: «لا تتهم الله في شيء، قضى لك به». لم يخرجوه.
وقوله: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} أمرٌ بطاعة الله ورسوله فيما شرع، وفعل ما به أمر وترك ما عنه نهى وزجر، ثم قال: {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} أي: إن نكلتم عن العمل فإنما عليه ما حُمِّل من البلاغ، وعليكم ما حُمِّلْتم من السمع والطاعة.
قال الزهري: من الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ وعلينا التسليم.
ثم قال تعالى مخبرًا أنه الأحد الصمد، الذي لا إله غيره، فقال: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} فالأول خَبَرٌ عن التوحيد، ومعناه معنى الطلب، أي: وحدوا الإلهية له، وأخلصوها لديه، وتوكلوا عليه، كما قال تعالى: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا} [المزمل: 9].